من لا يحضره الفقيه الجزء ٢

من لا يحضره الفقيه9%

من لا يحضره الفقيه مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 640

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 640 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 267622 / تحميل: 8506
الحجم الحجم الحجم
من لا يحضره الفقيه

من لا يحضره الفقيه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

2 - حواره مع أصحاب الأديان

قال الحسن بن محمد النوفليّ: لمّا قدم علي بن موسى الرضاعليه‌السلام إلى المأمون أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق ورأس الجالوت ورؤساء الصابئين والهربذ الأكبر، وأصحاب زردهشت وقسطاس الرّومي والمتكلّمين ليسمع كلامه وكلامهم فجمعهم الفضل بن سهل، ثم أعلم المأمون باجتماعهم، فقال: أدخلهم عليّ، ففعل، فرحّب بهم المأمون.

ثم قال لهم: إني إنّما جمعتكم لخير، وأحببت أن تناظروا ابن عمّي هذا المدنيّ القادم عليّ، فإذا كان بكرة فاغدوا عليَّ ولا يتخلّف منكم أحد، فقالوا: السمع والطاعة يا أمير المؤمنين نحن مبكّرون إن شاء الله.

قال الحسن بن محمد النوفلي: فبينا نحن في حديث لنا عند أبي الحسن الرضاعليه‌السلام إذ دخل علينا ياسر الخادم وكان يتولّى أمر أبي الحسنعليه‌السلام فقال: يا سيدي إنّ أمير المؤمنين يقرئك السلام فيقول: فداك أخوك إنه اجتمع إليّ أصحاب المقالات وأهل الأديان والمتكلّمون من جميع الملل، فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم وإن كرهت كلامهم فلا تتجشّم وإن أحببت أن نصير إليك خفّ ذلك علينا.

فقال أبو الحسنعليه‌السلام : أبلغه السلام وقل له: قد علمت ما أردت وأنا صائر إليك

١٨١

بكرة إن شاء الله. قال الحسن بن محمّد النوفلي: فلمّا مضى ياسر التفت إلينا، ثم قال لي: يا نوفليّ أنت عراقي ورقّة العراقي غير غليظ فما عندك في جمع ابن عمّك علينا أهل الشرك وأصحاب المقالات؟ فقلت: جعلت فداك يريد الامتحان ويحبّ أن يعرف ما عندك، ولقد بنى على أساس غير وثيق البنيان وبئس - والله - ما بنى.

فقال لي: وما بناؤه في هذا الباب؟ قلت: إن أصحاب البدع والكلام خلاف العلماء وذلك أنّ العالم لا ينكر غير المنكر وأصحاب المقالات والمتكلّمون وأهل الشرك أصحاب إنكار ومباهتة، وإن احتججت عليهم بأن الله واحد قالوا: صحّح وحدانيّته وإن قلت: إن محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول الله قالوا: أثبت رسالته، ثم يباهتون الرجل وهو يبطل عليهم بحجّته، ويغالطونه حتى يترك قوله فاحذرهم جعلت فداك.

قال: فتبسّمعليه‌السلام ثم قال: يا نوفلي أتخاف أن يقطعوا عليّ حجّتي؟

قلت: لا والله ما خفت عليك قطّ وإنّي لأرجو أن يظفرك الله لهم إن شاء الله.

فقال لي: يا نوفلي تحبّ أن تعلم متى يندم المأمون؟ قلت: نعم.

قال: إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم، وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم، وعلى أهل الزّبور بزبورهم وعلى الصابئين بعبرانيتهم وعلى الهرابذة بفارسيتهم وعلى أهل الرّوم بروميتهم وعلى أصحاب المقالات بلغاتهم فإذا قطعت كلّ صنف ودحضت حجّته وترك مقالته ورجع إلي قولي علم المأمون أنّ الموضع الذي هو بسبيله ليس هو بمستحق له فعند ذلك تكون الندامة منه، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.

فلمّا أصبحنا أتانا الفضل بن سهل فقال له: جعلت فداك ابن عمّك ينتظرك، وقد اجتمع القوم فما رأيك في إتيانه؟

فقال الرضاعليه‌السلام : تقدمني فإنّي صائر إلى ناحيتكم إن شاء الله، ثم، توضأعليه‌السلام

١٨٢

وضوء الصلاة وشرب شربة سويق وسقانا منه، ثمّ خرج وخرجنا معه حتى دخلنا على المأمون، فإذا المجلس غاص بأهله ومحمّد بن جعفر في جماعة الطالبيين والهاشميين والقوّاد حضور.

فلما دخل الرضاعليه‌السلام قام المأمون وقام محمد بن جعفر وقام جميع بني هاشم فما زالوا وقوفاً والرضاعليه‌السلام جالس مع المأمون حتى أمرهم بالجلوس فجلسوا، فلم يزل المأمون مقبلاً عليه يحدّثه ساعة، ثم التفت إلى الجاثليق، فقال: يا جاثليق هذا ابن عمّي علي بن موسى بن جعفر، وهو من ولد فاطمة بنت نبينا وابن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام فأحب أن تكلّمه وتحاجّه وتنصفه.

فقال الجاثليق: يا أمير المؤمنين كيف أحاج رجلاً يحتجّ عليّ بكتاب أنا منكره ونبيّ لا أؤمن به؟

فقال له الإمام الرضاعليه‌السلام : يا نصرانيّ فإن احتججت عليك بإنجيلك أتقرّ به؟!

قال الجاثليق: وهل أقدر على دفع ما نطق به الإنجيل، نعم والله أقرّ به على رغم أنفي.

فقال له الرضاعليه‌السلام : سل عمّا بدا لك وافهم الجواب.

قال الجاثليق: ما تقول في نبوّة عيسىعليه‌السلام وكتابه هل تنكر منهما شيئاً؟

قال الرضاعليه‌السلام : أنا مقرّ بنبوّة عيسى وكتابه وما بشّر به أمته وأقرّ به الحواريون وكافر بنبوّة كل عيسي لم يقرَّ بنبوة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبكتابه ولم يبشّر به أمته.

قال الجاثليق: أليس إنّما تقطع الأحكام بشاهدي عدل؟

قال: بلى.

قال: فأقم شاهدين من غير أهل ملتك على نبوّة محمد ممّن لا تنكره النصرانية وسلنا مثل ذلك من غير أهل ملّتنا.

قال الرضاعليه‌السلام : الآن جئت بالنصفة يا نصراني، ألا تقبل منّي العدل المقدّم عند

١٨٣

المسيح عيسى بن مريم؟

قال الجاثليق: ومن هذا العدل؟ سمه لي؟

قال: ما تقول في يوحنا الدّيلمي.

قال: بخ بخ ذكرت أحبّ الناس إلى المسيح.

قال: فأقسمت عليك هل نطق الإنجيل أنّ يوحنا قال إن المسيح أخبرني بدين محمد العربي وبشّرني به إنه يكون من بعده، فبشّرت به الحواريين فآمنوا به؟!

قال الجاثليق: قد ذكر ذلك يوحنا عن المسيح وبشّر بنبوّة رجل وبأهل بيته ووصيّه ولم يلخّص متى يكون ذلك ولم يسمّ لنا القوم فنعرفهم.

قال الرضاعليه‌السلام : فإن جئناك بمن يقرأ الإنجيل فتلا عليك ذكر محمّد وأهل بيته وأمته أتؤمن به؟

قال: شديداً.

قال الرضاعليه‌السلام لقسطاس الرومي: كيف حفظك للسفر الثالث من الإنجيل؟

قال: ما أحفظني له.

ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال له: ألست تقرأ الإنجيل؟!

قال: بلى لعمري.

قال: فخذ على السفر الثالث، فإن كان فيه ذكر محمّد وأهل بيته وأمته سلام الله عليهم فاشهدوا لي، وإن لم يكن فيه ذكره فلا تشهدوا لي.

ثم قرأعليه‌السلام السّفر الثالث حتى إذا بلغ ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقف، ثم قال: يا نصراني، إني أسألك بحق المسيح وأمه أتعلم أني عالم بالإنجيل؟ قال: نعم، ثم تلا علينا ذكر محمّد وأهل بيته وأمته ثم قال: ما تقول يا نصرانيّ؟ هذا قول عيسى بن مريم فإن كذبت ما ينطق به الإنجيل فقد كذبت عيسى وموسىعليهما‌السلام ومتى أنكرت هذا الذّكر وجب عليك القتل لأنّك تكون قد كفرت بربّك وبنبيّك وبكتابك.

١٨٤

قال الجاثليق: لا أنكر ما قد بان لي في الإنجيل وإنّي لمقرّ به.

قال الرضاعليه‌السلام : اشهدوا على إقراره. ثم قال: يا جاثليق، سل عمّا بدا لك.

قال الجاثليق: أخبرني عن حواري عيسى بن مريم كم كان عدّتهم، وعن علماء الإنجيل كم كانوا.

قال الرضاعليه‌السلام : على الخبير سقطت، أمّا الحواريون فكانوا اثنى عشر رجلاً وكان أفضلهم وأعلمهم لوقا.

وأما علماء النصارى فكانوا ثلاثة رجال: يوحنّا الأكبر بأج، ويوحنّا بقرقيسيا، ويوحنّا الدّيلمي بزجان، وعنده كان ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر أهل بيته وأُمته وهو الذي بشر أُمة عيسى وبني إسرائيل به، ثم قالعليه‌السلام : يا نصراني، والله إنّا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما ننقم على عيساكم شيئاً إلاّ ضعفه وقلّة صيامه وصلاته.

قال الجاثليق: أفسدت والله علمك وضعّفت أمرك، وما كنت ظننت إلاّ أنّك أعلم أهل الإسلام.

قال الرضاعليه‌السلام : وكيف ذلك؟

قال الجاثليق: من قولك: إنّ عيساكم كان ضعيفاً قليل الصيام قليل الصلاة، وما أفطر عيسى يوماً قطّ، ولا نام بليل قطّ، ومازال صائم الدّهر، قائم الليل.

قال الرضاعليه‌السلام : فلمن كان يصوم ويصلي؟

قال: فخرس الجاثليق وانقطع.

قال الرضاعليه‌السلام : يا نصراني! إني أسألك عن مسألة.

قال: سل فإن كان عندي علمها أجبتك.

قال الرضاعليه‌السلام : ما أنكرت أنّ عيسى كان يحيي الموتى بإذن الله عَزَّ وجَلَّ؟

قال الجاثليق: أنكرت ذلك من قبل، إنّ من أحيا الموتى وأبرأ الأكمه

١٨٥

والأبرص فهو ربّ مستحق لأن يعبد.

قال الرضاعليه‌السلام : فإنّ اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسى مشى على الماء وأحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص، فلم يتّخذه أُمته رباً ولم يعبده أحد من دون الله عَزَّ وجَلَّ، ولقد صنع حزقيل النبيعليه‌السلام مثل ما صنع عيسى بن مريمعليه‌السلام فأحيا خمسة وثلاثين ألف رجل من بعد موتهم بستّين سنة.

ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال له: يا رأس الجالوت، أتجد هؤلاء في شباب بني إسرائيل في التوراة أختارهم بخت نصر من سبي بني إسرائيل حين غزا بيت المقدّس ثم انصرف بهم إلى بابل فأرسله الله عَزَّ وجَلَّ إليهم فأحياهم، هذا في التوراة لا يدفعه إلاّ كافر منكم.

قال رأس الجالوت: قد سمعنا به وعرفناه.

قال: صدقت. ثم قالعليه‌السلام : يا يهوديّ، خذ على هذا السفر من التوراة فتلاعليه‌السلام علينا من التوراة آيات، فأقبل يهودي يترجّح لقراءته ويتعجّب.

ثم أقبل على النصراني فقال: يا نصراني أفهؤلاء كانوا قبل عيسى أم عيسى كان قبلهم؟

قال: بل كانوا قبله.

قال الرضاعليه‌السلام : لقد اجتمعت قريش إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فسألوه أن يحيي لهم موتاهم فوجّه معهم علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال له: اذهب إلى الجبانة فناد بأسماء هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك، يا فلان و يا فلان و يا فلان، يقول لكم محمد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قوموا بإذن الله عَزَّ وجَلَّ، فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم.

ثم أخبروهم أنّ محمّداً قد بعث نبيّاً، وقالوا: وددنا أنا أدركناه فنؤمن به ولقد ابرأ الأكمه والأبرص والمجانين وكلّمه البهائم، والطير والجن والشياطين ولم نتخذه ربّاً من دون

١٨٦

الله عَزَّ وجَلَّ ولم ننكر لأحد من هؤلاء فضلهم، فمتى اتّخذتم عيسى رباً جاء لكم أن تتخذوا اليسع وحزقيل ربّاً لأنهما قد صنعا مثل ما صنع عيسى من إحياء الموتى وغيره، أنّ قوماً من بني إسرائيل هربوا من بلادهم من الطاعون وهم ألوف حذر الموت.

فأماتهم الله في ساعة واحدة فعمد أهل تلك القرية فحظروا عليهم حظيرة فلم يزالوا فيها حتى نخرت عظامهم وصاروا رميماً، فمرّ بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل فتعجّب منهم ومن كثرة العظام البالية فأوحى الله إليه: أتحبّ أن أحييهم لك فتنذرهم؟ قال: نعم يا ربّ، فأوحى الله عَزَّ وجَلَّ إليه أن نادهم.

فقال: أيتها العظام البالية قومي بإذن الله عَزَّ وجَلَّ فقاموا أحياء أجمعون ينفضون التراب عن رؤوسهم ثم إبراهيمعليه‌السلام خليل الرحمن حين أخذ الطيور وقطعهنّ قطعاً ثمّ وضع على كل جبل منهنّ جزءً، ثم ناديهن فأقبلن سعياً إليه، ثم موسى بن عمران وأصحابه والسبعون الذين اختارهم صاروا معه إلى الجبل فقالوا له: إنّك قد رأيت الله سبحانه فأرناه كما رأيته.

فقال لهم: إني لم أره. فقالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا عن آخرهم وبقي موسى وحيداً، فقال: يا ربّ اخترت سبعين رجلاً من بني إسرائيل فجئت بهم وارجع وحدي فكيف يصدّقني قومي بما أخبرهم به، فلو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي أفتهلكنا بما فعل السفهاء منّا، فأحياهم الله عَزَّ وجَلَّ من بعد موتهم.

وكل شيء ذكرته لك من هذا لا تقدر على دفعه، لأنّ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان قد نطقت به، فإن كان كل من أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص والمجانين يتّخذ ربّاً من دون الله، فاتّخذ هؤلاء كلّهم أرباباً، ما تقول يا نصراني؟

قال الجاثليق: القول قولك ولا إله إلاّ الله.

ثم التفتعليه‌السلام إلى رأس الجالوت فقال: يا يهوديّ أقبل عليَّ أسألك بالعشر الآيات التي أنزلت على موسى بن عمرانعليه‌السلام ، هل تجد في التوراة مكتوباً نبأ محمّد وأُمته

١٨٧

إذا جاءت الأمة الأخيرة أتباع راكب البعير يسبّحون الربّ جداً جداً تسبيحاً جديداً في الكنائس الجدد، فليفرغ بنو إسرائيل إليهم وإلى ملكهم لتطمئنّ قلوبهم فإنّ بأيديهم سيوفاً ينتقمون بها من الأمم الكافرة في أقطار الأرض. هكذا هو في التوراة مكتوب؟!

قال رأس الجالوت: نعم إنّا لنجده كذلك.

ثم قال للجاثليق: يا نصراني كيف علمك بكتاب شعيا؟ قال: أعرفه حرفاً حرفاً.

قال الرضاعليه‌السلام لهما: أتعرفان هذا من كلامه: يا قوم إني رأيت صورة راكب الحمار لابساً جلابيب النور، ورأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوء القمر.

فقالا: قد قال ذلك شعيا.

قال الرضاعليه‌السلام : يا نصراني هل تعرف في الإنجيل قول عيسى: إني ذاهب إلى ربّي وربّكم والفار قليطا جاء هو الذي يشهد لي بالحق كما شهدت له وهو الذي يفسّر لكم كلّ شيء وهو الذي يبدي فضائح الأمم، وهو الذي يكسر عمود الكفر؟

فقال الجاثليق: ما ذكرت شيئاً ممّا في الإنجيل إلاّ ونحن مقرّون به.

فقال: أتجد هذا في الإنجيل ثابتاً يا جاثليق؟!

قال: نعم.

قال الرضاعليه‌السلام : يا جاثليق ألا تخبرني عن الإنجيل الأوّل حين افتقدتموه عند من وجدتموه ومن وضع لكم هذا الإنجيل؟

قال له ك ما افتقدنا الإنجيل إلاّ يوماً واحداً حتى وجدناه غضّاً طريّاً فأخرجه إلينا يوحنّا ومتي.

فقال له الرضاعليه‌السلام : ما أقلّ معرفتك بسرّ الإنجيل وعلمائه، فإن كان كما تزعم فلم اختلفتم في الإنجيل؟ إنّما وقع الاختلاف في هذا الإنجيل الذي في أيديكم اليوم فلو كان على العهد الأوّل لم تختلفوا فيه، ولكني مفيدك علم ذلك، اعلم أنّه لمّا افتقد الإنجيل الأوّل

١٨٨

اجتمعت النصارى إلى علمائهم فقالوا لهم: قتل عيسى بن مريمعليه‌السلام وافتقدنا الإنجيل وأنتم العلماء فما عندكم؟

فقال لهم لوقا ومرقابوس: إنّ الإنجيل في صدورنا، ونحن نخرجه إليكم سفراً سفراً في كل أحد، فلا تحزنوا عليه ولا تخلّوا الكنائس، فإنّا سنتلوه عليكم في كلّ أحد سفراً سفراً حتّى نجمعه لكم كلّه، فقعد لوقاء ومرقابوس ويوحنّا ومتي ووضعوا لهم هذا الإنجيل بعد ما افتقدتم الإنجيل الأوّل وإنّما كان هؤلاء الأربعة تلاميذ تلاميذ الأوّلين، أعلمت ذلك؟

قال الجاثليق: أما هذا فلم أعلمه وقد علمته الآن، وقد بان لي من فضل علمك بالإنجيل وسمعت أشياء ممّا علمته، شهد قلبي أنّها حقّ فاستزدت كثيراً من الفهم.

فقال له الرضاعليه‌السلام : فكيف شهادة هؤلاء عندك؟

قال: جائزة، هؤلاء علماء الإنجيل وكلّ ما شهدوا به فهو حقّ.

فقال الرضاعليه‌السلام للمأمون ومن حضره من أهل بيته ومن غيرهم: اشهدوا عليه، قالوا: قد شهدنا.

ثم قال للجاثليق: بحقّ الابن وأمه هل تعلم أنّ متي قال: إن المسيح هو ابن داود بن إبراهيم بن إسحاق بن يعقوب بن يهودا بن خضرون، وقال مرقابوس: في نسبة عيسى بن مريم: إنه كلمة الله أحلّها في جسد الآدمي فصارت إنساناً، وقال الوقا: إن عيسى بن مريم وأمه كانا إنسانين من لحم ودم فدخل فيهما روح القدس.

ثم إنّك تقول من شهادة عيسى على نفسه، حقّاً أقول لكم يا معشر الحواريين إنّه لا يصعد إلى السماء إلاّ ما نزل منها إلاّ راكب البعير خاتم الأنبياء، فإنّه يصعد إلى السماء وينزل، فما تقول في هذا القول؟

قال الجاثليق: هذا قول عيسى لا ننكره.

١٨٩

قال الرضاعليه‌السلام : فما تقول في شهادة الوقا، ومرقابوس ومتي على عيسى وما نسبوه إليه؟

قال الجاثليق: كذبوا على عيسى.

قال الرضاعليه‌السلام : يا قوم أليس قد زكّاهم وشهد أنهم علماء الإنجيل وقولهم حقّ؟

فقال الجاثليق: يا عالم المسلمين أحبّ أن تعفيني من أمر هؤلاء.

قال الرضاعليه‌السلام : فإنا قد فعلنا، سل يا نصراني، عمّا بدالك؟

قال الجاثليق: ليسألك غيري فلا وحق المسيح ما ظننت أن في علماء المسلمين مثلك.

فالتفت الرضاعليه‌السلام إلى رأس الجالوت فقال له: تسألني أو أسألك؟

قال: بل أسألك، ولست أقبل منك حجة إلاّ من التوراة أو من الإنجيل أو من زبور داود أو ممّا في صحف إبراهيم وموسى.

فقال الرضاعليه‌السلام : لا تقبل منّي حجة إلاّ بما تنطق به التوراة، على لسان موسى بن عمران، والإنجيل على لسان عيسى بن مريم، والزبور على لسان داود.

فقال رأس الجالوت: من أين تثبت نبوّة محمد؟

قال الرضاعليه‌السلام : شهد بنبوّته (صلّى الله عليه وآله) موسى بن عمران وعيسى بن مريم وداود خليفة الله عَزَّ وجَلَّ في الأرض.

فقال له: أثبت قول موسى بن عمران.

قال الرضاعليه‌السلام : هل تعلم يا يهوديّ أن موسى أوصى بني إسرائيل فقال لهم: إنّه سيأتيكم نبيّ هو من إخوتكم فيه فصدّقوا، ومنه فاسمعوا، فهل تعلم أن لبني إسرائيل إخوة غير ولد إسماعيل إن كنت تعرف قرابة إسرائيل من إسماعيل والنسب الذي بينهما من قبل إبراهيمعليه‌السلام ؟

فقال رأس الجالوت: هذا قول موسى لا ندفعه.

١٩٠

فقال له الرضاعليه‌السلام : هل جاءكم من إخوة بني إسرائيل نبي غير محمد (صلّى الله عليه وآله).

قال: لا.

قال الرضاعليه‌السلام : أوليس قد صحّ هذا عندكم؟!

قال: نعم ولكنّي أحب أن تصحّحه لي من التوراة.

فقال له الرضاعليه‌السلام : هل تنكر أن التوراة تقول لكم: جاء النور من جبل طور سيناء، وأضاء لنا من جبل ساعير واستعلن علينا من جبل فاران؟

قال رأس الجالوت: أعرف هذه الكلمات وما أعرف تفسيرها.

قال الرضاعليه‌السلام : أنا أخبرك به، أما قوله: جاء النّور من جبل طور سيناء فذلك وحي الله تبارك وتعالى الذي أنزله على موسىعليه‌السلام على جبل طور سيناء، وأما قوله: وأضاء لنا من جبل ساعير، فهو الجبل الذي أوحى الله عَزَّ وجَلَّ إلى عيسى بن مريمعليه‌السلام وهو عليه، وأما قوله: واستعلن علينا من جبل فاران، فذلك جبل من جبال مكّة بينه وبينها يوم.

وقال شعيا النبيعليه‌السلام فيما تقول أنت وأصحابك في التوراة: رأيت راكبين أضاء لهما الأرض أحدهما راكب على حمار، والآخر على جمل، فمن راكب الحمار ومن راكب الجمل؟!

قال رأس الجالوت: لا أعرفهما فخبّرني بهما.

قالعليه‌السلام : أما راكب الحمار فعيسى بن مريم، وأما راكب الجمل، فمحمد (صلّى الله عليه وآله) أتنكر؟ هذا من التوراة، قال لا، ما أنكره.

ثم قال الرضاعليه‌السلام : هل تعرف حيقوق النبي؟ قال: نعم إنّي به لعارف، قالعليه‌السلام فإنّه قال وكتابكم ينطق به: جاء الله بالبيان من جبل فاران، وامتلأت السماوات من تسبيح أحمد وأُمته، يحمل خيله في البحر كما يحمل في البرّ يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدّس - يعني بالكتاب القرآن - أتعرف هذا وتؤمن به؟

١٩١

قال رأس الجالوت: قد قال ذلك حيقوقعليه‌السلام ولا ننكر قوله.

قال الرضاعليه‌السلام : وقد قال داود في زبوره وأنت تقرأ: اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة، فهل تعرف نبياً أقام السنّة بعد الفترة غير محمد (صلّى الله عليه وآله)؟

قال رأس الجالوت: هذا قول داود نعرفه ولا ننكره، ولكن عنى بذلك عيسى، وأيّامه هي الفترة.

قال الرضاعليه‌السلام : جهلت أنّ عيسى لم يخالف السنّة وقد كان موافقاً لسنّة التوراة حتى رفعه الله إليه، وفي الإنجيل مكتوب: إن ابن البرّة ذاهب والفارقليطا جاء من بعده وهو الذي يخفّف الآصار، ويفسّر لكم كلّ شيء، ويشهد لي كما شهدت له، أنا جئتكم بالأمثال، وهو يأتيكم بالتأويل أتؤمن بهذا في الإنجيل؟

قال: نعم لا أنكره.

فقال الرضاعليه‌السلام : يا رأس الجالوت أسألك عن نبيّك موسى بن عمران؟

فقال: سل.

قال: ما الحجّة على أنّ موسى ثبتت نبوّته؟

قال اليهوديّ: إنّه جاء بما لم يجيء به أحد من الأنبياء قبله.

قال له: مثل ماذا؟

قال: مثل فلق البحر، وقلبه العصا حيّة تسعى وضربه الحجر فانفجرت منه العيون، وإخراجه يده بيضاء للناظرين وعلامات لا يقدر الخلق على مثلها.

قال له الرضاعليه‌السلام : صدقت إذا كانت حجة على نبوّته أنه جاء بما لا يقدر الخلق على مثله أفليس كلّ من ادّعى أنّه نبيّ ثم جاء بما لا يقدر الخلق على مثله وجب عليكم تصديقه؟

قال: لا؛ لأن موسى لم يكن له نظير لمكانته من ربّه، وقربه منه ولا يجب علينا الإقرار بنبوّة من ادّعاها حتى يأتي من الأعلام بمثل ما جاء به.

١٩٢

قال الرضاعليه‌السلام : فكيف أقررتم بالأنبياء الذين كانوا قبل موسىعليه‌السلام ولم يفلقوا البحر ولم يفجروا من الحجر اثنتي عشرة عيناً، ولم يخرجوا أيديهم بيضاء مثل إخراج موسى يده بيضاء ولم يقلب العصا حيّة تسعى؟!

قال له اليهودي: قد خبرتك أنه متى جاءوا على دعوى نبوّتهم من الآيات بما لا يقدر الخلق على مثله ولو جاءوا بما لم يجيء به موسى، أركان على غير ما جاء به موسى وجب تصديقهم.

قال الرضاعليه‌السلام : يا رأس الجالوت فما يمنعك من الإقرار بعيسى بن مريم، وقد كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص، ويخلق من الطين كهيئة الطير، ثم ينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله؟

قال رأس الجالوت: يقال إنّه فعل ذلك ولم نشهده.

قال له الرضاعليه‌السلام : أرأيت ما جاء به موسى من الآيات شاهدته؟! أليس إنّما جاء في الأخبار به من ثقات أصحاب موسى أنه فعل ذلك.

قال: بلى.

قال: فكذلك أتتكم الأخبار المتواترة بما فعل عيسى بن مريم فكيف صدقتم بموسى ولم تصدّقوا بعيسى.

فلم يحر جواباً.

قال الرضاعليه‌السلام : وكذلك أمر محمد (صلّى الله عليه وآله) وما جاء به وأمر كلّ نبي بعثه الله ومن آياته أنه كان يتيماً فقيراً راعياً أجيراً لم يتعلّم كتاباً ولم يختلف إلى معلّم، ثم جاء بالقرآن الذي فيه قصص الأنبياء وأخبارهم حرفاً حرفاً وأخبار من مضى ومن بقى إلى يوم القيامة.

ثم كان يخبرهم بأسرارهم وما يعملون في بيوتهم، وجاء بآيات كثيرة لا تحصى.

قال رأس الجالوت: لم يصحّ عندنا خبر عيسى ولا خبر محمّد ولا يجوز لنا أن نقرّ لهما بما لم يصحّ.

١٩٣

قال الرضاعليه‌السلام : فالشاهد الذي شهد لعيسى ولمحمد (صلّى الله عليه وآله) شاهد زور.

فلم يحر جواباً.

ثم دعاعليه‌السلام بالهربذ الأكبر فقال له الرضاعليه‌السلام : أخبرني عن زردهشت الذي تزعم أنه نبي ما حجّتك على نبوّته؟

قال: إنه أتى بما لم يأتنا به أحد قبله ولم نشهده، ولكن الأخبار من أسلافنا وردت علينا بأنه أحل لنا ما لم يحلّه غيره فاتّبعناه.

قالعليه‌السلام : أفليس إنّما أتتكم الأخبار فاتبعتموه؟!

قال: بلى.

قال: فكذلك سائر الأمم السالفة أتتهم الأخبار بما أتى به النبيّون، وأتى به موسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم فما عذركم في ترك الإقرار لهم، إذ كنتم أقررتم بزردهشت من قبل الأخبار المتواترة، بأنّه جاء بما لم يجيء به غيره؟!

فانقطع الهربذ مكانه.

فقال الرضاعليه‌السلام : يا قوم إن كان فيكم أحدٌ يخالف الإسلام وأراد أن يسأل فليسأل غير محتشم.

فقام إليه عمران الصابي وكان واحداً في المتكلمين فقال: يا عالم الناس لو لا أنّك دعوت إلى مسألتك لم أقدم عليك بالمسائل، ولقد دخلت الكوفة والبصرة والشام والجزيرة ولقيت المتكلمين فلم أقع على أحد يثبت لي واحداً ليس غيره قائماً بوحدانيّته أفتأذن لي أن أسألك؟

قال الرضاعليه‌السلام : إن كان في الجماعة عمران الصابي فأنت هو!

فقال: أنا هو.

فقالعليه‌السلام : سل يا عمران وعليك بالنصفة وإيّاك والخطل والجور!

قال: والله يا سيدي ما أريد إلاّ أن تثبت لي شيئاً أتعلّق به فلا أجوزه.

١٩٤

قالعليه‌السلام : سل عمّا بدا لك، فازدحم عليه الناس وانضمّ بعضهم إلى بعض.

فقال عمران الصابي: أخبرني عن الكائن الأوّل وعمّا خلق.

قالعليه‌السلام : سألت فافهم أما الواحد فلم يزل واحداً كائناً لا شيء معه بلا حدود ولا أعراض، ولا يزال كذلك ثمّ خلق خلقاً مبتدعاً مختلفاً بأعراض وحدود مختلفة لا في شيء أقامه ولا في شيء حدّه ولا على شيء حذاه ولا مثّله له.

فجعل من بعد ذلك الخلق صفوة وغير صفوة واختلافاً وائتلافاً وألواناً وذوقاً وطمعاً لا لحاجة كانت منه إلى ذلك ولا لفضل منزلة لم يبلغها إلاّ به، ولا رأى لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصاناً، تعقل هذا يا عمران؟

قال: نعم والله يا سيدي.

قالعليه‌السلام : واعلم يا عمران! أنه لو كان خلق ما خلق لحاجة لم يخلق إلاّ من يستعين به على حاجته ولكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق، لأنّ الأعوان كلّما كثروا كان صاحبهم أقوى، والحاجة يا عمران لا يسعها لأنّه لم يحدث من الخلق شيئاً إلاّ حدثت فيه حاجة أخرى ولذلك أقول: لم يخلق الخلق لحاجة، ولكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم إلى بعض وفضّل بعضهم على بعض بلا حاجة منه إلى من فضّل ولا نقمةٍ منه على من أذلّ، فلهذا خلق.

قال عمران: يا سيدي هل كان الكائن معلوماً في نفسه عند نفسه؟

قال الرضاعليه‌السلام : إنّما تكون المعلمة بالشيء لنفي خلافه وليكون الشيء نفسه بما نفي عنه موجوداً، ولم يكن هناك شيء يخالفه فتدعوه الحاجة إلى نفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد علم منها، أفهمت ياعمران؟

قال: نعم والله يا سيدي فأخبرني بأيّ شيء علم ما علم أبضمير أم بغير ذلك؟

قال الرضاعليه‌السلام : أرأيت إذا علم بضمير هل تجد بدّاً من أن تجعل لذلك الضمير حداً ينتهى إليه المعرفة؟!

١٩٥

قال عمران: لابدّ من ذلك.

قال الرضاعليه‌السلام : فما ذلك الضمير؟

فانقطع ولم يحر جواباً.

قال الرضاعليه‌السلام : لا بأس، إن سألتك عن الضّمير نفسه تُعرّفُه بضمير آخر؟!

ثم قال الرضاعليه‌السلام : أفسدت عليك قولك ودعواك يا عمران، أليس ينبغي أن تعلم أنّ الواحد ليس يوصف بضمير، وليس يقال له أكثر من فعل وعمل وصنع وليس يتوهّم منه مذاهب وتجزئة كمذاهب المخلوقين وتجزئتهم فاعقل ذلك وابن عليه ما علمت صواباً.

قال عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن حدود خلقه؟ كيف هي؟ وما معانيها؟ وعلى كم نوع يتكوّن؟

قالعليه‌السلام : قد سألت فافهم إنّ حدود خلقه على ستّة أنواع: ملموس وموزون ومنظور إليه، وما لا وزن له، وهو الروح ومنها منظور إليه وليس له وزن ولا لمس ولا حسّ ولا ذوق والتقدير، والأعراض، والصور والعرض والطول، ومنها العمل والحركات التي تصنع الأشياء وتعلمها وتغييرها من حال إلى حال وتزيدها وتنقصها.

وأما الأعمال والحركات فإنّها تنطلق لأنّها لا وقت لها أكثر من قدر ما يحتاج إليه، فإذا فرق من الشيء انطلق بالحركة وبقي الأثر ويجري مجرى الكلام الذي يذهب ويبقى أثره.

قال له عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن الخالق إذا كان واحداً لا شيء غيره ولا شيء معه، أليس قد تغيّر بخلقه الخلق.

قال الرضاعليه‌السلام : يتغير عَزَّ وجَلَّ بخلق الخلق، ولكن الخلق يتغير بتغييره.

قال عمران: فبأي شيء عرفناه.

قالعليه‌السلام : بغيره.

قال: فأي شيء غيره؟

١٩٦

قال الرضاعليه‌السلام : مشيّته واسمه وصفته وما أشبه ذلك، وكلّ ذلك محدث مخلوق مدبّر.

قال عمران: يا سيدي فأيّ شيء هو؟

قالعليه‌السلام : هو نور بمعنى أنه هاد لخلقه من أهل السماء وأهل الأرض، وليس لك عليَّ أكثر من توحيدي إيّاه.

قال عمران: يا سيدي أليس قد كان ساكتاً قبل الخلق لا ينطق ثم نطق؟

قال الرضاعليه‌السلام : لا يكون السكوت إلاّ عن نطق قبله، والمثل في ذلك أنّه لا يقال للسراج هو ساكت لا ينطق ولا يقال إنّ السراج ليضيء فيما يريد أن يفعل بنا، لأنّ الضوء من السراج ليس بفعل منه ولا كون وإنّما هو ليس شيء غيره، فلما استضاء لنا قلنا قد أضاء لنا حتى استضأنا به، فبهذا تستبصر أمرك.

قال عمران: يا سيدي فإنّ الذي كان عندي أن الكائن قد تغيّر في فعله عن حاله بخلقه الخلق.

قال الرضا: أحلت يا عمران في قولك: إن الكائن يتغيّر في وجه من الوجوه حتى يصيب الذات منه ما يغيره، يا عمران هل تجد النار تغير نفسها؟ أو هل تجد الحرارة تحرق نفسها؟ أو هل رأيت بصيراً قطّ رأى بصره؟

قال عمران: لم أرَ هذا، ألا تخبرني أهو في الخلق أم الخلق فيه.

قال الرضاعليه‌السلام : جلّ يا عمران عن ذلك ليس هو في الخلق ولا الخلق فيه، تعالى عن ذلك، وسأعلّمك وتعرفه به، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله، أخبرني عن المرآة أنت فيها أم هي فيك؟! فان كان ليس واحد منكما في صاحبه، فبأي شيء استدللت بها على نفسك؟

قال عمران: بضوء بيني وبينها.

فقال الرضاعليه‌السلام : هل ترى من ذلك الضوء في المرآة أكثر ممّا تراه في عينك؟

قال نعم.

١٩٧

قال الرضاعليه‌السلام : فأرناه؟ فلم يحر جواباً.

قال الرضاعليه‌السلام : فلا أرى النور إلاّ وقد دلّك ودلّ المرّاة على أنفسكما من غير أن يكون في واحد منكما، ولهذا أمثال كثيرة غير هذا لا يجد الجاهل فيها مقالاً ولله المثل الأعلى.

ثم التفتعليه‌السلام إلى المأمون قال: الصلاة قد حضرت.

فقال عمران: يا سيدي لا تقطع عليّ مسألتي فقد رقّ قلبي.

قال الرضاعليه‌السلام : نصلّي ونعود، فنهض ونهض المأمون، فصلّى الرضاعليه‌السلام داخلاً وصلّى الناس خارجاً خلف محمد بن جعفر، ثم خرجاً، فعاد الرضاعليه‌السلام إلى مجلسه ودعا بعمران فقال: سل يا عمران.

قال: يا سيدي ألا تخبرني عن الله عَزَّ وجَلَّ هل يوحد بحقيقة أم يوحد بوصف؟

قال الرضاعليه‌السلام : إنّ الله المبدئ الواحد الكائن الأوّل، لم يزل واحداً لا شيء معه، فرداً لا ثاني معه لا معلوماً ولا مجهولاً، ولا محكماً ولا متشابهاً، ولا مذكوراً ولا منسياً، ولا شيئاً يقع عليه اسم شيء من الأشياء غيره، ولا من وقت كان ولا إلى وقت يكون ولا بشيء قام ولا إلى شيء يقوم، ولا إلى شيء استند، ولا في شيء استكن، وذلك كلّه قبل الخلق إذ لا شيء وما أوقعت عليه من الكلّ فهي صفات محدثة وترجمة يفهم بها من فهم.

واعلم أنّ الإبداع والمشيّة والإرادة معناها واحد، وأسماؤها ثلاثة، وكان أوّل إبداعه وإرادته ومشيّته الحروف التي جعلها أصلاً لكل شيء ودليلاً على كلّ مدرك وفاصلاً لكلّ مشكل. وتلك الحروف تفريق كلّ شيء من اسم حقّ وباطل أو فعل أو مفعول أو معنى أو غير معنى، وعليها اجتمعت الأمور كلّها، ولم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى غير أنفسها يتناهي ولا وجود لأنها مبدعة بالإبداع، والنّور في هذا الموضع أوّل فعل الله الذي هو نور السماوات والأرض.

١٩٨

والحروف هي المفعول بذلك الفعل وهي الحروف التي عليها الكلام والعبارات كلّها من الله عَزَّ وجَلَّ، علّمها خلقه، وهي ثلاثة وثلاثون حرفاً، فمنها ثمانية وعشرون حرفاً تدل على اللغات السريانيّة، والعبرانيّة، ومنها خمسة أحرف متحرّفة في سائر اللغات من العجم لأقاليم اللغات كلّها وهي خمسة أحرف تحرّفت من الثمانية والعشرين الحرف من اللغات فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفاً.

فأمّا الخمسة المختلفة فتحجج لا يجوز ذكرها أكثر ممّا ذكرناه ثمّ جعل الحروف بعد إحصائها وإحكام عدّتها فعلاً منه كقوله عَزَّ وجَلَّ:( كُنْ فَيَكُونُ ) وكن منه صنع وما يكون به المصنوع، فالخلق الأوّل من الله عَزَّ وجَلَّ الإبداع لا وزن له ولا حركة ولا سمع ولا لون ولا حسّ.

والخلق الثاني الحروف لا وزن لها ولا لون، وهي مسموعة موصوفة غير منظور إليها، والخلق الثالث ما كان من الأنواع كلّها محسوساً ملموساً ذا ذوق منظوراً إليه والله تبارك وتعالى سابق للإبداع لأنّه ليس قبله عَزَّ وجَلَّ شيء، ولا كان معه شيء والإبداع سابق للحروف والحروف لا تدلّ على غير أنفسها.

قال المأمون: وكيف لا تدلّ على غير أنفسها؟ قال الرضاعليه‌السلام : لأن الله تبارك وتعالى لا يجمع منها شيئاً لغير معنى أبداً، فإذا ألّف منها أحرفاً أربعة أو خمسة أو ستة أو أكثر من ذلك أو أقلّ لم يؤلفها لغير معنى ولم يك إلاّ لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئاً.

قال عمران: فكيف لنا بمعرفة ذلك؟

قال الرضاعليه‌السلام : أمّا المعرفة فوجه ذلك وبابه أنّك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير أنفسها ذكرتها فرداً فقلت: ا ب ت ث ج ح خ حتى تأتي على آخرها، فلم تجد لها معنى غير أنفسها، فإذا ألفتها وجمعت منها أحرفاً وجعلتها اسماً وصفة لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت كانت دليلة على معانيها داعية إلى الموصوف بها، أفهمته؟ قال: نعم.

١٩٩

قال الرضاعليه‌السلام : واعلم أنّه لا يكون صفة لغير موصوف ولا اسم لغير معنى ولا حدّ لغير محدود، والصفات والأسماء كلّها تدلّ على الكمال والوجود ولا تدلّ على الإحاطة كما تدلّ على الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس، لأنّ الله عَزَّ وجَلَّ وتقدّس تدرك معرفته بالصفات والأسماء، ولا تدرك بالتحديد بالطول والعرض والقلّة والكثرة واللّون والوزن وما أشبه ذلك، وليس يحلّ بالله جلّ وتقدّس شيء من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا.

ولكن يدلّ على الله عَزَّ وجَلَّ بصفاته ويدرك بأسمائه ويستدلّ عليه بخلقه حتى لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين، ولا استماع أذن ولا لمس كفّ ولا إحاطة بقلب، فلو كانت صفاته جل ثناؤه لا تدلّ عليه وأسماؤه لا تدعو إليه والمعلمة من الخلق لا تدركه لمعناه كانت العبادة من الخلق لأسمائه وصفاته دون معناه، فلو لا أنّ ذلك كذلك لمكان المعبود الوحد غير الله تعالى، لأنّ صفاته وأسماءه غيره، أفهمت؟ قال: نعم يا سيدي زدني.

قال الرضاعليه‌السلام : إياك وقول الجهّال أهل العمى والضلال الذي يزعمون أن الله عَزَّ وجَلَّ وتقدّس موجود في الآخرة للحساب والثواب والعقاب، وليس بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء ولو كان في الوجود لله عَزَّ وجَلَّ نقص واهتضام لم يوجد في الآخرة أبداً، ولكنّ القوم تاهوا وعموا وصمّوا عن الحقّ من حيث لا يعلمون، وذلك قوله عَزَّ وجَلَّ:( وَمَن كَانَ فِي هذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلّ سَبِيلاً ) يعنى أعمى عن الحقائق الموجودة.

وقد علم ذوو الألباب أنّ الاستدلال على ما هناك لا يكون إلاّ بما ههنا، ومن أخذ علم ذلك برأيه وطلب وجوده وإدراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك إلاّ بعداً، لأنّ

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

باب ابتدا الكعبة وفضلها وفضل الحرم

٢٢٩٦ - قال أبوجعفر عليه السلام: " لما أراد الله عزوجل أن يخلق الارض أمر الرياح (الاربع)(١) فضربن متن الماء حتى صار موجا، ثم أزبد(٢) فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت، ثم جعله جبلا من زبد ثم دحا الارض من تحته وهو قول الله عزوجل: " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا "(٣) فأول بقعة خلقت من الارض الكعبة، ثم مدت الارض منها ".

٢٢٩٧ - وقال الصادق عليه السلام: " إن الله تبارك وتعالى دحا الارض من تحت الكعبة إلى منى، ثم دحاها من منى إلى عرفات، ثم دحاها من عرفات إلى منى فالارض من عرفات، وعرفات من منى، ومنى من الكعبة(٤) ، وكذلك علمنا بعضه من بعض ".

٨ ٢٢٩ - و " إن الله عزوجل أنزل البيت من السماء وله أربعة أبواب على كل باب قنديل من ذهب معلق(٥) ".

٢٢٩٩ - وروي عن موسى بن جعفر عليه السلام أنه قال: " في خمسة وعشرين(٦) من

___________________________________

(١) ما بين القوسين نسخة في جميع النسخ وليس في الكافى.

(٢) أزيد: أخرج الزبد وقذف به.

(٣) الرواية إلى هنا في الكافى ج ٤ ص ١٨٩ مسندا عن أبى حسان عنه عليه السلام وعن سيف بن عميرة عن أبى بكر الحضرمى عن أبى عبدالله عليه السلام، وبكة لغة في مكة وقيل: مكة: البلد، وبكة موضع البيت.

(٤) الخبر في الكافى ج ٤ ص ١٨٩ إلى هنا رواه بسند ضعيف، ويمكن أن يكون المراد به أن ابتداء بسط الارض كان من كعبة إلى منى ومنها إلى عرفات وانتهى إلى ما أراد الله تعالى من فوقها ثم دحاها من تحتها حتى انتهى إلى منى فصارت كرة. (م ت)

(٥) يمكن أن يكون خبرا برأسه ولم أجده أو من تتمة الخبر السابق.

(٦) تقدم تحت رقم ١٨١٥ وفيه " في تسع وعشرين ".

٢٤١

ذي القعدة أنزل الله عزوجل الكعبة البيت الحرام فمن صام ذلك اليوم كان كفارة سبعين سنة، وهو أول يوم انزلت فيه الرحمة من السماء على آدم عليه السلام ".

٢٣٠٠ - وقال الرضا عليه السلام: " ليلة خمسة وعشرين من ذي القعدة دحيت الارض من تحت الكعبة فمن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستين شهرا(١) ".

٢٣٠١ - وسأل محمد بن عمران العجلي أبا عبدالله عليه السلام " أي شئ كان موضع البيت حيث كان الماء في قول الله تعالى " وكان عرشه على الماء "؟ قال: كانت مهاة بيضاء - يعني درة - ".

٢٣٠٢ - وفي رواية أبي خديجة عن أبي عبدالله عليه السلام " إن الله عزوجل أنزله لآدم عليه السلام من الجنة وكان درة بيضاء(٢) فرفعه الله تعالى إلى السماء وبقي اسه وهو بحيال هذا البيت يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يرجعون إليه أبدا فأمر الله عز وجل إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ببنيان البيت على القواعد ".

٢٣٠٣ - وفي رواية عيسى بن عبدالله الهاشمي، عن أبيه، عن أبي عبدالله عن أبيه عليهما السلام قال: " كان موضع الكعبة ربوة من الارض بيضاء(٣) تضئ كضوء الشمس

___________________________________

(١) تقدم تحت رقم ١٨١٤ بزيادة عن الحسن بن على الوشاء عنه عليه السلام.

(٢) في الكافى ج ٤ ص ١٨٨ باسناده عن أبى خديجة قال: " ان الله عزوجل أنزل الحجر لآدم عليه السلام من الجنة وكان بيت درة بيضاء فرفعه الله الخبر " وقال المولى المجلسى رحمه الله: والتغيير الذى من الصدوق هو التصريح دون الاضمار ويفهم منه أنه فهم أن معنى الخبرين واحد والذى يظهر من الخبرين وباقى الاخبار أنه كان هنا ثلاثة أشياء: موضع البيت حين كان عرشه على الماء وكان منيرا كاللؤلؤة، والبيت الذى أنزله الله لادم عليه السلام وكان من ياقوتة حمراء في الصفاء كالؤلؤة، والظاهر أنه البيت المعمور لقوله عليه السلام " يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك، كما ورد في الاخبار المتواترة ان البيت المعمور في السماء يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ولا يرجعون اليه إلى يوم القيامة، والحجر الاسود الذى أنزله الله تعالى أيضا.

(٣) أى موضع أساس الكعبة، والربوة بفتح الراء وكسرها: ما ارتفع من الارض.

٢٤٢

والقمر حتى قتل ابنا آدم أحدهما صاحبه فاسودت، فلما نزل آدم عليه السلام رفع الله عزوجل له الارض كلها حتى رآهائم قال: هذه لك كلها قال: يا رب ما هذه الارض البيضاء المنيرة؟ قال: هي حرمي في أرضي، وقد جعلت عليك أن تطوف بها كل يوم سبعمائة طواف ".

٢٣٠٤ - وروى سعيد بن عبدالله الاعرج عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " أحب الارض إلى الله تعالى مكة، وما تربة أحب إلى الله عزوجل من تربتها، ولا جحر أحب إلى الله عزوجل من حجرها، ولا شجر أحب إلى الله عزوجل من شجرها، ولا جبال أحب إلى الله عزوجل من جبالها، ولا ماء أحب إلى الله عزوجل من مائها ".

٢٣٠٥ - وفي خبر آخر: " ما خلق الله تبارك وتعالى بقعة في الارض أحب إليه منها - وأومأ بيده إلى الكعبة - ولا أكرم على الله عزوجل منها، لها حرم الله الاشهر الحرم في كتابه يوم خلق السماوات والارض ".

٢٣٠٦ - وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: " إن الله عزوجل اختار من كل شئ شيئا [و] اختار من الارض موضع الكعبة ".

٢٣٠٧ - وقال عليه السلام: " لا يزال الدين قائما ما قامت الكعبة ".

٢٣٠٨ - وقال زرارة بن أعين لابي جعفر عليه السلام: " أدركت الحسين عليه السلام؟ قال: نعم أذكر وأنا معه في المسجد الحرام وقد دخل فيه السيل والناس يتخوفون على المقام(١) يخرج الخارج فيقول: قد ذهب به السيل، ويدخل الداخل فيقول: هو مكانه، قال: فقال: يا فلان(٢) ما يصنع هؤلاء؟ فقلت: أصلحك الله(٣) يخافون أن يكون

___________________________________

(١) أى خافوا أن يذهب به السيل. وفى بعض النسخ " يقومون ".

(٢) كذا في جميع النسخ والكافى أيضا كأنه دعا رجلا كان هناك وقوله " فقلت " مصحف " فقال ".

(٣) قال المحقق التسترى صاحب " الاخبار الداخلية " فيما كتب إلى ان فيه سقطا أو تصحيفا فان خطاب الامام عليه السلام ابن ابنه وهو ابن أقل من أربع سنين بيا فلان وجوابه هو أيضا بأصلحك الله في غاية البعد، وفى الكافى " فقال لى: يا فلان " والظاهر أن الاصل " فقال لرجل: يا فلان ما يصنع هؤلاء فقال: أصلحك الله " فصحف.

٢٤٣

السيل قد ذهب بالمقام، قال:(١) إن الله عزوجل قد جعله علما لم يكن ليذهب به، فاستقروا ".

وكان(٢) موضع المقام الذي وضعه إبراهيم عليه السلام عند جدار البيت فلم يزل هناك حتى حوله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم، فلما فتح النبي صلى الله عليه وآله مكة رده إلى الموضع الذي وضعه إبراهيم عليه السلام، فلم يزل هناك إلى أن ولي عمر فسأل الناس من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام فقال له رجل(٣) : أنا قد كنت أخذت مقداره بنسع(٤) فهو عندي، فقال: ائتني به، فأتاه فقاسه ثم رده إلى ذلك المكان.

٢٣٠٩ - وروي أنه " قتل الحسين بن علي عليهما السلام ولابي جعفر عليه السلام أربع سنين "(٥) .

٢٣١٠ - وروي " أن الكعبة شكت إلى الله عزوجل في الفترة بين عيسى و محمد صلوات الله عليهما فقالت: يا رب مالي قل زواري، مالي قل عوادي؟ فأوحى الله جل جلاله إليها أني منزل نورا جديدا على قوم يحنون إليك(٦) كما تحن الانعام إلى أولادها ويزفون إليك(٧) كما تزف النسوان إلى أزواجها يعني امة محمد صلى الله عليه وآله ".

٢٣١١ - وروى حريز عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " وجد في حجر: إني أنا

___________________________________

(١) الشراح تكلفوا في معناه وكأن فيه سقطا وفى الكافى " قال: ناد أن الله الخ " فحينئذ يستقيم المعنى بلا تكلف.

(٢) ظاهره من كلام أبى جعفر عليه السلام ويمكن أن يكون من زرارة ذكره بالمناسبة.

(٣) هو المطلب بن أبى وداعة السهمى القرشى سبط حارث بن المطلب وامه أروى، راجع اتحاف الورى باخبار ام القرى حوادث سنة سبع عشرة وفى نسب الرجل جمهرة أنساب العرب لابن حزم الاندلسى ص ١٦٤.

(٤) النسع بالكسر: سير ينسج عريضا على هيئة أعنة النعال تشد به الرحال و القطعة منه نسعة وسمى نسعا لطوله.

(٥) ذكر ذلك للتوجه بسن أبى جعفر عليه السلام.

(٦) أى يشتاقون، والحنين الشوق.

(٧) أى يجيئون اليك في نهاية الشوق.

٢٤٤

الله ذو بكة صنعتها(١) يوم خلقت السماوات والارض، ويوم خلقت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حفا(٢) مبارك لاهلها في الماء واللبن، يأتيها رزقها من سبل من أعلاها وأسفلها والثنية "(٣) .

٢٣١٢ - وروي أنه وجد في حجر آخر مكتوب: " هذا بيت الله الحرام بمكة، تكفل الله عزوجل برزق أهله من ثلاثة سبل، مبارك لاهله في اللحم والماء ".

٢٣١٣ - وروي عن أبي حمزة الثمالي قال: " قال لنا علي بن الحسين عليهما السلام: أي البقاع أفضل؟ فقلنا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، فقال: أما أفضل البقاع ما بين الركن والمقام، ولو أن رجلا عمر ما عمر نوح عليه السلام في قومه - ألف سنة إلا خمسين عاما - يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المكان ثم لقي الله عزوجل بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئا ".(٤)

٢٣١٤ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله يوم فتح مكة: " إن الله تبارك وتعالى حرم مكة يوم خلق السماوات والارض فهي حرام إلى أن تقوم الساعة لم تحل لاحد قبلي

___________________________________

(١) في بعض النسخ " خلقتها ". وفى الكافى في الصحيح عن سعيد الاعرج عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " ان قريشا لما هدموا الكعبة وجدوا في قواعدها حجرا فيه كتاب لم يحسنوا قراء‌ته حتى دعوا رجلا فقرأه فاذا فيه: أنا الله ذو بكة، حرمتها يوم خلقت السماوات والارض ووضعتها بين هذين الجبلين وحففتها بسبعة أملاك حفا " وفى طرق العامة " أملاك حنفاء ".

(٢) أى يحفظونها من الاشرار، وهذه أيضا من آياتها مع كثرة الكفرة المعاندين وفى بعض النسخ " مباركا " والبركة بمعنى الزيادة الصورية والمعنوية.

(٣) فمن طريق الطائف من التمر وسائر الثمار، ومن العراق ونجد من أصناف النعم، ومن طريق الثنية العقبة طريق المدينة المشرفة والشام ومصر من التمر والارز والحنطة وغيرها كما هو المشاهد أنها اكثر بلاد الله نعما وفوائد، وهذه أيضا من آياتها. (م ت)

(٤) يدل على أفضلية الحطيم للعبادة وعلى أن الايمان شرط في جميع العبادات كما هو مذهبنا معاشر الامامية. (م ت)

٢٤٥

ولا تحل لاحد من بعدي، ولم تحل لي إلا ساعة من النهار ".(١)

٢٣١٥ - وروى كليب الاسدي عن أبي عبدالله عليه السلام " أن رسول الله صلى الله عليه وآله استأذن الله عزوجل في مكة(٢) ثلاث مرات من الدهر فأذن الله له فيها ساعة من النهار ثم جعلها حراما ما دامت السماوات والارض ".

٢٣١٦ - وقال عليه السلام: " إن الله عزوجل حرم مكة يوم خلق السماوات والارض ولا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها، ولا يلتقط لقطتها الا لمنشد، فقام إليه العباس بن عبدالمطلب فقال: يا رسول الله إلا الاذخر(٣) فانه للقبر ولسقوف بيوتنا، فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله ساعة وندم العباس على ما قال، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إلا الاذخر"(٤) .

٢٣١٧ - وقال الصادق عليه السلام: أساس البيت من الارض السابعة السفلى إلى الارض السابعة العليا ".

٢٣١٨ - وروى أبوهمام - إسماعيل بن همام - عن الرضا عليه السلام أنه قال لرجل: " أي شئ السكينة عندكم؟ فلم يدر القوم ما هي، فقالوا: جعلنا الله فداك ما هي؟ قال: ريح تخرج من الجنة طيبة، لها صورة كصورة الانسان تكون مع الانبياء عليهم السلام وهي التي انزلت على إبراهيم عليه السلام حين بنى الكعبة فأخذت تأخذ كذا وكذا وبنى

___________________________________

(١) في يوم الفتح، رواه الكلينى ج ٤ ص ٢١٦ في الصحيح عن معاوية بن عمار.

و قوله: " لا تحل لاحد قبلى " أى الدخول فيه بغير احرام ويظهر من هذه الاخبار أنها فتحت عنوة.

(٢) أى في باب قتال مكة بأن يفتح له صلحا أو الاعم أو قهرا.

(٣) في النهاية في حديث تحريم مكة: " لا يختلى خلاها " الخلا مقصورا النبات الرطب الرقيق ما دام رطبا واختلاه أى قطعه واختلت الارض كثر خلاها فاذا يبس فهو حشيش انتهى " وفى الصحاح: الاذخر بكسر الهمزة وسكون الذال المعجمة وكسر الخاء: نبت، والواحدة اذخرة انتهى.

ويعضده أى يقطعه وعضد الشجرة قطعها بالمعضد وقوله " الا لمنشد " أى لقاصد الانشاد لا للتملك.

والخبر مروى نحوه في الكافى ج ٤ ص ٢٢٥ بزيادة عن حريز وطريق المصنف إلى حريز صحيح.

(٤) كانه سكت صلى الله عليه وآله انتظارا لنزول الوحى كما في بعض الاخبار.

٢٤٦

الاساس عليها ".

٢٣١٩ - وقال الصادق عليه السلام: " كان طول الكعبة تسعة أذرع، ولم يكن لها سقف، فسقفها قريش ثمانية عشر ذراعا، ثم كسرها الحجاج على ابن الزبير فبناها وجعلها سبعة وعشرين ذراعا".(١)

٢٣٢٠ - وروي عن سعيد بن عبدالله الاعرج عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: " إن قريشا في الجاهلية هدموا البيت فلما أرادوا بناء‌ه حيل بينه وبينهم والقي في روعهم الرعب(٢) حتى قال قائل منهم: ليأت كل رجل منكم بأطيب ماله ولا تأتوا بمال اكتسبتموه من قطيعة رحم أو حرام ففعلوا، فخلي بينهم وبين بنيانه، فبنوه حتى انتهوا إلى موضع الحجر الاسود فتشاجروا فيه أيهم يضع الحجر في موضعه حتى كاد أن يكون بينهم شر، فحكموا أول من يدخل من باب المسجد، فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله فلما أتاهم أمر بثوب فبسط ثم وضع الحجر في وسطه ثم أخذت القبائل بجوانب الثوب فرفعوه، ثم تناوله عليه السلام فوضعه في موضعه فخصه الله عزوجل به ".

٢٣٢١ - وروي " أن الحجاج لما فرغ من بناء الكعبة سأل علي بن الحسين عليهما السلام أن يضع الحجر في موضعه، فأخذه ووضعه في موضعه ".

٢٣٢٢ - وروي أنه " كان بنيان إبراهيم عليه السلام الطول ثلاثين ذراعا، والعرض اثنتين وعشرين ذراعا، والسمك تسعة أذرع، وإن قريشا لما بنوها كسوها الاردية ".

٢٣٢٣ - وروى البزنطي، عن داود بن سرحان عن أبي عبدالله عليه السلام " أن

___________________________________

(١) الظاهر أن المراد ببناء عبدالله بن الزبير تسقيفها وهدم الحجاج الكعبة من قبل عبدالملك بن مروان لما خرج ابن الزبير وادعى الامامة بعد زوال ملك بنى سفيان واستولى على العراقين عشر سنين وخطب باسمه على المنابر فبعث الحجاج بجند عظيم اليه فتحصن ابن الزبير بالمسجد الحرام فوضع المنجنيق عليه حتى هدم الكعبة وغلب الحجاج فأخذه وصلبه سنين حتى شفعت له أمه أسماء ذات النطاقين بنت أبى بكر فأنزله ودفنه وقتل جماعة كثيرة بسبب خروجه. (م ت)

(٢) الروع بالضم: القلب أو موضع الفزع منه أو سواده، والذهن والعقل.

٢٤٧

رسول الله صلى الله عليه وآله ساهم قريشا في بناء البيت فصار لرسول الله صلى الله عليه وآله من باب الكعبة إلى النصف ما بين الركن اليماني إلى الحجر الاسود "(١) .

٢٣٢٤ - وفي رواية اخرى أنه " كان لبني هاشم من الحجر الاسود إلى الركن الشامي ".

[من أراد الكعبة بسوء] (٢)

وما أراد الكعبة أحد بسوء إلا غضب الله عزوجل لها، ونوى يوما تبع الملك أن يقتل مقاتلة أهل الكعبة ويسبي ذريتهم ثم يهدم الكعبة فسالت عيناه حتى وقعتا على خدية فسأل عن ذلك، فقالوا: ما نرى الذي أصابك إلا بما نويت في هذا البيت لان البلد حرم الله والبيت بيت الله، وسكان مكة ذرية إبراهيم خليل الله، فقال: صدقتم فما مخرجى مما وقعت فيه؟ قالوا: تحدث نفسك بغير ذلك فحدث نفسه بخير فرجعت حدقتاه حتى ثبتتا في مكانهما، فدعا القوم الذين أشاروا عليه بهدمها فقتلهم ثم أتى البيت فكساه الانطاع وأطعم الطعام ثلاثين يوما كل يوم مائة جزور حتى حملت الجفان إلى السباع في رؤوس الجبال ونثرت الاعلاف للوحوش، ثم انصرف من مكة إلى المدينة فأنزل بها قوما من أهل اليمن من غسان وهم الانصار(٣) .

___________________________________

(١) المساهمة: العمل بالقرعة وصار لرسول الله صلى الله عليه وآله قريبا من ربع البيت (م ت) وقال العلامة المجلسى رحمه الله قوله " من باب الكعبة إلى النصف " أى إلى منتصف الضلع إلى بين اليمانى والحجر، ولا يخفى أنها تنافى الرواية الاخرى الا أن يقال: انهم كانوا أشركوه صلى الله عليه وآله مع بنى هاشم في هذا الضلع وخصوه بالنصف من الضلع الاخر فجعل بنو هاشم له صلى الله عليه وآله ما بين الحجر والباب.

(٢) العنوان زيادة منا وليس في الاصل.

(٣) راجع الكافى ج ٤ ص ٢١٥ روى خبر ذلك على وجهه عن على عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن اسماعيل بن جابر عن أبى عبدالله عليه السلام.

والنطع بساط من الاديم جمعه انطاع ونطوع.

وراجع مفصل تاريخ تبع اخبار مكة الازرقى ج ١ ص ٨٤ ط ١٢٧٥.

٢٤٨

وروي: أنه ذبح له ستة آلاف بقرة بشعب ابن عامر، وكان يقال لها مطابخ تبع(١) حتى نزلها ابن عامر فاضيفت إليه فقيل: شعيب ابن عامر، ولم يكن تبع مؤمنا ولا كافرا ولكنه كان ممن يطلب الدين الحنيف، ولم يملك المشرق إلا تبع وكسرى.

وقصده أصحاب الفيل وملكهم أبو يكسوم: أبرهة بن الصباح الحميري ليهدمه.

فأرسل الله عليهم طيرا ابابيل(٢) ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول.

وإنما لم يجر على الحجاج ما جرى على تبع وأصحاب الفيل لان قصد الحجاج لم يكن إلى هدم الكعبة إنما كان قصده إلى ابن الزبير وكان ضدا لصاحب الحق، فلما استجار بالكعبة أراد الله أن يبين للناس أنه لم يجره فامهل من هدمها عليه.

٢٣٢٥ - وروي عن عيسي بن يونس قال: " كان ابن أبي العوجاء من تلامذة الحسن البصري فانصرف عن التوحيد فقيل له: تركت مذهب صاحبك ودخلت فيما لا أصل له ولا حقيقة فقال: إن صاحبي كان مخلطا كان يقول طورا بالقدر، وطورا بالجبر، وما أعلمه اعتقد مذهبا دام عليه، قال: ودخل مكة تمردا وإنكارا على من يحج وكان يكره العلماء مساء‌لته إياهم ومجالسته لهم لخبث لسانه وفساد ضميره فأتى جعفر بن محمد عليه السلام فجلس إليه في جماعة من نظرائه، ثم قال له: إن المجالس أمانات ولابد لكل من كان به سعال أن يسعل(٣) أفتاذن لي في الكلام؟ فقال: تكلم فقال: إلى كم تدوسون هذا البيدر وتلوذون بهذا الحجر وتعبدون هذا البيت المرفوع

___________________________________

(١) أى قبل نزول ابن عامر فيها.

(٢) أبابيل جماعات في تفرقة، زمرة زمرة، وقيل: لا واحد لها، وقيل: كعباديد واحدها أبول وزان عجول، وقيل: واحدها ابالة وهى بكسر الهمزة: الجماعة.

(٣) السعال حركة للهواء تحدث في قصبة الرية تدفع الاخلاط المؤذية عنها.

٢٤٩

بالطوب والمدر(١) وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر، من فكر في هذا أو قدر علم أن هذا فعل أسسه غير حكيم ولا ذي نظر، فقل فانك رأس هذا الامر وسنامه وأبوك اسه ونظامه.

فقال أبو عبدالله عليه السلام: إن من أضله الله وأعمى قلبة، استوخم الحق(٢) فلم يستعذبه، وصار الشيطان وليه يورده مناهل الهلكة ثم لا يصدره، وهذا بيت استعبد الله به خلقه، ليختبر طاعتهم في إتيانه، فحثهم على تعظيمه وزيارته، وجعله محل أنبيائه وقبلة للمصلين له، فهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدي إلى غفرانه، منصوب على استواء الكمال ومجتمع العظمة والجلال، خلقه الله قبل دحو الارض بألفي عام، وأحق من أطيع فيما أمر وانتهي عما نهى عنه وزجر، الله المنشئ للارواح بالصور.

فقال ابن أبي العوجاء: ذكرت يا أبا عبدالله فأحلت على غائب، فقال أبوعبدالله عليه السلام: ويلك وكيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد، وإليهم أقرب من حبل الوريد، يسمع كلامهم ويرى أشخاصهم ويعلم أسرارهم، وإنما المخلوق(٣) الذي إذا انتقل عن مكان اشتغل به مكان وخلا منه مكان، فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذي كان فيه، فأما الله العظيم الشأن الملك الديان فانه لا يخلو منه مكان، ولا يشتغل به مكان، ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان، والذي بعثه بالآيات المحكمة، والبراهين الواضحة، وأيده بنصره، واختاره لتبليغ رسالته صدقنا قوله بأن ربه بعثه وكلمه.

فقام عنه ابن أبي العوجاء فقال لاصحابه: من ألقاني في بحر هذا، سألتكم

___________________________________

(١) الدوس: الوطأ على الرجل، والبيدر: الموضع الذى يداس فيه الطعام ويدق ليخرج الحب من السنبل، والطوب: الاجر.

(٢) الاستيخام: الاستثقال وعد الشئ غير موافق.

واستوخمه أى وجده وخيما ثقيلا. وقوله " لم يستعذبه " أى لم يجده عذبا.

(٣) أى انما الغائب هو المخلوق الذى كذا أو انما المخلوق هو الذى.

٢٥٠

أن تلتمسوا لي خمرة فألقيتموني على جمرة(١) قالوا له: ما كنت في مجلسه إلا حقيرا فقال: إنه ابن من حلق رؤوس من ترون ".(٢)

٢٣٢٦ - وقال الصادق عليه السلام في خبر آخر حديث يذكر في الاسلام والايمان: " ولو أن رجلا دخل الكعبة فبال فيها معاندا اخرج من الكعبة ومن الحرم، وضربت عنقه ".(٣)

٢٣٢٧ - وسأل عبدالله بن سنان أبا عبدالله عليه السلام " عن قول الله عزوجل: " ومن دخله كان آمنا " قال: من دخل الحرم مستجيرا به فهو آمن من سخط الله عزوجل، وما دخل من الوحش والطير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم ".

[الالحاد في الحرم والجنايات] (٤)

ومن أتى بموجب الحد في الحرم اخذ به في الحرم لانه لم ير للحرم حرمة.(٥)

٢٣٢٨ - وروى معاوية بن عمار أنه " اتي أبوعبدالله عليه السلام فقيل له: إن

___________________________________

(١) الخمرة بالفتح بمعنى الخمر، وبالضم ألمها وصداعها، ومراد اللعين أنى سألتكم أن تأتونى إلى من أجادله وألعب وأستهزى به وأضحك عليه لا إلى من يحرقنى ببلاغة بيانه وبرهانه، وقال المولى المجلسى: الخمرة ما يخمر به وعكر النبيذ وحصيرة صغيرة من السعف والورس واشياء من الطيب تطلى به المرأة لتحسن وجهها ولكل مناسبة، والجمرة النار الموقدة، أى كنت أردت منكم أن تحصلوا لى شخصا لاباحث معه وأغلبه وحصلتم لى مباحثا الزمنى وأهلكنى وضيعنى.

(٢) يعنى هذا هو ابن من أمر هذا الخلق الذى ترون بحلق الرأس فأطاعوه مع أن حلق الرأس عندهم عار عظيم وليس العجز لجهلى بل لاحتشامى اياه.

(٣) رواه الكلينى بتمامه في الكافى ج ٢ ص ٢٧ وهذا الكلام في ذيله.

(٤) العنوان زيادة منا.

(٥) كما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبى عبدالله عليه السلام في الكافى ج ٤ ص ٢٢٨، وحسنة الحلبى عن أبى عبدالله (ع) ص ٢٢٦.

٢٥١

سبعا من سباع الطير على الكعبة ليس يمر به شئ من حمام الحرم إلا ضربه، فقال: انصبوا له واقتلوه فأنه قد ألحد"(١) .

٢٣٢٩ - قال: و " سألته عن قول الله عزوجل: " ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقة من عذاب أليم " قال: كل ظلم إلحاد، وضرب الخادم في غير ذنب من ذلك الالحاد "(٢) .

٢٣٣٠ - وفي رواية أبي الصباح الكناني(٣) عنه عليه السلام قال: " كل ظلم يظلمه الرجل نفسه بمكة من سرقة أو ظلم أحد أو شئ من الظلم فإني أراه إلحادا، ولذلك كان يتقي الفقهاء أن يسكنوا مكة".

 [اظهار السلاح بمكة] (٤)

٢٣٣١ - وسأله أبوبصير " عن رجل يريد مكة أو مدينة أيكره أن يخرج منه بالسلاح؟ فقال: لا بأس أن يخرج بالسلاح من بلده ولكن إذا دخل مكة لم يظهره ".

٢٣٣٢ - وفي رواية حريز بن عبدالله عنه عليه السلام قال: " لا ينبغي أن يدخل الحرم بسلاح إلا أن يدخله في جوالق(٥) أو يغيبه - يعني حتى يلف على الحديد شيئا - ".(٦)

 [الانتفاع بثياب الكعبة]

٢٣٣٣ - وسأل عبدالملك بن عتبة أبا عبدالله عليه السلام " عما يصل إلينا من ثياب

___________________________________

(١) و(٢) راجع الكافى ج ٤ ص ٢٢٧.

(٣) لم يذكر المصنف طريقه اليه والظاهر أنه مأخوذ من كتابه فيكون صحيحا ورواه الكلينى عنه أيضا وفى الطريق محمد بن الفضيل الازدى الضعيف، فان كان محمد بن الفضيل الضبى فهو ثقة.

(٤) العنوان زيادة منا هنا وما يأتى.

(٥) الجوالق بالضم والكسر: العدل من صوف أو شعر جمع جالق معرب جوال.

(٦) رواه الكلينى في الكافى ج ٤ ص ٢٢٨ عن على عن أبيه عن ابن أبى عمير عن حماد عن حريز، قال في المنتقى: الظاهر أن ذكر ابن أبى عمير في هذا السند سهو، و النسخ التى عندى متفقة فيه.

وقوله " يغيبه " أى يجعله غائبا.

٢٥٢

الكعبة هل يصلح لنا أن نلبس شيئا منها؟ فقال: يصلح للصبيان والمصاحف والمخدة تبتغي بذلك البركة إن شاء الله تعالى ".(١)

 [كراهية أخذ تراب البيت وحصاه] (٢)

٢٣٣٤ - وروي عن معاوية بن عمار قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " أخذت سكا(٣) من سك المقام وترابا من تراب البيت وسبع حصيات، فقال: بئس ما صنعت أما التراب والحصى فرده ".(٤)

٢٣٣٥ - وروي محمد بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " لا ينبغي لاحد أن يأخذ من تربة ما حول البيت وإن أخذ من ذلك شيئا رده ".(٥)

٢٣٣٦ - وقال حذيفة بن منصور لابي عبدالله عليه السلام: " إن عمي كنس الكعبة فأخذ من ترابها فنحن نتداوى به فقال: رده إليها ".(٦)

٢٣٣٧ - وقال له زيد الشحام: " أخرج من المسجد حصاة(٧) ، قال: فردها أو اطراحها في مسجد".(٨)

___________________________________

(١) يدل على جواز الانتفاع واستحباب التبرك بها وعلى جواز الباس الصبيان بها و يحمل على غير المميز جمعا بين الروايات، ولا يرد أنه وقف للكعبة فلا يجوز التصرف فيها لانه هكذا وقف بأن يكون سنة لباس الكعبة وبعدها يكون للخدمة.والابتغاء: الطلب. (م ت)

(٢) العنوان زيادة منا هنا وما يأتى.

(٣) السك بالضم ضرب من الطيب ويطلق على كل طيب، وقيل: هو المسمار.

(٤) يدل على عدم جواز اخراج الحصى من المسجد الحرام وكذا قمامة الكعبة على الظاهر، ويمكن أن يكون المراد ترابة المحكوك.(م ت)

(٥) ظاهره الكراهة والمشهور الحرمة ووجوب الرد اليه مع الامكان.

والخبر رواه الكلينى في الصحيح والشيخ بسندين صحيحين.

(٦) ظاهر هذه الاخبار وجوب الرد إلى الكعبة أو المسجد الحرام.(م ت)

(٧) في الكافى " أخرج من المسجد وفى ثوبى حصاة ".

(٨) يدل على جواز الرد إلى مسجد آخر مع امكان الرد اليه وهو خلاف المشهور.(المرآة)

٢٥٣

[كراهية المقام بمكة]

٢٣٣٨ - وروى العلاء، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: " لا ينبغي للرجل أن يقيم بمكة سنة، قلت: كيف يصنع؟ قال: يتحول عنها ولا ينبغي أن يرفع بناء فوق الكعبة ".(١)

٢٣٣٩ - وروي " أن المقام بمكة يقسي القلب ".(٢)

٢٣٤٠ - وروي داود الرقي(٣) عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: " إذا فرغت من نسكك فارجع فانه أشوق لك إلى الرجوع ".

 [شجر الحرم]

٢٣٤١ - وروي عن معاوية بن عمار قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " شجرة أصلها في الحل وفرعها في الحرم؟ فقال: حرم أصلها لمكان فرعها، قلت: فان أصلها في الحرم وفرعها في الحل؟ قال: حرم فرعها لمكان أصلها".

٢٣٤٢ - وروى حريز عنه عليه السلام أنه قال: " كل شئ ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلا ما أنبته أنت أو غرسته ".(٤)

___________________________________

(١) يدل على كراهة المجاورة ورفع بناء فوق الكعبة بأن يكون سمكه ارفع من سمك الكعبة فلا يكره البناء في الجبال المرتفعة عليها كأبى قبيس مطلقا بل مع زيادة السمك، وروى الشيخ في الصحيح عن على بن مهزيار قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام المقام بمكة أفضل أو الخروج إلى الامصار؟ فكتب عليه السلام: المقام عند بيت الله أفضل " (م ت) أقول: المشهور كراهة المجاورة بمكة وعلل بخوف الملالة وقلة الاحترام أو الخوف من ملامسة الذنب لانه فيها أعظم أو بأن المقام فيها يقسى القلب.

(٢) رواه في الكافى ج ٤ ص ٢٣٠ مرسلا أيضا وفيه بدل القلب " القلوب " وكأنه محمول على الغالب كما هو المشاهد فيها وفى مشاهد الائمة صلوات الله عليهم.

(٣) طريق المصنف اليه غير نقى، لكن رواه الكلينى في الحسن كالصحيح عن ابن أبى عمير عمن ذكره عن ذريح المحاربى عنه عليه السلام.

(٤) من قوله " الا ما أنبته " ليس في الكافى وسيأتى تحت رقم ٢٠٤٧ تفصيله.

٢٥٤

٢٣٤٣ - وقال عليه السلام: " يخلى عن البعير في الحرم يأكل ما شاء ".(١)

٢٣٤٤ - و " ما يأكله الابل فليس به بأس أن ينزعه ".(٢)

٢٣٤٥ - وسأله سليمان بن خالد " عن الرجل يقطع من الاراك الذي بمكة قال: عليه ثمنه يتصدق به ولا ينزع من شجر مكة شيئا إلا النخل وشجر الفواكه ".

٢٣٤٦ - وروى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: " قلت له: المحرم ينزع الحشيش من غير الحرم؟ فقال: نعم، قلت: فمن الحرم؟ قال: لا ".(٣)

٢٣٤٧ - وسأل إسحاق بن يزيد أبا جعفر عليه السلام " عن الرجل يدخل مكة فيقطع من شجرها، فقال: اقطع ما كان داخلا عليك ولا تقطع ما لم يدخل منزلك عليك ".(٤)

___________________________________

(١) قال في المدارك: يجوز للمحرم أن يترك ابله لترعى الحشيش وان حرم عليه قطعه، بل لو قيل بجواز نزع الحشيش للابل لم يكن بعيدا لصحيحة جميل ومحمد بن حمران (المشار اليها فيما يأتى).

(٢) كما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل ومحمد بن حمران قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن النبت الذى في أرض الحرم أينزع؟ فقال: أما شئ يأكله الابل فليس به بأس أن تنزعه ".

وحمله الشيخ على نزع الابل والاحوط الترك.

(٣) يدل على أن قطع الحشيش من محرمات الحرم لا الاحرام كما يظهر من الاخبار المتواترة من العامة والخاصة من أنه لا يختلى خلاها وقد تقدم بعضها ويؤيده ما رواه الكلينى ج ٤ ص ٣٦٥ عن عبدالله بن سنان قال: قلت لابى عبدالله عليه السلام: " المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته قال: نعم، قلت له: يحتش لدابته وبعيره؟ قال: نعم ويقطع ما شاء من الشجر حتى يدخل الحرم فاذا دخل الحرم فلا ".

(٤) " ما كان داخلا " ظاهره جواز قطع أغصان شجر دخل على الانسان في منزلة و ان لم ينبت فيه وهو خلاف المشهور، ويمكن أن يكون المراد جواز قطع ما نبت بعد اتخاذ الموضع منزلا وعدم جواز قطع ما نبت قبله (المرآة) أقول: روى الكلينى في الكافى ج ٤ ص ٢٣١ والشيخ في التهذيب بسند ضعيف عن حماد بن عثمان عن أبى عبدالله عليه السلام " في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم، قال: ان بنى المنزل والشجرة فيه فليس له أن يقلعها وان كانت نبتت في منزله وهو له فليقلعها " ويمكن حمل النهى في غير الداخل على الكراهة كما يظهر من رواية صحيحة رواها الشيخ في التهذيب عن جميل عن الصادق عليه السلام قال: " رآنى على بن الحسين عليهما السلام وأنا أقلع الحشيش من حول الفساطيط بمنى فقال: يا بنى ان هذا لا يقلع ".

٢٥٥

٢٣٤٨ - وسأل منصور بن حازم أبا عبدالله عليه السلام " عن الاراك يكون في الحرم فأقطعه، قال: عليك فداؤه".(١)

 [لقطة الحرم]

٢٣٤٩ - وروى إبراهيم بن عمر عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " اللقطة لقطتان لقطة الحرم تعرف سنة فإن وجدت صاحبها وإلا تصدقت بها، ولقطة غير الحرم تعرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فهي كسبيل مالك ".(٢)

___________________________________

(١) أى ثمنه كما تقدم، والاراك شجر يتخذ ساقه للسواك.

قال في مرآة العقول: اعلم أن تحريم قطع الشجر والحشيش على المحرم مجمع عليه في الجملة وقد استثنى من ذلك أربعة أشياء: الاول ما ينبت في ملك الانسان وفى دليله كلام، ولا ريب في جواز ما أنبته الانسان لصحيحة حريز.

الثانى شجر الفواكه وقد قطع الاصحاب بجواز قلعه مطلقا وظاهر المنتهى أنه موضع وفاق.

الثالث شجر الاذخر ونقل الاجماع على جواز قطعه.

الرابع عودا المحالة وهما اللذان يجعل عليهما المحالة ليستقى بها، ولا بأس بقطع اليابس من الشجر والحشيش، واعلم أن قطع شجر الحرم كما يحرم على المحرم يحرم على المحل أيضا كما صرح به الاصحاب ودلت عليه النصوص.

(٢) الخبر صحيح وظاهره جواز أخذ لقطة الحرم وعدم جواز تملكها بعد التعريف و اختلف الاصحاب في ذلك اختلافا كثيرا فذهب الشيخ في النهاية وجماعة إلى أنه لا تحل لقطة الحرم مطلقا، وذهب المحقق في النافع وجماعة إلى الكراهة مطلقا، وذهب جماعة إلى جواز القليل مطلقا، والكثير على كراهية مع نية التعريف، والقول بالكراهة لا يخلو من قوة، ثم اختلف في حكمها بعد الالتقاط فذهب المحقق وجماعة إلى التخيير بين التصدق ولا ضمان، وبين ابقائها أمانة لانه لا يجوز التملك مطلقا وقال في موضع آخر يجوز تملك ما دون الزائد وخير بين ابقائها أمانة والتصدق ولا ضمان، ونقل عن أبى الصلاح أنه يجوز تملك الكبير أيضا والاظهر والاحوط وجوب التصدق بها بعد التعريف كما دل عليه هذا الخبر. (المرآة)

٢٥٦

وروي أن في أسماء مكة أنها مكة وبكة وأم القرى وأم رجم والباسة كانوا إذا ظلموا بها بستهم - أى أهلكتهم - وكانوا إذا ظلموا رحموا.(١)

باب تحريم صيد الحرم وحكمه

٢٣٥٠ - روى زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: " إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة إلى أن تبلغ الظبي فعليه دم يهريقه، ويتصدق بمثل ثمنه أيضا(٢) فإن أصاب منه وهو حلال فعليه أن يتصدق بمثل ثمنه ".(٣)

٢٣٥١ - وسأل سليمان بن خالد أبا عبدالله عليه السلام " عن رجل أغلق بابه على طير فمات، فقال: إن كان أغلق الباب عليه بعدما أحرم فعليه دم، وإن كان أغلقه قبل أن يحرم وهو حلال فعليه ثمنه".(٤)

___________________________________

(١) " أم رجم " بالجيم كما في أكثر النسخ والصواب كما في خبر أبى بصير " ام رحم " بالحاء المهملة هكذا " وتسمى أم رحم كانوا إذا لزموها رحموا " والظاهر أن ما ذكره المصنف مضمون هذا الخبر وكان التصحيف من النساخ، أو يكون خبرا آخر ولا منافاة بينهما.

وفى النهاية " الرحم " بالضم الرحمة ومنه حديث مكة " هى ام رحم " أى أصل الرحمة وفى حديث مجاهد: من أسماء مكة الباسة سميت بها لانها تحطم من أخطا فيها.

والبس: الحطم ويروى بالنون من النس أى الطرد (م ت) أقول روى الازرقى في أخبار مكة ج١ص١٩٧ عن جده عن داود بن عبدالرحمن عن ابن جريج عن مجاهد قال: من أسماء مكة هى مكه وهى بكة وهى أم رحم وهى أم القرى وهى صلاح وهى كوثا وهى الباسة.

وفى آخر عن ابن أبى يحيى قال: بلغنى أن أسماء مكة مكة وبكة وأم رحم وأم القرى والباسة والبيت العتيق والحاطمة تحطم من استخف بها، والباسة تبسهم بسا أى تخرجهم اخراجا إذا غشموا وظلموا.

(٢) " إلى أن تبلغ الظبى " أى في الجثة، من الطيور وغيرها " فعليه دم يهريقه " أى باعتبار كونه محرما " ويتصدق بمثل ثمنه " باعتبار كونه في الحرم. (م ت)

(٣) " فان أصاب منه " أى من الصيد في الحرم أو من الحرم تجوزا " وهو حلال " أى غير محرم فعليه أن يتصدق بمثل ثمنه والحاصل أن الفداء للاحرام والقيمة للحرم.

(٤) الطريق حسن بابراهيم بن هاشم وسليمان ثقة وهو الذى خرج مع زيد بن على بن الحسين عليهما السلام وقطع اصبعه، والخبر رواه الشيخ في الصحيح ويدل على أن الحكم في المحرم الفداء وفى الحرم القيمة، وعلى أن السبب كالمباشر في الضمان، والظاهر أن الضمان للموت لا بمجرد الاغلاق وان ورد الجواب بالاعم لان الظاهر انصراف الجواب إلى السؤال ولو لم يكن ظاهرا فيه فليس بظاهر في العموم فلا يمكن الاستدلال به للاجمال (م ت) وقال سلطان العلماء قوله عليه السلام " فعليه دم " أى من حيث الاحرام فلا ينافى وجوب شئ آخر عليه لو كان في الحرم.

٢٥٧

٢٣٥٢ - وروى الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام " في رجل أغلق باب بيت على طير من حمام الحرم فمات، قال: يتصدق بدرهم أو يطعم به حمام الحرم ".(١)

٢٣٥٣ - وروى محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السلام قال: " سألته عن رجل قتل حمامة من حمام الحرم وهو في الحرم غير محرم، فقال: عليه قيمتها وهو درهم يتصدق به أو يشتري به طعاما لحمام الحرم، فإن قتلها وهو محرم في الحرم فعليه شاة وقيمة الحمامة ".(٢)

٢٣٥٤ - وروى حفص بن البختري(٣) عن أبي عبدالله عليه السلام " فيمن أصاب طيرا في الحرم، قال: إن كان مستوي الجناح فليخل عنه، وإن كان غير مستو [ي الجناح] نتفه وأطعمه وأسقاه، فإذا استوى جناحاه خلى عنه ".(٤)

___________________________________

(١) الظاهر أنه للمحرم وان وقع السؤال بالاعم، ويدل على أن الدرهم قيمة الحمامة شرعا وعلى التخيير بين الصدقة والعلف لحمام الحرم. (م ت)

(٢) الطريق ضعيف وفى الكافى ج ٤ ص ٢٣٣ في الصحيح عن صفوان بن يحيى عن أبى الحسن الرضا عليه السلام قال: " من أصاب طيرا في الحرم وهو محل فعليه القيمة، والقيمة درهم يشترى به علفا لحمام الحرم ".

(٣) الطريق اليه صحيح وهو ثقة.

(٤) " نتفه " أى نزع ريشه. والغرض من النتف أن يسرع نبات الريش وظاهره الوجوب لانه في المعنى فلينتف. وفى معنى الخبر ما رواه الكلينى ج ٤ ص ٢٣٧ في الصحيح عن داود بن فرقد قال: كنا عند أبى عبدالله عليه السلام بمكة وداود بن على بها، فقال لى أبوعبدالله عليه السلام قال لى داود بن على: ما تقول يا أبا عبدالله في قمارى اصطدناها وقصيناها؟

فقلت: تنتف فاذا استوت خلى سبيلها " واصل قصيناها ابدلت الثانية تاء و المراد بداود حاكم المدينة وهو عباسى.

٢٥٨

٢٣٥٥ - وروى العلاء، عن محمد بن مسلم قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الرجل يحرم وعنده في أهله صيد إما وحش وإما طير، قال: لا بأس ".(١)

٢٣٥٦ - وروى ابن أبي عمير، عن خلاد عن أبي عبدالله عليه السلام " في رجل ذبح حمامة من حمام الحرم، قال: عليه الفداء، قال: قلت: فيأكله؟ قال لا، قلت: فيطرحه؟ قال: إذا يكون عليه فداء آخر قال: قلت: فما يصنع به؟ قال: يدفنه ".(٢)

٢٣٥٧ - وروى ابن فضال، عن يونس بن يعقوب قال: " أرسلت إلى أبي الحسن عليه السلام " إن أخا لي اشترى حماما من المدينة فذهبنا بها معنا إلى مكة فاعتمرنا وأقمنا إلى الحج، ثم أخرجنا الحمام معنا من مكة إلى الكوفة هل علينا في ذلك شئ فقال للرسول: إني أظنهن كن فرهة(٣) قل له: يذبح مكان كل طير شاة ".(٤)

٢٣٥٨ - وروى صفوان، عن العيص بن القاسم قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام

___________________________________

(١) يدل على أن الصيد لا يخرج عن ملك صاحبه بالاحرام، ويؤيده صحيح جميل المروى في الكافى [ج ٤ ص ٣٨٢] قال: " قلت لابى عبدالله (ع) الصيد يكون عند الرجل من الوحش في أهله أو من الطير يحرم وهو في منزله؟ قال: لا بأس لا يضره " ولا مناسبة لهذا الخبر في هذا الباب لانه من أحكام المحرم لا الحرم. (م ت)

(٢) عمل به جماعة من الاصحاب وقال الشهيد رحمه الله في الدروس: يدفن المحرم الصيد إذا قتله، فان أكله أو طرحه فعليه فداء آخر على الرواية. (المرآة)

(٣) جملة معترضة أى أظن نقلهن إلى بلده لكونهن حاذقة سريعة السير (سلطان) " فرهة " جمع فاره التى لا عيب فيها، وفى القاموس فره ككرم فراهة وفراهية: حذق فهو فاره بين الفروهة والجمع فره كركع وسكرة وسفرة، وغرضه عليه السلام أن سبب اخراجهن من مكة إلى الكوفة لعله كان حذاقتهن في ايصال الكتب ونحو ذلك. (المرآة)

(٤) لعله محمول على ما إذا لم يمكن اعادتها وظاهر كلام الشيخ في التهذيب أن بمجرد الاخراج يلزمه الدم، وظاهر الاكثر انه انما يلزم إذا تلفت (المرآة) والامر بوجوب الفداء لانها وان كانت من المدينة لكن بادخالها الحرم صارت من الحرم ويحرم اخراجها منه. (م ت)

٢٥٩

عن شراء القماري(١) بمكة والمدينة فقال: ما احب أن يخرج منها شئ ".(٢)

٢٣٥٩ - وروى حريز، عن زرارة " أن الحكم سأل أبا جعفر عليه السلام عن رجل اهدي له في الحرم حمامة مقصوصة " فقال: انتفها وأحسن علفها(٣) حتى إذا استوى ريشها فخل سبيلها ".

٢٣٦٠ - وروى حريز، عن محمد بن مسلم قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل اهدي له حمام أهلي وجئ به وهو في الحرم محل، قال: إن أصاب منه شيئا فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه".(٤)

٢٣٦١ - وروى صفوان بن يحيى، عن عبدالرحمن بن الحجاج قال: " سألت أبا - عبدالله عليه السلام(٥) عن رجل رمى صيدا في الحل وهو يؤم الحرم فيما بين البريد والمسجد فأصابه في الحل فمضى برميته حتى دخل الحرم فمات من رميته هل عليه جزاء؟ فقال: ليس عليه جزاء إنما مثل ذلك مثل من نصب شركا في الحل إلى جانب الحرم فوقع فيه صيد فاضطرب حتى دخل الحرم فمات فليس عليه جزاؤه لانه نصب حيث نصب وهو له حلال، ورمى حيث رمى وهو له حلال فليس عليه فيما كان بعد ذلك شئ فقلت: هذا القياس عند الناس، فقال: إنما شبهت لك الشئ بالشئ لتعرفه ".

٢٣٦٢ - وروى المثنى، عن كرب الصيرفي قال: " كنا جميعا فاشترينا طيرا فقصصناه فدخلنا به مكة فعاب ذلك أهل مكة فأرسل كرب إلى أبي عبدالله عليه السلام فسأله فقال: استودعوه رجلا من أهل مكة مسلما أو امرأة [مسلمة] فإذا استوى

___________________________________

(١) القمارى: طائر معروف حسن الصوت أصغر من الحمام، واحده قمرى.

(٢) ظاهره جواز اخراج القمارى مع كراهة وهو مشكل والحرام غير محبوب و اطلاقه على الحرام غير عزيز في الاخبار والاحتياط في الترك. (م ت)

(٣) لا خلاف فيه ولو أخرجه فتلف فعليه ضمانة اجماعا. (م ت)

(٤) يظهر منه وجوب القيمة ولو أتلفه بغير رضا صاحبه لزمه قيمته أيضا فانه لا منافاة بينهما. (م ت)

(٥) في الكافى " سألت أبا الحسن موسى عليه السلام، ويمكن أن يكون وقع سؤاله منهما.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640