موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٦

موسوعة عبد الله بن عبّاس7%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 509

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 509 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80106 / تحميل: 5136
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٦

مؤلف:
العربية

١

٢

٣

٤

٥

٦

قال الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام : « ابن عباس والله قد دفن به علم كثير »(١) .

وقال سعد بن أبي وقاص : « ما رأيت أحداً أحضر فهماً ، ولا ألبّ لبّا ، ولا أكثر علماً ، ولا أوسع حلماً من ابن عباس »

وقال طاووس : « كان ابن عباس قد بسق على الناس في العلم كما تبسق النخلة السحوق على الودي الصغار »

وقال الحسن البصري : « إن ابن عباس كان من العلم بمكان »

وقال الشعبي : «وكان عند ابن عباس دفاين علم يعطيها أهلها ويصرفها عن غيرهم »(٢)

____________________

(١) أنظر فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ٢ / ٢ / ٩٨٢ برقم ١٨٧٣ط مؤسسة الرسالة ، بيروت سنة ١٤٠٣ هـ ، السنن الكبرى للبيهقي ٣ / ٤١٠.

(٢) طبقات ابن سعد ٢ / ق ٢ / ١٢٢ ، تاريخ بغداد ١ / ١٧٢ ، الإصابة ٢ / ٣٣٠ عن معجم البغوي ، تاريخ ابن كثير ٨ / ٣٠١ ، كنز العمال ٧ / ٥٣ ط الأولى ، تاريخ آداب العرب للرافعي ٢ / ٥٧ ، مجلة الأزهر مج ١١ / ٤٢٧ ، الشافي للشريف المرتضى ص ٢٤٢ ط حجرية.

٧
٨

« طلب العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة »

نبوي شريف ( عوالي اللئالي ٤ / ٧٠ )

« العلم مخزون عند أهله وقد أمرتم بطلبه منهم »

نبوي شريف ( عوالي اللئالي ٤ / ٦١ )

« العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء »

( مصباح الشريعة / ١٦ )

قيل لعبد الله بن عباس أنّى لك هذا العلم؟

قال : ( قلب عقول ، ولسان سؤول )(١) .

____________________

(١) قال الجاحظ : وقد رووا هذا الكلام عن دغفل بن حنظلة العلاّمة ، وعبد الله أولى به منه. والدليل على ذلك قول الحسن : إنّ أوّل من عرّف بالبصرة ابن عباس ، صعد المنبر فقرأ سورة البقرة ففسّرها حرفاً حرفاً ، وكان مثجّاً يسيل غرباً.

المثجّ : السائل الكثير وهو من الثجاج ، والغرب هاهنا : الدوام. ( البيان والتبيين ١ / ٨ ـ ٨٥ تح هارون ).

٩

١٠

الإهداء

إلى سيدي ومولاي أمير المؤمنين عليه السلام باب مدينة العلم أوّل راع بعد الرسول الكريم صلى الله عليه واله وعى ابن عباس رضي الله عنه حتّى أثمر غرسه، وزكت نفسه بفضل تعاليمه، أقدّم هذه الأوراق، راجياً قبولها على ما فيها من تقصير، وداعياً الله سبحانه التوفيق لإخراج ما تبقى من أجزاء هذه الموسوعة، إنّه ولي ذلك.

عبدك ووليك

محمد مهدي السّيد حسن الموسوي الخرسان

عفى عنه

١١

١٢

مقدمة المؤلف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِِ

وبه نستعين

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين ، ورضي الله عن الصحابة المهتدين أجمعين ، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد لقد كان عند صدور الحلقة الأولى من هذه الموسوعة صدى استحسان لدى القراء ، وبالرغم ممّا وقع فيها من أخطاء في برنامج الحاسوب زاغ عنها البصر ، فقد أقبلوا عليها حتّى كادت أن تنفذ ولمّا يمضي على صدورها أقلّ من عام ، وقد وصلتني دعوات مباركات مشفوعة بمطالبة إصدار بقية الحلقات ، وهذا ما أعتز به ، وأعدّه ذخراً لي ، ومثوبة باقية في كتاب علم ينتفع به ، وصرت أعِدُ القرّاءَ المطالبين ببقية الحلقات بتوالي العمل على تلبية ما يطلبون ، وكنت أرغب في الوفاء بما وعدتهم بأقرب فرصة ممكنة.

١٣

ولكن تزاحم الإصدارات بعد طول غياب ، ومنها إصدار موسوعة ابن إدريس الحلي رحمة الله كان جهداً أخّرني عن الإستمرار في إنجاز بقية حلقات موسوعة ابن عباس رضي الله عنه ، ولا أقول إني قدّمتُ الأهم على المهم كما هو في باب التزاحم ، فإنّ الموسوعتين هما عندي سواء ، مضافاً إلى إصدار بعض الكتب الأخرى لي كانت في خبايا الزوايا ، وقد حان موعد إصدارها ، لذلك كلّه فأنا أعتذر عن التأخير ، وما دامت النيّة حسنة ، والعزم قائم على المتابعة ، فأرجو أن يعينني الله تعالى على إنجاز ما أريد به خدمة الإسلام والمسلمين ، طالباً منه مزيد التوفيق والتسديد ، إنّه المبدئ والمعيد ، وهو الحميد المجيد.

الراجي عفو المنّان

محمّد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان

٢٥ ربيع الأوّل سنة ١٤٢٨ هـ

١٤

تحريك اليراع بعد انقطاع

لقد طال الغياب عن باقي حلقات هذا الكتاب (موسوعة عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن ).

والآن وقد صدرت الحلقة الأولى ـ وإن لم تكن بالمستوى المطلوب لي من حيث التصحيح ـ فقد كثر الطلب بإلحاح عن باقي الكتاب فآن الأوان لمراجعة باقي الحلقات ، إذ لم يبق لي عذر في التأخير ، ولابد من تتابع سيرها في الإصدار ، وهذا ما أتمناه قبل أن يفاجأني الحِمام ، وقد انقضت السنون والأعوام ، وأنا أسابق الأيام في نفض الغبار عن مسودات تلك الحلقات ، التي طال غيابي عنها ، بعد أن باعدت بيني وبينها عوامل الخوف والإضطهاد الفكري ، حتّى نسيت كثيراً من التعليقات ممّا ينبغي ذكره ، وقد بدأت أستعيد على جهد نشاطاً ولّت قواه ، ولكن لم تهن عزيمته ، فعاودت النظر فيما كتبت ، وصرت أملأ بعض الفراغ الذي بقيت فيه فجوة يلزمني سدّها أو تسديدها بما يسعني عمري ، ويعينني فكري وذُكري.

وأستأنفت مراجعة ما طال بُعدي عنه ، ولم يكن ذلك أمراً يتسم بالسهولة واليسر ، إذ يتطلب المنهج الطموح بقاء الذاكرة على قوتها ، كما يتطلب القوى البدنية على تماسكها لصعود السلّم وإحضار الكتاب

١٥

المطلوب من رفوفه العالية مثلاً ، فأنّى لي هذا ، وأنا زرع آن حصاده ، وصار الجهد مضنياً ، وفوق ذلك فآفة العلم النسيان ، والقوى الخائرة تصرع الإنسان.

فأسأل الله تعالى العلي القدير أن يتفضل عليّ بما هو أهله ، ويمنحني التوفيق ، وفسحة في العمر لإصدار هذه الحلقات وغيرها ، ممّا وفقني إلى تأليفه أو تحقيقه ، إنّه المتفضل المنان وهو الوليّ المستعان ، ولتكن هذه السطور بمثابة إعتذار إلى القراء عما يجدونه من قصور ، راجياً أن يجدوا فيما سلم منه الفائدة ، وتعويضاً عمّا فات عن غير عمد ، فهذا هو مبلغ الجهد ، والله من وراء القصد.

ماذا نقرأ في هذه الحلقة عن ابن عباس رضي الله عنه؟

سأبحث فيها ـ بعد المقدمة ـ عن تاريخه العلمي دراسة وعطاء في عدّة اجزاء ، وفي كلّ جزء عدّة مواضيع ضمن أبواب وفصول.

ففي الجزء الأوّل عدّة أبواب :

الباب الأوّل : وفيه فصلان :

الفصل الأوّل : في الكلام عن بدء تعلمه على يد معلمه الأوّل ، وهو مدينة العلم ( محمّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقد ازدانت حياته بصحبة ابن عمه طيلة ثلاثين شهراً ، فاقت صحبة أعوام غيره من سائر الصحابة ، ثمّ أتم تعلّمه من بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم على يد معلّمه الثاني باب مدينة العلم ، وهو الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وبذلك أوصاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كما سيأتي بيان

١٦

ذلك.

الفصل الثاني : وفيه أبحث أخذه عن الصحابة من حملة الحديث وغيرهم ، ونقف قليلاً عند رد شبهات كاذبة وآراء خاطئة ، في أنّه تعلّم ممّن كان هو معلّمهم ، وإليه يرجعون في كشف غياهب الجهل عنهم حين تحلّ بهم العُضَل.

الباب الثاني : في مدارسه ومجالسه وعطائهما ، وفيه فصلان :

الفصل الأوّل : فأبحث فيه : ذكر مدارسه التي حفلت بها عدّة من البلدان الإسلامية بما فيها بلاد الحرمين الشريفين مكة والمدينة ، والعراقين الكوفة والبصرة ، وغيرها كمصر والشام ، وأخيراً الطائف.

الفصل الثاني : فأبحث فيه : ما أثمرت تلك المغارس من الثمر الكثير الطيّب الجني ، كما أنّ فيه القليل الوبيء ، وذلك من خلال تلامذته والرواة عنه ، وهؤلاء لهم فصل خاص نستعرض فيه أسماءهم مع شيء موجز في تعريفهم مع ذكر حديث واحد أو أكثر لكلّ واحد منهم رواه عن أستاذه حبر الأمة إن كان ثمة له حديث وقفنا عليه. وبهم نختم الجزء الأوّل من الحلقة الثانية.

أمّا الجزء الثاني ففيه :

الباب الثالث : وفيه سبعة فصول :

والعزم على البحث فيه عن معارفه ومحاضراته ومناهجه في التعليم ممّا يدلنا على انتهاجه سبيل التخصص ، وتطبيق نظامه عملياً قبل أربعة

١٧

عشر قرناً سبق به دعاة الإختصاص في العصر الحديث.

ففي الفصل الأوّل : سنلمّ سراعاً فيه : بذكر العلوم التي كان يحاضر فيها ، فبدءاً من علوم القرآن الكريم ، ونستعرض بعض ما امتاز به فيما يتعلق بنفس القرآن المجيدكترتيب السور في مصحفه ، وبعض قراءاته ، ثمّ بعض آرائه في مناحي التفسير ومنها منحى تفسيره لغريب القرآن مع الشاهد عليه من الشعر ، وقراءات عن معارفه القرآنية ونرجئ الإلمام بما يتعلق بتفسيره الكامل إلى الحلقة الثالثة إن شاء الله تعالى. وهذا قوام الجزء الثاني.

وفي الجزء الثالث الفصل الثاني : وسنلمّ أيضاً سراعاً فيه : بعلمه في الحديث النبوي الشريف ، وكثرة مروياته ، وكثرة الوضع عليه ، والدفاع عن الصحيح منه حسب موازين تأتي الإشارة إليها ، وقد نختم الفصل إن وسع البحث بذكر أربعين حديثاً عنه بأسانيدي إليه من طرق العامة والخاصة ، ونرجئ ذكر مسانيده فيما صح من حديثه المرفوع إلى الحلقة الثالثة إن شاء الله تعالى.

ثم في الفصل الثالث : نبحث عن فقهه ونبوغه فيه مبكراً حتّى عدّ ممّن كان يفتي على عهد الخالفين الأولين ، ونرجئ مجموعة آرائه الفقهية إلى الحلقة الثالثة إن وسع البحث. وهذا جميعه في الجزء الثالث.

أمّا الفصل الرابع : فنذكر فيه ما ورد عنه من آثار أدبية شعراً ونثراً ، ومحاججات كلامية ، ومحاورات عقائدية ، وأجوبة مسائل في شتى فنون

١٨

المعرفة. وهذا كلّه في الجزء الرابع وربما نختتم هذه الحلقة في :

الفصل الخامس : فيما جاء عنه من بقية مواقفه العقائدية مع أصحاب الفرق والمذاهب.

الفصل السادس : في ما ورد عنه من الدعاء وآدابه.

الفصل السابع : في كتبه وما ورد عنه من حكم الكلم القصار وبه نختم الجزء الخامس من الحلقة الثانية.

ولا شك عندي بأنّ تغييرات كثيرة طرأت فتوسعت المطالب ممّا يقتضي إعادة النظر في التبويب والترتيب ، فأنّى لي بذلك وأنا أغالب الأيام بسرعة الإتمام ، نسأله تعالى أن يتقبل ذلك بمنّه إنّه سميع مجيب ، وأرجو أن يعذرني القارئ الكريم فيما يجدني فيه مقصّراً مدّاً وجزراً ، لأنّ الكتاب جمعت مواضيعه منذ زمن بعيد وفي فترات متفاوتة في النشاط تبعاً لحالة الإنسان الواقعة تحت ضغط الظروف ، فغاب عنه ماتلف ، فقدّم ما بقي على ما فيه من فجوات ، والحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

١٩

تنبيه

لقد مرّ بنا في مقدمة الحلقة الأولى ذكر بعض ما عني به تاريخ حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنه من ملابسات شوهت عدّة جوانب من تاريخ حياته ، وذكرنا أنّه استُهدِف لعدّة عوامل تجمّعت على ما بينها من تنافر ، فصار ضحية لتلك القوى المتصارعة ، كما لخصناها فيما قلناه هناك :

( وهكذا كان من قدر ابن عباس أن يكون الحاكمون العباسيون من أبنائه ، ويكون خصومهم الأمويّون والحسنيّون من أعدائهم ، فلحقته تبعات من هؤلاء ، وشتيمات من هؤلاء ، ما شوّه جانباً من تاريخه ، ولم يسلم نتيجة ذلك التشويه حتّى من غير أولئك ، كالخوارج ، بل وحتّى من غير المسلمين ، فكان باختصار : ضحيّة لأمويّة حاقدة حانقة ، وعباسيّة بغيضة مائقة ، وحسنيّة موتورة ثائرة ، وخوارج جوارح قانصة ماكرة ، وأخيراً يهودية وصليبية كافرة )(١) .

____________________

(١) موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى / ج١ ( نور على الدرب ).

٢٠

إذن ليس من السهل غربلة المتناقضات في شتات أخباره ، وليس من الهيّن الليّن غضّ النظر عنها ، فإستخلاص تاريخه سليماً من تلك الشوائب الكثيرة يحتاج إلى بالغ جهد مكين ، وباحث قمين أمين ، وحيث مرّ حديثنا عنه في الحلقة الأولى متكفلاً سيرة وتاريخ ، فذلك يغني في معرفة تاريخه عبر سنيّ حياته ، بدءاً من ولادته إلى يوم وفاته رضي الله عنه.

أمّا الآن فنحن على أبواب الحلقة الثانية ، وتتكفل بالحديث عنه من جانب آخر أوسع فصولاً وشمولاً ممّا مرّت الإشارة إليه ، وهو تاريخه العلمي ( تتضمن دراسة وعطاء ، بدءاً من ينابيع العلم والمعرفة الأولى ، وانتهاءً بمظاهر العطاء من مدارسه وتلاميذه ، ونماذج من خطبه ومحاوراته وكتبه ومسائله ، والمأثور عنه من حكم وكلمات قصار )(1) .

ومن الطبيعي سنلاقي الكثير من الروايات المتناقضة في هذه المواضيع المبحوث عنها ، فلابدّ من أخذ الحيطة ، والحذر من الأخذ بكلّ ما روي منها ، والإعتماد عليها ، ومع ملاحظة السند والمتن والدلالة سنلقي كمّاً غير قليل في سلّة المهملات ، لأنّه ممّا يرتفع مع المناقبيين إلى قمة الغلوّ الفاحش ، كما نلقي أيضاً كمّاً نحو ما سبق معه ، لأنّ الأخذ بما فيه ، إسفاف مع المعادين ووقوع في هوّة الإحن والأضغان.

فالرجل كما قرأناه في سيرته وتاريخ حياته كان مستهدَفاً للخصوم ،

____________________

(1) موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى / ج1 ( ماذا نقرأ في هذا الكتاب؟ ).

٢١

وإن لم يعدم من أنصار انتهلوا من نمير علومه فأرواهم ، فقالوا فيه مِدحاً لاتستوي في غلوّها فتصير جرحاً ، كما لم يسلم من فئات تبنّوه لجئاً في تسديد مقالاتهم ونصرة مذاهبهم ، شأنه في ذلك شأن العظماء ، فكلّما كان المرء كبيراً ، حمّلوا تاريخه كثيراً.

فبعظم قدر المرء يعظم خصمه

وينال شهرته يعدّ خصيماً

فالهرّ إذ تعلق مخالب ظفره

قبّ الأسود فكان ذا تعظيماً

ولنشرع بعون الله تعالى في قراءة أبواب هذه الحلقة ، لنقرأ في فصولها مراحل دراساته ، ونتاج ثمراته ، في سنيّ حياته ، ولا شك أنّه كان أشرفها زماناً أيام تشرفه بخدمة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم وابن عمّه عليه السلام ، الذي أولاه بعنايته ، وشرّفه ببركة دعائه له ، فكانت فترة تلك الصحبة على قلّة أيامها ، موفورة بعطائها ، سعُد فيها حظُّه ، وعلا بها جدُّه ، فكان موفور الحظ مليئ العياب.

٢٢

الباب الأوّل

وفيـه فصـلان

٢٣

٢٤

الفصل الأوّل

في بدء تعلّمه على يد معلّمه الأوّل وهو مدينة العلم ذلك هو رسول الله النبيّ الكريم محمّد بن عبد اللهعليه‌السلام

٢٥

٢٦

لقد كان صلى الله عليه وآله وسلم أوّل ينبوع ثرّ من ينابيع الحكمة نهل منه ابن عباس العلم ، وأصفى مورد من موارد المعرفة ، ورده حبر الأمة ، فاستقى منه جليل معارفه ، وتلقى من فَلَق فيه ، المحكم من كتاب الله تعالى ، وما كان تلقيه مجرد حفظ سور وآيات عن ظهر قلب ، بل كان يتلقى التأويل مع التنزيل ، فحفظ المحكم وهو ابن عشر سنين كما كان يتحدث عن ذلك باعتزاز بالغ(1) كما سمع الحديث الشريف من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فحفظ منه ما وسعه حفظه ، ورأى كثيراً من أفعاله وتقريره ما أكمل عنده ركائز السنة النبوية قولاً وعملاً وتقريراً ، وقد مرّت شواهد على ذلك ، ونظراً لقصر الفترة زماناً وكثرة المروي عن ابن عباس ممّا لا يتناسب في سماعه كلّ ذلك في فترة لم تبلغ ثلاث سنين ، وقد حدّدها الذهبي فقال : ( صحب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم نحواً من ثلاثين شهراً ، وحدث عنه بجملة صالحة )(2) ، ولمّا كان الحديث عن تلك الفترة قد مرّ في الجزء الأوّل من الحلقة الأولى(3) ، سوى ما ورد من الوقوف عند الأحداث الثلاثة التي تميّزت عن غيرها ممّا رآه وسمعه ابن عباس ، وهي : حجة الوداع ، وبيعة الغدير ، وحديث الكتف والدواة ، وسمّيته

____________________

(1) موسوعة فقه عبد الله بن عباس / 8 ـ 9.

(2) موسوعة فقه عبد الله بن عباس / 8 ـ 9 نقلاً عن تهذيب التهذيب 5 / 279.

(3) موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى 1 / 181 ـ 201 ، 209 ـ 220.

٢٧

بحديث الرزية ، وقد استغرق الحديث عن هذه الثلاثة بقية الجزء الأوّل كلّه تقريباً فلا حاجة إلى إعادته ، وقد عرفنا أسباب دواعي تميزّه عن غيره من الصحابة حتّى الذين تشدّهم مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قربى نسب أو مصاهرة ، فكان من أهم أسباب نبوغه المبكّر هو مباركة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم له بالدعاء بالحكمة والفقه والعلم بالتأويل ، وكان ذلك مدعاة فخر كبيرة ، ولكن كلّ ذلك لم يقنع المشكك في صحة رواية ذلك الكمّ الكثير من الروايات المنسوبة إلى ابن عباس ، فلابدّ لنا من وقفة تحقيق ، نستنير بمعالمه سواء الطريق.

ابن عباس في مهبِّ العاصفة

إنّ الحديث عن مرويات ابن عباس كمّاً وكيفاً حقّه أن يكون في الحلقة الرابعة حيث خصصتها لما قيل فيه وعنه ، ولذا سميتها ( ابن عباس في الميزان ) غير أنّ المقام يستدعي بيان بعض الشيء ولو بنحو الإيجاز ، لتسليط الضوء على ذلك الكمّ الكثير من الروايات الذي قالوا أنّه بلغ عددها ( 1660 ) وعن مدى صحته أو عدم صحته ، ما دمنا في مقام الحديث عن بدء تعلّمه على يد معلّمه الأوّل وهو النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، فأقول :

لقد أسرف القول غير واحد من الباحثين قديماً وحديثاً في تقويم المروي عن ابن عباس ، حتّى قالوا : ( روى غندر أنّ ابن عباس لم يسمع من النبيّ إلاّ تسعة أحاديث ، بينما يرى يحيى القطان أنّ ابن عباس لم يسمع من الرسول سوى عشرة أحاديث ، وقد أسرف الغزالي جداً حين قال

٢٨

في المستصفى : انّ ابن عباس لم يسمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير أربعة أحاديث ).

ـ قال د ـ محمّد روّاس قلعه جي بعد نقله ما تقدم ـ : ( ونحن نقول كما قال ابن حجر : هذا كلام فيه نظر ، ففي الصحيحين ممّا صرّح ابن عباس فيه بالسماع من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من عشرة أحاديث ، وفيهما ممّا يشهد فعله نحو ذلك ، وفيهما ممّا له حكم الصريح نحو ذلك ، فضلاً عما ليس في الصحيحين ).

وستأتي منا مناقشة من أسرف في القول كالغزالي ، ولكن قبلها إلى قراءة سريعة في نماذج من سماعات الصحابة للحديث النبوي الشريف كمّاً وكيفاً ، وكانوا يكبرونه سنّاً ولكنهم قصرت بهم خطاهم عن أن يبلغوا شأوه ، وصار هو على صغر سنه يقرئ بعضهم.

نماذج من سماع الصحابة للحديث النبوي الشريف كمّا وكيفاً

1 ـ قال عمر : ( كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد
ـ وهي من عوالي المدينة ـ وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينزل يوماً ، وأنزل يوماً ، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره ، وإذا نزل فعل مثل ذلك ) (1) .

____________________

(1) صحيح البخاري 1 / 25 كتاب العلم باب التناوب في العلم ، فتح الباري 1 / 195.

٢٩

2 ـ قال البراء بن عازب الأوسي : ( ما كلّ الحديث سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كان يحدثنا أصحابنا وكنا منشغلين في رعاية الإبل ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كانوا يطلبون ما يفوتهم سماعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فيسمعونه من أقرانهم وممّن هو أحفظ منهم ، وكانوا يشددون على من يسمعون منه )(1) .

وفي رواية أخرى عنه : ( ليس كلّنا كان يسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت له ضيعة واشتغال ، ولكن الناس لم يكونوا يكذبون يومئذ فيحدث الشاهد الغائب )(2) .

3 ـ عن قتادة : ( أنّ أنساً حدّث بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال له رجل : سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فغضب غضباً شديداً وقال : ليس كلّما نحدّثكم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمعناه ( منه ) ولكن كان يحدّث بعضنا بعضاً ، ولا يتهم بعضنا بعضاً )(3) .

4 ـ قيل لحذيفة ـ ابن اليمان ـ : نراك تتكلم بكلام لا يسمع من غيرك من الصحابة فمن أين أخذته؟ قال : ( خصّني به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كان الناس يسألونه عن الخير وكنت أسأله عن الشرّ مخافة أن أقع فيه ، وعلمت أنّ الخير لا يسبقني علمه )(4) .

____________________

(1) معرفة علوم الحديث / 14.

(2) المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للرامهرمزي / 32 ـ 33 ، ونحوه في قبول الأخبار للكعبي 1 / 39.

(3) قبول الأخبار للكعبي / 40 ط دار الكتب العلمية بيروت.

(4) إحياء علوم الدين للغزالي 1 / 77 ط مصر.

٣٠

وكان حذيفة رضي الله عنه قد خُصّ بعلم المنافقين ، و ] استفرد [ بمعرفته علم النفاق وأسبابه ودقائق الفتن ، فكان عمر وعثمان وكبار الصحابة ( رضي الله عنهم ) يسألونه عن الفتن العامّة والخاصة ، وكان يُسأل عن المنافقين فيخبر بعدد من بقي منهم ولا يخبر بأسمائهم(1) .

إلى غير ذلك ممّا دلّ على أن ليس كلّ ما رواه الصحابة كان سماعاً من فَلَق فيه صلى الله عليه وآله وسلم ، ومع ذلك لم يذكر عن زوامل الأسفار من أشكل على تلك الحال. بل رأينا الكثير ممّن شغف حبّاً ببعض الصحابة ، يكيل المدح جزافاً لهم ، ويدافع مستميتاً عن أولئك البعض أمثال أبي هريرة الذي منح وسام ( راوية الإسلام ) ، وقد صدر بهذا الإسم كتاب لمحمد العجاج الخطيب الشامي يدافع فيه عنه ولكنه كان دفعاً بالصدر ، وهو مليء بالمغالطات ـ وحبّ الشيء يعمي ويصمّ ـ تحامل فيه على من تناول أبا هريرة بالتجريح ، ولو كنّا بصدد الردّ عليه لحاسبناه حساباً عسيراً ، ولكن نذكّره والقارئ إلى ما جاء في صحيح البخاري من اعتراف أبي هريرة بإتهام الصحابة له حيث يقول : ( إنّكم تزعمون أنّ أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله ) ، وفي رواية أخرى : ( يقولون أنّ أبا هريرة قد أكثر )(2) .

وإذا أردنا محاسبته بعملية حسابية بسيطة نجد اللوم عليه لا على من

____________________

(1) إحياء علوم الدين للغزالي 1 / 78 ط مصر.

(2) صحيح البخاري 1 / 31 كتاب العلم باب كتابة العلم.

٣١

اتهمه ، فهو قد أتى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في سنة سبع بعد فتح خيبر ، وزعم أنّه صلى الله عليه وآله وسلم جعله عريف أهل الصُفّة ، وقد أرسله مؤذناً مع العلاء الحضرمي إلى البحرين وكان ذلك في السنة الثامنة ، ولم يعد إلى المدينة إلاّ بعد أن استقدمه عمر في خلافته للشهادة على قدامة بن مظعون لشربه الخمر ، ومرّة أخرى سنة قاسم فيها العمال ، فقال له عمر : ( استأثرت بهذه الأموال يا عدو الله وعدو كتابه )(1) ، وفي طبقات ابن سعد عنه : ( أنّه قال لعمر : خيل لي تناتجت وسهام لي اجتمعت ، فأخذ مني إثنا عشر ألفاً )(2) . فكانت مدّة صحبته للرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم سنة وعدّة أشهر؛ ومع قصر تلك المدّة فقد أخرج له أحمد في مسنده ( 3848 ) حديثاً ، وروى له بقي بن مخلد في مسنده ( 5374 ) ، بينما بقية الصحابة مَن هم أشدّ لصوقاً بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأقدم سلماً ، وأكثر حضوراً معه وعنده في السفر والحضر ، لم يبلغ واحد منهم مبلغ أبي هريرة في روايته! ومهما قيل في تبرير ذلك من أقوال فهي غير مقبولة ، وأعذار واهية ، ولو نظرنا إلى المكثرين من الصحابة لا نجد من يوازيه ، فهو على أميّته ـ إذ لم يكن يعرف الكتابة ـ فاقهم بطوفان وعاء واحد ، ورحم الله أمة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم من الوعائين الذين سترهما ، وما أوسع كيس أبي هريرة!!

ولا نريد أن نتجنى عليه ولا على غيره من الصحابة ، ولكن من حقنا

____________________

(1) البداية والنهاية 8 / 111 ـ 113.

(2) طبقات ابن سعد 4 / 59 ـ 60.

٣٢

أن نسأل أعلام المحدّثين والكتاب المحدَثين ما الذي حملهم على مناقشة كثرة المروي عن ابن عباس وأخرسهم وأصمّهم وأعماهم عن كثرة المروي عن أبي هريرة؟! إنّها الإزدواجية في المعايير! وحبّذا لو أنصفوا أنفسهم قبل أن ينصفوا الآخرين ، لسلكوا طريقاً وسطا ، ولم يذهبوا في عواهن القول شططا ، فعاد أمرهم فرطا ، أبو هريرة راوية الإسلام يروي لهم ـ أو هم ـ يروون له أكثر من سبعة أضعاف ما رووه عن عبد الله بن عمرو ابن العاص ، الذي كان يقول أبو هريرة عنه : ( ما كان أحد أكثر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مني إلاّ ما كان من عبد الله بن عمرو فإنّه كان يكتب ولا أكتب )(1) .

والآن إلى كشف الحساب عن مرويات المكثرين من الصحاب

لو أردنا مقارنة ما روي عن ابن عباس مع ما روي عن الصحابة ، فعلينا أن نجعله مع المكثرين منهم ، وهم لا يتجاوزون العشرة ، وأحاديث بعضهم تفوق جميع ما رواه العشرة ( المبشرة؟ ) بل وحتّى جميع أمهات المؤمنين غير عائشة فإنّها من المكثرين أيضاً ، وللقارئ سأذكرهم واحداً بعد الآخر حسب أرقام مروياتهم ، فمن الأكثر إلى الأقل مع تعريف بسيط بكلّ واحد منهم نتعرف من خلاله على مقدار معاشرته للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ومدى إلتصاقه به ، لنتهضّم ما ذكره المحدّثون عنهم من أرقام عالية.

____________________

(1) البخاري ، كتاب العلم باب كتابة العلم 1 / 30 ط بولاق.

٣٣

ومن الطبيعي أن يكون أبو هريرة في أعلا السلّم من حيث الرقم في الكمّ ، لولا أنّه أنزل نفسه ـ ولعلّه تواضعاً أو جائعاً مازحاً فقد كان هو كذلك ـ فأخلى المقام لعبد الله بن عمرو بن العاص ، ونحن مجاراة له كانت مسيرتنا مع الصحابة المكثرين ، فجعلناه أوّلهم.

1 ـ عبد الله بن عمرو بن العاص

أسلم وهاجر هو وأبوه قبل الفتح بستة أشهر ، قال محمّد محمّد أبو زهو في كتابه الحديث والمحدثون : ( كان أكثر الناس أخذاً للحديث والعلم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، روى البخاري في كتاب العلم أنّ أبا هريرة قال : ما كان أحد أكثر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مني إلاّ ما كان من عبد الله بن عمرو فإنّه كان يكتب ولا أكتب. وجاء عنه أنّه كان يكتب كلّ ما يسمعه من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فنهته الصحابة (؟) عن ذلك ، وقالوا : إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يتكلم في الغضب والرضا فلا تكتب كلّ ما تسمع ، فسأل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فقال له : ( أكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منهما إلاّ حق ـ يعني شفتيه الكريمتين ـ. ).

وروى ابن سعد عن مجاهد قال : رأيت عند عبد الله بن عمرو بن العاص صحيفة فسألت عنها فقال : هذه الصادقة ، فيها ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس بيني وبينه فيها أحد )(1) .

____________________

(1) الحديث والمحدثون / 142 ط1 مصر 1378 هـ شركة مساهمة مصرية.

٣٤

ومع هذا فلقد حاز قصب السبق أبو هريرة ، ولولا أنّه القائل : ( ما كان أحد أكثر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منّي إلاّ ما كان من عبد الله بن عمرو فإنّه كان يكتب ولا أكتب )(1) لما ذكرت عبد الله بن عمرو أوّلاً. وهذا لم يذكر من الحديث عنه سوى سبعمائة ( 700 ) حديث ، اتفق الشيخان منها على سبعة عشر ( 17 ) وانفرد البخاري بثمانية (8) ومسلم بعشرين ( 20 ) ، وهذا الرقم يهبط بصاحبه إلى أدنى مستوى المكثرين ، فما بال أبي هريرة يقول : ( ما كان أحد أكثر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مني إلاّ ما كان من عبد الله بن عمرو فإنّه كان يكتب ولا أكتب )؟! ولا شك أنّ من كان يكتب يكون أكثر ضبطاً ممّن لا يكتب. ثمّ يروي الحديث هذرمة ، فيروى عنه من الحديث ما يزيد على سبعة أضعاف ما رواه مَن كان يكتب ، ومهما يكن فلولا أنّ البخاري ذكر في صحيحه في كتاب العلم ذلك عن أبي هريرة ، لما كدنا نصدّق ذلك ، ولكن أنّى لنا الإنكار أو التشكيك في ذلك ، وكتابه أصح كتاب بعد كتاب الله عند زوامل الأسفار؟! وما قيل في توجيه ذلك إنّما هو تزويق وتلفيق وتبريرات خاطئة.

2 ـ أبو هريرة

مات سنة 57 هـ على المعتمد عن 778 عاماً ، عاش منها بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم 47 عاماً ، فحدّث فيها كثيراً من وعاء واحد حتّى قال : ( إنّ الناس يقولون

____________________

(1) البخاري ، كتاب العلم باب كتابة العلم 1 / 30 ط بولاق.

٣٥

أكثر أبو هريرة )(1) ، ولا غرابة في إتهام الناس له لأنّ صحبته للرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم تطل ، فهو قد أتى المدينة ليالي فتح خيبر عام سبع من الهجرة ، وخرج من الحجاز في شهر ذي القعدة عام 8 هـ مع العلاء الحضرمي ، ولم يعد إلاّ بعد عام 20 هـ حين دعاه عمر للشهادة على قدامة بن مظعون ، فمتى طالت صحبته لتستوفي فيها كلّ ما رواه ممّا بلغ ( 5374 ) في مسند بقي بن مخلّد ، أو ( 3848 ) كما في مسند أحمد!

إنّها طامّة ما فوقها طامّة ، إنسان لا يحظى بشرف الصحبة إلاّ بعام ودون العام ، يفوق أكابر الصحابة ممّن هم أقدم سلماً وأكثر لصوقاً ، وأشد وثوقاً ، كيف لا يتهمه الناس؟ وكيف لا يتطرق الريب إلى كثرة مروياته بعد أن جرّبوا عليه الكذب.

وحسب القارئ دليل صدق على كذب زعمه دخوله على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زوجة عثمان وبيدها مشط مع أنّ رقية ماتت وقت بدر ، وأبو هريرة أسلم وقت خيبر ، كما قال الذهبي ، وكذلك قال الحاكم في المستدرك : ( هذا حديث صحيح الإسناد واهي المتن فإنّ رقية ماتت سنة ثلاث من الهجرة عند فتح بدر ، وأبو هريرة إنّما أسلم بعد فتح خيبر )(2) ، وكذلك الذهبي أنكر ذلك كما سبق.

وقد روى الذهبي وغيره عن أبي هريرة قال : ( لو كنت أحدّث في

____________________

(1) البخاري ، كتاب العلم باب كتابة العلم 1 / 31 ط بولاق.

(2) المستدرك على الصحيحين 4 / 48.

٣٦

زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربني بمخفقته )(1) . ولعل القارئ لا يدري أنّ عمر كان قد نهاه عن الحديث ، بل وأكذبه فقال له فيما رواه السائب بن يزيد قال : ( سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي هريرة : لتتركنّ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو لألحقنك بأرض دوس )(2) .

3 ـ عبد الله بن عمر بن الخطاب

عرض يوم بدر ويوم أحد فاستصغره النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأجازه يوم الخندق ، روي عنه ( 2630 ) حديثاً كما في كتاب ( السنة قبل التدوين ) لمحمد عجاج الخطيب(3) ، إلاّ أنّه في كتاب الحديث والمحدثون لمحمد محمّد أبو زهو ورد : ( فقد روي له ألف وستمائة وثلاثون حديثاً ، إتفق الشيخان من ذلك على مائة وسبعين ، وانفرد البخاري بواحد وثمانين ، ومسلم بواحد وثلاثين ، والباقي رواه غيرهما )(4) ، وفيه جعله في أواخر درجات السلالم نزولاً ، حيث ذكره بعد ابن عباس ، وقبل ابن عمرو بن العاص ، وابن مسعود ، وهؤلاء العبادلة هم في نهاية عدّ المكثرين.

____________________

(1) تذكرة الحفّاظ 1 / 7.

(2) البداية والنهاية 8 / 107.

(3) السنة قبل التدوين / 471.

(4) الحديث والمحدثون / 142 ط1 مصر 1378 هـ.

٣٧

4 ـ أنس بن مالك الأنصاري

توفي سنة 93 هـ ، خدم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عشر سنين ، وروي له ( 2286 ) حديثاً كما في كتاب السنة قبل التدوين(1) ، إلاّ أنّه في كتاب ( الحديث والمحدثون ) لأبي زهو قال : ( روي لأنس ألف ومائتان وستة وثمانون حديثاً ( 1286 ) إتّفق الشيخان منها على مائة وثمانين وستة ، وأنفرد البخاري بثلاثة وثمانين ومسلم بأحد وسبعين )(2) .

وقد جعله أبو زهو بعد جابر ، فلا كلام في ذلك لأنّ ما روي عنه أقلّ ممّا روي عن جابر في حسابه ، ولكنّه قدّمه على عائشة مع أنّه ذكر مروياتها ( 2210 ) ، فكان ينبغي له أن يقدمها حتّى عليهما ، ولكنه تبين لي أنّه وهم في ذكر مرويات أنس ، كما وهم من قبل في ذكر مرويات ابن عمر ، والصواب ما ذكره محمّد عجاج الخطيب في كتابه ( السنة قبل التدوين ) عدّاً وترتيباً ، فلاحظ.

5 ـ عائشة أم المؤمنين

تزوجها صلى الله عليه وآله وسلم وهي ابنة سبع ، ودخل بها وهي ابنة تسع ، ومات عنها صلى الله عليه وآله وسلم وهي ابنة ثمانية عشرة سنة ، وتوفيت سنة 57 أو 58 هـ ، روي لها من الحديث ( 2210 ) حديثاً ، إتفق الشيخان من ذلك على مائة وأربع وسبعين حديثاً ، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين ، ومسلم بثمانية وستين. والباقي رواه غيرهما.

____________________

(1) السنة قبل التدوين / 137.

(2) الحديث والمحدّثون / 137.

٣٨

6 ـ عبد الله بن عباس

ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ، وهاجر مع أبيه قبيل الفتح ، ومات صلى الله عليه وآله وسلم وعمره 13 سنة ، ومات هو سنة 68 هـ. ، وروي له من الحديث ( 1670 ) ، اتّفق الشيخان على خمسة وتسعين منها ، وانفرد البخاري بمائة وعشرين ، ومسلم بتسعة وأربعين حديثاً. والباقي رواه غيرهما.

7 ـ جابر بن عبد الله الأنصاري

ولد سنة 16 قبل الهجرة ، ومات سنة 78 هـ عن 94 سنة ، روي له ( 1540 ) حديثاً ، منها في الصحيحين ( 212 ) حديثاً ، اتّفق الشيخان على ( 600 ) حديثاً ، وانفرد البخاري بستة وعشرين ، ومسلم بمائة وستة وعشرين حديثاً. والباقي رواه غيرهما.

8 ـ أبو سعيد الخدري

ولد سنة 12 قبل الهجرة ، ومات سنة 74 هـ ، روي له من الحديث ( 1170 ) ، له في الصحيحين ( 111 ) حديثاً ، اتفق الشيخان على ( 43 ) ، وانفرد البخاري بستة عشر حديثاً ، ومسلم باثنين وخمسين حديثاً.

9 ـ عبد الله بن مسعود الهذلي

من السابقين إلى الإسلام ، قال أبو زهو : ( أسلم عبد الله قديماً حين أسلم سعيد بن زيد قبل إسلام عمر بن الخطاب بزمان ، جاء عنه أنه قال : ( لقد رأيتني سادس ستة ما على الأرض مسلم غيرنا ) روي له من الحديث

٣٩

( 848 ) ، اتفق الشيخان منها على 64 حديثاً ، وانفرد البخاري بواحد وعشرين حديثاً ، ومسلم بخمسة وثلاثين حديثاً )(1) .

ولمّا كان حديث ابن مسعود أقلّ من ألف جعلته آخر المكثرين ، وبه مسك الختام وتمام الكلام عن كشف الحساب عن مرويات المكثرين من الصحاب الكرام.

ونعود الآن إلى محاسبة الذين نفوا أن يكون ابن عباس سمع من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الحديث إلاّ عدداً يسيراً ، حددّه القطان بعشرة ، وغندر بتسعة ، والغزالي بأربعة ، وحكى ذلك عنهم ابن حجر في ( تهذيب التهذيب ) في آخر ترجمة ابن عباس ، بعنوان فائدة. وقد تنظّر في ذلك فقال : ( وفيه نظر ففي الصحيحين عن ابن عباس ممّا صرح فيه بسماعه من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من عشرة ، وفيهما ممّا يشهد فعله نحو ذلك ، وفيهما ممّا له حكم الصريح نحو ذلك ، فضلاً عما ليس في الصحيحين )(2) اهـ.

ووافقه من المحدثين المعاصرين الدكتور محمّد رواس قلعه جي ، فقد ذكر ما سبق عن ابن حجر ثمّ قال : ( ونحن نقول كما قال ابن حجر : هذا كلام فيه نظر ) ، ثمّ أعاد ما قاله ابن حجر في أحاديث ابن عباس التي فيها تصريح بالسماع وما يشهد فعله ، وممّا له حكم الصريح.

وخير ما نعقب نحن به على ما قاله ابن حجر وتنظره ، أن نقف وقفة عابرة مع الغزالي. فإليها :

____________________

(1) الحديث والمحدّثون / 147.

(2) تهذيب التهذيب 5 / 279.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509