موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٦

موسوعة عبد الله بن عبّاس7%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 509

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 509 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80035 / تحميل: 5127
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

برجل ينادينّ من بعدي أتبع ابن عباس ، فإذا هو عمر ، فقلت : اتّبعك على أُبيّ بن كعب ، فقال : أهو أقرأكها كما سمعتك تقرأ؟ قلت : نعم )(١) .

وكان أُبيّ يكبر في ابن عباس عقله وفهمه ويتفرّس فيه أن يكون حبر الأمة ، فقد ذكر محمّد بن أُبيّ بن كعب أنه سمع أباه يقول ـ وكان عنده ابن عباس فقام ـ فقال : ( هذا يكون حبر هذه الأمة ، أرى عقلاً وفهماً ، وقد دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفقهه في الدين )(٢) .

٣ ـ عبد الله بن مسعود

قال ابن أبي داود : ( لقد أخذ ابن عباس عنه في القراءة بضعة عشر حرفاً كان منها( مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ) (٣) )(٤) .

ولكنّي لا أصدّقه في ذلك ـ. لقلّة ما وجدته ـ من خلال تتبعي ـ مرويّاً بطريق صحيح يثبت أخذ ابن عباس من ابن مسعود حتّى يصح عدّه من شيوخه ، وربّما يوجد فيما لم أقف عليه ، ولا غضاضة ، فابن عباس كان يتتبع الحديث عند الصحابة ، حتّى كان يسمع الحديث الواحد فيسأل عنه الثلاثين من الصحابة للتأكد من صحته ـ كما مرّ ـ وابن مسعود كان من

____________________

(١) مستدرك الحاكم ٢ / ٢٢٥.

(٢) سير أعلام النبلاء ٤ / ٤٤٩ دار الفكر.

(٣) البقرة / ٦١.

(٤) المصاحف / ٥٥.

١٠١

السابقين الأولين وهو القائل : ( لقد رأيتني سادس ستة وما على ظهر الأرض مسلم غيرنا )(١) ، فما الذي يمنع ابن عباس أن يأخذ عنه الحديث ويسمع منه.

ولكنّي لم أقف على ما يمكن الإستدلال به ، ولعلّ القارئ يستشف من خلال كلمات ابن مسعود في ابن عباس نحو قوله : ( نعم ترجمان القرآن ابن عباس )(٢) ، وقوله : ( لو أدرك أسناننا ما عشرّه منّا أحد ) ، وفي رواية : ( ما عاشره )(٣) ، وقوله : ( لو أنّ هذا الغلام أدرك ما أدركنا ما تعلقنا معه بشيء )(٤) .

أقول : لعلّ القارئ يستشف من تلك الكلمات أنّ معرفة ابن مسعود بابن عباس كانت معرفة علم ومدارسة ، ولم تكن المفاضلة إعتباطاً ومجاملة.

٤ ـ أبو رافع

لقد أخرج ابن سعد في ( الطبقات ) ، والخطيب في ( تقييد العلم ) ، وابن

____________________

(١) مستدرك الحاكم ٣ / ٣١٣ وصححه واقره الذهبي على ذلك.

(٢) طبقات ابن سعد ٦ / ٣٣١ ط الخانجي بمصر ، وفضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ٢ / ٤٨٢ برقم ١٨٦٠ ، ومستدرك الحاكم ٣ / ٥٣٧ وصححه على شرط الشيخين ، واقره الذهبي في التلخيص بهامش المستدرك ، والمعرفة والتاريخ للفسوي ١ / ٤٩٥ ، وسير أعلام النبلاء ٤ / ٤٤٩.

(٣) طبقات ابن سعد ٦ / ٣٣١ ، وفضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ٢ / ٩٨٢ برقم ١٨٦١ و ١٨٦٣ ، ومستدرك الحاكم ٣ / ٥٣٧ وصححه على شرط الشيخين ، واقره الذهبي في التلخيص بهامش المستدرك ، وسير أعلام النبلاء ٤ / ٤٤٩.

(٤) سير أعلام النبلاء ٤ / ٤٤٩.

١٠٢

حجر في ( الإصابة ) ، واللفظ للأوّل : ( بسنده عن عبيد الله بن عليّ بن أبي رافع عن جدته سلمى قالت : رأيت عبد الله بن عباس معه ألواح يكتب عليها عن أبي رافع شيئاً من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم )(١) .

وفي رواية الخطيب في كتابه ( تقييد العلم ) : ( كان يقول : ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كذا؟ وما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كذا؟ ومع ابن عباس ألواح يكتب فيها؟ )(٢) .

وإنّما اختص بمسائلة أبي رافع دون باقي الصحابة لرابطة الولاء التي كانت تربطه به ، فأبو رافع كان مولى للعباس ، ومن ثمّ أهداه إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد مرّ بنا في الحلقة الأولى في ترجمة لبابة بنت الحارث ـ أم حبر الأمّة ـ ذكر أبي رافع وكان بعد يومئذ مولى للعباس ، فراجع ، هذا أوّلاً.

وثانياً : فإنّ أبا رافع كان من أصحاب الأصول في التدوين ، فقد قال النجاشي في رجاله في ترجمته ـ وقد عدّه من السلف الصالح ـ : ( أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأسمه أسلم ، كان للعباس بن عبد المطلب رحمة الله فوهبه للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فلمّا بشّر النبيّ بإسلام العباس أعتقه ).

وقال نقلاً عن تاريخ ابن عقدة : إنّه أسلم أبو رافع قديماً بمكة ، وهاجر إلى المدينة وشهد مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مشاهده. ولزم أمير المؤمنين عليه السلام من بعده ، وكان من خيار الشيعة وشهد معه حروبه ، وكان صاحب بيت

____________________

(١) الطبقات ٢ / ق ٢ / ١٢٣ ، تقييد العلم / ٩١ ـ ٩٢ ، الاصابة ٤ / ٩٢.

(٢) تقييد العلم / ٩١ ـ ٩٢.

١٠٣

ماله بالكوفة ، وإبناه عبيد الله وعلي كاتبا أمير المؤمنين عليه السلام. وذكر النجاشي أيضاً إنّ لأبّي رافع كتاب السنن والأحكام والقضايا ، ثمّ ذكر النجاشي ترتيب الكتاب باباً باباً وذكر التفاوت بين نسختين من ذلك الكتاب رآهما(١) .

لذلك كان حبر الأمة عبد الله بن عباس يأتيه فيسأله عن بعض أيام السيرة النبوية الشريفة التي لم يحضرها بنفسه ، وهو بتدوينه ما كان يسمعه من أبي رافع يمكننا أن نجعله من الرواد الأوائل القلائل الذين دوّنوا السيرة النبوية إن لم يكن هو أوّلهم ، كما يمكننا أن نجعل أبا رافع شيخاً له في إملاء بعض السيرة النبوية عليه.

٥ ـ عمار بن ياسر رضي الله عنه

كما ذكر ابن حجر في ( تهذيب التهذيب )(٢) في ترجمة عمار في ذكر ابن عباس فيمن روى عنه.

وأنا لم أقف على حديث رواه عنه. ويمكن لنا أن ندعي سماع عمار من ابن عباس وهو يحدّث ، فقد أخرج الحاكم الحسكاني في ( شواهد التنزيل ) نقلاً عن فرات بن إبراهيم بسنده : عن عمار بن ياسر ، قال : كنت عند أبي ذر الغفاري في مجلس لابن عباس وعليه فسطاط

____________________

(١) رجال النجاشي / ٥ ـ ٦ بمبي سنة ١٣١٧ هـ.

(٢) تهذيب التهذيب ٧ / ٤٠٩.

١٠٤

وهو يحدّث الناس إذ قام أبو ذر حتّى ضرب بيده إلى عمود الفسطاط ، ثمّ قال : أيّها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته باسمي ، أنا جندب بن جنادة أبو ذر الغفاري ، سألتكم بحق الله وحق رسوله ، أسمعتم رسول الله يقول : ( ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء ذا لهجة أصدق من أبي ذر؟ ) قالوا : اللّهمّ نعم ، قال : أتعلمون أيّها الناس أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمعنا يوم غدير خم ألف وثلثمائة رجل ، وجمعنا يوم سمرات خمسمائة رجل ، وفي كلّ ذلك يقول : ( اللّهم من كنت مولاه فإنّ عليّاً مولاه ، اللّهم والي من والاه وعاد من عاداه ) فقام عمر فقال : بخ بخ لك يابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ، فلمّا سمع ذلك معاوية بن أبي سفيان اتكأ على المغيرة بن شعبة وقام وهو يقول : لا نقر لعليّ بولايته ، ولا نصدّق محمداً في مقالته ، فأنزل الله تعالى على نبيّه( فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى ـوَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى ـثَمَ ذَهَبَ الَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى ـأَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ) (١) تهديداً من الله تعالى واشهاداً؟ فقالوا : اللّهمّ نعم(٢) .

٦ ـ المقداد بن عمرو الكندي

روى عنه ابن عباس قال : جاء رجل فمدح عثمان ، فقام المقداد يحثو في وجهه التراب ، فقال له عثمان : ما لك؟ قال : أمّا أنّا فلا أدع شيئاً سمعته

____________________

(١) القيامة / ٣١ ـ ٣٥.

(٢) شواهد التنزيل ٢ / ٣٩٠.

١٠٥

من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( احثوا في وجوه المدّاحين التراب )(١) .

٧ ـ حمل بن مالك بن النابغة

فقد ذكره الطبراني في معجمه(٢) وأخرج عنه حديثاً سمعه عنه ابن عباس فرواه عنه كما عن طاووس عن ابن عباس قال : قام عمر رضي الله عنه على المنبر فقال : أذكر الله امرءاً سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى في الجنين ، فقام حمل بن مالك بن النابغة الهذلي فقال : يا أمير المؤمنين كنت بين جاريتين ـ يعني ضرّتين ـ فجرحت أو ضربت إحداهما الأخرى بعمود ظلّتها فقتلتها وقتلت ما في بطنها ، فقضى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة ، فقال عمر : الله أكبر لو لم نسمع بهذا ما قضينا بغيره.

٨ ـ سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي

ـ كان ينزل في ناحية المدينة ـ ذكره الطبراني في المعجم الكبير(٣) وذكر له حديثاً واحداً أسنده عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فرواه عنه ابن عباس كما عن طاووس قال : عن ابن عباس عن سراقة بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( دخلت العمرة في الحج ) وقد رواه أحمد في المسند(٤) .

____________________

(١) المعجم الكبير للطبراني ٢٠ / ١٩٦.

(٢) المعجم الكبير ٤ / ٨.

(٣) المعجم الكبير ٧ / ١١٩.

(٤) مسند أحمد ٤ / ١٧٥.

١٠٦

٩ ـ الصعب بن جُثامة بن قيس الليثي

ذكره الطبراني في معجمه الكبير(١) فقال : ويقال أنّ أم الصعب أخت أبي سفيان وهي زينب بنت حرب بن أمية ، ويقال : أنّ جثامة بن قيس كان حليفاً لقريش. ثمّ ذكر له ثلاثة أحاديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم رواها عنه ابن عباس وعنه بعدّة أسانيد فتفاوت الرواة في روايتها لفظاً ، وتلك الأحاديث هي :

١ ـ حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ، أنا عبد الرزاق ، أنا معمر عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ، عن الصعب بن جثامة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( لا حمىً إلاّ لله ورسوله ).

وهذا الحديث أخرجه عبد الرزاق في المصنف ، وأحمد في المسند ، والبخاري في الصحيح ، والبيهقي في السنن ، والحميدي في المسند. كما في هامش المعجم الكبير للطبراني(٢) وهو أخرجه بأحد عشر إسناداً.

٢ ـ حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ، أنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ، عن الصعب ابن جثامة قال : مرّ بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا بالأبواء ، فأهديت له حمار وحش فردّه عليّ ، فلمّا رأى الكراهية في وجهي ، قال : ( إنّه ليس بنا ردّ عليك

____________________

(١) المعجم الكبير ٨ / ٨١ برقم ٧٣٥.

(٢) المعجم الكبير ٨ / ٨٣.

١٠٧

ولكنّا حُرُم ).

وهذا الحديث أيضاً أخرجه عبد الرزاق وأحمد والبخاري ومسلم ومالك والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي والحميدي كما في هامش المعجم الكبير(١) ، وقد أخرجه الطبراني بسبعة عشر إسناداً.

٣ ـ حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، عن الصعب بن جثامة ، قال : قلت : يا رسول الله إنّا نصيب في البيات من ذراري المشركين ، قال : ( هم منهم ).

وهذا كسابقيه أخرجه عبد الرزاق وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة والبيهقي والطحاوي في شرح معاني الآثار والحميدي. كما في هامش المعجم الكبير(٢) ، وقد أخرجه الطبراني بأربعة عشر إسناداً. كما أنّ الشيخ الطوسي ذكر هذا في المبسوط(٣) .

ومن اللافت للنظر أنّ جميع تلك الأسانيد ينتهي سند رواتها إلى ابن عباس ، وكأنّها ـ تلك الأحاديث ـ لم يروها عن الصعب إلاّ ابن عباس.

____________________

(١) نفس المصدر.

(٢) المعجم الكبير ٨ / ٨٦.

(٣) المبسوط ٢ / ١١ ، نشر المكتبة المرتضوية.

١٠٨

١٠ ـ أبو ذر الغفاري

فقد روى عنه ابن عباس سماعه من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قوله : ( إنّ أحبّكم إليّ وأقربكم مني الذي يلحقني على العهد الذي فارقني عليه )(١) . وقد حدّث بإسلام أبي ذر ولم يسنده عنه(٢) .

ومرّ في ذكر عمار ما يتعلق بسماع ابن عباس من أبي ذر وهو يحدّث عنه الناس في فسطاط ، وهو ـ فيما أحسب ـ غير الرجل من بني غفار الذي حدّث عنه ابن عباس ، قال : أقبلت وابن عم لي حتّى صعدنا على جبل يشرف بنا على بدر ونحن مشركان لننظر للوفود على من تكون الدائرة ، فننتهب مع من ينتهب ، فبينا نحن في الجبل إذ دانت مثل السحابة ، فسمعنا فيها مثل حمحمة الخيل سمعت قائلاً يقول أقدم حيزوم ، فأمّا ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات ، وأمّا أنا فكدت أهلك ثمّ تماسكت(٣) .

١١ ـ أسامة بن زيد

فقد روى عنه ابن عباس قوله : ( لم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسير على هيأته حتّى أفاض من جمع )(٤) .

وروى عنه أيضاً حديثاً مرفوعاً وهو قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : ( إنّما الربا

____________________

(١) معجم الطبراني الكبير ٢ / ١٤٩ ط الموصل.

(٢) صحيح البخاري كتاب بدء الخلق باب قصة زمزم ٤ / ١٨٢ط بولاق.

(٣) أخرجه ابن أبي الدنيا في كتابة الهواتف ضمن موسوعة الإمام ابن أبي الدنيا ٢ / ٤٣٥.

(٤) معجم الطبراني الكبير ١ / ١٦٩.

١٠٩

في النسيئة )(١) ، وقد رواه الطبراني بعدّة أسانيد وتفاوت في اللفظ وسيأتي بعض ذلك عند ذكر أبي سعيد الخدري.

١٢ ـ أبو سعيد الخدري

أخرج الطبراني في المعجم الكبير بسنده عن بكر بن عبد الله المزني يحدّث إنّ ابن عباس جاء من المدينة إلى مكة وجئت معه ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : ( أيّها الناس إنّه لا بأس بالصرف ما كان منه يداً بيد ، إنّما الربا في النسيئة ) ، فطارت كلمته في أهل المشرق والمغرب ، حتّى إذا انقضى الموسم دخل عليه أبو سعيد الخدري فقال : يابن عباس أكلت الربا وأطعمته ، قال : أو فعلت؟ قال : نعم ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلاً بمثل فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح مثلاً بمثل فمن زاد أو استزاد فقد أربى ) ، حتّى إذا كان العام المقبل جاء ابن عباس وجئت معه فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : ( يا أيّها الناس إني تكلمت عام أوّل كلمة من رأيي ، وإنّي أستغفر الله منه وأتوب اليه ، إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( إنّ الذهب بالذهب وزناً بوزن مثلاً بمثل تبره وعينه فمن زاد أو استزاد فقد أربى ) وأعاد عليهم هذه الأنواع الستة(٢) .

وقال أبو الشعثاء سمعت ابن عباس يقول : ( اللّهمّ إنّي أتوب إليك

____________________

(١) معجم الطبراني الكبير ١ / ١٧٠.

(٢) معجم الطبراني الكبير ١ / ١٧٧ ط الموصل.

١١٠

من الصرف ، إنّما هذا من رأيي وهذا أبو سعيد الخدري يرويه عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم )(١) .

١٣ ـ جابر بن عبد الله

فقد أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر لله عزّوجلّ عنه حديثاً بسنده عن ابن عباس ، قال : حدثني جابر بن عبد الله أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قرأ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنّيِ قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دَعَانِ ) (٢) ، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : ( اللّهمّ إنّك أمرت بالدعاء وتكفلت بالإجابة ، لبيك اللّهمّ لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، أشهد أنّك فرد أحد صمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، وأشهد أنّ وعدك حق ، ولقاءك حق ، والجنّة حق ، والنار حق ، والساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّك تبعث من في القبور )(٣) .

١٥ ـ أبو طلحة الأنصاري

روى عنه ابن عباس قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب أو

____________________

(١) نفس المصدر.

(٢) البقرة / ١٨٦.

(٣) أخرجه البيهقي في الاسماء والصفات / ٩٣ ، من طريق المصنف ، وأخرجه ابن مردويه كما في تفسير ابن كثير ١ / ٣١٥ ، وغيرهما.

١١١

صورة )(١) ، كما روى عنه أيضاًً قوله : ( إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرن بين الحج والعمرة )(٢) .

١٦ ـ خالد بن الوليد

ومن الغريب أن يذكر مع من روى عنهم ابن عباس الحديث من الصحابة! والذي ذكر في كتب الحديث هو حديث أكله الضبّ بحضور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد حضره ابن عباس فحدّث بذلك كشاهد عيان فأخذه الرواة الغواة وجعلوه من حديث خالد ورواه ابن عباس عنه ، وذكروا له صوراً متعددة كما في معجم الطبراني الكبير. وإلى القارئ صورة منها :

عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنّ عبد الله بن عباس أخبره أنّه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ميمونة زوج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهي خالته وخالة ابن عباس فوجد عندها ضبّاً محنوذاً قدمت به أختها حفيدة بنت الحارث من نجد ، فقدمت الضبّ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان قلّما يقدم يده لطعام حتّى يحدث به ويسمي له ، فأهوى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده إلى الضبّ فقالت أمرأة من النسوة الحضور أخبرن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قدمتن له ، قلن : هو الضبّ يا رسول الله ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده. قال خالد بن الوليد : أحرام الضبّ يا رسول الله؟ قال : ( لا ) ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه ) قال خالد : فأجزرته فأكلته

____________________

(١) معجم الطبراني الكبير ٥ / ٩٤ ط الموصل.

(٢) نفس المصدر.

١١٢

ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينظر ولم ينهني(١) .

وللشيخ أحمد محمّد شاكر في تحقيقه مسند أحمد فقد علّق على هذا الحديث كلاماً ذكره في آخر الجزء الرابع تحسن مراجعته قال فيه : ( الحديث رواه أبو داود ٣ / ٤١٥ من طريق مالك ، فجعل القصة عن ابن عباس عن خالد وهو على غير ظاهره ، يريد عن قصة خالد لأنّ ابن عباس شهد القصة بنفسه ، فهو لا يرويها عن خالد )(٢) .

ومن النساء ، روى عن بعض أمهات المؤمنين وغيرهن ، وهن :

١ ـ أم هانئ بنت أبي طالب عليه السلام

وهي التي كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يقيل ـ من القيلولة ـ في بيتها ، ومن بيتها عرِجَ به إلى السماء ، ولا زال في المسجد الحرام باب من أبوابه مسمّىً باسمها ( باب أم هاني ) لقربه من بيتها.

عن ابن عباس قال : ( كنت أمرّ بهذه الآية ـ( يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإشْرَاقِ ) (٣) ـ فما أدري ما هي قوله بالعشيّ والإشراق حتّى حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل عليها فدعا بوضوء في جفنة فكأنّي أنظر إلى أثر العجين فيها فتوضأ ثمّ قام فصلى الضحى ، فقال : ( يا أم

____________________

(١) معجم الطبراني الكبير ٤ / ١٠٧ ـ ١٠٩.

(٢) أنظر مسند أحمد ٣ / ٣٦٧ / ٢٢٩٩ ، ٢٣٥٤ ، ٢٥٦٩ ، ٢٦٨٤ ، ٢٩٦٢ ، ٣٠٠٩ تحقيق أحمد شاكر ، وأنظر أيضاًً المنتقى / ٤٥٨١.

(٣) ص / ١٨.

١١٣

هانئ هي صلاة الإشراق ) )(١) .

٢ ـ ميمونة بنت الحارث ( أمّ المؤمنين )

وكانت خالته ، وقد روى عنها بعض الأحاديث ، أخرج الطبراني في ( المعجم الكبير ) ستة عشر حديثاً رواها عنها(٢) .

٣ ـ سودة بنت زمعة ( أمّ المؤمنين )

روى عنها ابن عباس ستة أحاديث فيما أخرجها الطبراني في ( معجمه الكبير )(٣) .

٤ ـ جويرية بنت الحارث من بني المصطلق ( أمّ المؤمنين )

روى عنها ابن عباس أربعة أحاديث ، أخرجها الطبراني في معجمه الكبير(٤) .

٥ ـ أسماء بنت عميس

وهي خالته ، روى عنها تزويج فاطمة من عليّ عليه السلام ، أخرجه الطبراني في معجمه الكبير(٥) .

وله خبر رواه عنها مرفوعاً عنه صلى الله عليه وآله وسلم أخرجه الحاكم الحسكاني في ( شواهد التنزيل ) بسنده عن القاسم بن جندب ، قال :

____________________

(١) الطبراني في الأوسط ، وعنه في مجمع الزوائد ٧ / ٩٩ ، وفي الكبير ٢٤ / ٣٢١.

(٢) المعجم الكبير ٢٤ / ١٣ ـ ١٧.

(٣) المعجم الكبير ٢٤ / ٢٩ ـ ٣٠.

(٤) المعجم الكبير ٢٤ / ٤٩ ـ ٥٠.

(٥) المعجم الكبير ٢٤ / ١٠٥ ، والعاصمي في تهذيب زين الفتى ١ / ١٤٥تحقيق المحمودي.

١١٤

سمعت عطاء يقول : سمعت ابن عباس يقول : سمعت أسماء بنت عميس تقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( اللّهمّ انّي أقول كما قال موسى بن عمران : اللّهمّ اجعل لي وزيراً من أهلي عليّ بن أبي طالب أشدد به أزري ـ يعني ظهري ـ وأشركه في أمري ، ويكون لي صهراً وختناً )(١) .

٦ ـ فاطمة بنت قيس الفهرية

روى عنها ابن عباس : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرها أن تشترط في إحرامها(٢) .

وأخيراً لا يفوتنا التنبية على أنّ ابن عباس روى عن العقيلة زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام ، فقد قال أبو الفرج في مقاتله : والعقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة في فدك فقال : حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي(٣) .

وروايته عن السيدة زينب بنت علي عليه السلام من باب رواية الأكابر عن الأصاغر ، إذ كان أكبر سنّاً منها ، فولادته قبل الهجرة بثلاث سنين ، وولادتها بعد الهجرة بخمس سنين على أصح الأقوال.

وسيأتي مزيد بيان حول رواية ابن عباس عن السيدة زينب في الكلام على معارف ابن عباس القرآنية في مبحث العموم والخصوص.

____________________

(١) شواهد التنزيل ١ / ٣٧١.

(٢) الطبراني في الكبير ٢٤ / ٢٦٤.

(٣) مقاتل الطالبيين / ٩٥ تحقيق صقر ط مصر.

١١٥

ونعود إلى ابن حجر وقد حشر بعض الأسماء ، فلم أقف على رواية ابن عباس عن أصحابها ، كذكره أسماء بنت أبي بكر ، ولعلّه أراد أن يذكر أسماء بنت عميس فسها قلمه فذكر أسماء بنت أبي بكر لتشابه الأسمين! ولكن ما أدري كيف ذكر عائشة فيمن روى عنها ابن عباس؟ وعلى كثرة رواياتها فلم أقف على رواية واحدة رواها ابن عباس عن عائشة! وكذلك ذِكرُ أبا هريرة ومعاوية بن أبي سفيان!! وكان الأولى به أن يذكر سلمان والمقداد وسراقة بن مالك بدلاً من ذكره خالد بن الوليد. إنّها الرواسب تعمل عملها في توجيه الأهواء والآراء.

ولنرجع البصر إلى بقية من ذكرهم ابن عباس في أحاديثه ، مثل :

جابر بن عبد الله الأنصاري

الذي روى ابن عباس عنه خبراً في الحروف المقطعة في أوائل السور. وسيأتي خبره في ( مسائل قرآنية في المحكم والمتشابه ).

عثمان بن أبي العاص الثقفي

روى الجاحظ عن عيسى بن يزيد بن دأب عمّن حدّثه عن رجل كان يجالس ابن عباس قال : ( قال عثمان بن أبي العاص الثقفي لبنيه : يا بنيّ إنّي قد أمجدتكم في أمهاتكم ، وأحسنت مهنة أموالكم ، وانّي ما جلست في ظلّ رجل من ثقيف أشتم عرضه ، والناكح مغرّس ،

١١٦

فلينظر امرؤ منكم حيث يضع غرسّه ، والعِرق السوء قلمّا يُنجب ولو بعد حين.

قال : فقال ابن عباس : يا غلام أكتب لنا هذا الحديث )(١) .

أقول : وهذا كما ترى ليس بحديث مرفوع ، وإنّما هو قول إنسان عاقل وناصح ينصح ولده ، فأمر ابن عباس غلامه أن يكتب له ذلك ، للتنبيه على وفرة عقله وبليغ حكمة قائله ، وإلاّ فما كان أغناه عن الكتابة ، وهو الذي كان يحفظ كلّ ما سمع ، وقد مرّ في سيرته في قوة ذكائه ما يثبت ذلك.

زيد بن ثابت

ـ كان من الصحابة المحظوظين!! ـ فقد زعم لنفسه في جواب من قالوا له حدثنا عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : ( ماذا أحدّثكم؟ كنت جاره فكان إذا نزل عليه الوحي أرسل إليّ فكتبته ، وكان إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا ، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا ، أفكلّ هذا أحدثكم عنه )(٢) .

وعلى هذا الأساس من المزاعم صار من المحظوظين ، وتعالى ذكره بمباركة الخالفين ، بدءاً من أبي بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان ، فقد ولّوه ما جعله يتفوّق به على كثير من الصحابة الذين فاقوه سنّاً وعلماً وحتّى سبقوه إسلاماً ،

____________________

(١) البيان والتبيين للجاحظ ٢ / ٦٧.

(٢) طبقات ابن سعد ١ / ق ٢ / ٩٠.

١١٧

لكنها السلطة ترفع بضبع من تشاء فيهُتَف باسمه ، وتُبعَد من تشاء عن الأضواء حتّى يكاد أن يُنسى علمُه. قال سليمان بن يسار : ( ما كان عمر وعثمان يقدّمان على زيد أحداً في الفرائض والفتوى والقراءة والقضاء )(١) .

فصار زيد الذي أسلم عند هجرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وله من العمر إحدى عشرة سنة مقدّماً على أمثال ابن مسعود وأبيّ بن كعب ، بل وحتّى على الإمام عليّ عليه السلام وابن عباس! وصار كاتب الوحي(٢) ، وهو الذي يدعى لجمع القرآن(٣) ، وهو الذي يتولى تقسيم المواريث(٤) ، وهو الذي يتولى القضاء(٥) ، وهو الذي يخلّفه عمر إذا خرج في بعض أسفاره ، ويقول القاسم بن محمّد : ( كان عمر يستخلف زيداً في كلّ سفر )(٦) ، وإذا رجع أقطعه حديقة من نخله(٧) ، وهو الذي تولى بيت المال في أيام عثمان(٨) ، وبإختصار كان فيما يقول قبيصة بن ذؤيب عن زيد : ( وهو مترئس بالمدينة في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض في

____________________

(١) سير أعلام النبلاء ٤ / ٧٨ دار الفكر.

(٢) أسد الغابة ١ / ٥٠.

(٣) مسند أحمد ٥ / ١٨٨ ( دار صادر ).

(٤) المجموع للنووي ١٦ / ٦٨ ( عن زيد : ولاني أبو بكر مواريث قتلى اليمامة فكنت أورّث الاحياء من الموتى ولا أورث الموتى من الموتى ).

(٥) طبقات ابن سعد في ترجمته قال نافع استعمل عمر بن الخطاب زيد بن ثابت على القضاء وفرض له رزقاً. وسير أعلام النبلاء ٤ / ٧٩.

(٦) مختصر تاريخ دمشق ٩ / ١١٨ ـ ١١٩ ، نقلاً عن هامش سير أعلام النبلاء ٤ / ٧٨ ط دار الفكر.

(٧) سير أعلام النبلاء ٤ / ٧٨.

(٨) تاريخ البخاري الكبير ٨ / ٣٧٣.

١١٨

عهد عمر وعثمان وعلي )(١) .

وقد يفاجأ القارئ إذا قلنا له أنّه كان يهودياً ثمّ أسلم!

قال ابن مسعود : ( ما لي ولزيد ولقراءة زيد لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعين سورة ، وإنّ زيد بن ثابت ليهودي له ذؤابتان )(٢) .

وقال أُبيّ بن كعب : ( لقد قرأت القرآن وزيد هذا غلام ذو ذؤابتين يلعب بين صبيان اليهود في المكتب )(٣) .

هذه سطور في تعريف زيد ذكرتها للقارئ من مصادر الموالين لزيد ومن لا نتهمهم عليه.

والآن إلى معرفة الجواب الصحيح على ما نطرحه من السؤال :

هل أخذ ابن عباس من زيد في التفسير شيئاً؟ أو في الفقه شيئاً ، أو في الحديث شيئاً؟

والجواب بكلّ بساطة :

لا ، لعدم وجود ما يدلّ على ذلك ، بل لم أقف على حديث واحد رواه ابن عباس عنه من خلال تتبعي لأحاديث كلّ منهما في الجوامع الحديثية.

فمثلاً أنظر الطبراني في ( المعجم الكبير )(٤) وقد أخرج أحاديث زيد

____________________

(١) سير أعلام النبلاء ٥ / ٣٥٨ في ترجمة عروة بن الزبير.

(٢) تاريخ المدينة لعمر بن شبة ٣ / ١٠٠٦.

(٣) الإيضاح لابن شاذان / ٥١٩.

(٤) المعجم الكبير ٥ / ١٠٩ ـ ١٢١ ط الموصل الثانية.

١١٩

ابن ثابت فذكر أحاديث من روى عنه من الصحابة ، فكانوا على التوالي : عبد الله بن عمر ، وأبو سعيد الخدري ، وسهل بن سعد ، وسهل بن أبي حثمة ، وأنس بن مالك ، وأبو هريرة ، وأبو الدرداء ، وعبد الله بن يزيد الخطمي ، وعدي بن عميرة الكندي. ولم يذكر ابن عباس معهم.

وأنظر أيضاً مثلاً مسند أحمد(١) ستجد حديث زيد بن ثابت وليس فيه حديث واحد رواه عنه ابن عباس.

وخذ مثالاً ثالثاً كتاب ( ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الأحاديث ) للشيخ عبد الغني النابلسي(٢) ، فلا تجد إشارة واحدة على رواية ابن عباس عن زيد بن ثابت.

فكيف تصح المقولة بأنّه روى عنه وقرأ عليه؟! وإن كانت هي مذكورة في كتب التراجم في ترجمة كلّ منهما؟ لكنها ـ فيما يبدو ـ حبكة من غير حنكة لرفعة شأن زيد بن ثابت!

وإذا رجعنا إلى تلك المصادر فلا نجد ما نطمئن بصحته ليستدلّ به على أخذ ابن عباس من زيد شيئاً من التفسير أو علوم القرآن أو غير ذلك ، فإنّ المذكور فيها إمّا مرسل عن صاحب الكتاب لا نعرف إسناده ، وإمّا مسند مخدوش في رجاله. وما دمنا لسنا بمقلّدين لأصحاب المراسيل فيما نقلوه فلا نأبه بها.

ولننظر إلى ما رووه مسنداً ، وليس هو إلاّ حديث واحد رواه ابن أبي داود السجستاني في كتاب ( المصاحف ) ، قال :

____________________

(١) مسند أحمد ٥ / ١٨١ ـ ١٩٢.

(٢) ذخائر المواريث ١ / ٢١٥ ـ ٢٢٠.

١٢٠

( حدّثنا عبد الله ، حدّثنا الحسن بن أحمد ، حدّثنا مسكين بن هارون ، حدّثنا صاحب لنا عن أبي روق ، عن إبراهيم التيمي ، عن ابن عباس ، قال : قراءتي قراءة زيد وأنا آخذ ببضعة عشر حرفاً من قراءة ابن مسعود هذا أحدها ( س2آ61 )( مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ) (1) )(2) .

نقد الرواية :

أوّلاً : فلننظر إلى رجال الإسناد ، ولنختار منهم الأوّل والوسط والأخير ، فمعرفة حالهم تكفي عن النظر في حال الباقين.

أمّا الأوّل : وهو ابن أبي داوود ـ مؤلف الكتاب ـ فقد أكذبه أبوه ـ وهو صاحب السنن ، وتكذيبه له يغني عن حكاية أقوال الآخرين فيه ـ قال : ابني عبد الله كذّاب ـ وكان ابن صاعد يقول : كفانا أبوه بما قال فيه(3) .

وأمّا الوسط : فهو ( صاحب لنا )؟ فجهالته تسقط الرواية بالمرّة ، ولماذا كتم إسمه؟ ولعلّه بعد لم تلده أمّه؟

وأمّا الأخير : فهو إبراهيم التيمي ، ذكره الذهبي في كتبه ( تذكرة الحفاظ ، وسير أعلام النبلاء ، وميزان الإعتدال )(4) ، وأثنى عليه ، فقال : يروي عن عمر وأبي ذر والكبار ، وذكر إرساله عن عائشة(5) ، وزاد في ميزانه

____________________

(1) البقرة / 61.

(2) المصاحف / 55 ط بتحقيق آرثر جفري.

(3) تذكرة الحفاظ 2 / 772 ط حيدر آباد ( أفست ).

(4) تذكرة الحفاظ 1 / 73 ، سير أعلام النبلاء 5 / 60 ، ميزان الإعتدال 1 / 73.

(5) انظر سير أعلام النبلاء 5 / 60.

١٢١

إضافة حفصة(1) ، وربما لتثقيل كفة ميزانه. ومهما يكن فقد قال : ذكروا أن الحجاج قتله ، وقيل مات في حبسه سنة 92 هـ ، وقيل سنة 94 هـ ولم يبلغ الأربعين(2) .

فنقول : إذا عرفنا أن قتل عمر كان سنة 25 هـ فيكون مولد إبراهيم بعد مقتل عمر بنحو من ثلاثين سنة. أفهل تعقل روايته عنه؟!

وإذا عرفنا أنّ أبا ذر مات بالربذة سنة 32 هـ فيكون مولد إبراهيم بعد موت أبي ذر بأكثر من عشرين سنة. فهل تعقل روايته عنه؟!

ولابد للذهبي وغيره ممّن يحاولون إثبات روايته أن يقولوا هي عنهما بإرسال كما هو حاله في روايته عن عائشة وحفصة ، ومن كان كذلك لا يمكن لنا أن نصدّقه في زعمه روايته ذلك من ابن عباس سماعاً ، خصوصاً وهي معنعنة ممّا يشير من طرف خفي إلى إرساله ذلك عنه.

هذا كلّه من ناحية السند(3) .

ثانياً : ماذا من جهة المتن؟

____________________

(1) ميزان الإعتدال 1 / 74.

(2) انظر سير أعلام النبلاء 5 / 60.

(3) ذكر ابن الجزري في غاية النهاية 1 / 426 : هذه الرواية مرسلة عن الضحاك بن مزاحم وفيها ( الا ثمانية عشر حرفاً ) إلخ ، ولما كان الضحاك لم يلق ابن عباس وأنكر لقاءه القطان وشعبة ، وروي الذهبي في سير أعلام النبلاء 5 / 482 عن مشاش ، قالوا : سألنا الضحاك هل لقيت ابن عباس؟ قال : لا. فالرواية مرسلة لا تثبت حجة على أخذ ابن عباس من زيد شيئاً من التفسير أو غيره. وسيأتي مني تصحيح لقاء الضحاك لابن عباس وروايته عنه في بحث التفاسير المروية عنه في الحلقة الثالثة إن شاء الله.

١٢٢

فإنّ ابن عباس في كلّ ما أخذ من تفسير القرآن أخذه من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام كما مرّ ذلك عنه ، وقبل ذلك كان حفظه المحكم على عهد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فمن حفظ وتعلم ذلك كما أنزله الله سبحانه على نبيه فأخذه عنه وعن وصيّه ، كيف يحيد في قراءته عما علمه وتعلّمه؟ ثمّ إنّ قراءة زيد الخاصة كانت مفضولة عند ابن عباس فيما روى أبو ظبيان عنه ، قال : ( قال ابن عباس : أيّ القرآتين تعدّون أوّل؟ قلنا : قراءة عبد الله ، قال : لا إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعرض عليه القرآن في كلّ رمضان مرّة إلاّ العام الذي قبض فيه ، فإنّه عُرِضَ عليه مرتين يحضره عبد الله فشهد ما نسخ منه وما بدّل ، وإنّما شقّ ذلك على ابن مسعود ، لأنَه عُدِلَ عنه مع فضله وسنّه ، وفُوِّضَ ذلك إلى من هو بمنزلة ابنه )(1) .

وبين يدي الآن ( معجم القراءات القرآنية ) ، فراجعت المجلد الأوّل منه فأحصيت على عجل ، فما وجدته فيه من موارد إختلاف قراءة ابن عباس مع قراءة زيد بن ثابت ، فبلغت ( 67 ) مورداً ، وربما فاتني بعضها هذا كلّه في المجلد الأوّل وهو لم يتجاوز سورة البقرة ، فما ظنك بباقي موارد الإختلاف بين القراءتين إلى آخر سور القرآن المجيد!

فمن هذا كلّه تبيّن لنا أنّه لم يثبت ما يوثّق أخذ ابن عباس من زيد شيئاً.

إذن كيف زعم الزاعمون من أولياء زيد أنّ ابن عباس أخذ عنه وقرأ

____________________

(1) كنز العمال 2 / 389 ط حيدر آباد الثانية.

١٢٣

عليه القرآن؟ ولقد ذكر بعضهم تلك المرسلات فأضاف إليها ما وصف به زيداً ( من الفطانة وسلامة الفطرة ما يرشحه لأن يكون استاذاً للقرآن وكتابته منذ عهد مبكّر ) ، وانتهى إلى القول : ( وقد أخذ عنه ابن عباس التفسير والقرآن ) (؟) ولم يذكر لذلك مصدراً.

وبدأ يبني هرماً على وهم فقال : ( وكانت العلاقة بين التلميذ والشيخ علاقة روحية حيث إنّا نجد أنّ ابن عباس عندما يأخذ بركاب شيخه يردّ عليه بقوله : لا تفعل يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيجيب التلميذ الشيخ بقوله : هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا ، ولكن الشيخ لا ينسى لأهل بيت النبيّ صلى الله عليه وسلم من مكانة واحترام ، فيقول لتلميذه : أنّى يداك فيخرج يديه فيقبّلهما ويقول : هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبيّنا ).

ثمّ قال : ( وكان ابن عباس يأتيه إلى البيت ويأخذ عنه العلم. وقال له يوماً : أنا آتيك ، فقال ابن عباس : العلم يؤتى ولا يأتي )(1) ، من دون ذكره مصدراً لذلك؟

وتعقيباً منّا فنقول : إنّ الإحترام المتبادل بين ابن عباس وبين زيد في القصة التي مرّ ذكرها لم يكن فيه دلالة على مقام استاذية لزيد ، ولا لعلاقة روحية علمية ، بل كان ذلك من أدب ابن عباس مع زيد ، لأنّه كان قد أتاه في بعض حيطانه زائراً ، فلمّا أراد الإنصراف أخذ له

____________________

(1) عبد المجيد محمّد أحمد الدوري تفسير ابن عباس دراسة وتحليل / 45. أطروحة ماجستير في كلية الشريعة ببغداد.

١٢٤

بركاب البغلة حتّى ركب وسوّى عليه ثيابه ، وزيد يتأبّى عليه فما كان من زيد إلاّ أن أخذ يد ابن عباس فقبلها وقال : هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا(1) . فغاية ما تدلّ القصة ـ إن صحت ـ على خُلق رفيع في احترام المزور لزائره وتقدير الزائر لذلك الخُلُق بردّ الجميل فقبّل يد المزور ، لأنّه من أهل بيت النبوّة. وفي فعل زيد بتقبيله يد ابن عباس ما يلاحظ استنكار نابتة الحشوية مثل هذا الفعل مع السلالة النبوية.

والآن نستعرض بعض الشواهد ذات الدلالة على ما كان بين الرجلين ـ ابن عباس وزيد ـ من وئام أو خصام في المجال العلمي لنرى كيف تبلغ المحاققة الحاقة؟

شواهد ذات دلالة

1 ـ ذكر ابن عبد البر في كتابه ( جامع بيان العلم وفضله ) فقال : ( وروى سفيان بن عيينة عن ابن أبي حسين قال : اختلف ابن عباس وزيد في الحائض تنفر ، فقال زيد : لا تنفر حتّى يكون آخر عهدها الطواف بالبيت ، فقال ابن عباس لزيد : سل نسيّاتك أم سليمان وصويحباتها. فذهب زيد فسألهنّ ثمّ جاء وهو يضحك فقال : القول ما قلت )(2) . وهذا أخرجه البخاري بتغيير يسير ، وابن القيم في ( أعلام

____________________

(1) انظر سنن البيهقي 6 / 211.

(2) جامع بيان العلم وفضله 1 / 159 ، ط الثانية محققة نشر المكتبة السلفية سنة 1388 هـ.

١٢٥

الموقعين )(1) . وقد روى ذلك طاووس وعكرمة ولرواياتهما دلالة واضحة على خلاف ابن عباس مع زيد في المسألة السابقة(2) .

2 ـ أخرج عبد الرزاق في ( المصنف ) بسنده : ( عن عكرمة قال : أرسلني ابن عباس إلى زيد بن ثابت أسأله عن زوج وأبوين ، فقال : للزوج

____________________

(1) أعلام الموقعين 2 / 212 ، ويراجع البيهقي في سننه 5 / 163 ونذكر ما عنده.

(2) أخرج البيهقي في سننه 5 / 163 ـ 164 بسنده عن طاووس قال : كنت مع ابن عباس إذ قال له زيد بن ثابت : أنت تفتي أن تصدر الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت؟ قال : نعم ، قال : فلا تفت بذلك ، فقال ابن عباس : أمّا لا ، فسل فلانة الأنصارية هل أمرها بذلك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : فرجع إليه زيد بن ثابت يضحك ويقول : ما أراك الا قد صدقت. قال البيهقي : ورواه مسلم في الصحيح.

وأخرج البيهقي أيضاًً بسنده عن عكرمة قال : سأل أهل المدينة ابن عباس عن امرأة طافت بالبيت يوم النحر ثمّ حاضت فقال : تنفر فقالوا : لا نأخذ بقولك وهذا زيد بن ثابت يخالفك ، قال : إذا أتيتم المدينة فسلوا ، فلمّا قدموا المدينة سألوا فأخبروهم بصفية ، وكان فيمن سألوا أم سليم فأخبرتهم بصفية قال البيهقي : رواه البخاري في الصحيح

وأخرج أيضاًً بسنده عن عكرمة ان زيد بن ثابت قال : تقيم حتى تطهر ويكون آخر عهدها بالبيت ، فقال ابن عباس : إذا كانت قد طافت يوم النحر فلتنفر ، فأرسل زيد بن ثابت إلى ابن عباس إني وجدت الذي قلت كما قلت ، فقال ابن عباس : إني لأعلم قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للنساء ، ولكني أحببت أن أقول بما في كتاب الله ثمّ تلا ( ثمّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ) فقد قضت التفث ووفت النذر وطافت بالبيت فما بقي.

وأخرج ثالثاً بسنده عن عكرمة قال : اختلف فيها ابن عباس وزيد بن ثابت ، فقال زيد : ليكن آخر عهدها بالبيت ، يعنى الطواف بالبيت ، فقال ابن عباس : إذا أفاضت يوم النحر ثمّ حاضت فلتنفر إن شاءت ، فقالت الأنصار : إنا لا نتابعك إذا خالفت زيد بن ثابت ، فقال ابن عباس : سلوا صاحبتكم أم سليم ، فسألوها فأنبأت ان صفية بنت حيي بن أخطب حاضت بعدما طافت بالبيت يوم النحر فقالت لها عائشة : الخيبة لك حبستنا ، فذكروا ذلك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأمرها أن تنفر ـ وأخبرت أم سليم أنها لقيت ذاك وأمرها أن تنفر ـ

قال البيهقي : أشار البخاري إلى هاتين الروايتين وأخرجه من حديث أيوب عن عكرمة مختصراً.

١٢٦

النصف وللأم ثلث مابقي وللأب الفضل.

فقال ابن عباس : أفي كتاب الله وجدته أم رأي تراه؟ فقال : بل رأي أراه ، لا أرى أن أفضّل أمّاً على أب ، وكان ابن عباس يجعل لها الثلث من جميع المال )(1) . وأخرجه البيهقي في ( السنن الكبرى )(2) ، وأخرجه الخطيب في كتاب ( الفقيه والمتفقه )(3) ، وجعل قائل ( بل رأي أراه ) هو ابن عباس؟ وهكذا تطمس الحقائق في مستنقعات الأهواء!

ولقد روى الدارمي في سننه : ( عن عكرمة قال : أرسل ابن عباس إلى زيد بن ثابت : أتجد في كتاب الله للأم ثلث مابقي؟ فقال زيد بن ثابت : إنّما أنت رجل تقول برأيك ، وأنا رجل أقول برأيي )(4) .

3 ـ قال ابن قيّم الجوزية في كتابه ( أعلام الموقعين ) : ( وقد أنكر ابن عباس على زيد بن ثابت مخالفته للقياس في مسألة الجد والأخوة ، فقال : ألا يتقي الله زيد يجعل ابن الابن ابناً ولا يجعل أب الأب أباً )(5) .

4 ـ وقال السرخسي الحنفي في ( المبسوط ) : ( فأمّا أبو حنيفة احتجّ بما نقل عن ابن عباس أنّه كان يقول : ألا يتق الله زيد بن ثابت يجعل ابن الابن

____________________

(1) المصنف 10 / 254.

(2) السنن الكبرى 6 / 228.

(3) الفقيه والمتفقه 1 / 202 نشر دار احياء السنة.

(4) سنن الدارمي 2 / 346.

(5) أعلام الموقعين 1 / 186.

١٢٧

إبناً ولا يجعل أب الأب أباً؟ ومعنى هذا الكلام أنّ الاتصال بالقرب من الجانبين يكون بصفة واحدة لا يتصور التفاوت بينها بمنزلة المماثلة بين مثلين أهـ )(1) .

5 ـ أخرج ابن سعد في ( الطبقات ) بسنده إلى عبيد بن حنين ـ وهذا أحد الرواة عن ابن عباس ـ : ( قال : قلت لزيد بن ثابت مقتل عثمان إقرأ عليّ الأعراف؟ فقال : لست أحفظها ، إقرأها أنت عليّ فقرأتها عليه ، فما أخذ عليّ ألفاً ولا واواً )(2) .

ومع هذا كلّه فلم يبخسه حظه في تأبينه كما عن عليّ بن زيد بن جدعان عن ابن عباس لمّا دفن زيد بن ثابت حثا عليه التراب ثمّ قال : هكذا يدفن العلم. قال عليّ : فحدثت به عليّ بن حسين فقال : وابن عباس والله قد دفن به علم كثير(3) .

أبو هريرة

ذكره ابن حجر في ( تهذيب التهذيب ) فيمن روى عنه ابن عباس ، وهذا منه لا يخلو من غرابة! وقد سبق أن ذكرت أبا هريرة ضمن المكثرين من الصحابة وأنّه اتهمه الصحابة في كثرة الحديث لقصر أيام صحبته ، فما

____________________

(1) المبسوط 29 / 182.

(2) الطبقات 5 / 211.

(3) أنظر فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2 / 982 برقم 1873 ط مؤسسة الرسالة بيروت سنة 1403 هـ ، السنن الكبرى للبيهقي 3 / 410.

١٢٨

بال ابن عباس يروي عن إنسان مثل أبي هريرة؟!

ولو سلمنا فأين هي روايته حتّى استساغ ابن حجر أن يعدّ ابن عباس ممّن روى عن أبي هريرة؟

ولعلّه أراد ما أخرجه البخاري في صحيحه في ( كتاب الإستئذان باب زنا الجوارح دون الفرج ) بسنده عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس قال : ( ما رأيت شيئاً أشبه باللمم ممّا قال أبو هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم انّ الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة ، فزنا العين النظر ، وزنا النساء المنطق ، والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدّق ذلك كلّه ويكذبه )(1) . وهذا ليس بشيء يجعل معه ابن عباس من رواة الحديث عن أبي هريرة! على أنّ هذا الحديث مطعون في سنده من جهة ابن طاووس ، وحسب القارىء معرفة به أنّه كان على خاتم سليمان بن عبد الملك ، وكان كثير الحمل على أهل البيت(2) .

____________________

(1) صحيح البخاري 8 / 54 ط بولاق.

(2) تهذيب التهذيب 5 / 268.

١٢٩

شبهات كاذبة

لقد تحامل بعض المستشرقين ـ بغير حق ـ على ابن عباس حبر الأمة فأكذبه بعضهم لكثرة مروياته ، وأدانه بعضهم بأنّه أخذ عن بعض أهل الكتاب وسمّوا كعب الأحبار وعبد الله بن سلام ووهب ابن منبه وأبا الجلد ، وتلك شنشنة نعرفها منهم ، وحسيكة بغض للإسلام نعلمها فيهم ، ولابدّ لنا من وقفة معهم والنظر في أدلتهم لإثبات مزاعمهم.

أمّا النمط الأوّل : فقد ذكر المرحوم الدكتور جواد عليّ في محاضرته ( موارد تاريخ الطبري ) المنشورة في العدد الأوّل من السنة الأولى من مجلة المجمع العلمي العراقي ص212 عن المستشرق شبرنجر : أنّه تحامل على ابن عباس فرماه بالكذب والبهتان بسبب كثرة مروياته. والتناقض بين بعض المروي عنه.

وقد دافع الدكتور جواد عليّ عن ابن عباس فقال رداً على المستشرق المذكور : وأنا على يقين أنّه لو أعمل عقله ودرس هذه الأقوال المنسوبة إلى ابن عباس دراسة علمية دقيقة ، ولو فكر في العوامل السياسية التي يمكن أن تكون هي المسؤولة أوّلاً عن ذلك ، وهي لا تدخل في بحثنا هذا في زماننا.

أقول : لو فكر في ذلك وتعمق في البحث عن هذه الأسباب ما تسرع

١٣٠

في حكمه هذا الذي تخالفه أيسر قواعد الجرح والتعديل.

وأمّا النمط الثاني : الذين أصرّوا على أخذ ابن عباس عن أهل الكتاب وسمّوا لنا منهم أنفاراً سنقف معهم عند كلّ واحد واحد منهم. لنرى هل أخذ منه عبد الله بن عباس شيئاً.

ثمّ إنّ البخاري وغيره(1) رووا عن ابن عباس نهيه لمن يأخذ عن أهل الكتاب ، واشتد نكيره على الذين يسألونهم ، مع أنّ عندهم كتاب الله بين ظهرانيهم.

هل أخذ ابن عباس عن كعب الأحبار؟

والجواب : لا. ولسنا متسرعين في ذلك؛ بل لو قال من زعم أخذه عنه بالعكس فما عدا الحق ، نعم ربما اغتر بنحو ما ورد في ألفية السيوطي من قوله :

وقد روى الكبار عن صغار

في السنّ أو في العلم والمقدار

ومنه أخذ الصحبُ من أتباع

وتابع عن تابع الأتباع

كالحبر عن كعب وكالزهري

عن مالك ويحيى الأنصاري(2)

____________________

(1) صحيح البخاري 4 / 173 و 193 و 2 / 71 ، ومصنف عبد الرزاق 10 / 314 و 11 / 110 ، وجامع بيان العلم 2 / 51 ، والفصل لابن حزم 1 / 216 ، وتاريخ ابن كثير 2 / 134 ، ومجمع الزوائد 1 / 192 ، وتفسير السيوطي 1 / 83 نقلاً عن البخاري وعبد الرزاق وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الايمان.

(2) شيخ المضيرة / 91 ط دار المعارف.

١٣١

ومثل هذه الأبيات في ألفية العراقي(1) ، وحكى الشيخ أبو رية ذلك ، وقول الشيخ أحمد شاكر شارح الألفية : ( ومن هذا النوع رواية الصحابي عن التابعين كرواية الحبر عبد الله بن عباس وسائر العبادلة وأبي هريرة وأنس وغيرهم عن كعب الأحبار. وأبو هريرة وابن عباس كانا أكثر من نشر علم كعب الأحبار ).

أقول : إنّ من يجد اسم ابن عباس محشوراً مع أبي هريرة فيخاله هو مثله في الأخذ عن ذلك الكاهن الخبيث! ومن الظلم حشره معه ، كيف وذلك الكاهن وصفه الدكتور طه حسين في كتابه ( الشيخان ) ، قال : ( كان غريب الأطوار عرف كيف يخدع كثيراً من المسلمين ، ومنهم عمر ـ وهو كعب الأحبار ـ وكان كعب يهودياً من أهل اليمن ، زعم أنّه سأل عليّاً رحمة الله عن النبيّ حين ذهب عليّ إلى اليمن مرسلاً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلمّا أنبأه عليّ بصفة النبيّ عرف هذه الصفة ممّا كان يجده بزعمه في التوراة ، ولم يأت المدينة أيام النبيّ وإنّما أقام على يهوديته في اليمن ، وزعم هو بعد ذلك للمسلمين أنّه أسلم ودعا إلى الإسلام في اليمن ، وقد أقبل إلى المدينة أيام عمر ، فأقام فيها مولى للعباس بن عبد المطلب رحمة الله ، وكان بارعاً في الكذب على المسلمين يزعم أنّه يجد صفاتهم في الكتب ، وكان المسلمون يعجبون بذلك ويتعجبون له ، ولم يلبث أن كذب على عمر نفسه فزعم له أنّه يجد

____________________

(1) راجع فتح المغيث بشرح ألفية الحديث / 832 ـ 833.

١٣٢

صفته في التوراة ، فعجب عمر وقال : تجد اسم عمر في التوراة؟ قال كعب لا أجد اسمك! وإنّما أجد صفتك )(1) ، وابن عباس كان يكذّبه فكيف يأخذ عنه!!

ولعلّ من اغترّ بما مرّ وأيضاً بما يجده من مساءلة ابن عباس لكعب فيتخيل أنّها كانت للأخذ عنه ، وهي إنّما كانت للإختبار.

وإلى القارئ ما رواه البلاذري في ترجمة ابن عباس في أنسابه : ( بسنده عن القاسم بن عوف الشيباني ، أنّ عبد الله بن عباس قال لكعب الأحبار : إنّي سائلك عن أشياء فلا تحدثني بما حرّف من الكتاب ، ولا أحاديث الرجال وإن لم تعلم فقل : لا أعلم فإنّه علم لك )(2) . فأين هذا من الأخذ عنه؟!

وإلى القارئ بعض الشواهد الدالّة على عكس ما قالوا :

1 ـ فمن البرهنة على ذلك ما ذكره ابن قتيبة في ( عيون الأخبار ) : ( ذُكر الظلم في مجلس ابن عباس ، فقال كعب : إنّي لا أجد في كتاب الله المنزل أنّ الظلم يخرب الديار ، فقال ابن عباس : أنّا أوجدكَهُ في القرآن : قال الله عزوجل :( فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا ) (3) )(4) .

____________________

(1) الشيخان / 254 ـ 255.

(2) أنساب البلاذري رقم 65 نسخة 2 مخطوطة بقلمي.

(3) النمل / 52.

(4) عيون الأخبار 1 / 76 ط دار الكتب.

١٣٣

2 ـ ومن البرهنة أيضاً ما رواه ابن قتيبة أيضاً عن عكرمة : ( قال : كنّا جلوساً عند ابن عمر وابن عباس ( رضي الله عنهما ) فمرّ طائر يصيح ، فقال رجل من القوم : خير خير ، فقال ابن عباس : لا خير ولا شر.

قال كعب لابن عباس : ما تقول في الطيرة؟ قال : وما عسيت أن أقول فيها؟ لا طير إلاّ طير الله ، ولا خير إلاّ خير الله ، ولا إله إلاّ الله ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.

قال كعب : إنّ هذه الكلمات في كتاب الله المنزل يعني التوراة )(1) .

3 ـ ومن البرهنة أيضاً ما رواه الزمخشري في تفسيره ( الكشّاف ) في تفسير قوله تعالى :( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا ) (2) ، والقرطبي في تفسيره ( الجامع لأحكام القرآن ) وغيرهما ، عن ابن عباس قال لرجل مقبل من الشام : من لقيت به؟ قال : كعبا ، قال : وما سمعته يقول؟ قال : سمعته يقول : إنّ السموات على منكب ملَكَ. قال : كذب كعب ، أما ترك يهوديته بعد! إنّ الله تعالى يقول :( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا ) (3) .

____________________

(1) عيون الأخبار 1 / 146.

(2) سورة فاطر / 41.

(3) تفسير الكشّاف 2 / 580 ط مصطفى الحلبي وأولاده بمصر سنة 1367 ، تفسير القرطبي 14 / 357.

وفي تفسير الطبري 22 / 144 ط2 مصطفى الباسي الحلبي وأولاده بمصر والمصدرين السالفين أعلاه ذكر نحو هذا أيضاًً عن كعب نقلاً عن ابن مسعود وقال : لبعض أصحابه ذهب إلى كعب يتعلم منه العلم ، فلمّا رجع قال له ابن مسعود : ما الذي أصبت من كعب؟ قال : سمعت كعب يقول ان السماء تدور

١٣٤

4 ـ ومن البرهنة أيضاً ما رواه الزمخشري في ( الكشاف ) أيضاً والقرطبي في تفسيره ( الجامع لاحكام القرآن ) أنّ كعباً قال لابن عباس : إنّي أجد في التوراة : من حفر لأخيه مغواة ـ حفرة ـ وقع فيها فقال ابن عباس : فإنّي أوجدك في القرآن ذلك ، قال : وأين؟ قال : فاقرأ( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ) (1) )(2) .

5 ـ وأجلى ممّا مرّ من البرهنة أيضاً هو ما رواه الطبري في تاريخه والثعلبي في كتابه ( قصص الأنبياء ) وغيرهما عن عكرمة : ( عن ابن عباس قال : بينما هو جالس ذات يوم من الأيام إذ أتاه رجل فقال : يا بن عباس إنّي سمعت العجب من كعب الأحبار يذكر في الشمس والقمر ـ وكان ابن عباس متكئاً فاحتفز ـ ثمّ قال : قال كعب الأحبار إنّه يجاء بالشمس والقمر يوم القيامة كأنهما ثوران عقيران فيقذفان في النار.

قال عكرمة : فطارت من ابن عباس شظية ووقعت أخرى غضباً ثمّ قال : كذب كعب الأحبار ، كذب كعب ، كذب كعب ـ قالها ثلاثاً ـ بل هذه يهودية يريد إدخالها في الإسلام ، والله أكرم وأجلّ من أن يعذّب أهل

____________________

على قطب مثل قطب الرحى ، في عمود على منكب ملك ، فقال له عبد الله. وددت أنك انقلبت براحلتك ورحلها ، كذب كعب ، ما ترك يهوديته ، ان الله تعالى يقول :( إن الله يُمسك السموات والأرض أن تزولا ) ان السموات لا تدور ، ولو كانت تدور لكانت قد زالت.

(1) سورة فاطر / 43.

(2) تفسير الكشاف 2 / 580 ، التفسير الجامع 14 / 359.

١٣٥

طاعته ، ألم تر إلى قوله تعالى :( وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ) (1) يعني دؤبهما في طاعته ، فكيف يعذّب أهل طاعته ، فكيف يعذّب عبدين أثنى عليهما أنّهما دائبان في طاعته ، قاتل الله هذا الحبر وقبّح حديثه ما أجرأه على الله وأعظم فريته على هذين العبدين المطيعين لله تعالى.

ثمّ استرجع مراراً ، ثمّ أخذ عوداً من الأرض فجعل ينكت به في الأرض ، وظل كذلك ما شاء الله ، ثمّ إنّه رفع رأسه ورمى العود وقال : إلاّ أحدّثكم بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في الشمس والقمر وبدء خلقهما ومصير أمرهما؟ قلنا : بلى يرحمك الله تعالى. فقال وذكر الحديث بطوله إلى أن قال عكرمة في آخره :

فقمت مع النفر الذين حدثوا عن كعب ما حدثوا به من أمر الشمس والقمر حتّى أتيناه فأخبرناه بغضب ابن عباس وما وجدوه من حديثه ، وبما حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهما ممّا بين مبدئهما إلى معادهما.

فقال كعب الأحبار : إنّي حدثت عن كتاب دارس منسوخ قد تداولته الأيدي ، وابن عباس حدّث عن كتاب حديث العهد بالرحمن جلّ جلاله ناسخ الكتب وعن سيد الأنبياء والمرسلين خير البشر ، ثمّ قال : فمشى إلى ابن عباس فقال : بلغني ما كان من وجدك من حديثي ، وما حدثت به إلاّ وإني أستغفر الله من ذلك وأنا أحبّ أن تحدثني بما حدثت به

____________________

(1) إبراهيم / 33.

١٣٦

أصحابك من حديث الشمس والقمر فاحفظ عنك الحديث ، فإذا حدّثت بشيء عن أمر الشمس والقمر فيما بعد هذا اليوم كان هذا الحديث الذي تحدثني مكان حديثي الأوّل ، قال عكرمة : فو الله لقد أعاد عليه ابن عباس الحديث ، وإنّي لأستقرئه في قلبي باباً باباً فما زاد شيئاً ولا نقص شيئاً ، ولا قدّم ولا أخّر. فزادني ذلك في ابن عباس رغبة وللحديث حفظاً ) اهـ(1) .

وبعد هذه الشواهد لا يصح معها قول من يزعم أنّ ابن عباس كان يأخذ عن أهل الكتاب ، ومنهم كعب الصهيوني الأوّل ، بل هناك شواهد رويت عن ابن عباس ومن قبله عن أبيه وأيضاً عن الإمام عليّ عليه السلام أنّهم كانوا في ريب من صحة إسلام كعب فضلاً عن الأخذ منه. وإليك بعضاً منها :

أ ـ ما روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ـ كما في كتاب أبي رية ( أضواء على السنة المحمدية ) : أنّه كذّاب(2) .

ب ـ ما روي عن العباس بن عبد المطلب : ( قال سعيد بن المسيب : قال العباس لكعب ما منعك أن تُسلم على عهد محمّد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حتّى أسلمت الآن على عهد عمر؟ فقال كعب : إنّ أبي كتب

____________________

(1) تاريخ الطبري 1 / 65 ط5 دار المعارف ، قصص الأنبياء / 11 ـ 16ط حجازي بالقاهرة سنة 1371 هـ. ومرآة الزمان لسبط ابن الجوزي السفر الأوّل 7 / 144 بتحقيق احسان عباس ط دار الشروق ، واللئالئ المصنوعة للسيوطي وكامل ابن الأثير باختصار وقد نقد الخبرية فراجعه في الجزء الأوّل في أوائله.

(2) أضواء على السنة المحمدية / 126.

١٣٧

لي كتاباً من التوراة ودفعه إليّ وقال : إعمل بهذا وختم على سائر كتبه وأخذ عليّ بحق الوالد على ولده أن لا أفضّ الخاتم ، فلمّا كان الآن ورأيت الإسلام يظهر ولم أر بأساً ، قالت لي نفسي : لعلّ أباك غيّب عنك علماً كتمك فلو قرأته ، ففضضت الخاتم فقرأته فوجدتُ فيه صفة محمّد وأمته ، فجئت الآن مسلماً. فوالى العباس ). انتهى بنص ابن سعد في طبقاته(1) .

ومن الغريب أنّ الدكتور جواد عليّ يعتقد أنّه ليس هناك دليل قوي يثبت لقاء كعب الأحبار لابن عباس!(2) ولنا فيما تقدم أقوى دليل على ثبوت اللقاء.

نعم ، ثمة أخبار مكذوبة تذكر لقاء كعب وابن عباس عند معاوية وفي أيام حكومته ، وهي لا تصح أبداً ، لأنّ كعباً توفي في أواخر أيام عثمان وفي سنة 32 هـ(3) ومعاوية تولى الحكومة بعد الصلح مع الإمام الحسن عليه السلام سنة 41 هـ ، فكيف يمكن تصديق المفسرين والمحدثين والمؤرخين الذين يذكرون أكذوبة قراءة معاوية ( في عين حامية ) وقراءة ابن عباس ( في عين حمئة ) ، وما دار بينهما حول ذلك وتحكيم كعب الأحبار في ذلك؟! وسيأتي ما عندنا في ذلك في الحلقة الثالثة إن

____________________

(1) الطبقات 7 / ق 2 / 156.

(2) مجلة المجمع العلمي العراقي 1 / السنة الأولى / 213.

(3) أنظر طبقات ابن سعد 7 / 309.

١٣٨

شاء الله عند تفسير الآية ( 86 ) المباركة من سورة الكهف. ومن تعجّل فليرجع إلى تفسير القرطبي(1) ، وتفسير السيوطي(2) ، فقد ذكرا الخبر نقلاً عن عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عثمان بن أبي حاضر ، وعند سعيد بن منصور وابن المنذر من طريق عطاء أيضاً. كما أخرج الخبر البلاذري في ( أنساب الأشراف ) في ترجمة ابن عباس(3) ، وهذا من أغرب الغرائب أن يروي هؤلاء جميعاً خبر الإلتقاء بين ابن عباس وبين كعب عند معاوية وفي أيام حكومته ، دون الإلتفات إلى وفاة كعب قبل حكومة معاوية بعقدٍ من السنين تقريباً!! وإن تعش رجباً تزدد عجباً حين ترى بعض أصحاب الدراسات الحديثة عن ابن عباس يذكر الخبر دون التنبيه على ما فيه من استبطان الكذب في لقاء ابن عباس مع كعب عند معاوية ، ولعلّ هذا ما دعا الدكتور جواد عليّ إلى إعتقاده بعدم وجود دليل قويّ يثبت اللقاء بينهما.

وقفة عابرة مع الشيخ أبي ريّة

وأخيراً رحم الله الشيخ محمود أبو رية حيث قال : ( انّ الاستاذ سعيد

____________________

(1) تفسير القرطبي 11 / 49.

(2) تفسير السيوطي 4 / 248.

(3) ترجمة ابن عباس رقم 108 نسخة مخطوطة بقلمي.

١٣٩

الأفغاني نشر مقالاً بمجلة الرسالة المصرية قال فيه : انّ وهب بن منبّه الصهيوني الأوّل ، وصححت هذا الرأي بمقال نشر في العدد ( 656 ) من هذه المجلة أثبت فيه بالأدلة القاطعة أن كعب الأحبار هو الصهيوني الأوّل ، وما كان هذا المقال ينشر حتّى هبّ في وجهنا شيوخ الأزهر وأمطرونا وابلاً من طعنهم المعروف وقالوا : كيف تصف ( سيدنا كعباً ) بأنّه الصهيوني الأوّل وهو من كبار التابعين وخيار المسلمين ، وممّا يؤسف له إنّهم لا يزالون يذكرون اسمه بالسيادة إلى اليوم )(1) .

أقول : وما دام رحمة الله قد صحّح في مقاله الذي أشار اليه ـ رأي سعيد الأفغاني في جعله وهب بن منبّه هو الصهيوني الأوّل ، وقال : ( أثبتّ فيه بالأدلة القاطعة أن كعب الاحبار هو الصهيوني الأوّل ) ، وهبّ في وجههما شيوخ الأزهر فأمطراهما بوابل من طعنهم ، فأنا الآن أكرّر له الرحمة ما دام التصحيح من شأنه ، ولا أمطره إلاّ بوابل من الدعاء بالمغفرة على هفوته في هذا المجال ، وعثرته التي لا تقال ، حيث قال في كتابه ( أضواء على السنة المحمدية ) : ( وفي تفسير الطبري أنّ ابن عباس سأل كعباً عن( سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ) ؟ فقال : إنّها على رؤوس حملة العرش ، وإليها ينتهي علم الخلائق ، وليس لأحد وراءها علم ، ولذلك سُمّيت ( سدرة المنتهى ) لانتهاء العلم بها. هذا ما قاله لتلميذه الثاني ، أمّا تلميذه الأوّل فهو أبو هريرة )(2) .

____________________

(1) شيخ المضيرة / 93 دار المعارف ط3.

(2) أضواء على السنة المحمدية / 123.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509