موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٢

موسوعة عبد الله بن عبّاس0%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-502-3
الصفحات: 357

موسوعة عبد الله بن عبّاس

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد حسن الموسوي الخرسان
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: ISBN: 964-319-502-3
الصفحات: 357
المشاهدات: 61158
تحميل: 4136


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 61158 / تحميل: 4136
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: 964-319-502-3
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ولم تقف نتائج السخط عند القتل والشماتة ، بل بلغت أسوأ ما ارتكبوه منه.

فقد روى البلاذري عن أبي مخنف : « إنّ عثمان قتل يوم الجمعة فترك في داره قتيلاً ، فجاء جبير بن مطعم وعبد الرحمن بن أبي بكر ومسور بن مخرمة الزهري وأبو الجهم بن حذيفة العدوي ليصلّوا عليه ويُجنّوه ، فجاء رجال من الأنصار فقالوا لا ندعكم تصلون عليه ، فقال أبو الجهم : إلاّ تدعونا نصلّي عليه فقد صلت عليه الملائكة ، فقال الحجاج بن غزيّة : إن كنت كاذباً فأدخلك الله مدخله قال نعم حشرني الله معه ، قال ابن غزية : ان الله حاشرك معه ومع الشيطان والله إنّ تركي الحاقك به لخطأ وعجز ، فسكت أبو الجهم »(1) .

وفي حديث المدائني عن الوقاصي عن الزهري قال : « إمتنعوا من دفن عثمان فوقفت أم حبيبة بباب المسجد ثمّ قالت : لتخلّن بيننا وبين دفن هذا الرجل أو لأكشفنّ ستر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخلوا بينه وبين دفنه »(2) .

وروى ابن أعثم في الفتوح قال : « ثمّ أمر عليّ بدفن عثمان فحمل ، وقد كان مطروحاً على مزبلة ثلاثة أيام حتى ذهبت الكلاب بفرد رجليه ، فقال رجل من المصريين وأمه : لا ندفنه إلاّ في مقابر اليهود. قال حكيم بن حزام : كذبت أيها المتكلم لا يكون ذلك أبداً ما بقي رجل من ولد قصي.

قال : فحمل عثمان رحمة الله عليه على باب صغير قد جازت رجلاه من الباب وانّ رأسه ليتقعقع وأوتى به إلى حفرته »(3) .

__________________

(1) نفس المصدر / 575.

(2) نفس المصدر / 577.

(3) الفتوح 2 / 247.

٣٠١

وقال أبو مخنف في حديثه : « ثمّ أنّ القوم أغفلوا أمر عثمان وشغلوا عنه ، فعاد هؤلاء النفر فصلوا عليه وحمل على باب صغير من جريد قد خرجت منه رجلاه »(1) . وفي ذلك قال أحمد شوقي بك في دول العرب وعظماء الإسلام(2) :

من كقتيل بالسَفا مكفّنِ

مرّت به ثلاثةٌ لم يدفن

تعرضُه نوادبا أرامله

ويشفق النعش ويأبى حامله

قد حيل بين الأرض وابن آدما

ونوزعت دار البقاء قادما

مُثّلَ بالمهاجر المُثنّي

على علوّ شأنه والسنّ

تنبوا العيون اليوم عنه جيفة

وأمس كانَ نورها خليفة

مواقف محنة واختبار لابن عباس :

لقد قرأنا الكثير ـ فيما مرّ ـ من نصائح للإمام وللعباس ولابنه عبد الله نصحوا بها عثمان في الإقلاع عن سياسته الّتي أثارت عليه سخط المسلمين ، لكنهم لم يجدوا عنده أذناً صاغية ، بل كان يتهمهم في نصحهم ، وبعد أن أعجزهم صاروا يقلـّلون من تحمّل المسؤولية أزاءه ما وسعهم ذلك. وقد مرّت بنا في مواقف عثمان من بني هاشم في الفقرتين (3 ، 4) آخر محاولات العباس في نصح عثمان ، ولما لم يجد منه قبولاً تاماً ودائماً دعا ربّه أن لا يبقيه لأيام الفتن ، فما دارت عليه الجمعة حتى مات.

__________________

(1) أنساب الأشراف 1 ق 4 / 575.

(2) دول العرب وعظماء الإسلام / 48.

٣٠٢

ولعل آخر ما ورد عنه في ذلك وصيته لعثمان تلك الوصية الّتي تبارى لها جماعة فنظموها شعراً لنفاستها وما تضمنته من نصائح قيّمة(1) .

وله وصية مماثلة ومتزامنة مع سابقتها أوصى بها الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام :

قال الجاحظ : « إنّ العباس بن عبد المطلب أوصى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام في علته الّتي مات فيها ، فقال : أي بُني إنّي مشفٍ على الظعن عن الدنيا إلى الله الّذي فاقتي إلى عفوه وتجاوزه أكثر من حاجتي إلى ما أنصحك فيه ، وأشير عليك به ، ولكن العرق يبوض(2) والرحم عروض ، وإذا قضيت حقّ العمومة فلا أبالي بعد ، إنّ هذا الرجل ـ يعني عثمان ـ قد جاءني مراراً بحديثك وناظرني ملايناً ومخاشناً في أمرك ، ولم أجد عليك إلاّ مثل ما أجد منك عليه ، ولا رأيت منه إلاّ مثل ما أجد منك له

إلى أن قال : لا تشار هذا الرجل ولا تماره ، ولا يبلغنّه عنك ما يحنقه عليك ، فإنه إن كاشفك أصاب أنصاراً ، وإن كاشفته لم تر إلاّ ضراراً ، ولم تستلج إلاّ عثاراً ، واعرف مَن هو بالشام له ، ومَن ههنا حوله ممن يطيع أمره ويمتثل قوله

__________________

(1) ذكر السخاوي في ذيل التبر المسبوك / 372 ط مصر ان العباس أوصى عثمان نقلا عن ابن سعد ، ثمّ ذكر أربعة ممن نظموا تلك النصائح باختصار. منهم شيخه أبو نعيم العقبي بقوله :

واظب على الخمس الّتي أوصى بها الـ

ـعباس عم المصطفى عثمانا

أصفح ودار أكتم تحبّب واصبرنّ

تزدد بها يا مؤمنا إيمانا

وقول ابن حسان الموصلي الشافعي :

أصفح تحبّب ودار أصبرن تجد شرفا

وأكتم لسرٍّ فهذي الخمس قد أوصَى

بهن عثمانَ عباس فدع جدلا

وأنظر إلى قدر من أوصى وما الموصَى

(2) يبوض الرجل حسن وجهه بعد كَلَفٍ ، وبالمكان أقام به ولزمه.

٣٠٣

فعليك الآن بالعزوف عن شيء عرضّك له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يتم ، وتصديت له مرة بعد مرة فلم يستقم ، ومن ساور الدهر غُلب ، ومن حرص على ممنوع تعب ، فعلى ذلك أوصيت عبد الله بطاعتك ، وبعثته على متابعتك ، وأوجرته محبتك ، ووجدت عنده من ذلك ظنّي به لك ، لا توتر قوسك إلاّ بعد الثقة بها ، وإذا أعجبتك ، فانظر إلى سيتها ثمّ لا تفوّق إلاّ بعد العلم ، ولا تغرق في النزع إلاّ لتصيب الرميّة ، وأنظر لا تطرف يمينُك عينك ، ولا تجن شمالك شينَك ، ودّعني بآيات من آخر سورة الكهف وقم إذا بدا لك(1) .

والآن إلى مزيد من مواقف حبر الأمة مع عثمان ، وما قام به من خدمات لمصلحة الإسلام في أيامه سوى ما تقدم :

أوّلاً : مواقف جهادية بحدّ السنان واللسان

ولمّا كان ابن عباس يشعر بواجبه الديني كمسلم تام الإسلام ، وكهاشمي من سدنة الشريعة وحماة الإسلام ، فهو يرى من واجبه إسداء النصح لعامة المسلمين ، ولولاة أمورهم خاصة ، وقد مرت بنا شواهد على ذلك أيام عمر ، حين كان يستشيره فيشير عليه ، وينصح له فيقبل منه نصيحته ، أمّا في أيام عثمان وقد تغيّر الحال معه ، إذ لم يكن أثيراً عنده كما كان عند عمر ، فلا هو مستشار لديه فيشر عليه. بل كان عثمان ـ كما مر ـ يتهم بني هاشم ـ ومنهم ابن عباس طبعاً ـ بالوقيعة فيه ، والتحريض عليه ، وقد مرّت بعض الشواهد على ذلك ، فراجع مواقف عثمان مع بني هاشم.

__________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 3 / 282 ـ 283.

٣٠٤

ولكن كلّ ذلك لم يصدّ ابن عباس عن القيام بواجبه ما وسعه ، فكانت له مواقف مذكورة وخدمات مشكورة ، منها مشاركة جهادية مع المجاهدين ، ووساطة إصلاحية شأن المصلحين ، وإمامة في الولاية للمصلين ، وإمامة الحج في الموسم للمسلمين ، وغير ذلك ممّا قام به في أيام عثمان ولمصلحته.

لقد ذكر بعض المؤرخين في أخبار الفتوح : أنّه شارك في غزاة افريقية ، وشارك في غزاة طبرستان ، وشارك في غزو القسطنطينية ، وهذه كلّها كانت فيما ذكروا في السنيّ الست الأولى من خلافة عثمان ، أمّا الست الأخرى وهي سنيّ إعلان السخط والنقمة ، فلم يشارك في أمر خارج الحجاز ، بل كان في مواقفه الإصلاحية داخل الحرمين الشريفين ـ مكة والمدينة ـ : فلننظر أوّلا إلى ما ذكروه من مشاركته في بعض الغزوات ، هل يصح ذلك؟

لا ريب انّه في عهد عمر اتسعت رقعة الفتوحات الإسلامية ، فضربت أطنابها في الشرق والغرب ، وقوّضت دعائم الامبراطوريتين الفارسية والرومانية ، حين داست خيول المسلمين بحوافرها أرضاً لم تطأها من قبل ، فجاس المسلمون خلال الديار ، وغنموا فيها خيراً كثيراً ، ممّا جعل القبائل العربية يتهافتون على الإنضمام إلى الجندية في أيّ من الجناحين ، ضمن جرائد فيها أسماؤهم تحت إشراف عرفائهم ورؤساء عشائرهم. وبالتالي يعيّن عمر لهم الجهة الّتي يجاهدون ، والقائد الّذي ينضمّون تحت لوائه. فهو الّذي نظم ديوان الجند ورتّب الأموال لتزويدهم بالسلاح والخيل والميرة.

أمّا عن قريش وخاصة وجوههم ، فليس لهم أن يشاركوا إلاّ بعد أن يأذن لهم عمر فقد أخذ بأكظامهم وضيّق الخناق عليهم وهو القائل : وقد استأذن قوم

٣٠٥

من قريش منه في الخروج للجهاد فقال : قد تقدّم لكم مع رسول الله ، ثمّ قال : إنّي آخذ بحلاقيم قريش على أفواه هذه الحرّة ، لا تخرجوا فتسلـّلوا بالناس يميناً وشمالاً ، فقال له عبد الرحمن بن عوف ـ وكان هذا أحد الثلاثة الغالبين عليه(1) ـ : نعم يا أمير المؤمنين ولم تمنعنا من الجهاد؟ فقال : لأن أسكت عنك فلا أجيبك خير لك من أن أجيبك ، ثمّ أندفع يحدّث عن أبي بكر حتى قال : كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرّها فمن عاد لمثلها فاقتلوه »(2) .

قال ابن قتيبة : « وكان عمر رجلاً شديداً ، قد ضيّق على قريش أنفاسها ، لم يُنِل أحداً معه من الدنيا شيئاً »(3) . وفي عهد عمر لم يأذن لبني هاشم بالخروج مع المجاهدين ، فلم يذكر التاريخ أحداً منهم كان قائداً أو أميراً أو عريفاً ، بل وحتى جندياً كسائر المقاتلين. وقد مرّت بنا في مواقف ثابتة في عهده ما يوضّح ذلك.

نعم ذكر المؤرخون الفضل بن العباس كان مع المجاهدين فقال بعضهم : « استشهد يوم اليرموك »(4) ، وقال آخر : « استشهد يوم أجنادين »(5) ، وقال ثالث : « استشهد يوم مرج الصفراء »(6) ، وقال آخر : « مات بطاعون عمواس زمن عمر بن الخطاب »(7) ، فإن صحت الأقوال الثلاثة الأولى فهي في أيام أبي بكر ـ وهو قد مات سنة ثلاث عشرة ـ وليس في عهد عمر ، وإلاّ فيكون هو الوحيد الّذي

__________________

(1) وهم عبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن عوف ويرفأ مولاه.

(2) تاريخ اليعقوبي 2 / 135 ط الغري.

(3) الإمامة والسياسة 1 / 27 ط مصطفى محمّد.

(4) البدء والتاريخ 5 / 185.

(5) طبقات خليفة بن خياط / 766 تح ـ سهيل زكار ط الشام ، وتاريخ خليفة بن خياط 1 / 87 ـ 88 تح ـ أكرم ضياء العمري.

(6) طبقات خليفة بن خياط / 766 تح ـ سهيل زكار.

(7) نسب قريش لمصعب الزبيري / 25.

٣٠٦

ذكروه مع المجاهدين في أيام عمر ، وهذا هو قول ابن سعد والزبير بن بكار وأبي حاتم وابن البرقي حكاه الذهبي في تاريخ الإسلام(1) وقال : وهو الصحيح. ومهما كان نصيب ذلك من الصحة ، فإنّي لم أقف على أسماء آخرين غيره ، ولو كان عمر قد أذن لأناس من بني هاشم بالخروج لأذن لعبد الله بن عباس الّذي كان أكثرهم اختصاصاً به وتقريباً له منهم ، وقد مرّ ذكر ما يوضّح الأسباب في مواقف ثابتة في عهد عمر.

أمّا في عهد عثمان فقد تغيّرت الموازين في نواحي الحياة ومنها الجهاد والمجاهدين ، فبعد أن كان الجهاد في العهد النبوي وإلى فترة من بعده معتمداً على الرغبة في نشر الإسلام تحدو المقاتلين عاطفة دينية صادقة ، وقل رغبة في الشهادة في سبيل الله. لكن تبدّلت تلك النوايا لدى الكثير من المقاتلين بدءاً من القادة وحتى سائر الناس وغلبة الأطماع في المغانم تحدو الكثيرين. وفيما يخص حديثنا عن ابن عباس وحضوره بعض الغزوات بقيادة المنبوذين في سلوكهم ، مع انّه لم يسبق له أن خاض حرباً قبل ذلك ، فلابدّ من وقفة تحقيق في صحة ما ذكر.

1 ـ غزاة أفريقية :

إنّ المصادر الّتي ذكرت الفتوحات الإسلامية في عهد عثمان وأشارت إلى حضور عبد الله بن عباس أو أحد أخوته فيها علينا أن نوازن بينها ومؤلفيها زماناً وضبطاً. وتقسيمها إلى ثلاث مراتب حسب تسلسلها الزمني فـي وفيات أصحابها :

__________________

(1) تاريخ الإسلام 2 / 25 ط القدسي.

٣٠٧

المرتبة الاُولى : وتشمل :

1 ـ جمهرة النسب لابن الكلبي المتوفى سنة 204 هـ ، قال : « ومعبد قتل بأفريقية زمن عثمان »(1) ، وهو أقدم نص ومصدر وصلت نسخته إلينا يمكن الرجوع إليه في المقام.

2 ـ كتاب الطبقات الكبير لمحمد بن سعد المتوفى سنة 231 هـ ، قال : « ومعبد بن العباس قتل بأفريقية شهيداً »(2) .

3 ـ نسب قريش لمصعب الزبيري المتوفى سنة 236 هـ ، فقد ذكر الفضل بن العباس : « ومات بطاعون عمواس زمن عمر بن الخطاب » ، وذكر أيضاً بعده عبد الله بن عباس ـ ولم يذكر شيئاً عن مشاركته في أي غزاة ـ ، وذكر أيضاً قثم ابن العباس : « استشهد بسمرقند ، وكان قد خرج مع سعيد بن عثمان زمـن معاوية ».

وذكر معبد بن العباس : « ومعبد بن العباس مات بأفريقية شهيداً »(3) .

4 ـ تاريخ خليفة بن خياط المتوفى سنة 240 هـ قال : « فغزا ابن أبي سرح أفريقية ومعه العبادلة عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن زبير فلقي جرجير »(4) .

وقال في كتابه الطبقات : « واستشهد قثم بسمرقند ومعبد بأفريقية »(5) .

__________________

(1) جمهرة النسب 1 / 137 تح ـ فراج ط الكويت.

(2) طبقات ابن سعد 4ق1 / 2.

(3) نسب قريش / 25 ـ 27 تح ـ بروفنسال.

(4) تاريخ خليفة بن خياط 1 / ، 134 ، وقارن تاريخ الإسلام للذهبي 2 / 79 ط القدسي بمصر.

(5) طبقات خليفة / 581 ، وذكره أيضاً في / 747 مرة اُخرى. ولقد ورد في كتاب نسب معدّ واليمن الكبير ، المنسوب لأبي المنذر هشام بن محمّد الكلبي تح ـ الدكتور ناجي حسن ط عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية بيروت سنة 1408 هـ ـ 1988م : وأفريقش بن قيس بن صيفي ، وهو الّذي أفتتح إفريقية ، وسُمّيت به ، وقتل ملكها جرجير ويومئذ سُميت البربر ، قال لهم : ما أكثر بربرتكم.

٣٠٨

5 ـ الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار الزبيري المتوفى سنة 256 وقد كتبه بأسم الموفق العباسي ، ومهما ظننا فيه الزلفى فيما يورده من أخبار تتعلق بآباء الموفـّق وأجداده ، لكن أخباره تبقى مقبولة إلى حدّ ما مادامت من دون تفخيم الأجداد ، وقد وجدت فيه خبراً مسنداً عن ابن عباس يتحدث فيه عن غزاة أفريقية ، وما جرى بينه وبين جرجير هناك. وسنأتي على ذكره بتمامه.

6 ـ فتوح البلدان للبلاذري المتوفى سنة 279 هـ فقد ذكر في فتح إفريقية فقال : « وكان عثمان بن عفانرضي‌الله‌عنه متوقفاً عن غزوها ـ يعني إفريقية ـ ثمّ إنّه عزم على ذلك بعد أن استشار فيه بعض الصحابة فنهوه لكنه كتب إلى عبد الله في سنة 27 ويقال : في سنة 28 ، ويقال : في سنة 29 يأمره بغزوها وأمدّه بجيش عظيم فيه : معبد بن العباس بن عبد المطلب ، ومروان بن الحكم والحارث بن الحكم أخوه ، وعبد الله بن الزبير والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعاصم بن عمر ، وعبيد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وبسر بن أرطاة وأبو ذؤيب الهذلي وخـرج في هـذه الغزاة ممن حول المدينة من العرب خلق كثير »(1) .

ثمّ قال نقلاً عن الواقدي : « وبإفريقية أستشهد معبد بن العباسرحمه‌الله في غزاة ابن أبي سرح في خلافة عثمان. ويقال : بل مات فـي أيام القتال ، واستشهاده أثبت »(2) .

__________________

(1) فتوح البلدان / 234 ط الأولى بالقاهرة المعزّية سنة 1319 هـ.

(2) نفس المصدر / 236.

٣٠٩

والآن لدى المقارنة بين ما جاء في المصادر المذكورة ، لا نجد اسم عبد الله بن عباس إلاّ في واحد منها ، وهو كتاب الأخبار الموفقيات أمّا الخمسة الباقية لم تذكره في إفريقية ، وهذا ما يثير الشك في رواية الموفقيات ، خصوصاً إذا نظرنا حديث البلاذري الّذي استعرض أسماء جماعة ممن حضروا غزاة أفريقية وعدّ في أوّلهم : معبد بن العباس ، ولو كان أخوه عبد الله بن عباس معهم لذكر في مقدمتهم ، فمثله لا يجهل مقامه ولا يُنسى أسمه.

المرتبة الثانية : وهي تضم :

1 ـ تاريخ الطبري المتوفى سنة 1310 هـ قال : « لمّا نزع عمرو بن العاص عن مصر غضب عمرو غضباً شديداً وحقد على عثمان ، فوجّه عبد الله بن سعد وأمره أن يمضي إلى إفريقية ، وندب عثمان الناس إلى إفريقية ، فخرج إليها عشرة الآف من قريش والأنصار والمهاجرين »(1) .

وهذا النص خلو من ذكر أيّ اسم ، ولكنا نعتمده ـ على إجماله ـ لتوثيق ما ورد مفصلاً في فتوح ابن أعثم الآتي وهو من معاصري الطبري.

2 ـ كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي المتوفى نحو سنة 314 هـ قال في ذكر فتح أفريقية على يدي عبد الله بن سعد بن أبي سرح ـ إشارة عثمان للصحابة في ذلك ـ : « فدعا له عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه وطلحة والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وغيرهم من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فلمّا علم عثمان أنهم قد أجتمعوا في المسجد خرج إليهم بعد طلوع الشمس ، فشاورهم في أمر إفريقية حتى أرتفع النهار ، فكأنهم كرهوا ذلك ، وأكثر من كره

__________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 256 ط دار المعارف.

٣١٠

ذلك سعيد بن زيد عمرو بن نفيل ، فقال له عثمان : ما الّذي كرهت من أمر أفريقية؟ فقال سعيد : كرهت ذلك لما سمعت من عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه وهو يقول : لا أُقربها أحداً من المسلمين ما حملت عيني الماء ، ولا أرى لك مخالفة عمر ، فذرهم ولا تغزهم ، فإنك لن تخافهم على الإسلام ، وإنهم راضون منك أن تقرّهم في أماكنهم. قال : ثمّ قام سعيد بن زيد فخرج.

وألتفت عثمان إلى مولى له يقال له نائل فقال له : يا نائل إذهب فادع لي زيد بن ثابت ومحمّد بن مسلمة.

قال : فخرج نائل فدعاهما ، فاستشارهما عثمان بن عفان في بعثة الجيوش إلى أفريقية فأشارا عليه بذلك فقال عثمان بن عفان : الله أكبر قد أبهج لي رأي. ثمّ ندب الناس إلى ذلك فأجابوه سراعاً ، فأول من أجابه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديقرضي‌الله‌عنه وعبد الله وعاصم ابنا عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه ، وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث ، وبسر بن أرطأة ، والمسور بن مخرمة وجماعة من أولاد الصحابة.

قال : ثمّ أجتمع الناس إلى عثمان بن عفان بعد ذلك ، فعرضهم بالمدينة وعدّهم فكانوا أربعة الآف وثمانمائة من أخلاط القبائل فتجهزوا ما أمكنهم من الجهاز.

قال : وأعانهم عثمان بألف بعير بآلتها ، وفتح بيوت السلاح فأعطاهم وقوّاهم ، وأمّر على الناس مروان بن الحكم فجعله على الجند ، وجعل أخاه الحارث بن الحكم على الرجالة

٣١١

قال : فسار المسلمون من المدينة حتى قدموا أرض مصر فسار بهم عبد الله بن سعد في ثلاثة وعشرين ألفاً يريدون إفريقية.

قال : وطاف بإفريقية ملك عظيم يقال له جرجين من قبل ملك الروم ، وفي يده من طرابلس المغرب إلى طنجة قال : وسار المسلمون حتى توسطوا بلاد أفريقية ودنوا من أرضها فنزلوا هناك ، وبعث عبد الله بن سعد إلى جرجين ملك أفريقية يدعوه إلى الإسلام وصالحه على ألفي ألف دينار وخمسمائة ألف دينار وعشرين ألف دينار ورجع بالمسلمين إلى أرض مصر وكتب إلى عثمان يخبره بفتح إفريقية ، ووجّه إليه بالخمس من أموال إفريقية فقسمه عثمان في أهل المدينة »(1) .

هذا ما ذكره ابن أعثم على تفصيله لم يرد فيه أي ذكر لهاشمي سوى اسم الإمام عليّعليه‌السلام في المستشارين الذين كرهوا تلك الغزاة وفي هذا ما يحملنا على التريث في قبول النص على ما فيه. فأين صار معبد الّذي تكاد المصادر تجمع على وجوده في الجيش واستشهاده هناك؟ ثمّ أي خمس قسّمه عثمان في أهل المدينة ، وهو قد أعطاه لمروان بن الحكم؟ وكان ذلك أحد أسباب النقمة عليه.

قال ابن عبد ربّه في العقد الفريد : وممّا نقم الناس على عثمان وأفتتح أفريقية وأخذ خمسه فوهبه لمروان فقال عبد الرحمن بن حنبل الجمحي :

فأحلف بالله ربّ الأنا

م ما كتب الله شيئاً سدى

ولكن خُلقت لنا فتنة

لكي نُبتلى بك أو تُبتلى

فان الأمينين قد بيّنا

مناراً لحقٍ عليه الهدى

فما أخذا درهماً غيلة

وما تركا درهماً في هوى

__________________

(1) الفتوح 2 / 132 ـ 137 ط أفست دار الندوة الجديدة بيروت.

٣١٢

وأعطيت مروان خمس العبا

د هيهات شأوك ممن شأى(1)

3 ـ أبو سعيد بن يونس المتوفى سنة 347 هـ له (تاريخ مصر) أختصره الذهبي وعلق منه أحاديث كما في تذكرة الحفاظ(2) وحكى عنه في سير أعلام النبلاء في ترجمة ابن عباس فقال : « وقال أبو سعيد بن يونس : غزا ابن عباس أفريقية مع ابن أبي سرح ، وروى عنه من أهل مصر خمسة عشر نفساً »(3) .

4 ـ محمّد بن أحمد بن تميم (أبو العرب) المتوفى سنة 333 هـ له كتاب (طبقات أهل أفريقية) وعنه حكى الأسيدي الدباغ في معالم الإيمان ـ كما سيأتي ـ : أنّ ابن عباس كان فيمن دخل أفريقية من الصحابة.

المرتبة الثالثة :

وهي المصادر المتأخرة زماناً عما سبق ، وهي اجترار لما كتب فيما سبقها ، وهي بحاجة إلى تمحيص يقوّم أودّها ويقوي عمدها ، وان تكثـّر عددها فالغالب على أخبارها الإرسال ، والمسند فيها قليل. لذلك أذكر منها لإطلاع القارئ عليها وله رأيه فيها :

1 ـ كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب لأبي عمر ابن عبد البر المتوفى سنة 463 هـ في ترجمة معبد بن العباس قال : « قتل بأفريقية شهيداً سنة 35 هـ(4) في زمن عثمان وكان غزاها مع ابن أبي سرح »(5) .

__________________

(1) العقد الفريد 2 / 283 ط تح ـ أحمد أمين ورفيقيه.

(2) تذكرة الحفاظ / 898 ط أفست حيدر آباد.

(3) سير أعلام النبلاء 4 / 442.

(4) قال ابن نغري بردي في النجوم الزاهرة 1 / 80 : ثمّ غزا عبد الله بن سعد بن أبي سرح المذكور افريقية ثانية في سنة 33 حين نقض أهلها العهد وأستشهد معه في هذه المرة بافريقية جماعة منهم : معبد بن العباس بن عبد المطلب وغيره.

(5) الاستيعاب في معرفة الأصحاب 1 / 275 ط حيدر آباد.

٣١٣

2 ـ كتاب أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير المتوفى سنة 630 هـ قال في ترجمة معبد بن العباس : « قتل بأفريقية شهيداً سنة 35 هـ زمن عثمان بن عفانرضي‌الله‌عنه وكان غزاها مع عبد الله بن سعد بن أبي سرح. أخرجه أبو عمر ».

وقال في ترجمة عبد الله بن سعد بن أبي سرح وذكر فتح أفريقية : « وشهد معه هذا الفتح عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص »(1) .

3 ـ وقال في تاريخه الكامل حوادث سنة 26 هـ وهو يذكر فتح أفريقية : « فجهز ـ عثمان ـ إليه ـ ابن أبي سرح ـ العساكر من المدينة وفيهم جماعة من أعيان الصحابة منهم عبد الله بن عباس وغيره »(2) .

4 ـ كتاب الحلة السيراء لابن الأبّار المتوفى سنة 658 هـ قال في ذكر الصحابة الذين دخلوا أفريقية : « عبد الله بن عباس أبو العباس. غزا أفريقية مع عبد الله بن سعد بن أبي سرح في خلافة عثمان سنة 27 هـ وشهد فتحها ، ذكر ذلك أبو سعيد بن يونس في تاريخه »(3) .

5 ـ كتاب معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان لأبي زيد الأسيدي الدبّاغ المتوفى سنة 696 هـ قال : « غزا ابن عباسرضي‌الله‌عنهما أفريقية مع عبد الله بن أبي سرح ، وهو الّذي تولى قسم الفيء بها بين المسلمين ، قاله أبو سعيد ابن يونس ومحمّد ابن أحمد بن تميم »(4) . (وأشار المحقق في الهامش : طبقات علماء أفريقية ج17 مقتصراً على تسميته فيمن دخل أفريقية من الصحابة).

__________________

(1) اُسد الغابة ط أفست ايران.

(2) الكامل في التاريخ 3 / 36 ط بولاق.

(3) الحلة السيراء 1 / 20 تح ـ د. حسين مؤنس ط الأُولى بالقاهرة سنة 1963 م.

(4) معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان 1 / 111 تح ـ. إبراهيم شبوح ط الخانجي بمصر سنة 1968.

٣١٤

وهناك نقول في نهاية الأرب للنويري المتوفى سنة 732 هـ ، والإصابة لابن حجر المتوفى سنة 853 هـ ، وغيرهما أضربنا عنهما صفحاً إذ لا جديد فيهما سوى إنّها أكدت حضور ابن عباس في فتح أفريقية ، هذه جملة ما وقفت عليه من النصوص الّتي أشارت إلى فتح أفريقية ، وفي جملة منها تصريح بحضور ابن عباس في ذلك الفتح ، ولدى المقارنة بين الجميع نخلص إلى القول بصحة حضوره ، اعتماداً على ما رواه الزبير بن بكّار في كتاب الأخبار الموفقيات وهو من المرتبة الأولى ، مضافاً إلى ما ذكره أبو سعيد بن يونس في تاريخه ، ومحمّد بن أحمد بن تميم (أبو العرب) في طبقات أهل أفريقية وهما من المرتبة الثانية ، ومؤيداً بما جاء في الحلة السيراء لابن الأبّار وبقية المرتبة الثالثة وما يتبعها فهي قد نقلت ما مرّ عن أبي سعيد بن يونس ومحمّد بن أحمد بن تميم ، ولم تعقـّب عليه بشيء ممّا دلّ على إمضائهما ذلك.

فعلينا الآن أن نعود إلى الأخبار الموفقيات :

لنقرأ ما رواه الزبير بن بكار قال : « حدثني عمر بن أبي بكر المؤملي ، حدثني عبد الله بن أبي عبيدة بن محمّد بن عمّار بن ياسر عن أبيه أبي عبيدة قال قال عبد الله بن عباس : خرجت مع عبد الله بن أبي سرح في غزوة أفريقية فلمّا دنا من جرجير ـ ملك المغرب ـ وهو رجل من الروم نصراني ، وكان يذكر بعقل ، قلت لعبد الله بن سعد : لو بعثت إليه من يكلّمه ، فبعثني وبعث عبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم وعبد الله بن عامر بن ربيعة.

٣١٥

قال عبد الله بن عباس : ـ وأنا أسنّ القوم(1) ـ فلمّا جئنا وضعت لنا وسائد ، وإذا الصُلـُب حولها ، فجاء القوم وليس هناك جُرجير ، فجلسوا دون الصُلب ، وأبوا أن يجلسوا وهي حولهم ، فجئت وجلست على تلك الوسائد والصُلب حولي. وجُرجير ينظر إلينا من منظر لا نراه ، فمكثنا ساعة ، ثمّ أذن لنا جماعة ، فجعلوا يزاحموني على المدخل ، فتأخرت عنهم ، حتى كنت وراءهم ، فلمّا دخلوا عليه ودخلنا ، ولي جمال ليس لهم ، نظر إليَّ فرماني بطرفه ، فلم يبرح يتطرّح بنظره إليّ حين جلست دونهم ، وهم أقرب إليه. فرأوا نظره فرابهم بذلك في أمره ، فانتحى

__________________

(1) لقد كانت ولادة ابن عباس قبل الهجرة بثلاث سنين كما مر ذلك فهو يومئذ ابن ثلاثين سنة أمّا ولادة عبد الله بن الزبير فهي بالمدينة سنة اثنتين من الهجرة وقيل سنة أحدى كما في سير أعلام النبلاء للذهبي 4 / 460 ط دار الفكر ، فهو يومئذ ابن خمس وعشرين سنة.

وأمّا ولادة مروان بن الحكم فهي بمكة وهو أصغر من ابن الزبير بأربعة أشهر فيما رواه الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمته 5 / 3. وقال ابن حجر في الإصابة : يقال : ولد بعد الهجرة بسنتين ، وقيل بأربع وقال ابن شاهين مات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن ثمان سنين فيكون مولده بعد الهجرة بسنتين ، وقد ذكره ابن حجر في الإصابة ضمن تراجم من له رؤية ، لكن النووي نفى أن تكون له رؤية قال في تهذيب الأسماء واللغات 1 / 87 ط المنيرية بمصر في ترجمته : لم يسمع من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا رآه ، لأنه خرج إلى الطائف طفلا لا يعقل حين نفى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أباه الحكم ، فكان مع أبيه بالطائف حتى أستخلف عثمانرضي‌الله‌عنه فردّهما. وقد حكى عن مالك أنّه قال : ولد يوم أحد. وقيل يوم الخندق وبناءً على قول مالك تكون ولادته في السنة الثالثة من الهجرة لأن يوم أحد كان بعد وقعة بدر بسنة وهي كانت في السنة الثانية من الهجرة. وأمّا إذا كانت ولادته في يوم الخندق فهي في السنة السادسة من الهجرة فهو يومئذ ابن احدى وعشرين سنة.

وأمّا ولادة عبد الله بن عامر بن ربيعة فهي عام الحديبية كما في سير أعلام النبلاء في ترجمته ، وقيل ولد سنة ست وتوفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن أربع سنين وقال ابو نعيم : كان ابن خمس سنين كما في أسد الغابة في ترجمته ، فهو يومئذ في سنّ مروان تقريباً أو يزيد قليلاً.

فكل هؤلاء الثلاثة دون حبر الأمة سناً كما هم دونه شأناً.

٣١٦

ابن الزبير فبدأ بالكلام ، والترجمان وجُرجير يفهم من ذلك كثيراً ، وهو على ذلك ينظر إليَّ ويرمقني.

فلمّا فرغ ابن الزبير تكلم مروان بن الحكم. ثمّ أقبل عليّ عبد الله بن عامر فقال : أأتكلم؟ فقلت : تكلـّم ما بدا لك. فتكلم.

ثمّ أقبل عليَّ الترجمان فقال : ما تقول أنت يا عربيّ؟

قلت : ما أقول إلاّ ما قالوا ، فليجب صاحبك ما بدا له ، وقد دعوه.

فقال : أخبروني عن هذا الرجل الّذي أراه أسنّكم وأجملكم ، وأراكم تقدّمونه (تتقدمونه) أمولاكم هو؟

قالوا : لا والله بل هو منّا ومن أنفسنا.

قال : فضعيف هو فلا تثقون بعقله؟ فلم أرسله ملككم؟

قالوا : لا والله بل هو عاقل.

قال : فما أنتم بحلماء ، هو أحدكم ، وله عقل مثل عقولكم ، وهو أجملكم وأسنّكم ، وملككم الّذي أرسلكم أضعف منكم وهو يعرف هذا منكم.

فسكتوا ، فقلت للترجمان : قل لصاحبك : أجبنا بما تريد فنحن أعلم بأمرنا وبما نصنع بيننا.

قال : يقول الملك : حلمك هذا يزيدني بصيرة في حُمق أصحابك.

فرطن الملك ، فأقبل علينا الترجمان فقال الملك يقول : ما يمنعني من جوابكم إلاّ أنا لا نضع جوابنا إلاّ في موضعه ، أخبروني أيّكم أقرب بالملك الأكبر؟

قالوا : هذا لمروان.

قال : ثمّ من؟

٣١٧

قالوا : هذا ، لابن الزبير.

قال : فأيكم أقرب بنبيكم؟

قالوا : هذا.

قال : يقول الملك : هو أقربكم بنبيكم وأسنكم وأجملكم وجلستم فوقه ، وتقدمتم قبله!! لا تلبثون إلاّ قليلاً حتى يتفرّق أمركم ، لا أراجعكم بشيء حتى يتقدّم إليّ وتتكلمون بعده.

فقال القوم : تقدم يا أبا العباس وتكلـّم حتى ننظر ما يُرجع الينا ويقول لنا.

فقلت للترجمان : أجب صاحبك إنّي لا أقوم من مجلسي ، ولا أعيه بكلامي ، ولا أبتديء أصحابي.

فقال : فلا أكلمكم كلمة ، قد قلت : لا أفعل ، فهل أنت يا رجل معتزلي حتى ألقاكم ، فإنّي لا أحب أصيبك.

قال : قلت : ما يحلّ لي أن أعتزلك.

قال : أتقبل كرامتي من بينهم؟

قال : قلت : لا ، إلاّ أن تكرمهم مثلي.

قال : هل أحد أقرب بنبيك منك؟

قلت : نعم ، ففرح بذلك وقال : من؟

قلت : أبي ، قال : وحيّ هو أبوك؟ قلت : نعم ، قال : ما هو من نبيكم؟

قلت : عمّه ، ففسّر له الترجمان كيف العم ومن ابنه.

قال : فما شأن المُلك في غيره؟

قلت : كان هذا الملك واللذان قبله خرجوا مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين خرج من أرضه ، ولم يخرج أبي.

٣١٨

ونحن نرى لذلك فضل وتقدّم من كان كذلك.

قال : بئسما صنعتم ، ولا يصح أمركم أبداً ، حتى يخرج إلى أهل بيت النبيّ ، قوموا ولا أراجعكم بكلمة ممّا تريدون ، إلاّ أن تخبرني ما شأنك جلست بين الصُلب من بين أصحابك وأنت عدوّ لها وأجتنبها أصحابك؟

قلت : لم يسيئوا بما صنعوا ، ولم اَسِئ أيضاً ، أمّا هم فتأذوا بها ، وأمّا أنا فعلمت مجلسي لا يضرّ ديني ، ولست منها ، وليست مني.

قال : ما ينبغي إلاّ أن تكون حبر العرب. قال. الراوي. فسُمّي عبد الله من ذلك اليوم الحبر »(1) .

فهذا الخبر الّذي رواه الزبير قد نميل إلى تصديقه ، لأنّ الزبير بن بكار مهما قلنا بتزلـّفه في تأليفه الأخبار الموفقيات للموفق العباسي ، فلا نرى فيما رواه من حضور عبد الله بن عباس في الجيش بقيادة عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وما جرى له مع جُرجير ، أيّ زلفى تحملنا على التشكيك فيه وما ذكر فيه من حوار دلّ على مكانة ابن عباس المرموقة يومئذ وقد لفت نظر جُرجير ، لم يضف عليه ما يتزلف به إلى الموفق العباسي لأنّه من أحفاده. وكلّ ما ورد في الخبر غير مستبعد وقوعه ، خصوصاً إنا قرأنا آنفاً بعض النصوص الّتي ذكرت ان عثمان ندب الناس ، وجهّز جيشاً حشر فيه رجالا من المهاجرين والأنصار ، فلا بُعد في أنّه أمره أو طلب ـ على أحسن تقدير ـ من ابن عباس أن يكون مع الجيش ضمن الصحابة المجاهدين ولعله ولاّه قسمة الفيء. إن صح ما رواه محمّد بن أحمد بن تميم (أبو العرب) فقد كان عمر قبله أرسل السائب بن الأقرع لذلك ، فقد ذكر تاريخ الطبري : « ان عمر بن الخطاب بعث السائب بن الأقرع ـ مولى

__________________

(1) الأخبار الموفقيات / 116 تح ـ د سامر مكي العاني مط العاني بغداد.

٣١٩

ثقيف وكان رجلاً كاتباً حاسباً ـ فقال : الحقّ بهذا الجيش فكن فيهم فإن فتح الله عليهم فاقسم على المسلمين فيئهم وخذ خمس الله وخمس رسوله »(1) .

فلعل عثمان هو الّذي أمره بالذهاب لهذا الغرض. ثمّ من يسعه يومئذ التخلف عن أمر عثمان وهو بعدُ في أوّل حكومته وعنفوان سلطته ومن يسعه التخلف عن جهاد الكفار ، والجهاد باب من أبواب الجنة ، فمن ذا الّذي يرغب عن الدخول في ذلك الباب؟

ولعل ما يقرّبنا إلى التصديق بحضوره ذكر بعض المؤرخين ـ كما مرّ ـ وجود بعض أسرته كأخيه معبد وان ذكر ابن خلدون ـ وقد أبعد ـ انّ الحسن والحسين وابن جعفر أيضاً كانوا في ذلك الجيش.

قال ابن خلدون في تاريخه : « فجهز ـ عثمان ـ العساكر من المدينة وفيهم جماعة من الصحابة منهم ابن عباس وابن عمرو بن العاص وابن جعفر والحسن والحسين وابن الزبير وساروا مع عبد الله بن أبي سرح سنة ست وعشرين »(2) .

وإنّي في شك من رواية ابن خلدون لحشره أسماء الحسن والحسين وابن جعفر في قائمة المجاهدين ، ولم أجدهم عند غيره(3) على ان الفتح المذكور كان سنة 27 هـ كما مرّ عن الطبري في تاريخه وفيها ، أو 28 هـ أو 29 هـ كما مر عن البلاذري في فتوح البلدان. فمن وهم في تحديد التاريخ لا يستبعد عليه الوهم في حشر الأسماء.

__________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 116.

(2) تاريخ ابن خلدون 2 / 1003 ط دار الكتاب اللبناني.

(3) سوى السلاري في كتابه الاستقصا لأخبار الغرب الأقصى 1 / 39. وهذا الرجل متأخر عصراً عن ابن خلدون بعدة قرون ، وقد أعتمد تاريخه من مصادره.

٣٢٠