موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٦

موسوعة عبد الله بن عبّاس0%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 509

موسوعة عبد الله بن عبّاس

مؤلف: السيد حسن الموسوي الخرسان
تصنيف:

الصفحات: 509
المشاهدات: 74332
تحميل: 4077


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 509 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 74332 / تحميل: 4077
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء 6

مؤلف:
العربية

وقفة عابرة مع الغزالي

وتعقيباً منّا على ما مرّ من كلام ابن حجر ، الذي اتخذ ممّا جاء عن ابن عباس مصرّحاً بسماعه أو حضوره أو نحو ذلك في الصحيحين وسيلة إدانة للغزالي ، وهي كذلك ، إلا إنّا سندينه بفمه ومن خلال كتابه ( إحياء علوم الدين ) الذي قيل فيه ما قيل من ثناء وإطراء ، ليتبين للقارئ مدى تبحره وإتقانه وصدقه في زعمه أنّ ابن عباس لم يسمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ أربعة أحاديث كما قاله في ( المستصفى )(1) ؟!

فنقوله له وللمعجبين به وبكتبه خصوصاً كتابه ( إحياء علوم الدين ) ـ الذي قال هو فيه : ( فاعلم أنّ ما رأيت في الإحياء صحيح ، ولكن بقي في كشفه أمر لا يخفى على المستبصرين ، ولا يغيب عن الشاذّين إذا كانوا منصفين )(2) ـ.

فنحن لئلا نكون من الشاذّين بنظره نودّ أن نصدّقه ولا نصادقه في دعواه بصحة ما رأيناه في كتابه الإحياء في خصوص روايات ابن عباس المرفوعة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حسب تصريحه برفعها وقد أحصيتها فكانت

____________________

(1) قال الغزالي : ( فابن عباس مع كثرة روايته قيل أنه لم يسمع من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا أربعة أحاديث لصغر سنه ) المستصفى / 135 مسألة خبر الواحد فيما تعم به البلوى.

(2) كتاب الاملاء في اشكالات الإحياء / 29 ملحقاً بكتابه الإحياء ج5 ط مصر المكتبة التجارية.

٤١

موزّعة بين أجزاء الكتاب الأربعة بنسب متفاوتة ، وهي كما يلي :

ـ ففي الجزء الأوّل اثنا عشر حديثاً مرفوعاً موجودة في الصفحات :

( 84 / 135 / 143 / 187 / 198 / 204 / 244 / 277 / 313 / 321 / 332 / 620 ).

ـ وفي الجزء الثاني سبعة أحاديث مرفوعة موجودة في الصفحات :

( 53 / 57 / 89 / 215 / 254 / 309 / 310 ).

ـ وفي الجزء الثالث خمسة عشر حديثاً مرفوعاً موجودة في الصفحات :

( 51 / 80 / 84 / 174 / 175 / 178 / 241 / 244 / 254 / 314 / 341 / 526 / 528 / 532 / 546 ).

ـ وفي الجزء الرابع سبعة أحاديث مرفوعة موجودة في الصفحات :

( 61 / 153 / 222 / 223 / 387 / 423 / 459 ).

فهذه حصيلة استقراء غير تام ـ كما يقول المناطقة ـ لأحاديث ابن عباس المرفوعة والتي صرّح الغزالي برفعها ، فكانت واحداً وأربعين حديثاً ، أيّ أكثر من عشرة أضعاف ما زعمه في كتاب ( المستصفى ) ، سوى ما لم يصرّح هو فيه برفعه من أحاديث ابن عباس فذكرها مبهمة ، وقد أشار إليها الحافظ العراقي في الهامش مخرّجة عن ابن عباس في مصادر ذكرها ، وهي كثيرة ربما جاوزت ما صرّح برفعه. فكيف لنا أن نثق بعدُ بأقوال الغزالي في ( المستصفى ) في تحقيقه الرشيق؟! وهو في الإحياء قد كبا به جواده في الطريق.

٤٢

إنّها مشكلة الأسماء وفوضى الألقاب ، وطغيان العاطفة ، وبالتالي قدسية الرؤى والمنامات ، كلّها لا تـتـرك مجالاً لكشف أمر لايخفى على المستبصرين ، ولا يغيب عن الشاذين إذا كانوا منصفين ، كما قال هو ، وليبق الغزالي في برجه العاجي حائزاً على لقب حجة الإسلام بزعم الحامدين ورغم الجاحدين ، وحساب الجميع في يوم الدين عند رب العالمين.

فتبيّن أنّ قول الغزالي في سماع ابن عباس أربعة أحاديث من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم غير صحيح بشهادته هو على نفسه! حيث أخرج ـ كما مرّـ أكثر من أربعين حديثاً عنه مرفوعاً في كتابه ( الإحياء ) مصرّحاً بالسماع فيها.

ولنعد إلى ابن عباس فنقرأ عنه في مصادر تعلمه الأولى ، إذ ماكان أفضل من مدينة العلم التي دخلها وهو بعد في سنّ الصبا ، وبدت عليه علامات النبوغ إذ اَذن فجره بالبزوغ ، فأجزله صلى الله عليه وآله وسلم بجزيل الحباء ، وسيأتي البحث في مروّياته ، وكشف الأصيل من الدخيل ليتميز ما صحّ عنه وما لم يصحّ ممّا وُضع عليه. وذلك عند البحث في الفصل الثاني من الباب الثالث ، إن شاء الله تعالى.

ولا عجب أن إمتاز ابن عباس رحمة الله بما وعاه ورآه فرواه ، لأنّه كان من النبوغ المبكّر على درجة عالية ، فمن فطنته أنّه كان يذكر دقائق الأمور ممّا

٤٣

شاهد وسمع ، وقد مرّ بنا في الحلقة الأولى ذكر مبيته عند خالته ميمونة أم المؤمنين فحفظ عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ما رأى وما سمع من أفعال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأقوال في ليله وأداء نوافله ، ممّا لم يطّلع عليه سائر أهل البيت فضلاً عن الصحابة ، كما مرّ بنا ( صحبته له في سفره ) ، إذ حج حجة الإسلام كما كان يسميها ـ وهي حجة الوداع ـ فروى ما يصلح أن يكون منسكاً متكاملاً.

عودة إلى ابن عباس في مدرسته الأولى

لقد سبق منّا في الحلقة الأولى في حديث ولادته أنّ النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم كرّمه بدعائه المستجاب ـ إذ أنّ النبيّ مستجاب الدعوة ـ فقال : ( اللّهمَّ علمّه الحكمة والتأويل ) ، وفي لفظ : ( اللّهمَّ فقهه في الدين وعلّمه التأويل ) ، وذكرنا ما قاله الطبري حول هذا الحديث من تحقيق شامل حول رواياته.

وفي نظري القاصر أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كرّمه بالدعاء أكثرمن مرّة ، ففي الشِعب يوم ولادته ، ومرّة أخرى في المدينة المنورة في بيت خالته ميمونة حينما وضع الوضوء لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومرّة ثالثة رواها ابن عمر عما رآه عمر ، فقال : كان عمر يدعو ابن عباس ويقرّبه ويقول : ( إنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعاك يوماً فمسح على رأسك وقال : ( اللّهمَّ فقهه في الدين وعلّمه التأويل ) )(1) . ولابدّ أن تكون هذه المرّة هي الثالثة نظراً لعدم حضور عمر في الشِعب ولا في بيت ميمونة.

ونضيف إلى ما سبق ما قاله ابن قيم الجوزية في ( أعلام الموقعين ) ،

____________________

(1) فتح الباري 1 / 170 ، تاريخ بغداد 1 / 174.

٤٤

فقد قال : ( ودعاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لعبد الله بن عباس أن يفقهه في الدين ويعلّمه التأويل. والفرق بين الفقه والتأويل ، أنّ الفقه هو فهم المعنى المراد ، والتأويل إدراك الحقيقة التي يؤول إليها المعنى ، التي هي اَخيّته(1) وأصله ، وليس كلّ من فقه في الدين عرف التأويل ، فمعرفة التأويل يختصّ بها الراسخون في العلم ، وليس المراد به تأويل التحريف وتبديل المعنى ، فإنّ الراسخين في العلم يعلمون بطلانه ، والله يعلم بطلانه )(2) أهـ.

وما قاله ابن قيم الجوزية غير بعيد ، ويؤيده أنّ ابن عباس كان يرى في نفسه أنّه من الراسخين في العلم ، وكان تلميذه طاووس أيضاً يرى ذلك فيه ، وسيأتي مزيد بيان في ذلك عند الكلام على تفسيره وحديثه ، ولم يكن منهما ذلك اعتباطاً ، بل بفضل ما كان لديه من استعداد ذهني وفضل أدعية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فبلغ من العلم مقاماً غبطه عليه أكابر الصحابة ، كما مرّ في الحلقة الأولى في أيام عمر ، ومع ذلك كلّه فقد ورد أنّه شكا للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قلّة الحفظ ، فعلّمه صلى الله عليه وآله وسلم ما يتقوّى به على

____________________

(1) الأخية ، بالمد والتشديد ، حبل أو عويد يعرض في الحائط ويدفن طرفاه فيه ، ويصير وسطه كالعروة وتشد فيها الدابة ، ومنه الحديث ( لا تجعلوا ظهوركم كأخايا الدواب ) أي لا تقوسوها في الصلاة حتى تصير كهذه العرى ( النهاية لابن الأثير ( أخا ).

(2) أعلام الموقعين 1 / 288 ط المنيرية.

٤٥

الحفظ. فقد حدّث هو بذلك فقال : ( علّمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أتقوى به على الحفظ حين شكوت إليه قلّة الحفظ ، فقال : ( ألا أهدي لك هدية يابن عباس علّمني إياها جبرئيل عليه السلام؟ ) فقلت : بلى يا رسول الله. فقال لي : ( تكتب في طست بزعفران وماء الورد ، فاتحة الكتاب والتوحيد والمعوذتين ويس والحشر والواقعة والملك ، ثمّ تصبّ عليه ماء زمزم ، أو ماء السماء ، وتشرب على الريق وقت السحر ، وذلك مع ثلاث مثاقيل لبان ، وعشرة مثاقيل عسل ، وعشر مثاقيل سكر ، ثمّ تصلّي بعد شربه عشر ركعات ، تقرأ في كلّ ركعة بفاتحة الكتاب وعشر مرات قل هو الله أحد ، ثمّ تصبح صائماً ذلك اليوم ، فما تأتي عليك أربعون يوماً حتّى تكون حافظاً بإذن الله تعالى ) )(1) .

وأعتقد أن يكون هذا الذي علّمه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد استعمله فجعل الله منه آية في النبوغ المبكّر حتّى صار يحفظ كلّ ما يسمعه ، ويحدّث بما وعى ، فيقول : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلمنا التشهّد كما يعلمنا القرآن )(2) ، وكان يعلّمنا وكان كذا.

وقد علّمه كيف يقرأ القرآن فقال صلى الله عليه وآله وسلم له : ( يابن عباس إذا قرأت القرآن فرتله ترتيلاً ) ، قال : وما الترتيل؟ قال : ( بيّنه تبيينا ، ولا تنثره نثر الدَقل ، ولا تهذّه هذّ الشعر ، قفوا عند عجائبه ، وحرّكوا به القلوب ، ولا

____________________

(1) بحار الأنوار 95 / 340.

(2) تاريخ جرجان / 286 ط حيدر آباد.

٤٦

يكونن همّ أحدكم آخر السورة )(1) .

وكان صلى الله عليه وآله وسلم يختصّه ببعض الوصايا التربوية ممّا صقلت نفسه فزكت ، فكان في سلوكه مستوعباً لتلك الوصايا كما مرّت شواهده في الحلقة الأولى في ( تاريخه وسيرته ). فكان ممّا أختصّه بها من وصاياه تلك الوصية التي قالها له وقد أردفه خلفه وأخذ بيده فقال له : ( ياغلام ـ ياغليم ـ ألا أعلّمك كلمات ينفعك الله بهنّ؟ ) فقال : بلى ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( إحفظ الله يحفظك ، إحفظ الله تجده أمامك ، تعرّف إليه في الرخاء يعرفك في الشدّة ، وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، قد جفّ القلم بما هو كائن ، فلو أنّ الخلق كلّهم جميعاً أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يقضه الله لم يقدروا ، وإن أرادوا أن يضرّوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه ، وأعلم أنّ في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً ، وأنّ الصبر مع الصبر ، وأنّ الفرج مع الكرب ، وأنّ مع العسر يسرا )(2) .

وله عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إفاضات تكشف عن نبوغه المبكر ،منها :

سأل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن قوله تعالى :( وَعَلامات وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) (3)

____________________

(1) مجمع البيان 7 / 295 ط الأعلمي.

(2) راجع موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى / ج1 ( في عهد النبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) ستجد مصادر الوصية تزيد على عشرين مصدراً بينها خمسة شروح ضمنا ومستقلة كلها مطبوعة.

(3) النحل / 16.

٤٧

فقال له : ( الجدي علامة قبلتكم وبه تهتدون في برّكم وبحركم )(1) .

ومنها أيضاً : عنه في تفسير قوله تعالى :( مَنْ كَانَ يُرِيدُ العاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً ) (2) ، أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( معنى الآية من كان يريد ثواب الدنيا بعمله الذي افترضه الله عليه ، لا يريد به وجه الله والدار الآخرة ، عجّل له فيها ما يشاء الله من عرض الدنيا ، وليس له ثواب في الآخرة ، وذلك أنّ الله سبحانه وتعالى يؤتيه ذلك ليستعين به على طاعته ، فيستعمله في معصية الله ، فيعاقبه الله عليه )(3) .

ومنها : قال : سألت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن قوله تعالى :( وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ) (4) ؟ فقال : ( يا بن عباس أمّا ما ظهر فالإسلام وما سوّى الله من خلقه وما أفاض عليك من الرزق ، وأمّا ما بطن فستر مساوىء عملك ، ولم يفضحك به.

يا بن عباس إنّ الله تعالى يقول : ثلاثة جعلتهن للمؤمن ، ولم تكن له : صلاة المؤمنين عليه من بعد انقطاع عمله ، وجعلت له ثلث ما له أكفّر به عنه خطاياه ، والثالث : سترت مساوىء عمله ولم أفضحه بشيء منه ، ولو

____________________

(1) مجمع البيان 6 / 142 ط الأعلمي.

(2) الإسراء / 18.

(3) مجمع البيان 6 / 236.

(4) لقمان / 20.

٤٨

أبديتها عليه لنبذه أهله فمن سواهم )(1) .

ومنها ما قد تعلّمه من معنى الغيرية المحببة ، فقد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( وددت أن تبارك الملك في قلب كلّ مؤمن )(2) .

فلا بدع لو صار على مبلغ من العلم بالقرآن صح منه أن يقول في تفسير قوله تعالى في ذم الكافرين والمنافقين :( وَمِنْهُم مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إذا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ مَاذَا قَالَ ءَانِفاًَ ) (3) ، قال ابن عباس : ( أنا ممّن أوتوا العلم بالقرآن )(4) . وكان يقول في الآية ( 7 ) من آل عمران( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا الله وَالرَّاسِخُون فِي العِلْم ) (5) : ( أنا من الراسخين في العلم )(6) . ولماذا يستغرب ذلك منه ما دام هو يقول لمن يعجب من غزارة علمه فقال له : أنى لك هذا العلم؟ قال : ( قلب عقول ولسان سؤول )(7) .

ويبقى هذا دأبه من بعد ما فارق النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حيث التحق بالرفيق الأعلى ملتزماً بوصيته مطيعاً لأمره كما مرّ بنا وصيته صلى الله عليه وآله وسلم له وما يلزمه العمل به عند توالي

____________________

(1) مجمع البيان 6 / 66.

(2) مجمع البيان 10 / 66.

(3) محمّد / 16.

(4) مجمع البيان 9 / 169.

(5) لقمان / 20.

(6) مجمع البيان 2 / 241.

(7) مجمع البيان 1 / 291 ط الأعلمي.

٤٩

الفتن من بعده ، وهي وصية عظيمة ، فتحت لحبر الأمة آفاقاً من المعرفة أعانته على مواكبة الأحداث من بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على هدىً وبصيرة ، كما أرشده صلى الله عليه وآله وسلم إلى إكمال تعلّمه على يد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حين أمره بملازمته فقال صلى الله عليه وآله وسلم له : ( يا بن عباس خالف من خالف عليّاً ، ولا تكوننّ لهم ظهيراً ولا وليّاً )(1) .

وقال صلى الله عليه وآله وسلم له : ( يابن عباس إذا أردت أن تلقى الله وهو عنك راض ، فاسلك طريقة عليّ بن أبي طالب ، ومل معه حيث مال ، وأرض به إماماً ، وعاد من عاداه ووال من والاه )(2) .

ومن هذه الوصية يمكن التعرّف على مدى عناية الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بابن عمه حبر الأمة ، أن عيّن له من يلجأ إليه من بعده ، فيتخذه إماماً يستضيء بنور علمه ، ليكمل عليه معارفه ، ولم يتخلّف حبر الأمة عن امتثال تلك الوصيّة ، فقد لازم ابن عمه أمير المؤمنين عليه السلام.

ولا ريب في أنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام كان يخص ابن عباس بأوقات يميّزه عن غيره ، ممّا يظهر له فيها من علومه ، خصوصاً في التفسير ما شاع وذاع.

فقد روى أبو عمر الزاهد(3) ، في كتابه بإسناده عن ابن عباس : ( أنّ عليّ ابن أبي طالب قال : ( يا أبا عباس إذا صلّيت عشاء الآخرة فالحقني إلى الجبّانة )

____________________

(1) أمالي الطوسي / 106.

(2) نفس المصدر.

(3) هو محمّد بن عبد الواحد المعروف بغلام ثعلب له رسالة في غريب القرآن ، وله كتاب الياقوته وله فضائل معاوية ، فهو ممّن لايتهم فيما نقلناه عنه.

٥٠

قال : فصلّيت ولحقته وكانت ليلة مقمرة ، قال : فقال عليه السلام لي : ( ما تفسير الألف من الحمد؟ ) قال : فما علمت حرفاً أجيبه ، قال : فتكلّم في تفسيرها ساعة تامة ، قال : ثمّ قال لي : ( فما تفسير اللام من الحمد؟ ) قال : فقلت لا أعلم ، فتكلم في تفسيرها ساعة تامة ، قال : ثمّ قال : ( فما تفسير ] ( الحاء من الحمد؟ ) قال : فقلت لا أعلم فتكلم في تفسيرها ثم قال : فما تفسير [ الميم من الحمد؟ ) قال : فقلت لا أعلم ، فتكلم في تفسيرها ساعة تامة ، قال : ثمّ قال : ( فما تفسير الدال من الحمد؟ ) قال : قلت لا أدري ، قال : فتكلم فيها حتّى برق عمود الفجر ، قال : فقال لي : ( قم يا أبا عباس إلى منزلك وتأهّب لفرضك ).

قال أبو العباس عبد الله بن عباس : فقمت وقد وعيت كلّ ما قال ، ثمّ تفكرت فإذا علمي بالقرآن في علم عليّ عليه السلام كالقرارة في المثعنجر(1) )(2) .

وذكر النقّاش في تفسيره ( شفاء الصدور / المجلد الأوّل ) الحديث الآنف الذكر ، كما ذكر أيضاً عن ابن عباس قوله : ( جلّ ما تعلّمت من التفسير من عليّ بن أبي طالب عليه السلام )(3) .

____________________

(1) المثعنجر : الماء وسط البحر وليس في البحر ماء يشبهه ، والمثعنجر أيضاًً جنب البحر ( قطر المحيط 1 / 204 ).

(2) سعد السعود لابن طاووس / 285 ط الحيدرية سنة 1369 هـ ، وما بين المعقوفين ممّا سقط من النساخ ودلّ عليه السياق فذكرته.

(3) نفس المصدر.

٥١

وقال : ( ما أخذت من تفسير القرآن فعن عليّ بن أبي طالب )(1) .

وحكى الكناني في ( التراتيب الإدارية ) قول القرافي في الفروق ص 167 من الجزء الرابع : ( أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانوا بحراً في العلوم حتّى يروى أنّ عليّاً جلس عند ابن عباس في الباء من بسم الله من العشاء إلى أن طلع الفجر )(2) .

وكم من تفسير آيات ورد عنه وصرّح بأخذه عن الإمام عليّ عليه السلام ، نحو حديثه في تفسير قوله تعالى :( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) (3) ، قال ابن عباس : قيل لأمير المؤمنين عليّ انّ ناساً يقولون في قوله :( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) أنّهما الثديان؟ فقال عليّ : ( لا هما الخير والشر )(4) .

وكذلك تفسير قوله تعالى :( وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً ) (5) ، فقد روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : ( بينما أنا في الحجرة جالس ، إذ أتاني رجل فسأل عن العاديات ضبحا؟ فقلت له : الخيل حين تغير في سبيل الله ، ثمّ تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم ويورون نارهم ، فانفتل عني وذهب إلى عليّ بن

____________________

(1) مناهل العرفان 1 / 486 ، مقدمة تفسير القرطبي / 35 ط دار إحياء التراث العربي بيروت ، التسهيل لابن جزي 1 / 9 ط مصر سنة 1355 هـ.

(2) التراتيب الإدارية 2 / 12 ط دار إحياء التراث العربي.

(3) البلد / 10.

(4) مجمع البيان 1 / 362.

(5) العاديات / 1.

٥٢

أبي طالب عليه السلام وهو تحت سقاية زمزم ، فسأله عن العاديات ضبحا ، فقال : سألت عنها أحداً قبلي؟ قال : نعم سألت عنها ابن عباس فقال : الخيل حين تغير في سبيل الله ، قال : فاذهب فادعه لي ، فلمّا وقف على رأسه. قال : ( تفتي الناس بما لا علم لك به ، والله إن كانت لأوّل غزوة في الإسلام بدر ، وما كانت معنا إلاّ فرسان ، فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود ، فكيف تكون العاديات الخيل؟! بل العاديات ضبحا الإبل من عرفة إلى مزدلفة ، ومن مزدلفة إلى منى ) ، قال ابن عباس : فرغبت عن قولي ، ورجعت إلى الذي قال عليّ عليه السلام )(1) .

هكذا حدّث ، وهكذا صرّح ، وعلى ضوء هذا سنعرف صدق قول ابن أبي الحديد : ( ومن العلوم علم تفسير القرآن وعنه ـ أيّ الإمام ـ أخذوا ومنه فرّع ، وإذا رجعت إلى كتب التفسير. علمت صحّة ذلك ، لأنّ أكثره عنه وعن عبد الله بن عباس ، وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له ، وانقطاعه إليه ، وانّه تلميذه وخريّجه ، وقيل له : أين علمك من علم ابن عمك؟ فقال : كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط )(2) .

وللسيد ابن طاووس رحمة الله في كتابه ( سعد السعود ) كلام يؤكد فيه ما مرّ ، فيقول : ( وأعلم أنّ عبد الله بن عباس كان تلميذ مولانا عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، ولعل أكثر الأحاديث التي رواها عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، كانت عن مولانا عليّ عليه السلام عن

____________________

(1) مجمع البيان 10 / 323.

(2) شرح النهج لابن أبي الحديد 1 / 6 ط الأولى بمصر.

٥٣

النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فلم يذكر ابن عباس مولانا عليّاً عليه السلام لأجل ما رأى من الحسد له والحيف عليه ، فخاف أن لا تُنقل الأخبار عنه إذا أسندها إليه. وإنّما احتمل الحال مثل هذا التأويل ، لأنّ مصنف كتاب الإستيعاب ذكر ما كنّا أشرنا إليه أنّ عبد الله بن عباس قال توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم يعني المفصّل ، وهو أعرف بعمره ، وروى عن غيره أنّه كان له عند وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث عشرة سنة ، فهل ترى ابن عشر سنين وابن ثلاث عشرة سنة ممّن يدرك كلّ ما أسنده عبد الله بن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يحفظ ألفاظه وتفاصيله بغير واسطة ممّن يجري قوله مجرى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ ثمّ قال :

( أقول ) : وأمّا ابن عباس كان تلميذ مولانا أمير المؤمنين عليه السلام فهو من الأمور المشهورة بين الإسلام )(1) .

وقد ذكر محمّد بن عمر الرازي في كتاب ( الأربعين ) ما هذا لفظه : ( ومنها علم التفسير ، وابن عباس رئيس المفسّرين وهو كان تلميذ عليّ بن أبي طالب )(2) .

قال ابن عباس : ( إذا حدّثنا الثقة بفتيا عن عليّ لم نتجاوزها )(3) ، و ( إذا حدثنا ثقة عن عليّ بفتيا لا نعدوها )(4) .

____________________

(1) سعد السعود / 296.

(2) نفس المصدر.

(3) الاستيعاب 3 / 39.

(4) طبقات ابن سعد 2 / ق 2 / 10 ، وراجع سير أعلام النبلاء للذهبي 2 / 628 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي / 171 ، وغيرها.

٥٤

فبعد هذا لا نعجب من كلام الشيخ أحمد رضا أحد الأعلام في مقدمته لمجمع البيان ، حيث قال : ( أوّل من تكلم في تفسير القرآن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مولانا عليّ بن أبي طالب عليه السلام ثمّ عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن ووارث ثلثي علوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد دعا له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : ( اللّهمّ فقهه في الدين وعلّمه التأويل ) ، ولذلك كثرت الرواية في التفسير عنه ، حتّى كان ما يقارب النصف من الأحاديث الواردة في التفسير مسنداً اليه )(1) .

ومسك الختام في كلامه مع الرجل الذي سأله عن الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام ، فيما رواه الشيخ الطوسي بإسناده عن سعيد بن المسيّب قال :

( سمعت رجلاً يسأل ابن عباس عن عليّ بن أبي طالب؟ فقال له ابن عباس : إنّ عليّ بن أبي طالب صلّى القبلتين ، وبايع البيعتين ، ولم يعبد صنماً ولا وثناً ، ولم يضرب على رأسه بزلم ولا قدح ، ولد على الفطرة ، ولم يشرك بالله طرفة عين أبداً.

فقال الرجل : إنّي لم أسألك عن هذا ، وإنّما أسالك عن حمله سيفه على عاتقه يختال به حتّى أتى البصرة فقتل بها أربعين ألفاً ، ثمّ صار إلى الشام فلقى حواجب العرب فضرب بعضهم ببعض حتّى قتلهم ، ثمّ أتى

____________________

(1) مجمع البيان 1 / 75 ط الأعلمي.

٥٥

النهروان وهم مسلمون فقتلهم عن آخرهم.

فقال له ابن عباس : أعليّ أعلم عندك أم أنا؟

فقال : لو كان عليّ أعلم عندي منك لما سألتك.

قال سعيد بن المسيب : فغضب ابن عباس حتّى اشتدّ غضبه ثمّ قال : ثكلتك أمّك ، عليّ علّمني ، وكان علمه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ورسول الله علّمه الله من فوق عرشه ، فعلم النبيّ من الله وعلم عليّ من النبيّ. وعلمي من علم عليّ ، وعلم أصحاب محمّد كلّهم في علم عليّ كالقطرة الواحدة في سبعة أبحر )(1) .

وبهذا علّمنا ابن عبّاس رحمة الله كيف يجب أن نرعى حق مَن علّمنا ، ونعترف بفضله علينا ، ونشيد بذكره شكراً ، ولا نبخس حقّه في الرواية عنه ذكراً. ولا نكون ممّن يحملهم الحسد على كفران النعم ، ممّن أنعم عليهم بالقلم ، وما أكثر هؤلاء في كلّ زمان ومكان.

وابن عباس في قوله الآنف الذكر لم يتجاوز ما رسمه له الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وهو معلّمه ومربيه بقوله له : ( إنّ حقّ معلّمك عليك التعظيم له ، والتوقير لمجلسه ، وحسن الإستماع والإقبال عليه ، وأن لا ترفع صوتك عليه ، ولا تجيب أحداً يسأله حتّى يكون هو المجيب له ، ولا تحدّث في مجلسه أحداً ، ولا تغتاب عنده أحداً ، وأن تدفع عنه إذا ذكر بسوء ، وأن

____________________

(1) أمالي الطوسي 1 / 11 ط النعمان ، ص7 ط حجرية 1313 هـ ، بحار الأنوار 8 / 465 ط حجرية.

٥٦

تستر عيوبه وتظهر مناقبه ، ولا تجالس له عدواً ، ولا تعادي له وليّاً ، فإذا فعلت ذلك ، شهدت لك ملائكة الله بأنّك قصدته وتعلّمت علمه لله جلّ أسمه لا للناس )(1) .

تنبيه مهم :

هنا لابدّ لي من التنبيه والإشارة إلى أنّ بعض ما نراه منسوباً إلى ابن عباس قد نجده بعينه مروياً عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وهذا في نفسه لا يكون مشكلاً إذا ما استحضرنا مقالة ابن حمدون في أوّل الفصل الثاني من الباب الأوّل من ( التذكرة ) حين قال عند الحديث عن كلام الإمام عليه السلام والعترة النبويّة فقال : ( كلام القرابة ( رضي الله عنهم ) وآدابهم ، وآثارهم ، ومواعظهم.

قد اختلفت الرواة فيما جاء من مثل هذه الآداب والمواعظ اختلافاً شديداً ، ونسبوا الكلمة منها إلى جماعة من القرابة والصحابة. وكثيراً ما نسبوا فقراً يتداولها الناس تارة إلى رسول الله وتارة إلى أهله وأصحابه ( رضوان الله عليهم ) ، حتّى أن الرضي أبا الحسن الموسوي رحمة الله كان مع شدّة توقّيه ، ومعرفته بكلام أبيه ، في نهج البلاغة ، وهو الذي حققه من كلام عليّ عليه السلام ، واختاره ، كثيراً ما تحقق أصحاب الحديث أنّه كلام النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذلك غيره فعل ، نسب شطراً من كلامه إلى أولاده ( رضي

____________________

(1) أعلام الدين للديلمي / 91 ط مؤسسة آل البيت.

٥٧

الله عنهم ) ، ولعلّ أحدهم كان يذكر الكلمة رواية أو تمثلاً عن آبائه فيغفل الراوي الإسناد ، وقد يقع التوارد في الكلمة كما يتفق الإيطاء في الشعر

وكلّهم ينزعون إلى غاية ويستقون من قليب واحد ، ولأيّهم كان الكلام ، فبنور النبوة أشرق ضياؤه ، ومن شجرتها المباركة اقتبست ناره ، وأنا لم ألُ في بذل الإجتهاد مع شدّة تناقض أرباب الإسناد ، وليس ذلك بقادح فيه ، إذ المقصود المذاكرة بمعانيه ، لا نسبته إلى قائليه )(1) .

فالآن بعد ماقرأنا ما ذكره ابن حمدون من توجيه وجيه ، عرّفنا القارئ مغزى التنويه فيما قدمته من أهميّة التنبيه.

____________________

(1) التذكرة الحمدونية1 / 63 ـ 64 ط دار صادر احسان عباس وبكر عباس.

٥٨

الفصل الثاني

بحث في مزاعم أخذ

ابن عباس عن بعض الصحابة

٥٩

٦٠