موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٦

موسوعة عبد الله بن عبّاس0%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 509

موسوعة عبد الله بن عبّاس

مؤلف: السيد حسن الموسوي الخرسان
تصنيف:

الصفحات: 509
المشاهدات: 74314
تحميل: 4077


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 509 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 74314 / تحميل: 4077
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء 6

مؤلف:
العربية

من أولئك النوادر في حفظه وذكائه فكذلك كان أيضاً في سماعه وانتقائه. فيتفحّص ويمحّص ، ويتأكد من صحة الحديث ، حتّى كان من شدّة احتياطه في ذلك ، كما أخرج عنه الخطيب الخ.

وأخرج ابن سعد أيضاً عن ابن عباس يقول : ( ما حدّثني أحد قط حديثاً فاستفهمته )(1) .

ولكنه للتوثيق قد يسأل الجماعة عن الأمر الواحد ، فقد أخرج الخطيب في كتاب ( الفقيه والمتفقه ) ، والذهبي في ( سير أعلام النبلاء ) ، عن ابن عباس قال : ( إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم )(2) .

وروى ابن سعد في ( الطبقات ) ، والخطيب في ( الفقيه والمتفقه ) ، والبلاذري في ( أنساب الأشراف ) ، وابن قتيبة في ( عيون الأخبار ) ، والذهبي في ( سير أعلام النبلاء ) ، عن ابن عباس قال : ( وجدت عامّة علم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذا الحي من الأنصار ، إن كنت لآتي الرجل منهم فيقال هو نائم ، فلو شئت أن يوقظ لي فأدعه حتّى يخرج لأستطيب بذلك قلبه )(3) .

قال سفيان بن عيينة ، حدّثنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن عجوز لهم قالت : رأيت ابن عباس يختلف إلى صرمة بن قيس الأنصاري وكان يروي هذه الأبيات :

____________________

(1) الطبقات 2 / ق 2 / 123.

(2) الفقيه والمتفقه 2 / 203 نشر دار إحياء السنة ، سير أعلام النبلاء 4 / 447 ط دار الفكر.

(3) الطبقات 2 / ق 2 / 121 ، الفقيه والمتفقه 2 / 142 ، أنساب الأشراف 3 / 34 ، عيون الأخبار 2 / 122 ، سير أعلام النبلاء 4 / 447.

٨١

ثوى في قريش بضع عشرة حجة

يذكّر لو ألفى صديقاً مواتيا

ويعرض في أهل المواسم نفسه

فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا

فلمّا أتانا واطمأنت به النوى

وأصبح مسروراً بطيبة راضيا

وأصبح ما يخشى ظلامة ظالم

بعيد ولا يخشى من الناس باغيا

بذلنا له الأموال من جلّ مالنا

وأنفسنا عند الوغى والتآسيا

نعادي الذي عادى من الناس كلّهم

جميعاً وإن كان الحبيب المصافيا

ونعلم أن الله لا شيء غيره

وان كتاب الله أصبح هاديا

وقد أورد هذا الذهبي في ( سير أعلام النبلاء )(1) ولم يزد على سبعة أبيات ، بينما نجد في تاريخ الطبري ، والسيرة النبوية لابن كثير ، وسيرة ابن هشام ، وغيرها أنّ الأبيات أربعة عشر بيتاً(2) ، فراجع.

وكان في إحتياطه في سماعه الحديث فرداً لم أقف على مثله عند غيره ، كما مرّ حيث كان يسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، ليتأكد من صحة النقل ، وحديثه مع بشير بن كعب يكشف السبب في ذلك التوقي في التلقي ، لئلا يروي الكذب بعد أن تفشّى ذلك بين الصحابة ، فلنقرأ بعض الشواهد على ذلك.

____________________

(1) سير أعلام النبلاء 1 ـ 2 / 237 ـ 238.

(2) تاريخ الطبري 2 / 385 ـ 386 ، السيرة النبوية 2 / 283 ، سيرة ابن هشام 2 / 118.

٨٢

أخرج مسلم في مقدمة صحيحه بسنده : ( عن طاووس قال : جاء هذا إلى ابن عباس ـ يعني بشير بن كعب ـ فجعل يحدّثه فقال له ابن عباس : عد لحديث كذا وكذا ، فعاد له ، ثمّ حدّثه فقال له : عد لحديث كذا وكذا فعاد له ، فقال له : ما أدري أعرفت حديثي كله وأنكرت هذا؟ أم أنكرت حديثي كلّه وعرفت هذا؟ فقال له ابن عباس : إنّا كنا نحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يكن يُكذب عليه ، فلمّا ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه )(1) .

وأيضاً في صحيح مسلم بشرح النووي : ( عن مجاهد قال جاء بشير العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدّث ويقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال رسول الله ، فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ، ولا ينظر إليه ، فقال : يابن عباس مالي لا أراك تسمع لحديثي ، أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا تسمع؟ فقال ابن عباس : إنّا كنا مرّة إذا سمعنا رجلاً يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ابتدرته أبصارنا ، وأصغينا إليه بآذاننا ، فلمّا ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلاّ ما نعرف )(2) .

وهكذا كان يحاقق الذي سمع منه فيستذكره بعد مدّة من سماعه ليتأكد من حفظه وضبطه ، كما في حديثه مع زيد بن أرقم ، فقد أخرج الطبراني في ( المعجم الكبير ) بسنده عن طاووس قال : قدم زيد بن أرقم وكان ابن عباس يستذكره : كيف أخبرتني عن لحم أهدي للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم

____________________

(1) صحيح مسلم في المقدمة باب النهي عن الضعفاء رقم 7.

(2) صحيح مسلم بشرح النووي 1 / 81.

٨٣

حراماً؟ فقال : نعم ، أهدي له عضو من لحم صيد فردّه عليه وقال : ( إنّا لا ناكله ، إنّا حُرُم )(1) ، وهذه الحال في الإحتياط هي التي حدّث بها غير واحد عنه في أنّه كان يسأل عن الأمر الواحد الثلاثين من الصحابة كما مرّ في رواية الخطيب.

قال ابن أبي مليكة : ( كتبت إلى ابن عباس أسأله أن يكتب لي كتاباً ولا يخفي عني ، فقال : ( ولد ناصح ، أنا أختار له الأمور إختياراً وأخفي عنه ، قال : فدعا بقضاء عليّ فجعل يكتب منه أشياء ، ويمرّ به الشيء فيقول : والله ما قضى بهذا عليّ عليه السلام إلاّ أن يكون ضلّ )(2) .

مزاعم من غير برهان

لقد اعتاد أصحاب رجال الحديث حين يذكرون عَلَماً من الصحابة أو التابعين بل وحتّى من الطبقات التي من بعدهم ، يذكرونه عمن روى ومن روى عنه ، ولمّا كان ابن حجر فارس ميدانهم ، وكتابه ( تهذيب التهذيب ) حجة برهانهم ، فنحن نقف عنده في هذا المقام لنرى في ترجمة ابن عباس عمّن روى. وهل ثبتت صحة ذلك في بعض الأشخاص أم لا؟

قال : ( روى عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وعن أبيه ، وعن أمّه أم الفضل ، وأخيه الفضل ،

____________________

(1) رواه عبد الرزاق في المصنف وأحمد في المسند مكررا والطبراني في معجمه الكبير 5 / 164 ط الموصل ، والخبر يشير إلى ما سيأتي من رواية ابن عباس عن الصعب بن جُثامة.

(2) صحيح مسلم بشرح النووي 1 / 82.

٨٤

وخالته ميمونة ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعبد الرحمن بن عوف ، ومعاذ بن جبل ، وأبي ذر ، وأبيّ بن كعب ، وتميم الداري ، وخالد بن الوليد وهو ابن خالته ، وأسامة بن زيد ، وحمل بن مالك بن النابغة ، وذويب والد قبيصة ، والصعب بن جثامة ، وعمار بن ياسر ، وأبي سعيد الخدري ، وأبي طلحة الأنصاري ، وأبي هريرة ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وأبي سفيان ، وعائشة ، وأسماء بنت أبي بكر ، وجويرية بنت الحارث ، وسودة بنت زمعة ، وأم هاني بنت أبي طالب ، وأم سلمة ، وجماعة وعنه )(1) .

هذه جملة الأسماء التي ذكرها ابن حجر في ترجمة ابن عباس ، ولمّا كانت أحاديثه عن هؤلاء الجماعة عادة قد ضمّتها كتب الصحاح والمسانيد ، فنحن نبحث في تلك المصادر لنرى روايات ابن عباس عن أولئك الأشخاص هل هي صحيحة؟ أم ثمّة تعويم وتعتيم؟

وإذ لا شك عندنا في أنّه روى عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك عن أهل بيته المذكورين رجالاً ونساءاً فلا نطيل الوقوف عندهم ، إنّما البحث سيكون عن صحة أخذه وسماعه من الباقين ، وأوّل أولئك هو أبو بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان ، وهم أوّل الخلفاء الراشدين في التاريخ ، الذين كان ابن عباس معهم على تفاوت في مدى صحبته ، ولاشك في أنّها كانت مع الأوّل محدودة جداً ، وقد تقدم في الحلقة الأولى ما يبين لنا موقفه في عهد أبي بكر ، فراجع.

ولم نقف على حديث واحد رواه عن أبي بكر ، كما أنّ صحبته مع

____________________

(1) تهذيب التهذيب 5 / 276 ط حيدر آباد.

٨٥

الباقين كانت أطول زماناً وأكثر تعاطياً ، وللتحقيق من صحة ما قاله ابن حجر في عدّ أبي بكر في جملة من روى عنهم ابن عباس ، راجعنا مسند أحمد بن حنبل وهو أكبر المسانيد حجماً وأوسعها جمعاً ، وقد ابتدأ أحمد كتابه بمسند أبي بكر ، ولدى ملاحظة ما ذكر ، وجدناه ذكر ( 81 ) رقما تحت العنوان المذكور لم يسلم منها له إلاّ ( 49 ) رقماً بما فيها من المكررات التي أسقطت أكثر من الربع في الحساب ، ومع هذا كلّه فلم نجد حديثاً واحداً لابن عباس رواه عن أبي بكر ، فكيف بقول ابن حجر في ذلك؟!

ولزيادة الإطمئنان راجعنا ( المعجم الكبير ) للطبراني(1) تحت عنوان ( وممّا أسند أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فساق خمسة أحاديث فقط ، ولم يسلم له منها إلاّ خامسها ، والباقي ليست بأحاديث مسندة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان ذلك مثار العجب!!

وعدت ثالثة أتحرّى بعض كتب الأطراف أستهدي بها إلى رواية ابن عباس عن أبي بكر فراجعت ( ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الأحاديث ) للنابلسي ، فكان ما ذكره لأبي بكر الصديق عبد الله بن عثمان عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ( 57 ) حديثاً مبثوثة في الصحاح وليس بينها حديث واحد رواه ابن عباس عنه ، فدبّ اليأس من العثور على رواية لابن عباس عن أبي بكر ، فتركت البحث إذ لا كبير فائدة فيه ، وأحسب أن ابن حجر إنّما ذكر

____________________

(1) المعجم الكبير 1 / 62 ط الموصل.

٨٦

اسم أبي بكر مع الباقين جرياً على عادة قومه من ذكر الخلفاء الراشدين مرتبة أسماؤهم حسب أيام حكمهم إلتزاماً بسنة ابن عمر.

فماذا عن أفيكة ابن عمر في سنّة التفاضل؟

لقد أخرج البخاري في صحيحه في كتاب المناقب في باب فضل أبي بكر بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من طريق عبد الله بن عمر قال : ( كنّا نخيّر بين الناس في زمن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فنخيّر أبا بكر ثمّ عمر بن الخطاب ثمّ عثمان بن عفان ( رضي عنهم ) )(1) .

وأخرج أيضاً في صحيحه في باب مناقب عثمان عن ابن عمر أيضاً بلفظ : ( كنّا في زمن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لا نعدل بأبي بكر أحداً ثمّ عمر ثمّ عثمان ، ثمّ نترك أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لا نفاضل بينهم )(2) .

وهكذا بقي رأي ابن عمر هو الرأي السائد المروي قولاً عند أحمد في مسنده ( 2 / 14ط الأولى ) ، ونحو ذلك عند البخاري في تاريخه ( 1 / ق 1 / 14 ) ، والترمذي والبزار والطبراني وغيرهم ، وهو النهج السائر عليه عملاً في كتب أصحاب التراجم في فضائل الأصحاب.

لكن ثمّة من الأعلام من أنكر على ابن عمر زعمه وحتّى سخر منه في قوله : ( كنّا نفاضل )! فهلمّ إلى ما رواه الخطيب البغدادي في تاريخه عن أبي غسان الدوري قال : ( كنت عند علي بن الجعد فذكروا عنده

____________________

(1) صحيح البخاري 5 / 243.

(2) صحيح البخاري 5 / 262.

٨٧

حديث ابن عمر كنا نفاضل فقال عليّ بن الجعد : أنظروا إلى هذا الصبيّ هو لم يحسن أن يطلق أمرأته يقول : كنا نفاضل )(1) .

ولم يكن علي بن الجعد وحيد قومه في استنكاره سنّة ابن عمر في المفاضلة ، فقد أنكره ابن معين أيضاً ، قالوا : ( وتكلم فيه بكلام غليظ ، لأنّ القائل بذلك قد قال بخلاف ما أجتمع عليه أهل السنّة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر ، أنّ عليّاً أفضل الناس بعد عثمان رضي الله عنه وهذا ممّا لم يختلفوا فيه ، وإنّما اختلفوا في تفضيل عليّ وعثمان ، واختلف السلف أيضاً في تفضيل عليّ وأبي بكر ، ومن إجماع الجميع الذي وصفناه دليل على أنّ حديث ابن عمر وهمٌ وغلط ، وأنّه لا يصحّ معناه ، وإن كان إسناده صحيحاً )(2) .

وتبقى لنا ملاحظة عابرة على تسميتهم أفيكة ابن عمر بـ ( حديث ابن عمر ) وهذا خلاف المتبادر من تعريفهم معنى الحديث وأنّه المروي عن المعصوم ، وما سواه سمّوه بالخبر وبالأثر. ومهما يكن فقد بقي قول ابن عمر هو الذي عليه سار المؤرخون في ترتيب الخلفاء حسب توليهم الحكم ، وحتّى إذا ورد ذكرهم في غير ذلك فلم يخرجوا عن إصر ابن عمر ولم ينفكوا عن ربقة أسره ، ومهما كان عذرهم فلسنا معهم في حول ولا طول لمناقشة رأي من لم يحسن

____________________

(1) تاريخ الخطيب 11 / 263.

(2) أنظر الاستيعاب 3 / 1116 في ترجمة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٨٨

طلاق امرأته ، فلندعهم وتركاضهم ، بل اللازم علينا إتباع الحق والتصديق برواية ابن عباس عن أبي بكر الصديق إذا جاءت بسند وثيق ، وحيث لم نقف على رواية واحدة عنه مرفوعة إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فلنعرض عن ذكره ، ونتجه نحو زعم رواية ابن عباس عن عمر بن الخطاب.

البحث عن أخذه الرواية عن عمر

لقد ذكر كلّ من ترجم لعمر فقال : روى عنه وابن عباس ، كما ذكروا ذلك في ترجمة ابن عباس فقالوا : روى عن عمر.

وليس في هذا التعبير كبير مؤاخذة ما دمنا نعرف أنّ الرواية عن إنسان لا تعني بالضرورة أوّلاً تفوّقه بالعلم على الراوي ، فكثيراً ما يروي الصحابة بعضهم عن بعض ما شاهده الآخر أو سمعه سواء كان ممّا يتعلّق بحديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو غير ذلك ، فإذا كان ابن عباس قد روى عن عمر فروايته عنه كروايته عن غيره من الصحابة ، ولا تعني بحال التعميم على أخذه نصيباً وافراً من العلم حتّى يصح لبعضهم أن يقول : ( عامّة علم ابن عباس من ثلاثة : من عمر وعليّ وأبيّ بن كعب )(1) .

وصارت هذه ـ المقولة المطروحة والمفضوحة ـ تتردد في جملة من المصادر التي تذكر ابن عباس وعلمه ـ. وهذا ما يسترعي انتباه الباحث

____________________

(1) البداية والنهاية 8 / 298 وغيرها.

٨٩

الذي قرأ تاريخ الرجلين ـ عمر وابن عباس ـ فيجد الأمر على خلاف تلك المقولة. خصوصاً حين يجد كثرة الشواهد على رجوع عمر إلى ابن عباس ، وقد مرّت بنا نماذج في الحلقة الأولى ( تاريخ وسيرة ) في عهد عمر. فلا حاجة إلى إعادتها ولا مانع من الاضافة إليها ما أخرجه أحمد بن حنبل في ( فضائل الصحابة ) : ( كان عمر يوماً جالساً وعنده العباس ، فسئل عمر عن مسألة فقال فيها ، فقام إليه ابن عباس فسارّه فقال : يا أمير المؤمنين ليس الأمر هكذا ، فأقبل عمر على العباس فقال : يا أبا الفضل بارك الله لك في عبد الله ، إنّي قد أمّرته على نفسي ، فإذا أخطأت فليأخذ عليّ )(1) .

كما أخرج أيضاً بسنده عن ابن هبيرة : ( أنّ عمر بن الخطاب كان يقول : مَن كان سائلاً عن شيء من القرآن فليسأل عبد الله بن عباس )(2) .

وأخرج أيضاً : ( عن عبيد الله بن عبد الله قال : كان عمر بن الخطاب إذا جاءته الأقضية المعضلة يقول لابن عباس ، يا أبا عباس قد طرأت علينا أقضية عضل وأنت لها ولأمثالها ، ثمّ أخذ برأيه وقوله ، وما كان يدعو لذلك أحداً سواه إذا كانت تلك العضل )(3) .

____________________

(1) فضائل الصحابة 2 / 982 برقم 1942 ط مؤسسة الرسالة سنة 1403 هـ تحقيق وصي الله محمّد بن عباس.

(2) نفس المصدر برقم 1893.

(3) نفس المصدر برقم 1913.

٩٠

ومعلوم لدى الباحثين مدى قبول مسند أحمد في الإحتجاج به.

ولقد كنت أحسب يوم أنهيت ما كتبته عن ابن عباس أني سوف لن أحتاج إلى إعادة النظر فيه فترة بعد أخرى ، فأزيد شيئاً أو أغيّر رأيّاً ، تبعاً لما تستجدّ من معلومات توفّرت سبلُها فعلاً ولم تكن من قبل. ولم يكن ذلك بالذي يزعجني كثيراً ، فالمعرفة ليست حكراً على أحد ، والعلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء ، وكلّ يوم تطالعنا دراسات حديثة منها ما يستحق الإكبار لأصحابها ، ومنها ما ليس كذلك. ولست بصدد التقييم ، إنّما الذي يعنيني في المقام تنبيه القارئ إلى ما يخص ابن عباس منها. فلقد اطلعت أخيراً على دراستين خضعتا لمناقشة أساتذة جامعيين لأصحابهما ليمنحوهما الدرجة التي يستحقونها ، وبالأصح يتوخّونها ـ إذ أنّ كثيراً من الشهادات في بعض الجامعات صارت كجواز المرور في مرحلة العبور تمنح بدفع الميسور ـ أمّا الدراستان المشار إليهما فهما :

1 ـ ( تفسير ابن عباس ومروياته في التفسير من كتب السنة ) للدكتور عبد العزيز بن عبد الله الحميدي / جامعة أم القرى بمكة المكرمة ، وقد طُبع الكتاب في الرياض. وهو الكتاب الثالث والخمسون من التراث الإسلامي / منشورات الجامعة.

2 ـ ( تفسير ابن عباس دراسة وتحليل ) أطروحة مقدمة إلى كلية الشريعة في جامعة بغداد لنيل الماجستير لعبد المجيد محمّد أحمد الدوري / مطبوع على الآلة الكاتبة.

٩١

وقد وجدت في هاتين الدراستين جهداً مذكوراً ومشكوراً بذله الكاتبان ، إلاّ أنّ موجة الرواسب الموروثة بدت طاغية فغطّت على الحقائق التاريخية ، حتّى ولو على حساب ابن عباس ( صاحب التفسير ) فكان منها عدّ عمر بن الخطاب من شيوخ ابن عباس في التفسير (؟).

فعجبتُ من ذلك! لأنّي قرأت تاريخ الرجلين بإمعان وانتهيت إلى أنّ الشواهد الكثيرة لا تدلّ على ذلك ، بل لقد دلّت على رجوع عمر إلى ابن عباس في كثير من الأحيان ، وذكرتُ جملة منها فيما مرّ في الحلقة الأولى ( في عهد عمر ). وعليها لا يبعد القائل عن الصواب لو قال : ( أقلب تصب ) ، حيث كان ابن عباس هو يُقرئ عمراً القرآن(1) .

ومهما يكن فليس من عتب على الناشئيَن صاحبي الدراستَين بقدَر ما هو على الأساتذة المشرفين والمناقشِين والمانحِين لهما شهادة الدكتوراه والماجستير!

وسيأتي في بحثي عن تفسير ابن عباس مناقشة هذين الدارسين في هذا الشأن ، وكيف حاولا إثبات بهرجة مزيّفة وكأنّها حقيقة ثابتة ، فإلى هناك.

نعم ، ربّما يخيّل لمن يجد ابن عباس يسأل من عمر عن أمر ذي بال ، فحسب ذلك حجة في تلقيه العلم منه ، بينما واقع الحال في

____________________

(1) الرياض النضرة 2 / 70.

٩٢

السؤال كان بهدف انتزاع شهادة إدانة من إنسان غير متهم على أمر ذي بال ، كنحو ما سأله عن المرأتين اللّتين تظاهرتا على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال عمر : ( هما عائشة وحفصة ) ، والخبر رواه البخاري في صحيحه مكرراً ، وقد مرّ ذكره في الحلقة الأولى ( في عهد عمر ) ، فراجع.

أو كالخبر الذي رواه الطبراني في ( معجمه الكبير ) ، عن ابن عباس : أنّ عمر أخبره أنّه قال لحفصة : أتغضب إحداكن على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم اليوم حتّى الليل؟ قالت : نعم(1) .

فإذا كان مثل هذا السؤال وهذا الخبر هو الذي عناه القائل ( عامّة علم ابن عباس من ثلاثة : من عمر وعليّ وأُبي بن كعب ) فقد طاش سهمه ، وباء بسخط الخالق لكذبه ، وسيأتي التحقيق حول الموضوع في البحث عن تفسير ابن عباس ومصادره.

وأمّا ذكر اسم عثمان فيمن روى عنه ابن عباس فهذا ما لم يثبت بوجه من الوجوه ، ودون القارئ دواوين الحديث في التراثين السنّي والشيعي ، وليبحث.

ماذا عن روايته عن عثمان؟

لقد بحثت كثيراً في المصادر المعنية بذلك ، فلم أقف على حديث واحد رواه ابن عباس عن عثمان مرفوعاً ، وبين يدي فعلاً مسند أحمد

____________________

(1) المعجم الكبير 23 / 174 ط الموصل.

٩٣

ومعجم الطبراني وذخائر المواريث ، فأعدت الفحص فلم أجد فيها ما يصح أن يقال أنّه روى عن عثمان حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

اللّهم إلاّ أن يكون مراد من زعم رواية ابن عباس عن عثمان ما أخرجه أحمد فاستفتح به في أوّل مسند عثمان ، بإسناده عن يزيد الفارسي قال : قال لنا ابن عباس : قلت لعثمان بن عفان ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني ، وإلى براءة ، وهي من المئين ، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا ـ قال ابن جعفر : ـ بينهما سطرا : بسم الله الرحمن الرحيم ، ووضعتموها في السبع الطوال؟ ما حملكم على ذلك؟ قال عثمان : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ممّا يأتي عليه الزمان ينزل عليه من السور ذوات العدد ، وكان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده يقول : ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وينزل عليه الآية فيقول : ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وكانت الأنفال من أوائل ما أنزل بالمدينة ، وبراءة من آخر القرآن فكانت قصتها شبيهاً بقصتها ، فقبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يبين لنا أنّها منها ، وظننت أنّها منها ، فمن ثمّ قرنت بينهما ولم أكتب سطرا : بسم الله الرحمن الرحيم ، قال ابن جعفر : ووضعتها في السبع الطوال.

وأخرج أحمد هذا مرّة ثانية في مسنده(1) .

ولم يكن أحمد هو الوحيد الذي روى لنا هذا الخبر ، فقد قال شاكر

____________________

(1) راجع مسند أحمد 2 / 244 برقم 499 بتحقيق شاكر.

٩٤

في هامش المسند : ( رواه أبو داود في سننه 1 / 287 ـ 288 والترمذي 4 / 113 وقال : وهذا حديث حسن لا نعرفه إلاّ من حديث عوف عن يزيد الفارسي عن ابن عباس. وفي نسخة الترمذي طبعة بولاق 2 / 182 ـ 183 حسن صحيح ).

وقد ناقش شاكر ذكر التصحيح ثمّ قال : ( فلم ينقل المنذري والسيوطي عن الترمذي إلاّ تحسينه ، أُنظر شرح أبي داود والدر المنثور 3 / 207 ، ورواه ابن أبي داود في كتاب المصاحف 31 ـ 32 بثلاثة أسانيد ، والحاكم في المستدرك 2 / 221 ، 330 وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ، ورواه البيهقي في السنن الكبرى 2 / 42 ، كلّهم من طريق عوف عن يزيد الفارسي ، ونسبه السيوطي في الدر المنثور لابن أبي شيبة والنسائي ـ ولم أجده فيه ـ وابن المنذر وابن حبّان وغيرهم )(1) .

وأزاء رواية هذا الجمع من الحفاظ يقف الباحث حائراً كيف رووا ذلك ، ولم يكتف بعضهم حتّى صححه كالحاكم ووافقه الذهبي؟ إنّها لطامّة ما بعدها من طامّة تحيط بهؤلاء العامة! أليس فيهم رجل رشيد يجرأ فيقول : إنّ الخبر ليس بصحيح لأنّه أثبت منافاته للسيرة القطعية والتواتر القطعي في تلقي القرآن الكريم قراءة وسماعاً وكتابة في المصاحف على عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فضلاً عن إستلزامه الطعن في عثمان ـ وهذا ما لا يرضاه له

____________________

(1) مسند أحمد 2 / 244 برقم 499 بتحقيق شاكر.

٩٥

أنصاره ، وهم جميع الذين أخرجوا الخبر بأسانيدهم وكلهم من أعلام المحدثين ـ فكيف بهم وأنّى لهم ، التخلّص من مغبة رواية هذا الخبر الذي أحاطوه بهالة من الإعتبار من تحسين الترمذي وتصحيح الحاكم وموافقة الذهبي له. ثمّ رواية ابن كثير له مرّتين ممّا يدلّ على إهتمامه به من دون مناقشة له(1) .

فكيف يمكننا تصديق الخبر وهو يستبطن البطلان ، لأنّه موجب لتصرف عثمان بترتيب الآي في القرآن!!

وهذا ما لا يقبله أيّ مسلم ، لمضادته لقوله تعالى :( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (2) ، ولمّا صح من أنّ القرآن كان مجموعاً على عهد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وعدد الشعبي ستة من الأنصار قد جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في ( منتخب كنز العمال ) نقلاً عن الطبراني وابن عساكر(3) .

لكن أنس سمى أربعة كلّهم من الأنصار قد جمعوا القرآن على عهده صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح البخاري(4) ، ولو لم يكن مجموعاً لما أشكل ابن عباس على عثمان في رفع البسملة من سورة براءة.

هذا ما وسعني ذكره في رواية ابن عباس عن عثمان ، وقد يفزع القارئ إذا ما أخبرته أنّ الطبراني قد ذكر عثمان في الجزء الأوّل من معجمه الكبير ولم يخرج له

____________________

(1) أنظر تفسير ابن كثير 4 / 106 ـ 107 وفضائل القرآن المطبوع في آخر التفسير ص17 ـ 18.

(2) الحجر / 9.

(3) منتخب كنز العمال 2 / 52 هامش مسند أحمد.

(4) صحيح البخاري 6 / 102 باب القراء من أصحاب النبيّ.

٩٦

إلاّ خمسة أحاديث(1) ، وما بقى ممّا ذكره الطبراني فهو بتاريخ عثمان أشبه.

والآن فلنستعرض أسماء من روى عنهم ابن عباس من بقية الصحابة ، وماذا روى ، كما ذكرهم ابن حجر في ( تهذيب التهذيب ) (2) حسب ترتيبه ، وقد نضيف إليهم من لم يذكرهم ، فمنهم :

1 ـ عبد الرحمن بن عوف

فقد أخرج أحمد بن حنبل في مسنده بسنده عن ابن عباس : أنّه قال له عمر : يا غلام هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو من أحد من أصحابه إذا شك الرجل في صلاته ماذا يصنع؟ قال : فبينا هو كذلك إذ أقبل عبد الرحمن بن عوف ، فقال : فيم أنتما؟ فقال عمر : سألت هذا الغلام هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد من أصحابه إذا شك الرجل في صلاته ماذا يصنع؟ فقال عبد الرحمن : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أواحدة صلى أم ثنتين فليجعلها واحدة ، وإذا لم يدر ثنتين صلى أم ثلاثاً فليجعلها ثنتين ، وإذا لم يدر أثلاثاً صلى أم أربعاً فليجعلها ثلاثاً ثمّ يسجد إذا فرغ من صلاته وهو جالس قبل أن يسلّم سجدتين(3) .

وهذا أخرجه الترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه هو والذهبي. واللافت للنظر أن يسأل عمر من غلام حكم الشك! ولو لم يأته ابن عوف

____________________

(1) المعجم الكبير 1 / 74 ـ 92 ح 145 ـ 149.

(2) تهذيب التهذيب 5 / 276.

(3) مسند أحمد 3 / 123 ط شاكر.

٩٧

لبقي جاهلاً بالحكم ، وهذا ممّا يعاب به على خليفة مثله مع طول الصحبة ، ونزول السكينة على لسانه وكونه محدّثاً كما يزعمون( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) (1) .

وقد ذكر أحمد وغيره عن ابن عباس قال : انّ عمر بن الخطاب خرج إلى الشام ، حتّى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد ، أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه ، فأخبروه أنّ الوباء قد وقع بالشام ، قال : فجاء عبد الرحمن بن عوف ، وكان متغيباً في بعض حاجته فقال : إنّ عندي من هذا علماً ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه ، وإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ، قال : فحمد الله عمر ثمّ انصرف(2) .

وهذا الحديث الذي أخرجه أحمد مكرراً في مسنده هو الثاني ممّا ذكرت رواية ابن عباس له عن عبد الرحمن بن عوف ، ولم يزد الطبراني عليه بحديث آخر ، فهل يعدّ هذا من الرواية بسبيل؟!

2 ـ أُبيّ بن كعب

لقد مرّ بنا أنّ ابن عباس كان يتتبع أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم التي لم يسمعها

____________________

(1) يونس / 67.

(2) مسند أحمد 1 / 194.

٩٨

منه ، فيأخذها من الصحابة الذين سمعوها ، وقليل ما هم الذين وعوها ، وكان من الذين تميّزوا بالوعي هو أُبيّ ، حتّى كان ـ فيما نسب إلى حبر الأمة ـ معدوداً من الراسخين في العلم(1) ، فقد سمع منه في القراءة والتفسير وربما في غيرهما ممّا له فيه معرفة ، قال الذهبي : ( وقرأ ـ ابن عباس ـ كثيراً على أُبيّ وزيد )(2) ، ولولا ضمّ زيد إلى أُبيّ لصدقته في قراءة ابن عباس على أُبيّ كثيراً. ولكن سيأتي أن ضمّ زيد إلى أُبيّ كضمّ الحجر إلى الجوهر ، ولم يصحّ أخذ ابن عباس من زيد ، لكن سماعه وأخذه من أُبيّ ثابت ، وليس هو بثابت عن زيد بن ثابت ، كما سيأتي المزيد عن ذلك ، فقد قرأنا ما رواه ابن سعد في ( الطبقات ) بسنده عن ابن عباس يقول : ( ما حدّثني أحد قط حديثاً فاستفهمته فلقد كنت آتي باب أُبيّ بن كعب وهو نائم فأقيل ـ نوم القيلولة ـ على بابه ، ولو علم بمكاني لأحبّ أن يوقظ لي لمكاني من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني أكره أن أملّه )(3) .

وقد روى أيضاً : ( قال ابن عباس : فجعلت أسأل أُبيّ بن كعب يوماً ـ وكان من الراسخين في العلم ـ عمّا نزل من القرآن بالمدينة؟ فقال : نزل بها سبع وعشرون سورة وسائرها بمكة )(4) .

وأخرج أحمد في مسنده عن ابن عباس قال : ( جاء رجل إلى عمر يسأله فجعل ينظر إلى رأسه مرّة والى رجليه أخرى هل يرى عليه من

____________________

(1) أنظر البداية والنهاية 8 / 298.

(2) سير أعلام النبلاء 4 / 439.

(3) الطبقات 2 / ق 2 / 123.

(4) الطبقات 2 / ق 2 / 124.

٩٩

البؤس شيئاً؟ ثمّ قال له عمر : كم مالك؟ قال : أربعون من الإبل.

قال ابن عباس فقلت : صدق الله ورسوله : لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى الثالث ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ويتوب الله على من تاب.

فقال عمر : ما هذا؟

فقلت : هكذا أقرأنيها أُبيّ ، قال : فمرّ بنا إليه قال : فجاء إلى أُبيّ فقال : ما يقول هذا؟ قال أُبيّ : هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال : أفأثبتها؟ فأثبتّها )(1) .

أقول : لقد مرّت صورة من هذا الحديث في الحلقة الأولى في عهد عمر ، كما مرّت قريباً صورة أخرى في بيان حقيقة مزيفة ، فراجع.

ولهذا الحديث صور أخرى رواها البخاري بينها تفاوت(2) ، فراجع.

وروى البخاري أيضاً قول عمر : ( أقرؤنا أُبيّ وأقضانا عليّ ، وإنّا لندع من قول أُبيّ )(3) .

وروى الحاكم في ( المستدرك ) عن ابن عباس رضي الله عنه قال : ( بينما أنا أقرأ آية من كتاب الله عزوجل وأنا أمشي في طريق من طرق المدينة فإذا أنا

____________________

(1) مسند أحمد 5 / 117.

(2) صحيح البخاري 8 / 92 كتاب الرقاق باب ما يتقى من فتنة المال ط بولاق.

(3) صحيح البخاري 5 / 149.

١٠٠