موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٢

موسوعة عبد الله بن عبّاس0%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: متون حديثية
ISBN: 964-319-502-3
الصفحات: 357

موسوعة عبد الله بن عبّاس

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد حسن الموسوي الخرسان
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: ISBN: 964-319-502-3
الصفحات: 357
المشاهدات: 61142
تحميل: 4136


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 357 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 61142 / تحميل: 4136
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء 2

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
ISBN: 964-319-502-3
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بقي علينا التنبيه على ما هو أهم ممّا توهمّه ابن خلدون ، وذلك ما مرّ بنا من قول أبي زيد الأسيدي الدّباغ في معالم الإيمان : غزا ابن عباسرضي‌الله‌عنه إفريقية مع عبد الله وهو الّذي تولـّى قسم الفيء بها بين المسلمين. قاله أبو سعيد ابن يونس ومحمّد بن أحمد بن تميم.

أقول : إن صح ما حكاه من تولي ابن عباس قسمة الفيء ، فلا بدّ أن تكون قسمته صحيحة وعادلة ، واذا كانت كذلك ، فلماذا نقم المسلمون على ابن أبي سرح وامتدت النقمة حتى طالت عثمان بسبب قسمة تلك الغنائم؟ ولو صح ما حكاه كان اللوم على ابن عباس أولى ، وكان لعثمان وابن أبي سرح حجة في دفع المعرّة عنهما.

قال الطبري في تاريخه في حديث الواقدي : « وكان الّذي صالحهم عليه عبد الله بن سعد ثلثمائة قنطار ذهب ، فأمر بها عثمان لآل الحكم ، قلت ـ والقائل هو الطبري ـ أو لمروان ، لا أدري اهـ »(1) .

فأين الفيء الّذي تولـّى قسمته ابن عباس بين المسلمين ، وأحسب أن الّذي حكاه أبو زيد الأسيدي الدباغ غير مستساغ لأنّه دفاع ـ على استحياء ـ عن عثمان وآل الحكم ومروان ، فقد ذكر الطبري في تاريخه فقال : « وقسم عبد الله ما أفاء الله عليهم على الجند ، وأخذ خمس الخمس وبعث بأربعة أخماسه إلى عثمان مع ابن وثيمة النصري ووفـّد وفداً فشكوا عبد الله فيما أخذ ، فقال لهم : أنا نفـّلته. وكذلك كان يصنع وقد أمرت له بذلك ، وذاك إليكم الآن ، فان رضيتم فقد جاز ، وان سخطتم فهو ردّ ، قالوا : فإنا نسخطه.

__________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 256 ط دار المعارف.

٣٢١

قال : فهو رد ، وكتب إلى عبد الله بردّ ذلك واستصلاحهم قالوا : فاعزله عنا ، فانّا لا نريد أن يتأمّر علينا وقد وقع ما وقع ، فكتب إليه أن استخلف على أفريقية رجلاً ممن ترضى ويرضون واقسم الخمس الّذي نفلتك في سبيل الله ، فإنّهم قد سخطوا النفل ففعل »(1) .

2 ـ غزاة جرجان وطبرستان :

قال الطبري في تاريخه : « غزا سعيد بن العاص من الكوفة سنة ثلاثين يريد خراسان ومعه حذيفة بن اليمان وناس من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه الحسن والحسين وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن الزبير ».

ثمّ ذكر انّ عبد الله بن عامر والي عثمان على البصرة سبق إليها فعدل إلى جرجان وطبرستان فقال : « بسنده عن حنش بن مالك التغلبي فأتى جرجان وطبرستان ومعه عبد الله بن العباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير ، فحدّثني علج كان يخدمهم قال : كنت آتيهم بالسفرة ، فاذا أكلوا امروني فنفضتها وعلـّقتها ، فاذا أمسوا أعطوني باقيه ».

ثمّ ذكر مصالحة سعيد أهل البلاد المفتوحة ، ثمّ قال : « ثمّ قفل سعيد إلى الكوفة »(2) .

ولم يبعد ابن الأثير عما ذكره الطبري في تاريخه الكامل(3) . كما لم يشذ عنهما ابن خلدون في تاريخه(4) فقد ذكر أسماء الصحابة الذين كانوا مع سعيد

__________________

(1) نفس المصدر 4 / 254.

(2) نفس المصدر 4 / 269.

(3) الكامل في التاريخ 3 / 45 ط بولاق.

(4) تاريخ ابن خلدون 2 / 1018 ط دار الكتب اللبناني.

٣٢٢

كما مر ، وكذلك النويري في نهاية الأرب(1) . وحذا حذو أولئك المؤرخين زيني دحلان في الفتوحات الإسلامية(2) .

هذا كلّ ما وقفت عليه في سطور التاريخ حول مشاركة ابن عباس في غزاة جرجان وطبرستان. فهل يسعنا أن لا نصدّق بذلك لندرة ما ورد عنه في تلك الغزاة الّتي قطع سبيلها المفاوز والفدافد ، ثمّ لم يحفظ له وعنه من مقام أو مقال سوى حديث السفرة الّذي رواه الطبري وهو لا يغني ولا يشبع الزاد الّذي كان فيها؟

أكاد أبقى متحيراً في قبول ذلك الخبر إذ بين المدينة المنورة وبين الأقطار المذكورة خراسان أو جرجان وطبرستان مسافات طويلة ، والرحلة ليست رحلة نزهة وحتى لو كانت فلابدّ انها استغرقت شهوراً ، فكيف لا يحفظ عنه العلج سوى حديث الصحب والسفرة؟ ثمّ تزداد الحيرة ، حين أجد سعيد بن العاص ـ أمير الجيش ـ لا يعرف حكماً شرعياً هو يكون محل ابتلاء أمثاله من قادة الجيوش غالباً عند المنازلة واشتداد القتال. وذلك حكم صلاة الخوف فهو لا يعرف كيفيتها فيسأل من المسلمين عنها من شهدها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال حذيفة : أنا ، فأمرهم حذيفة فلبسوا السلاح ، ثمّ قال : إن هاجكم هيج فقد حل لكم

__________________

(1) نهاية الأرب 19 / 418.

(2) الفتوحات الإسلامية 1 / 175 ط مصطفى محمّد.

وقد أغرب في القول الدكتور حسن إبراهيم حسن في كتابه تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والإجتماعي 1 / 277 ط الثالثة بمصر سنة 1953 حين قال : ففي عهد عثمان فتحت بلاد طبرستان على يد سعيد بن العاص ، وقد قيل : إن جيش المسلمين كان يضم الحسن والحسين ابني عليّ وعبد الله بن العباس وعمرو بن العاص والزبير بن العوام فذكره لابن العاص وللزبير لم أقف عليه عند غيره وأظنه سها أراد أن يذكر ابنيهما فذكرهما.

٣٢٣

القتال فصلّى بإحدى الطائفتين ركعة والأخرى مواجهة العدو ثمّ انصرف هؤلاء فقاموا مقام أولئك وجاء أولئك فصلّى بهم ركعة أخرى ثمّ سلّم عليهم(1) .

ولا نجد لأيّ من العبادلة الذين كانوا يومئذ معه ما يتصل بذلك ، بينما نجد لابن عباس روايات في صلاة الخوف(2) ، وأنّه صلّى مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاة الخوف(3) .

فأنا ـ كما قلت مراراً ـ أذكر ما وجدته مرويّاً على ذمة الرواة. فما وسعني التصديق به ذكرته مؤمناً بصحته. وما لم يسعني ذلك ذكرتُه وناقشتـُه ، وهذا منه.

وما ينبغي أن نصدّق كلّ ما يُروى أو نكذّب كلّ ما يروى ، وإنّما الرواة أنفسهم ناسٌ يجوز عليهم الخطأ والصواب ، ويجوز عليهم الصدق والكذب.

ثانياً : مواقف قرآنية

لقد كان حبر الأمة قد جمع المحكم(4) على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحفظه(5) كما حدّث بذلك عن نفسه ـ ويعني بالمحكم المفصّل وهو قصار السور لكثرة الفصول الّتي بين السور بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) ـ قال : « انّ الّذي تدعونه المفصّل هو المحكم ، توفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم » وأتمّ تعلمه

__________________

(1) أنظر كنز العمال 8 / 267 ط حيدر آباد الثانية نقلاً عن عبد الرزاق في المصنف ، وابن أبي شيبة في المصنف ، وعبد بن حميد في مسنده ، وأبي داود في سننه ، والنسائي في سننه ، وابن جرير في تهذيب الآثار ، والبيهقي في شعب الإيمان ، والحاكم في المستدرك ، والبخاري في صحيحه ، ومسلم في صحيحه.

(2) نفس المصدر 8 / 268 ـ 269.

(3) نفس المصدر / 269.

(4) سير أعلام النبلاء للذهبي 4 / 441 ط دار الفكر ، ومصنف ابن أبي شيبة 10 / 501 ، وكنز العمال 2 / 373 ط حيدر آباد والثانية ط باكستان.

(5) مسند أحمد ط محققة برقم / 2283.

٣٢٤

تنزيلاً وتأويلاً على ابن عمه الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام حتى قال : « ما أخذت من تفسير القرآن فعن عليّ بن أبي طالب »(1) .

كما أخذ أيضاً عن أبيّ بن كعب ، وقد مرّ بنا في عهد عمر ما تلاه وسمعه عمر فسأله عن ذلك فقال سمعته من أبيّ وذهب إليَّ أبيّ وحاققه.

فلمّا كان في عهد عثمان وقد أصبح من عليّة القراء والمفسّرين ، فكان لا يجد في نفسه حرجاً أن يقول لعثمان فيما أحدثه في مسائل القرآن ، سواء في كتابته وتعميم نسخته ، أو تحريقه مصاحف الآخرين ، أو جمع المسلمين على قراءة واحدة.

وربّما كان يجد في نفسه على عثمان حيث تجاهله فلم يذكره ولم يشاوره فيمن ذكر وشاور ، وكان خليقاً بعثمان أن يجمع القرآء الذين في المدينة فيشاورهم في الأمر ، كما كان خليقاً بعثمان أن يستشير الإمام وابن عباس وهما من يعرف مكانتهما عند المسلمين ، لكنه لم يفعل وأحضر أناساً وهم ممّن لم يبلغوا شأوه ، لذلك لا يخلو كلامه معه من نقدٍ هاديء وهادف ، كما لم يخل من تعبير عما يكنّه الضمير من شعور بالمرارة.

فلنقرأ حديثه حول جمع القرآن :

1 ـ جمع القرآن :

أخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حيان والحاكم وابن المنذر وابن أبي داود وابن الأنباري معاً في المصاحف والنحاس في ناسخه وأبو نعيم في المعرفة وابن مردويه وغيرهم عن ابن عباس قال : « قلت لعثمان بن

__________________

(1) مناهل العرفان للزرقاني 1 / 456.

٣٢٥

عفان : ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني(1) وإلى براءة وهي من المئين(2) فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموهما في السبع الطوال ، ما حملكم على ذلك؟

فقال عثمان : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ممّا يأتي عليه الزمان تنزل عليه السور ذوات العدد ، وكان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول : ضعوا هذه في السورة الّتي يذكر فيها كذا وكذا ، وكانت الأنفال من أوّل ما أنزل بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولا ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها ، فظننت أنّها منها ، وقبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يبيّن لنا أنّها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتهما في السبع الطوال »(3) .

قال الطبري : « فهذا الخبر ينبيء عن عثمان بن عفانرحمه‌الله انّه لم يكن تبيّن له أنّ الأنفال وبراءة من السبع الطوال ويصرّح عن ابن عباس أنّه لم يكن يرى ذلك منها »(4) .

وهذا الخبر من جملة النصوص الّتي استدل بها السيوطي في كتابه الأتقان بعد أن نقل عن الحارث المحاسبي انّ القرآن كان مجموعاً على عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(1) سميت بالمثاني : فإنها ما ثنّى المئين فتلاها ، وكان المئون لها أوائل وكان المثاني لها توالي ، وقد قيل إن المثاني سُمّيت مثاني ، لتثنية الله جل ذكره فيها الأمثال والخبر والعبر ، وهو قول ابن عباس (تفسير الطبري 1 / 103 ط محققة).

(2) ما كان من سور القرآن عدد آيه مئة آية أو تزيد عليها شيئاً أو تنقص منها شيئاً يسيرا ً(تفسير الطبري 1 / 103 ط محققة).

(3) الاتقان للسيوطي 1 / 62 النوع / 18 ط حجازي بالقاهرة سنة 1368 هـ ، وكنز العمال 2 / 367 ط حيدر آباد الثانية.

(4) تفسير الطبري 1 / 102 ط محققة.

٣٢٦

وقال : « المشهور عند الناس أنّ جامع القرآن عثمان وليس كذلك ، إنّما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد ، على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار لمّا خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراآت ، فأمّا قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراآت المطلقات على الحروف السبعة الّتي أنزل بها القرآن

ثمّ قال السيوطي : (فصل) : الإجماع والنصوص المترافدة على أن ترتيب الآيات توقيفي لا شبهة في ذلك أمّا الإجماع فنقله غير واحد منهم الزركشي في البرهان وأبو جعفر بن الزبير في مناسبه وعبارته : ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين اهـ.

وسيأتي من نصوص العلماء ما يدل عليه. ثمّ قال : وأمّا النصوص فمنها ومنها ما أخرجه »(1) . وذكر الحديث عن ابن عباس كما مرّ.

ويبدو فيما أظن أن الخبر لم يسلم من عبث الرواة ، فقد ورد في آخره جواب عثمان ، ولم يذكر فيه لابن عباس رأيه في الجواب مقتنعاً أو مفنّداً ، وهذا هو مبعث الريبة والشك أوّلاً ، وثانياً إنّ ترتيب السور إنّما ثبت بالتواتر ، وثالثاً فإنّ ابن عباس سأل الإمام أمير المؤمنين فقال سألته لِمَ لم تكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال : لأنّها أمان ، وبراءة نزلت بالسيف(2) .

نعم لا شك أنّه كان لابن عباس مصحفه الخاصّ به ، وفيه بعض القراءات الّتي تخالف قراءة عثمان كما في آية المتعة بالنساء حيث كان يقرأ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنّ ) (3) وهذه توافق قراءة ابن مسعود أيضاً كما يروى.

__________________

(1) الاتقان للسيوطي 1 / 62 ط حجازي.

(2) نفس المصدر 1 / 67.

(3) النساء / 24.

٣٢٧

وسيأتي مزيد بيان عن ذلك في الحلقة الثالثة إن شاء الله تعالى. ومن تعجّل فعليه مراجعة كتاب المصاحف لابن أبي داود السجستاني(1) .

2 ـ تـحريـق المـصاحـف :

إنّ حرق عثمان للمصاحف الّتي كانت عند الناس أمر أثار السخط والنقمة عليه حتى عُدّ ذلك من جملة أسباب الثورة عليه حتى أودت بحياته. وقد كان حذيفة بن اليمان صاحب السرّ قد ذكر ذلك في نبوءة مستقبلية كما أخرج ابن أبي داود في كتاب المصاحف بسنده عن أبي البختري(2) قال : « قال حذيفة : أرأيتم لو حدثتكم أن أمّكم تخرج في فئة تقاتلكم أكنتم مصدّقي؟

قال : قلنا سبحان الله يا أبا عبد الله ولم تفعل؟

قال : أرأيتم لو قلت لكم تأخذون مصاحفكم فتحرقونها وتلقونها في الحشوش ، أكنتم مصدّقي؟

قالوا : سبحان الله ولم نفعل؟

قال : أرأيتم لو حدثتكم أنكم تكسرون قبلتكم أكنتم مصدّقي؟

قالوا : سبحان الله ولم نفعل؟

قال : أرأيتم لو قلت لكم انّه يكون منكم قردة وخنازير أكنتم مصدّقي؟

قال رجل : يكون فينا قردة وخنازير؟

قال : وما يؤمنك لا أمّ لك »(3) .

__________________

(1) المصاحف / 73.

(2) هو سعيد بن فيروز الطائي مولاهم الكوفي ذكره ابن حبان في الثقات وقال العجلي تابعة ثقة فيه تشيّع ، ونقل ابن خلفون توثيقه عن ابن نمير ، وقال أبو أحمد الحاكم في الكنى : ليس بالقوي عندهم كذا قال وهو سهو كما قاله ابن حجر في تهذيب التهذيب 4 / 73.

(3) المصاحف / 17 ط أفست الرحمانية سنة 355 هـ ـ 1936 تح ـ اثر جفري.

٣٢٨

فهذا الخبر على ما فيه من نقد لاذع لفعلة التحريق وأفعال أخرى ، فيه تحذير من فعل ذلك.

وليس من العجيب أن يقول ذلك حذيفة فقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أطلعه على أسماء المنافقين ، وكان يقال له صاحب السرّ.

ولكن العجيب أن يكون حذيفة هو الّذي حدا بعثمان على جمع الناس على قراءة واحدة وحذّره مغبة الاختلاف في القراءات. ثمّ يكون عثمان هو الّذي أحرق المصاحف ، فصدّق الخبَر.

وأعجب من ذلك ما رواه بن أبي داود في كتاب المصاحف : « قال ابن شهاب : ثمّ أخبرني أنس بن مالك الأنصاري إنّه إجتمع لغزوة أذربيجان وأرمينية أهل الشام وأهل العراق. قال : فتذكروا القرآن فاختلفوا فيه حتى كاد يكون بينهم فتنة ، قال : فركب حذيفة بن اليمان لمّا رأى من اختلافهم في القرآن إلى عثمان فقال : انّ الناس قد اختلفوا في القرآن حتى والله لأخشى أن يصيبهم ما أصاب اليهود والنصارى من الاختلاف. قال : ففزع لذلك عثمان فزعاً شديداً ، فأرسل إلى حفصة فاستخرج الصحيفة الّتي كان أبو بكر أمر زيداً بجمعها فنسخ منها مصاحف ، فبعث بها إلى الآفاق.

فلمّا كان مروان أمير المدينة أرسل إلى حفصة يسألها عن الصحف ليحرقها وخشي أن يخالف بعض الكتـّاب بعضاً فمنعته إياها.

قال ابن شهاب فحدّثني سالم بن عبد الله قال : لمّا توفيت حفصة أرسل إلى عبد الله بعزيمة ليرسلنّ بها ، فساعة رجعوا من جنازة حفصة أرسل بها عبد الله بن

٣٢٩

عمر إلى مروان ففشاها وحرّقها مخافة أن يكون في شيء من ذلك اختلاف لما نسخ عثمانرحمه‌الله »(1) .

فهذا الخبر دلّ على ان عثمان استحضر صحيفة أبي بكر فنسخ منها مصاحف. ثمّ بعد ذلك طلبها مروان من حفصة فمنعته إياها ، لماذا طلبها ليحرقها؟ وحقّ لها لو منعته ما دامت مصاحف الآفاق مأخوذة عنها. فلا معنى لإحراقها ثمّ لمّا ماتت أرسل مروان إلى ابن عمر بعزيمة (؟ وربّما معها ضميمة) فبادر ابن عمر ساعة رجعوا من دفنها فأرسل بها ففشاها مروان وأحرقها

وهذا لا يعنينا تحقيقه والدوافع الّتي كانت وراء الأخذ والمنع. ولكن الّذي يعنينا هو أمر عثمان بإحراق المصاحف الأخرى ، وقد كان بإمكانه تفادي النقمة ، إمّا بدفنها ، أو بإماثتها بالماء ، إن لم يشأ الاحتفاظ بها كنصوص فيها لغات ولهجات يُرجع إليها عند الحاجة.

لكنه لم يصنع شيئاً من ذلك ، فأثار النقمة عليه ، وقد ندم ـ فيما يبدو ـ ولات حين مندم فقد ذكر البلاذري في أنساب الأشراف قال : « وروى أبو مخنف : إنّ المصريين وردوا المدينة فأحاطوا وغيرُهم بدارعثمان في المرة الأولى فأشرف عليهم عثمان فقال : أيها الناس ما الّذي نقمتم عليَّ فإنّي معتبكم ونازل عند محبتكم. فقالوا أحرقت كتاب الله.

قال : اختلف الناس في القراءة فقال هذا : قرآني خير من قرآنك. وقال هذا : قرآني خير من قرآنك. وكان حذيفة أوّل من أنكر ذلك وأنهاه إليّ فجمعت الناس على القراءة الّتي كتبت بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالوا : فلم حرقت

__________________

(1) نفس المصدر / 21.

٣٣٠

المصاحف؟ أما كان فيها ما يوافق هذه القراءة الّتي جمعت الناس عليها؟ أفهلاّ تركت المصاحف بحالها؟

قال : أردت أن لا يبقى إلاّ ما كتب بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا أستغفر الله »(1)

قال طه حسين في كتابه الفتنة الكبرى : « وربما تحرّج بعض المسلمين من تحريق ما حرّق عثمان من الصُحف ، ولم يقبلوا اعتذاره بحسم الفتنة وقطع الخلاف ، ولو قد كانت الحضارة تقدمت بالمسلمين شيئاً لكان من الممكن أن يحتفظ عثمان بهذه الصحف الّتي حرّقها على أنها نصوص محفوظة لا تتاح للعامة ، بل تكاد تتاح للخاصة ، وانما هي صحف تحفظ ظناً بها على الضياع

وإذا لم يكن على عثمان جناح فيما فعل لا من جهة الدين ولا من جهة السياسة ، فقد يكون لنا أن نأسى لتحريق تلك الصحف ، لأنه إن لم يكن قد أضاع على المسلمين شيئاً من دينهم فقد أضاع على العلماء والباحثين كثيراً من العلم بلغات العرب ولهجاتها »(2) .

وهكذا كانت مسألة حرق المصاحف ذات انتقاد من المسلمين قديماً وحديثاً.

قال المغفور له سيّدنا الأستاذ الخوئيقدس‌سره : « ولكن الأمر الّذي أنتقد عليه هو إحراقه لبقية المصاحف ، وأمره أهالي الأمصار بإحراق ما عندهم من المصاحف ، وقد اعترض على عثمان في ذلك جماعة من المسلمين ، حتى سمّوه بحرّاق المصاحف »(3) .

__________________

(1) أنساب الأشراف 1ق4 / 551 تح ـ احسان عباس.

(2) الفتنة الكبرى / 183 ط دار المعارف.

(3) البيان للسيد الخوئي / 277 ط الثانية سنة 1385.

٣٣١

أقول : ولا شك أنّ ثمة مصاحف لبعض الصحابة بقيت عند أصحابها لم يستطع عثمان ولا ولاته من السيطرة عليها فهي لم تحرق ، وأحسب انّ اختلاف القراءات إنّما نشأ من تلك المصاحف الّتي بقيت حتى تداول الرواة ما فيها ، إمّا عن أصحابها مباشرة أو بالواسطة عنهم كما هو واضح في كتب القراءات. ومن أولئك كان الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وأبو موسى الأشعري وأبيّ بن كعب وأم سلمة وعائشة وحفصة. وفي مصاحفهن خاصة تفاوت في الصلاة الوسطى(1) وربّما آخرون غيرهم كلّ أولئك كانت عندهم مصاحف خاصة بهم ، لماذا لم تصبها نار التحريق؟ فهل كانت العملية على نحو الانتقاء؟ وهذا غير مقبول. أم أنّ عثمان لم يقدر عليها؟ وهذا أيضاً غير مقبول ولا أقل في مصحف حفصة الّذي كان عنده برهة أيام الجمع ثمّ أعاده إليها كما يروون وفي مصحفها بعض ما يخالف ما بأيدي المسلمين اليوم.

3 ـ توحيد القراءة :

كانت القراءة موحدّة على عهد الرسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن طرأ نحو من التغيير في الأداء عند بعض المسلمين تبعاً إلى لهجاتهم القبلية ، وذلك على عهده ، فنهىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن القراءة بغير ما أنزل عليه وعلـّمهم به ، فعن الطبري بسنده عن عبد الله بن مسعود قال : « تمارينا في سورة من القرآن فقلنا : خمس وثلاثون أو ست وثلاثون قال : فأنطلقنا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فوجدنا عليّاً يناجيه ـ قال فقلنا : إنما اختلفنا في القراءة قال : فاحمرّ وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : (إنّما هلك من كان قبلكم باختلافهم بينهم).

__________________

(1) أنظر المصنف لعبد الرزاق 1 / 578 ـ 579.

٣٣٢

قال : ثمّ أسرّ إلى عليّ شيئاً ، فقال لنا عليّ : إنّ رسول الله يأمركم أن تقرأوا كما عُلـّمتم »(1) .

وسيأتي بأوسع من هذا ، وهو لا يدل إلاّ على وحدة التنزيل ، وعدم جواز الاختلاف في القراءة وهذا يعني (أنّ القرآن واحد ، نزل من عند الواحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة) ، ورد ذلك عن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام (2) .

وقد سأل الفضيل بن يسار أبا عبد اللهعليه‌السلام فقال : « إنّ الناس يقولون : انّ القرآن نزل على سبعة أحرف : فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : كذبوا أعداء الله ، ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد »(3) .

نعم لا شك أنّ عثمان قد جمع الناس على قراءة واحدة وجعلها هي قراءة الإمام وكتب بها المصاحف الإمام الّتي أرسل عنه نسخاً إلى البلدان ، وأمر بإحراق المصاحف الأُخرى الّتي تخالف ذلك المصحف الإمام ، ونهى عن القراءة بغير ما أمر ، وقد مرّت كلمة الحارث المحاسبي في معنى جمع عثمان للقرآن ، وانّه ليس كذلك ، إنّما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد

أقول : وهذا العمل من عثمان لم ينتقده عليه أحد من المسلمين ، وذلك لأنّ الاختلاف في القراءة سيؤدي حتماً إلى الاختلاف بين المسلمين كما مرّ من حكاية عثمان قول : هذا قرآني خير من قرآنك ، وقول : هذا قرآني خير من قرآنك

__________________

(1) تفسير الطبري 1 / 12 ط مصر مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر سنة 1373 هـ و 1 / 23 ط دار المعارف.

(2) أُصول الكافي في كتاب فضل القرآن ـ باب النوادر ، الرواية / 12.

(3) نفس المصدر ، الرواية / 13.

٣٣٣

وبالتالي إلى التنازع وربّما إلى تكفير بعضهم بعضاً. وهذا ما حذّر منه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : (ألا لاترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)(1) .

وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كما في حديث ابن مسعود ـ : « قال أقرأني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سورة من الثلاثين من آل حم ـ يعني الأحقاف ـ قال : وكانت السورة إذا كانت أكثر من ثلاثين آية سُميت الثلاثين.

قال : فرحت إلى المسجد ، فإذا رجل يقرؤها على غير ما أقرأني فقلت : من أقرأك؟ فقال : رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : فقلت لآخر : إقرأها ، فقرأها على غير قراءتي وقراءة صاحبي ، فانطلقت بهما إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلت يا رسول الله إنّ هذين يخالفاني في القراءة ، قال : فغضب وتمعّر وجهه وقال : (إنّما أهلك من كان قبلكم الاختلاف ...).

قال : وقال زرّ : وعنده رجل قال فقال الرجل : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمركم أن يقرأ كلّ رجل منكم كما أقريء ، (فإنّما أهلك من كان قبلكم الاختلاف) ، قال : وقال عبد الله : فلا أدري أشيئاً أسرّه إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو علم ما في نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : والرجل هو عليّ بن أبي طالب »(2) .

فهذا هو الخبر السابق أوّلاً غير أنّه أوسع تفصيلاً ، يبقى علينا أن نعرف الوجه في تعدّد القراءات أو قل بتعبير أوضح وجه الاختلاف بين مصحف ابن عباس ومصحف (الإمام) الّذي جمع عثمان الناس على القراءة بما فيه. وهذا ما سنبحثه في الحلقة الثالثة إن شاء الله تعالى ، وقد مرّ بنا في أيام عمر حديث دار

__________________

(1) جمع الفوائد 2 / 446 نقلا عن أبي داود والنسائي عن ابن عمر مرفوعاً.

(2) مسند أحمد 6 / 35 برقم 3981 ط محققة ، وقارن الطبري 1 / 23 ط محققة ومستدرك الحاكم 2 / 223 / 224.

٣٣٤

بينه وبين ابن عباس حول سبب الاختلاف في الأمة وكتابها واحد ، ونبيّها واحد ، وقبلتها واحدة ، فراجع تجد ذلك بسبب تعدد الآراء في القراءة.

ثالثاً : مواقف شرعية في الأحكام

1 ـ تنبيه ابن عباس لعثمان على الحكم الشرعي فيمن وضعت حملها لستة أشهر.

ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب في ترجمة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بعض أقضيته في الأحكام فقال : « وقال في المجنونة الّتي أمر برجمها ، وفي الّتي وضعت لستة أشهر فأراد عمر رجمها ، فقال له عليّ : إنّ الله تعالى يقول :( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا ) (1) الحديث. وقال له : إنّ الله رفع القلم عن المجنون الحديث ، فكان عمر يقول : لولا عليّ لهلك عمر ».

ثمّ قال ابن عبد البر : « وقد روي مثل هذه القصة لعثمان مع ابن عباس ، وعن عليّ أخذها ابن عباس ، والله أعلم »(2) .

أقول : روى السيوطي في الدرّ المنثور عن عبد الرزاق وعبد بن حميد عن أبي عبيدة مولى عبد الرحمن بن عوف قال : « رفعت امرأة إلى عثمانرضي‌الله‌عنه ولدت لستة أشهر فقال عثمان : إنّها قد رُفعت إليّ امرأة ألا جاءت بشرّ. فقال ابن عباس : إذا أكملت الرضاعة كان الحمل ستة أشهر وقرأ( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا ) (3) فدرأ عثمان عنها »(4) .

__________________

(1) الأحقاف / 15.

(2) الاستيعاب 2 / 461 ط حيدر آباد.

(3) الأحقاف / 15.

(4) الدر المنثور 6 / 40.

٣٣٥

2 ـ استنكار ابن عباس على عثمان في عدم ميراث الأم مع الأخوين :

أخرج الطبري في تفسيره(1) ، والحاكم في المستدرك على الصحيحين واللفظ له بسنده : « عن شعبة مولى ابن عباس عن ابن عباس انّه دخل على عثمان بن عفانرضي‌الله‌عنه فقال : إن الأخوين لا يردّان الأم عن الثلث (؟) قال الله (عزّ وجلّ) :( فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ ) (2) فالأخوان بلسان قومك ليسا بأخوة (؟) فقال عثمان بن عفان : لا أستطيع أن أرد ما كان قبلي ومضى في الأمصار وتوارث به الناس. وفي لفظ الطبري : هل أستطيع نقض أمرٍ كان قبلي وتوارثه الناس(3) .

قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه »(4) ، وتبعه الذهبي في تلخيصه وقال : صح.

أقول : لقد وهم الطبري وغيره من الفقهاء وأئمة الحديث في نسبة مسألة عدم حجب الأخوين الى ابن عباس ، حيث ظنوا أنّ الاستفهام كان حقيقياً ، بينما كان استفهاماً إنكارياً كما هو ظاهر من لغة ابن عباس ومن جواب عثمان. وهذا ما فهمه جماعة من الفقهاء ، كما سيأتي في فقه ابن عباس في (الحلقة الثالثة) إن شاء الله تعالى مزيد بيان.

3 ـ خلافات فقهية بينهما :

لقد كان بين ابن عباس وبين عثمان خلافٌ في بعض الأحكام الشرعية قولاً وعملاً :

__________________

(1) تفسير الطبري 4 / 188.

(2) آل عمران / 11.

(3) قارن السنن الكبرى للبيهقي 6 / 227.

(4) مستدرك الحاكم 4 / 335.

٣٣٦

أ ـ فعثمان توضأ فغسل كفيه ثلاثاً وغسل وجهه ثلاثاً وذراعيه ثلاثاً ثلاثاً وغسل قدميه ثلاثاً(1) .

بينما ابن عباس توضأ فغسل كلّ عضو منه غسلة واحدة ، ثمّ ذكر أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يفعله(2) .

ب ـ وعثمان توضأ فمسح بأذنيه ظاهرهما وباطنهما وقال : « رأيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفعله »(3) .

بينما ابن عباس كان يقول : « الأذنان ليستا من الوجه وليستا من الرأس ، ولو كانتا من الرأس لكان ينبغي أن يحلق ما عليهما من الشعر ، ولو كانتا من الوجه لكان ينبغي أن يغسل ظهورهما وبطونهما مع الوجه »(4) .

ج ـ وعثمان قال في ميراث جد وأم وأخت : « للأم الثلث ، وللأخت الثلث ، وللجد الثلث »(5) .

بينما قال ابن عباس : « للأم الثلث ، وما بقي فللجد وليس للأخت شيء »(6) .

د ـ وعثمان كان ينهى عن متعة الحج تبعاً لعمر وكان مصراً على نهيه عنها قولا وعملا ، وقد مرّ بعض ما يتعلق بذلك في مخالفات عثمان لأحكام الشريعة ونزيد على ذلك ما أخرجه أحمد في مسنده عن مروان قال : « كنا نسير مع عثمانرضي‌الله‌عنه فاذا رجل يلبّي بهما جميعاً فقال عثمانرضي‌الله‌عنه : مَن هذا؟ فقالوا : عليّ. فقال :

__________________

(1) المصنف 1 / 41.

(2) نفس المصدر.

(3) نفس المصدر 1 / 13.

(4) نفس المصدر.

(5) نفس المصدر 10 / 269.

(6) نفس المصدر 10 / 270.

٣٣٧

ألم تعلم أنّي قد نهيتُ عن هذا؟ قال : بلى ، ولكن لم أكن لأدع قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقولك »(1) .

وفي حديث ابن المسيب قال : « خرج عثمان حاجاً حتى إذا كان ببعض الطريق قيل لعليّ : إنّ عثمان قد نهى أصحابه عن التمتع بالعمرة إلى الحج ، فقال عليّ لأصحابه : إذا راح فروحوا ، فأهلّ عليّ وأصحابه بعمرة ، فلم يكلّمهم عثمان ، فقال له عليّ : ألم أخبر أنّك نهيت عن التمتع بالعمرة؟ فقال : بلى ، قال : فلم تسمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تمتع؟ قال : بلى »(2) .

وفي حديث شعبة عن قتادة عن عبد الله بن شقيق وفيه : « قال عثمان : أجل ولكنّا كنّا خائفين قال شعبة فقلت لقتادة : ما كان خوفهم؟ قال : لا أدري »(3) .

أقول : ليس قتادة وحده لا يدري كلا ولا المنجم يدري أيّ خوفٍ كان يوم أمر بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع ومعه مائة ألف أو يزيدون؟ وقد مرت بعض الأحاديث في أسباب السخط فراجع.

أمّا موقف ابن عباس في هذه المسألة فكان هو موقف عليّعليه‌السلام ، فقد أهلّ كما أهلّ بقية أصحاب عليّعليه‌السلام ، وهذا هو الموقف الثابت له ، حتى كان يقول لمن يعارضه في ذلك بأبي بكر وعمر : « يُوشك أن يُنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول : ما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقولون : قال أبو بكر وعمر »(4) .

وقد روى عنه سعيد بن جبير : « أنّه قال : تمتـّع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال عروة : نهى أبو بكر وعمر عن المتعة.

__________________

(1) مسند أحمد 3 / 102 برقم 733 تح ـ أحمد محمّد شاكر.

(2) نفس المصدر 1 / 200 و 210.

(3) نفس المصدر 1 / 213.

(4) زاد المعاد لابن قيم الجوزية 1 / 215.

٣٣٨

فقال ابن عباس : أراهم سيهلكون ، أقول : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقولون أبو بكر وعمر »(1) .

وقال لعروة : « يا عريّة سل أمك ، أليس قد جاء أبوك مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأحلّ. وأمّا المتعة فسل أمك إذ نزلت عن بردي عوسجة ، فإن أوّل متعة سطع مجمرها لمجمر سطع بين أمك وأبيك »(2) .

ولاشتهار فتياه تلك قال له رجل من بلجهيم : « ما هذه الفتيا الّتي تفشغت ـ انتشرت ـ في الناس : إنّ من طاف بالبيت فقد حلّ؟

فقال : سنّة نبيّكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن رغمتم »(3) .

وستأتي في الحلقة الثالثة في (فقهه) بعض موارد الخلاف بينه وبين عثمان.

رابعاً : مواقف اصلاحية

1 ـ إلزام ابن عباس لعثمان بالحجة :

لقد كان لابن عباس مع عثمان مواقف إصلاحية إلى جانب مواقفه النقدية ، وكان عثمان يستجيب له أحياناً إذا لزمته الحجة ، فقد روى مصعب الزبيري في نسب قريش قال : وقال أبو الزنّاد : كانت بين حسّان بن ثابت شاعر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين بعض الناس منازعة عند عثمان بن عفان ، فقضى عثمان على حسّان ، فجاء حسّان إلى عبد الله بن عباس فشكا ذلك إليه. فقال له ابن عباس : الحقّ حقّك ولكن أخطأتََ حجتك ، انطلق معي ، فخرج به حتى دخلا على عثمان ، فاحتج له

__________________

(1) مسند أحمد 1 / 337 ط محققة.

(2) نفس المصدر 4 / 352 و 5 / 119.

(3) نفس المصدر 4 / 176 و 184 ، و 5 / 66.

٣٣٩

ابن عباس حتى تبيّن عثمان الحقّ ، فقضى به لحسّان بن ثابت فخرج آخذاً بيد ابن عباس حتى دخلا المسجد ، فجعل حسّان بن ثابت ينشد الحَلـَق ويقول :

إذا ما ابن عباس بدا لك وجهُه

رأيتَ له في كلّ مجمعة فضلا

إذا قال لم يترك مقالاً لقائل

بمنتظمات لا ترى بينها فصلا

كفى وشفى ما في النفوس فلم يدع

لذي إربة في القول جداً ولا وهزلا(1)

وذكر الطبراني والهيثمي وابن عبد البر وابن حجر هذه القصة بتفاوت في ألفاظها وأشعارها وزيادة لبيتين عند بعضهم وهما كما في الطبراني :

سموت إلى العليا بغير مشقة

فنلتَ ذراها لا جباناً ولا وغلا

خُلقتَ حليفاً للمودة والندى

مليحاً ولم تخلق كهاماً ولا خبلا

فقال الوالي : والله ما أراد بالكهام الخبل غيري والله بيني وبينه(2) .

2 ـ استكشاف للرأي وصراحة نقدية هادئة :

روى ابن قتيبة في كتابه الإمامة والسياسة في حديث طويل جاء فيه : « وأمسك عثمان ابن عباس فقال له عثمان : يا بن عمي ويا بن خالي فإنّه لم يبلغني عنك في أمري شيء أحبّه ولا أكرهه عليّ ولا لي ، وقد علمتُ أنّك رأيت بعض ما رأى الناس ، فمنعك عقلك وحلمك من أن تـُظهر ما أظهروا ، وقد أحببتُ أن تعلمني رأيك فيما بيني وبينك فاعتذر. قال ابن عباس : فقلت : يا أمير المؤمنين إنّك قد أبتليتني بعد العافية ، وأدخلتني في الضيق بعد السعة ، ووالله إن رأيي لك

__________________

(1) نسب قريش / 26.

(2) المعجم الكبير للطبراني 4 / 42 ـ 43 ط الموصل ، وقارن مجمع الزوائد 9 / 284 ـ 285 ، والاستيعاب والإصابة في ترجمة ابن عباس.

٣٤٠