موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٣

موسوعة عبد الله بن عبّاس0%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 285

موسوعة عبد الله بن عبّاس

مؤلف: السيد حسن الموسوي الخرسان
تصنيف:

الصفحات: 285
المشاهدات: 49814
تحميل: 4072


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 285 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49814 / تحميل: 4072
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء 3

مؤلف:
العربية

ـ قال المفيد : ـ ودعا بدرعه البتراء ولم يلبسها بعد النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلاّ يومئذ ، فكان بين كتفيه منها متوهّياً فجاء وفي يده شسع نعل ، فقال له ابن عباس ( رضي الله عنه ) : ما تريد بهذا الشسع يا أمير المؤمنين؟

فقال : ( اربط بها ما قد توهى من هذه الدرع من خلفي ).

فقال ابن عباس : أفي مثل هذا اليوم تلبس مثل هذا.

فقال ( عليه السلام ) : ( ولم؟ ) قال : أخاف عليك. قال ( عليه السلام ) : ( لا تخف أن أوتى من ورائي ، والله يا بن عباس ما وليت في زحفٍ قط ). ثمّ قال. ( إلبَس يا بن عباس ) ، فلبس درعاً سعدية اهـ »(1) .

وكان ابن عباس يلبس في الحرب من القلانس ما يكون من السيجان(2) .

وقد رأى الإمام ابن عمه وهو يمشي بين الصفين فقال : ( أقرّ الله عين من له ابن عم مثل هذا ) ، وهذه كلمة تنبيء عن صورة انطباع معبّر ومؤثر في نفس الإمام لذلك المشهد الّذي رأى فيه ابن عمه ، فابن عمه لم يكن يمشي بين الصفين تمشي نزهة ، وإنّما كان مشي في ساحة حرب وقتال سوف تتطاير فيه رؤوس وتتقطع فيه الأيدي وهذه الكلمة رواها لنا شاهد عيان ـ وأي شاهد ذلك؟! ـ هو الإمام الحسين ( عليه السلام ) ونقلها عنه ولده الإمام عليّ بن الحسين ، وعنه الزهري(3) ، وما أكثر ما كان يمشي ابن عباس بين الصفين ، في ذهابه وايابه إلى كلّ من طلحة والزبير وعائشة حين يبعثه الإمام عسى أن يفيئوا إلى الطاعة ولكن فيما يبدو أن جميع تلك المساعي لم تجد نفعاً ، حتى تولى الإمام بنفسه بذل النصيحة في دعوته لحقن الدماء.

____________________

(1) كتاب الجمل / 163 ط الحيدرية.

(2) المخصص لابن سيده 4 / 79 ، ولسان الميزان 3 / 127.

(3) أنظر البداية والنهاية لابن كثير 8 / 299.

١٤١

فقد روى الطبري في تاريخه : من حديث قتادة قال : فلمّا تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح ، فقيل لعليّ هذا الزبير ، قال : أما إنه احرى إن ذكّر بالله أن يذكره ، وخرج طلحة ، فخرج إليهما عليّ فدنا منهما حتى اختلفت أعناق دوابّهم ، فقال عليّ : لعمري لقد أعددتما سلاحاً وخيلاً ورجالاً ، إن كنتما أعددتما عند الله عذراً ، فاتقيا الله سبحانه ، ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً. ألم أكن أخاكما في دينكما؟ تحرّمان دمي وأحرّم دماءكما ، فهل من حدثٍ أحلّ لكما دمي؟.

قال طلحة : ألّبت الناس على عثمان ( رضي الله عنه ).

قال عليّ :( يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ) (1) يا طلحة تطلب بدم عثمان! فلعن الله قتلة عثمان. يا زبير أتذكر يوم مررت برسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم في بني غنم ، فنظر إليّ فضحك وضحكتُ إليه فقلتّ : لا يدع ابن أبى طالب زهوه ، فقال لك رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم : ( صه(2) إنّه ليس به زهو ، ولتقاتلنّه وأنتَ له ظالم )؟ فقال : اللّهمّ نعم ، ولو ذكرت ما سرتُ مسيري هذا ، والله لا أقاتلك أبداً.

فانصرف عليّ إلى أصحابه فقال : أمّا الزبير فقد أعطى الله عهداً ألاّ يقاتلكم.

ورجع الزبير إلى عائشة فقال لها : ما كنتُ في موطن منذ عقلت إلاّ وأنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا فقالت : فما تريد أن تصنع؟ قال : أريد أن أدعهم وأذهب. فقال له ابنه عبد الله : جمعتَ بين هذين الغارين(3) حتى إذا حددّ بعضهم لبعض أردت أن تتركهم وتذهب! أحسست رايات ابن أبي طالب ، وعلمتَ أنّها

____________________

(1) النور / 25.

(2) اسم فعل بمعنى : أسكت وهو بلفظ واحد للجميع في المذكر والمؤنث.

(3) الغاران هنا بمعنى : الجيشان.

١٤٢

تحملها فتية أنجاد. قال : إني قد حلفت ألاّ أقاتله ، وأحفظه ما قال له ، فقال : كفّرَ عن يمينك وقاتله ، فدعا بغلام له يقال له مكحول فأعتقه ، فقال عبد الرحمن بن سليمان التميمي :

لم أر كاليوم أخا إخوان

أعجَبُ من مكفّر الأيمان

بالعتق في معصية الرحمن

وقال رجل من شعرائهم :

يعتق مكحولاً لصون دينه

كفـارة لله عن يمينه

والنـكـث قد لاح علـى جـبـيـنه(1)

ويبدو من حديث البلاذري في أنساب الأشراف(2) أن العتق لم يكن لذلك بل لأنّه عزم أن يلحق بمعاوية فقد روى بسنده عن يحيى بن سعيد قال : كتب معاوية إلى الزبير : أن أقبل إليّ أبايعك ومن يحضرني ، فكتم الزبير ذلك عن طلحة وعائشة ، ثمّ بلغها فكبر ذلك عليها ، وأخبرت عائشة به ابن الزبير ، فقال لأبيه : أتريد أن تلحق بمعاوية؟ فقال : نعم ولم لا أفعل وابن الحضرمية ينازعني في الأمر! ثمّ بدا له في ذلك. وأحسبه كان حلف ليفعلنّ فدعا غلاماً له فأعتقه وعاد إلى الحرب.

ومهما كان السبب فهو قد أوقد الحرب ثمّ ولّى عنها راجعاً حتى لحقه ابن جرموز بوادي السباع فقتله ، كما سيأتي حديث مقتله(3) .

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 501.

(2) في أنساب الأشراف ( ترجمة الإمام ) 2 / 257 ـ 258 تح ـ المحمودي.

(3) رحم الله أبا سعيد بن عقيل بن أبي طالب فقد قال لابن الزبير في كلام جرى بينهما في مجلس معاوية : دع عنك عليّاً والزبير ، إنّ عليّاً دعا إلى أمر فاتبع وكان فيه رأساً ، ودعا الزبير إلى أمر كان فيه الرأس امرأة ، فلمّا تراءت الفئتان والتقى الجمعان نكص الزبير

١٤٣

وقامت الحرب على ساق :

ليس اعتباطاً اخترت هذا العنوان ، فقد قال أبو مخنف : « أمر عليّ ( عليه السلام ) ولده محمّداً أن يحمل الراية ، فحمل وحمل معه الناس ، واستحر القتل بين الفريقين ، وقامت الحرب على ساق »(1) .

وقد كانت العرب تقول ذلك كناية عن منتهى الشدّة ، وبذلك فسّر ابن عباس ترجمان القـرآن قوله تعالى :( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ) (2) كمـا في أجوبة نافع ابن الأزرق وقد سأله عن ذلك فقال : شدّة الآخرة ، واستشهد له بقول الشاعر :

إصبر عناق إنه شرّ باق

قد سنّ لي قومك ضرب الأعناق

وقامت الحرب بنا على ساق

كما فسر له أيضاً قوله تعالى :( وَالْتَفَّتْ السَّاقُ بِالسَّاقِ ) (3) فقال : الشدّة بالشدّة وأنشده شاهداً قول الشاعر :

____________________

على عقبيه ، وأدبر منهزماً قبل أن يظهر الحقُ فيأخذه أو يدحض الباطلُ فيتركه ، فأدركه رجل لو قيس ببعض أعضائه لكان أصغر ، فضرب عنقه وأخذ سلبه وجاء برأسه. ومضى عليّ قُدماً كعادته مع ابن عمه ونبيّه صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم ، فرحم الله عليّاً ولا رحم الزبير.

فقال ابن الزبير : أمّا والله لو أن غيرك تكلّم بهذا يا أبا سعيد لعلم ، قال : إنّ الّذي تعرّض به يرغب عنك. وأخبرت عائشة بمقالتهما ، فمرّ أبو سعيد بفنائها فنادته : يا أحول يا خبيث أنت القائل لابن أختي كذا وكذا؟ فالتفت أبو سعيد فلم ير شيئاً فقال : ان الشيطان ليراك من حيث لا تراه ، فضحكت عائشة وقالت : لله أبوك ما أخبث ( ما أذلق ) لسانك.

شرح النهج لابن أبي الحديد 3 / 7 ، عقد الفريد 4 / 14 ط لجنة التأليف والترجمة والنشر تح ـ أحمد أمين ، أحمد الزين ، إبراهيم الأبياري.

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 431 ط مصر الأولى.

(2) القلم / 42.

(3) القيامة / 29.

١٤٤

أخو الحرب إن عضّت به الحرب عضّها

وإن شمّرت عن ساقها الحرب شمّرا(1)

إذن فليس اعتباطاً اخترت لك هذا العنوان ما دامت الشدّة في حرب الجمل قد بلغت أقصاها بشهادة المتحاربين.

فلنقرأ بعض الشهادات من الفريقين :

1 ـ قال محمّد بن الحنفية : دفع إلي أبي الراية يوم الجمل وقال : تقدّم ، فتقدمت حتى لم أجد متقدّماً إلاّ على رمح ، قال : تقدّم لا أم لك فتكأكأتُ وقلت : لا أجد متقدماً إلاّ على سنان رمح ، فتناول الراية من يدي متناوِل لا أدري مَن هو؟ فنظرت فإذا أبي بين يدي وهو يقول :

أنتِ الّتي غرّك مني الحسنى

يا عيشَ إنّ القوم قوم أعدا

الخفض خير من قتال الأبنا(2)

2 ـ وقال عبد خير في حديث له عن حرب الجمل : فمشى بعضنا إلى بعض ، وشجرنا بالرماح حتى لو شاء الرجل أن يمشي عليها مشى ، ثمّ أخذتنا السيوف فما شبهتها إلاّ دار الوليد(3) .

3 ـ وقال عبد الله بن سنان الكاهلي : لمّا كان يوم الجمل ترامينا بالنبل حتى فنيت ، وتطاعنّا بالرماح حتى تشبكّت في صدورنا وصدورهم ، حتى لو سيّرت

____________________

(1) روى البلاذري في أنسابه / 51 ط بولس آبل سنة 1884 عن أبي مخنف : ان ابن الزبير كان يقاتل لما أتاه الحجاج يقاتله في المسجد الحرام :

قد قامت بنا الحرب على ساق

قبلك سنّ الناس ضرب الأعناق

صبـراً عِفـاق إنه شرٌ باق

(2) تاريخ الطبري 4 / 514 ـ 515 ط دار المعارف.

(3) المصنف لابن أبي شيبة 15 / 277 ط باكستان.

١٤٥

عَليها الخيل لسارت. ثمّ قال عليّ : السيوف يا أبناء المهاجرين ، قال الشيخ : فما دخلت دار الوليد إلاّ ذكرت ذلك اليوم(1) .

4 ـ وقال أبو بشير : كنت مع مولاي زمن الجمل ، فما مررت بدار الوليد قط فسمعت أصوات القصّارين يضربون إلاّ ذكرت قتالهم(2) .

5 ـ وقال عيسى بن حطّان : حاص الناس حيصة(3) ، ثمّ رجعنا وعائشة على جمل أحمر في هودج أحمر ما شبهته إلاّ بالقنفذ من النبل(4) .

6 ـ قال حريث بن فحش : ما شهدت يوماً أشد من يوم ابن عليس إلاّ يوم الجمل(5) .

وهلمّ فاقرأ ما رواه ابن عبد ربّه الأندلسي(6) عن غندر قال حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال : سمعت عبد الله بن سلمة ـ وكان مع عليّ بن أبي طالب ـ والحارث بن سويد ـ وكان مع طلحة والزبير ـ وتذاكرا وقعة الجمل ، فقال الحارث بن سويد : والله ما رأيت مثل يوم الجمل ، لقد أشرعوا رماحهم في صدورنا ، وأشرعنا رماحنا في صدورهم ، ولو شاءت الرجال أن تمشي عليها لمشت ، يقول هؤلاء : لا إله إلاّ الله والله أكبر ، ويقول هؤلاء : لا إله إلاّ الله والله أكبر ، فوالله لوددت أنّي لم أشهد ذلك اليوم ، وأنّي أعمى مقطوع اليدين والرجلين. وهذا أخرجه ابن أبي شيبة(7) .

____________________

(1) تاريخ الطبري / 532.

(2) نفس المصدر.

(3) جالوا جولة يطلبون الفرار ( لسان العرب حاص ).

(4) تاريخ الطبري 4 / 532.

(5) المصنف لابن أبي شيبة 15 / 277 ط باكستان.

(6) في العقد الفريد 4 / 327 تح ـ أحمد أمين ورفيقيه.

(7) في مصنفه ـ كتاب الجمل ـ 15 / 258.

١٤٦

وقال عبد الله بن سلمة : والله ما يُسرّني أنّي غبتُ عن ذلك اليوم ولا عن مشهد شهده عليّ بن أبي طالب بحُمر النَعم.

ولم يكن الرجال أبلغ من النساء اللائي حضرن يوم الجمل في التصوير إن لم يكنّ أشجى في التعبير ، فقد روى المسعودي فقال : خرجت امرأة من عبد القيس تطوف القتلى ، فوجدت ابنين لها قد قتلا ، وقد كان قتل زوجها وأخوان لها فيمن قتل قبل مجيء عليّ البصرة ، فأنشأت تقول :

شهدت الحروب فشيّبني

فلم أرَ يوماً كيوم الجمل

أضرّ على مؤمن فتنة

وأقتله لشجاع بطل

فليت الظغينة في بيتها

وليتك عسكر لم ترتحل(1)

وثمة امرأة ثكلى من المعسكر الآخر فقدت أبناءها أربعة أو خمسة وهم كعب بن سور الأزدي القاضي وأخوته فقتلوا جميعاً يوم الجمل ، فجاءت أمهم حتى وقفت عليهم فقالت :

يا عينُ جودي بدمع سَرِب

على فتية من خيار العرب

وما لهمُ غير حَين النفو

س أيُّ أميري قريش غلب(2)

وحسبنا حديث المدائني وقد رواه البلاذري(3) وغيره ، قال : « المدائني عن أبي خيران الحِمّاني عن عوف الأعرابي عن أبي رجاء العطاردي قال : رأيت

____________________

(1) مروج الذهب 2 / 369 ط بيروت ، وقارن العقد الفريد 4 / 325 ونسب الأبيات لرجل شهد الجمل ، وفي أنساب البلاذري ( ترجمة الإمام ) 2 / 370 نسبها لشاعر ثمّ قال : ويقال هو عثمان بن حنيف.

(2) الكامل للمبرد 4 / 22 تح ـ محمّد أبو الفضل إبراهيم.

(3) في أنسابه ( ترجمة الإمام ) 2 / 266 تح ـ المحمودي.

١٤٧

رجلاً(1) مصطلم الأذن فقلت له : أخلقة أم حادث؟ قال : بل حادث ، بينا أنا يوم الجمل أجول في القتلى إذ مررت برجل فيهم صريع يخفض رأسه ويرفعه ، وهو يفحص برجليه ويقول :

لقد أوردتنا حومة الموت أمّنا

فما صدرت إلاّ ونحن رواء

أطعنا قريشاً ضلة من حلومنا

ونصرتنا أهل الحجاز عناء

لقد كان عن نصر ابن ضبّة أمّه

وشيّعتها مندوحة ومباء

أطعنا بني تيم بن مرة شقوةً

وما تيم إلاّ أعبد وإماء

فقلت : سبحان الله أتقول هذا عند الموت ، قل : لا إله إلاّ الله ، فقال : يا بن اللخناء إياي تأمر بالجزع عند الموت؟ قال : فولّيت عنه متعجباً منه ، فصاح بي أدن مني لقنّي الشهادة ، فصرت إليه ، فلمّا قربت منه استدناني وقال : ادن مني ولقنّي فإنّ في أذني وَقراً ، فدنوت منه فقال لي من أنت؟ قلت : رجل من أهل الكوفة ، فوثب عليّ فاصطلم أذني كما ترى ، فجعلت ألعنه وأدعو عليه ، فقال : إذا صرت إلى أمك فأخبرها أن عُمير بن الأهلب الضبي فعل بك هذا ، مخدوع المرأة الّتي أرادت أن تكون أمير المؤمنين »(2) .

قال ابن أعثم : « وانقلب الهمداني بغير اذن ، ثمّ أن كرّ عليه بسيفه حتى قطعه إرباً إربا.

____________________

(1) سمّاه ابن اعثم في الفتوح 2 / 335 بـ ( مسعود بن عمرو الهمداني ).

(2) مروج الذهب 2 / 379 تح ـ محمّد محي الدين عبد الحميد ، وقارن الطبري 4 / 523 ـ 524 ط دار المعارف ، وابن الأثير 3 / 108 ط بولاق ، ومروج الذهب 2 / 370 ط بيروت وسمط النجوم العوالي وتاريخ ابن عساكر في ترجمة سعيد بن شمر وفي تهذيبه 6 / 130 ، والفتوح لابن أعثم 2 / 335 وغيرها.

١٤٨

ولم يتجنّ القتيل الضبيّ على أمّه حين قال أرادت أن تكون أمير المؤمنين ، فقد قال عنها أبو بكرة في حديثه عن امتناعه عن نصرة طلحة والزبير قال : لمّا قدم طلحة والزبير البصرة تقلّدت سيفي وأنا أريد نصرهما ، فدخلت على عائشة وإذا هي تأمر وتنهى ، وإذا الأمر أمرها ، فذكرت حديثاً كنت سمعته عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( لن يفلح قوم تدبّر أمرهم امرأة ) ، فانصرفت واعتزلتهم »(1) .

وحديث أبي بكرة عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أخرجه البخاري في صحيحه(2) .

وهكذا بقي يوم الجمل مثلاً في شدة القتال وتفاني المتحاربين حتى روى المبرّد(3) قول اسحاق بن خلف البهراني يخاطب عليّ بن عيسى القمي :

وللكرد منك إذا زرتهم

بكيدك يوم كيوم الجمل

شوقي وحرب الجمل :

ولقد صوّر أمير الشعراء أحمد شوقي الحرب من بدايتها إلى نهايتها فأجمل تصويرها ، فقال في كتابه(4) مخاطباً الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب :

يا جبلاً تأبى الجبال ما حمَل

ماذا رمت عليك ربّة الجَمل

أثأر عثمان الذي شجاها

أم غُصةٌ لم ينتزع شجاها(5)

قضية من دمه تبنيها

هبّت لها واستنفرت بنيها

____________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 81.

(2) راجع فتح الباري 16 / 166 ط الحلبي سنة 1387 هـ.

(3) الكامل 2 / 19 تح ـ محمّد أبو الفضل إبراهيم.

(4) دول العرب وعظماء الإسلام / 54.

(5) يشير الى ما في نفسها من ضغن على الإمام منذ قضية الأفك ، وإنما اتخذت الطلب بدم عثمان وسيلة لاغواء السذج ممّن اوردتهم حومة الموت.

١٤٩

ذلك فتقٌ لم يكن بالبال

كيد النساء موهن الجبال

وإنّ أم المؤمنين لامرأة

وإن تك الطاهرة المبرأة

أخرجها من كنّها وسنّها

ما لم يُزل طول المدى من ضغنها

وشرّ من عداك من تقيه

ومُلقي السلاح تلتقيه

جهّزها طلحة والزبير

ثلاثة فيهم هدى وخير

صاحبة الهادي وصاحباه

فكيف يمضون لما يأباه

يا ليت شعري هل تعدوا وبغوا؟

أم دم ذي النورين بالحقّ بغوا؟(1)

جاءت إلى العراق بالبنينا

قاضي حق الأم محسنينا

فانصدعت طائفتين البصره

فريقُ خَذلٍ وفريقٌ نُصره

أو ذادة البيعة والذمام

وقادة الفتنة والزمام

وانتهك الحيّ دماء الحيّ

من أجل ميت غابرٍ وحيّ

وجاء في الأسُد أبو تراب(2)

على متون الضمّر العِراب(3)

يرجو لصدع المؤمنين رأبا

وأمّهم تدفعه وتأبى

وعجز الرأي وأعيا الحِلمُ

وخُطبت بالمرهفات السِلمُ

من كلّ يوم سافك الدِماء

تعوذ منه الأرض بالسماءِ

تجرّ ذات الطهر فيه عسكرا(4)

وتذمُر الخيلَ وتغري العسكرا(5)

____________________

(1) لقد مر ذكر مواقف الثلاثة من عثمان وأنهم من أبرز المحرضين على قتله.

(2) كانت احب الكنى الى أمير المؤمنين عليه السلام لأن رسول الله رسول ( ص ) كناه بها.

(3) الخيل المضمّرة هي الضامرة وهو مدح فيها ، والعراب : الخالصة من الهجنة وتلك كرائم الخيل.

(4) كان اسم جمل عائشة ( عسكر ).

(5) تذمّر الخيل أي تحثها كناية عن تحريض عائشة لأصحابها.

١٥٠

ظل الخِطام من يدٍ إلى يدٍ

كالتاج للأصيد بعد الأصيد(1)

مستلَماً توهى الغيوث دونه

وبالدماء أنهراً يفدونه

حتى أراد اللّه إمساك الدم

في كرم لسيفه المقدّم(2)

وظفرت ألوية الإمام

وألقت البصرة بالزمام

فرُدّت الأم إلى مقرّها

مبالَغاً في نقلِها وبرِّها

فأمير الشعراء أجمل الحادثة ، فلم يعرّج على مقتل الزبير ، ولا مقتل طلحة ، ولا على سيرة الإمام ( عليه السلام ) في الأسرى ومنهم عائشة ، إلى غير ذلك ممّا لم يذكره!

فينبغي لنا أن نذكر شيئاً عن ذلك على نحو الإجمال تنويراً للقارئ :

مقتل الزبير :

أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ونعيم بن حماد في ( الفتن ) وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن الزبير ( رضي الله عنه ) قال : « لقد قرأنا زماناً وما نرى أنا من أهلها فإذا نحن المعنيّون بها :( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) (3) »(4) .

____________________

(1) تعاقبت الأيدي على الخطام حتى كلها قطعت وقالوا انها سبعون يداً.

(2) روى المحب الطبري في ذخائر العقبى / 92 عن أنس بن مالك قال : صعد رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) سلم المنبر فذكر قولاً كثيراً ثمّ قال : أين عليّ بن أبي طالب؟ فوثب إليه فقال : ها أنا ذا يا رسول الله ، فضمه إلى صدره وقبّل بين عينيه ، وقال بأعلى صوته : معاشر المسلمين هذا أخي وابن عمي وختني ، هذا لحمي ودمي وشعري ، هذا أبو السبطين الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ، هذا مفرّج الكروب عني هذا أسد الله وسيفه في أرضه على أعدائه ، على مبغضه لعنة الله ولعنة اللاعنين ، والله منه بريء ، فمن أحب أن يبرأ من الله ومني فليبرأ من عليّ ، وليبلّغ الشاهدَ والغائبَ ثمّ قال : أجلس يا عليّ قد عرف الله لك ذلك. ثمّ قال المحب الطبري : أخرجه أبو سعيد في شرف النبوة.

(3) الدر المنثور 3 / 177 ط افست الإسلامية.

(4) الانفال / 25.

١٥١

قال طه حسين : « ورجع ـ الزبير إلى أم المؤمنين فقال لها : إني لا أرى في هذا الأمر بصيرة ، قالت : فتريد ماذا؟ قال : أريد أن اعتزل الناس. وهنا يختلف المؤرخون ، فقوم يرون أنه مضى لوجهه حتى أدركه ابن جرموز فقتله في وادي السباع بأمر من الأحنف بن قيس أو عن غير أمر منه. وقوم يقولون : إن ابنه عبد الله عيّره بالجبن وقال له : رأيت رايات ابن أبي طالب وعلمت أن تحتها الموت فجبُنت. وما زال به حتى أحفظه فقال له الزبير ويلك إني قد حلفت لا أقاتل عليّاً. فقال عبد الله : ما اكثر ما يكفّر الناس عن أيمانهم فأعتق غلامك سرجيس وقاتل عدوك ، ففعل وانهزم مع الناس ».

ثمّ قال طه حسين : « ونحن إلى الرواية الأولى أميل ، فقد كان الزبير رقيق القلب شديد الخوف من الله شديد الحرص على مكانته من رسول الله ، وكانت حيرة شديدة منذ وصل إلى البصرة ورأى ما رأى من افتتان الناس واختلافهم ، وازدادت حيرته حين عرف أن عمّار بن ياسر قد أقبل في أصحاب عليّ ، وكان المسلمون يتسامعون بقول النبيّ صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم لعمار : ويحك يا بن سميّة! تقتلك الفئة الباغية ، فلمّا عرف أن عمّاراً في جيش عليّ أصابته رعدة شديدة إشفاقاً من أن يكون من هذه الفئة الباغية ، وقد تماسك مع ذلك حتى لقي عليّاً وسمع منه ما سمع ، وهنالك استبانت له بصيرته ، فانصرف عن القوم ولم يقاتل ، حتى قتل غيلة بوادي السباع »(1) .

ولا تعقيب لنا على ما قاله طه حسين سوى ما ختم به كلامه من قوله : « وهنالك استبانت به بصيرته فانصرف عن القوم ولم يقاتل » فأي بصيرة تلك الّتي استبانت له فانصرف عن القوم ولم يقاتل؟ فإن انصرافه وحده كافٍ في إدانته!

____________________

(1) الفتنة الكبرى ( عليّ وبنوه ) / 49 ط دار المعارف.

١٥٢

ولو أنّ الدكتور طه حسين استحضر بعض أقوال ابن عباس لابن الزبير في ذلك الموقف لما قال ذلك. فان ابن عباس قال لابن الزبير في ملاحاة بينهما في المسجد الحرام بعد مضي أكثر من ربع قرن على مرور واقعة الجمل : « فقد لقيتُ أباك في الزحف وأنا مع إمام هدى ، فإن يكن على ما أقول فقد كفر بقتالنا ، وإن يكن على ما تقول فقد كفر بهربه عنا »(1) فكان على الزبير ـ لو استبانت له بصيرته أن يتحول مع الإمام لا أن يفرّ بنفسه من القتال.

ومهما يكن فقد قتله ابن جرموز بوادي السباع فأخذ سلاحه وفرسه وخاتمه كما في فتوح ابن اعثم(2) ونحوه في رواية الطبري(3) وابن الأثير(4) .

وقال المسعودي : « وأتى عمرو ـ ابن جرموز ـ بسيف الزبير وخاتمه ورأسه ، وقيل : إنّه لم يأت برأسه فقال عليّ : سيف طالما جلا الكرب عن وجه رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم ، لكنه الحَين ومصارع السوء »(5) .

قال ابن كثير الشامي : « ثمّ دخلت ست وثمانين وثلثمائة في محرّمها كشف أهل البصرة عن قبر عتيق فإذا هم بميت طري عليه ثيابه وسيفه ، فظنّوه الزبير بن العوام ، فأخرجوه وكفنوه ودفنوه واتخذوا عند قبره مسجداً ، ووقف عليه أوقاف كثيرة. وجعل عنده خدام وقوام وفرش وتنوير اهـ »(6) .

أقول : فبناءً على ذلك فقد أخطأهم الظن ، فإنّ الزبير كما مر عن الطبري وابن اعثم والمسعودي وغيرهم أيضاً قد سلبه ابن جرموز سيفه وسلاحه وخاتمه.

____________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 4 / 490 ومحاضرات الراغب 2 / 94 ، والدرجات الرفيعة 1 / 142.

(2) الفتوح لابن أعثم 2 / 313.

(3) تاريخ الطبري 4 / 535.

(4) تاريخ ابن الاثير 3 / 104 ط بولاق.

(5) مروج الذهب 2 / 373 تح عبد الحميد.

(6) البداية والنهاية 11 / 319 ، ورواه ابن الجوزي في مرآة الزمان في حوادث سنة 386.

١٥٣

وأتى بسيفه إلى الإمام كما مر. فليس مَن كشفوا عنه كان هو الزبير قطعاً. ولا يبعد أن يكون هو بعض من استشهد مع الإمام ، لأنّه ( عليه السلام ) قد أمر بدفن أصحابه المستشهدين بثيابهم وسلاحهم. ومهما يكن فقد أخرج الفسوي بسنده عن سنبلة عن مولاتها الوحيدية(1) الّتي كانت تزوجها عليّ بن أبي طالب قالت : « أستأذن ابن جرموز قاتل الزبير على عليّ ( رضي الله عنه ) فقال عليّ : ( إئذنوا له وبشروه بالنار ) »(2) ، ولقد سأل ابن عباس الإمام فقال : إلى أين قاتل ابن صفية؟ قال : إلى النار(3) .

وفي تهذيب ابن عساكر : « وقيل : انّ مروان قال : لمّا انصرف الزبير : إن لم أدرك ثاري اليوم لم أدركه أبداً ، فرماه بسهم فقتله (؟) »(4) وهذا على ذمة الرواة ، والأشهر الأوّل.

وروى البلاذري بسنده عن أبي نضرة قال : « قال رجل لطلحة والزبير : إنّ لكما صحبة وفضلاً ، فأخبراني عن مسيركما هذا وقتالكما أشيء أمركما به رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم؟ أم رأي رأيتماه؟ فأما طلحة فسكت ، وأمّا الزبير فقال : حُدّثنا أن ههنا بيضاء وصفراء ـ يعني دراهم ودنانير ـ فجئنا لنأخذ منها »(5) . وهذا ما رواه الطبري عن عوف الأعرأبي أيضاً بتفاوت يسير(6) ، وأخرجه ابن أبي شيبة وفيه : « عن أبي نضرة عن رجل من بني ضبيعة قال : لمّا قدم طلحة والزبير نزلا في بني طاحية ، فركبت فرسي فأتيتهما فدخلت عليهما

____________________

(1) وهذه الوحيدية الّتي كانت زوجة الإمام هي أم البنين فاطمة بنت حزام أم أولاده الأربعة العباس وأخوته.

(2) المعرفة والتاريخ 2 / 816.

(3) طبقات ابن سعد 3 / ق 1 / 77.

(4) تهذيب تاريخ ابن عساكر 5 / 368.

(5) أنساب الأشراف ( ترجمة الإمام ) 2 / 270 تح ـ المحمودي.

(6) تاريخ الطبري 4 / 475 ط المعارف.

١٥٤

المسجد ، فقلت : إنّكما رجلان من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم فأمّا طلحة فنكس رأسه فلم يتكلم ، وأمّا الزبير فقال : حُدّثنا أن ههنا دراهم كثيرة فجئنا نأخذ منها »(1) .

وأخرج ابن أبي شيبة أيضاً عن أبي الأسود الدؤلي : « أن الزبير بن العوام لمّا قدم البصرة دخل بيت المال فإذا هو بصفراء وبيضاء فقال : يقول الله( وَعَدَكُمْ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا ) (2) فقال : هذا لنا »(3) .

فأين إذن صار الطلب بدم عثمان؟! ثمّ ما باله يطلب المال بالبصرة وهو من أغنى الناس ، ألم تكن وصيته لابنه يوم الجمل وقد أخرجها ابن أبي شيبة وابن سعد : « قال عبد الله بن الزبير : لمّا وقف الزبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه فقال : يا بني إنه لا يقتل اليوم إلاّ ظالم أو مظلوم وإني أراني سأقتل اليوم مظلوماً ، وإن من أكبر همي لديني ثمّ قال : يا بني بع ما لنا واقض ديني وأوص بالثلث قال : وقتل الزبير ولم يدع ديناراً ولا درهماً إلا أرضين فيها الغابة واحدى عشرة داراً بالمدينة ، ودارين بالبصرة وداراً بالكوفة وداراً بمصر »(4) .

قال عروة بن الزبير : « كان للزبير بمصر خطط وبالاسكندرية خطط وبالكوفة خطط وبالبصرة دور ، وكانت له غلات تقدم عليه من أعراض المدينة »(5) .

____________________

(1) المصنف ( كتاب الجمل ) 15 / 283.

(2) الفتح / 20 ـ 21.

(3) أخرجه السيوطي في الدر المنثور 6 / 75 ط أفست إسلامية.

(4) المصنف 15 / 279 ، وطبقات ابن سعد 3 ق 1 / 75 ـ 77.

(5) طبقات ابن سعد 3 / 110.

١٥٥

قال عبد الله : « وكان للزبير أربع نسوة قال : ورُبّع الثمن فأصاب كلّ امرأة ألف ألف ومائة ألف ، قال : فجميع ماله : خمسة وثلاثون ألف ألف ومائتا ألف »(1) .

قال سفيان بن عيينة : « اقتسم ميراث الزبير على أربعين ألف ألف »(2) .

فلا غرابة لو قرأنا عجب الحس البصري منه فقد قال عنه : « يا عجباً للزبير أخذ بحقوي أعرابي من بني مجاشع أجرني أجرني حتى قتل ، والله ما كان له بقرين ، أما والله لقد كنت في ذمّة منيعة »(3) فمن كان بهذه المثابة من الجاه والمال يستحوذ الهوى والطمع عليه حتى يرديانه بوادي السباع.

إنّه الحَين ومصارع السوء كما قال الإمام.

مقتل طلحة :

روى البلاذري في أنساب الأشراف : « قالوا : أحيط بطلحة عند المساء ومعه مروان بن الحكم يقاتل فيمن يقاتل فلمّا رأى مروان الناس منهزمين قال : والله لا

____________________

(1) قال ابن كثير في البداية والنهاية 7 / 249 ط السعادة : وقد كان الزبير ذا مال جزيل وصدقات كثيرة جداً ، لما كان يوم الجمل أوصى إلى ابنه عبد الله فلمّا قتل وجدوا عليه من الدين ألفي ألف ومائة ألف فوفوها عنه ، وأخرجوا بعد ذلك ثلث ماله الّذي أوصى به ، ثمّ قسّمت التركة بعد ذلك فأصاب كلّ واحدة من الزوجات الأربع من ربع الثمن الف الف ومائتي الف درهم ، فعلى هذا يكون مجموع ما قسّم بين الورثة ثمانية وثلاثين الف الف وأربعمائة ألف ، والثلث الموصى به تسعة عشر الف الف ومائتا الف فتلك الجملة سبعة وخمسون الف الف وستمائة الف ، والدين المخرّج قبل ذلك الفا الف ومائتا الف ، فعلى هذا يكون جميع ما تركه من الدين والوصية والميراث تسعة وخمسين ألف ألف وثمانمائة ألف ، وإنما نبهنا على هذا لأنه وقع في صحيح البخاري ما فيه نظر ينبغي أن ينبّه له والله أعلم.

(2) طبقات ابن سعد 3 ق 1 / 77.

(3) نفس المصدر 3 ق 1 / 79.

١٥٦

أطلب ثاري بعثمان بعد اليوم أبداً ، فانتحى لطلحة بسهم فأصاب ساقه فأثخنه ، والتفت إلى ابان بن عثمان فقال له : قد كفيتك أحد قتلة أبيك.

وجاء مولى لطلحة ببغلى له فركبها وجعل يقول لمولاه : أما من موضع نزول؟ فيقول : لا قد رهقك القوم ، فيقول : ما رأيت مصرع شيخ أضيع ، ما رأيت مقتل شيخ أضيع(1) ، اللّهمّ أعط عثمان منّي حتى يرضى ، وادخل داراً من دور بني سعد بالبصرة فمات فيها.

ـ وروى حديث قيس بن أبي حازم ـ وهو شاهد عيان ـ قال : قال مروان يوم الجمل لا أطلب ثاري بعد اليوم فرمى طلحة فأصاب ركبته بسهم ، فكان الدم يسيل ، فإذا أمسكوا ركبته انتفخت ، فقال : دعوه فإنّما هو سهم أرسله الله ، اللّهمّ خذ لعثمان منّي اليوم حتى يرضى »(2) .

وروى ابن سعد بسنده عمن سمع عبد الملك بن مروان يقول : « لولا أن أمير المؤمنين مروان أخبرني أنه هو الّذي قتل طلحة ، ما تركت من ولد طلحة أحداً إلاّ قتلته بعثمان بن عفان »(3) . وهذا رواه ابن حجر أيضاً(4) ، وحكى ابن حجر أيضاً عن نوادر الحميدي قال : « دخل موسى بن طلحة على الوليد ، فقال له الوليد : ما دخلت عليّ قط إلاّ هممت بقتلك لولا أنّ أبي أخبرني انّ مروان قتل طلحة »(5) .

____________________

(1) وكان الحسن البصري إذا سمع هذا وحكي له يقول : ذق عقق ( شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 431 ).

(2) أنساب الأشراف 2 / 246 ( ترجمة الإمام ) تح ـ المحمودي ، والمعارف لابن قتيبة / 101ط الأولى بمصر تح ـ ثروت عكاشة ، والبدء والتاريخ 5 / 214 ، ومستدرك الحاكم 3 / 171 ، وتهذيب ابن عساكر لابن بدران 7 / 84 ـ 85 ، وسير أعلام النبلاء 2 / 640 ط دار الفكر ، وتاريخ خليفة / 136 ، والإصابة لابن حجر ( ترجمة طلحة ) ، والأستيعاب ( ترجمة طلحة ) ، وأسد الغابة ( ترجمة طلحة ) وغيرها.

(3) طبقات ابن سعد 3ق1 / 159.

(4) تهذيب التهذيب 5 / 21.

(5) نفس المصدر.

١٥٧

وقال أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب ( ترجمة طلحة ) : « ولا يختلف العلماء الثقات في أنّ مروان قتل طلحة يومئذ وكان في حزبه »(1) .

وقد نظم ذلك السيد الحميري بقوله :

واختلّ من طلحة المزهوّ خبّته

سهم بكف قديم الكفر غدّار

في كفّ مروان مروان اللعين

رهط الملوك ملوك غير أخيار(2)

وللحسن البصري كلام ينقد فيه طلحة والزبير في مجيئهما إلى البصرة لطلب الدنيا وعندهما منها ما يغنيهما فقد قال عن طلحة : إنّ طلحة بن عبيد الله باع أرضاً له من عثمان بسبعمائة ألف فحملها إليه فقال طلحة : إن رجلاً تتسق هذه عنده وفي بيته لا يدري ما يطرقه من أمر الله ( عزّ وجلّ ) لغرير بالله سبحانه ، فبات ورسوله يختلف بها في سكك المدينة يقسمها حتى أصبح ، فاصبح وما عنده درهم.

ثمّ قال الحسن : وجاء ههنا يطلب الدينار والدرهم ـ وفي لفظ : الصفراء والبيضاء ـ(3) .

ولا بدع من الحسن البصري لو قال ذلك! لأنّ طلحة كان من الأثرياء المعدودين بالثراء الفاحش وحسبنا شهادة أبنائه. فهذا عيسى بن طلحة قال : « كان أبو محمّد طلحة يُغلّ كلّ يوم من العراق ألف ألف درهم ودانقين »(4) فانتبه إلى دقة الحساب عند الرجل حتى لم يفته حساب الدانقين!!

____________________

(1) الاستيعاب 2 / 766.

(2) أنظر مناقب ابن شهر آشوب 3 / 93.

(3) أنساب الأشراف 2 / 260 ( ترجمة الإمام ) تح ـ المحمودي وروى المدائني ان طلحة لما أدبر وهو جريح يرتاد مكاناً ينزله وهو يقول لمن يمرّ به من أصحاب عليّ : انا طلحة من يجيرني؟ يكررّها قال : فكان الحسن البصري إذا ذكر ذلك يقول : لقد كان في جوار عريض ( شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 431 ).

(4) طبقات ابن سعد 3 ق1 / 157.

١٥٨

فمن كانت هذه غلته من العراق فقط فكم كانت من بقية البلاد الّتي له فيها دور وضياع؟

وهذا ما أجاب عليه حفيده محمّد بن إبراهيم ( بن طلحة ) قال : « كان طلحة بن عبيد الله يُغل بالعراق ما بين اربعمائة إلى خمسمائة الف ، ويغلّ بالسراة عشرة آلاف دينار أو أقل أو أكثر ، وبالأعراض له غلاّت »(1) .

وقالت سعدى بنت عوف المرّية ـ وهي احدى زوجات طلحة وأم ابنه يحيى ـ : « قتل طلحة وفي يد خازنه ألفا ألف درهم ومائتا الف درهم ، وقوّمت أصولُه وعَقارهُ ثلاثون ألف ألف درهم »(2) .

ولا يستغرب قول عمرو بن العاص حين قال : « حُدّثت أن طلحة بن عبيد الله ترك مائة بُهار ، في كلّ بُهار ثلاث قناطر ذهب ، وسمعت أن البُهار جلد ثور »(3) .

فمن كان عنده ما ذكروه أما كان الأجدر به أن يقنع بما لديه ، ويقبع في بيته ، ولا يغرّر بنفسه وبالآخرين فيأتي البصرة يطلب الصفراء والبيضاء كما يقول الحسن البصري ، متخذاً شعار الطلب بدم عثمان وسيلة لإغراء الناس وإغواء الرعاع.

ولكنه الحَين ومصارع السوء كما قال الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ).

أم المؤمنين تقود المعركة :

ذكر المؤرخون أن عائشة تولّت قيادة الجيش بعد رجوع الزبير ومقتل طلحة ، فكانت تحرّض على القتال ، وهذا ما أثار السخط والعجب في آن واحد ، فهي أم المؤمنين ثمّ هي تحرّض من معها من بنيها المؤمنين على قتل من ليس

____________________

(1) نفس المصدر.

(2) نفس المصدر 3 ق1 / 158.

(3) نفس المصدر.

١٥٩

معها من بنيها المؤمنين ، ولقد ذكر الجاحظ في كتابه الحيوان فقال : وشبّه السيد ابن محمّد الحميري عائشة ( رضي الله عنها ) في نصبها الحرب يوم الجمل لقتال بنيها ، بالهرّة حين تأكل أولادها فقال :

جاءت مع الأشقين في هودج

تزجي إلى البصرة أجنادهـا

كأنهـا في فعلهـا هرّة

تريد أن تأكل أولادها(1)

وقد أثارت نقدها من الكتاب المحدثين حتى قال سعيد الأفغاني في كتابه عائشة والسياسة : وكان مقامها فيها ـ فتنة الجمل ـ أقوى ما حفّز الجماهير على التطوّع لها ، وعلى تهافتهم على الاستماتة بين يدي جمل عائشة ، لقد كان في طبعها ولوع عظيم بالبطولة ، واعجاب بالشجاعة ومقت للجبن ، لذلك لم تنفكّ عن تحريض الناس ، وتقوية قلوبهم ، وكان لهذا التحريض والتقوية أثرهما البالغ في الاستماتة بين يديها

هذا وقد أكثر لها الناصحون من أخواتها أمهات المؤمنين وأصحاب رسول الله الإجلاء ، وعقلاء أهل المصرين البصرة والكوفة ، فلم تستجب لنصح أحد ، ونفذ قضاء الله.

____________________

(1) الحيوان للجاحظ 1 / 197 تح ـ عبد السلام هارون. ومن التحريف السخيف ما ذكره القلقشندي في صبح الأعشى 2 / 51 حيث نقل عن الجاحظ البيتين بتحريف صدر البيت الأوّل فقال : ( جاءت مع الأفشين في هودج ) ولم يذكر ما ذكره الجاحظ من اسم الشاعر ، ووجه التشبيه ممّن؟ ولمن؟ وهذا بلا ريب من التحريف المتعمد الّذي لا يغتفر ، مع العلم ان الأفشين قائد تركي قاد جيوش المعتصم في غزوات بلاد الروم في آسيا الصغرى ، حارب بابك الخرّمي ، وانتصر في معركة عمورّية ، رمي بالكفر ومات في السجن سنة 226 هـ ( المنجد في الأعلام ط التاسعة ). ومع ذلك فلا نبريء محققي الكتاب من الوزر لإهمالهم التعليق على ذلك في تصحيح المعلومة ، إذا أحسنا الظن بهم ولم نتهمهم بالتحريف.

١٦٠