موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٣

موسوعة عبد الله بن عبّاس0%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 285

موسوعة عبد الله بن عبّاس

مؤلف: السيد حسن الموسوي الخرسان
تصنيف:

الصفحات: 285
المشاهدات: 49815
تحميل: 4072


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 285 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49815 / تحميل: 4072
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء 3

مؤلف:
العربية

وثبّط أهل الشام عن نصرته لأنت »(1) ، وكتب ابن عباس في جواب معاوية في أيام صفين : « فلعمري لقد أدركت في عثمان حاجتك لقد استنصرك فلم تنصره حتى صرت إلى ما صرت إليه وبيني وبينك في ذلك ابن عمك واخو عثمان الوليد بن عُقبة »(2) ، وقال له ولعمرو بن العاص في قتل عثمان : « وإنّ أحق الناس أن لا يتكلم في قتل عثمان لأنتما ، أمّا أنت يا معاوية فزيّنت له ما صنع ، حتى إذا حُصر طلب نصرك فأبطأت عنه وتثاقلت وأحببت قتله ، وتربّصت لتنال ما نلت.

وأمّا أنت يا عمرو فأضرمت المدينة عليه ناراً ثمّ هربت إلى فلسطين ، فأقبلت تحرّض عليه الوارد والصادر ، فلمّا بلغك قتله ، دعتك عداوة عليّ إلى أن لحقت بمعاوية ، فبعتَ دينك منه بمصر فقال معاوية : حسبك يرحمك الله ، عرّضني لك ونفسه فلا جُزي خيراً »(3) .

وجاء في كتاب من الإمام إلى معاوية : « أمّا بعد فوالله ما قتل ابن عمك غيرك »(4) .

ولنترك أقوال الإمام ومن والاه ، وهلمّ بنا إلى ما دار بين عثمان وبين معاوية من مكاتبات : استنصار من عثمان وتربّص معاوية به :

روى الطبري في تاريخه قال : « فلمّا رأى عثمان ما قد نزل به كتب إلى معاوية : بسم الله الرحمن الرحيم أمّا بعد فإن أهل المدينة قد كفروا وأخلفوا الطاعة ونكثوا البيعة ، فابعث الي مَن قبلك من مقاتلة أهل الشام على كلّ صعب وذلول.

____________________

(1) الإمامة والسياسة 1 / 95 ط سنة 1328 بمصر.

(2) نفس المصدر 1 / 98.

(3) أنساب الأشراف 1ق4 / 95 تح ـ احسان عباس ، وتاريخ الإسلام للذهبي 2 / 238 ، وسير اعلام النبلاء 3 / 49.

(4) العقد الفريد 4 / 334.

٨١

فلمّا جاء معاوية الكتاب تربّص به ، وكره اظهار مخالفة أصحاب رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وقد علم اجتماعهم فلمّا أبطأ أمره على عثمان كتب إلى يزيد بن أسد بن كريز وإلى أهل الشام يستنفرهم و فان عندكم غياث فالعجل العجل ، فإنّ القوم معاجلي »(1) .

وروى الذهبي نقلاً عن محمّد بن سعد ـ صاحب الطبقات ـ بأسانيده عن ابن عباس وابن الزبير ومسور بن مخرمة ، قالوا : « بعث عثمان المسوّر بن مخرمة إلى معاوية يعلمه انّه محصور ، ويأمره أنّ يجهز إليه جيشاً سريعاً ، فلمّا قدم على معاوية ، ركب معاوية لوقته هو ومسلم بن عقبة وابن حديج فساروا من دمشق إلى عثمان عشراً ، فدخل معاوية نصف الليل ، وقبّل رأس عثمان فقال أين الجيش؟ قال : ما جئت إلاّ في ثلاثة رهط ، فقال عثمان : لا وصل الله رحمك ، ولا أعزّ نصرك ، ولا جزاك خيراً فوالله لا أقتل إلاّ فيك ، ولا ينقم عليَّ إلاّ من أجلك.

فقال : بأبي أنت وأمي ، لو بعثت إليك جيشاً فسمعوا به عاجلوك فقتلوك ، ولكن معي نجائب فاخرج معي ، فما يشعر بي أحد ، فوالله ما هي إلاّ ثلاث حتى نرى معالم الشام. فقال : بئس ما أشرت به ، وأبى أن يجيبه ، فأسرع معاوية راجعاً ، وورد المسوّر يريد المدينة بذي المروة راجعاً ، وقدم على عثمان وهو ذامّ لمعاوية غير عاذر له.

فلمّا كان في حصره الآخر ، بعث المسور ثانياً إلى معاوية لينجده فقال : إنّ عثمان أحسن الله به ، ثمّ غيّر فغيّر الله به ، فشددتُ عليه ، فقال : تركتم عثمان حتى إذا كانت نفسه في حُنجرته قلتم : اذهب فادفع عنه الموت ، وليس ذلك بيدي ، ثمّ أنزلني في مشربة على رأسه ، فما دخل عليّ داخل حتى قتل عثمان »(2) .

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 368 ط دار المعارف.

(2) تاريخ الإسلام 2 / 133 ط القدسي ، وسير أعلام النبلاء 2 / 606.

٨٢

وروى أيضاً عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال : « أقام عبد الله بن سعد ـ وهو ابن أبي سرح أخو عثمان لأمه ـ بعسقلان بعد قتل عثمان ، وكره ان يكون مع معاوية وقال : لم أكن لأجامع رجلاً قد عرفته إن كان ليهوى قتل عثمان »(1) .

وقفة عابرة :

ولنا وقفة عابرة مع استاذ من اساتذة التاريخ الإسلامي هو الدكتور أحمد شلبي فهو إذ يسوق نقاط النقمة على عثمان من قبل الثوّار حتى حاصروه. قال متسائلاً : « ما موقف كبار المسلمين من الدفاع عن عثمان؟ وما موقف بني أمية من ذلك؟ ثمّ أجاب فقال : يروي لنا التاريخ أن بعض كبّار المسلمين هجروا المدينة في الفتنة ، وان بعضهم اعتزل الفتنة خوفاً منها ولزم داره ، ولكن كثيرين من شباب المسلمين وقفوا بباب عثمان يحرسونه ويذودون عنه ، وكان في مقدمة هؤلاء الحسن والحسين وعبد الله بن الزبير.

أمّا بنو أمية فإنّ موقفهم يحيط به بعض الغموض ، لقد كان معاوية يدرك ما سوف ينزل بابن عمه الخليفة ، فعرض معاوية على عثمان أن يذهب معه للشام فامتنع فعرض عليه أن يرسل له حرساً فأبى ثمّ تأزمت الأمور بعد ذلك ، ولكن معاوية لم يسرع لنجدة الخليفة وقتل عثمان قبل أن تصل للمدينة القوة الصغيرة الّتي أرسلها معاوية ، فعادت أدراجها من منتصف الطريق ، ويروى أن عامر بن وائلة الصحابي دخل على معاوية إبّان خلافته فقال له معاوية : ألست من قتلة عثمان؟ فقال عامر : لا ولكني ممّن حضره فلم ينصره ثمّ سأل عامر معاوية :

____________________

(1) سير أعلام النبلاء 4 / 227 ط دار الفكر ، وقارن المعرفة والتاريخ للفسوي 1 / 254 ، ومختصر تاريخ دمشق 11 / 231.

٨٣

وما منعك أنت من نصره ومعك اهل الشام؟ فأجاب معاوية : أليس طلبي بدمه نصرة له؟ فضحك عامر وقال : أنت وعثمان كما قال الشاعر :

لا ألفينك بعد الموت تندبني

وفي حياتي ما زودتني زادي(1)

ثمّ ساق الدكتور شلبي ، ما سبق أن ذكرته عن أبي أيوب ثمّ قال : وأوضح تعليل أعتقده لموقف بني أمية أنهم ظنوا أن تدخلهم سينقل الخلاف من دائرة إلى دائرة ، سينقله من خلاف بين المسلمين وبين خليفة المسلمين إلى خلاف بين المسلمين وبني أمية ، ولم يكن بنو أمية بطبيعة الحال يريدون ذلك »(2) .

أقول : وهذا تعليل عليل ، فإنّ الخلاف الّذي بين المسلمين وبين عثمان إنّما كان من أقوى أسبابه هم بنو أمية واستحواذهم على عثمان ومقدّرات المسلمين.

ولمّا حوصر عثمان لم يتركه مَن كان منهم في المدينة معه ، فقد روى التاريخ أنّ مروان كان من المدافعين عنه وأنه أصيب بضربة على رقبته من خلفه. وفي الطبري : « وخرج عليهم ـ الثوار ـ مروان بن الحكم من دار عثمان في عصابة ، وخرج سعيد بن العاص في عصابة وخرج المغيرة بن الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة في عصابة فاقتتلوا قتالاً شديداً ، وكان الّذي حداهم على القتال أنّه بلغهم أن مدداً من اهل البصرة قد نزلوا صراراً ـ وهي من المدينة على ليلة ـ وأنّ أهل الشام قد توجهوا مقبلين »(3) .

____________________

(1) تاريخ الخلفاء للسيوطي / 200.

(2) التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية 1 / 329 ط الخامسة سنة 1970.

(3) تاريخ الطبري 4 / 382.

٨٤

فها هم وقفوا مع عثمان مناصرين له من دون أيّ خشية أو خوف. ولما قتل عثمان لم يخنسوا في جحورهم ، بل بدأوا بالتحرك والتآمر ضد حكومة الإمام بكلّ صلف وقد مرّت بنا مكاتبات معاوية مع رجالاتهم ومع طلحة والزبير يؤلّبهم على التمرّد على الإمام ، وقرأنا جواباتهم واستجاباتهم لما دعاهم إليه معاوية ، فأين الغُموض في مواقفهم خصوصاً معاوية من قبل مقتل عثمان ومن بعد ما قتل ، وإنّما هو التربص به ليقتل فينتهزوها غنيمة باسم المطالبة بدمه.

قال طه حسين : « ثمّ جاءه ـ معاوية ـ كتاب عثمان يستغيثه كما استغاث غيره من العمّال ، فأبطأ عن نصره كما أبطأوا ، وظل متربّصاً حتى قتل الشيخ ، وهنالك نهض بدمه ، وكان خليقاً به لو أراد أن يحقن هذا الدم قبل أن يُراق. ولكنه أقام في الشام مُطرقاً اطراق الشجاع ينتظر الفرصة المواتية ، وقد واتته الفرصة فاهتبلها غير مقصّر في اهتبالها »(1) .

وفي نظري أنّ سعيد الأفغاني أكثر صراحة من شلبي ، حيث يقول : « وأمّا بنو أمية فقد أصبحوا مغلوبين من حين قوي أمر الثائرين ، فلمّا وقعت الواقعة بعثمان ثمّ بويع عليّ وهم أشد مايكونون كراهة لولايته ، اختفوا ، وجعلوا يتسللون هُرّاباً إلى مكة ، استعداداً لإحباط أمر عليّ أو اللحاق بمعاوية في الشام ، ومعهم الرجال والأموال ، إذ كان أغلبهم ولاة لعثمان ، فلمّا تركوا ولاياتهم تحمّلوا بما استطاعوا أخذه من الأموال والظهر والسلاح »(2) .

وإليك مزيد بيان عن مواقف الأمويين مع المتآمرين :

____________________

(1) عليّ وبنوه / 62.

(2) عائشة والسياسة / 71 ط لجنة التأليف والترجمة والنشر.

٨٥

تآمر الناكثين مع الحاقدين :

ذكر ابن أبي الحديد : « قال روى شيخنا أبو عثمان قال أرسل طلحة والزبير إلى عليّ ( عليه السلام ) قبل خروجهما إلى مكة مع محمّد بن طلحة وقالا : لا تقل له يا أمير المؤمنين ، ولكن قل يا أبا الحسن لقد فال(1) فيك رأينا ، وخاب ظننّا ، أصلحنا لك الأمر ، ووطّدنا لك الإمرة ، وأجلبنا على عثمان حتى قتل ، فلمّا طلبك الناس لأمرهم جئناك وأسرعنا إليك وبايعناك ، وقدنا إليك أعناق العرب ، ووطىء المهاجرون والأنصار أعقابنا في بيعتك ، حتى إذا ملكت عنانك استبددتَ برأيك عنا ، ورفضتنا رفض التريكة ، وأذللتنا إذالة الإماء ، وملكت أمرك الاشتر وحكيم ابن جبلة وغيرهما من الأعراب ونُزّاع الأمصار ، فكنّا فيما رجوناه منك ، وأمّلناه من ناحيتك كما قال الأوّل :

فكنت كمهريق الّذي في سقائه

لرقراق آلٍ فوق رابية صلدِ

فلمّا جاء محمّد بن طلحة أبلغه ذاك ، فقال : إذهب إليهما فقل لهما فما الّذي يرضيكما؟ فذهب وجاءه فقال : إنّهما يقولان : ولّ أحدنا البصرة والآخر الكوفة. فقال : لاها الله ، إذن يحلم الأديم ويستشري الفساد وتنتقض عليَّ البلاد من أقطارها ، والله إنّي لا آمنهما وهما عندي بالمدينة فكيف آمنهما وقد وليتهما العراقين ، اذهب إليهما فقل : أيها الشيخان احذرا من سطوة الله ونقمته ، ولا تبغيا للمسلمين غائلة وكيدا ، وقد سمعتما قول الله تعالى :( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (2) .

____________________

(1) فال الرأي خاب وأخطأ ولم يصب.

(2) القصص / 83.

٨٦

فقام محمّد بن طلحة فأتاهما ولم يعد إليه ، وتأخرّا عنه أياماً ثمّ جاءاه فاستأذناه في الخروج إلى مكة للعمرة ، فأذن لهما بعد أن أحلفهما أن لا ينقضا بيعته ، ولا يغدرا به ، ولا يشقّا عصا المسلمين ولا يوقعا الفُرقة بينهم ، وأن يعودا بعد العمرة إلى بيوتهما بالمدينة ، فحلفا على ذلك كله.

ثمّ خرجا ففعلا ما فعلا »(1) . هذا ما ذكره ابن أبي الحديد عن شيخه أبي عثمان وقد كشف حديثه عن سريرة الشيخين وطمعهما في الولاية.

وسبق بنا كلمة طلحة : « ما لنا من هذا الأمر إلاّ كحسّة أنف الكلب »(2) ! ولا عجب في ذلك ، ولكن الأعجب!! محاولة اغتيال الإمام من قبل الزبير ، روى الطبري بسنده عن أبي حبيبة مولى الزبير قال : « لمّا قتل الناس عثمان وبايعوا عليّاً جاء عليّ إلى الزبير فاستأذن عليه ، فأعلمته به ، فسلّ السيف ووضعه تحت فراشه ثمّ قال : ائذن له ، فأذنت له ، فدخل فسلّم على الزبير وهو واقف ثمّ خرج ، فقال الزبير : لقد دخل لأمر ما قضاه ، قم مقامه وانظر هل ترى من السيف شيئاً فقمت في مقامه فرأيت ذباب السيف فأخبرته فقال : ذاك أعجل الرجل »(3) .

قالت أم راشد : « سمعت طلحة والزبير يقول أحدهما لصاحبه : بايعته أيدينا ولم تبايعه قلوبنا ، فقلت لعليّ فقال عليّ ( عليه السلام ) :( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) (4) »(5) .

____________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 3 / 6 ط دار الكتب.

(2) تاريخ الطبري 4 / 429.

(3) تاريخ الطبري 4 / 432 ط دار المعارف ، وشرح النهج لابن أبي الحديد 3 / 7.

(4) الفتح / 10.

(5) منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد 5 / 441.

٨٧

وروى البلاذري بسنده عن أبي مخنف : « انّ طلحة والزبير استأذنا عليّاً في العمرة فقال : لعلكما تريدان الشام أو العراق؟ فقالا : اللّهمّ غفراً إنّما نوينا العمرة ، فأذن لهما فخرجا مسرعين وجعلا يقولان : لا والله ما لعليّ في أعناقنا بيعة ، وما بايعناه إلاّ مكرَهين تحت السيف.

فبلغ ذلك عليّاً فقال : أخذهما إلى أقصى دار وأحرّ نار »(1) .

قال الشيخ المفيد في كتاب الجمل : « فلمّا خرجا من عنده لقيهما ابن عباس فقال لهما : أذن لكما أمير المؤمنين؟ قالا : نعم.

فدخل على أمير المؤمنين فابتدأه ( عليه السلام ) فقال : يا بن عباس أعندك الخبر؟ قال : قد رأيت طلحة والزبير فقال ( عليه السلام ) : إنّهما استأذناني في العمرة فأذنت لهما بعد أن استوثقت منهما بالأيمان أن لا يغدرا ولا ينكثا ولا يحدثا فساداً ، والله يا بن عباس وإنّي أعلم أنّهما ما قصدا إلاّ الفتنة فكأنّي بهما وقد صارا إلى مكة ليسعيا إلى حربي ، فان يعلى بن منية الخائن الفاجر قد حمل أموال العراق وفارس لينفق ذلك وسيفسدان هذان الرجلان عليَّ أمري ، ويسفكان دماء شيعتي وانصاري.

قال عبد الله بن عباس : إذا كان ذلك عندك يا أمير المؤمنين معلوماً فلم أذنت لهما؟ وهلاّ حبستهما وأوثقتهما بالحديد وكفيت المسلمين شرّهما.

فقال له ( عليه السلام ) : يا بن عباس أتأمرني بالظلم أبدأ وبالسيئة قبل الحسنة ، وأعاقب على الظنة والتهمة ، وأواخذ بالفعل قبل كونه ، كلا والله لا عدلت عما أخذ الله عليَّ من الحكم والعدل ، ولا ابتدئ بالفصل. يا بن عباس أنّني أذنت لهما وأعرف ما يكون منهما ، ولكني استظهرت بالله عليهما ، والله لأقتلنّهما ولأخيبنّ

____________________

(1) أنساب الأشراف 2 / 222 تح ـ المحمودي.

٨٨

ظنهما ، ولا يلقيان من الأمر مُناهما ، وان الله يأخذهما بظلمهما لي ونكثهما بيعتي وبغيهما عليَّ »(1) .

قال طه حسين : « ومهما يكن من شيء فقد خرجا إلى مكة عن رضىً أو عن كره من عليّ : وجعل عليّ يتجهز لحرب أهل الشام يريد أن يغير عليهم قبل أن يغيروا عليه. وانّه لفي ذلك ، إذ جاءته من مكة أنباء مقلقة غيّرت رأيه وخطته ومصير أمره كلّه تغييراً تاماً »(2) .

وقال : « ومنذ ذلك اليوم أصبحت مكة مثابة لكلّ من كان ينكر إمامة عليّ من غير أهل الشام »(3) .

قال الشيخ المفيد : « ولحق إلى مكة جماعة من منافقي قريش ، وصار إليها ـ عائشة ـ عمال عثمان الذين هربوا من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ولحق بها عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبيد الله أخوه ، ومروان بن الحكم بن أبي العاص ، وأولاد عثمان وعبيده وخاصته من بني أمية ، وانحازوا اليهما وجعلوها الملجأ لهم فيما دبّروه من كيد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وجعل يأتيها كلّ من تحيّز عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حسداً له ومقتاً وشنآناً له ، أو خوفاً من استيفاء الحقوق عليه ، أو لاثارة فتنة او إدغال في الملّة. وهي ـ عائشة ـ على ملتها وسُنتّها تنعى إليهم عثمان و وتحث على فراق أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والإجتماع على خلعه »(4) .

____________________

(1) كتاب الجمل للشيخ المفيد / 73 ط الحيدرية سنة 1368 هـ.

(2) عليّ وبنوه / 27.

(3) نفس المصدر / 30.

(4) كتاب الجمل للشيخ المفيد / 228 ط دار المفيد.

٨٩

قال ابن أعثم : وتكلّمت بنو أمية ورفعت رؤوسها عند قدوم طلحة والزبير على عائشة ، ولم يزالوا يحرضوها على الطلب بدم عثمان.

قال :وكتب الوليد بن عقبة بن أبي مُعيط إلى من كان بالمدينة من بني هاشم أبياتاً :

بني هاشم ردوا سلاح ابن أختكم

و لا تنهبوه لا تحلّ مناهبه

فإن لم تردوه عليه فإنه

سواء علينا قاتلوه وسالبه

بني هاشم انا وما كان بيننا

وسيف ابن أروى عندكم وحرائبه

غدرتم بعثمان بن عفان ظلةٌ

كما غدرت يوماً بكسرى مرازبه(1)

قال ابن أبي الحديد : فأجابه عبد الله بن أبي سفيان بن الحرث بن عبد المطلب بأبيات طويلة من جملتها :

فلا تسألونا سيفكم إن سيفكم

أضيع وألقاه لدى الروع صاحبه

وشبهته كسرى وقد كان مثله

شبيهاً بكسرى هديه وضرائبه(2)

قال الزهري : « ثمّ ظهرا ـ يعني طلحة والزبير ـ إلى مكة بعد قتل عثمان ( رضي الله عنه ) بأربعة أشهر وابن عامر بها يجرّ الدنيا ، وقدم يعلى بني أمية معه بمال كثير ، وزيادة على أربعمائة بعير ، فاجتمعوا في بيت عائشة ( رضي الله عنها ) فأداروا الرأي

____________________

(1) الفتوح 2 / 276 ط دار الندوة.

(2) شرح النهج لابن أبي الحديد / 90 ، وقال ابن أبي الحديد : أي كان كافراً كما كان كسرى كافراً ، وكان المنصور إذا أنشد هذا البيت يقول : لعن الله الوليد هو الّذي فرّق بين بني عبد مناف بهذا الشعر ، قارن أنساب الأشراف 1ق4 / 598 ، والفتوح لابن أعثم 2 / 276 ـ 277 ، والأغاني 5 / 149 ـ 151 ، والنصرة في حرب البصرة أو الجمل للمفيد / 96 ط الثانية بالحيدرية سنة 1368.

٩٠

فقالوا : نسير إلى عليّ فنقاتله ، فقال بعضهم : ليس لكم طاقة بأهل المدينة ، ولكنّا نسير حتى ندخل البصرة أو الكوفة ، ولطلحة بالكوفة شيعة وهوى ، وللزبير بالبصرة هوىً ومعونة »(1) .

وروى الطبري حديث الأئتمار : « قالت عائشة : فائتمروا أمراً ثمّ انهضوا إلى هذه الغوغاء وتمثلت :

ولو أنّ قومي طاوعتني سراتهم

لأنقذتُهم من الحبال أو الخبل(2)

وقال القوم فيما ائتمروا به : الشام ، فقال عبد الله بن عامر : قد كفاكم الشام من يستمر في حوزته؟

فقال له طلحة والزبير : فأين؟ قال : البصرة فإنّ لي بها صنائع ولهم في طلحة هوى ، قالوا : قبحك الله؟ فوالله ما كنت بالمسالم ولا بالمحارب ، هلاّ أقمت كما أقام معاوية فنكتفي بك ، ونأتي الكوفة فنسدّ على هؤلاء القوم المذاهبَ ، فلم يجدوا عنده جواباً مقبولاً ، حتى إذا استقام لهم الرأي على البصرة

فنادى المنادي : انّ أم المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلى البصرة ، فمن كان يريد إعزاز الإسلام وقتال المحلّين والطلب بثأر عثمان ومن لم يكن عنده مركب ولم يكن له جهاز ، فهذا جهاز وهذه نفقة ، فحملوا ستمائة رجل على

____________________

(1) الطبري 4 / 452 ، قال ابن قتيبة في غريب الحديث 2 / 156 في حديث الزبير انه يسأل عائشة ( رضي الله عنها ) بالخروج إلى البصرة فأبت عليه فما زال يفتل في الذروة والغارب حتى أجابته.

(2) هكذا تمثلت السيدة وهي الّتي قيل عنها وعن معرفتها بالشعر كثيراً ، ولكن يبدو غلبة سورة الغضب عليها أنستها عجز البيت فأتمته من عندها ، والبيت الشاهد رواه الطبري وابن الأثير وغيرهما أن الإمام سبق أن تمثل به عندما أتاه الثوار فأبى عليهم وقال :

ولو أن قومي طاوعتني سراتهم

أمرتُهم أمراً يديخ الأعاديا

أنظر تاريخ الطبري 4 / 433 ط دار المعارف ، وتاريخ ابن الأثير 3 / 83 ط بولاق.

٩١

ستمائة ناقة سوى من كان له مركب ـ وكانوا جميعاً ألفاً ـ وتجهزوا بالمال ، ونادوا بالرحيل واستقلوا ذاهبين »(1) .

وذكر الطبري في تاريخه : « أنّ حفصة أرادت الخروج مع عائشة فأتاها عبد الله بن عمر فطلب اليها أن تقعد فقعدت.

وبعثت أم الفضل بنت الحارث رجلاً من جُهينة يدعى ظفراً ، فاستأجرته على أن يطوي ويأتي عليّاً بكتابها ، فقدم على عليّ بكتاب أم الفضل بالخبر »(2) .

وروى الطبري بسنده عن علقمة بن وقّاص الليثي قال : « لمّا خرج طلحة والزبير وعائشة عرضوا الناس بذات عرق ، واستصغروا عروة بن الزبير وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فردوهما »(3) .

وروى أيضاً عن عتبة بن المغيرة بن الأخنس قال : « لقي سعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه بذات عرق ، فقال : أين تذهبون وثأركم على أعجاز الإبل ، اقتلوهم ثمّ ارجعوا إلى منازلكم لا تقتلوا أنفسكم ، قالوا : بل نسير فلعلنا نقتل قتلة عثمان جميعاً.

فخلا سعيد بطلحة والزبير فقال : إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ أصدقاني ، قالا : لأحدنا أيّنا اختاره الناس. قال : بل اجعلوه لولد عثمان فإنكم خرجتم تطلبون بدمه ، قالا : ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم؟ قال : أفلا أراني أسعى لأخرجها من بني عبد مناف. فرجع ورجع عبد الله بن خالد بن أسيد ، فقال المغيرة بن شعبة : الرأي ما رأى سعيد ، مَن كان ها هنا من ثقيف فليرجع ، فرجع »(4) .

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 450 ـ 451.

(2) نفس المصدر 4 / 451.

(3) نفس المصدر.

(4) تاريخ الطبري 4 / 453.

٩٢

وفي رواية ابن قتيبة في الإمامة والسياسة قال : « ولمّا نزل طلحة والزبير وعائشة بأوطاس من أرض خيبر أقبل عليهم سعيد بن العاص على نجيب له فأشرف على الناس ومعه المغيرة بن شعبة ، فنزل وتوكأ على قوس له سوداء فأتى عائشة فقال لها : أين تريدين يا أم المؤمنين؟ قالت : أريد البصرة ، قال : وما تصنعين بالبصرة قالت : أطلب بدم عثمان ، قال : فهؤلاء قتلة عثمان معك ثمّ أقبل على مروان فقال له : وأين تريد أيضاً؟ قال : البصرة ، قال : وما تصنع بها؟ قال : اطلب قتلة عثمان ، قال : فهؤلاء قتلة عثمان معك إن هذين الرجلين قتلا عثمان ( طلحة والزبير ) وهما يريدان الأمر لأنفسهما فلمّا غلبا عليه قالا : نغسل الدم بالدم والحوبة بالتوبة.

ثمّ قال المغيرة بن شعبة. أيّها الناس إن كنتم إنّما خرجتم مع أمكم فارجعوا بها خيراً لكم ، وان كنتم غضبتم لعثمان فرؤساؤكم قتلوا عثمان ، وإن كنتم نقمتم على عليّ شيئاً فبيّنوا ما نقمتم عليه ، أنشدكم الله فتنتين في عام واحد! وأبوا إلاّ أن يمضوا بالناس ، فلحق سعيد بن العاص باليمن ولحق المغيرة بالطائف فلم يشهدا شيئاً من حروب الجمل ولا صفين اهـ »(1) .

ومضى القوم ومعهم أبان بن عثمان والوليد بن عثمان ، فاختلفوا في الطريق فقالوا : من ندعو لهذا الأمر؟ فخلا الزبير بابنه عبد الله وخلا طلحة بعلقمة بن وقّاص الليثي وكان يؤثره على ولده ، فقال أحدهما أئت الشام وقال الآخر : ائت العراق وحاور كلّ واحد منهما صاحبه ثمّ اتفقا على البصرة.

كما اختلفا على إمامة الصلاة(2) وقول قائلهم : « والله لو ظفرنا لافتتنّا ، ما خلّى الزبير بين طلحة والأمر ، ولا خلّى طلحة بين الزبير والأمر ».

____________________

(1) الإمامة والسياسة 1 / 57 سنة 1328 بمصر.

(2) أنظر تاريخ الطبري 4 / 454 ـ 455 ط دار المعارف.

٩٣

وإلى هنا فلنقف عن سرد الأحداث ، وننهي قراءتنا في هذه المرحلة من بعد أن بيّنا للقارئ ما كان يهمّنا بيانه من مسيرة المتآمرين والحاقدين.

والآن فعودة الى صوب الناصحين المؤمنين ، فلنقرأ :

أم سلمة من الناصحين :

لاشك إنّ إعلان التمرّد على خلافة الإمام الشرعية أحدث إرتباكاً عند المسلمين المعتمرين يومئذ بمكة ، وكان اختلاف مواقف أمهات المؤمنين اللائي كنّ قد اعتمرن عمرة المحرّم وبقين بمكة قد زاد المسلمين حيرة. فعائشة تجهزّت لتقود جيشاً باسم الطلب بدم عثمان. وراودت حفصة على المشاركة في ذلك فوافقت وكادت أن تخرج مع عائشة لولا منع أخيها عبد الله لها من ذلك كما مرّ. وطمعت عائشة في إغراء أم سلمة أيضاً ـ وكانت معتمرة بمكة ـ فلم تفلح في إغرائها وكان لها موقف على خلاف موقف عائشة.

قال أبو مخنف : « جاءت عائشة إلى أم سلمة تخادعُها على الخروج للطلب بدم عثمان ، فقالت لها : يا بنت أبي أمية ، أنتِ أوّل مهاجرة من أزواج رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وأنتِ كبيرة أمهات المؤمنين ، وكان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يقسم لنا من بيتكِ ، وكان جبريل أكثر ما يكون في منزلكِ. فقالت أم سلمة : لأمر ما قلتِ هذه المقالة ، فقالت عائشة : إنّ عبد الله أخبرني أنّ القوم استتابوا عثمان ، فلمّا تاب قتلوه صائماً في شهر حرام ، وقد عزمتٌ على الخروج إلى البصرة ، ومعي الزبير وطلحة ، فأخرجي معنا ، لعلّ الله أن يصلح هذا الأمر على أيدينا وبنا.

فقالت أم سلمة : إنّكِ كنتِ بالأمس تحرّضين على عثمان ، وتقولين فيه أخبث القول ، وما كان اسمه عندك إلاّ نعثلاً ، وإنكِ لتعرفين منزلة عليّ بن أبي طالب عند رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، أفأذكركِ؟ قالت : نعم ، قالت : أتذكرين يوم أقبل ( عليه السلام )

٩٤

ونحن معه ، حتى إذا هبط من قديد ذات الشمال ، خلا بعليّ يناجيه ، فأطال ، فأردتِ أن تهجمين عليهما ، فنهيتكِ فعصيتِني فهجمت عليهما ، فما لبثتِ أن رجعتِ باكية ، فقلتُ : ما شأنكِ؟ فقلتِ : إنّي هجمت عليهما وهما يتناجيان فقلتُ لعليّ : ليس لي من رسول الله إلاّ يوم من تسعة أيام ، أفما تدعني يا بن أبي طالب ويومي؟

فأقبل رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عليَّ وهو غضبان محمرّ الوجه ، فقال : ارجعي وراءك ، والله لا يبغضه أحدٌ من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلاّ وهو خارج من الإيمان ، فرجعتِ نادمة ساقطة قالت عائشة : نعم أذكر ذلك.

قالت : وأذكّرك أيضاً ، كنت أنا وأنتِ مع رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأنتِ تغسلين رأسه ، وأنا أحيس له حيساً ـ وكان الحيس يعجبه ـ فرفع رأسه وقال : ( يا ليت شعري أيتكنّ صاحبة الجمل الأزبب ، تنبحها كلاب الحوأب ، فتكون ناكبة عن الصراط ) فرفعتُ يدي من الحيس ، فقلت : أعوذ بالله وبرسوله من ذلك ، ثمّ ضرب على ظهركِ وقال : ( إياكِ أن تكونيها يا بنت أبي أميةٌ ، إياكِ أن تكونيها يا حميراء ) أمّا أنا فقد أنذرتكِ.

قالت عائشة : نعم أذكر هذا.

قالت : وأذكّرك أيضاً ، كنت أنا وأنتِ مع رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في سفرٍ له ، وكان عليّ يتعاهد نعليّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فيخصفها ، ويتعاهد أثوابه فيغسلها ، فنقبت له نعل ، فأخذها يومئذ يخصفها ، وقعد في ظل سمرة ، وجاء أبوكِ ومعه عمر ، فاستأذنا عليه ، فقمنا إلى الحجاب ، ودخلا يحادثانه فيما أراد ، ثمّ قالا : يا رسول الله إنا لا ندري قدر ما تصحبنا فلو أعلمتنا مَن يستخلف علينا ، ليكون لنا بعدك مفزعا؟ فقال لهما : ( أما إنّي قد أرى مكانه ، ولو فعلت لتفرّقتم عنه ، كما تفرّقت

٩٥

بنو إسرائيل عن هارون بن عمران ) ، فسكتا ثمّ خرجا ، فلمّا خرجنا إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قلتِ له وكنتِ أجرأ عليه منّا : مَن كنت يا رسول الله مستخلفاً عليهم؟ فقال : ( خاصف النعل ) ، فنظرنا فلم نر أحداً إلاّ عليّاً ، فقلتِ : يا رسول الله ما أرى إلاّ عليّاً! فقال : ( هو ذاك ).

فقالت عائشة : نعم أذكر ذلك.

فقالت : فأيّ خروج تخرجين بعد هذا؟ فقالت : إنّما أخرج للإصلاح بين الناس ، وأرجو فيه الأجر إن شاء الله ، فقالت : أنتِ ورأيكِ.

فانصرفت عائشة عنها ، وكتبت أم سلمة بما قالت وقيل لها إلى عليّ ( عليه السلام ) »(1) .

فقد روى هشام الكلبي في كتاب الجمل : « انّ أم سلمة كتبت إلى عليّ ( عليه السلام ) من مكة : أمّا بعد فإن طلحة والزبير وأشياعهم أشياع الضلالة يريدون أن يخرجوا بعائشة إلى البصرة ومعهم ابن الحزان عبد الله بن عامر بن كريز ، ويذكرون أنّ عثمان قتل مظلوماً ، وأنّهم يطلبون بدمه ، والله كافيهم بحوله وقوته ، ولولا ما نهانا الله عنه من الخروج ، وأمرنا به من لزوم البيوت لم أدع الخروج إليك والنصرة لك ، ولكني باعثة نحوك ابني عدل نفسي عمر بن أبي سلمة ، فاستوص به خيراً(2) »(3) .

____________________

(1) أنظر شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 77 ـ 78.

(2) قال الكلبي : فلمّا قدم عمر على عليّ ( عليه السلام ) أكرمه ولم يزل مقيماً معه حتى شهد مشاهده كلها ، ووجهه أميراً على البحرين ، وقال لابن عم له بلغني أن عمر يقول الشعر فابعث إليَّ من شعره ، فبعث إليه بأبيات له أولّها :

جزتك أمير المؤمنين قرابة

رفعتَ بها ذكري جزاءً موفّرا

فعجب عليّ ( عليه السلام ) من شعره واستحسنه.

(3) شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 78.

٩٦

قال ابن قتيبة : « وقال في حديث أم سلمة ، أنّها أتت(1) لمّا أرادت الخروج إلى البصرة فقالت لها : إنك سُدّة(2) بين رسول الله وأمته ، وحجابك مضروب على حرمته ، وقد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه(3) ( وبعضهم يرويه فلا تبدحيه )(4) وسكّن عُـقيراك(5) فلا تصحريها(6) ، الله من وراء هذه الأمة. لو أراد رسول الله أن يـعهد إليك عهداً عُلتِ عُلتِ(7) . بل قد نهاكِ رسول الله عن الفرطة(8) في البلاد ، إنّ عمود الإسلام لا يثاب(9) بالنساء إن مال ، ولا يُرأبَ(10) بهن إن صُدِع ،

____________________

(1) سيأتي عن بعض المصادر أنها كتبت كتاباً إلى عائشة كان فيه ذلك. وعلى هذا فقد ارتأى أحمد زكي صفوت فأدرجه في كتابه جهرة رسائل العرب 1 / 353 ط الأولى سنة 1356 هـ.

(2) السُدّة : الباب ، قال ابن قتيبة : وأرادت انك باب بين النبيّ وبين الناس ، فمتى أصيب ذلك الباب بشيء فقد دخل على رسول الله في حريمه وحوزته ، واستبيح ما حماه. تقول : فلا تكوني أنت سبب ذلك بالخروج الّذي لا يجب عليك ، فتحوجي الناس إلى أن يفعلوا ذلك

(3) فلا تندحيه : أي لا تفتحيه وتوسّعيه بالحركة والخروج ، يقال : ندحت الشيء إذا وسّعته ، ومنه يقال : أنا في مندوحة عن كذا ، أي في سعة ، تريد قول الله ( عزّ وجلّ )( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) .

(4) فلا تبدحيه : فانه من البداح وهو المتسع من الأرض ، وهو بمعنى الأوّل.

(5) وقولها : وسكّن عُقيراكِ ، من عُقر الدار وهو أصلها ، يقال : أخرج فلان من عقر داره أي من أصلها فكأن عُقيرى اسم مبنيٌ من ذاك على التصغير قال ابن قتيبة : ولم أسمع بعُقيرى إلاّ في هذا الحديث.

(6) فلا تُصحريها : أي فلا تُبرزيها وتباعديها وتجعليها بالصحراء.

(7) عُلتِ عُلتِ من العول والعول : الميل والجور قال الله تعالى( ذَلِكَ أَدْنَى أَلاّ تَعُولُوا ) .

قال ابن قتيبية : وسمعتُ من يرويه : عِلتِ عِلتِ ، بكسر العين ، فان كان ذلك هو المحفوظ ، فإنّ عِلتِ بمعنى : غَرتِ ، يقال عال في البلاد إذا ذهبت فهو يعيل ، ومنه قيل للذئب عيّال.

(8) والفُرطة في البلاد ، من الفَرط وهو السبق والتقدم ، يقال فرطتهم إلى الماء إذا سبقتهم ، ويقال : فرط مني كلام لم أحببه ، أي سبق مني. والفُرطة اسم للخروج والتقدم.

(9) أي لا يرجع ولا يرد بهنّ إلى استوائه من قولك : ثُبتُ إلى كذا أي عدت إليه.

(10) أي لا يُشدّ بهنّ يقال : رأبت الصدع ولأمته ، إذا شددته فانضمّ.

٩٧

حُماديات(1) النساء ، غض الأطراف(2) وخَفَرُ الأعراض(3) ، وقصر الوهازة(4) ، ما كنتِ قائلة لو أن رسول الله عارضكِ ببعض الفلوات ، ناصةً قلوصاً(5) من منهل إلى آخر ، إنّ بعين الله صهواكِ ، وعلى رسول الله تردين ، قد وجّهتِ سِدافتَه(6) ( يروي : سجافته )(7) وتركتِ عُهيداه ، ولو سرتُ مسيركِ هذا ثمّ قيل ادخلي الفردوس لاستحييتُ أن ألقى محمّداً هاتكةً حجاباً قد ضربه عليَّ ، اجعليّ حصنكِ بيتكِ ووقاعة الستر(8) قبركِ ، حتى تلقيه وأنتِ على تلك أطوع ما تكونين لله ما لزمتِه ، وأنصر ما تكونين للدين ماجلستِ عنه ، لو ذكّرتكِ قولاً تعرفينه ، نَهشتِه نهشَ الرقشاء المطرق(9) »(10) .

____________________

(1) حُماديات النساء جمع حُمادي يقال : قصاراك إن تفعل ذاك وحماداك كأنه تقول جهدك وغايتك.

(2) غضّ الاطراف يعني جمع طَرف العين.

(3) وخَفر الإعراض. والخَفر : الحياء ، والإعراض عن كلّ ما كَُرِه لهنّ أن ينظرن إليه أي لا يلتفتن نحوه وقال ابن قتيبة : وإن كانت الرواية : الأعراض بفتح الهمزة ، فانه جمع عِرض وهو الجسد ، أرادت إنهنّ للخَفَر ينشرن.

(4) وقولها : وقصر الوهازة أي الخطو.

(5) وقولها ناصّة قلوصاً من منهل. أي رافعة لها في السير ، والنصّ سير مرفوع ، والمنهل الماء المورود.

(6) والسِّدافة والسُدافة : الحجاب والستر ، وقولها : وجهت سدافته تريد أخذت وجهها أي هتكت الستر قال ابن قتيبة : يدلك على ذلك قولها : لو قيل لي ادخلي ادخلي الفردوس لاستحييت أن القى محمداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) هاتكةً حجاباً قد ضربه عليّ.

(7) والسجافة مثل السدافة.

(8) ووقاعة الستر : موقعه على الأرض إذا أرسلته.

(9) الرقِشاء : الأفعى سميت بذلك للترقيش في ظهرها وهو النقط ، وهي توصف بالإطراق.

(10) أخذت ما تقدم من تفسير باقتضاب من كلام ابن قتيبة في غريب الحديث / 487 ـ 494.

ولقد شك سعيد الأفغاني في كتابه ( عائشة والسياسة ) في صحة ما سبق ذكره أوّلاً نقلاً عن ابن أبي الحديد. وما شكه إلاّ صيانة لمقام عائشة عن مخالفة أمر الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فهو

٩٨

____________________

دفعٌ بالصدرَ ومع ذلك فهو ينقل ذلك ثمّ يقول : ان بعض هذا ـ لو صحّ وقوعه ـ كافٍ في إقلاع السيدة عن خروجها ، وفي حملها على الرجوع إلى بيتها. وسنتكلم على حديث الحوأب هذا. ثمّ قال : أمّّا الرواية الّتي لا تحمل من الشك مثل ما تحمل الرواية المتقدمة ، فهي النصيحة المشهورة الّتي تذكرها كتب الأخبار وكتب الأدب وكتب اللغة معاً وإليك إياها : ثمّ نقلها ومع ذلك فقد عقّب عليها بقوله :

وهذا كلام ـ على تكلّفه وتصنعه ـ يجوز أن يدور بين أم سلمة وعائشة ، وهو أشبه بالواقع وأقل حظاً من الشك ، ووجود كثير من مفرداته في معاجم اللغة : تشرح ويشار اليها أنها في كلام أم سلمة لعائشة باعث على بعض الإطمئنان ، وإن كنت لا أمنع جواز الزيادة في الرواية ، وإني من الجملة الأخيرة في قول أم سلمة ـ خاصة ـ لفي بعض الشك. ثمّ أشار في الهامش فقال : أورد كلام أم سلمة هذا ابن أبي طاهر في كتابه ( بلاغات النساء ) عقب كلامها أيضاً في نصيحتها لعثمان وجوابه لها ثمّ قال : ( ( زعم لي ابن أبي سعد : أنه صح عنده أن العتّابي كلثوم بن عمرو صنع هذين الحديثين ، وقد كتبتهما على ما فيهما ) ) أنظر ص11 وما قبلها في ( بلاغات النساء ) ـ فتأمل.

أقول : لئن أوحى الأفغاني بالشك إلى نفوس قرّائه بما ذكره من تعقيب ابن أبي طاهر في كتاب ( بلاغات النساء ) فأنا أذكر للقارئ أن ما سبقت روايته أوّلاً كان برواية أبي مخنف المتوفى سنة 157 وهو قبل أن يخلق العتابي المتوفى سنة 220 الّذي زعم ابن أبي سعد أنه الّذي صنع ذلك. ثمّ ما رواه ابن أبي طاهر ثانياً لم يكن متفرداً بروايته ، بل رواه ابن قتيبة المتوفى سنة 276 في كتابيه الإمامة والسياسة وساقه بقوله : وكتبت أم سلمة إلى عائشة ، وغريب الحديث إلاّ انه فيه قال في حديث أم سلمة انها أتت عائشة فقالت لها ثمّ عقب على ذلك بقوله في غريب الحديث 2 / 487 : حدثنيه شيخ بالري من أهل الأدب ، ورأيته عند بعض المحدثين ، غير أنه كان لا يقيم ألفاظه ثمّ أخذ يشرح ألفاظ ذلك الحديث من ص 487 ـ إلى ص 494 كما مرّ نقله عنه. وعنه نقل ابن أبي الحديد ذلك في شرح النهج 2 / 79. وهذا كله ليس من طريق ابن أبي طاهر ، وأيضاً رواه ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد 4 / 316 وجعله كتاباً من أم سلمة إلى عائشة ، وكذلك ذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج 2 / 78 وليس ثمة ما يشير إلى انه من رواية ابن أبي طاهر.

ومهما كان تشكيك سعيد الأفغاني فهو ليس بفيء بعد رواية أصحاب الحديث واللغة والأدب لذلك فراجع مضافاً إلى ما تقدم الجمل للمفيد / 110 ط الحيدرية ، الفائق للزمخشري 1 / 290 و 2 / 168 ـ 171 ، ولسان العرب ( عقر ) 4 / 597 و 2 / 407 و 4 / 434 و 7 / 368 و 1 / 247 ، والنهاية لابن الأثير 3 / 326 و 353 و 374 ، وراجع هوامش غريب الحديث تجد مصادر غيرها.

٩٩

فقالت عائشة رحمها الله : ما أقبلني لوعظكِ ، وليس الأمر كما تظنين ، ولنعم المسير مسيرٌ فزعت إليّ فيه فئتان متناحرتان ( أو متناجزتان ) إن أقعد ففي غير حرج ، وإن أخرج فإلى ما لابدّ من الازدياد منه ».

قال ابن قتيبة : حدثنيه شيخ بالريّ من أهل الأدب ، ورأيته عند بعض المحدّّّثين ، غير أنّه كان لا يقيم ألفاظه(1) .

وروى الواقدي(2) بسنده عن أم سلمة وذكرت طلب طلحة والزبير منها الخروج معهما كعائشة فردّتهما ووعظتهما.

وقال سبط ابن الجوزي في حديثه : ولمّا عزمت عائشة على المسير نهتها أم سلمة وقالت لها : يا هذه ان حجاب الله لن يرفع وما أنتِ يا هذه وهذا الأمر وقد تنازعته الأيدي وتهافت فيه الرجال وتسكينه أصلح للمسلمين ، فاتقي على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من الافتضاح في زوجته ، واتقي دماً لم يبحه الله لكِ ، فلمّا رأتها لا تصغي إلى قولها قالت :

نصحتُ ولكن ليس للنصح قابلٌ

ولو قبلتْ ما عنّفتها العواذل

كأنّي قد ردت الحرب رحلها

وليس لها إلاّ الترجّل راحل(3)

وذكر البيهقي في المحاسن : « انّ أم سلمة حلفت أن لا تكلّم عائشة من أجل مسيرها إلى حرب عليّ ، فدخلت عائشة عليها يوماً وكلّمتها ، فقالت أم سلمة : ألم أنهك؟ ألم أقل لك ، قالت : إني أستغفر الله كلّميني ، فقالت أم سلمة : يا حائط ألم أنهكَ؟ ألم أقل لكَ ، فلم تكلمها أم سلمة حتى ماتت »(4) .

____________________

(1) غريب الحديث 2 / 482 تح ـ د. عبد الله الجبوري مط العاني بغداد سنة 1977.

(2) كما في الجمل للشيخ المفيد / 108.

(3) التذكرة / 38 ط حجرية.

(4) المحاسن والمساوي 1 / 231.

١٠٠