موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٤

موسوعة عبد الله بن عبّاس20%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 381

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 381 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 71453 / تحميل: 5372
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الحصين بن أبي الحرّ ـ واسم أبي الحر مالك بن الخشخاش ـ العنبري ، وثات بن ذي الحرة الحميري ، وكان على مقدمته ، فلمّا وردوا سجستان قاتلهم حسكة فقتلوه ، وضبط ربعيّ البلاد فقال راجزهم :

نحن الّذين اقتحموا سجستان

على ابن عتاب وجند الشيطان

يقدمنا الماجد عبد الرحمن

إنّا وجدنا في منير الفرقان

أن لا نوالي شيعة ابن عفّان

وكان ثات يسمى عبد الرحمن اهـ »(١) .

ولمّا وردت الأخبار مبشرة بقتل حسكة (الخارجي) وضبط ربعيّ بن كاس (القائد المظفر) للبلاد ، فمن الطبيعي أن يسرّ ابن عباس كثيراً لأنّه تمّ له بفضل اختياره للقائد ورجاله قمع أوّل خارجة على النظام في حكومة الإمام. كما أنّ من الطبيعي خفّف وغر الصدور بينه وبين بني تميم ، حين ولى ربعي بن كاس العنبري وهو من بني تميم.

ومن الطبيعي أيضاً إنّه كتب بخبر ذلك الفتح المبين وقطع دابر المفسدين إلى الإمام فسرّه بذلك ، ولا شك في انتشار الخبر في الكوفة ففتّ ذلك في عضد المتربصين.

وفي أعقاب هذا الحدث جرت مكاتبات بين الإمام وبين ابن عباس ، وذلك في غضون سبعة عشر شهراً الّتي أقامها الإمام في الكوفة قبل حرب صفين كاتب فيها معاوية وعمرو بن العاص ، كما في حديث الشعبي حيث قال : « إنّ عليّاً قدم

____________

(١) نفس المصدر / ٤٠٣.

٤١

البصرة مستهل رجب الكوفة وأقام بها سبعة عشر شهراً يُجري الكتب فيما بينه وبين معاوية وعمرو بن العاص »(١) .

ولمّا كان المعنيّ لنا فعلاً كتب الإمام إلى ابن عباس في مختلف الشؤون خلواً من التاريخ ، فلم يسعني تحديد زمان صدورها إلاّ إجمالاً ، وأنّها في الفترة الّتي سبقت حرب صفين ، فأنا أوردها حسب ورودها في كتاب (وقعة صفين) لنصر بن مزاحم المتوفى ٢١٣ هـ فهو أقدم وثيقة تاريخية يمكنني الاعتماد عليها في المقام بعد تصحيح عنوان الأوّل منها لما سيجيء :

١ ـ قال نصر : « وكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عامر (؟) والصواب : عباس.

أمّا بعد : فإنّ خير الناس عند الله (عزّ وجلّ) أقومهم لله بالطاعة فيما له وعليه ، وأقولهم بالحقّ ولو كان مراً ، فإن الحقّ به قامت السموات والأرض ، ولتكن سريرتك كعلانيتك ، وليكن حكمك واحداً ، وطريقتك مستقيمة ، فإنّ البصرة مهبط الشيطان ، فلا تفتحن على يد أحد منهم باباً لا نطيق سدّه نحن ولا أنت. والسلام ».

أقول : روى نصر ذلك في كتابه(٢) باسم (عبد الله بن عامر) وذلك من غلط النسخة إمّا من سهو الرواة أو غلط النساخ ، لأنّ الإمام لم يولّ عبد الله بن عامر على البصرة يوماً ما ، والصواب : إلى عبد الله بن عباس.

٢ ـ قال نصر : « وكتب : بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عباس.

____________

(١) وقعة صفين لنصر بن مزاحم المنقري ط الاُولى بالقاهرة سنة ١٣٦٥ هـ.

(٢) نفس المصدر / ١١٩ ، وط حجرية بايران / ٥٧ سنة ١٣٠٠.

٤٢

أمّا بعد : فانظر ما اجتمع عندك من غلات المسلمين وفيئهم ، فاقسمه على من قبلك حتى تغنيهم ، وابعث إلينا بما فضل نقسمه فيمن قبلنا والسلام »(١) .

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : « وكان العمال يحملون المال من كور البصرة إلى ابن عباس فيكون هو الّذي يبعث به إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) »(٢) .

٣ ـ قال نصر : « وكتب : بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عباس أمّا بعد : فإنّ الإنسان قد يسرّه ما لم يكن ليفوته ، ويسوءه فوتُ ما لم يكن ليدركه وإن جهد ، فليكن سرورك فيما قدّمت من حكم أو منطق أو سيرة ، وليكن أسفك على ما فرّطت لله فيه من ذلك ، ودع ما فاتك من الدنيا فلا تكثر به حزناً ، وما أصابك فيها فلا تبغ به سروراً ، وليكن همّك فيما بعد الموت. والسلام »(٣) .

أقول : لقد روى الشريف الرضي (رحمه الله) هذا الكتاب مرّتين في نهج البلاغة.

الأولى : قال الشريف الرضي : « ومن كتاب له (عليه السلام) إلى عبد الله بن العباس وكان ابن عباس يقول : ما انتفعت بكلام بعد كلام رسول الله كانتفاعي بهذا الكلام.

أمّا بعد : فإنّ المرء قد يسرّه درك ما لم يكن ليفوته ، ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه ، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك ، وليكن أسفك على ما فاتك منها ، وما نلت من دنياك فلا تكثر به فَرَحاً ، وما فاتك فلا تأسَ عليه جزعاً ، وليكن همّك فيما بعد الموت »(٤) .

____________

(١) نفس المصدر.

(٢) شرح النهج لابن أبي الحديد ١ / ٢٧٠ ط مصر الاُولى.

(٣) وقعة صفين / ١١٩ ط ١ بمصر بتحقيق هارون.

(٤) شرح النهج البلاغة لمحمد عبده٣ / ٢٣ ط الاستقامة.

٤٣

الثانية : قال الشريف الرضي : « ومن كتاب له (عليه السلام) إلى عبد الله بن العباس ، وقد تقدم ذكره بخلاف هذه الرواية : أمّا بعد : فإنّ المرء ليفرح بالشيء الّذي لم يكن ليفوته ويحزن على الشيء الّذي لم يكن ليصيبه ، فلا يكن أفضل ما نلت في نفسك من دنياك بلوغ لذة أو شفاء غيظ ، ولكن إطفاء باطل أو إحياء حقّ ، وليكن سرورك بما قدّمت ، وأسفك على ما خلّفت ، وهمّك فيما بعد الموت »(١) .

ورواه غير الشريف الرضي مَن كان قبله ، ومَن كان بعده بتفاوت يوحي بتعدد الروايات عند أصحاب المصادر ، ولما كان جوّ الكتاب وفحوى الخطاب يوحي بوقوع حَدَث استوجب حزن ابن عباس ، فكان الكتاب تسلية له عمّا فاته ، وموعظة له في شأن تقلّبات الحياة بأنّ عظة الإنسان واعتباره فيما بعد الموت. وفي بعض مصادر الكتاب ما يؤكد ذلك.

فاليعقوبي في تاريخه ذكر سبب ذلك فقال : « وكتب أبو الأسود الدؤلي ـ وكان خليفة عبد الله بن عباس بالبصرة ـ إلى عليّ (عليه السلام) يعلمه أن عبد الله أخذ من بيت المال عشرة آلاف درهم ، فكتب إليه يأمره بردّها فامتنع ، فكتب يقسم له بالله لتردّنها ، فلمّا ردّها عبد الله بن عباس أو ردّ أكثرها كتب إليه عليّ (عليه السلام) : أمّا بعد فان المرء يسرّه ما لم يكن ليفوته ، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه ، فما أتاك من الدنيا فلا تكثر به فرحاً ، وما فاتك منها فلا تكثر عليه جزعاً ، واجعل همك لما بعد الموت والسلام. فكان ابن عباس يقول : ما اتعظت بكلام قط اتعاظي بكلام أمير المؤمنين »(٢) .

____________

(١) نفس المصدر ٣ / ١٣٩.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٨١ ط النجف.

٤٤

وورد في تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ما يؤكد صدور ذلك الكتاب في جوّ مماثل لما رواه اليعقوبي(١) .

ولمّا كان الأمر يتعلق بمسألة أخذه من بيت مال البصرة من دون إذن الإمام ، وهي إحدى الطعون الموجّهة إليه ، وكانت محل النقض والإبرام بين الأعلام ، فالكلام في بحثها يأتي محققاً في الحلقة الرابعة (عبد الله بن عباس في الميزان) ضمن مسائل الطعون الأخرى ، ونكتفي في المقام بذكر مصادر هذا الكتاب إجمالاً على اختلاف رواية أصحابها ويأتي التفصيل في محله إن شاء الله وهي :

١ ـ أدب الدنيا والدين للماوردي / ٦٤.

٢ ـ إعجاز القرآن للباقلاني١ / ١٢١ ط السلفية سنة ١٣٤٩ هـ.

٣ ـ أمالي القالي٢ / ٩٤.

٤ ـ بحار الأنوار ٨ / ٤٧٥ ط الكمپاني.

٥ ـ البصائر والذخائر لأبي حيان التوحيدي / ٣٥٣.

٦ ـ تاريخ دمشق لابن عساكر (ترجمة الإمام) ٣ / ٢٢٠.

٧ ـ تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٨١ ط النجف.

٨ ـ تحف العقول / ١٩٧ ط كتابفروشي اسلامية.

٩ ـ تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي / ١٦٠.

١٠ ـ الحكمة الخالدة لابن مسكويه / ١٧٩.

١١ ـ دستور معالم الحكم للقضاعي / ٩٦.

____________

(١) تذكرة الخواص / ١٦٠ ط حجرية سنة ١٢٨٥.

٤٥

١٢ ـ روضة الكافي شرح ملا صالح المازندراني برقم ٣٢٧. ١٢ / ٣١٠.

١٣ ـ الرياض النضرة للمحب الطبري ٢ / ٢٢٢.

١٤ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣ / ٤٣٠ و ٤ / ٢٢٢.

١٥ ـ شرح نهج البلاغة لابن ميثم ٥ / ٢١٥.

١٦ ـ شرح نهج البلاغة للخوئي ١٨ / ٣٤٤.

١٧ ـ شرح نهج البلاغة لمحمّد عبده ٣ / ٢٣ و ١٣٩.

١٨ ـ الطراز في دلائل الاعجاز للسيد الزيدي ٢ / ٣٧٠.

١٩ ـ العقد الفريد لابن عبد ربه ٣ / ١٤٢ تح ـ أحمد أمين ورفيقيه.

٢٠ ـ عين الادب والسياسة لابن هذيل / ٢١٠.

٢١ ـ قوت القلوب لأبي طالب المكي ١ / ١٥٨.

٢٢ ـ الكشكول للبهائي ٢٨٤ ط نجم الدولة.

٢٣ ـ المثل السائر لابن الأثير ١ / ١٠٤ ط سنة ١٣٥٤ وألحق في آخره : « ولا تكن ممّن يرجو الآخرة بغير عمل ويؤخر التوبة بطول الأمل وكأن قد والسلام ».

٢٤ ـ مجالس ثعلب / ١٨٦.

٢٥ ـ محاضرات الراغب ٢ / ١٧٣.

٢٦ ـ مرآة العقول للمجلسي ٤ / ٣٥٤ ط الحجرية.

٢٧ ـ مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي / ٥٥ ط حجرية في أوّل النوع الرابع في الحكم والأمثال.

٢٨ ـ مناقب الخوارزمي / ٢٧٠ ط النجف.

٢٩ ـ الوافي للفيض الكاشاني ١٤ / ٦٣.

٤٦

٣٠ ـ وقعة صفين / ١١٩ ط الأولى بالقاهرة سنة ١٣٦٥ هـ.

٣١ ـ كتاب الكتّاب وصفة الدواة والقلم وتعريفها تصنيف أبي القاسم عبد الله عبد العزيز مؤدب المهتدي بن الواثق العباس ، سنة ٢١٨ هـ المتوفى سنة ٢٥٦ هـ (مجلة المورد العدد الثاني المجلد الثاني / ٦١ ط بغداد).

فهذه أكثر من ثلاثين مصدراً للكتاب وهو وثيقة مهمة تنفي حديث الخيانة جملة وتفصيلاً ، وتبدد كثيراً من الشكوك والأوهام. كما سيأتي تفصيل ذلك في الحلقة الرابعة إن شاء الله.

ونعود إلى ذكر كتب الإمام إلى ابن عباس وهو على ولاية البصرة فمن ذلك :

٤ ـ ما رواه الحسن بن شعبة ـ من أعلام القرن الرابع الهجري ـ في كتابه تحف العقول قال : « وكتب إلى عبد الله بن العباس : أمّا بعد فاطلب ما يعنيك ، واترك ما لا يعنيك ، فإنّ في ترك ما لا يعنيك درك ما يعنيك ، وإنّما تقدم على ما أسلفت لا على ما خلّفت ، وابن ما تَلقاه على ما تُلقّاه والسلام »(١) .

٥ ـ ومن كتبه (عليه السلام) إلى ابن عباس ما ذكره الشريف الرضي في نهج البلاغة قال : « ومن كتاب له (عليه السلام) إلى عبد الله بن العباس : أمّا بعد : فانّك لست بسابق أجلَك ، ولا مرزوق ما ليس لك ، واعلم بأن الدهر يومان : يوم لك ويوم عليك ، وأن الدنيا دار دول ، فما كان منها لك أتاك على ضعفك ، وما كان منها عليك لم تدفعه بقوّتك »(٢) .

____________

(١) تحف العقول ، قصار المعاني رقم ١٢٢ / ٢٠٩.

(٢) نهج البلاغة المختار / ٧٢.

٤٧

٦ ـ ومن كتبه (عليه السلام) إليه ما رواه الحافظ السروي في مناقب آل أبي طالب : « وكتب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى ابن عباس : أمّا بعد ، فلا يكن حظك في ولايتك مالاً تستفيده ، ولا غيظاً تشفيه ، ولكن إماتة باطل وإحياء حقّ »(١) .

ولنقف نحن عند هذا الكتاب ولنستعرض الشواهد في سيرة ابن عباس أيام ولايته فكم أمات باطلاً وأحيى حقاً.

فمن ذلك ما رواه أبو عبيد في كتاب الأموال عن الحسن البصري ، قال : « جاء رجل إلى ابن عباس فقال أتقبّل منك الأبلّة بمائة ألف ، قال : فضربه ابن عباس مائة وصلبه حياً »(٢) .

فكان هذا منه بعضاً من إماتة الباطل الّتي أمره الإمام (عليه السلام) بأخذها حظاً من ولايته. فإنّ ابن عباس لمّا كان يقول : « القبالات حرام »(٣) ؟ فأي طلب يتقدم به إليه إنسان يعتبره مخالفة شرعية لابدّ من تأديبه بما يقتضيه نظره ، ولمّا كانت العقوبة التأديبية شديدة فلابدّ أن تكون الجناية كبيرة ، ولا نعرف عظم الجناية إلاّ إذا عرفنا ما هي الأبلّة.

يقول ياقوت في معجم البلدان : « الأبلّة بلدة على شاطيء دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الّذي يدخل إلى مدينة البصرة وهي أقدم من البصرة ، لأنّ البصرة مصّرت أيام عمر ، وكانت الأبلّة حينئذٍ مدينة فيها مسالح من قبل كسرى وقائد.

____________

(١) مناقب آل أبي طالب ١ / ٣٧٠ ط الحيدرية.

(٢) كتاب الأموال / ٩٩ ط الكليات الأزهرية تح ـ محمّد خليل هراس سنة ١٣٨٨ هـ.

(٣) نفس المصدر / ١٠٠.

٤٨

وكان خالد بن صفوان يقول : ما رأيت أرضاً مثل الأبلّة مسافةً ، ولا أغذى نطفة ، ولا أوطأ مطية ، ولا أربح لتاجر ، ولا أخفى لعائذ »(١) .

وقال الأصمعي : « جنان الدنيا ثلاث : غوطة دمشق ونهر بلخ ، ونهر الأبلّة ، وحشوش الدنيا خمسة : الأبلّة ، وسيراف ، وعُمان ، وأردبيل ، وهيت »(٢) .

فإذا عرفنا أنّ الأبلة بما تقدم من وصفها وعرفنا أنّها تابعة في شؤونها الإدارية لحكومة البصرة ، ولمّا كان ابن عباس هو أمير البصرة ، وهو يرى حرمة القبالات كما مرّ ، فربّما اعتبر هذا الطلب تحدياً لأمر الشريعة بحرمة القبالات ، لذلك عاقبه ليكون عبرة لغيره فلا يجرأ على مخالفة أحكام الشرع.

ومن ذلك ما سنقرؤه في التوجيه العلمي والديني من شواهد على إحياء حق وإماتة باطل.

ومن ذلك ما سوف نقرؤه أيضاً في السلوك الشخصي بعض ما استفاده في ولايته من إماتة باطل وإحياء حقّ.

أمّا عن موظفي إدارته في البلاد. فقد استكتب زياد بن أبيه فترة ثمّ أرسله الإمام إلى فارس. فكان كاتبه أبو الاسود الدؤلي ـ كما ذكر ذلك أبو الفرج الاصفهاني ـ كما أنّه لمّا أراد الخروج إلى صفين استخلف أبا الأسود على الصلاة وزياداً على الخراج(٣) .

____________

(١) معجم البلدان ١ / ٧٧ دار صادر.

(٢) باقتضاب من معجم البلدان.

ومن الطريف تعليق محقق كتاب الأموال ـ محمّد خليل هراس ـ على كلمة الأبّلة فقال : لعلها ضيعة لابن عباس كانت على النهر المسمى بهذا الاسم. وهذا منتهى الغفلة منه ، والصواب ما ذكرناه أعلاه.

(٣) انظر أنساب الاشراف (ترجمة الإمام).

٤٩

والاستخلاف يعني القيام بجميع وظائف المستخلِف إلاّ ما استثناه هو ، كما أنّ الاستكتاب هو الاستيزار. ووظيفة الكاتب أنّه صاحب تدبير الأمور والنائب عنه في أموره عند غيابه.

واستقضى لفترة أبا الاسود ثمّ الضحاك بن عبد الله الهلالي(١) . وفي رواية : عبد الرحمن بن يزيد(٢) .

ثمّ لم تخل فترة حياته في البصرة من افتراء وتلبيس شأنها شأن غيرها من بقية أيام عمره ، وأهمّ ما كان من تلك الشوائب المفتراة هو حديث خيانة بيت مال البصرة ، وقد استوفينا في الحديث عنه جميع ملابسات القضية في الحلقة الرابعة كما سيأتي ذلك إن شاء الله تعالى.

وثمة ثآليل طفحت على السطح في تلك الفترة ، ليس لها من سند مقبول ، فضلاً عن تناقض متنها لسلوك ابن عباس العملي في البصرة وغيرها.

وإلى القارئ ما وقفت عليه فعلاً في كتاب (تاريخ المدينة) لبصري عاش في القرن الثالث وذلك هو عمر بن شبّة المتوفى سنة ٢٦٢ هـ

فقد قال : « حدّثنا محمّد بن عباد بن عباد قال حدّثنا بعض أصحابنا عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة : انّ ابن عباس (رضي الله عنه) خطب بالبصرة فذكر عثمان بن عفان (رضي الله عنه) فعظّم أمره وقال : « لو أنّ الناس لم يطلبوا بدمه لأمطر الله عليهم حجارة من السماء(٣) »(٤) .

____________

(١) أنظر أخبار القضاة لوكيع / ٢٨١ ، ٢٨٤ فما بعد.

(٢) نفس المصدر / ٢٨٨.

(٣) تاريخ الخلفاء للسيوطي / ٦٣ ، وأنساب الأشراف ٥ / ١٠١ والرياض النضرة ٢ / ١٣٥.

(٤) تاريخ المدينة / ١٢٥٤.

٥٠

ويكفي في سقوطه جهالة بعض أصحابه ، ولو سلم سنداً ففي المتن ما يكفي في تكذيبه فان ابن عباس ممّن قاتل الذين طالبوا بدم عثمان فلماذا قاتلهم إذن؟.

وقال أيضاً : « حدّثنا موسى بن إسماعيل قال حدّثنا الصعق ابن حزن قال سمعت قتادة يقول حدّثنا زهدم الجرمي قال قال ابن عباس (رضي الله عنه) لأحدثنكم حديثاً ما هو بسرّ ولا علانية ، أمّا أنا فلا أسرّ ، دونكم وأمّا أنتم فلا أحب أن تعلنوه ، لمّا قتل عثمان (رضي الله عنه) قلت لعليّ (رضي الله عنه) اعتزل هذا الأمر قال : ألاقي استقداماً فيه ، وأيم الله ليظهرّن عليه معاوية تصديق قول الله( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ) (١) وأيم الله لتحملنكم قريش على فارس والروم ، فإن تكونوا قوماً تكفرون وإلاّ تهلكوا وتكونوا كقرن من القرون هلك »(٢) .

وحسبك في كذب الخبر أوّلاً : أنّ ابن عباس لم يكن حاضراً بالمدينة لمّا قتل عثمان بل كان أمير الموسم يقيم الحج للناس. وثانياً : لم يكن معاوية وليّ دم عثمان ، وإنّما أولياء دمه هم بنوه. فهل يجهل ذلك ابن عباس وإذا كان يرى أنّ معاوية ولي دم عثمان فلماذا حاربه في صفين؟

وقال أيضاً : « حدّثنا موسى بن إسماعيل قال حدّثنا حماد بن زيد عن أبي التيّاج عن غالب عن زهدم قال قال ابن عباس (رضي الله عنه) ، لأحدثنكم حديثاً ما أدري أحديث سر هو أم حديث علانية ، إنّي قلت لعليّ (رضي الله عنه) لمّا قتل عثمان (رضي الله عنه) : اركب رواحلك فالحق بمكة ، فان الناس سيتبعونك ولا يجدون منك بُدّاً ، فعصاني ، وأيم الله

____________

(١) الاسراء / ٣٣.

(٢) تاريخ المدينة / ١٢٥٥ ، وانظر مختصراً في العقد الفريد ٤ / ٢٩١.

٥١

ليظهرن عليه معاوية ، لأنّ الله قضى من قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً ، ثمّ لتملكنكم قريش ولتركبّن بكم دبّة فارس والروم فمن أخذ بما يعرفُ نجا ، ومن ترك ـ وأنتم تاركون ـ كان كقرن من القرون هلك. قال فقلت لابن عباس (رضي الله عنه)(١) »(٢) .

فهذا الخبر رواه زهدم أيضاً كسابقه وبالمقارنة نجد التفاوت بينهما. والجواب عنه كما تقدم في سابقه وبعده حديث سقط السند وشيئاً من أوّل المتن ، وهو مشابه لما مرّ أيضاً.

فهذه هي الأخبار الّتي شبّهتها بالثآليل الطافحة ، وقد بيّنت للقارئ ما في أسانيدها ومتونها من عيوبها ما يسقطها عن الاعتبار.

ولعمر بن شبّة كتاب (أخبار البصرة) أورد فيه قصة الجمل مطوّلة ، فلخّص منه ابن حجر(٣) واقتصر على ما أورده بسند صحيح أو حسن ، وترك ما عداه ممّا بيّنه. كما قال ذلك ، ولو قدّر لي أن أقف بعد هذا على كتاب أخبار البصرة فسأذكر ما أجده فيه ممّا يتعلق بابن عباس سلباً وايجاباً.

٧ ـ قال ابن خلدون في تاريخه : « وأوّل من دعا للخليفة على المنبر ابن عباس ، دعا لعليّ (رضي الله عنهما) في خطبته وهو بالبصرة عامل له عليها فقال : اللّهمّ انصر عليّاً على الحقّ »(٤) .

واتصل العمل على ذلك فيما بعد.

____________

(١) بياض لا يدري مقداره.

(٢) تاريخ المدينة / ١٢٥٥.

(٣) انظر فتح الباري ١٦ / ١٦٤ ط مصطفى محمّد.

(٤) تاريخ ابن خلدون ١ / ٤٧٧ ط دار الكتاب اللبناني سنة ١٩٥٦.

٥٢

وقد ذكر ذلك قبل ابن خلدون أبو نعيم(١) .

وحسبنا الآن بما مرّ معرفة جانباً من نشاطه الإداري والسياسي ، وسيتبع هذا نماذج أخرى فيما يأتي عند الحديث عن حرب صفين وما تلاها ، وفتنة ابن الحضرمي وما أبلاها ، وخروج الخريت بن راشد ثمّ فتنة مصقلة بن هبيرة ، وحرب النهروان ، وما أتى بعدها حتى استشهاد الإمام (عليه السلام) وبعده حتى صلح الإمام الحسن (عليه السلام).

٢ ـ التوجيه العلمي والديني :

لقد سبق ابن عباس في ولايته البصرة مَن تقدمه من الولاة في تثقيف أهلها سبقاً بعيداً ، فإنّ الذين كانوا قبله وتعاقبوا على الولاية تفاوتت مداركهم لاستيعاب أحكام الإسلام ، كما تباينت مسالكهم في إدارة البلاد ، ولم يواجهوا ما واجهه ابن عباس من مشاكل اجتماعية أبعدت ، وبالاصح شغلت الكثير من الناس عن تعلمهم الأحكام الشرعية ، مضافاً إلى مخلّفات حرب الجمل الفكرية ، حيث نشأت مسائل لم يكن المجتمع الإسلامي على هدى منها ، ومنها مسألة قتال المسلمين بعضهم بعضاً وهم جميعاً من أهل القبلة ، ولمّا كان قتل المسلم من الكبائر فهل أنّ مرتكب الكبيرة يُعدّ كافراً أم يظل مسلماً؟ وهذا سؤال ضخم واجه العالم الإسلامي فأنبت الفكرة الّتي صارت ركيزة لما بنت عليها المعتزلة من رأي تجاذبته أصحاب الفرق الكلامية بين الدين والسياسة ، والأخذ والردّ.

____________

(١) كما في ذكر أخبار اصبهان ٢ / ٢٢٩ ط افست / ليدن.

٥٣

كما أنّ من مخلفات الحرب الفكرية الّتي واجهت المسلمين يومئذ في عقائدهم مسألة القضاء والقدر الّتي طرحتها عائشة كعذر مبرّر لخروجها(١) .

وانصاع لهذه المسألة غير واحد من البصريين ، واستمر الخلاف حولها بعد ذلك حتى انفصل واصل بن عطاء عن الحسن البصري وانضم إلى واصل عمرو ابن عبيد ، وعلى ذلك انبثقت الفرق النظامية والهذيلية والحائطية والجاحظية وكلّها فرق بصرية المنشأ بغدادية الثمر حتى قال أحمد : « إنّ ثلث أهل البصرة قدرية »(٢) .

فهذه المخلّفات شكّلت تركة ثقيلة يصعب على الوالي الجديد تصريفها ومعالجتها من دون وعي وحزم مع صبر وأناة ، مضافاً إلى التعقيدات الفكرية الّتي كان أصحاب الديانات الأخر كاليهود والنصارى ممّن كانوا في البصرة يلقونها في أذهان المسلمين فيشوّشوا أفكارهم ، وقد ورد اسم أبي الجلد ممّن كان يقرأ التوراة والقرآن ، وذكروا له لقاءات مع ابن عباس ، وسيأتي مزيد بيان عنه في الحلقة الثالثة من الموسوعة ان شاء الله تعالى ، فكل تلك التراكمات والتداعيات تستدعي من ابن عباس أن يبذل جهداً مضاعفاً لهداية الناس وتوجيههم نحو السبيل الأمثل والطريق الأقوم ، وقد فعل ذلك بكلّ حنكة ودربة ، وتحمّل من العناء جهداً كبيراً.

ولابدّ لنا من المرور ببعض الشواهد الدالة على التخلف الديني عند بعض شرائح المجتمع البصري ـ يومئذ ـ ولنأخذ بعض المسائل العبادية مثلاً

____________

(١) كما مرّ في جوابها لابن عباس فراجع محاوراتها برواية البدء والتاريخ للمقدسي.

(٢) تهذيب التهذيب لابن حجر ٨ / ١١٤.

٥٤

وجهلهم بالحكم الشرعي فيها مع أنّها من المسائل الّتي يعمّ الإبتلاء بها عند الفرد المسلم :

١ ـ فمثلاً في الصلاة كانوا ـ أولئك ـ يجهلون جواز الجمع بين الصلاتين.

فقد أخرج الطبراني في معجمه بسنده عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال : « خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غابت الشمس وبدت النجوم ، وعلق الناس(١) ينادونه الصلاة ، وفي القوم رجل من بني تميم ينادي ، فقال ابن عباس : تعلّمني السنّة لا أم لك ، إنّي شهدت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جمع بين العصر والظهر ، والمغرب والعشاء. فلقيت أبا هريرة فوافقه »(٢) .

أقول : وهذا أخرجه أحمد في مسنده وفيه : « قال عبد الله : فوجدت في نفسي من ذلك شيئاً فلقيت أبا هريرة فسألته فوافقه »(٣) ، ورواه أحمد ثانية في كتابه(٤) وصححهما معاً أحمد شاكر ، وروى الحديث أيضاً مسلم في صحيحه(٥) .

ولا يخفى على القارئ أنّ عبد الله بن شقيق هذا كان عثمانياً ترجمه ابن حجر في تهذيبه وحكى فيه بأنّه كان عثمانياً يبغض عليّاً ويحمل عليه(٦) ، فلا غرابة منه لو ارتاب في نفسه المريضة من حديث ابن عباس وان كان هو حبر الأمة وترجمان القرآن ، وراح يستثبت حديثه من أبي هريرة ، لكن الغرابة حين

____________

(١) علق الناس أي طفقوا.

(٢) المعجم الكبير للطبراني ١٢ / ١٦٢ ط ٢.

(٣) مسند أحمد ٤ / ٧٠ برقم ٢٢٦٩.

(٤) نفس المصدر ٥ / ١٠٠ برقم ٣٢٩٣.

(٥) صحيح مسلم ١ / ١٩٧.

(٦) تهذيب التهذيب ٥ / ٢٥٤.

٥٥

نقرأ في ترجمته قول ابن معين فيه : « من خيار المسلمين لا يطعن في حديثه »(١) ، وقول الجريري فيه : « كان مجاب الدعوة كانت تمرّ به السحابة فيقول : اللّهمّ لا تجوز كذا وكذا حتى تمطر ، فلا تجوز ذلك الموضع »(٢) ؟ إذا كان مثل هذا من خيار المسلمين وهو يبغض عليّاً ويحمل عليه ، فما بالك بشرارهم! نعوذ بالله من شرّ هكذا أخيار ، كما نستيعذ به من شرّ الأشرار.

اللّهمّ احفظ عقول أمة محمّد من هذا التخبط والتخليط ، فرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول لعليّ (عليه السلام) : (لا يحبك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق)(٣) ، وابن معين يقول : هو من خيار المسلمين!!( إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ ) (٤) ، فقد أخرج ابن عساكر بسنده عن محمّد بن منصور الطوسي قال : « سمعت أحمد بن حنبل وقد سأله رجل عن قول النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : (عليّ قسيم النار) فقال : هذا حديث يضطرب طريقه عن الأعمش ، ولكن الحديث الّذي ليس عليه لبس قول النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : (يا عليّ لا يحبك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق) وقال الله (عزّ وجلّ) :( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ ) (٥) فمن أبغض عليّاً فهو في الدرك الأسفل من النار »(٦) .

____________

(١) نفس المصدر.

(٢) نفس المصدر.

(٣) راجع كتاب (علي إمام البررة ١ / ٩٣ ط دار الهادي).

(٤) سورة المدثر / ٣٥.

(٥) النساء / ١٤٥.

(٦) تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام ٢ / ٢٥٣ ، وهذا أخرجه أيضاً الكنجي الشافعي في كفاية الطالب / ٧٢ ط الحيدرية سنة ١٣٩٠ هـ كما ذكره ابن أبي يعلى الحنبلي في طبقات الحنابلة ١ / ٣٢٠.

٥٦

٢ ـ وفي الزكاة كانوا يجهلون زكاة الفطر.

فقد أخرج أبو داود(١) والنسائي(٢) وأحمد(٣) والدار قطني(٤) والزيلعي واللفظ له عن الحسن عن ابن عباس : « انّه خطب في آخر رمضان على المنبر بالبصرة ، فقال : أخرجوا صدقة صومكم ، فكأن الناس لم يعلموا ، قال : مَن ههنا من أهل المدينة؟ قوموا إلى إخوانكم فعلّموهم فإنّهم لا يعلمون فرض رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هذه الصدقة ، صاعاً من تمر أو شعير ، أو نصف صاع من قمح على كلّ حر أو مملوك ، ذكر أو أنثى صغير أو كبير »(٥) .

وفي لفظ أحمد المطول : « فجعل الناس ينظر بعضهم إلى بعض ».

لماذا صار الناس ينظر بعضهم إلى بعض؟ لأنّه فاجأهم بحكم شرعي مفروض من الله على لسان نبيّه ، وهم يجهلونه ، ولو كان الولاة قبل ابن عباس قد ذكروه لهم أو عملوا به لمّا استغربوا خطبة ابن عباس في ذلك. (فظن بالولاة شراً ولا تسأل عن الخبر).

٣ ـ وحتى صدقات البقول لم يكن يعطونها حتى أخذها منهم ابن عباس.

روى يحيى بن آدم القرشي في كتابه الخراج بسنده عن أبي رجاء العطاردي قال : « كان ابن عباس بالبصرة يأخذ صدقاتها حتى دساتج الكرّاث »(٦) .

____________

(١) سنن أبي داود ٢ / ١١٤ بتحقيق محمّد محي الدين عبد الحميد باب من روى نصف صاع من قمح.

(٢) سنن النسائي في باب الحنطة وفي الجمعة في باب حث الإمام على الصدقة في الخطبة.

(٣) مسند أحمد برقم ٢٠١٨ مختصر ٣٢٩١ مطولة بتحقيق أحمد محمّد شاكر ط مكتبة التراث الإسلامي.

(٤) سنن الدارقطني / ٢٢٥.

(٥) نصب الراية ٢ / ٤١٨ ط الأولى ١٣٥٧.

(٦) الخراج لأبي يوسف / ١٤٤ط السلفية.

٥٧

٤ ـ وفيما يخرج من البحر من حلية وعنبر ففيه الخمس.

وذلك فيما رواه طاووس عن ابن عباس : « أنّ عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) استعمل يعلى بن أمية على البحر فكتب إليه في عنبرة وجدها رجل على الساحل يسأله عنها وعمّا فيها فكتب إليه عمر : أنّه سيب من سيب ، فيها وفيما أخرج الله جل ثناؤه من البحر الخمس. قال : وقال عبد الله بن عباس : وذلك رأيي »(١) . والبصرة يحدّها البحر من جهة الشرق.

٥ ـ وفي التعريف خارج عرفة لا يعلمون جواز ذلك لولا ما أعلمهم به ابن عباس عملياً.

فقد أخرج ابن سعد في ترجمة ابن عباس : « انّ الحكم بن أيوب المرسل إلى الحسن ـ البصري ـ يسأله : من أوّل من جمع بالناس في هذا المسجد يوم عرفة؟

فقال : أوّل من جمع ابن عباس قال : وكان مثجّة ـ أحسب في الحديث ـ يثير العلم.

قال : وكان يصعد المنبر فيقرأ سورة البقرة فيفسّرها آية آية »(٢) .

وهذا رواه عبد الرزاق في المصنف(٣) ، والبيهقي في السنن الكبرى(٤) ، والذهبي في سير أعلام النبلاء(٥) .

____________

(١) نفس المصدر / ٧٠.

(٢) طبقات ابن سعد / ١٥٧ تح ـ السُلمي ط الطائف.

(٣) المصنف ٤ / ٣٧٦.

(٤) السنن الكبرى ٥ / ١١٨.

(٥) سير أعلام النبلاء ٣ / ٣٥.

٥٨

وفي رواية الجاحظ في البيان والتبيين : « وقال الحسن : كان عبد الله بن عباس أوّل من عرّف بالبصرة ، صعد المنبر فقرأ البقرة وآل عمران ففسّرهما حرفاً حرفاً ، وكان والله مثجّاً يسيل غَرباً »(١) . والخبر في لسان العرب (ثجج ، غِرب).

ومن الغريب تفسير عبد السلام محمّد هارون لكلمة (أوّل من عرّفَ بالبصرة) فقال : « كذا ضبطت هذه الكلمة في ل ، ب. والتعريف هنا بمعنى التعليم »(٢) ، ولم يتنبّه إلى معنى التعريف في الخبر وأنّ المراد به جمع الناس في يوم عرفة كما مرّ في تفسير الحسن البصري حسب رواية طبقات ابن سعد.

٦ ـ وفي مسألة إحرام من أرسل الهدي إلى الحرم وواعد بتقليد الهدي.

فقد روى مالك في الموطأ بسنده عن ربيعة بن عبد الله بن الهُدير : « أنّه رأى رجلاً متجرّداً بالعراق فسأل الناس عنه فقالوا : انّه أمر بهديه أن يُقلّد فلذلك تجرّد ، قال ربيعة : فلقيت عبد الله بن الزبير فذكرت له ذلك فقال : بدعة وربّ الكعبة »(٣) .

وهذا الخبر بما أحاطه من الضبابية على جهالة اسم المتجرّد ولعل مالكاً لم يذكره رعاية للعباسيين الذين أحاطوه بإفضالهم فكتب لهم الموطأ ، لكن الراوي نمّ على أن ذلك الشخص المتجرّد ممّن له شأن يذكر فسأل عنه ، وفي جواب ابن الزبير أيضاً ما يدلّ على التعريض به. وإذا بحثنا لمعرفة تلك الشخصية الّتي لفّها

____________

(١) البيان والتبيين ١ / ٣٣١ تح ـ هارون.

(٢) هامش المصدر السابق.

(٣) الموطأ ١ / ٢٤٩.

٥٩

الضباب عند مالك سنجد ابن أبي شيبة في المصنف يفصح عنه حين يذكر نفس الخبر عن ربيعة أنّه رأى ابن عباس وهو أمير على البصرة في زمان عليّ بن أبي طالب متجرّداً على منبر البصرة فسأل الناس عنه ، فقالوا : إنّه أمر بهديه أن يُقلّد فلذلك تجرّد ـ قال ربيعة ـ فلقيتُ ابن الزبير فذكرت ذلك له فقال : بدعة ورب الكعبة(١) . قال ابن حجر : « فعرف بهذا اسم المبهم في رواية مالك »(٢) .

أقول : لقد مرّ الحديث عن هذا في حديث واحد خير شاهد فراجع.

٧ ـ وفي مسألة تحريم تصوير ذوات الأرواح لم يكن المصورون يعلمون الحكم فيه. حتى إذا صار عبد الله بن العباس والياً عليهم وفقّههم ، أتاه من المصوّرين مَن يسأله عن عمله.

فقد روى أحمد في مسنده بسنده عن سعيد بن أبي الحسن ـ وهو أخ الحسن البصري ـ قال : « جاء رجل إلى ابن عباس فقال : يا بن عباس إني رجل أصوّر هذه الصور وأصنع هذه الصور فأفتني فيها؟ قال : أدن مني ، فدنا منه حتى وضع يده على رأسه ، قال : أنبئك بما سمعت من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول : (كلّ مصوّر في النار يُجعل له بكل صورة صوّرها نفس تعذبه في جهنم) ، فإن كنت لابدّ فاعلاً فاجعل الشجر وما لا نَفسَ له »(٣) . وهذا الحديث رواه البخاري في صحيحه.

وكان يتبع في تهذيب أهل البصرة دينياً مختلف الأساليب التربوية قولاً وعملاً ، فربّما رغّبهم وربّما رهبّهم ، فهو لا يصعد المنبر حتى يؤدي حقّ ذلك

____________

(١) المصنف ٤ق١ / ٨٨ ط باكستان.

(٢) فتح الباري ٤ / ٢٩٤ ط مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر سنة ١٣٧٨ هـ.

(٣) مسند أحمد ٤ / ٢٩٠ برقم ٢٨١١.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

11 ـ أربعة آلاف(1)

هذه بعض الأقوال التي ذكرها المؤرخون ، وهناك أقوال أخرى لا تخلو من المبالغة.

التحقيق في الموضوع :

ولا بد لنا من وقفة قصيرة للتحقيق في هذه الأقوال المختلفة التي حددت عدد الجيش الذي تدفق إلى كربلا واشترك في عمليات الحرب ، لنختار منها ما تساعد عليه الأدلة ونلقي ـ قبل كل شيء ـ نظرة خاطفة على عدد الجيش في الكوفة التي كانت أعظم حامية عسكرية في ذلك الوقت ، فقد كان عدد الجيش في أواسط القرن الأول أربعين الفا يغزو كل عام منهم عشرة آلاف(2) وقد ازداد هذا العدد منذ اتخذها الامام عاصمة له ، فقد كثرت الهجرة إليها ، فقد زحف معه لحرب صفين سبعة وخمسون الفا ، وثمانية آلاف من مواليهم(3) وهناك بعض التصريحات التي أدلى بها بعض الشخصيات تدل على أن احصاء الجيش في ذلك العصر بلغ مائة الف ، فقد انكر سليمان بن صرد الخزاعي على الامام الحسن (ع) أمر الصلح وقال له : «لا ينقضي تعجبي من بيعتك معاوية ومعك مائة الف مقاتل من أهل العراق» وجاء في بعض رسائل اهل الكوفة الى الامام الحسين «انا معك مائة الف» وفيما احسب ان هذا العدد لا يخلو من المبالغة ، وان العد اقل من ذلك بكثير اما سكان الكوفة فانا لم نقف

__________________

(1) البداية والنهاية 8 / 169

(2) صلح الحسن (ص 101)

(3) الامامة والسياسة 1 / 151

١٢١

لهم على احصاء الا ان من المؤكد انهم كانوا اضعاف عدد الجيش فان الكثيرين من ذوي المهن والحرف والتجار وغيرهم ممن لم ينضموا إلى المنظمة العسكرية ونقف ـ بعد هذا العرض الموجز لعدد جيش الكوفة وسكانها ـ امام تلك الأقوال بين أمرين :

الأول : الاذعان والتصديق لكل ما قيل في عدد الجيش من الكثرة لأن ابن زياد قد اعلن النفير العام في الكوفة فلم يبق بها محتلم الا خرج لحرب الحسين ، ومن تخلف كان مصيره الاعدام أو السجن ، حتى لم تبق في الكوفة واسطة من وسائط النقل الا استعملت لنقل الناس للحرب ، واذا قيل ان عدد الجيش مائة الف او يزيد فليس في ذلك أية مبالغة.

الثاني : التشكيك في تلك الكثرة لأن اكثر الجنود قد استعظموا حرب الامام ففروا منهزمين في البيداء ، بالاضافة الى أن طائفة كبيرة من الجيش كانت في معسكر النخيلة مع ابن زياد ، وعلى هذا فالجيش الذي تدفق الى كربلا لحرب الامام ليس بذلك العدد الضخم الذي يذهب إليه بعض المؤرخين.

واكبر الظن ان الرواية التي أثرت عن الامام الصادق (ع) انه أزدلف ثلاثون الف لحرب الامام هي أقرب ما قيل في عدد الجيش فان هذا العدد وما يزيد عليه قد اشترك في حرب ريحانة رسول اللّه (ص).

القادة العسكريين :

وامدنا المؤرخون بأسماء بعض قادة الجيش الذين اشتركوا في كارثة كربلا وهم :

١٢٢

1 ـ الحر بن يزيد الرياحي ، وكان على الف فارس ، وهو الذي حاصر الحسين في كربلا.

2 ـ عمر بن سعد ، وقد اسند إليه ابن زياد القيادة العامة لجميع قواته المسلحة ، وكان اميرا على أربعة آلاف.

3 ـ شبث بن ربعي جعله أميرا على الف فارس(1)

4 ـ مضائر بن رهينة المازني امير على ثلاثة آلاف(2)

5 ـ نصر بن حرشة امير على الفين(3)

6 ـ كعب بن طلحة امير على ثلاثة آلاف(4)

7 ـ حجار بن ابجر أمير على الف(5)

8 ـ الحصين بن نمير على أربعة آلاف(6)

9 ـ شمر بن ذي الجوشن امير على أربعة آلاف(7)

10 ـ يزيد بن الركاب على الفين(8)

11 ـ يزيد بن الحرث بن رويم امير على الف(9)

وهؤلاء بعض قادة الجيش وقد انضم تحت ألويتهم خمس وعشرون الف مقاتل ، ويقول ابن الجوزي :

انه كان على ربع الكوفة عبد اللّه بن زهرة بن سليم الأزدي ، وعلى

__________________

(1) أنساب الأشراف ق 1 ج 1

(2) المناقب 4 / 98

(3) المناقب 4 / 98

(4) مقتل الحسين للمقرم (ص 239)

(5) انساب الأشراف ق 1 ج 1

(6) انساب الأشراف ق 1 ج 1

(7) المناقب 4 / 98

(8) انساب الأشراف ق 1 ج 1

(9) انساب الأشراف ق 1 ج 1

١٢٣

ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث وعلى ربع مذحج وأسد عبد اللّه بن سبرة الجعفي ، وعلى ربع ربيعة وهمدان الحر بن يزيد الرياحي(1) .

أدوات الحرب :

وتسلح جيش ابن زياد بجميع أدوات الحرب السائدة في تلك العصور فقد كان استعداده لحرب الامام استعدادا هائلا ويحدثنا المؤرخون عن ضخامة ذلك الاستعداد ، فقالوا!! إن الحدادين ، وصانعي أدوات الحرب في الكوفة كانوا يعملون ليلا ونهارا في بري النبال وصقل السيوف في مدة كانت تربو على عشرة أيام لقد دفع ابن زياد لحرب الحسين بقوة عسكرية مدججة بالسلاح بحيث كانت لها القدرة على فتح قطر من الأقطار.

1 ـ الرماة :

وهم الذين كانوا يسددون النبال والسهام ، وقد لعبوا دورا خطيرا في الحرب ، وهم أول من فتح باب الحرب على الامام ، فسددوا سهامهم نحو معسكره فلم يبق أحد منهم إلا اصابه سهم ، حتى اصيبت بعض النساء فدهشن وارعبن ، وقد قتل بعض ابناء الأسرة النبوية بتلك السهام الغادرة كعبد اللّه بن مسلم ، وعبد اللّه بن الحسن ، وعبد اللّه الرضيع وغيرهم.

__________________

(1) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (ص 92)

١٢٤

2 ـ الجوالة :

وهي كتائب من الجيش كانت ترمي بالحجارة ، وسلاحها المقاليع ،

3 ـ المجففة :

وهم الذين كانوا يلبسون الجنود الآلات التي تقيهم في الحرب ، كما كانوا يضعون على الخيل الآلات التي تقيها من النبال والرماح ،

عدد أصحاب الحسين :

أما أصحاب الامام الحسين فكانوا فئة قليلة ، وقد اختلف المؤرخون في عددهم ، وهذه بعض الاقوال :

1 ـ ما ذهب إليه المسعودي انهم خمسمائة فارس ونحو من مائة راجل(1) وانفرد المسعودي بهذا القول ولم يذهب إليه أحد غيره.

2 ـ ما رواه عمار الدهني عن أبي جعفر انهم كانوا خمسا وأربعين فارسا ومائة راجل(2) .

3 ـ ما ذكره ابن شهرآشوب انهم اثنان وثمانون رجلا الفرسان منهم اثنان وثلاثون(3) .

__________________

(1) مروج الذهب 3 / 10

(2) البداية والنهاية 8 / 197 ، تذهيب التهذيب 1 / 151 ، الحدائق الوردية 1 / 119 ، الصراط السوي (ص 86).

(3) المناقب 4 / 98

١٢٥

4 ـ ما قاله سعد بن عبده : اني لأنظر إليهم وهم قريبون من مائة رجل فيهم من صلب علي خمسة أو سبعة وعشرة من بني هاشم ، ورجل من كنانة وآخر من سليم(1) .

5 ـ ما ذكره ابن كثير والفاخوري انهم اثنان وثلاثون فارسا واربعون راجلا(2)

والذي نراه انهم ثمانون رجلا بما فيهم من ابناء الأسرة النبوية والذي يدعم ذلك أن الرءوس التي احتزت وبعث بها إلى ابن مرجانة ويزيد بن معاوية كانت (79) رأسا لا غير.

وعلى أي حال فان هؤلاء الأبطال على قلتهم كانوا كفؤا لذلك الجيش وقد الحقوا به افدح الخسائر وقد مثلوا بمواقفهم البطولية شرف العقيدة وسمو المبدأ.

رسول ابن سعد مع الامام :

وكان ابن سعد كارها لقتال الامام فاراد التخلص من ذلك ، فدعا عزرة بن قيس أن يلتقي بالامام ويسأله عما جاء به؟ فامتنع عزرة لأنه كان ممن كاتب الامام بالقدوم الى الكوفة ، فندب لمقابلته كثير بن عبد اللّه الشعبي وكان فاتكا جريئا فقال :

«أنا له وإن شئت أن افتك به لفعلت»

فلم يرض ابن سعد بذلك ، وانما طلب منه أن يمضي إليه ويسأله

__________________

(1) تذهيب التهذيب 1 / 156

(2) البداية والنهاية 8 / 187 ، تحفة الأنام في مختصر تأريخ الاسلام للفاخوري (ص 83).

١٢٦

عما جاء به؟ وأقبل كثير يشتد نحو الامام ، ولما بصر به ابو ثمامة الصائدي ارتاب منه ، فقام في وجهه ، وطلب منه أن ينزع سيفه حتى يقابل الامام فأبى أن يسمح له بالدخول فولى منصرفا غضبانا(1) واخبر ابن سعد بذلك فطلب من قرة بن قيس الحنظلي ملاقاة الامام فأجابه ، فلما اقبل قال الامام لأصحابه :

«هل تعرفونه؟»

فأجابه حبيب بن مظاهر : نعم انه من بني تميم ، وقد كنت اعرفه بحسن الرأي ، وما ظننت أنه يشهد هذا المشهد!!

وتقدم قرة نحو الامام فسلم عليه ، وسأله عما جاء به؟ فقال (ع).

«إني لم أرد إلى هاهنا حتى كتب إلي أهل مصركم أن يبايعونني ، ولا يخذلوني ، وينصرونني ، فان كرهوني انصرف عنهم من حيث جئت».

وانبرى إليه حبيب فأسدى له النصيحة قائلا :

«يا قرة عهدي بك ، وأنت حسن الرأي في أهل البيت فما الذي غيّرك؟ فاقم عندنا وانصر هذا الرجل».

فقال قرة : لقد قلت الحق ولكن ارجع إلى صاحبي بجواب رسالته وانظر في ذلك ، وقفل قرة الى ابن سعد فعرض عليه كلام الامام(2) وسر ابن سعد بذلك ورأى انه بالامكان التوصل لحل سلمي يجنبه من الخوض في معركة تطوق عنقه بالآثام والاوزار.

__________________

(1) الطبري 6 / 232

(2) أنساب الأشراف ق 1 ج 1 ، الفتوح 5 / 155 ـ 156

١٢٧

ابن سعد مع الامام :

وأراد ابن سعد التأكد من ذلك فطلب من الامام الاجتماع به فاجابه الى ذلك ، ولما مثل عنده قال له :

ـ ما جاء بك؟

ـ أهل الكوفة

ـ أما عرفت ما فعلوا معكم؟

ـ من خادعنا في اللّه انخدعنا له

ـ قد وقعت الآن فما ترى؟

ـ أرجع فأقيم بمكة أو بالمدينة ، أو أقيم ببعض الثغور

وفرح ابن سعد من موقف الامام ورأى فيه بادرة لاحلال السلام والتجنب من الحرب(1) .

رسالة ابن سعد لابن زياد :

وبادر ابن سعد فكتب رسالة الى أميره ابن مرجانة جاء فيها :

«أما بعد : فان اللّه اطفأ النائرة ، وجمع الكلمة ، وأصلح أمر الأمة. هذا حسين اعطاني عهدا أن يرجع الى المكان الذي منه أتى أو أن يسير الى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له مالهم ، وعليه ما عليهم أو ان يأتي امير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده ، فيرى فيما بينه وبينه رأيه وفي هذا رضا لك ، وللأمة صلاح».

__________________

(1) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص 87)

١٢٨

افتراء ابن سعد :

ومما لا شبهة فيه أن ابن سعد قد افترى على الامام الحسين في تلك الرسالة ، فان اكثر بنودها مما لم يفه به الامام (ع) وقد تحدث عن افتعالها عاقبة بن سمعان الذي صاحب الامام من المدينة إلى مكة ثم إلى العراق وظل ملازما له حتى قتل ، يقول :

«صحبت الحسين من المدينة إلى مكة ، ومنها إلى العراق ، ولم افارقه حتى قتل ، وقد سمعت جميع كلامه ، فما سمعت منه ما يتذاكر فيه الناس من أن يضع يده في يد يزيد ، لا أن يسير الى ثغر من الثغور لا في المدينة ولا في مكة ولا في العراق ولا في عسكره الى حين قتل ، نعم سمعته يقول : دعوني أذهب إلى هذه الأرض العريضة حتى انظر ما يصير إليه الناس»(1) .

ونفى الشيخ محمد الخضري صحة هذه الرسالة فقال : «وليس بصحيح الاعراض عليهم أن يضع يده في يد يزيد ، وانما عرض عليهم أن يدعوه أن يرجع إلى المكان الذي خرج منه»(2) .

لقد افتعل ابن سعد هذه الرسالة ليتخلص من اثم المعركة ، ويكون بمنجى من قتل ريحانة رسول اللّه (ص) واو ان الامام قال ذلك لا نفض جيش ابن زياد وانتهى كل شيء لقد رفض الإمام منذ بداية الأمر الخضوع لعصابة الاجرام ، وصمد في وجه الاعاصير. ودلل في جميع مواقفه الخالدة على آبائه وعزة نفسه ، وصلابة ارادته.

__________________

(1) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (ص 20).

(2) تأريخ الأمة الاسلامية 1 / 515

١٢٩

افساد الشمر لمهمة السلام :

ولما وردت رسالة ابن سعد إلى ابن مرجانة استصوب رأيه ، ورأى فيه حلا للمشكلة وجمعا للكلمة ، وانه قد جنبه الحرب ، فطفق يقول باعجاب :

«هذا كتاب ناصح مشفق»

وكان شمر بن ذي الجوشن الى جانبه فضاق ذرعا بالأمر فقد عرف الخبيث بوضاعة النسب والحقد على ذوي الاحساب العريفة ، وكان قد حسد ابن سعد على امرته للجيش فاندفع باضرام نار الحرب ، فقال لابن مرجانة :

«أتقبل هذا منه؟ بعد ان نزل بأرضك ، واللّه لئن رحل من بلادك ، ولم يضع يده في يدك ، ليكونن أولى بالقوة ، وتكون أولى بالضعف والوهن».

والهبت هذه الكلمات الموقف ، ونسفت كل امل في الصلح والوئام فقد تفطن ابن زياد إلى أمر خطير قد خفي عليه ، وهو ان الامام اذا خلص منه ، ولم يبايع ليزيد ، والتحق بقطر من الأقطار ، فسوف يتبلور الموقف وتهب الأمة لحمايته من العصابة المجرمة ، وسيكون الطاغية أولى بالوهن والضعف والحسين أولى بالمنعة والقوة لأنه ابن رسول اللّه (ص) وريحانته ، وغابت هذه النقاط الحساسة عن ابن مرجانة ، فرأى في كلمات الشمر الاخلاص والنصيحة».

ولما رأى الشمر أنه قد سيطر على الموقف ، وافسد مهمة ابن سعد اندفع ليوهن مكانته عنده لعله ان يتخذ من ذلك وسيلة لاقصائه عن منصبه ويكون بمحله ، فقال له :

١٣٠

«واللّه لقد بلغني أن حسينا وابن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدثان عامة الليل»(1) .

ومعنى هذا أن شمرا قد جعل له استخبارات خاصة على ابن سعد لعله أن يقصر في اداء مهمته فينقل ذلك إلى السلطة لتقصيه عن منصبه ويتولى هو قيادة الجيش.

رفض ابن زياد الحلول السلمية :

ورفض ابن مرجانة جميع الحلول السلمية التي كتب بها ابن سعد ، وسد جميع نوافذ السلم والوئام ، وقد كتب إليه :

«أما بعد : فاني لم ابعثك للحسين لتكف عنه ، ولا لتطاوله ، ولا لتمنيه السلامة ، ولا لتكون له عندي شفيعا.

انظر فان نزل حسين وأصحابه على حكمي فابعث بهم إلي سلما ، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم فانهم لذلك مستحقون.

فان قتلت حسينا فأوطئ الخيل صدره وظهره ، ولست أرى انه يضر بعد الموت ، ولكن على قول قلته لو قتلته لفعلت هذا به ، فان أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع ، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فانا قد أمرناه بذلك»(2) .

__________________

(1) البداية والنهاية 8 / 175

(2) تأريخ ابن الأثير 3 / وقريب منه جاء في انساب الأشراف ق 1 ج 1 ، وجاء في تذهيب التهذيب 1 / 151 ان ابن زياد كتب لابن سعد «لا ولا كرامة حتى يضع يده في يدي» فقال الحسين : لا يكون ذلك أبدا».

١٣١

وكانت هذه الرسالة صارمة لا رحمة فيها ، ومحتوياتها ما يلي :

1 ـ انها قصرت صلاحية ابن سعد على عمليات الحرب والقتال ، ولم تمنحه أي صلاحية لاجراء الصلح او المفاوضة مع الامام.

2 ـ وعرضت ان الامام اذا استجاب للصلح فعليه أن ينزل ضارعا لحكم ابن مرجانة لينال نصيبه منه فان شاء عفا عنه وان شاء قتله ، وقد اراد أن يمثل الامام عنده كأسير او مذنب ليسترحمه.

3 ـ ان الامام إذا لم يستجب للنزول على حكمه فعلى ابن سعد أن يسارع الى قتله والتمثيل به.

4 ـ انه هدده بالعزل عن منصبه إذا تردد في تنفيذ ما عهد إليه وعليه أن يسلم جميع مهام الجيش إلى شمر بن ذي الجوشن ليقوم بتنفيذ ما عهد إليه.

ويقول المؤرخون : ان ابن زياد جعل يقول : «الآن وقد علقت مخالبنا به يرجو النجاة ولات حين مناص» وأسرع الشمر وهو جذلان مسرور ، وجعل يجذ في السير ليصل لابن سعد لعله لا يستجيب لأوامر ابن مرجانة فيكون هو الأمير على الجيش ، ووصل الشمر إلى كربلا وكان ابن سعد مستنقعا في الفرات ، فبادر إليه رجل فقال له :

«قد بعث إليك جويرة بن بدر التميمي وأمره إن أنت لم تقاتل ان يضرب عنقك.

ووثب ابن سعد الى ثيابه فلبسها(1) والتفت الى شمر بن ذي الجوشن وقد عرف انها من مكيدته فقال له :

«ويلك لا قرب اللّه دارك ، وقبح اللّه ما جئت به ، واني لأظن

__________________

(1) تأريخ الاسلام للذهبي 2 / 348

١٣٢

أنك الذي نهيته ، وأفسدت علينا أمرا رجونا أن يصلح واللّه لا يستسلم حسين فان نفس أبيه بين جنبيه».

فأجابه الشمر

«اخبرني ما أنت صانع أتمضي لأمر أميرك؟ والا فخل بيني وبين العسكر ..».

واستسلم ابن سعد لهواه واطماعه فرضى أن يبقى قائدا لجيش ظلوم فقال له :

«لا ولا كرامة ، ولكن أتولى الأمر»(1)

وظل الشمر رقيبا على ابن سعد لعله أن يقصر في أوامر سيده ابن مرجانة ليتولى هو قيادة الجيش ، وبعث ابن سعد بجواب ابن زياد إلى الامام ، فقال (ع) :

«لا واللّه ما وضعت يدي في يد ابن مرجانة»(2) .

الامام مع ابن سعد :

وطلب الامام من ابن سعد الاجتماع به ، فاجابه ـ على كره ـ فالتقى معه ليلا ، وعقد معه اجتماعا مغلقا لم يحضره الا العباس وعلي الأكبر من جانب الحسين ومع ابن سعد حفص وغلام لابن سعد ، فقال الامام له :

«يا ابن سعد أتقاتلني؟ أما تتقي اللّه الذي إليه معادك ، فاني ابن من قد علمت ، ألا تكون معي وتدع هؤلاء فانه اقرب الى اللّه تعالى».

والقى ابن سعد معاذيره الواهية قائلا :

__________________

(1) انساب الأشراف ق 1 ج 1

(2) الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص 87)

١٣٣

ـ أخاف ان تهدم داري

ـ أنا ابنيها

ـ أخاف ان تؤخذ ضيعتي

ـ أنا اخلف عليك خيرا منها في الحجاز

ـ ان لي بالكوفة عيالا وأخاف عليهم من ابن زياد القتل

ولم يجد منه الامام أي تجاوب ، وانما رأى منه اصرارا على الغي والعدوان فاندفع يدعو عليه :

«مالك ذبحك اللّه على فراشك عاجلا ، ولا غفر لك يوم حشرك ، فو اللّه اني لأرجو أن لا تأكل من بر العراق الا يسيرا».

وولى ابن سعد ، وهو يقول للامام بسخرية : ان في الشعير كفاية(1)

أمان الشمر لأخوة العباس :

وظن الخبيث الأبرص شمر بن ذي الجوشن ان يقنع أخوة الحسين بالعدول عن نصرة أخيهم فحمل لهم امانا من عبيد اللّه بن زياد ، وجاء يشتد حتى وقف أمامهم ، وهتف مناديا

«اين بنو اختنا العباس واخوته؟»

وهبت إليه الفتية كالأسود ، فقالوا له :

«ما تريد يا ابن ذي الجوشن؟»

«لكم الأمان»

وصاحوا به وهم يتميزون من الغيظ قائلين :

__________________

(1) البداية والنهاية 8 / 175

١٣٤

«لعنك اللّه ولعن أمانك ، أتؤمننا ، وابن بنت رسول اللّه (ص) لا أمان له»(1) .

وولى الأثيم خائبا ، وقد ظن أن اخوة الامام من طراز أصحابه الممسوخين ، ولم يعلم انهم من افذاذ الدنيا الذين صاغوا الكرامة الانسانية وصنعوا الفخر والمجد للانسان.

منع الامدادات :

وفرض ابن سعد الحصار على الامام الحسين (ع) فأحاط بجميع الطرق مخافة أن يصل إليه أي امداد من الخارج ، وقد احكم هذه الجهة حتى صار من غير الممكن أن يلتحق أي أحد بمعسكر الامام أو يوصلهم بأي امداد.

احتلال الفرات :

وأخطر عملية قام بها ابن سعد احتلاله لنهر الفرات فقد صدرت إليه الأوامر المشددة من ابن مرجانة بمنع الماء عن الامام الحسين وأهل بيته وأصحابه فلا يذوقوا منه قطرة واحدة ، كما صنع بعثمان بن عفان ، وارسل قوة عسكرية تتألف من خمسمائة فارس ، وقيل أربعة آلاف فارس بقيادة عمرو بن الحجاج فاحتلوا جميع الشرائع والأنهار المتفرعة من نهر الفرات ، وأوصدوا على الحسين وأصحابه باب الورود إلى الماء ، وفيما احسب أنه انما اتخذ هذا الاجراء القاسي الرهيب لما يلي :

__________________

(1) أنساب الأشراف ق 1 ج 1

١٣٥

أولا : الاضرار بمعسكر الامام حتى لا تكون عندهم أية قدرة أو مقاومة على الحرب ، فلا تصاب قواته بالخسائر.

ثانيا : سد الطريق امام من يحاول الالتحاق بالحسين عن طريق الماء

ثالثا : المبالغة في التشفي والانتقام من الأسرة النبوية لما فعله المسلمون بعثمان يوم الدار حينما حوصر ، ومنعوا عنه الماء ، ولكن الحسين فيما اجمع عليه المؤرخون قد حمل الماء إليه حينما حوصر وقد تنكر الأمويون لهذه اليد التي اسداها الامام عليهم.

رابعا : ان ابن زياد كان يأمل بهذا الاجراء ان يستسلم الامام ويخضع لأوامره هذه بعض الأسباب التي دعت ابن مرجانة لاصدار اوامره باحتلال الفرات ، ومنع الماء عن الحسين وأصحابه.

ويقول المؤرخون : انه حيل بين الحسين وبين الماء قبل قتله بثلاثة أيام(1) ، وكان اعظم ما عاناه الامام من المحن الشاقة مشاهدة اطفاله وحرائر الرسالة ، وهم يعجون من ألم الظمأ القاتل ، فقد كان الاطفال ينادون : الماء الماء

ولم يستطع الأطفال مقاومة العطش ، وكانوا ينظرون إلى الفرات وهو فياض بمائه ، فيزداد صراخهم ، وذاب قلب الامام رحمة وحنانا لذلك المشهد الرهيب ، فقد ذبلت شفاه اطفاله ، وذوى عودهم ، وجف لبن المراضع. بينما ينعم اولئك الجفاة بالماء ، يقول أنور الجندي :

وذئاب الشرور تنعم بالماء

وأهل النبي من غير ماء

يا لظلم الأقدار يظمأ قلب الليث

والليث موثق الأعضاء

وصغار الحسين يبكون في الصحراء

يا رب اين غوث القضاء

__________________

(1) مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (ص 89) أنساب الأشراف ق 1 ج 1.

١٣٦

ان جميع الشرائع والمذاهب لا تبيح منع الماء عن الأطفال والنساء ، وخصوصا الشريعة الاسلامية ، فقد جعلت الناس جميعا شركاء في الماء والكلاء ، وسوغت الشرب من الانهار المملوكة حتى لو لم يأذن أربابها وكرهت أشد الكراهة ذبح الحيوان الأعجم عطشانا ، لكن الجيش الأموي لم يحفل بذلك ، واستباح جميع ما حرمته الشرائع والأديان.

لقد تنكر اولئك الجفاة لليد البيضاء التي أسداها الامام على مقدمة جيوشهم التي كانت تتألف من الف فارس بقيادة الحر لالقاء القبض على الامام والحصار عليه في البيداء ، وكان قد بلغ بهم العطش كل مبلغ حتى أشرفوا على الهلاك ، وكان باستطاعته أن يبيدهم عطشا فأبت مروءته ورحمته أن يعاملهم بالقسوة فأمر فتيانه وهو معهم فسقاهم عن آخرهم كما أمر بسقي خيولهم وترشيفها على أنه كان في حاجة إلى الماء لأنه في وسط الصحراء اللاهبة ، ولم يقدر اولئك الاجلاف هذه النجدة فحرموه من الماء وحرموا من كان في كنفه من سيدات أهل البيت واحفاد النبي (ص).

الطباع اللئيمة :

وأخذ اولئك الممسوخون يتباهون ويتفاخرون باستيلائهم على ماء الفرات وحرمان ريحانة رسول اللّه (ص) منه ، ومن بينهم :

1 ـ المهاجر بن أوس

وانبرى المهاجر بن أوس التميمي صوب الامام رافعا صوته :

«يا حسين ألا ترى الى الماء يلوح كأنه بطون الحيات ، واللّه لا تذوقه او تموت» فرد عليه الامام :

«إني لأرجو ان يوردنيه اللّه ويحلئكم عنه»(1)

__________________

(1) أنساب الاشراف ق 1 ج 2

١٣٧

2 ـ عمرو بن الحجاج

واقبل عمرو بن الحجاج ، وكان ممن كاتب الحسنين بالقدوم إلى الكوفة حتى قرب من معسكر الحسين فرفع صوته :

«يا حسين هذا الفرات تلغ فيه الكلاب ، وتشرب فيه الحمير والخنازير ، واللّه لا تذوق منه جرعة حتى تذوق الحميم في نار جهنم»(1)

3 ـ عبد اللّه بن حصين

وأقبل عبد اللّه بن حصين الأزدي يشتد كأنه الكلب نحو الامام فنادى :

«يا حسين الا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء ، واللّه لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا».

فرفع الامام يديه بالدعاء عليه وقال :

«اللهم اقتله عطشا ، ولا تغفر له أبدا»(2)

لقد فخر اولئك الأجلاف باحتلالهم لماء الفرات ، تقربا لسيدهم ابن مرجانة وارضاء لعواطفه لينالوا جوائزه وهباته.

الانكار على ابن سعد :

وأنكر جماعة من أصحاب الامام الحسين وغيرهم على ابن سعد منعه الماء عن ريحانة رسول اللّه (ص) فقد كان ذلك احط اسلوب في الانتقام فقد اشرف اطفال الحسين على الهلاك وهم يرون الماء امامهم ، وليس هناك من سبب يدعو إلى هذا الانتقام الا الخسة والوحشية المتأصلة في نفوس ذلك الجيش ، ومن بين المنكرين عليه.

__________________

(1) أنساب الأشراف ق 1 ج 1

(2) انساب الأشراف ق 1 ج 1 الصراط السوي في مناقب آل النبي (ص 86).

١٣٨

1 ـ يزيد بن حصين

وخرج يزيد بن الحصين فقال لابن سعد : «هذا الفرات تشرب منه الكلاب ، وهذا الحسين بن بنت رسول اللّه (ص) وأهل بيته عطاشى وأنت تزعم انك تعرف اللّه ورسوله؟!».

واطرق ابن سعد بوجهه الخبيث إلى الأرض ، ولم يتكلم بشيء(1)

2 ـ برير بن خضير

وانطلق برير بن خضير الهمداني نحو ابن سعد فرفع صوته قائلا :

«يا عمر أتترك بيت النبوة يموتون عطشا» وحلت بينهم وبين الفرات أن يشربوا منه ، وتزعم انك تعرف اللّه ورسوله».

فأجابه ابن سعد

«اني واللّه اعلم يا برير ان قاتلهم إلى النار ، ولكن تشير علي أن اترك ولاية الري فتصير إلى غيري ، ما أجد نفسي تجيبني إلى ذلك أبدا»(2) .

3 ـ الحر

وحينما التحق الحر بمعسكر الامام وتاب على يده خرج الى جيش ابن سعد فرفع صوته قائلا :

«يا أهل الكوفة لأمكم الهبل والعبر اذ دعوتموه ، وأخذتم بكظمه

__________________

(1) أخبار الدول للقرماني (ص 108) وسيلة المال في عد مناقب الآل (ص 290) مطالب السئول (ص 76).

(2) الفتوح 5 / 172

١٣٩

واحطتم به من كل جانب فمنعتموه التوجه الى بلاد اللّه العريضة حتى يأمن وأهل بيته ، واصبح كالأسير في ايديكم لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، وملأتموه ونساءه وصبيته وصحبه عن ماء الفرات الجاري الذي تشربه اليهود والنصارى والمجوس وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه ، وها هم قد صرعهم العطش بئسما خلفتم محمدا في ذريته لا سقاكم اللّه يوم الظمأ»(1) .

ولم يجد معهم هذا الانكار ، واصروا على بغيهم وعنادهم فحرموا أبناء النبي (ص) من الماء حتى صرعهم العطش.

العثور على عين ماء :

واضر العطش بأهل البيت فتصارخت الاطفال ، والعيال ، وقام الامام (ع) فأخذ فأسا وحفر حول خيمة النساء فنبعت عين ماء عذب فشربوا منها إلا انها لم تلبث الا قليلا حتى غارت ونقلت الاستخبارات لابن زياد ذلك فتميز غيظا فأرسل الى ابن سعد رسالة جاء فيها :

«بلغني أن الحسين يحفر الآبار ، ويصيب الماء فيشرب هو وأصحابه فانظر اذا ورد عليك كتابي فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت ، وضيق عليهم غاية التضييق».

وفرض ابن سعد الرقابة الشديدة على حفر الآبار ، كما أحاط نهر الفرات بمزيد من الحرس والجنود مخافة أن يأتي أحد منهم فيشرب منه الماء(2) .

__________________

(1) تأريخ ابن الأثير 3 / 289

(2) مقتل الخوارزمي 1 / 244 ، الفتوح 5 / 162 ، بغية النبلاء.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381