موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٤

موسوعة عبد الله بن عبّاس0%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 381

موسوعة عبد الله بن عبّاس

مؤلف: السيد حسن الموسوي الخرسان
تصنيف:

الصفحات: 381
المشاهدات: 67410
تحميل: 4444


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 67410 / تحميل: 4444
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء 4

مؤلف:
العربية

فكان ابن عباس ـ كما في رواية نصر ـ يقول : « قبّح الله أبا موسى ، حذّرته وأمرته بالرأي فما عقل »(1) .

وفي رواية غيره : « قبح الله أبا موسى لقد نبّهته فما انتبه ، وحذّرته ما صار إليه فما انحاش ، وهديته إلى الرأي فما عقل. وكثر اللوم والتقريع من الناس لأبي موسى ، كما كان الندم من نصيبه حين ولات مندم »(2) .

وممّن روي عنه الشعر في ذلك الموقف المخزي المحزن ما رواه المسعودي من نسبته إلى ابن عباس ، ونسبه غيره إلى غيره وذلك قوله :

أبا موسى بليت وأنت شيخ

قريب القعر مخزون اللسان

رمى عمرو صفاتك يا بن قيس

بأمر لا ينوء به اليدان

وقد كنا نجمجم عن ظنون

فصرّحت الظنون عن العيان

فأمسيتَ العشية ذا اعتذار

ضعيف الركن منكوب الجنان

تعض الكف من ندم وماذا

يردّ عليك عضُك بالبنان(3)

وذكر المسعودي أيضاً انّ أيمن بن خريم بن فاتك الأسدي قال في فعل الحكمين :

لو كان للقوم رأي يُعصمون به

عند الخطوب رموكم بابن عباس

لكن رموكم بوغد من ذوي يمنٍ

لم يدر ما ضرب أخماس لأسداس(4)

____________

(1) وقعة صفين / 628 ط مصر سنة 1365 تحقيق عبد السلام محمّد هارون.

(2) الأخبار الطوال للدينوري / 201.

(3) مروج الذهب 2 / 410 تح ـ محمّد محي الدين عبد الحميد.

(4) نفس المصدر.

١٨١

آراء حرّة من دون تعليق :

من الخَيرة المستساغة تعريف القارئ ببعض الآراء الحرّة الّتي شجبت نتائج التحكيم من خلال إدانة الحكمين ، وأصحاب تلك الآراء ليسوا من شيع الإمام (عليه السلام) حتى تمسّهم التهم ، لكنهم أصحاب مشاعر وجدانية تطغى على العاطفة فتصوّر لنا مدى تأثير تلك المهزلة أو المأساة ـ كما سماها العقاد ـ في نفوسهم.

1 ـ قال الدكتور طه حسين : « ولم يكن أبو موسى مغفلاً كما قال المؤرخون ، ولو كان مغفلاً لما اختاره عمر لولاية الأمصار ، ولما اختاره أهل الكوفة لولاية مصرهم حين ظهرت الفتنة واشتدت أيام عثمان ، ولكنه كان رجلاً تقياً ورعاً سمح النفس رضي الخلق ، يظن أنّ المسلمين ولا سيّما الذين صحبوا النبيّ منهم خاصة أرفع مكانة في أنفسهم وفي دينهم من أن ينزلوا إلى الغدر ، فأخلف ظنه عمرو ، ولا أكثر من ذلك ولا أقل ، وهو من أجل ذلك فرّ بدينه إلى مكة فاعتزل فيها مجاوراً نادماً على أنّه لم يسمع لابن عباس »(1) .

2 ـ قال الشيخ عبد الله العلائلي : « ولقد أخطأ من ظن من المستشرقين وسواهم أنّ الّذي أظفر معاوية بهذه الحكومة هو عمرو بدهائه وغفلة أبي موسى ، والحقيقة أنّ الّذي أظفر معاوية وأكسبه النجاح هو أبو موسى نفسه الّذي لم يكن ما أتاه غفلة وأفُوناً ، بل سوء نية ومكر حيث اقترح إقالة عليّ وترشيح عبد الله بن عمر فقد يحتمل أن يكون غفلة لو كان يعمل لحساب عليّ كرّم الله وجهه ، ولكن أمّا وهو يسعى لترشيح عبد الله بن عمر باستغلال الظرف فممّا لا يحتمل أبداً »(2) .

____________

(1) عليّ وبنوه / 111 ط دار المعارف سنة 1953 م.

(2) سمو المعنى في سمو الذات لعبد الله العلائلي / 56 ـ 57 ط عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر سنة 1358 هـ.

١٨٢

3 ـ قال عبد المتعال الصعيدي المدرس بكلية اللغة العربية من كليات الجامع الأزهر : « ولا شك أنّ هذا التحكيم من الناحية القضائية لا قيمة له ، لأنّ الحكمين لم يتفقا فيه على شيء يلزم المتخاصمَين ولكنه كان من الناحية السياسية فوزاً سياسياً لـ (معاوية) وشيعته ، فقد أمكنه أن ينجو به من هزيمة محققة ، وأن يوقع به خلافاً كبيراً في شيعة (عليّ) وان يحمل الحَكم الّذي اختاره (عليّ) على خلعه ، وهذا انتصار سياسي له قيمته.

وإنّي أرى ـ بعد هذا ـ أنّ فشل الحكمين يرجع إلى عدم تعيين أمر التحكيم ، لأنّ خلافة (عليّ) صارت ثابتة باختيار جمهور المسلمين له ، وإنّما كان النزاع بينه وبين (معاوية) في دم (عثمان) وكان الواجب أن يقتصر أمر التحكيم على هذه المسألة ، وألاّ يترك مبهماً من غير تعيين ، ولو أنّه اقتصر على ذلك لأمكن اتفاق الحكمين فيه ، لأنّه يرجع إلى أمر معلوم حكمه في الشرع ، أمّا مسألة الخلافة فأمرها متشعب كلّ التشعب ، وللسياسة إصبع ظاهرة فيها ، وقلّما يتفق الناس في أمر تدخل السياسة فيه بإصبعها ، على أنّ الخلافة يرجع أمرها إلى المسلمين كافة ، فلا يصح أن يقضى فيها بمثل هذا التحكيم ، وإنّما يجب أن يترك أمرها للمسلمين ، ولكن في غير الحال الّتي اجتمع فيها الحكمان ، لأنّه حال الخلافة قائمة باختيار المسلمين ، فلا يملكون عزل الخليفة القائم إلاّ بسبب يوجب العزل.

كما أرى أيضاً أنّ (أبا موسى) يتحمل تبعة فشل هذا التحكيم اكثر من (عمرو) لأنّه ذهب فيه مذهباً لا يمكن تحقيقه ، وإن كان له فيه عذر المجتهد الّذي يخطئ في اجتهاده ، أمّا (عمرو) فقد رأى أنّه لا يمكنه مجاراة (أبي موسى)

١٨٣

في مثل هذا الرأي ، ولم يكن أمامه إلاّ أن يمضي في رأيه في (معاوية) لأنّهما لم يصلا إلى رأي يراه أحسن منه »(1) .

4 ـ قال عبد الكريم الخطيب في كتابه : « لم يكن ما انتهى إليه الحكمان ليحسم الفتنة الّتي كانت دعوة أصحاب المصاحف ، تشير بكتاب الله ليقضي فيها بحكمه ، ويقضي عليها بعدله بل إن ما انتهى إليه الحكمان كان فتنة إلى فتنة ، وبلاء إلى بلاء.

فالحكمان اللذان ارتضاهما المسلمون ليحكما بكتاب الله قد خانا عليّاً ومعاوية ، فلم يضعا كلّ واحد منهما بموضعه! بل إنّهما خانا كتاب الله ولم يقضيا به ، حين سوّيا بين أوّل الناس إسلاماً وآخر قريش دخولاً في الإسلام ، ثمّ بين المهاجر والطليق ، وبين من لم يضرب بسيفه إلاّ في سبيل الله ، ومن ضرب بسيفه في وجوه المؤمنين بالله. ثمّ لم يرعيا ما لقرابة رسول الله والصهر إليه ، من حقّ في ترجيح الأكفاء والنظراء ، بل وأكثر من هذا فإنّ الحكمين قد خانا أنفسهما ، فلم يرع أحدهما عهد صاحبه وميثاقه الّذي واثقه به فقال أحدهما قولاً ، وقال الآخر قولاً ، وكان الخلاف بين القولين في حاجة إلى من يحتكم إليه فيه! »(2) .

5 ـ وبالتالي لقد كان الحكمان والتحكيم كما قال الاستاذ عباس محمود العقاد في كتابه عبقرية الإمام : « كلب وحمار فيما حكما به على نفسيهما غاضبَين ، وهما يقضيان على العالم بأسره ليرضى بما قضياه »(3) .

____________

(1) القضايا الكبرى في الإسلام / 172 ط الثانية سنة 1960.

(2) عليّ بن أبي طالب بقية النبوة وخاتم الخلافة / 513 ط الأولى سنة 1368 هـ دار الفكر العربي.

(3) العبقريات الإسلامية / 748 ط دار الكتاب العربي بيروت.

١٨٤

(وانتهت المأساة بهذه المهزلة ، أو انتهت المهزلة بهذه المأساة).

(وبان أنّ اجتماع الحكمين لم يفض إلى اتفاق بين الحكمين ، فعاد الخلاف إلى ما كان عليه اهـ) ولنعم ما قال ونحن أيضاً ننهي عرض الآراء الحرة من دون تعليق ، وحسبنا منها أنّ ألسنة الخلق أقلام الحقّ ، مقولة شائعة ذائعة وهي كلمة سائغة بالغة تصدق أحياناً كثيرة ، وقد تنقص قائلها الحيطة في القول فتتخلف عن الصدق حيناً ما ، كما أحسب أنّ القارئ أدرك مغزى مقالة أصحاب الآراء ورأى شيئاً من هذا وضغثاً من ذاك ، والحقيقة لا تخفى.

ورحم الله هشام بن الحكم فقد سأله بعض المخالفين : إنّ الحكَمين لقبولهما الحكم كانا مريدين للإصلاح بين الطائفتين.

فقال هشام : بل كانا غير مريدين للإصلاح بين الطائفتين.

فقال المخالف : من أين قلت هذا؟

قال هشام : من قول الله (عزّ وجلّ) في الحكمين حيث يقول :( إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ) (1) فلمّا اختلفا ولم يكن بينهما اتفاق على أمر واحد ولم يوفّق الله بينهما علمنا أنّهما لم يريدا إصلاحاً(2) .

وصدق رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : ( يكون في هذه الأمة حكمان ضالاّن ، ضال من اتبعهما )(3) .

____________

(1) النساء / 35.

(2) من لا يحضره الفقيه 3 / 337 ط النجف.

(3) وقد مر ذكر هذا الحديث في رقم (5) من تقسيمات آثار خدعة التحكيم السيئة.

١٨٥

ماذا بعد التحكيم؟

قال أبو حنيفة الدينوري : « وأقبل ابن عباس وشريح بن هانئ ومن كان معهما من أهل العراق إلى عليّ فأخبروه الخبر ، فقام سعيد بن قيس الهمداني فقال : والله لو اجتمعا على الهدى ما زادانا على ما نحن عليه بصيرة. ثمّ تكلم عامة الناس بنحو من هذا »(1) .

قال ابن قتيبة : « وانصرف القوم إلى عليّ فقال عدي : أما والله يا أمير المؤمنين لقد قدّمت القرآن وأخّرت الرجال ، وجعلت الحكم لله ، فقال عليّ : أمّا إنّي قد أخبرتكم انّ هذا يكون بالأمس ، وجهدت أن تبعثوا غير أبي موسى فأبيتم عليَّ ، ولا سبيل لحرب القوم حتى تنقضي المدة »(2) .

وفي رواية المسعودي قال : « ولمّا بلغ عليّاً ما كان من أمر أبي موسى وعمرو قال : إنّي كنت تقدمت إليكم في هذه الحكومة ونهيتكم عنها ، فأبيتم إلاّ عصياني ، فكيف رأيتم عاقبة أمركم إذ أبيتم عليّ؟

والله إنّي لأعرف من حملكم على خلافي والترك لأمري ، ولو أشاء أخذه لفعلت ، ولكن الله من ورائه ـ يريد بذلك الاشعث بن قيس والله اعلم ـ وكنت فيما أمرت به كما قال أخو بني خثعم :

أمرتهم أمري بمنعرج اللوى

فلم يستبينوا الرشد إلاّ ضُحى الغد

من دعا إلى هذه الحكومة فاقتلوه قتله الله ولو كان تحت عمامتي هذه ، إلاّ أنّ هذين الرجلَين الخاطئَين اللذين اخترتموهما حكمَين قد تركا حكم الله ،

____________

(1) الأخبار الطوال / 202 ط تراثنا.

(2) الإمامة والسياسة 1 / 116 مط الأمة سنة 1328 هـ.

١٨٦

وحكما بهوى أنفسهما بغير حجة ولا حقٍّ معروف. فأماتا ما أحيا القرآن ، وأحييا ما أماته ، واختلفا في حكمهما كلامُهما ، ولم يرشدهما الله ولم يوفقهما ، فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين ، فتأهبوا للجهاد ، واستعدوا للمسير ، وأصبحوا في عساكركم إن شاء الله تعالى »(1) .

قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة(2) ، وابن عبد ربه في العقد الفريد(3) ، وابن شهر اشوب في المناقب(4) ، ثمّ قال : « قم يا حسن فتكلم في أمر هذين الرجلين أبي موسى وعمرو.

فقام الحسن فتكلم فقال : أيها الناس قد أكثرتم في أمر أبي موسى وعمرو ، وإنّما بُعثا ليحكما بالقرآن دون الهوى فحكما بالهوى دون القرآن على الكتاب فمن كان هكذا لم يسم حَكَماً ولكنه محكوم عليه ، وقد كان من خطأ أبي موسى أن جعلها لعبد الله بن عمر فاخطأ في ثلاث خصال : خالف ـ يعني أبا موسى ـ أباه إذ لم يرضه لها ولم يره أهلاً لها ، وكان أبوه أعلم به من غيره ، ولا أدخله في الشورى إلاّ على انّه لا شيء له فيها شرطاً مشروطاً من عمر على أهل الشورى فهذه واحدة. وثانية : لم تجمع عليه المهاجرون والأنصار الذين يعقدون الإمامة ويحكمون على الناس. وثالثة : لم يستأمر الرجل في نفسه ولا علم ما عنده من ردّ أو قبول. وأمّا الحكومة فقد حكّم النبيّ عليه الصلاة والسلام سعد بن معاذ في بني قريظة ، فحكم بما

____________

(1) مروج الذهب 2 / 412.

(2) الإمامة والسياسة 1 / 116.

(3) العقد الفريد 4 / 350 ط محققة أحمد أمين ورفيقاه.

(4) المناقب 3 / 373 ط الحيدرية.

١٨٧

يُرضي الله به ولا شك ، ولو خالف لم يرضه رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم ثمّ جلس.

ثمّ قال لعبد الله بن عباس قم فتكلّم ، فقام عبد الله بن عباس وقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه :

أيها الناس إنّ للحق أناساً أصابوه بالتوفيق والرضا ، والناس بين راضٍ به وراغب عنه ، وإنّما سار ـ بعث ـ عبد الله بن قيس بهدى إلى ضلالة ، وسار ـ بعث ـ عمرو بضلالة إلى الهدى ، فلمّا التقيا رجع عبد الله بن قيس عن هداه ومشى عمرو على ضلالته ، فوالله لئن كانا حُكّما بالكتاب لقد حَكما عليه ، وإن حُكّما بما اجتمعا عليه معاً ما اجتمعا على شيء ، وإن كانا حُكّما بما سارا به ، فقد سار عبد الله ـ أبو موسى ـ وعليّ إمامه ، وسار عمرو ومعاوية إمامه ، فما بعد هذا من عيب ينتظر ولكن سئموا الحرب وأحبّوا البقاء ودفعوا البلاء ، وجاء كلّ قوم صاحبهم ، ثمّ جلس.

فقال عليّ لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب : قم فتكلم ، فقام فحمد الله وأثنى عليه وقال : أيها الناس ، إن هذا الأمر كان النظر فيه إلى عليّ والرضا فيه لغيره ، فجئتم بأبي موسى عبد الله بن قيس مبرنساً فقلتم لا نرضى إلاّ به. وأيم الله ما استفدنا به علماً ، ولا انتظرنا منه غائباً ، وما نعرفه صاحباً ، وما أفسدا بما فعلا أهل العراق ، وما أصلحا أهل الشام ، ولا وضعا حق عليّ ، ولا رفعا باطل معاوية ، ولا يُذهب الحقّ رقية راقٍ ، ولا نفخة شيطان ، ونحن اليوم على ما كنا عليه أمس. ثمّ جلس ».

١٨٨

أنماط من الحجة مع البرهان ساقها أهل البيت (عليهم السلام) بألوان من البيان ، تبصّر المستبصر ، وتعرّف المخدوع زيف الباطل ، وتدمغ الماكرين النهازّين ، فهم لم يتركوا شبهة إلاّ دحضوها ، ولا بيّنة إلاّ أقاموها ، ولكن أنّى لهم برتق أمر استوسع فتقه ، واستعصى على أولياء الأمور رتقه ، وتدارك ما خلّفته فتنة التحكيم من أولها وحتى منتهاها. فها هي الكوفة منقسمة على نفسها ، تفرقت كلمة أهلها أشتاتاً. فمنهم المحكّمة الذين ينغضون رؤوسهم كلّ حين ومنهم المكرة الخداعون كالأشعث بن قيس وأضرابه ، ممّن كانوا يتعاونون مع أولئك من حيث يريدون أو لا يريدون ، وبين هؤلاء وأولئكم أناس مخلصون امتحن الله قلوبهم بالإيمان فهم يدرأون بالحسنة السيئة بقياً على وحدة الكلمة ، وقليل ما هم.

لمّا انتهت خدعة التحكيم وعاد ابن عباس إلى الإمام مع الوفد العراقي ، وحضر بلبلة الأفكار الّتي أحدثتها تلك الفتنة ، وبدأت المحكمة تنشط في إعلان الخلاف في الكوفة ، وكان لهم في البصرة وغيرها أشباه كانوا معهم في صفين وعادوا إلى بلدانهم ، فبدأ التحرّك المريب ، وأخذ الخلاف يطفو على السطح ، وصار المحكّمة قوة ممعنة في الشقاق ، وهذا شر مستطير داخلي يقابله خطر خارجي سوف يداهم المسلمين من قبل معاوية ، فأصبح الإمام ومن معه بين عدوّين لدودين ، أهل الشام من الخارج والخوارج من الداخل ، وكلا الفريقين خطر ما فوقه خطر. فكان لابدّ له من معالجة ذلك بكل ما له من حول وطول. وكان لابدّ والحال تلك أن يعود ابن عباس إلى مقرّ عمله ، ليحفظ ذلك الثغر من

١٨٩

الفتن الداخلية والخارجية الّتي بدت تنغض برؤوسهما. فعاد بعد غياب طويل ، وبدأ أعماله بحزم يتطلّب أخبار الناس عمن يعلمه بأخبارهم ، فبثّ العيون لترصد له تحركات المشبوهين.

وثمة مسألة يجب أن نبحثها في المقام :

وهي مسألة لعن الإمام لمعاوية وأشياعه ، وإنّما أوجبت بحثها ، لأنّ الإمام إنّما فعل ذلك بعد عودة ابن عباس إليه مع الوفد من مؤتمر التحكيم المهين المُشين ، ولأن ابن عباس مكث في الكوفة برهة سمع الإمام يلعن معاوية وأشياعه في قنوته ، ولأنّه لمّا عاد إلى مقر عمله في البصرة قنت هو أيضاً في صلاة الغداة ، لذلك رأيت بحث مسألة اللعن لزاماً عليّ لما تقدم ولما سمعت وقرأت أنّ نابتة الأمويين يستنكرون ذلك بحجة كيف يلعن الإمام عليّ معاوية ومن معه وهم جميعاً من المسلمين ورسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)(1) وهم في الوقت نفسه ينكرون أن يكون معاوية سبّ الإمام وأنّ بني أمية من بعده اتخذوا ذلك سنّة في خطبهم على منابر المسلمين. فرأيت الإلمام ولو بنحو الإيجاز بهذه المسألة بقدر يتناسب والمقام ، ولم يكن ذلك في بحثي عن ابن عباس في هيكله الأوّل ، وإنّما استجدّ لما بيّنت من استنكار وإنكار لفعلة معاوية المنكرة الآثمة الجائرة ، فدفعاً في صدور تلك النابتة الخاسرة ، وكمّاً لأفواههم البخرة ، وللمسلمين فيه عظة وتبصرة.

فلنقرأ :

____________

(1) صحيح البخاري 1 / 17 و 7 / 84 و 8 / 91 ، وصحيح مسلم 1 / 58.

١٩٠

لعن الإمام لمعاوية وأشياعه :

تكاد المصادر الحديثية والتاريخية المعنية ، تتفق على أنّ الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لعن معاوية وأشياعه ، وصار لعنه حجة في جواز لعن المحاربين ، ولابدّ لي في المقام من إلمامة عابرة جواباً لنابتة حائرة.

فأقول : قال نصر بن مزاحم : « وكان عليّ (عليه السلام) إذا صلّى الغداة والمغرب وفرغ من الصلاة يقول : اللّهمّ العن معاوية وعمراً وأبا موسى وحبيب بن مسلمة والضحاك ابن قيس والوليد بن عقبة وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد »(1) . فبلغ ذلك معاوية فكان إذا قنت لعن عليّاً وابن عباس وقيس بن سعد والحسن والحسين.

وفي تواريخ الطبري وابن الأثير وابن كثير وأبي الفداء وغيرهم تفاوت في ذكر الأشخاص الملعونين وأوقات اللعن كمّاً وكيفاً ، حتى ذكرت بعض المصادر : الأشتر ومحمّد بن الحنفية ، وعبد الله بن جعفر ، وشريح بن هانئ فيمن كان معاوية يلعنهم(2) .

ومهما كان الإختلاف في الكمّ والكيف فذلك لا يغيّر من جوهر القضية ، فإنّ الإمام (عليه السلام) كان يلعن أولئك النفر ، ولعل تفاوت صيغ اللعن كان من الرواة ، أو أنّ الإمام (عليه السلام) نفسه كان يلعن كذلك في آنات مختلفة.

فقد روى ابن أبي شيبة بسنده عن عبد الرحمن بن مغفل قال : « صليت مع عليّ صلاة الغداة قال : فقنت فقال في قنوته : اللّهمّ عليك بمعاوية وأشياعه ، وعمرو بن العاص وأشياعه ، وأبا الأعور السلمي وأشياعه ، وعبد الله بن قيس وأشياعه »(3) . وعبد

____________

(1) وقعة صفين / 636.

(2) راجع تذكرة الخواص / 59 ط حجرية ، وشرح النهج لابن أبي الحديد 1 / 200.

(3) المصنف 2 / 108 ط مكتبة الرشيد في الرياض سنة 1409.

١٩١

الله بن قيس هذا هو أبو موسى الأشعري ، ولقد تقدم منا ما يبصّر القارئ بحاله ، وأنّه كان ممّن لعنهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ليلة العقبة بشهادة حذيفة وعمار فراجع.

وروى لنا ابن أبي الحديد فقال : « وكان عليّ (عليه السلام) يقول : اللّهمّ العن معاوية أوّلاً وعمرواً ثانياً وأبا الأعور السُلمي ثالثاً وأبا موسى الأشعري رابعاً فهذه صورة أخرى من صيغ اللعن »(1) .

ومهما يكن من أمر فعلينا أن نعرف شرعية هذا الفعل على ضوء الكتاب والسنة ، لأن في نابتة العصر من ضاقَ ذرعاً بذلك ، بحجة (سُباب المسلم فسوق وقتاله كفر)(2) أو بغيرها فهل يجوز لمثل الإمام في علو مقامه وكرم أخلاقه أن يلعن؟ وهذا سؤال لمن جاشت به بعض الصدور ولم تقو على الظهور ، فقد كان لهؤلاء أسلاف فيما مضى(3) ومنذ عهد الإمام (عليه السلام) كما ستأتي الإشارة إلى ذلك.

أمّا الآن فإلى توجيه السؤال الّذي فرض نفسه وهو :

سؤال1 : هل للإمام أن يلعن أولئك النفر؟

ويستتبع هذا السؤال أسئلة أخرى هي :

سؤال2 : ما الحجة في ذلك لو كان له الحقّ في اللعن؟

سؤال3 : وما دام له الحقّ لماذا يلعن قبل ذلك التاريخ ـ أي قبل عودة الوفد العراقي من التحكيم بالنتائج المخزية المحزنة لخيانة الحكمَينَ ، وجناية المتآمرين ـ؟

سؤال4 : هل كان لمعاوية حقّ الرد بالمثل؟

____________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 3 / 288 ط الأولى.

(2) مر تخريج مصادره.

(3) لاحظ تاريخ الخلفاء لعبد الوهاب النجار / 450 ط السلفية بمصر.

١٩٢

سؤال 5 : هل أنّ ابن عباس كان بالبصرة يفعل فعل الإمام؟

ولابدّ لنا قبل الإجابة معرفة شرعية لعن أولئك النفر من خلال آيات الكتاب وروايات السنّة عن أهل السنّة تجنّباً عن التهمة وسوء الظِنة.

فنقول : لقد وردت طائفة من الآيات الكريمة تناولت لعن من حارب الله ورسوله ، ومن حادّ الله ورسوله ، ومَن كتم ما أنزل الله من الحقّ والهدى وبيّنه رسوله ، ومن نقض عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ، ومن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ ورسوله ، ومن آذى الله ورسوله إلى غير ذلك ، وحسبنا الآيات التالية : قول الله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاّعِنُونَ ) (1) ، وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) (2) ، وقوله تعالى :( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (3) ، وقوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) (4) .

فإنّ هذه الآيات دلالتها واضحة في انطباقها على معاوية وأشياعه ، فهم مشمولون باللعن المذكور فيها ، والمسلمون في حلّ من لعنهم لأنهم مصاديق للموصوفين في الآيات من مستحقي اللعن.

____________

(1) البقرة / 159.

(2) الرعد / 25.

(3) هود / 18.

(4) الأحزاب / 57.

١٩٣

وثمة آية أخرى صريحة باللعن وقد فسّرها المفسرون ورووا عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شأن نزولها وأنّها في بني أمية خاصة ، وهي قوله تعالى :( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاّ طُغْيَانًا كَبِيرًا ) (1) .

فقد أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن يعلى بن مرّة والسيوطي في الدر المنثور : « أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : رأيت بني أمية على منابر الأرض ، ويملكونكم فتجدونهم أرباب سوء ، واهتم رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم لذلك ، فأنزل الله تعالى( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الآية) »(2) .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه البيهقي في الدلائل وابن عساكر عن سعيد بن المسيّب قال : « رأى رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم بني أمية على المنابر فساءه ذلك ، فأوحى الله إليه : إنّما هي دنيا أعطوها ، فقرّت عينُه وذلك قوله تعالى :( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ ) الآية »(3) .

وأخرج ابن مردويه عن عائشة (رضي الله عنها) انّها قالت لمروان بن الحكم سمعت رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم يقول لأبيك وجدك : انّكم الشجرة الملعونة في القرآن(4) .

____________

(1) الإسراء / 60.

(2) الدر المنثور 4 / 191.

(3) نفس المصدر.

(4) نفس المصدر.

١٩٤

وروى القرطبي في تفسيره(1) ، والنيسابوري في تفسيره بهامش الطبري(2) وغيرهما عن ابن عباس : « انّ الشجرة الملعونة هم بنو أمية ».

وللآلوسي في تفسيره كلام في تفسير الآية المذكورة في ذم بني أمية وقبايح أعمالهم إلى أن قال : « وجاء لعنهم في القرآن إمّا على الخصوص كما زعمته الشيعة ، أو على العموم كما نقول ، فقد قال سبحانه وتعالى( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) (3) ، وقال (عزّ وجلّ) :( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) (4) إلى آيات أخر ، ودخولهم في عموم ذلك يكاد يكون دخولاً أولياً »(5) إلى آخر كلامه.

ولا شك أنّ معاوية من تلك الشجرة الملعونة ، فحسبنا بما ذكرنا من الآيات بلاغاً لمن ألقى السمع وهو شهيد.

وأمّا جواز اللعن من السنّة النبوية كما جاء عن أهل السنّة :

لعنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للحكم بن أبي العاص :

فقد روى الحاكم في المستدرك وصححه(6) ، والبلاذري في الأنساب(7) ، والواقدي كما في السيرة الحلبية(8) بالاسناد عن عمرو بن مرة قال : « استأذن

____________

(1) الجامع لأحكام القرآن 10 / 283.

(2) جامع البيان 15 / 55 ، وبهامشه تفسير النيسابوري.

(3) الأحزاب / 57.

(4) محمّد / 22.

(5) روح المعاني 15 / 100 ط المنيرية.

(6) مستدرك الحاكم 4 / 481.

(7) أنساب الأشراف 5 / 126.

(8) السيرة الحلبية 1 / 337.

١٩٥

الحكم ـ بن أبي العاص ـ على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فعرف صوته فقال : ائذنوا له لعنة الله عليه وعلى من يخرج من صلبه إلاّ المؤمنين وقليل ما هم ، ذوو مكر وخديعة ، يُعطون الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق ».

وذكره الدميري في حياة الحيوان(1) ، وابن حجر في الصواعق(2) ونقله السيوطي ـ كما في كنز العمال(3) ـ عن أبي يعلى والطبراني والحاكم والبيهقي وابن عساكر.

وذكره ابن حجر في تطهير الجنان بلفظ : « ائذنوا له فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، وما يخرج من صلبه ، يشرفون في الدنيا ، ويترذلون في الآخرة ، ذوو مكر وخديعة ، إلاّ الصالحين منهم وقليل ما هم »(4) .

وقال ابن حجر أيضاً في تطهير الجنان وبسند رجال الصحيح عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنه) أنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : « ليدخلن الساعة عليكم رجل لعين ، فوالله ما زلت أتشوّف داخلاً وخارجاً حتى دخل فلان ـ يعني الحكم كما صرّحت به رواية أحمد.ـ »(5) .

لعنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحياء من بني سليم :

قنت (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بلعن أحياء من بني سليم قتلوا أصحاب بئر معونة ، ومن ذلك كان مفتاح القنوت كما يقول عكرمة ، فقد روى عن ابن عباس قال : « قنت رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم شهراً متتابعاً في صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة

____________

(1) حياة الحيوان 2 / 299.

(2) الصواعق المحرقة / 108.

(3) كنز العمال 6 / 90 ط الأولى.

(4) الصواعق المحرقة / 147 ، وبهامشه تطهير الجنان.

(5) نفس المصدر / 144.

١٩٦

الصبح في دبر كلّ صلاة إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الآخرة يدعو على أحياء من بني سليم ، على رعل وعلى ذكوان وعصية ويؤمّن مَن خلفه.

قال عكرمة : وهذا مفتاح القنوت »(1) .

لعنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أبا الأعور السُلمي :

قنت (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بلعن أولئك ولعن معهم أبا الأعور السُلمي كما في حديث سعيد ابن زيد قال : « قنت رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم فقال : اللّهمّ العن رعلاً وذكوان وعصيّة عصت الله ورسوله ، والعن أبا الأعور السلمي »(2) .

لعنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المنافقين :

قنت (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بلعن أناس من المنافقين قد سمّاهم لولا تعتيم الرواة عليهم لعرفناهم.

فقد أخرج البخاري في صحيحه(3) ، والنسائي في السنن(4) ، والبيهقي في سننه الكبرى(5) بالإسناد عن الزهري عن سالم عن أبيه ـ عبد الله بن عمر ـ : « أنّه

____________

(1) أنظر صحيح ابن خزيمة 1 / 313 ط المكتب الإسلامي بيروت ، مسند أحمد 1 / 301 ط مؤسسة قرطبة بمصر ، المنتقى لابن الجارود 2 / 60 ط مؤسسة الكتاب الثقافية بيروت ، سنن أبي داود 2 / 68 دار الفكر ، سنن البيهقي الكبرى 2 / 200 ، تحفة المحتاج لابن الملقن 1 / 308 دار حراء بمكة المكرمة ، نيل الاوطار للشوكاني 3 / 1 دار الجيل بيروت ، تلخيص الجير لابن حجر 1 / 246 مختصر كتاب الوتر للمقريزي مكتبة المنار الزرقاء بالأردن.

(2) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 2 / 108 ط مكتبة الرشد الرياض سنة 1409 هـ.

(3) صحيح البخاري 6 / 99 باب غزوة أحد باب ليس لك من الأمر شيء وكتاب الدعوات 8 / 83. وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة باب قول الله تعالى ليس لك من الأمر شيء 9 / 106.

(4) سنن النسائي 1 / 226 ط دار الكتب العلمية بيروت سنة 1411 هـ.

(5) السنن الكبرى للبيهقي 2 / 198 و 207 ط دار الفكر.

١٩٧

سمع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حين رفع رأسه في صلاة الصبح من الركعة الآخرة قال : اللّهمّ العن فلاناً وفلاناً ، دعا على ناس من المنافقين ».

لعنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أبا موسى الأشعري وأصحاب العقبة :

لعن (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أصحاب العقبة ، ومنهم أبو موسى الأشعري كما مرّ ذلك في حديث عمار وحذيفة وقد ذكرته في آثار خدعة التحكيم السيئة فراجع.

لعنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ستة أصناف من الناس :

ومن الموارد لعنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أناساً بأعيانهم سوى ما ورد عنه بطرق صحيحة من لعن أصناف تشمل أوصافُهم معاوية وأشياعه ، روته عائشة بسند صحيح عنها أنّه قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : « ستة لعنتهم ولعنهم الله وكلّ نبيّ مجاب :

(1) الزائد في كتاب الله.

(2) والمكذّب بقدر الله.

(3) والمتسلّط بالجبروت ليعزّ من أذلّه الله ويذلّ من أعزّه الله.

(4) والمستحل لحُرم الله.

(5) والمستحل من عترتي ما حرّم الله.

(6) والتارك لسنتي »(1) .

____________

(1) أخرجه البغوي في المصابيح ، والخطيب والتبريزي في مشكاة المصابيح 1 / 38 برقم / 109 وقال : رواه البيهقي في المدخل ورزين في كتابه ، وجاء في الهامش من الالباني محقق الكتاب : أخرجه الترمذي في القدر 2 / 22 ـ 23 ، والطبراني في المعجم الكبير 1 / 291 ق 1 ، والحاكم 1 / 36 وقال : صحيح الإسناد ، ولا أعرف له علة ، ووافقه الذهبي ، وأعله الترمذي بالإرسال وقال : انّه أصح. ورواه النبهاني في الفتح الكبير 2 / 152 كذلك بلفظ ستة ، ورواه أيضاً في / 53 بلفظ سبعة فزاد فيهم : والمستأثر بالفيء.

١٩٨

لعنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من تخلف عن جيش أسامة :

أخرج ابن سعد في الطبقات(1) ، وابن عساكر في تاريخه(2) ، وابن الأثير في تاريخه(3) ، والمتقي في كنز العمال(4) أنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : « أنفذوا بعث أسامة أو جهزوا جيش أسامة ، وبتروا صيغة اللعن ». إلاّ انّ الشهرستاني في الملل والنحل(5) ذكر لعن من تخلف عن جيش أسامة.

إلى غير ذلك من مواطن لعن فيها (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أناساً وأصنافاً يعسر حصرها.

وفيما ذكرناه كفاية لإثبات شرعية اللعن لمن يستحق اللعن ومنهم معاوية وأشياعه.

كما عرفنا أنّ لعن الإمام لمعاوية وبقية الذين لعنهم معه كان له ذلك بحق شرعي ، لأنّهم أعداء لله ولرسوله ولأمير المؤمنين ، وكانوا من الظالمين. وقد ورد عنه (عليه السلام) لعنهم بصيغ مختلفة ، وأحسب إنّما ذلك لاختلاف مواردها.

فمنها : أخرج ابن أبي شيبة في المصنف بسنده عن عبد الرحمن بن معقل قال : « صليت مع عليّ صلاة الغداة ، قال : فقنت فقال في قنوته : اللّهمّ عليك بمعاوية وأشياعه ، وعمرو بن العاص وأشياعه ، وأبا الأعور السلمي وأشياعه ، وعبد الله بن قيس وأشياعه »(6) .

____________

(1) الطبقات 2ق2 / 41.

(2) تاريخ مدينة دمشق 2 / 391.

(3) الكامل في التاريخ 2 / 129.

(4) كنز العمال 5 / 312.

(5) الملل والنحل 1 / 23 ط الثانية سنة 1395 هـ.

(6) المصنف لابن أبي شيبة 2 / 108 ط مكتبة الرشد الرياض سنة 1409.

١٩٩

وعبد الله بن قيس هذا هو أبو موسى الأشعري. وهؤلاء الأربعة هم أشد الناس عداوة للإمام لذلك لعنهم بأسمائهم.

ومنها : ما قاله ابن أبي الحديد في شرح النهج : « كان عليّ (عليه السلام) يقول : اللّهمّ العن معاوية أوّلاً ، وعمراً ثانياً ، وأبا الأعور السُلمي ثالثاً وأبا موسى الأشعري رابعاً »(1) .

وحيث انتهينا إلى هنا وعرفنا شرعية اللعن من الكتاب والسنّة برواية أهل السنّة ، يحسن بنا تنبيه القارئ إلى أنّ فعل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بلعن معاوية وأشياعه كما هو حجة لشيعته ، فكذلك احتج به فقهاء أهل السنّة كما كانوا يحتجون بفعل النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وإلى القارئ بعض أقوالهم :

1 ـ روى أبو حنيفة في مسنده عن حمّاد بن إبراهيم عن علقمة قال : « ما قنت أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا عليّ حتى حارب أهل الشام فكان يقنت »(2) .

2 ـ قال ابن قدامة المقدسي ـ من الحنابلة ـ : « إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قنت شهراً يدعو على حي من أحياء العرب ثمّ تركه(3) . وإنّ عليّاً قنت وقال : إنّما استنصرنا على عدونا »(4) .

ولئن أخفى ابن قدامة ذكر المدعوّ عليهم في قنوت عليّ فقد تبع أسلافه في ذلك. فإنّ الشعبي ـ الناصبي ـ قال : « لمّا قنت عليّ في صلاة الصبح أنكر الناس ذلك قال فقال : إنّما استنصرنا على عدونا »(5) .

____________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 3 / 288 ط الأولى بمصر.

(2) الجوهر النقي بهامش سنن البيهقي 2 / 204.

(3) قال البيهقي في سننه 2 / 213 : وقد روينا عن عبد الرحمن بن مهدي انّه قال إنّما ترك اللعن.

(4) المغني 1 / 450.

(5) المصنف لابن أبي شيبة 2 / 103 ط مكتبة الرشد الرياض سنة 1409 هـ.

٢٠٠