موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٦

موسوعة عبد الله بن عبّاس7%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 509

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 509 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 80114 / تحميل: 5136
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

من أولئك النوادر في حفظه وذكائه فكذلك كان أيضاً في سماعه وانتقائه. فيتفحّص ويمحّص ، ويتأكد من صحة الحديث ، حتّى كان من شدّة احتياطه في ذلك ، كما أخرج عنه الخطيب الخ.

وأخرج ابن سعد أيضاً عن ابن عباس يقول : ( ما حدّثني أحد قط حديثاً فاستفهمته )(١) .

ولكنه للتوثيق قد يسأل الجماعة عن الأمر الواحد ، فقد أخرج الخطيب في كتاب ( الفقيه والمتفقه ) ، والذهبي في ( سير أعلام النبلاء ) ، عن ابن عباس قال : ( إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم )(٢) .

وروى ابن سعد في ( الطبقات ) ، والخطيب في ( الفقيه والمتفقه ) ، والبلاذري في ( أنساب الأشراف ) ، وابن قتيبة في ( عيون الأخبار ) ، والذهبي في ( سير أعلام النبلاء ) ، عن ابن عباس قال : ( وجدت عامّة علم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذا الحي من الأنصار ، إن كنت لآتي الرجل منهم فيقال هو نائم ، فلو شئت أن يوقظ لي فأدعه حتّى يخرج لأستطيب بذلك قلبه )(٣) .

قال سفيان بن عيينة ، حدّثنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن عجوز لهم قالت : رأيت ابن عباس يختلف إلى صرمة بن قيس الأنصاري وكان يروي هذه الأبيات :

____________________

(١) الطبقات ٢ / ق ٢ / ١٢٣.

(٢) الفقيه والمتفقه ٢ / ٢٠٣ نشر دار إحياء السنة ، سير أعلام النبلاء ٤ / ٤٤٧ ط دار الفكر.

(٣) الطبقات ٢ / ق ٢ / ١٢١ ، الفقيه والمتفقه ٢ / ١٤٢ ، أنساب الأشراف ٣ / ٣٤ ، عيون الأخبار ٢ / ١٢٢ ، سير أعلام النبلاء ٤ / ٤٤٧.

٨١

ثوى في قريش بضع عشرة حجة

يذكّر لو ألفى صديقاً مواتيا

ويعرض في أهل المواسم نفسه

فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا

فلمّا أتانا واطمأنت به النوى

وأصبح مسروراً بطيبة راضيا

وأصبح ما يخشى ظلامة ظالم

بعيد ولا يخشى من الناس باغيا

بذلنا له الأموال من جلّ مالنا

وأنفسنا عند الوغى والتآسيا

نعادي الذي عادى من الناس كلّهم

جميعاً وإن كان الحبيب المصافيا

ونعلم أن الله لا شيء غيره

وان كتاب الله أصبح هاديا

وقد أورد هذا الذهبي في ( سير أعلام النبلاء )(١) ولم يزد على سبعة أبيات ، بينما نجد في تاريخ الطبري ، والسيرة النبوية لابن كثير ، وسيرة ابن هشام ، وغيرها أنّ الأبيات أربعة عشر بيتاً(٢) ، فراجع.

وكان في إحتياطه في سماعه الحديث فرداً لم أقف على مثله عند غيره ، كما مرّ حيث كان يسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ليتأكد من صحة النقل ، وحديثه مع بشير بن كعب يكشف السبب في ذلك التوقي في التلقي ، لئلا يروي الكذب بعد أن تفشّى ذلك بين الصحابة ، فلنقرأ بعض الشواهد على ذلك.

____________________

(١) سير أعلام النبلاء ١ ـ ٢ / ٢٣٧ ـ ٢٣٨.

(٢) تاريخ الطبري ٢ / ٣٨٥ ـ ٣٨٦ ، السيرة النبوية ٢ / ٢٨٣ ، سيرة ابن هشام ٢ / ١١٨.

٨٢

أخرج مسلم في مقدمة صحيحه بسنده : ( عن طاووس قال : جاء هذا إلى ابن عباس ـ يعني بشير بن كعب ـ فجعل يحدّثه فقال له ابن عباس : عد لحديث كذا وكذا ، فعاد له ، ثمّ حدّثه فقال له : عد لحديث كذا وكذا فعاد له ، فقال له : ما أدري أعرفت حديثي كله وأنكرت هذا؟ أم أنكرت حديثي كلّه وعرفت هذا؟ فقال له ابن عباس : إنّا كنا نحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يكن يُكذب عليه ، فلمّا ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه )(١) .

وأيضاً في صحيح مسلم بشرح النووي : ( عن مجاهد قال جاء بشير العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدّث ويقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال رسول الله ، فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ، ولا ينظر إليه ، فقال : يابن عباس مالي لا أراك تسمع لحديثي ، أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا تسمع؟ فقال ابن عباس : إنّا كنا مرّة إذا سمعنا رجلاً يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ابتدرته أبصارنا ، وأصغينا إليه بآذاننا ، فلمّا ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلاّ ما نعرف )(٢) .

وهكذا كان يحاقق الذي سمع منه فيستذكره بعد مدّة من سماعه ليتأكد من حفظه وضبطه ، كما في حديثه مع زيد بن أرقم ، فقد أخرج الطبراني في ( المعجم الكبير ) بسنده عن طاووس قال : قدم زيد بن أرقم وكان ابن عباس يستذكره : كيف أخبرتني عن لحم أهدي للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم

____________________

(١) صحيح مسلم في المقدمة باب النهي عن الضعفاء رقم ٧.

(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ١ / ٨١.

٨٣

حراماً؟ فقال : نعم ، أهدي له عضو من لحم صيد فردّه عليه وقال : ( إنّا لا ناكله ، إنّا حُرُم )(١) ، وهذه الحال في الإحتياط هي التي حدّث بها غير واحد عنه في أنّه كان يسأل عن الأمر الواحد الثلاثين من الصحابة كما مرّ في رواية الخطيب.

قال ابن أبي مليكة : ( كتبت إلى ابن عباس أسأله أن يكتب لي كتاباً ولا يخفي عني ، فقال : ( ولد ناصح ، أنا أختار له الأمور إختياراً وأخفي عنه ، قال : فدعا بقضاء عليّ فجعل يكتب منه أشياء ، ويمرّ به الشيء فيقول : والله ما قضى بهذا عليّ عليه السلام إلاّ أن يكون ضلّ )(٢) .

مزاعم من غير برهان

لقد اعتاد أصحاب رجال الحديث حين يذكرون عَلَماً من الصحابة أو التابعين بل وحتّى من الطبقات التي من بعدهم ، يذكرونه عمن روى ومن روى عنه ، ولمّا كان ابن حجر فارس ميدانهم ، وكتابه ( تهذيب التهذيب ) حجة برهانهم ، فنحن نقف عنده في هذا المقام لنرى في ترجمة ابن عباس عمّن روى. وهل ثبتت صحة ذلك في بعض الأشخاص أم لا؟

قال : ( روى عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وعن أبيه ، وعن أمّه أم الفضل ، وأخيه الفضل ،

____________________

(١) رواه عبد الرزاق في المصنف وأحمد في المسند مكررا والطبراني في معجمه الكبير ٥ / ١٦٤ ط الموصل ، والخبر يشير إلى ما سيأتي من رواية ابن عباس عن الصعب بن جُثامة.

(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ١ / ٨٢.

٨٤

وخالته ميمونة ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعبد الرحمن بن عوف ، ومعاذ بن جبل ، وأبي ذر ، وأبيّ بن كعب ، وتميم الداري ، وخالد بن الوليد وهو ابن خالته ، وأسامة بن زيد ، وحمل بن مالك بن النابغة ، وذويب والد قبيصة ، والصعب بن جثامة ، وعمار بن ياسر ، وأبي سعيد الخدري ، وأبي طلحة الأنصاري ، وأبي هريرة ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وأبي سفيان ، وعائشة ، وأسماء بنت أبي بكر ، وجويرية بنت الحارث ، وسودة بنت زمعة ، وأم هاني بنت أبي طالب ، وأم سلمة ، وجماعة وعنه )(١) .

هذه جملة الأسماء التي ذكرها ابن حجر في ترجمة ابن عباس ، ولمّا كانت أحاديثه عن هؤلاء الجماعة عادة قد ضمّتها كتب الصحاح والمسانيد ، فنحن نبحث في تلك المصادر لنرى روايات ابن عباس عن أولئك الأشخاص هل هي صحيحة؟ أم ثمّة تعويم وتعتيم؟

وإذ لا شك عندنا في أنّه روى عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك عن أهل بيته المذكورين رجالاً ونساءاً فلا نطيل الوقوف عندهم ، إنّما البحث سيكون عن صحة أخذه وسماعه من الباقين ، وأوّل أولئك هو أبو بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان ، وهم أوّل الخلفاء الراشدين في التاريخ ، الذين كان ابن عباس معهم على تفاوت في مدى صحبته ، ولاشك في أنّها كانت مع الأوّل محدودة جداً ، وقد تقدم في الحلقة الأولى ما يبين لنا موقفه في عهد أبي بكر ، فراجع.

ولم نقف على حديث واحد رواه عن أبي بكر ، كما أنّ صحبته مع

____________________

(١) تهذيب التهذيب ٥ / ٢٧٦ ط حيدر آباد.

٨٥

الباقين كانت أطول زماناً وأكثر تعاطياً ، وللتحقيق من صحة ما قاله ابن حجر في عدّ أبي بكر في جملة من روى عنهم ابن عباس ، راجعنا مسند أحمد بن حنبل وهو أكبر المسانيد حجماً وأوسعها جمعاً ، وقد ابتدأ أحمد كتابه بمسند أبي بكر ، ولدى ملاحظة ما ذكر ، وجدناه ذكر ( ٨١ ) رقما تحت العنوان المذكور لم يسلم منها له إلاّ ( ٤٩ ) رقماً بما فيها من المكررات التي أسقطت أكثر من الربع في الحساب ، ومع هذا كلّه فلم نجد حديثاً واحداً لابن عباس رواه عن أبي بكر ، فكيف بقول ابن حجر في ذلك؟!

ولزيادة الإطمئنان راجعنا ( المعجم الكبير ) للطبراني(١) تحت عنوان ( وممّا أسند أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فساق خمسة أحاديث فقط ، ولم يسلم له منها إلاّ خامسها ، والباقي ليست بأحاديث مسندة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان ذلك مثار العجب!!

وعدت ثالثة أتحرّى بعض كتب الأطراف أستهدي بها إلى رواية ابن عباس عن أبي بكر فراجعت ( ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الأحاديث ) للنابلسي ، فكان ما ذكره لأبي بكر الصديق عبد الله بن عثمان عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ( ٥٧ ) حديثاً مبثوثة في الصحاح وليس بينها حديث واحد رواه ابن عباس عنه ، فدبّ اليأس من العثور على رواية لابن عباس عن أبي بكر ، فتركت البحث إذ لا كبير فائدة فيه ، وأحسب أن ابن حجر إنّما ذكر

____________________

(١) المعجم الكبير ١ / ٦٢ ط الموصل.

٨٦

اسم أبي بكر مع الباقين جرياً على عادة قومه من ذكر الخلفاء الراشدين مرتبة أسماؤهم حسب أيام حكمهم إلتزاماً بسنة ابن عمر.

فماذا عن أفيكة ابن عمر في سنّة التفاضل؟

لقد أخرج البخاري في صحيحه في كتاب المناقب في باب فضل أبي بكر بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من طريق عبد الله بن عمر قال : ( كنّا نخيّر بين الناس في زمن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فنخيّر أبا بكر ثمّ عمر بن الخطاب ثمّ عثمان بن عفان ( رضي عنهم ) )(١) .

وأخرج أيضاً في صحيحه في باب مناقب عثمان عن ابن عمر أيضاً بلفظ : ( كنّا في زمن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لا نعدل بأبي بكر أحداً ثمّ عمر ثمّ عثمان ، ثمّ نترك أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لا نفاضل بينهم )(٢) .

وهكذا بقي رأي ابن عمر هو الرأي السائد المروي قولاً عند أحمد في مسنده ( ٢ / ١٤ط الأولى ) ، ونحو ذلك عند البخاري في تاريخه ( ١ / ق ١ / ١٤ ) ، والترمذي والبزار والطبراني وغيرهم ، وهو النهج السائر عليه عملاً في كتب أصحاب التراجم في فضائل الأصحاب.

لكن ثمّة من الأعلام من أنكر على ابن عمر زعمه وحتّى سخر منه في قوله : ( كنّا نفاضل )! فهلمّ إلى ما رواه الخطيب البغدادي في تاريخه عن أبي غسان الدوري قال : ( كنت عند علي بن الجعد فذكروا عنده

____________________

(١) صحيح البخاري ٥ / ٢٤٣.

(٢) صحيح البخاري ٥ / ٢٦٢.

٨٧

حديث ابن عمر كنا نفاضل فقال عليّ بن الجعد : أنظروا إلى هذا الصبيّ هو لم يحسن أن يطلق أمرأته يقول : كنا نفاضل )(١) .

ولم يكن علي بن الجعد وحيد قومه في استنكاره سنّة ابن عمر في المفاضلة ، فقد أنكره ابن معين أيضاً ، قالوا : ( وتكلم فيه بكلام غليظ ، لأنّ القائل بذلك قد قال بخلاف ما أجتمع عليه أهل السنّة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر ، أنّ عليّاً أفضل الناس بعد عثمان رضي الله عنه وهذا ممّا لم يختلفوا فيه ، وإنّما اختلفوا في تفضيل عليّ وعثمان ، واختلف السلف أيضاً في تفضيل عليّ وأبي بكر ، ومن إجماع الجميع الذي وصفناه دليل على أنّ حديث ابن عمر وهمٌ وغلط ، وأنّه لا يصحّ معناه ، وإن كان إسناده صحيحاً )(٢) .

وتبقى لنا ملاحظة عابرة على تسميتهم أفيكة ابن عمر بـ ( حديث ابن عمر ) وهذا خلاف المتبادر من تعريفهم معنى الحديث وأنّه المروي عن المعصوم ، وما سواه سمّوه بالخبر وبالأثر. ومهما يكن فقد بقي قول ابن عمر هو الذي عليه سار المؤرخون في ترتيب الخلفاء حسب توليهم الحكم ، وحتّى إذا ورد ذكرهم في غير ذلك فلم يخرجوا عن إصر ابن عمر ولم ينفكوا عن ربقة أسره ، ومهما كان عذرهم فلسنا معهم في حول ولا طول لمناقشة رأي من لم يحسن

____________________

(١) تاريخ الخطيب ١١ / ٢٦٣.

(٢) أنظر الاستيعاب ٣ / ١١١٦ في ترجمة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٨٨

طلاق امرأته ، فلندعهم وتركاضهم ، بل اللازم علينا إتباع الحق والتصديق برواية ابن عباس عن أبي بكر الصديق إذا جاءت بسند وثيق ، وحيث لم نقف على رواية واحدة عنه مرفوعة إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فلنعرض عن ذكره ، ونتجه نحو زعم رواية ابن عباس عن عمر بن الخطاب.

البحث عن أخذه الرواية عن عمر

لقد ذكر كلّ من ترجم لعمر فقال : روى عنه وابن عباس ، كما ذكروا ذلك في ترجمة ابن عباس فقالوا : روى عن عمر.

وليس في هذا التعبير كبير مؤاخذة ما دمنا نعرف أنّ الرواية عن إنسان لا تعني بالضرورة أوّلاً تفوّقه بالعلم على الراوي ، فكثيراً ما يروي الصحابة بعضهم عن بعض ما شاهده الآخر أو سمعه سواء كان ممّا يتعلّق بحديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو غير ذلك ، فإذا كان ابن عباس قد روى عن عمر فروايته عنه كروايته عن غيره من الصحابة ، ولا تعني بحال التعميم على أخذه نصيباً وافراً من العلم حتّى يصح لبعضهم أن يقول : ( عامّة علم ابن عباس من ثلاثة : من عمر وعليّ وأبيّ بن كعب )(١) .

وصارت هذه ـ المقولة المطروحة والمفضوحة ـ تتردد في جملة من المصادر التي تذكر ابن عباس وعلمه ـ. وهذا ما يسترعي انتباه الباحث

____________________

(١) البداية والنهاية ٨ / ٢٩٨ وغيرها.

٨٩

الذي قرأ تاريخ الرجلين ـ عمر وابن عباس ـ فيجد الأمر على خلاف تلك المقولة. خصوصاً حين يجد كثرة الشواهد على رجوع عمر إلى ابن عباس ، وقد مرّت بنا نماذج في الحلقة الأولى ( تاريخ وسيرة ) في عهد عمر. فلا حاجة إلى إعادتها ولا مانع من الاضافة إليها ما أخرجه أحمد بن حنبل في ( فضائل الصحابة ) : ( كان عمر يوماً جالساً وعنده العباس ، فسئل عمر عن مسألة فقال فيها ، فقام إليه ابن عباس فسارّه فقال : يا أمير المؤمنين ليس الأمر هكذا ، فأقبل عمر على العباس فقال : يا أبا الفضل بارك الله لك في عبد الله ، إنّي قد أمّرته على نفسي ، فإذا أخطأت فليأخذ عليّ )(١) .

كما أخرج أيضاً بسنده عن ابن هبيرة : ( أنّ عمر بن الخطاب كان يقول : مَن كان سائلاً عن شيء من القرآن فليسأل عبد الله بن عباس )(٢) .

وأخرج أيضاً : ( عن عبيد الله بن عبد الله قال : كان عمر بن الخطاب إذا جاءته الأقضية المعضلة يقول لابن عباس ، يا أبا عباس قد طرأت علينا أقضية عضل وأنت لها ولأمثالها ، ثمّ أخذ برأيه وقوله ، وما كان يدعو لذلك أحداً سواه إذا كانت تلك العضل )(٣) .

____________________

(١) فضائل الصحابة ٢ / ٩٨٢ برقم ١٩٤٢ ط مؤسسة الرسالة سنة ١٤٠٣ هـ تحقيق وصي الله محمّد بن عباس.

(٢) نفس المصدر برقم ١٨٩٣.

(٣) نفس المصدر برقم ١٩١٣.

٩٠

ومعلوم لدى الباحثين مدى قبول مسند أحمد في الإحتجاج به.

ولقد كنت أحسب يوم أنهيت ما كتبته عن ابن عباس أني سوف لن أحتاج إلى إعادة النظر فيه فترة بعد أخرى ، فأزيد شيئاً أو أغيّر رأيّاً ، تبعاً لما تستجدّ من معلومات توفّرت سبلُها فعلاً ولم تكن من قبل. ولم يكن ذلك بالذي يزعجني كثيراً ، فالمعرفة ليست حكراً على أحد ، والعلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء ، وكلّ يوم تطالعنا دراسات حديثة منها ما يستحق الإكبار لأصحابها ، ومنها ما ليس كذلك. ولست بصدد التقييم ، إنّما الذي يعنيني في المقام تنبيه القارئ إلى ما يخص ابن عباس منها. فلقد اطلعت أخيراً على دراستين خضعتا لمناقشة أساتذة جامعيين لأصحابهما ليمنحوهما الدرجة التي يستحقونها ، وبالأصح يتوخّونها ـ إذ أنّ كثيراً من الشهادات في بعض الجامعات صارت كجواز المرور في مرحلة العبور تمنح بدفع الميسور ـ أمّا الدراستان المشار إليهما فهما :

١ ـ ( تفسير ابن عباس ومروياته في التفسير من كتب السنة ) للدكتور عبد العزيز بن عبد الله الحميدي / جامعة أم القرى بمكة المكرمة ، وقد طُبع الكتاب في الرياض. وهو الكتاب الثالث والخمسون من التراث الإسلامي / منشورات الجامعة.

٢ ـ ( تفسير ابن عباس دراسة وتحليل ) أطروحة مقدمة إلى كلية الشريعة في جامعة بغداد لنيل الماجستير لعبد المجيد محمّد أحمد الدوري / مطبوع على الآلة الكاتبة.

٩١

وقد وجدت في هاتين الدراستين جهداً مذكوراً ومشكوراً بذله الكاتبان ، إلاّ أنّ موجة الرواسب الموروثة بدت طاغية فغطّت على الحقائق التاريخية ، حتّى ولو على حساب ابن عباس ( صاحب التفسير ) فكان منها عدّ عمر بن الخطاب من شيوخ ابن عباس في التفسير (؟).

فعجبتُ من ذلك! لأنّي قرأت تاريخ الرجلين بإمعان وانتهيت إلى أنّ الشواهد الكثيرة لا تدلّ على ذلك ، بل لقد دلّت على رجوع عمر إلى ابن عباس في كثير من الأحيان ، وذكرتُ جملة منها فيما مرّ في الحلقة الأولى ( في عهد عمر ). وعليها لا يبعد القائل عن الصواب لو قال : ( أقلب تصب ) ، حيث كان ابن عباس هو يُقرئ عمراً القرآن(١) .

ومهما يكن فليس من عتب على الناشئيَن صاحبي الدراستَين بقدَر ما هو على الأساتذة المشرفين والمناقشِين والمانحِين لهما شهادة الدكتوراه والماجستير!

وسيأتي في بحثي عن تفسير ابن عباس مناقشة هذين الدارسين في هذا الشأن ، وكيف حاولا إثبات بهرجة مزيّفة وكأنّها حقيقة ثابتة ، فإلى هناك.

نعم ، ربّما يخيّل لمن يجد ابن عباس يسأل من عمر عن أمر ذي بال ، فحسب ذلك حجة في تلقيه العلم منه ، بينما واقع الحال في

____________________

(١) الرياض النضرة ٢ / ٧٠.

٩٢

السؤال كان بهدف انتزاع شهادة إدانة من إنسان غير متهم على أمر ذي بال ، كنحو ما سأله عن المرأتين اللّتين تظاهرتا على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال عمر : ( هما عائشة وحفصة ) ، والخبر رواه البخاري في صحيحه مكرراً ، وقد مرّ ذكره في الحلقة الأولى ( في عهد عمر ) ، فراجع.

أو كالخبر الذي رواه الطبراني في ( معجمه الكبير ) ، عن ابن عباس : أنّ عمر أخبره أنّه قال لحفصة : أتغضب إحداكن على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم اليوم حتّى الليل؟ قالت : نعم(١) .

فإذا كان مثل هذا السؤال وهذا الخبر هو الذي عناه القائل ( عامّة علم ابن عباس من ثلاثة : من عمر وعليّ وأُبي بن كعب ) فقد طاش سهمه ، وباء بسخط الخالق لكذبه ، وسيأتي التحقيق حول الموضوع في البحث عن تفسير ابن عباس ومصادره.

وأمّا ذكر اسم عثمان فيمن روى عنه ابن عباس فهذا ما لم يثبت بوجه من الوجوه ، ودون القارئ دواوين الحديث في التراثين السنّي والشيعي ، وليبحث.

ماذا عن روايته عن عثمان؟

لقد بحثت كثيراً في المصادر المعنية بذلك ، فلم أقف على حديث واحد رواه ابن عباس عن عثمان مرفوعاً ، وبين يدي فعلاً مسند أحمد

____________________

(١) المعجم الكبير ٢٣ / ١٧٤ ط الموصل.

٩٣

ومعجم الطبراني وذخائر المواريث ، فأعدت الفحص فلم أجد فيها ما يصح أن يقال أنّه روى عن عثمان حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

اللّهم إلاّ أن يكون مراد من زعم رواية ابن عباس عن عثمان ما أخرجه أحمد فاستفتح به في أوّل مسند عثمان ، بإسناده عن يزيد الفارسي قال : قال لنا ابن عباس : قلت لعثمان بن عفان ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني ، وإلى براءة ، وهي من المئين ، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا ـ قال ابن جعفر : ـ بينهما سطرا : بسم الله الرحمن الرحيم ، ووضعتموها في السبع الطوال؟ ما حملكم على ذلك؟ قال عثمان : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ممّا يأتي عليه الزمان ينزل عليه من السور ذوات العدد ، وكان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده يقول : ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وينزل عليه الآية فيقول : ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وكانت الأنفال من أوائل ما أنزل بالمدينة ، وبراءة من آخر القرآن فكانت قصتها شبيهاً بقصتها ، فقبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يبين لنا أنّها منها ، وظننت أنّها منها ، فمن ثمّ قرنت بينهما ولم أكتب سطرا : بسم الله الرحمن الرحيم ، قال ابن جعفر : ووضعتها في السبع الطوال.

وأخرج أحمد هذا مرّة ثانية في مسنده(١) .

ولم يكن أحمد هو الوحيد الذي روى لنا هذا الخبر ، فقد قال شاكر

____________________

(١) راجع مسند أحمد ٢ / ٢٤٤ برقم ٤٩٩ بتحقيق شاكر.

٩٤

في هامش المسند : ( رواه أبو داود في سننه ١ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨ والترمذي ٤ / ١١٣ وقال : وهذا حديث حسن لا نعرفه إلاّ من حديث عوف عن يزيد الفارسي عن ابن عباس. وفي نسخة الترمذي طبعة بولاق ٢ / ١٨٢ ـ ١٨٣ حسن صحيح ).

وقد ناقش شاكر ذكر التصحيح ثمّ قال : ( فلم ينقل المنذري والسيوطي عن الترمذي إلاّ تحسينه ، أُنظر شرح أبي داود والدر المنثور ٣ / ٢٠٧ ، ورواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف ٣١ ـ ٣٢ بثلاثة أسانيد ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٢٢١ ، ٣٣٠ وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ، ورواه البيهقي في السنن الكبرى ٢ / ٤٢ ، كلّهم من طريق عوف عن يزيد الفارسي ، ونسبه السيوطي في الدر المنثور لابن أبي شيبة والنسائي ـ ولم أجده فيه ـ وابن المنذر وابن حبّان وغيرهم )(١) .

وأزاء رواية هذا الجمع من الحفاظ يقف الباحث حائراً كيف رووا ذلك ، ولم يكتف بعضهم حتّى صححه كالحاكم ووافقه الذهبي؟ إنّها لطامّة ما بعدها من طامّة تحيط بهؤلاء العامة! أليس فيهم رجل رشيد يجرأ فيقول : إنّ الخبر ليس بصحيح لأنّه أثبت منافاته للسيرة القطعية والتواتر القطعي في تلقي القرآن الكريم قراءة وسماعاً وكتابة في المصاحف على عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فضلاً عن إستلزامه الطعن في عثمان ـ وهذا ما لا يرضاه له

____________________

(١) مسند أحمد ٢ / ٢٤٤ برقم ٤٩٩ بتحقيق شاكر.

٩٥

أنصاره ، وهم جميع الذين أخرجوا الخبر بأسانيدهم وكلهم من أعلام المحدثين ـ فكيف بهم وأنّى لهم ، التخلّص من مغبة رواية هذا الخبر الذي أحاطوه بهالة من الإعتبار من تحسين الترمذي وتصحيح الحاكم وموافقة الذهبي له. ثمّ رواية ابن كثير له مرّتين ممّا يدلّ على إهتمامه به من دون مناقشة له(١) .

فكيف يمكننا تصديق الخبر وهو يستبطن البطلان ، لأنّه موجب لتصرف عثمان بترتيب الآي في القرآن!!

وهذا ما لا يقبله أيّ مسلم ، لمضادته لقوله تعالى :( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (٢) ، ولمّا صح من أنّ القرآن كان مجموعاً على عهد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وعدد الشعبي ستة من الأنصار قد جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في ( منتخب كنز العمال ) نقلاً عن الطبراني وابن عساكر(٣) .

لكن أنس سمى أربعة كلّهم من الأنصار قد جمعوا القرآن على عهده صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح البخاري(٤) ، ولو لم يكن مجموعاً لما أشكل ابن عباس على عثمان في رفع البسملة من سورة براءة.

هذا ما وسعني ذكره في رواية ابن عباس عن عثمان ، وقد يفزع القارئ إذا ما أخبرته أنّ الطبراني قد ذكر عثمان في الجزء الأوّل من معجمه الكبير ولم يخرج له

____________________

(١) أنظر تفسير ابن كثير ٤ / ١٠٦ ـ ١٠٧ وفضائل القرآن المطبوع في آخر التفسير ص١٧ ـ ١٨.

(٢) الحجر / ٩.

(٣) منتخب كنز العمال ٢ / ٥٢ هامش مسند أحمد.

(٤) صحيح البخاري ٦ / ١٠٢ باب القراء من أصحاب النبيّ.

٩٦

إلاّ خمسة أحاديث(١) ، وما بقى ممّا ذكره الطبراني فهو بتاريخ عثمان أشبه.

والآن فلنستعرض أسماء من روى عنهم ابن عباس من بقية الصحابة ، وماذا روى ، كما ذكرهم ابن حجر في ( تهذيب التهذيب ) (٢) حسب ترتيبه ، وقد نضيف إليهم من لم يذكرهم ، فمنهم :

١ ـ عبد الرحمن بن عوف

فقد أخرج أحمد بن حنبل في مسنده بسنده عن ابن عباس : أنّه قال له عمر : يا غلام هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو من أحد من أصحابه إذا شك الرجل في صلاته ماذا يصنع؟ قال : فبينا هو كذلك إذ أقبل عبد الرحمن بن عوف ، فقال : فيم أنتما؟ فقال عمر : سألت هذا الغلام هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد من أصحابه إذا شك الرجل في صلاته ماذا يصنع؟ فقال عبد الرحمن : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أواحدة صلى أم ثنتين فليجعلها واحدة ، وإذا لم يدر ثنتين صلى أم ثلاثاً فليجعلها ثنتين ، وإذا لم يدر أثلاثاً صلى أم أربعاً فليجعلها ثلاثاً ثمّ يسجد إذا فرغ من صلاته وهو جالس قبل أن يسلّم سجدتين(٣) .

وهذا أخرجه الترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه هو والذهبي. واللافت للنظر أن يسأل عمر من غلام حكم الشك! ولو لم يأته ابن عوف

____________________

(١) المعجم الكبير ١ / ٧٤ ـ ٩٢ ح ١٤٥ ـ ١٤٩.

(٢) تهذيب التهذيب ٥ / ٢٧٦.

(٣) مسند أحمد ٣ / ١٢٣ ط شاكر.

٩٧

لبقي جاهلاً بالحكم ، وهذا ممّا يعاب به على خليفة مثله مع طول الصحبة ، ونزول السكينة على لسانه وكونه محدّثاً كما يزعمون( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) (١) .

وقد ذكر أحمد وغيره عن ابن عباس قال : انّ عمر بن الخطاب خرج إلى الشام ، حتّى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد ، أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه ، فأخبروه أنّ الوباء قد وقع بالشام ، قال : فجاء عبد الرحمن بن عوف ، وكان متغيباً في بعض حاجته فقال : إنّ عندي من هذا علماً ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه ، وإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ، قال : فحمد الله عمر ثمّ انصرف(٢) .

وهذا الحديث الذي أخرجه أحمد مكرراً في مسنده هو الثاني ممّا ذكرت رواية ابن عباس له عن عبد الرحمن بن عوف ، ولم يزد الطبراني عليه بحديث آخر ، فهل يعدّ هذا من الرواية بسبيل؟!

٢ ـ أُبيّ بن كعب

لقد مرّ بنا أنّ ابن عباس كان يتتبع أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم التي لم يسمعها

____________________

(١) يونس / ٦٧.

(٢) مسند أحمد ١ / ١٩٤.

٩٨

منه ، فيأخذها من الصحابة الذين سمعوها ، وقليل ما هم الذين وعوها ، وكان من الذين تميّزوا بالوعي هو أُبيّ ، حتّى كان ـ فيما نسب إلى حبر الأمة ـ معدوداً من الراسخين في العلم(١) ، فقد سمع منه في القراءة والتفسير وربما في غيرهما ممّا له فيه معرفة ، قال الذهبي : ( وقرأ ـ ابن عباس ـ كثيراً على أُبيّ وزيد )(٢) ، ولولا ضمّ زيد إلى أُبيّ لصدقته في قراءة ابن عباس على أُبيّ كثيراً. ولكن سيأتي أن ضمّ زيد إلى أُبيّ كضمّ الحجر إلى الجوهر ، ولم يصحّ أخذ ابن عباس من زيد ، لكن سماعه وأخذه من أُبيّ ثابت ، وليس هو بثابت عن زيد بن ثابت ، كما سيأتي المزيد عن ذلك ، فقد قرأنا ما رواه ابن سعد في ( الطبقات ) بسنده عن ابن عباس يقول : ( ما حدّثني أحد قط حديثاً فاستفهمته فلقد كنت آتي باب أُبيّ بن كعب وهو نائم فأقيل ـ نوم القيلولة ـ على بابه ، ولو علم بمكاني لأحبّ أن يوقظ لي لمكاني من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني أكره أن أملّه )(٣) .

وقد روى أيضاً : ( قال ابن عباس : فجعلت أسأل أُبيّ بن كعب يوماً ـ وكان من الراسخين في العلم ـ عمّا نزل من القرآن بالمدينة؟ فقال : نزل بها سبع وعشرون سورة وسائرها بمكة )(٤) .

وأخرج أحمد في مسنده عن ابن عباس قال : ( جاء رجل إلى عمر يسأله فجعل ينظر إلى رأسه مرّة والى رجليه أخرى هل يرى عليه من

____________________

(١) أنظر البداية والنهاية ٨ / ٢٩٨.

(٢) سير أعلام النبلاء ٤ / ٤٣٩.

(٣) الطبقات ٢ / ق ٢ / ١٢٣.

(٤) الطبقات ٢ / ق ٢ / ١٢٤.

٩٩

البؤس شيئاً؟ ثمّ قال له عمر : كم مالك؟ قال : أربعون من الإبل.

قال ابن عباس فقلت : صدق الله ورسوله : لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى الثالث ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ويتوب الله على من تاب.

فقال عمر : ما هذا؟

فقلت : هكذا أقرأنيها أُبيّ ، قال : فمرّ بنا إليه قال : فجاء إلى أُبيّ فقال : ما يقول هذا؟ قال أُبيّ : هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال : أفأثبتها؟ فأثبتّها )(١) .

أقول : لقد مرّت صورة من هذا الحديث في الحلقة الأولى في عهد عمر ، كما مرّت قريباً صورة أخرى في بيان حقيقة مزيفة ، فراجع.

ولهذا الحديث صور أخرى رواها البخاري بينها تفاوت(٢) ، فراجع.

وروى البخاري أيضاً قول عمر : ( أقرؤنا أُبيّ وأقضانا عليّ ، وإنّا لندع من قول أُبيّ )(٣) .

وروى الحاكم في ( المستدرك ) عن ابن عباس رضي الله عنه قال : ( بينما أنا أقرأ آية من كتاب الله عزوجل وأنا أمشي في طريق من طرق المدينة فإذا أنا

____________________

(١) مسند أحمد ٥ / ١١٧.

(٢) صحيح البخاري ٨ / ٩٢ كتاب الرقاق باب ما يتقى من فتنة المال ط بولاق.

(٣) صحيح البخاري ٥ / ١٤٩.

١٠٠

برجل ينادينّ من بعدي أتبع ابن عباس ، فإذا هو عمر ، فقلت : اتّبعك على أُبيّ بن كعب ، فقال : أهو أقرأكها كما سمعتك تقرأ؟ قلت : نعم )(1) .

وكان أُبيّ يكبر في ابن عباس عقله وفهمه ويتفرّس فيه أن يكون حبر الأمة ، فقد ذكر محمّد بن أُبيّ بن كعب أنه سمع أباه يقول ـ وكان عنده ابن عباس فقام ـ فقال : ( هذا يكون حبر هذه الأمة ، أرى عقلاً وفهماً ، وقد دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفقهه في الدين )(2) .

3 ـ عبد الله بن مسعود

قال ابن أبي داود : ( لقد أخذ ابن عباس عنه في القراءة بضعة عشر حرفاً كان منها( مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ) (3) )(4) .

ولكنّي لا أصدّقه في ذلك ـ. لقلّة ما وجدته ـ من خلال تتبعي ـ مرويّاً بطريق صحيح يثبت أخذ ابن عباس من ابن مسعود حتّى يصح عدّه من شيوخه ، وربّما يوجد فيما لم أقف عليه ، ولا غضاضة ، فابن عباس كان يتتبع الحديث عند الصحابة ، حتّى كان يسمع الحديث الواحد فيسأل عنه الثلاثين من الصحابة للتأكد من صحته ـ كما مرّ ـ وابن مسعود كان من

____________________

(1) مستدرك الحاكم 2 / 225.

(2) سير أعلام النبلاء 4 / 449 دار الفكر.

(3) البقرة / 61.

(4) المصاحف / 55.

١٠١

السابقين الأولين وهو القائل : ( لقد رأيتني سادس ستة وما على ظهر الأرض مسلم غيرنا )(1) ، فما الذي يمنع ابن عباس أن يأخذ عنه الحديث ويسمع منه.

ولكنّي لم أقف على ما يمكن الإستدلال به ، ولعلّ القارئ يستشف من خلال كلمات ابن مسعود في ابن عباس نحو قوله : ( نعم ترجمان القرآن ابن عباس )(2) ، وقوله : ( لو أدرك أسناننا ما عشرّه منّا أحد ) ، وفي رواية : ( ما عاشره )(3) ، وقوله : ( لو أنّ هذا الغلام أدرك ما أدركنا ما تعلقنا معه بشيء )(4) .

أقول : لعلّ القارئ يستشف من تلك الكلمات أنّ معرفة ابن مسعود بابن عباس كانت معرفة علم ومدارسة ، ولم تكن المفاضلة إعتباطاً ومجاملة.

4 ـ أبو رافع

لقد أخرج ابن سعد في ( الطبقات ) ، والخطيب في ( تقييد العلم ) ، وابن

____________________

(1) مستدرك الحاكم 3 / 313 وصححه واقره الذهبي على ذلك.

(2) طبقات ابن سعد 6 / 331 ط الخانجي بمصر ، وفضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2 / 482 برقم 1860 ، ومستدرك الحاكم 3 / 537 وصححه على شرط الشيخين ، واقره الذهبي في التلخيص بهامش المستدرك ، والمعرفة والتاريخ للفسوي 1 / 495 ، وسير أعلام النبلاء 4 / 449.

(3) طبقات ابن سعد 6 / 331 ، وفضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2 / 982 برقم 1861 و 1863 ، ومستدرك الحاكم 3 / 537 وصححه على شرط الشيخين ، واقره الذهبي في التلخيص بهامش المستدرك ، وسير أعلام النبلاء 4 / 449.

(4) سير أعلام النبلاء 4 / 449.

١٠٢

حجر في ( الإصابة ) ، واللفظ للأوّل : ( بسنده عن عبيد الله بن عليّ بن أبي رافع عن جدته سلمى قالت : رأيت عبد الله بن عباس معه ألواح يكتب عليها عن أبي رافع شيئاً من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم )(1) .

وفي رواية الخطيب في كتابه ( تقييد العلم ) : ( كان يقول : ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كذا؟ وما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كذا؟ ومع ابن عباس ألواح يكتب فيها؟ )(2) .

وإنّما اختص بمسائلة أبي رافع دون باقي الصحابة لرابطة الولاء التي كانت تربطه به ، فأبو رافع كان مولى للعباس ، ومن ثمّ أهداه إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد مرّ بنا في الحلقة الأولى في ترجمة لبابة بنت الحارث ـ أم حبر الأمّة ـ ذكر أبي رافع وكان بعد يومئذ مولى للعباس ، فراجع ، هذا أوّلاً.

وثانياً : فإنّ أبا رافع كان من أصحاب الأصول في التدوين ، فقد قال النجاشي في رجاله في ترجمته ـ وقد عدّه من السلف الصالح ـ : ( أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأسمه أسلم ، كان للعباس بن عبد المطلب رحمة الله فوهبه للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فلمّا بشّر النبيّ بإسلام العباس أعتقه ).

وقال نقلاً عن تاريخ ابن عقدة : إنّه أسلم أبو رافع قديماً بمكة ، وهاجر إلى المدينة وشهد مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مشاهده. ولزم أمير المؤمنين عليه السلام من بعده ، وكان من خيار الشيعة وشهد معه حروبه ، وكان صاحب بيت

____________________

(1) الطبقات 2 / ق 2 / 123 ، تقييد العلم / 91 ـ 92 ، الاصابة 4 / 92.

(2) تقييد العلم / 91 ـ 92.

١٠٣

ماله بالكوفة ، وإبناه عبيد الله وعلي كاتبا أمير المؤمنين عليه السلام. وذكر النجاشي أيضاً إنّ لأبّي رافع كتاب السنن والأحكام والقضايا ، ثمّ ذكر النجاشي ترتيب الكتاب باباً باباً وذكر التفاوت بين نسختين من ذلك الكتاب رآهما(1) .

لذلك كان حبر الأمة عبد الله بن عباس يأتيه فيسأله عن بعض أيام السيرة النبوية الشريفة التي لم يحضرها بنفسه ، وهو بتدوينه ما كان يسمعه من أبي رافع يمكننا أن نجعله من الرواد الأوائل القلائل الذين دوّنوا السيرة النبوية إن لم يكن هو أوّلهم ، كما يمكننا أن نجعل أبا رافع شيخاً له في إملاء بعض السيرة النبوية عليه.

5 ـ عمار بن ياسر رضي الله عنه

كما ذكر ابن حجر في ( تهذيب التهذيب )(2) في ترجمة عمار في ذكر ابن عباس فيمن روى عنه.

وأنا لم أقف على حديث رواه عنه. ويمكن لنا أن ندعي سماع عمار من ابن عباس وهو يحدّث ، فقد أخرج الحاكم الحسكاني في ( شواهد التنزيل ) نقلاً عن فرات بن إبراهيم بسنده : عن عمار بن ياسر ، قال : كنت عند أبي ذر الغفاري في مجلس لابن عباس وعليه فسطاط

____________________

(1) رجال النجاشي / 5 ـ 6 بمبي سنة 1317 هـ.

(2) تهذيب التهذيب 7 / 409.

١٠٤

وهو يحدّث الناس إذ قام أبو ذر حتّى ضرب بيده إلى عمود الفسطاط ، ثمّ قال : أيّها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته باسمي ، أنا جندب بن جنادة أبو ذر الغفاري ، سألتكم بحق الله وحق رسوله ، أسمعتم رسول الله يقول : ( ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء ذا لهجة أصدق من أبي ذر؟ ) قالوا : اللّهمّ نعم ، قال : أتعلمون أيّها الناس أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمعنا يوم غدير خم ألف وثلثمائة رجل ، وجمعنا يوم سمرات خمسمائة رجل ، وفي كلّ ذلك يقول : ( اللّهم من كنت مولاه فإنّ عليّاً مولاه ، اللّهم والي من والاه وعاد من عاداه ) فقام عمر فقال : بخ بخ لك يابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ، فلمّا سمع ذلك معاوية بن أبي سفيان اتكأ على المغيرة بن شعبة وقام وهو يقول : لا نقر لعليّ بولايته ، ولا نصدّق محمداً في مقالته ، فأنزل الله تعالى على نبيّه( فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى ـوَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى ـثَمَ ذَهَبَ الَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى ـأَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ) (1) تهديداً من الله تعالى واشهاداً؟ فقالوا : اللّهمّ نعم(2) .

6 ـ المقداد بن عمرو الكندي

روى عنه ابن عباس قال : جاء رجل فمدح عثمان ، فقام المقداد يحثو في وجهه التراب ، فقال له عثمان : ما لك؟ قال : أمّا أنّا فلا أدع شيئاً سمعته

____________________

(1) القيامة / 31 ـ 35.

(2) شواهد التنزيل 2 / 390.

١٠٥

من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( احثوا في وجوه المدّاحين التراب )(1) .

7 ـ حمل بن مالك بن النابغة

فقد ذكره الطبراني في معجمه(2) وأخرج عنه حديثاً سمعه عنه ابن عباس فرواه عنه كما عن طاووس عن ابن عباس قال : قام عمر رضي الله عنه على المنبر فقال : أذكر الله امرءاً سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى في الجنين ، فقام حمل بن مالك بن النابغة الهذلي فقال : يا أمير المؤمنين كنت بين جاريتين ـ يعني ضرّتين ـ فجرحت أو ضربت إحداهما الأخرى بعمود ظلّتها فقتلتها وقتلت ما في بطنها ، فقضى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة ، فقال عمر : الله أكبر لو لم نسمع بهذا ما قضينا بغيره.

8 ـ سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي

ـ كان ينزل في ناحية المدينة ـ ذكره الطبراني في المعجم الكبير(3) وذكر له حديثاً واحداً أسنده عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فرواه عنه ابن عباس كما عن طاووس قال : عن ابن عباس عن سراقة بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( دخلت العمرة في الحج ) وقد رواه أحمد في المسند(4) .

____________________

(1) المعجم الكبير للطبراني 20 / 196.

(2) المعجم الكبير 4 / 8.

(3) المعجم الكبير 7 / 119.

(4) مسند أحمد 4 / 175.

١٠٦

9 ـ الصعب بن جُثامة بن قيس الليثي

ذكره الطبراني في معجمه الكبير(1) فقال : ويقال أنّ أم الصعب أخت أبي سفيان وهي زينب بنت حرب بن أمية ، ويقال : أنّ جثامة بن قيس كان حليفاً لقريش. ثمّ ذكر له ثلاثة أحاديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم رواها عنه ابن عباس وعنه بعدّة أسانيد فتفاوت الرواة في روايتها لفظاً ، وتلك الأحاديث هي :

1 ـ حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ، أنا عبد الرزاق ، أنا معمر عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ، عن الصعب بن جثامة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( لا حمىً إلاّ لله ورسوله ).

وهذا الحديث أخرجه عبد الرزاق في المصنف ، وأحمد في المسند ، والبخاري في الصحيح ، والبيهقي في السنن ، والحميدي في المسند. كما في هامش المعجم الكبير للطبراني(2) وهو أخرجه بأحد عشر إسناداً.

2 ـ حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ، أنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ، عن الصعب ابن جثامة قال : مرّ بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا بالأبواء ، فأهديت له حمار وحش فردّه عليّ ، فلمّا رأى الكراهية في وجهي ، قال : ( إنّه ليس بنا ردّ عليك

____________________

(1) المعجم الكبير 8 / 81 برقم 735.

(2) المعجم الكبير 8 / 83.

١٠٧

ولكنّا حُرُم ).

وهذا الحديث أيضاً أخرجه عبد الرزاق وأحمد والبخاري ومسلم ومالك والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي والحميدي كما في هامش المعجم الكبير(1) ، وقد أخرجه الطبراني بسبعة عشر إسناداً.

3 ـ حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، عن الصعب بن جثامة ، قال : قلت : يا رسول الله إنّا نصيب في البيات من ذراري المشركين ، قال : ( هم منهم ).

وهذا كسابقيه أخرجه عبد الرزاق وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة والبيهقي والطحاوي في شرح معاني الآثار والحميدي. كما في هامش المعجم الكبير(2) ، وقد أخرجه الطبراني بأربعة عشر إسناداً. كما أنّ الشيخ الطوسي ذكر هذا في المبسوط(3) .

ومن اللافت للنظر أنّ جميع تلك الأسانيد ينتهي سند رواتها إلى ابن عباس ، وكأنّها ـ تلك الأحاديث ـ لم يروها عن الصعب إلاّ ابن عباس.

____________________

(1) نفس المصدر.

(2) المعجم الكبير 8 / 86.

(3) المبسوط 2 / 11 ، نشر المكتبة المرتضوية.

١٠٨

10 ـ أبو ذر الغفاري

فقد روى عنه ابن عباس سماعه من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قوله : ( إنّ أحبّكم إليّ وأقربكم مني الذي يلحقني على العهد الذي فارقني عليه )(1) . وقد حدّث بإسلام أبي ذر ولم يسنده عنه(2) .

ومرّ في ذكر عمار ما يتعلق بسماع ابن عباس من أبي ذر وهو يحدّث عنه الناس في فسطاط ، وهو ـ فيما أحسب ـ غير الرجل من بني غفار الذي حدّث عنه ابن عباس ، قال : أقبلت وابن عم لي حتّى صعدنا على جبل يشرف بنا على بدر ونحن مشركان لننظر للوفود على من تكون الدائرة ، فننتهب مع من ينتهب ، فبينا نحن في الجبل إذ دانت مثل السحابة ، فسمعنا فيها مثل حمحمة الخيل سمعت قائلاً يقول أقدم حيزوم ، فأمّا ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات ، وأمّا أنا فكدت أهلك ثمّ تماسكت(3) .

11 ـ أسامة بن زيد

فقد روى عنه ابن عباس قوله : ( لم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسير على هيأته حتّى أفاض من جمع )(4) .

وروى عنه أيضاً حديثاً مرفوعاً وهو قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : ( إنّما الربا

____________________

(1) معجم الطبراني الكبير 2 / 149 ط الموصل.

(2) صحيح البخاري كتاب بدء الخلق باب قصة زمزم 4 / 182ط بولاق.

(3) أخرجه ابن أبي الدنيا في كتابة الهواتف ضمن موسوعة الإمام ابن أبي الدنيا 2 / 435.

(4) معجم الطبراني الكبير 1 / 169.

١٠٩

في النسيئة )(1) ، وقد رواه الطبراني بعدّة أسانيد وتفاوت في اللفظ وسيأتي بعض ذلك عند ذكر أبي سعيد الخدري.

12 ـ أبو سعيد الخدري

أخرج الطبراني في المعجم الكبير بسنده عن بكر بن عبد الله المزني يحدّث إنّ ابن عباس جاء من المدينة إلى مكة وجئت معه ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : ( أيّها الناس إنّه لا بأس بالصرف ما كان منه يداً بيد ، إنّما الربا في النسيئة ) ، فطارت كلمته في أهل المشرق والمغرب ، حتّى إذا انقضى الموسم دخل عليه أبو سعيد الخدري فقال : يابن عباس أكلت الربا وأطعمته ، قال : أو فعلت؟ قال : نعم ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلاً بمثل فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح مثلاً بمثل فمن زاد أو استزاد فقد أربى ) ، حتّى إذا كان العام المقبل جاء ابن عباس وجئت معه فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : ( يا أيّها الناس إني تكلمت عام أوّل كلمة من رأيي ، وإنّي أستغفر الله منه وأتوب اليه ، إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( إنّ الذهب بالذهب وزناً بوزن مثلاً بمثل تبره وعينه فمن زاد أو استزاد فقد أربى ) وأعاد عليهم هذه الأنواع الستة(2) .

وقال أبو الشعثاء سمعت ابن عباس يقول : ( اللّهمّ إنّي أتوب إليك

____________________

(1) معجم الطبراني الكبير 1 / 170.

(2) معجم الطبراني الكبير 1 / 177 ط الموصل.

١١٠

من الصرف ، إنّما هذا من رأيي وهذا أبو سعيد الخدري يرويه عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم )(1) .

13 ـ جابر بن عبد الله

فقد أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر لله عزّوجلّ عنه حديثاً بسنده عن ابن عباس ، قال : حدثني جابر بن عبد الله أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قرأ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنّيِ قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دَعَانِ ) (2) ، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : ( اللّهمّ إنّك أمرت بالدعاء وتكفلت بالإجابة ، لبيك اللّهمّ لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، أشهد أنّك فرد أحد صمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، وأشهد أنّ وعدك حق ، ولقاءك حق ، والجنّة حق ، والنار حق ، والساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّك تبعث من في القبور )(3) .

15 ـ أبو طلحة الأنصاري

روى عنه ابن عباس قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب أو

____________________

(1) نفس المصدر.

(2) البقرة / 186.

(3) أخرجه البيهقي في الاسماء والصفات / 93 ، من طريق المصنف ، وأخرجه ابن مردويه كما في تفسير ابن كثير 1 / 315 ، وغيرهما.

١١١

صورة )(1) ، كما روى عنه أيضاًً قوله : ( إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرن بين الحج والعمرة )(2) .

16 ـ خالد بن الوليد

ومن الغريب أن يذكر مع من روى عنهم ابن عباس الحديث من الصحابة! والذي ذكر في كتب الحديث هو حديث أكله الضبّ بحضور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد حضره ابن عباس فحدّث بذلك كشاهد عيان فأخذه الرواة الغواة وجعلوه من حديث خالد ورواه ابن عباس عنه ، وذكروا له صوراً متعددة كما في معجم الطبراني الكبير. وإلى القارئ صورة منها :

عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنّ عبد الله بن عباس أخبره أنّه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ميمونة زوج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وهي خالته وخالة ابن عباس فوجد عندها ضبّاً محنوذاً قدمت به أختها حفيدة بنت الحارث من نجد ، فقدمت الضبّ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان قلّما يقدم يده لطعام حتّى يحدث به ويسمي له ، فأهوى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده إلى الضبّ فقالت أمرأة من النسوة الحضور أخبرن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قدمتن له ، قلن : هو الضبّ يا رسول الله ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده. قال خالد بن الوليد : أحرام الضبّ يا رسول الله؟ قال : ( لا ) ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه ) قال خالد : فأجزرته فأكلته

____________________

(1) معجم الطبراني الكبير 5 / 94 ط الموصل.

(2) نفس المصدر.

١١٢

ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينظر ولم ينهني(1) .

وللشيخ أحمد محمّد شاكر في تحقيقه مسند أحمد فقد علّق على هذا الحديث كلاماً ذكره في آخر الجزء الرابع تحسن مراجعته قال فيه : ( الحديث رواه أبو داود 3 / 415 من طريق مالك ، فجعل القصة عن ابن عباس عن خالد وهو على غير ظاهره ، يريد عن قصة خالد لأنّ ابن عباس شهد القصة بنفسه ، فهو لا يرويها عن خالد )(2) .

ومن النساء ، روى عن بعض أمهات المؤمنين وغيرهن ، وهن :

1 ـ أم هانئ بنت أبي طالب عليه السلام

وهي التي كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يقيل ـ من القيلولة ـ في بيتها ، ومن بيتها عرِجَ به إلى السماء ، ولا زال في المسجد الحرام باب من أبوابه مسمّىً باسمها ( باب أم هاني ) لقربه من بيتها.

عن ابن عباس قال : ( كنت أمرّ بهذه الآية ـ( يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإشْرَاقِ ) (3) ـ فما أدري ما هي قوله بالعشيّ والإشراق حتّى حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل عليها فدعا بوضوء في جفنة فكأنّي أنظر إلى أثر العجين فيها فتوضأ ثمّ قام فصلى الضحى ، فقال : ( يا أم

____________________

(1) معجم الطبراني الكبير 4 / 107 ـ 109.

(2) أنظر مسند أحمد 3 / 367 / 2299 ، 2354 ، 2569 ، 2684 ، 2962 ، 3009 تحقيق أحمد شاكر ، وأنظر أيضاًً المنتقى / 4581.

(3) ص / 18.

١١٣

هانئ هي صلاة الإشراق ) )(1) .

2 ـ ميمونة بنت الحارث ( أمّ المؤمنين )

وكانت خالته ، وقد روى عنها بعض الأحاديث ، أخرج الطبراني في ( المعجم الكبير ) ستة عشر حديثاً رواها عنها(2) .

3 ـ سودة بنت زمعة ( أمّ المؤمنين )

روى عنها ابن عباس ستة أحاديث فيما أخرجها الطبراني في ( معجمه الكبير )(3) .

4 ـ جويرية بنت الحارث من بني المصطلق ( أمّ المؤمنين )

روى عنها ابن عباس أربعة أحاديث ، أخرجها الطبراني في معجمه الكبير(4) .

5 ـ أسماء بنت عميس

وهي خالته ، روى عنها تزويج فاطمة من عليّ عليه السلام ، أخرجه الطبراني في معجمه الكبير(5) .

وله خبر رواه عنها مرفوعاً عنه صلى الله عليه وآله وسلم أخرجه الحاكم الحسكاني في ( شواهد التنزيل ) بسنده عن القاسم بن جندب ، قال :

____________________

(1) الطبراني في الأوسط ، وعنه في مجمع الزوائد 7 / 99 ، وفي الكبير 24 / 321.

(2) المعجم الكبير 24 / 13 ـ 17.

(3) المعجم الكبير 24 / 29 ـ 30.

(4) المعجم الكبير 24 / 49 ـ 50.

(5) المعجم الكبير 24 / 105 ، والعاصمي في تهذيب زين الفتى 1 / 145تحقيق المحمودي.

١١٤

سمعت عطاء يقول : سمعت ابن عباس يقول : سمعت أسماء بنت عميس تقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( اللّهمّ انّي أقول كما قال موسى بن عمران : اللّهمّ اجعل لي وزيراً من أهلي عليّ بن أبي طالب أشدد به أزري ـ يعني ظهري ـ وأشركه في أمري ، ويكون لي صهراً وختناً )(1) .

6 ـ فاطمة بنت قيس الفهرية

روى عنها ابن عباس : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرها أن تشترط في إحرامها(2) .

وأخيراً لا يفوتنا التنبية على أنّ ابن عباس روى عن العقيلة زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام ، فقد قال أبو الفرج في مقاتله : والعقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة في فدك فقال : حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي(3) .

وروايته عن السيدة زينب بنت علي عليه السلام من باب رواية الأكابر عن الأصاغر ، إذ كان أكبر سنّاً منها ، فولادته قبل الهجرة بثلاث سنين ، وولادتها بعد الهجرة بخمس سنين على أصح الأقوال.

وسيأتي مزيد بيان حول رواية ابن عباس عن السيدة زينب في الكلام على معارف ابن عباس القرآنية في مبحث العموم والخصوص.

____________________

(1) شواهد التنزيل 1 / 371.

(2) الطبراني في الكبير 24 / 264.

(3) مقاتل الطالبيين / 95 تحقيق صقر ط مصر.

١١٥

ونعود إلى ابن حجر وقد حشر بعض الأسماء ، فلم أقف على رواية ابن عباس عن أصحابها ، كذكره أسماء بنت أبي بكر ، ولعلّه أراد أن يذكر أسماء بنت عميس فسها قلمه فذكر أسماء بنت أبي بكر لتشابه الأسمين! ولكن ما أدري كيف ذكر عائشة فيمن روى عنها ابن عباس؟ وعلى كثرة رواياتها فلم أقف على رواية واحدة رواها ابن عباس عن عائشة! وكذلك ذِكرُ أبا هريرة ومعاوية بن أبي سفيان!! وكان الأولى به أن يذكر سلمان والمقداد وسراقة بن مالك بدلاً من ذكره خالد بن الوليد. إنّها الرواسب تعمل عملها في توجيه الأهواء والآراء.

ولنرجع البصر إلى بقية من ذكرهم ابن عباس في أحاديثه ، مثل :

جابر بن عبد الله الأنصاري

الذي روى ابن عباس عنه خبراً في الحروف المقطعة في أوائل السور. وسيأتي خبره في ( مسائل قرآنية في المحكم والمتشابه ).

عثمان بن أبي العاص الثقفي

روى الجاحظ عن عيسى بن يزيد بن دأب عمّن حدّثه عن رجل كان يجالس ابن عباس قال : ( قال عثمان بن أبي العاص الثقفي لبنيه : يا بنيّ إنّي قد أمجدتكم في أمهاتكم ، وأحسنت مهنة أموالكم ، وانّي ما جلست في ظلّ رجل من ثقيف أشتم عرضه ، والناكح مغرّس ،

١١٦

فلينظر امرؤ منكم حيث يضع غرسّه ، والعِرق السوء قلمّا يُنجب ولو بعد حين.

قال : فقال ابن عباس : يا غلام أكتب لنا هذا الحديث )(1) .

أقول : وهذا كما ترى ليس بحديث مرفوع ، وإنّما هو قول إنسان عاقل وناصح ينصح ولده ، فأمر ابن عباس غلامه أن يكتب له ذلك ، للتنبيه على وفرة عقله وبليغ حكمة قائله ، وإلاّ فما كان أغناه عن الكتابة ، وهو الذي كان يحفظ كلّ ما سمع ، وقد مرّ في سيرته في قوة ذكائه ما يثبت ذلك.

زيد بن ثابت

ـ كان من الصحابة المحظوظين!! ـ فقد زعم لنفسه في جواب من قالوا له حدثنا عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : ( ماذا أحدّثكم؟ كنت جاره فكان إذا نزل عليه الوحي أرسل إليّ فكتبته ، وكان إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا ، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا ، أفكلّ هذا أحدثكم عنه )(2) .

وعلى هذا الأساس من المزاعم صار من المحظوظين ، وتعالى ذكره بمباركة الخالفين ، بدءاً من أبي بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان ، فقد ولّوه ما جعله يتفوّق به على كثير من الصحابة الذين فاقوه سنّاً وعلماً وحتّى سبقوه إسلاماً ،

____________________

(1) البيان والتبيين للجاحظ 2 / 67.

(2) طبقات ابن سعد 1 / ق 2 / 90.

١١٧

لكنها السلطة ترفع بضبع من تشاء فيهُتَف باسمه ، وتُبعَد من تشاء عن الأضواء حتّى يكاد أن يُنسى علمُه. قال سليمان بن يسار : ( ما كان عمر وعثمان يقدّمان على زيد أحداً في الفرائض والفتوى والقراءة والقضاء )(1) .

فصار زيد الذي أسلم عند هجرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وله من العمر إحدى عشرة سنة مقدّماً على أمثال ابن مسعود وأبيّ بن كعب ، بل وحتّى على الإمام عليّ عليه السلام وابن عباس! وصار كاتب الوحي(2) ، وهو الذي يدعى لجمع القرآن(3) ، وهو الذي يتولى تقسيم المواريث(4) ، وهو الذي يتولى القضاء(5) ، وهو الذي يخلّفه عمر إذا خرج في بعض أسفاره ، ويقول القاسم بن محمّد : ( كان عمر يستخلف زيداً في كلّ سفر )(6) ، وإذا رجع أقطعه حديقة من نخله(7) ، وهو الذي تولى بيت المال في أيام عثمان(8) ، وبإختصار كان فيما يقول قبيصة بن ذؤيب عن زيد : ( وهو مترئس بالمدينة في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض في

____________________

(1) سير أعلام النبلاء 4 / 78 دار الفكر.

(2) أسد الغابة 1 / 50.

(3) مسند أحمد 5 / 188 ( دار صادر ).

(4) المجموع للنووي 16 / 68 ( عن زيد : ولاني أبو بكر مواريث قتلى اليمامة فكنت أورّث الاحياء من الموتى ولا أورث الموتى من الموتى ).

(5) طبقات ابن سعد في ترجمته قال نافع استعمل عمر بن الخطاب زيد بن ثابت على القضاء وفرض له رزقاً. وسير أعلام النبلاء 4 / 79.

(6) مختصر تاريخ دمشق 9 / 118 ـ 119 ، نقلاً عن هامش سير أعلام النبلاء 4 / 78 ط دار الفكر.

(7) سير أعلام النبلاء 4 / 78.

(8) تاريخ البخاري الكبير 8 / 373.

١١٨

عهد عمر وعثمان وعلي )(1) .

وقد يفاجأ القارئ إذا قلنا له أنّه كان يهودياً ثمّ أسلم!

قال ابن مسعود : ( ما لي ولزيد ولقراءة زيد لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعين سورة ، وإنّ زيد بن ثابت ليهودي له ذؤابتان )(2) .

وقال أُبيّ بن كعب : ( لقد قرأت القرآن وزيد هذا غلام ذو ذؤابتين يلعب بين صبيان اليهود في المكتب )(3) .

هذه سطور في تعريف زيد ذكرتها للقارئ من مصادر الموالين لزيد ومن لا نتهمهم عليه.

والآن إلى معرفة الجواب الصحيح على ما نطرحه من السؤال :

هل أخذ ابن عباس من زيد في التفسير شيئاً؟ أو في الفقه شيئاً ، أو في الحديث شيئاً؟

والجواب بكلّ بساطة :

لا ، لعدم وجود ما يدلّ على ذلك ، بل لم أقف على حديث واحد رواه ابن عباس عنه من خلال تتبعي لأحاديث كلّ منهما في الجوامع الحديثية.

فمثلاً أنظر الطبراني في ( المعجم الكبير )(4) وقد أخرج أحاديث زيد

____________________

(1) سير أعلام النبلاء 5 / 358 في ترجمة عروة بن الزبير.

(2) تاريخ المدينة لعمر بن شبة 3 / 1006.

(3) الإيضاح لابن شاذان / 519.

(4) المعجم الكبير 5 / 109 ـ 121 ط الموصل الثانية.

١١٩

ابن ثابت فذكر أحاديث من روى عنه من الصحابة ، فكانوا على التوالي : عبد الله بن عمر ، وأبو سعيد الخدري ، وسهل بن سعد ، وسهل بن أبي حثمة ، وأنس بن مالك ، وأبو هريرة ، وأبو الدرداء ، وعبد الله بن يزيد الخطمي ، وعدي بن عميرة الكندي. ولم يذكر ابن عباس معهم.

وأنظر أيضاً مثلاً مسند أحمد(1) ستجد حديث زيد بن ثابت وليس فيه حديث واحد رواه عنه ابن عباس.

وخذ مثالاً ثالثاً كتاب ( ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الأحاديث ) للشيخ عبد الغني النابلسي(2) ، فلا تجد إشارة واحدة على رواية ابن عباس عن زيد بن ثابت.

فكيف تصح المقولة بأنّه روى عنه وقرأ عليه؟! وإن كانت هي مذكورة في كتب التراجم في ترجمة كلّ منهما؟ لكنها ـ فيما يبدو ـ حبكة من غير حنكة لرفعة شأن زيد بن ثابت!

وإذا رجعنا إلى تلك المصادر فلا نجد ما نطمئن بصحته ليستدلّ به على أخذ ابن عباس من زيد شيئاً من التفسير أو علوم القرآن أو غير ذلك ، فإنّ المذكور فيها إمّا مرسل عن صاحب الكتاب لا نعرف إسناده ، وإمّا مسند مخدوش في رجاله. وما دمنا لسنا بمقلّدين لأصحاب المراسيل فيما نقلوه فلا نأبه بها.

ولننظر إلى ما رووه مسنداً ، وليس هو إلاّ حديث واحد رواه ابن أبي داود السجستاني في كتاب ( المصاحف ) ، قال :

____________________

(1) مسند أحمد 5 / 181 ـ 192.

(2) ذخائر المواريث 1 / 215 ـ 220.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509