موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٦

موسوعة عبد الله بن عبّاس11%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 509

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 509 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80084 / تحميل: 5134
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٦

مؤلف:
العربية

١

٢

٣

٤

٥

٦

قال الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام : « ابن عباس والله قد دفن به علم كثير »(١) .

وقال سعد بن أبي وقاص : « ما رأيت أحداً أحضر فهماً ، ولا ألبّ لبّا ، ولا أكثر علماً ، ولا أوسع حلماً من ابن عباس »

وقال طاووس : « كان ابن عباس قد بسق على الناس في العلم كما تبسق النخلة السحوق على الودي الصغار »

وقال الحسن البصري : « إن ابن عباس كان من العلم بمكان »

وقال الشعبي : «وكان عند ابن عباس دفاين علم يعطيها أهلها ويصرفها عن غيرهم »(٢)

____________________

(١) أنظر فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ٢ / ٢ / ٩٨٢ برقم ١٨٧٣ط مؤسسة الرسالة ، بيروت سنة ١٤٠٣ هـ ، السنن الكبرى للبيهقي ٣ / ٤١٠.

(٢) طبقات ابن سعد ٢ / ق ٢ / ١٢٢ ، تاريخ بغداد ١ / ١٧٢ ، الإصابة ٢ / ٣٣٠ عن معجم البغوي ، تاريخ ابن كثير ٨ / ٣٠١ ، كنز العمال ٧ / ٥٣ ط الأولى ، تاريخ آداب العرب للرافعي ٢ / ٥٧ ، مجلة الأزهر مج ١١ / ٤٢٧ ، الشافي للشريف المرتضى ص ٢٤٢ ط حجرية.

٧
٨

« طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة »

نبوي شريف ( عوالي اللئالي ٤ / ٧٠ )

« العلم مخزون عند أهله وقد أمرتم بطلبه منهم »

نبوي شريف ( عوالي اللئالي ٤ / ٦١ )

« العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء »

( مصباح الشريعة / ١٦ )

قيل لعبد الله بن عباس أنّى لك هذا العلم؟

قال : ( قلب عقول ، ولسان سؤول )(١) .

____________________

(١) قال الجاحظ : وقد رووا هذا الكلام عن دغفل بن حنظلة العلاّمة ، وعبد الله أولى به منه. والدليل على ذلك قول الحسن : إنّ أوّل من عرّف بالبصرة ابن عباس ، صعد المنبر فقرأ سورة البقرة ففسّرها حرفاً حرفاً ، وكان مثجّاً يسيل غرباً.

المثجّ : السائل الكثير وهو من الثجاج ، والغرب هاهنا : الدوام. ( البيان والتبيين ١ / ٨ ـ ٨٥ تح هارون ).

٩

١٠

الإهداء

إلى سيدي ومولاي أمير المؤمنين عليه السلام باب مدينة العلم أوّل راع بعد الرسول الكريم صلى الله عليه واله وعى ابن عباس رضي الله عنه حتّى أثمر غرسه، وزكت نفسه بفضل تعاليمه، أقدّم هذه الأوراق، راجياً قبولها على ما فيها من تقصير، وداعياً الله سبحانه التوفيق لإخراج ما تبقى من أجزاء هذه الموسوعة، إنّه ولي ذلك.

عبدك ووليك

محمد مهدي السّيد حسن الموسوي الخرسان

عفى عنه

١١

١٢

مقدمة المؤلف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِِ

وبه نستعين

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين ، ورضي الله عن الصحابة المهتدين أجمعين ، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد لقد كان عند صدور الحلقة الأولى من هذه الموسوعة صدى استحسان لدى القراء ، وبالرغم ممّا وقع فيها من أخطاء في برنامج الحاسوب زاغ عنها البصر ، فقد أقبلوا عليها حتّى كادت أن تنفذ ولمّا يمضي على صدورها أقلّ من عام ، وقد وصلتني دعوات مباركات مشفوعة بمطالبة إصدار بقية الحلقات ، وهذا ما أعتز به ، وأعدّه ذخراً لي ، ومثوبة باقية في كتاب علم ينتفع به ، وصرت أعِدُ القرّاءَ المطالبين ببقية الحلقات بتوالي العمل على تلبية ما يطلبون ، وكنت أرغب في الوفاء بما وعدتهم بأقرب فرصة ممكنة.

١٣

ولكن تزاحم الإصدارات بعد طول غياب ، ومنها إصدار موسوعة ابن إدريس الحلي رحمة الله كان جهداً أخّرني عن الإستمرار في إنجاز بقية حلقات موسوعة ابن عباس رضي الله عنه ، ولا أقول إني قدّمتُ الأهم على المهم كما هو في باب التزاحم ، فإنّ الموسوعتين هما عندي سواء ، مضافاً إلى إصدار بعض الكتب الأخرى لي كانت في خبايا الزوايا ، وقد حان موعد إصدارها ، لذلك كلّه فأنا أعتذر عن التأخير ، وما دامت النيّة حسنة ، والعزم قائم على المتابعة ، فأرجو أن يعينني الله تعالى على إنجاز ما أريد به خدمة الإسلام والمسلمين ، طالباً منه مزيد التوفيق والتسديد ، إنّه المبدئ والمعيد ، وهو الحميد المجيد.

الراجي عفو المنّان

محمّد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

٢٥ ربيع الأوّل سنة ١٤٢٨ هـ

١٤

تحريك اليراع بعد انقطاع

لقد طال الغياب عن باقي حلقات هذا الكتاب (موسوعة عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن ).

والآن وقد صدرت الحلقة الأولى ـ وإن لم تكن بالمستوى المطلوب لي من حيث التصحيح ـ فقد كثر الطلب بإلحاح عن باقي الكتاب فآن الأوان لمراجعة باقي الحلقات ، إذ لم يبق لي عذر في التأخير ، ولابد من تتابع سيرها في الإصدار ، وهذا ما أتمناه قبل أن يفاجأني الحِمام ، وقد انقضت السنون والأعوام ، وأنا أسابق الأيام في نفض الغبار عن مسودات تلك الحلقات ، التي طال غيابي عنها ، بعد أن باعدت بيني وبينها عوامل الخوف والإضطهاد الفكري ، حتّى نسيت كثيراً من التعليقات ممّا ينبغي ذكره ، وقد بدأت أستعيد على جهد نشاطاً ولّت قواه ، ولكن لم تهن عزيمته ، فعاودت النظر فيما كتبت ، وصرت أملأ بعض الفراغ الذي بقيت فيه فجوة يلزمني سدّها أو تسديدها بما يسعني عمري ، ويعينني فكري وذُكري.

وأستأنفت مراجعة ما طال بُعدي عنه ، ولم يكن ذلك أمراً يتسم بالسهولة واليسر ، إذ يتطلب المنهج الطموح بقاء الذاكرة على قوتها ، كما يتطلب القوى البدنية على تماسكها لصعود السلّم وإحضار الكتاب

١٥

المطلوب من رفوفه العالية مثلاً ، فأنّى لي هذا ، وأنا زرع آن حصاده ، وصار الجهد مضنياً ، وفوق ذلك فآفة العلم النسيان ، والقوى الخائرة تصرع الإنسان.

فأسأل الله تعالى العلي القدير أن يتفضل عليّ بما هو أهله ، ويمنحني التوفيق ، وفسحة في العمر لإصدار هذه الحلقات وغيرها ، ممّا وفقني إلى تأليفه أو تحقيقه ، إنّه المتفضل المنان وهو الوليّ المستعان ، ولتكن هذه السطور بمثابة إعتذار إلى القراء عما يجدونه من قصور ، راجياً أن يجدوا فيما سلم منه الفائدة ، وتعويضاً عمّا فات عن غير عمد ، فهذا هو مبلغ الجهد ، والله من وراء القصد.

ماذا نقرأ في هذه الحلقة عن ابن عباس رضي الله عنه؟

سأبحث فيها ـ بعد المقدمة ـ عن تاريخه العلمي دراسة وعطاء في عدّة اجزاء ، وفي كلّ جزء عدّة مواضيع ضمن أبواب وفصول.

ففي الجزء الأوّل عدّة أبواب :

الباب الأوّل : وفيه فصلان :

الفصل الأوّل : في الكلام عن بدء تعلمه على يد معلمه الأوّل ، وهو مدينة العلم ( محمّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقد ازدانت حياته بصحبة ابن عمه طيلة ثلاثين شهراً ، فاقت صحبة أعوام غيره من سائر الصحابة ، ثمّ أتم تعلّمه من بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم على يد معلّمه الثاني باب مدينة العلم ، وهو الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وبذلك أوصاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كما سيأتي بيان

١٦

ذلك.

الفصل الثاني : وفيه أبحث أخذه عن الصحابة من حملة الحديث وغيرهم ، ونقف قليلاً عند رد شبهات كاذبة وآراء خاطئة ، في أنّه تعلّم ممّن كان هو معلّمهم ، وإليه يرجعون في كشف غياهب الجهل عنهم حين تحلّ بهم العُضَل.

الباب الثاني : في مدارسه ومجالسه وعطائهما ، وفيه فصلان :

الفصل الأوّل : فأبحث فيه : ذكر مدارسه التي حفلت بها عدّة من البلدان الإسلامية بما فيها بلاد الحرمين الشريفين مكة والمدينة ، والعراقين الكوفة والبصرة ، وغيرها كمصر والشام ، وأخيراً الطائف.

الفصل الثاني : فأبحث فيه : ما أثمرت تلك المغارس من الثمر الكثير الطيّب الجني ، كما أنّ فيه القليل الوبيء ، وذلك من خلال تلامذته والرواة عنه ، وهؤلاء لهم فصل خاص نستعرض فيه أسماءهم مع شيء موجز في تعريفهم مع ذكر حديث واحد أو أكثر لكلّ واحد منهم رواه عن أستاذه حبر الأمة إن كان ثمة له حديث وقفنا عليه. وبهم نختم الجزء الأوّل من الحلقة الثانية.

أمّا الجزء الثاني ففيه :

الباب الثالث : وفيه سبعة فصول :

والعزم على البحث فيه عن معارفه ومحاضراته ومناهجه في التعليم ممّا يدلنا على انتهاجه سبيل التخصص ، وتطبيق نظامه عملياً قبل أربعة

١٧

عشر قرناً سبق به دعاة الإختصاص في العصر الحديث.

ففي الفصل الأوّل : سنلمّ سراعاً فيه : بذكر العلوم التي كان يحاضر فيها ، فبدءاً من علوم القرآن الكريم ، ونستعرض بعض ما امتاز به فيما يتعلق بنفس القرآن المجيدكترتيب السور في مصحفه ، وبعض قراءاته ، ثمّ بعض آرائه في مناحي التفسير ومنها منحى تفسيره لغريب القرآن مع الشاهد عليه من الشعر ، وقراءات عن معارفه القرآنية ونرجئ الإلمام بما يتعلق بتفسيره الكامل إلى الحلقة الثالثة إن شاء الله تعالى. وهذا قوام الجزء الثاني.

وفي الجزء الثالث الفصل الثاني : وسنلمّ أيضاً سراعاً فيه : بعلمه في الحديث النبوي الشريف ، وكثرة مروياته ، وكثرة الوضع عليه ، والدفاع عن الصحيح منه حسب موازين تأتي الإشارة إليها ، وقد نختم الفصل إن وسع البحث بذكر أربعين حديثاً عنه بأسانيدي إليه من طرق العامة والخاصة ، ونرجئ ذكر مسانيده فيما صح من حديثه المرفوع إلى الحلقة الثالثة إن شاء الله تعالى.

ثم في الفصل الثالث : نبحث عن فقهه ونبوغه فيه مبكراً حتّى عدّ ممّن كان يفتي على عهد الخالفين الأولين ، ونرجئ مجموعة آرائه الفقهية إلى الحلقة الثالثة إن وسع البحث. وهذا جميعه في الجزء الثالث.

أمّا الفصل الرابع : فنذكر فيه ما ورد عنه من آثار أدبية شعراً ونثراً ، ومحاججات كلامية ، ومحاورات عقائدية ، وأجوبة مسائل في شتى فنون

١٨

المعرفة. وهذا كلّه في الجزء الرابع وربما نختتم هذه الحلقة في :

الفصل الخامس : فيما جاء عنه من بقية مواقفه العقائدية مع أصحاب الفرق والمذاهب.

الفصل السادس : في ما ورد عنه من الدعاء وآدابه.

الفصل السابع : في كتبه وما ورد عنه من حكم الكلم القصار وبه نختم الجزء الخامس من الحلقة الثانية.

ولا شك عندي بأنّ تغييرات كثيرة طرأت فتوسعت المطالب ممّا يقتضي إعادة النظر في التبويب والترتيب ، فأنّى لي بذلك وأنا أغالب الأيام بسرعة الإتمام ، نسأله تعالى أن يتقبل ذلك بمنّه إنّه سميع مجيب ، وأرجو أن يعذرني القارئ الكريم فيما يجدني فيه مقصّراً مدّاً وجزراً ، لأنّ الكتاب جمعت مواضيعه منذ زمن بعيد وفي فترات متفاوتة في النشاط تبعاً لحالة الإنسان الواقعة تحت ضغط الظروف ، فغاب عنه ماتلف ، فقدّم ما بقي على ما فيه من فجوات ، والحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

١٩

تنبيه

لقد مرّ بنا في مقدمة الحلقة الأولى ذكر بعض ما عني به تاريخ حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنه من ملابسات شوهت عدّة جوانب من تاريخ حياته ، وذكرنا أنّه استُهدِف لعدّة عوامل تجمّعت على ما بينها من تنافر ، فصار ضحية لتلك القوى المتصارعة ، كما لخصناها فيما قلناه هناك :

( وهكذا كان من قدر ابن عباس أن يكون الحاكمون العباسيون من أبنائه ، ويكون خصومهم الأمويّون والحسنيّون من أعدائهم ، فلحقته تبعات من هؤلاء ، وشتيمات من هؤلاء ، ما شوّه جانباً من تاريخه ، ولم يسلم نتيجة ذلك التشويه حتّى من غير أولئك ، كالخوارج ، بل وحتّى من غير المسلمين ، فكان باختصار : ضحيّة لأمويّة حاقدة حانقة ، وعباسيّة بغيضة مائقة ، وحسنيّة موتورة ثائرة ، وخوارج جوارح قانصة ماكرة ، وأخيراً يهودية وصليبية كافرة )(١) .

____________________

(١) موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى / ج١ ( نور على الدرب ).

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

كلما أخطأ لم يلبث أن يتدارك ذلك بتوبة و ندامة على ما فرط منه فيمحو ذنوبه و يبقى له فضل يدخل به الجنة

نكت في مدح العقل و ما قيل فيه

و قد تقدم من قولنا في العقل و ما ذكر فيه ما فيه كفاية و نحن نذكر هاهنا شيئا آخر كان يقال العاقل يروي ثم يروي و يخبر ثم يخبر.و قال عبد الله بن المعتز ما أبين وجوه الخير و الشر في مرآة العقل.

لقمان يا بني شاور من جرب الأمور فإنه يعطيك من رأيه ما قام عليه بالغلاء و تأخذه أنت بالمجان.أردشير بن بابك أربعة تحتاج إلى أربعة الحسب إلى الأدب و السرور إلى الأمن و القرابة إلى المودة و العقل إلى التجربة.الإسكندر لا تحتقر الرأي الجزيل من الحقير فإن الدرة لا يستهان بها لهوان غائصها.مسلمة بن عبد الملك ما ابتدأت أمرا قط بحزم فرجعت على نفسي بلائمة و إن كانت العاقبة علي و لا أضعت الحزم فسررت و إن كانت العاقبة لي.وصف رجل عضد الدولة بن بويه فقال لو رأيته لرأيت رجلا له وجه فيه ألف عين و فم فيه ألف لسان و صدر فيه ألف قلب.أثنى قوم من الصحابة على رجل عند رسول الله ص بالصلاة و العبادة و خصال الخير حتى بالغوا

فقال ص كيف عقله قالوا يا رسول الله

٤١

نخبرك باجتهاده في العبادة و ضروب الخير و تسأل عن عقله فقال إن الأحمق ليصيب بحمقه أعظم مما يصيبه الفاجر بفجوره و إنما ترتفع العباد غدا في درجاتهم و ينالون من الزلفى من ربهم على قدر عقولهم.الريحاني العقل ملك و الخصال رعيته فإذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل إليها و سمع هذا الكلام أعرابي فقال هذا كلام يقطر عسله.قال معن بن زائدة ما رأيت قفا رجل إلا عرفت عقله قيل فإن رأيت وجهه قال ذا كتاب يقرأ.بعض الفلاسفة عقل الغريزة مسلم إلى عقل التجربة.بعضهم كل شي‏ء إذا كثر رخص إلا العقل فإنه إذا كثر غلا.قالوا في قوله تعالى( لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا ) أي من كان عاقلا.و من كلامهم العاقل بخشونة العيش مع العقلاء آنس منه بلين العيش مع السفهاء.أعرابي لو صور العقل أظلمت معه الشمس و لو صور الحمق لأضاء معه الليل.قيل لحكيم متى عقلت قال حين ولدت فأنكروا ذلك فقال أما أنا فقد بكيت حين جعت و طلبت الثدي حين احتجت و سكت حين أعطيت يريد أن من عرف مقادير حاجته فهو عاقل.المأمون إذا أنكرت من عقلك شيئا فاقدحه بعاقل.بزرجمهر العاقل الحازم إذا أشكل عليه الرأي بمنزلة من أضل لؤلؤة فجمع ما حول مسقطها من التراب ثم التمسها حتى وجدها و كذلك العاقل يجمع وجوه

٤٢

الرأي في الأمر المشكل ثم يضرب بعضها في بعض حتى يستخلص الرأي الأصوب.كان يقال هجين عاقل خير من هجان جاهل.كان بعضهم إذا استشير قال لمشاوره أنظرني حتى أصقل عقلي بنومة.إذا نزلت المقادير نزلت التدابير من نظر في المغاب ظفر بالمحاب من استدت عزائمه اشتدت دعائمه الرأي السديد أجدى من الأيد الشديد.بعضهم:

و ما ألف مطرور السنان مشدد

يعارض يوم الروع رأيا مسددا

أبو الطيب:

الرأي قبل شجاعة الشجعان

هو أول وهى المحل الثاني

فإذا هما اجتمعا لنفس حرة

بلغت من العلياء كل مكان

و لربما طعن الفتى أقرانه

بالرأي قبل تطاعن الأقران

لو لا العقول لكان أدنى ضيغم

أدنى إلى شرف من الإنسان

و لما تفاضلت النفوس و دبرت

أيدي الكماة عوالي المران

ذكر المأمون ولد علي ع فقال خصوا بتدبير الآخرة و حرموا تدبير الدنيا.كان يقال إذا كان الهوى مقهورا تحت يد العقل و العقل مسلط عليه صرفت مساوئ صاحبه إلى المحاسن فعدت بلادته حلما و حدته ذكاء و حذره بلاغة و عية صمتا و جبنه حذرا و إسرافه جودا.

٤٣

و ذكر هذا الكلام عند بعضهم فقال هذه خصيصة الحظ نقلها مرتب هذا الكلام إلى العقل.سمع محمد بن يزداد كاتب المأمون قول الشاعر:

إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة

فإن فساد الرأي أن تترددا

فأضاف إليه:

و إن كنت ذا عزم فأنفذه عاجلا

فإن فساد العزم أن يتفندا

٤٤

416

وَ قَالَ ع : مَنْ صَارَعَ اَلْحَقَّ صَرَعَهُ هذا مثل قوله في موضع آخر من أبدى صفحته للحق هلك و نحو هذا قول الطائي:

و من قامر الأيام عن ثمراتها

فأحج بها أن تنجلي و لها القمر

٤٥

417

وَ قَالَ ع : اَلْقَلْبُ مُصْحَفُ اَلْبَصَرِ هذا مثل قول الشاعر:

تخبرني العينان ما القلب كاتم

و ما جن بالبغضاء و النظر الشزر

يقول ع كما أن الإنسان إذا نظر في المصحف قرأ ما فيه كذلك إذا أبصر الإنسان صاحبه فإنه يرى قلبه بوساطة رؤية وجهه ثم يعلم ما في قلبه من حب و بغض و غيرهما كما يعلم برؤية الخط الذي في المصحف ما يدل الخط عليه.و قال الشاعر:

إن العيون لتبدي في تقلبها

ما في الضمائر من ود و من حنق

٤٦

418

وَ قَالَ ع : اَلتُّقَى رَئِيسُ اَلْأَخْلاَقِ يعني رئيس الأخلاق الدينية لأن الأخلاق الحميدة كالجود و الشجاعة و الحلم و العفة و غير ذلك لو قدرنا انتفاء التكاليف العقلية و الشرعية لم يكن التقى رئيسا لها و إنما رئاسة التقى لها مع ثبوت التكليف لا سيما الشرعي و التقى في الشرع هو الورع و الخوف من الله و إذا حصل حصلت الطاعات كلها و انتفت القبائح كلها فصار الإنسان معصوما و تلك طبقة عالية و هي أشرف من جميع الطبقات التي يمدح بها الإنسان نحو قولنا جواد أو شجاع أو نحوهما لأنها طبقة ينتقل الإنسان منها إلى الجنة و دار الثواب الدائم و هذه مزية عظيمة يفضل بها على سائر طبقات الأخلاق

٤٧

419

وَ قَالَ ع : لاَ تَجْعَلَنَّ ذَرَبَ لِسَانِكَ عَلَى مَنْ أَنْطَقَكَ وَ بَلاَغَةَ قَوْلِكَ عَلَى مَنْ سَدَّدَكَ يقول لا شبهة أن الله تعالى هو الذي أنطقك و سدد لفظك و علمك البيان كما قال سبحانه( خَلَقَ اَلْإِنْسانَ عَلَّمَهُ اَلْبَيانَ ) فقبيح أن يجعل الإنسان ذرب لسانه و فصاحة منطقه على من أنطقه و أقدره على العبادة و قبيح أن يجعل الإنسان بلاغة قوله على من سدد قوله و جعله بليغا حسن التعبير على المعاني التي في نفسه و هذا كمن ينعم على إنسان بسيف فإنه يقبح منه أن يقتله بذلك السيف ظلما قبحا زائدا على ما لو قتله بغير ذلك السيف و ما أحسن قول المتنبي في سيف الدولة:

و لما كسا كعبا ثيابا طغوا بها

رمى كل ثوب من سنان بخارق

و ما يوجع الحرمان من كف حازم

كما يوجع الحرمان من كف رازق

٤٨

420

وَ قَالَ ع : كَفَاكَ أَدَباً لِنَفْسِكَ اِجْتِنَابُ مَا تَكْرَهُهُ مِنْ غَيْرِكَ قد قال ع هذا اللفظ أو نحوه مرارا و قد تكلمنا نحن عليه و ذكرنا نظائر له كثيرة نثرا و نظما.و كتب بعض الكتاب إلى بعض الملوك في حال اقتضت ذلك:

ما على ذا افترقنا بشبذان إذ كنا

و لا هكذا عهدنا الإخاء

تضرب الناس بالمهندة البيض

على غدرهم و تنسى الوفاء

٤٩

421

وَ قَالَ ع يُعَزِّي قَوْماً مَنْ صَبَرَ صَبْرَ اَلْأَحْرَارِ وَ إِلاَّ سَلاَ سُلُوَّ اَلْأَغْمَارِ وَ فِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّهُ ع قَالَ لِلْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ مُعَزِّياً عَنِ اِبْنٍ لَهُ إِنْ صَبَرْتَ صَبْرَ اَلْأَكَارِمِ وَ إِلاَّ سَلَوْتَ سُلُوَّ اَلْبَهَائِمِ أخذ هذا المعنى أبو تمام بل حكاه فقال:

و قال علي في التعازي لأشعث

و خاف عليه بعض تلك المآثم

أتصبر للبلوى عزاء و حسبة

فتؤجر أم تسلو سلو البهائم

٥٠

422

وَ قَالَ ع فِي صِفَةِ اَلدُّنْيَا اَلدُّنْيَا تَغُرُّ وَ تَضُرُّ وَ تَمُرُّ إِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ تَعَالَى لَمْ يَرْضَهَا ثَوَاباً لِأَوْلِيَائِهِ وَ لاَ عِقَاباً لِأَعْدَائِهِ قد تقدم لنا كلام طويل في ذم الدنيا و من الكلام المستحسن قوله تغر و تضر و تمر و الكلمة الثانية أحسن و أجمل.و قرأت في بعض الآثار أن عيسى ع مر بقرية و إذا أهلها موتى في الطرق و الأفنية فقال للتلامذة إن هؤلاء ماتوا عن سخطة و لو ماتوا عن غير ذلك لتدافنوا فقالوا يا سيدنا وددنا أنا علمنا خبرهم فسأل الله تعالى فقال له إذا كان الليل فنادهم يجيبوك فلما كان الليل أشرف على نشز ثم ناداهم فأجابه مجيب فقال ما حالكم و ما قصتكم فقال بتنا في عافية و أصبحنا في الهاوية قال و كيف ذلك قال لحبنا الدنيا قال كيف كان حبكم لها قال حب الصبي لأمه إذا أقبلت فرح بها و إذا أدبرت حزن عليها و بكى قال فما بال أصحابك لم يجيبوني قال لأنهم ملجمون بلجم من نار بأيدي ملائكة غلاظ شداد قال فكيف أجبتني أنت من بينهم قال لأني كنت فيهم و لم أكن منهم فلما نزل بهم العذاب أصابني معهم فأنا معلق على شفير جهنم لا أدري أنجو منها أكبكب فيها فقال المسيح لتلامذته لأكل خبز الشعير بالملح الجريش و لبس المسوح و النوم على المزابل و سباخ الأرض في حر الصيف كثير مع العافية من عذاب الآخرة

٥١

423

وَ إِنَّ أَهْلَ اَلدُّنْيَا كَرَكْبٍ بَيْنَا هُمْ حَلُّوا إِذْ صَاحَ بِهِمْ سَائِقُهُمْ فَارْتَحَلُوا روي بيناهم حلول و بينا هي بين نفسها و وزنها فعلى أشبعت فتحة النون فصارت ألفا ثم قالوا بينما فزادوا ما و المعنى واحد تقول بينا نحن نفعل كذا جاء زيد أي بين أوقات فعلنا كذا جاء زيد و الجمل قد يضاف إليها أسماء الزمان نحو قولهم أتيتك زمن الحجاج أمير ثم حذفوا المضاف الذي هو أوقات و ولي الظرف الذي هو بين الجملة التي أقيمت مقام المحذوف.و كان الأصمعي يخفض بعد بينا إذا صلح في موضعه بين و ينشد قول أبي ذؤيب بالكسر:

بينا تعنقه الكماة و روغه

يوما أتيح له جري سلفع

و غيره يرفع ما بعد بينا و بينما على الابتداء و الخبر فأما إذ و إذا فإن أكثر أهل العربية يمنعون من مجيئهما بعد بينا و بينما و منهم من يجيزه و عليه جاء كلام أمير المؤمنين و أنشدوا:

بينما الناس على عليائها

إذ هووا في هوة منها فغاروا

٥٢

و قالت الحرقة بنت النعمان بن المنذر:

و بينا نسوس الناس و الأمر أمرنا

إذا نحن فيهم سوقة نتنصف

و قال الشاعر:

أستقدر الله خيرا و أرضين به

فبينما العسر إذ دارت مياسير

و بينما المرء في الأحياء مغتبط

إذ صار في اللحد تعفوه الأعاصير

و مما جاء في وصف الدنيا مما يناسب كلام أمير المؤمنين قول أبي العتاهية:

إن دارا نحن فيها لدار

ليس فيها لمقيم قرار

كم و كم قد حلها من أناس

ذهب الليل بهم و النهار

فهم الركب قد أصابوا مناخا

فاسترحوا ساعة ثم ساروا

و كذا الدنيا على ما رأينا

يذهب الناس و تخلو الديار

٥٣

424

وَ قَالَ ع لاِبْنِهِ اَلْحَسَنِ ع يَا بُنَيَّ لاَ تُخَلِّفَنَّ وَرَاءَكَ شَيْئاً مِنَ اَلدُّنْيَا فَإِنَّكَ تَخَلِّفُهُ لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ إِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فِيهِ بِطَاعَةِ اَللَّهِ فَسَعِدَ بِمَا شَقِيتَ بِهِ وَ إِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فِيهِ بِمَعْصِيَةِ اَللَّهِ فَشَقِيَ بِمَا جَمَعْتَ لَهُ فَكُنْتَ عَوْناً لَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَ لَيْسَ أَحَدُ هَذَيْنِ حَقِيقاً أَنْ تُؤْثِرَهُ عَلَى نَفْسِكَ قَالَ اَلرَّضِيُّ وَ يُرْوَى هَذَا اَلْكَلاَمُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ وَ هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اَلَّذِي فِي يَدَيْكَ يَدِكَ مِنَ اَلدُّنْيَا قَدْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ قَبْلَكَ وَ هُوَ صَائِرٌ إِلَى أَهْلٍ بَعْدَكَ وَ إِنَّمَا أَنْتَ جَامِعٌ لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ رَجُلٍ عَمِلَ فِيمَا جَمَعْتَهُ بِطَاعَةِ اَللَّهِ فَسَعِدَ بِمَا شَقِيتَ بِهِ أَوْ رَجُلٍ عَمِلَ فِيمَا جَمَعْتَهُ فِيهِ بِمَعْصِيَةِ اَللَّهِ فَشَقِيَ فَشَقِيتَ بِمَا جَمَعْتَ لَهُ وَ لَيْسَ أَحَدُ هَذَيْنِ أَهْلاً أَنْ تُؤْثِرَهُ عَلَى نَفْسِكَ أَوْ وَ لاَ أَنْ تَحْمِلَ لَهُ عَلَى ظَهْرِكَ فَارْجُ لِمَنْ مَضَى رَحْمَةَ اَللَّهِ وَ لِمَنْ بَقِيَ رِزْقَ اَللَّهِ تَعَالَى روي فإنك لا تخلفه إلا لأحد رجلين و هذا الفصل نهي عن الادخار و قد سبق لنا فيه كلام مقنع.و خلاصة هذا الفصل أنك إن خلفت مالا فإما أن تخلفه لمن يعمل فيه بطاعة الله أو لمن يعمل فيه بمعصيته فالأول يسعد بما شقيت به أنت و الثاني يكون معانا

٥٤

منك على المعصية بما تركته له من المال و كلا الأمرين مذموم و إنما قال له فارج لمن مضى رحمة الله و لمن بقي رزق الله لأنه قال في أول الكلام قد كان لهذا المال أهل قبلك و هو صائر إلى أهل بعدك.و الكلام في ذم الادخار و الجمع كثير و للشعراء فيه مذاهب واسعة و معان حسنة و قال بعضهم:

يا جامعا مانعا و الدهر يرمقه

مدبرا أي باب عنه يغلقه

و ناسيا كيف تأتيه منيته

أ غاديا أم بها يسري فتطرقه

جمعت مالا فقل لي هل جمعت له

يا جامع المال أياما تفرقه

المال عندك مخزون لوارثه

ما المال مالك إلا يوم تنفقه

أرفه ببال فتى يغدو على ثقة

أن الذي قسم الأرزاق يرزقه

فالعرض منه مصون لا يدنسه

و الوجه منه جديد ليس يخلقه

إن القناعة من يحلل بساحتها

لم يلق في ظلها هما يؤرقه

٥٥

425

وَ قَالَ ع لِقَائِلٍ قَالَ بِحَضْرَتِهِ أَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ أَ تَدْرِي مَا اَلاِسْتِغْفَارُ إِنَّ لِلاِسْتِغْفَارِ دَرَجَةَ اَلْعِلِّيِّينَ اَلاِسْتِغْفَارُ دَرَجَةُ اَلْعِلِّيِّينَ وَ هُوَ اِسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَانٍ أَوَّلُهَا اَلنَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى وَ اَلثَّانِي اَلْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ اَلْعَوْدِ إِلَيْهِ أَبَداً وَ اَلثَّالِثُ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى اَلْمَخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ حَتَّى تَلْقَى اَللَّهَ عزوجل أَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ وَ اَلرَّابِعُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَةٍ عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَا وَ اَلْخَامِسُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اَللَّحْمِ اَلَّذِي نَبَتَ عَلَى اَلسُّحْتِ فَتُذِيبَهُ بِالْأَحْزَانِ حَتَّى تُلْصِقَ اَلْجِلْدَ بِالْعَظْمِ وَ يَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ وَ اَلسَّادِسُ أَنْ تُذِيقَ اَلْجِسْمَ أَلَمَ اَلطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلاَوَةَ اَلْمَعْصِيَةِ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ

قد روي أن الاستغفار درجة العليين.فيكون على تقدير حذف مضاف أي أن درجة الاستغفار درجة العليين و على الرواية الأولى يكون على تقدير حذف مضاف أي أن لصاحب الاستغفار درجة العليين و هو هاهنا جمع على فعيل كضليل و خمير تقول هذا رجل علي أي كثير العلو و منه العلية للغرفة على إحدى اللغتين و لا يجوز أن يفسر بما فسر به الراوندي من قوله إنه اسم السماء السابعة و نحو قوله هو سدرة المنتهى و نحو قوله هو موضع تحت قائمة العرش اليمنى لأنه لو كان كذلك لكان

٥٦

علما فلم تدخله اللام كما لا يقال الجهنم و كذلك أيضا لا يجوز تفسيره بما فسره الراوندي أيضا قال العليين جمع علي الأمكنة في السماء لأنه لو كان كذلك لم يجمع بالنون لأنها تختص بمن يعقل و تصلح أن تكون الوجوه الأولى تفسيرا لقوله تعالى( كَلاَّ إِنَّ كِتابَ اَلْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ) .قوله نبت على السحت أي على الحرام يقال سحت بالتسكين و سحت بالضم و أسحت الرجل في تجارته أي اكتسب السحت

فصل في الاستغفار و التوبة

و ينبغي أن نذكر في هذا الموضوع كلاما مختصرا مما يقوله أصحابنا في التوبة فإن كلام أمير المؤمنين هو الأصل الذي أخذ منه أصحابنا مقالتهم و الذي يقولونه في التوبة فقد أتى على جوامعه ع في هذا الفصل على اختصاره.قال أصحابنا الكلام في التوبة يقع من وجوه منها الكلام في ماهية التوبة و الكلام في إسقاطها الذم و العقاب و الكلام في أنه يجب علينا فعلها و الكلام في شرطها أما ماهية التوبة فهي الندم و العزم لأن التوبة هي الإنابة و الرجوع و ليس يمكن أن يرجع الإنسان عما فعله إلا بالندم عليه و العزم على ترك معاودته و ما يتوب الإنسان منه إما أن يكون فعلا قبيحا و إما أن يكون إخلالا بواجب فالتوبة من الفعل القبيح هي أن يندم عليه و يعزم ألا يعود إلى مثله و عزمه على ذلك هو كراهيته لفعله و التوبة من الإخلال بالواجب هي أن يندم على إخلاله بالواجب

٥٧

و يعزم على أداء الواجب فيما بعد فأما القول في أن التوبة تسقط العذاب فعندنا أن العقل يقتضي قبح العقاب بعد التوبة و خالف أكثر المرجئة في ذلك من الإمامية و غيرهم و احتج أصحابنا بقبح عقوبة المسي‏ء إلينا بعد ندمه و اعتذاره و تنصله و العلم بصدقه و العلم بأنه عازم على ألا يعود.فأما القول في وجوب التوبة على العصاة فلا ريب أن الشرع يوجب ذلك فأما العقل فالقول فيه أنه لا يخلو المكلف إما أن يعلم أن معصيته كبيرة أو يعلم أنها صغيرة أو يجوز فيها كلا الأمرين فإن علم كونها كبيرة وجب عليه في العقول التوبة منها لأن التوبة مزيلة لضرر الكبيرة و إزالة المضار واجبة في العقول و إن جوز كونها كبيرة و جوز كونها صغيرة لزمه أيضا في العقل التوبة منها لأنه يأمن بالتوبة من مضرة مخوفة و فعل ما يؤمن من المضار المخوفة واجب و إن علم أن معصيته صغيرة و ذلك كمعاصي الأنبياء و كمن عصى ثم علم بإخبار نبي أن معصيته صغيرة محبطة فقد قال الشيخ أبو علي إن التوبة منها واجبة في العقول لأنه إن لم يتب كان مصرا و الإصرار قبيح.و قال الشيخ أبو هاشم لا تجب التوبة منها في العقل بالشرع لأن فيها مصلحة يعلمها الله تعالى قال إنه يجوز أن يخلو الإنسان من التوبة عن الذنب و من الإصرار عليه لأن الإصرار عليه هو العزم على معاودة مثله و التوبة منه أن يكره معاودة مثله مع الندم على ما مضى و يجوز أن يخلو الإنسان من العزم على الشي‏ء و من كراهته.و مال شيخنا أبو الحسينرحمه‌الله إلى وجوب التوبة هاهنا عقلا لدليل غير دليل أبي عليرحمه‌الله .

٥٨

فأما القول في صفات التوبة و شروطها فإنها على ضربين أحدهما يعم كل توبة و الآخر يختلف بحسب اختلاف ما يتاب منه فالأول هو الندم و العزم على ترك المعاودة.و أما الضرب الثاني فهو أن ما يتوب منه المكلف إما أن يكون فعلا أو إخلالا بواجب فإن كان فعلا قبيحا وجب عند الشيخ أبي هاشمرحمه‌الله أن يندم عليه لأنه فعل قبيح و أن يكره معاودة مثله لأنه قبيح و إن كان إخلالا بواجب وجب عليه عنده أن يندم عليه لأنه إخلال بواجب و أن يعزم على فعل مثل ما أخل به لأنه واجب فإن ندم خوف النار فقط أو شوقا إلى الجنة فقط أو لأن القبيح الذي فعله يضر ببدنه كانت توبته صحيحة و إن ندم على القبيح لقبحه و لخوف النار و كان لو انفرد قبحه ندم عليه فإن توبته تكون صحيحة و إن كان لو انفرد القبح لم يندم عليه فإنه لا تكون توبته صحيحة عنده و الخلاف فيه مع الشيخ أبي علي و غيره من الشيوخ رحمهم الله و إنما اختار أبو هاشم هذا القول لأن التوبة تجري مجرى الاعتذار بيننا و معلوم أن الواحد منا لو أساء إلى غيره ثم ندم على إساءته إليه و اعتذر منها خوفا من معاقبته له عليها أو من معاقبة السلطان حتى لو أمن العقوبة لما اعتذر و لا ندم بل كان يواصل الإساءة فإنه لا يسقط ذمه فكذلك التوبة خوف النار لا لقبح الفعل.و قد نقل قاضي القضاة هذا المذهب عن أمير المؤمنين ع و الحسن البصري و علي بن موسى الرضا و القاسم بن إبراهيم الزينبي.قال أصحابنا و للتوبة شروط أخر تختلف بحسب اختلاف المعاصي و ذلك أن

٥٩

ما يتوب منه المكلف إما أن يكون فيه لآدمي حق أو لا حق فيه لآدمي فما ليس للآدمي فيه حق فنحو ترك الصلاة فإنه لا يجب فيه إلا الندم و العزم على ما قدمنا و ما لآدمي فيه حق على ضربين أحدهما أن يكون جناية عليه في نفسه أو أعضائه أو ماله أو دينه و الآخر ألا يكون جناية عليه في شي‏ء من ذلك فما كان جناية عليه في نفسه أو أعضائه أو ماله فالواجب فيه الندم و العزم و أن يشرع في تسليم بدل ما أتلف فإن لم يتمكن من ذلك لفقر أو غيره عزم على ذلك إذا تمكن منه فإن مات قبل التمكن لم يكن من أهل العقاب و إن جنى عليه في دينه بأن يكون قد أضله بشبهة استزله بها فالواجب عليه مع الندم العزم و الاجتهاد في حل شبهته من نفسه فإن لم يتمكن من الاجتماع به عزم على ذلك إذا تمكن فإن مات قبل التمكن أو تمكن منه و اجتهد في حل الشبهة فلم تنحل من نفس ذلك الضال فلا عقاب عليه لأنه قد استفرغ جهده فإن كانت المعصية غير جناية نحو أن يغتابه أو يسمع غيبته فإنه يلزمه الندم و العزم و لا يلزمه أن يستحله أو يعتذر إليه لأنه ليس يلزمه أرش لمن اغتابه فيستحله ليسقط عنه الأرش و لا غمه فيزيل غمه بالاعتذار و في ذكر الغيبة له ليستحله فيزيل غمه منها إدخال غم عليه فلم يجز ذلك فإن كان قد أسمع المغتاب غيبته فذلك جناية عليه لأنه قد أوصل إليه مضرة الغم فيلزمه إزالة ذلك بالاعتذار

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509