موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٤

موسوعة عبد الله بن عبّاس0%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 381

موسوعة عبد الله بن عبّاس

مؤلف: السيد حسن الموسوي الخرسان
تصنيف:

الصفحات: 381
المشاهدات: 67401
تحميل: 4444


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 67401 / تحميل: 4444
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء 4

مؤلف:
العربية

قال : فصاحت الخوارج وقالوا : هيهات يا بن عباس نحن لا نتولى عليّاً بعد هذا اليوم أبداً ، فارجع إليه وقل له فليخرج إلينا بنفسه حتى نحتج عليه ونسمع كلامه ويسمع من كلامنا ، فلعلنا إن سمعنا منه شيئاً يعلق أمّا أن نرجع عمّا اجتمعنا عليه من حربه.

قال : فخرج عبد الله بن عباس إلى عليّ (رضي الله عنه) فخبرَ بذلك.

قال : فركب على إلى القوم في مائة رجل من أصحابه حتى وافاهم بحروراء »(1) .

هذا جزء من أولى محاورات كانت لابن عباس مع الخوارج وقد كان معه في هذه المرة جماعة من أصحاب الإمام منهم صعصعة بن صوحان وزياد بن النضر الحارثي(2) كما كان معه عبد الله بن شداد ـ وهو ابن خالته ـ وقد حدّث هذا عن ذهابه معه إلى حروراء وذلك حين سألته عائشة عن الخوارج وكان ذلك بعد رجوعه من العراق إلى المدينة. وحديثه من الأحاديث الصحيحة فقد أخرجه أحمد والطبراني والحاكم والضياء المقدسي وأبو يعلى والبيهقي وغيرهم كما سيأتي ذكرهم.

وإلى القارئ لفظ الحديث بلفظ البيهقي في سننه الكبرى بسنده عن عبد الله بن شداد بن الهاد :

____________

(1) الفتوح 4 / 89 ، وقارن مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب 2 / 319 ط الحيدرية ، وناسخ التواريخ 3 / 575 ط حجرية.

(2) أنظر الكامل للمبرد 3 / 210 ط نهضة مصر تح ـ محمّد أبو الفضل إبراهيم ، والبدء والتاريخ المنسوب لأبي زيد البلخي 5 / 222.

١٦١

قال : « قدمت على عائشة (رضي الله عنها) فبينا نحن جلوس عندها مرجعها من العراق ليالي قوتل عليّ ـ قتل عليّ ـ (رضي الله عنه) ، إذ قالت لي يا عبد الله بن شداد هل أنت صادق عمّا أسألك عنه حدّثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم عليّ ، قلت : وما لي لا أصدقك؟ قالت : فحدّثني عن قصتهم :

قلت : إنّ عليّاً لمّا أن كاتب معاوية وحكم الحَكَمين ، خرج عليه ثمانية آلاف من قرّاء الناس ، فنزلوا أرضاً من جانب الكوفة يقال لها حروراء ، فإنهم انكروا عليه فقالوا : انسلخت من قميص ألبسكه الله وأسماك به ، ثمّ انطلقت فحكّمت في دين الله ولا حكم إلاّ لله ، فلمّا أن بلغ عليّاً ما عتبوا عليه وفارقوه ، أمر فأذّن مؤذّن لا يدخلن على أمير المؤمنين إلاّ رجل قد حمل القرآن ، فلمّا أن امتلأ من قرّاء الناس الدار ، دعا بمصحف عظيم فوضعه عليّ (رضي الله عنه) بين يديه فطفق يصكه بيده ويقول : أيها المصحف حدّث الناس ، فناداه الناس فقالوا : يا أمير المؤمنين ما تسأله عنه ، إنّما هو ورق ومداد ، ونحن نتكلم بما روينا منه فماذا تريد؟

قال : أصحابكم الذين خرجوا بيني وبينهم كتاب الله تعالى. يقول الله (عزّ وجلّ) في امرأة ورجل( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ ) (1) فأمة محمّد أعظم حرمة من امرأة ورجل.

ونقموا عليَّ إنّي كاتبت معاوية وكتبتُ عليّ بن أبي طالب. وقد جاء سهيل بن عمرو ، ونحن مع رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم بالحديبية حين صالح قومه قريشاً ، فكتب رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم : بسم الله الرحمن الرحيم.

____________

(1) النساء / 35.

١٦٢

فقال سهيل : بسم الله الرحمن الرحيم لا تكتب قلت : فكيف أكتب؟ قال : أكتب باسمك اللّهمّ.

فقال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم : اكتبه ، ثمّ قال : اكتب من محمّد رسول الله ، فقال : لو نعلم أنّك رسول الله لم نخالفك ، فاكتب هذا ما صالح عليه محمّد بن عبد الله قريشاً ، يقول الله في كتابه :( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ ) (1) .

فبعث إليهم عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) عبد الله بن عباس. فخرجتُ معه حتى إذا توسّطنا عسكرهم قام ابن الكوّاء فخطب الناس فقال : يا حملة القرآن إنّ هذا عبد الله بن عباس فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرفه من كتاب الله ، هذا من نزل فيه وفي قومه( بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ) (2) فردّوه إلى صاحبه ولا تواضعوه كتاب الله (عزّ وجلّ) ، فقام خطباؤهم فقالوا : والله لنواضعنّه كتاب الله ، فإذا جاءنا بحقّ نعرفه اتبعناه ، ولئن جاءنا بالباطل لنبكتّنه بباطله ، ولنردنّه إلى صاحبه ، فواضعوه على كتاب الله ثلاثة أيام فرجع منهم أربعة آلاف كلّهم تائب ، فأقبل بهم ابن الكواء حتى أدخلهم على عليّ (رضي الله عنه) ، فبعث عليّ إلى بقيّتهم فقال قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم ، قفوا حيث شئتم حتى تجتمع أمة محمّد صلّى الله عليه (وآله) وسلّم ، وتنزلوا فيما حيث شئتم ، بيننا وبينكم أن نقيكم رماحنا ما لم تقطعوا سبيلاً وتُطِلّوا دماً ، فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء انّ الله لا يحب الخائنين.

____________

(1) الأحزاب / 21.

(2) الزخرف / 58.

١٦٣

فقالت عائشة (رضي الله عنها) يا بن شداد فقد قتلهم؟ فقال والله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبيل وسفكوا الدماء وقتلوا ابن خباب واستحلوا أهل الذمة.

فقالت : آلله؟ قلت : آلله الّذي لا إله إلاّ هو لقد كان.

قالت : فما شيء بلغني عن أهل العراق يتحدثون به يقولون : ذو الثُدّي ذو الثُدّي؟

قلت : قد رأيته ووقفت عليه مع عليّ (رضي الله عنه) في القتلى ، فدعا الناس فقال : هل تعرفون هذا؟ فما أكثر من جاء يقول قد رأيته في مسجد بني فلان يصلي ، ورأيته في مسجد بني فلان يصلي ، فلم يأتوا بثبت يعرف إلاّ ذلك.

قالت : فما قول عليّ حين قام عليه كما يزعم أهل العراق؟ قلت : سمعته يقول : صدق الله ورسوله.

قالت : فهل سمعت أنت منه قال غير ذلك؟ قلت : اللّهمّ لا.

قالت : أجل صدق الله ورسوله ، يرحم الله عليّاً إنّه من كلامه ، كان لا يرى شيئاً يعجبه إلاّ قال : صدق الله ورسوله »(1) .

____________

(1) سنن البيقهي 8 / 179 ط دار الفكر وط دار الباز بمكة.

أخرج حديث عبد الله بن شدّاد بن الهاد جملة من الحفاظ منهم أحمد والطبراني والحاكم وعنهم نقله ابن حجر في فتح الباري 12 / 296 ط بيروت دار المعرفة ، وأخرجه الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة / 223 ط مكتبة النهضة الحديثة بمكة المكرمة سنة 1410 ، وأخرجه أبو يعلى في مسنده 1 / 367 ط دار المأمون بدمشق سنة 1404 ، وأخرجه البيهقي في سننه الكبرى 8 / 179 ط دار الفكر وكذلك ط دار الباز بمكة ، وأخرجه الزيلعي في نصب الراية 3 / 461 ط دار الحديث بمصر سنة 1357 ، وأخرجه ابن حجر أيضاً في الدراية لتخريج أحاديث الهداية ط دار المعرفة بيروت ، وأخرجه الشوكاني في نيل الأوطار 7 / 349 ط دار الجيل بيروت سنة 1973 وهؤلاء كلهم من جهابذة الحفاظ ، سوى غيرهم من المؤرخين كالطبري وابن اعثم وآخرين كثيرين ، وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ترجمة الإمام / 153تحـ المحمودي. ولم يكن محاققة عائشة لعبد الله بن

١٦٤

أقول : إنّما ذكرت هذه المحاورة بنصّها كما وردت في مصادر أهل الحديث بأسانيدهم الصحيحة فضلاً عن ورودها في المصادر التاريخية والأدبية ، لأنّي وقفت في كتاب العقود الفضية في أصول الأباضية على ذكر المحاورة الّتي دارت بين ابن عباس وبين الخوارج وفيها من الدسّ والإفتراء ما يدعو إلى العجَب ، كما سنأتي على ذكرها فيما بعد.

ونعود إلى تتمة حديث الحرورية. فقد اختلف المؤرخون في ذكر عدد الذين رجعوا إلى الطاعة والجماعة.

فمنهم المقلّ ، فقال : رجع منهم ألفان ، كالمبرّد في كامله(1) ، والخوارزمي في مناقبه(2) ، وابن عبد ربه في العقد الفريد(3) ، وابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب(4) ، وابن عبد البر في جامع بيان العلم(5) وآخرين غيرهم.

____________

شداد نشأت من فراغ ، لولا أن ابن العاص كتب إليها بأنه قتل ذا الثدية بنيل مصر أخرج البيهقي في دلائل النبوة بسنده عن مسروق قالت عائشة : عندك علم عن ذي الثديّة الّذي أصابه عليّ في الحرورية؟ قلت : لا ، قالت فاكتب لي بشهادة من شهدهم ، فرجعت إلى الكوفة وبها يومئذ أسباع فكتبت شهادة عشرة من كلّ سُبع ثمّ اتيتها بشهادتهم فقرأتها عليها ، قالت : أكل هؤلاء عاينوه ، قلت : لقد سألتهم فأخبروني بأن كلهم قد عاينوه فقالت : لعن الله فلاناً فإنه كتب إلي انّه أصابهم بنيل مصر ، ثمّ أرخت عينيها فبكت ، فلمّا سكنت عبرتها قالت رحم الله عليّاً لقد كان على الحقّ ، وما كان بيني وبينه إلاّ كما يكون بين المرأة وأحمائها. راجع البداية والنهاية 7 / 303 ـ 304 ط السعادة بمصر.

ولئن كُتم اسم الكاتب الكاذب الملعون على لسان عائشة فكني عنه (فلاناً) ، فان ابن أبي الحديد في شرح النهج 1 / 202 نقل عن كتاب صفين للمدائني التصريح باسمه فقال : عن مسروق ان عائشة قالت له لما عرفت ان عليّاً (عليه السلام) قتل ذا الثدية : لعن الله عمرو بن العاص فإنه كتب الي يخبرني أنّه قتله بالأسكندرية وهكذا تُضيّع الحقائق.

(1) الكامل 3 / 212 تح ـ محمّد أبو الفضل إبراهيم.

(2) مناقب الخوارزمي / 126 ط حجرية.

(3) العقد الفريد 1 / 342.

(4) شذرات الذهب 1 / 50.

(5) جامع بيان العلم 2 / 104.

١٦٥

ومنهم المكثر ، فذهب إلى أنّه رجع من الخوارج عشرون ألفاً ، كأبي نعيم في حلية الأولياء(1) ، وهذا لا شك عندي فيه وهم من أبي نعيم ، لأنّ الخوارج الحرورية لم يبلغ عددهم جميعاً يومئذ هذا القدر وقد مرّ أنّهم إثنا عشر ألفاً فكيف رجع منهم عشرون ألفاً. وقال ابن تيمية في كتابه الفرقان بين الحقّ والباطل : « فأرسل إليهم ابن عباس فناظرهم فرجع نصفهم والآخرون أغاروا على ماشية الناس واستحلوا دماءهم فقتلوا ابن خباب فقاتلهم عليّ »(2) .

وما بين المقل والمكثر أقوال ، أقومها وأقسطها عندي ما ذكره عبد الله بن شداد بن الهاد في حديثه وقد مرّ أنّهم أربعة آلاف ، وقد رواه عنه سوى من تقدم ذكره آنفاً وصححه الحاكم في المستدرك(3) وأقره الذهبي في تلخيصه ، وذكره القسطلاني في إرشاد الساري(4) نقلاً عن الطبراني والحاكم وأبي يعلى من طريق أفلح بن عبد الله.

وهذا ما يظهر من كلام المحب الطبري في ذخائر العقبى حيث قال : « فرجع ثلثهم ، وانصرف ثلثهم ، وقتل سائرهم على الضلالة »(5) . ولم يبعد عن ذلك ابن كثير مع التحوير في التعبير فقد قال في البداية والنهاية : « فرجع بعضهم واستمر بعضهم على ضلالهم »(6) . وربّما تبع في ذلك غيره.

____________

(1) حلية الأولياء 1 / 318.

(2) مؤلفات ابن تيمية 13 / 208 ط الثانية.

(3) مستدرك الحاكم 2 / 153.

(4) إرشاد الساري 10 / 88.

(5) ذخائر العقبى / 223.

(6) البداية والنهاية 7 / 279.

١٦٦

وحسبنا مثلاً قول ابن سعد في طبقاته : « فرجع منهم قوم كثير ، وثبت قوم على رأيهم »(1) .

محاورة ابن عباس مع المحكمة في الكوفة :

أ ـ بين يدي المحاورة :

قال المبرّد : « ويروى أنّ عليّاً في أوّل خروج القوم عليه دعا صعصعة بن صوحان العبدي ـ وقد كان وجّهه إليهم وزياد بن النضر الحارثي مع عبد الله بن العباس ـ فقال لصعصعة : بأي القوم رأيتهم أشد إطافة؟ فقال : بيزيد بن قيس الأرحبي.

فركب عليّ إليهم إلى حروراء ، فجعل يتخللهم حتى صار إلى مضرب يزيد بن قيس فصلّى فيه ركعتين ثمّ خرج فاتكأ على قوسه وأقبل على الناس ثمّ قال : هذا مقام من فلج فيه فلج يوم القيامة.

أنشدكم الله ، أعلمتم أحداً منكم كان أكره للحكومة مني؟ قالوا : اللّهمّ لا.

قال : أفعلمتم أنكم أكرهتموني حتى قبلتها؟ قالوا : اللّهمّ نعم.

قال : فعلامَ خالفتموني ونابذتموني؟ قالوا : إنّا أتينا ذنباً عظيماً ، فتبنا إلى الله ، فتب إلى الله منه وأستغفره نَعُد لكَ. فقال عليّ : إنّي أستغفر الله من كلّ ذنب ، فرجعوا معه وهم ستة آلاف ، لمّا استقروا بالكوفة أشاعوا أنّ عليّاً رجع عن التحكيم ورآه ضلالاً ، وقالوا : إنّما ينتظر أمير المؤمنين أن يسمنَ الكراع ويُجبى المال ، فينهض إلى الشام.

____________

(1) طبقات ابن سعد 3 ق 1 / 210.

١٦٧

فأتى الأشعث بن قيس عليّاً (عليه السلام) فقال : يا أمير المؤمنين إنّ الناس قد تحدثوا أنّك رأيت الحكومة ضلالاً ، والإقامة عليها كفراً.

فخطب عليّ الناس فقال : من زعم إنّي رجعت عن الحكومة فقد كذب ، ومن رآها ضلالاً فهو أضلّ ، فخرجت الخوارج من المسجد فحكّمت ، فقيل لعليّ : إنهم خارجون عليك فقال : لا أقاتلهم حتى يقاتلوني وسيفعلون ، فوجّه إليهم عبد الله بن العباس »(1) .

ب ـ توثيق المحاورة :

والآن فلنقرأ ما رواه ابن عباس عما جرى له مع أولئك المحكمة وهم في الكوفة وقد اعتزلوا في دار ، ولنوثق ذلك أوّلاً ، وحديثه رواه النسائي في السنن(2) ، وفي الخصائص(3) ، وتاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام(4) ، كما رواه الطبراني في المعجم(5) ، ورواه الحاكم في المستدرك(6) وقد صححه وأقره الذهبي في التلخيص ، ورواه البيهقي في السنن الكبرى(7) ، ورواه الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة بأسانيد متعددة آخرها ذكر أنّه برواية أبي داود صاحب السنن(8) ، ورواه الفسوي في المعرفة والتاريخ(9) ، ورواه الهيثمي في مجمع

____________

(1) الكامل للمبرد 3 / 210.

(2) السنن الكبرى 5 / 105 ـ 169.

(3) الخصائص / 48 ط مصر سنة 1348 و 2 / 195 ـ 200 ط مكتبة المعلا بالكويت سنة 1406.

(4) تاريخ مدينة دمشق (ترجمة الإمام) 2 / 150.

(5) المعجم الكبير 10 / 257 ط الموصل.

(6) مستدرك الحاكم 2 / 165 ط افست بيروت.

(7) السنن الكبرى 8 / 179.

(8) الأحاديث المختارة / 411 ـ 416.

(9) المعرفة والتاريخ 1 / 522 ـ 524 ط أوقاف بغداد.

١٦٨

الزوائد(1) وقال رواه الطبراني وأحمد ببعضه ورجالهما رجال الصحيح ، ورواه ابن كثير في البداية والنهاية(2) نقلاً عن أحمد وقال : واسناده صحيح ، والذهبي في تاريخ الإسلام(3) .

وإليكم نص المحاورة برواية أبي زميل سماك الحنفي عن ابن عباس ـ وأبو زميل هذا كان قد هوى نجدة بن عويمر الخارجي فهو خارجي الهوى غير متهم في حديثه عن ابن عباس عند أصحابه فيما جرى بينهم ـ :

ج ـ نص المحاورة :

قال ابن عباس : « لمّا اعتزلت الخوارج الحرورية دخلوا داراً واعتزلوا في دار على حدتهم وكانوا ستة آلاف(4) وأجمعوا أن يخرجوا على عليّ بن أبي طالب وأصحاب النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم معه.

قال : وكان لا يزال يجيء إنسان فيقول : يا أمير المؤمنين إنّ القوم خارجون عليك. فيقول : دعوهم فإنّي لا أقاتلهم حتى يقاتلوني وسوف يفعلون. فلمّا كان ذات يوم أتيته قبل صلاة الظهر فقلت له : يا أمير المؤمنين أبردَ بالصلاة ـ بالظهر أي أخّرها حتى يبرد الوقت ـ لعليّ آتي هؤلاء القوم فأكلّمهم ، قال : إنّي أخافهم عليك. قال : قلت : كلاّ.

قال : فخرجت آتيهم ولبست أحسن ما يكون من حلل اليمن ، فلبست أحسن ما أقدر عليه من هذه اليمانية وترجّلت ، فأتيتهم ودخلت عليهم وهم

____________

(1) مجمع الزوائد 6 / 241.

(2) البداية والنهاية 7 / 280 ـ 281.

(3) تاريخ الإسلام 2 / 183 ط القدسي بمصر سنة 1368 هـ.

(4) أنظر سنن النسائي 5 / 105 ، والخصائص له أيضاً وسنن البيهقي والمعرفة والتاريخ وغيرها ذكر هذا العدد ، وتاريخ الإسلام للذهبي 2 / 183 وهم ستة آلاف أو نحوها.

١٦٩

مجتمعون في دار ، وهم قائلون في نحر الظهيرة نصف النهار فسلّمت عليهم ، فقالوا : مرحباً بك يا أبا عباس فما هذه الحلة؟ قال قلت : ما تعيبون عليّ ، لقد رأيت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحسن ما يكون من الحلل ، ونزلت( قل مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ ) (1) .

قالوا : فما جاء بك؟

قلت : أتيتكم من عند أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من المهاجرين والأنصار ، ومن عند ابن عم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وصهره ، لأبلّغكم ما يقولون ، وتُخبرون بما يقولون ، فعليهم نزل القرآن وهم أعلم بالوحي منكم ، وفيهم أنزل ، وليس فيكم منهم أحد.

فقال بعضهم : لا تخاصموا قريشاً فإنّ الله يقول( بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ) (2) .

قال ابن عباس : وأتيت قوماً لم أر قوماً قط أشدَّ اجتهاداً منهم ، مسهمة وجوههم من السهر كأنّ أيديهم ورُكبهم كأنّها ثفن الإبل ووجوههم معلَّمة من آثار السجود وعليهم قمص مرحضة مشمرين.

فقال اثنان أو ثلاثة : لو كلّمتهم ، فانتحى لي نفر منهم قال بعضهم : لنكلمنّه ولننظرن ما يقول.

قلت : أخبروني هاتوا ما نقمتم على ابن عم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وصهره والمهاجرين والأنصار؟

قالوا : ثلاثاً ، قلت : ما هنّ؟ قالوا : أمّا إحداهنّ فإنّه حكّم الرجال في أمر الله ، قال الله (عزّ وجلّ) :( إِنْ الْحُكْمُ إِلاّ لِلَّهِ ) (3) ما شان الرجال والحكم. فقلت : هذه واحدة.

____________

(1) الأعراف / 32.

(2) الزخرف / 58.

(3) الأنعام / 57.

١٧٠

قالوا : وأمّا الثانية فإنّه قاتل ولم يسب ولم يغنم ، فلئن كان الذين قاتل كفاراً لقد حلّ سبيهم وغنيمتهم ، ولئن كانوا مؤمنين ما حلّ سبيهم ولا قتالهم.

قلت : هذه ثنتان فما الثالثة؟

قالوا : إنّه محا اسمه من أمير المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين.

قلت : هل عندكم شيء غير هذا؟ قالوا : حسبنا هذا.

فقلت لهم : أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله جل ثناؤه وسنة نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما يردّّ به قولكم أترضون؟ أترجعون؟.

قالوا : نعم ، فقلت لهم : أمّا قولكم حكّم الرجال في أمر الله فإني اقرأ عليكم ما قد ردّ حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم في أرنب ونحوه من الصيد ، فأمر الله تبارك وتعالى أن يحكموا فيه ، أرأيتم قول الله تبارك وتعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ) (1) وكان من حكم الله أنّه صيّره إلى الرجال يحكمون فيه ، ولو شاء يحكم فيه ، فجاز من حكم الرجال ، فنشدتكم بالله أحكم الرجال في أرنب ونحوها من الصيد أفضل أم حكمهم في حقن دمائهم وإصلاح ذات بينهم؟ قالوا : بل هذا أفضل.

وقال الله (عزّ وجلّ) في المرأة وزوجها :( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ) (2) فنشدتكم بالله حكم

____________

(1) المائدة / 95.

(2) النساء / 34.

١٧١

الرجال في صلاح ذات بينهم وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بُضع امرأة؟ فجعل حكم الرجال سنة ماضية ، أخرجت من هذه؟ قالوا : نعم.

قلت : وأمّا قولكم : قاتل ولم يسب ولم يغنم ، افتسبون أمكم عائشة تستحلون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم ، فإن قلتم إنّا نستحل منها ما نستحلّ من غيرها فقد كفرتم ، وإن قلتم : ليست بأمنا فقد كفرتم فإنّ الله تعالى يقول :( النبيّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) (1) فأنتم تدورون بين ضلالتين أيّهما صرتم اليها صرتم إلى ضلالة فاتوا منها بمخرج فاختاروا أيتهما شئتم ـ فنظر بعضهم إلى بعض ـ قلت : أفخرجت من هذه؟ قالوا : نعم. قال : قلت : وأمّا قولكم محا نفسه من أمير المؤمنين ، فأنا آتيكم بما ترضون أراكم قد سمعتم أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم يوم الحديبية كاتب المشركين سهيل بن عمرو وأبا سفيان بن حرب فقال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم لأمير المؤمنين اكتب يا عليّ : هذا ما أصطلح عليه محمّد رسول الله ، فقال المشركون : لا والله ما نعلم أنك رسول الله ، لو نعلم أنّك رسول الله ما قاتلناك. فقال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم : اللّهمّ إنّك تعلم أنّي رسولك ، أكتب يا عليّ : هذا ما أصطلح عليه محمّد بن عبد الله. فوالله لرسول الله خير من عليّ ، وقد محا نفسه ، ولم يكن محوه نفسه ذلك محاه من النبوّة أخرجت من هذه؟ قالوا : نعم.

قال عبد الله بن عباس : فرجع منهم ألفان ، وخرج سائرهم فقتلوا على ضلالهم ، قتلهم المهاجرون والأنصار ».

____________

(1) الأحزاب / 6.

١٧٢

أقول : لقد ذكر عبد الرزاق في المصنف هذه المحاورة(1) ، ولم يذكر في أولها أنّهم كانوا ستة آلاف. وذكر في آخرها فرجع منهم عشرون ألفاً وبقي منهم أربعة آلاف فقتلوا ، وأحسبه قد وهم في ذكر رجوع عشرين ألفاً ، والصواب ما مر من رجوع الفين وبقي منهم أربعة آلاف على ضلالتهم ، فصاروا جميعاً ستة آلاف ، وهو ما مرّ ذكره عن سنن النسائي والخصائص له وسنن البيهقي والمعرفة والتاريخ للبسوي وغيرهم.

ولمّا كانت المحاورات متعددة ومتشابهة في النقض والإبرام كما أنّها كانت متعاقبة من الحبر ابن عباس والإمام (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، فهي مظنة للإيهام ومزلّة الأقلام على تعاقب الأيام.

ومن شاء الاستزادة في المقام فليراجع المصادر التالية مضافاً إلى ما مر ذكره :

1 ـ مصباح الأنوار للشيخ الجليل هاشم بن محمّد ، مخطوط.

ومن المطبوعات :

2 ـ بحار الأنوار 8 / 611 ـ 619 ط كمپاني.

3 ـ درر البحار 3 / 285 ط حجرية.

4 ـ شرح نهج البلاغة للمعتزلي 1 / 216 ط مصر الأولى.

5 ـ مناقب الخوارزمي 175 ـ 176 ط حجرية.

6 ـ كنز العمال 6 / 79 ط حيدر آباد الأولى.

7 ـ أحكام القرآن للجصاص 3 / 494.

____________

(1) المصنف 10 / 157 ـ 160 منشورات المجلس العلمي.

١٧٣

8 ـ كفاية الطالب للشنقيطي / 81 ط الإستقامة بمصر.

9 ـ رغبة الآمل 5 / 170.

10 ـ ترجمة الأعثم لابن اعثم / 319 ط حجرية.

11 ـ ناسخ التواريخ 3 / كتاب 3 / 575 ط حجرية.

12 ـ الفرق الإسلامية للبشبيشي ط الرحمانية بمصر.

13 ـ مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي / 152 ط حجرية.

وحان الأجل الموعود :

قال الطبري : « وقدم معن بن يزيد بن الأخنس السلّمي في استبطاء إمضاء الحكومة وقال لعليّ : إنّ معاوية قد وفى ، ففِ أنت ، لا يَلفتنّك عن رأيك أعاريب بكر وتميم ـ يعني الخوارج ـ.

فأمر عليّ بإمضاء الحكومة ، وقد كانوا افترقوا من صفين على أن يقدم الحَكَمان في أربعمائة أربعمائة إلى دومة الجندل »(1) .

وذكر أيضاً عن أبي مخنف بسنده عن زياد بن النضر الحارثي : « أنّ عليّاً بعث أربعمائة رجل ، عليهم شريح بن هاني الحارثي ، وبعث معهم عبد الله بن عباس وهو يصلي بهم ويلي أمورهم ، وأبو موسى الأشعري معهم ، وبعث معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة من أهل الشام ، حتى توافوا بدُومة الجندل بأذرح »(2) .

قال المسعودي في حديثه عن التقاء الحكمين بدومة الجندل : « فلمّا تدانى القوم من الموضع الّذي كان فيه الاجتماع. قال ابن عباس لأبي موسى : إنّ عليّاً لم

____________

(1) تاريخ الطبري 5 / 66 ط المعارف.

(2) نفس المصدر.

١٧٤

يرض بك حَكَماً لفضل عندك ، والمتقدمون عليك كثير ، وإنّ الناس أبوا غيرك ، وإنّي لأظن ذلك لشرّ يُراد بهم ، وقد ضمّ داهية العرب معك ، إن نسيت فلا تنس أنّ عليّاً بايعه الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان ، وليس فيه خصلة تباعده من الخلافة ، وليس في معاوية خصلة تقرّبه من الخلافة.

قال : ووصّى معاوية عمراً حين فارقه وهو يريد الاجتماع بأبي موسى فقال : يا أبا عبد الله إن أهل العراق قد أكرهوا عليّاً على أبي موسى ، وأنا وأهل الشام راضون بك ، وقد ضمّ إليك رجل طويل اللسان قصير الرأي فأخّر الحزّ وطبّق المفصل ولا تلقه برأيك كلّه »(1) .

قال الطبري في حديثه : « فكان معاوية إذا كتب إلى عمرو جاء الرسول وذهب لا يُدرى بما جاء فيه ، ولا بما رجع به ، ولا يسأله أهل الشام عن شيء.

وإذا جاء رسول عليّ جاؤا إلى ابن عباس فسألوه ما كتب به اليك أمير المؤمنين؟ فإن كتمهم ظنوا به الظنون فقالوا : ما نراه كتب إلاّ بكذا وكذا.

فقال ابن عباس : أما تعقلون!؟ أما ترون رسول معاوية يجيء لا يُعلم بما جاء به ، ويرجع لا يُعلم ما رجع به ، ولا يُسمع لهم صياح ولا لفظ ـ كذا والصواب لغط ـ أنتم عندي كلّ يوم تظنّون الظنون! »(2) .

وفي حديث نصر بن مزاحم (ذكر كلام ابن عباس) فقال : « فأنّب ابن عباس أهل الكوفة بذاك وقال : إذا جاء رسول قلتم بأي شيء جاء ، فإن كتمتكم قلتم فلم تكتمنا؟ جاء بكذا وكذا ، فلا تزالون توقَفَون وتقاربون حتى تصيبوا فليس لكم سرّ.

____________

(1) مروج الذهب 2 / 406.

(2) تاريخ الطبري 5 / 67.

١٧٥

قال نصر في حديثه : ثمّ انّهم خلّوا بين الحكمين ، فكان رأي عبد الله بن قيس أبو موسى في ابن عمر وكان يقول : والله أن لو استطعت لأحييّن سنة عمر »(1) .

قال المسعودي وهو يذكر حديث استدراج عمرو لأبي موسى ـ إلى أن قالـ : « قال أبو موسى : قد علمت أنّ أهل العراق لا يحبّون معاوية أبداً ، وأنّ أهل الشام لا يحبّون عليّاً أبداً ، فهلمّ نخلعهما جميعاً ونستخلف عبد الله بن عمر ـ وكان عبد الله بن عمر على بنت أبي موسى ـ قال عمرو : أيفعل ذلك عبد الله بن عمر؟ قال أبو موسى : نعم إذا حمله الناس على ذلك فَعل ، فعمد عمرو إلى كلّ ما مال إليه أبو موسى فصوّبه ، وقال له : هل لك في سعد؟ قال له أبو موسى : لا فعدّد له عمرو جماعة وأبو موسى يأبى ذلك إلاّ ابن عمر ، فأخذ عمرو الصحيفة وطواها وجعلها تحت قدمه بعد أن ختماها جميعاً »(2) .

ولنقرأ عن موقف ابن عباس في تلك الساعة الحرجة كيف كان حاله فيها؟ ولا أظن وصفاً بالغاً صاحبُه فيه ما أراد أبلغ من وصف عمرو بن العاص له ، فقد روى أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب في أماليه(3) ، وعنه المعتزلي في شرح النهج(4) : « أنّ عمرو بن العاص قال لعتبة بن أبي سفيان يوم الحكمين : أما ترى ابن عباس قد فتح عينيه ونشر أذنيه ، ولو قدر أن يتكلم بهما فعل ، وإنّ غفلة أصحابه لمجبورة بفطنته ، وهي ساعتنا الطولى فاكفنيه.

____________

(1) وقعة صفين / 614.

(2) مروج الذهب للمسعودي 2 / 408.

(3) الأمالي 2 / 477 تح ـ هارون ط دار المعارف لمصر.

(4) شرح النهج لابن أبي الحديد 2 / 107.

١٧٦

قال عتبة : بجهدي ، قال فقمت فقعدت إلى جانبه ، فلمّا أخذ القوم في الكلام أقبلت عليه بالحديث ، فقرع يدي وقال : ليست ساعة حديث ، قال : فأظهرت غضباً وقلت : يابن عباس إنّ ثقتك بأحلامنا أسرعت بك إلى أعراضنا ، وقد والله تقدم من قَبلِنا العذر ، وكثر منا الصبر ، ثمّ أقذعته ، فجاش لي مرجله ، وارتفعت أصواتنا فجاء القوم ، فأخذوا بأيدينا فنحوه عني ونحونّي عنه ، فجئت فقربت من عمرو بن العاص فرماني بمؤخر عينيه إني ما صنعت؟ فقلت : كفيتك التقوالة ، فحمحم كما يحمحم الفرس للشعير.

قال : وفات ابن عباس أولُ الكلام فكره أن يتكلم في آخره ».

وروى ابن أبي الحديد في شرح النهج : « قال : وذكر محمّد بن القاسم ابن يسار الأنباري في أمإليه : قال : قال عبد الرحمن بن خالد بن الوليد : حضرت الحكومة ، فلمّا كان يوم الفصل ، جاء عبد الله بن عباس فقعد إلى جنب أبي موسى ، وقد نشر أذنيه حتى كاد أن ينطق بهما فعلمت أنّ الأمر لا يتم لنا ما دام هناك ، وانّه سيفسد على عمرو حيلته ، فأعملت المكيدة في أمره فجئت حتى قعدت عنده ، وقد شرع عمرو وأبو موسى في الكلام ، فكلّمت ابن عباس كلمة استطعمت جوابها فلم يجب ، فكلمته أخرى فلم يجب ، فكلمته ثالثة فقال : إنّي لفي شغل عن حوارك الآن ، فجبهته وقلت : يا بني هاشم لا تتركون بأوكم وكبركم أبداً ، أما والله لولا مكان النبوة لكان لي ولك شأن قال : فحمي وغضب واضطرب فكره ورأيه ، وأسمعني كلاماً يسوء سماعه ، فأعرضت عنه وقمت فقعدت إلى جانب عمرو بن العاص ،

١٧٧

فقلت قد كفيتك التقواله ، أي شغلت باله بما دار بيني وبينه فأحكم أنت أمرك ، قال : فذهل والله ابن عباس عن الكلام الدائر بين الرجلين حتى قام أبو موسى فخلع عليّاً »(1) .

ولمّا كانت محادثات الجلسة يلفّها الطابع السري للمفاوضات ، فربّما يستشكل على تسرّب ما دار بين عمرو بن العاص وعتبة إلى الخارج ، بل وحتى ما رواه الانباري في أمإليه من خبر عبد الرحمن بن خالد ، ولكن ذلك لا يلزم منه أن يكون الرواة قد خبروه في تلك الجلسة ، بل رووه عما حدّثا به عتبة وعبد الرحمن بن خالد بعد حين ، ومهما يكن فقد كان ذلك يحكي جوّ الحال الّذي هو يصدّق المقال.

وهكذا تمّ التآمر المعادي المعاوي على ابن عباس ، وهكذا كانت الخشية كلّ الخشية من حضوره لفطنته ، وهكذا كان هو أيضاً الحذر الفطِن إلى تلكم المكايد والمصايد ، ومع ذلك كله فلم يأل جهداً في اتخإذ الحيطة لأبي موسى الشانيء المناوئ الّذي فرضه اليمانية أن يكون حكم أهل العراق ، فقد بادره ناصحاً ، ومحذراً غدرة عمرو بن العاص حين تقدم أبو موسى ليتكلم بما اتفق عليه.

ولنقرأ الخبر في ذلك برواية نصر بن مزاحم من بدايته :

قال نصر : « عمر بن سعد قال حدّثني أبو جناب الكلبي ، إنّ عمراً وأبا موسى حيث التقيا بدومة الجندل ، أخذ عمرو يقدّم عبد الله بن قيس في الكلام ويقول : إنّك قد صحبت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قبلي ، وأنت أكبر مني ، فتكلّم ثمّ أتكلّم ،

____________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 1 / 200 ط الأولى بمصر.

١٧٨

وكان عمرو قد عوّد أبا موسى أن يقدمه في كلّ شيء ، وإنّما اغترّه بذلك ليقدّمه فيبدأ بخلع عليّ.

قال : فنظرا في أمرهما وما اجتمعا عليه. فأراده عمرو على معاوية فأبى ، وأراده على ابنه فأبى ، وأراده أبو موسى على عبد الله بن عمر فأبى عليه عمرو. قال : فأخبرني ما رأيك يا أبا موسى؟ قال : رأيي أن أخلع هذين الرجلين عليّاً ومعاوية ثمّ نجعل هذا الأمر شورى بين المسلمين يختارون لأنفسهم من شاؤا ومن أحبّوا.

فقال له عمرو : الرأي ما رأيت قال : فأقبلا إلى الناس وهم مجتمعون ، فتكلم أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه فقال : إنّ رأيي ورأي عمرو قد أتفق على أمر نرجو أن يُصلح الله به أمر هذه الأمة.

قال عمرو : صدق ، ثمّ قال : يا أبا موسى فتكلم ، فتقدم أبو موسى ليتكلم فدعاه ابن عباس فقال : ويحك إنّي لأظنه قد خدعك ، إن كنتما قد أتفقتما على أمر فقدّمه قبلك ، فيتكلم بذلك الأمر قبلك ثمّ تكلم أنت بعده ، فإنّ عمراً رجل غدّار ، ولا آمن أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك وبينه ، فإذا قمت به في الناس خالفك ـ وكان أبو موسى رجلاً مغفّلاً ـ فقال : إيهاً عنك إنّا قد اتفقنا.

فتقدم أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال أيها الناس ، إنّا قد نظرنا في أمر هذه الأمة ، فلم نر شيئاً هو أصلح لأمرها ، وألمّ لشعثها من ألاّ تتباين أمورها ، وقد اجمع رأيي ورأي صاحبي عمرو على خلع عليّ ومعاوية ، وأن نستقبل هذا الأمر فيكون شورى بين المسلمين ، فيولّون أمورهم من أحبّوا ،

١٧٩

وإني قد خلعت عليّاً ومعاوية فاستقبلوا أمركم وولّوا من رأيتم لها أهلاً. ثمّ تنحى فقعد.

وقام عمرو بن العاص مقامه ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : ان هذا قال ما قد سمعتم وخلع صاحبَه ، وأنا أخلع صاحبَه كما خلعَه ، وأثبت صاحبي معاوية في الخلافة ، فإنّه ولي عثمان والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه. فقال أبو موسى : ما لَك لا وفقك الله قد غدرت وفجرت ، وإنّما مثلك مثل الكلب( إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ) إلى آخر الآية(1) .

قال فقال له عمرو : إنّما مثلك مثل( الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) (2) إلى آخر الآية وحمل شريح بن هانئ على عمرو فقنعه بالسوط وحمل على شريح ابنٌ لعمرو بن العاص فضربه بالسوط ، وقام الناس فحجزوا بينهم ، فكان شريح يقول بعد ذلك : ما ندمت على شيء ندامتي أن لا ضربته بالسيف بدل السوط ، والتمس اصحاب عليّ أبا موسى فركب ناقته فلحق بمكة »(3) .

وفي رواية المسعودي : « فقال له عمرو : بل إياك يلعن الله كذبت وغدرت إنّما مثلك مثل الكلب إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ، ثمّ ركز ـ ركل ـ أبا موسى فألقاه لجنبه ، فلمّا رأى ذلك شريح بن هانئ قنّع عمراً بالسوط ، وانخزل أبو موسى فاستوى على راحلته ولحق بمكة وهو يقول : لقد حذّرني ابن عباس غدرة الفاسق ولكن اطمأننت إليه ، وظننت أنّه لن يؤثر شيئاً على نصيحة الأمة »(4) .

____________

(1) الأعراف / 176.

(2) الجمعة / 5.

(3) وقعة صفين / 625.

(4) مروج الذهب 2 / 410 تح ـ محمّد محي الدين عبد الحميد.

١٨٠