من لا يحضره الفقيه الجزء ٢

من لا يحضره الفقيه9%

من لا يحضره الفقيه مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 640

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 640 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 267671 / تحميل: 8509
الحجم الحجم الحجم
من لا يحضره الفقيه

من لا يحضره الفقيه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

خلوا سبيله ".(١)

٢٣٦٣ - وروى ابن مسكان، عن إبراهيم بن ميمون قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " رجل نتف حمامة من حمام الحرم(٢) فقال: يتصدق بصدقة على مسكين ويعطي باليد التي نتف بها فإنه قد أوجعه ".

٢٣٦٤ - وروى صفوان، عن منصور بن حازم قال: قلت " لابي عبدالله عليه السلام اهدي لنا طير مذبوح بمكة فأكله أهلنا، فقال: لا يرى به أهل مكة بأسا، قلت: فأي شئ تقول أنت؟ قال: عليهم ثمنه ".

٢٣٦٥ - وروى صفوان، عن عبدالله بن سنان قال: أبوعبدالله عليه السلام: " لا يذبح الصيد في الحرم وإن صيد في الحل ".

٢٣٦٦ - وروى النضر(٣) عن عبدالله بن سنان قال: " سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول في حمام مكة: الطير الاهلي من حمام الحرم(٤) من ذبح منه طيرا فعليه أن يتصدق

___________________________________

(١) مقتضى الرواية جواز ايداعه المسلم ليحفظه إلى أن يكمل واعتبر في المنتهى كونه ثقة لرواية المثنى.

(المرآة)

(٢) كذا في الكافى أيضا، وفى التهذيب " نتف ريشة حمامة من حمامة الحرم " ولذا قطع الاصحاب بأن من نتف ريشة حمامة من حمام الحرم كان عليه صدقة ويجب أن يسلمها بتلك اليد الجانية، وتردد بعضهم فيما لو نتف أكثر من الريشة واحتمل الارش كقوله من الجنايات وتعدد الفدية بتعدده، واستوجه العلامة في المنتهى تكرر الفدية ان كان النتف متفرقا والارش ان كان دفعة، ويشكل الارش حيث لا يوجب ذلك نقصا أصلا، هذا على نسخة التهذيب، وأما على ما في الكافى والمتن يتناول نتف الريشة فما فوقها، ويحتمل أن يكون المراد نتف جميع ريشاتها أو أكثرها ولو نتف ريشة غير الحمامة أو غير الريش قيل: وجب الارش ولا يجب تسليمه باليد الجانية ولا تسقط الفدية بنبات الريش كما ذكره الاصحاب. (المرآة)

(٣) هو النضر بن سويد الثقة والطريق اليه صحيح.

(٤) في الكافى ج ٤ ص ٢٣٥ " الطير الاهلى غير حمام الحرم " ولعل المراد الطير الذى ادخل الحرم من خارجه، وما في المتن أظهر كما في المرآة.

٢٦١

بصدقة أفضل من ثمنه(١) فإن كان محرما فشاة عن كل طير ".

٢٣٦٧ -٠. - وسأل معاوية بن عمار أبا عبدالله عليه السلام " عن طير أهلي أقبل فدخل الحرم، فقال: (لا يؤخذ) ولا يمس لان الله عزوجل يقول: " ومن دخله كان آمنا ".

٢٣٦٨ - وسأل محمد بن مسلم أحدهما عليهما السلام " عن الظبي يدخل الحرم، فقال: لا يؤخذ ولا يمس لان الله عزوجل يقول: " ومن دخله كان آمنا ".

٢٣٦٩ - وروى ابن مسكان، عن يزيد بن خليفة قال: " كان في جانب بيتي مكتل(٢) كان فيه بيضتان من حمام الحرم، فذهب غلامي فكب المكتل وهو لا يعلم أن فيه بيضتين فكسرهما، فخرجت فلقيت عبدالله بن الحسن فذكرت ذلك له فقال تصدق بكفين من دقيق، قال: فلقيت أبا عبدالله عليه السلام بعد فأخبرته فقال لي عليه السلام: عليه ثمن طيرين يطعم به حمام الحرم.

فلقيت عبدالله بن الحسن فأخبرته، فقال: صدق خذ به فإنه أخذ عن آبائه عليهم السلام ".

٢٣٧٠ - وروي عن شهاب بن عبد ربه قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " إني أتسحر بفراخ اتي بها من غير مكة فتذبح في الحرم فأتسحر بها؟ فقال: بئس السحور سحورك أما علمت أن ما أدخلت به الحرم حيا فقد حرم عليك ذبحه وإمساكه(٣) ".

٢٣٧١ - وروى محمد بن حمران عن أبي عبدالله عن أبيه عليهما السلام قال: " كنت مع علي بن الحسين عليهما السلام بالحرم فرآني أوذي الخطاطيف(٤) فقال: يا بني لا تقتلهن ولا تؤذهن فإنهن لا يؤذين شيئا ".

___________________________________

(١) الظاهر أن المراد به الدرهم، حيث كان في ذلك الزمان أكثر من الثمن، فعلى القول بلزوم الثمن يكون الافضل محمولا على الفضل، وقوله " فان كان محرما " أى في الحل أو المعنى فشاة أيضا. (المرآة)

(٢) المكتل كمنبر: الزنبيل الكبير.

(٣) الذى صار سببا لتوهم شهاب هو أنه جيئ به من خارج الحرم فلا يكون من حمام الحرم كما أنه لو خرج من الحرم لا يجوز صيده لانه من الحرم.(م ت)

(٤) أى أريد أن أخرجها لتلويثها البيت غالبا وتعشيشها على أشيائه.

٢٦٢

٢٣٧٢ - وروي عن عبدالرحمن بن الحجاج(١) قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن فرخين مسرولين(٢) ذبحتهما وأنا بمكة، فقال لي: لم ذبحتهما؟ فقلت: جاء‌تني بهما جارية من أهل مكة فسألتني أن أذبحهما فظننت أني بالكوفة ولم أذكر الحرم قال: تصدق بقيمتهما، قلت: كم؟ قال: درهما وهو خير منهما ".

٢٣٧٣ - وسأله زرارة " عن رجل أخرح طيرا من مكة إلى الكوفة، فقال: يرده إلى مكة ".

٢٣٧٤ - وروى المثنى عن محمد بن أبي الحكم قال: قلت لغلام لنا: " هيئ لنا غداء‌نا فأخذ لنا من أطيار مكة فذبحها وطبخها فدخلت على أبي عبدالله عليه السلام فقال: ادفنهن وأفد عن كل طير منهن".

٢٣٧٥ - وروى علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام " في رجل قتل طيرا من طيور الحرم وهو محرم في الحرم، فقال: عليه شاة وقيمة الحمام درهم يعلف به حمام الحرم، وإن كان فرخا فعليه حمل وقيمة الفرخ نصف درهم يعلف به حمام الحرم ".

٢٣٧٦ - وروى الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " لا تشترين في الحرم إلا مذبوحا قد ذبح في الحل، ثم جئ به إلى الحرم مذبوحا فلا بأس به للحلال(٣) ".

٢٣٧٧ - وسأل سعيد بن عبدالله الاعرج أبا عبدالله عليه السلام " عن بيضة نعامة أكلت في الحرم، فقال: تصدق بثمنها(٤) ".

٢٣٧٨ - وروى عبدالرحمن بن الحجاج قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: " في قيمة الحمامة درهم، وفي الفرخ نصف درهم، وفي البيضة ربع درهم(٥) ".

___________________________________

(١) الطريق اليه حسن ورواه الشيخ والكلينى في الكافى ج ٤ ص ٢٣٧ في الصحيح.

(٢) حمام مسرول الذى في رجليه ريش كأنه سراويل.

(٣) يدل على جواز أكل المحل في الحرم ما ذبح في الحل وأدخل الحرم وفى معناه أخبار كثيرة. (م )

(٤) حمل على ما إذا كان محلا وكانت البيضة من نعام الحرم.(المرآة)

(٥) رواه الكلينى ج ٤ ص ٢٣٤ والشيخ في التهذيب في الصحيح عن حفص بن البخترى عنه عليه السلام.

٢٦٣

باب ما يجوز أن يذبح في الحرم ويخرج به منه

٢٣٧٩ - روى ابن مسكان، عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " لا يذبح في الحرم إلا الابل والبقر والغنم والدجاج(١) ".

٢٣٨٠ - وسأله معاوية بن عمار " عن دجاج الحبش، فقال: ليس من الصيد إنما الطير ما طار بين السماء والارض وصف(٢) ".

٢٣٨١ - وقال جميل بن دراج: ومحمد بن مسلم: " سئل أبوعبدالله عليه السلام عن الدجاج السندي يخرج به من الحرم؟ فقال: نعم لانها لا تستقل بالطيران " وفي خبر آخر " أنها تدف دفيفا "(٣) .

٢٣٨٢ - وسأله(٤) الحسين بن الصيقل " عن دجاج مكة وطيرها، فقال: ما لم يصف فكله، وما كان يصف فخل سبيله".

٢٣٨٣ - وسئل الصادق عليه السلام عن رجل أدخل فهده إلى الحرم أله أن يخرجه؟ فقال: هو سبع فكلما أدخلت من السبع الحرم أسيرا فلك أن تخرجه ".

___________________________________

(١) أى مما يؤكل لحمه كما هو الظاهر فلا ينافى في جواز قتل بعض ما لا يؤكل لحمه و اما استثناء الاربعة فموضع وفاق.(المرآة)

(٢) " دجاج الحبش " قيل انه طائر أغبر اللون في قدر الدجاج الاهلى أصله من البحر ويظهر من كلام بعض أن كل دجاج أصله من الحبش " فقال ليس من الصيد " بل هو ما كان ممتنعا بالطيران.

والدجاج وان كان يطير لكن ليس له صفيف مثل ما للحمام بل له دفيف فقط.(م ت)

(٣) روى الكلينى في الحسن كالصحيح عن معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام " ما كان يصف من الطير فليس لك أن تخرجه وما كان لا يصف فلك أن تخرجه " فان كان مراده هذا الخبر فالنقل بالمعنى ويمكن أن يكون خبرا آخر. (م ت)

(٤) هذه الاضمارات من المصنف اختصارا لا أنه مضمر كما فهمه بعض.(م ت)

٢٦٤

٢٣٨٤ - وروى عنه عليه السلام معاوية بن عمار أنه قال: " لا بأس بقتل النمل(١) والبق في الحرم، وقال: لا بأس بقتل القملة في الحرم وغيره ".

٢٣٨٥ - وروى عبدالله بن سنان عنه عليه السلام أنه قال: " كلما لم يصف من الطير فهو بمنزلة الدجاج ".

باب ما جاء في السفر إلى الحج وغيره من الطاعات

٢٣٨٦ - روى عمرو بن أبي المقدام عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " في حكمة آل داود عليه السلام: أن على العاقل أن لا يكون ظاعنا(٢) إلا في ثلاث: تزود لمعاد، أو مرمة لمعاش(٣) ، أو لذة في غير محرم ".

٢٣٨٧ - وروى السكوني باسناده(٤) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: سافروا تصحوا وجاهدوا تغنموا، وحجوا تستغنوا ".

٢٣٨٨ - وروى جعفر بن بشير(٥) عن إبراهيم بن الفضل عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا سبب الله عزوجل لعبد الرزق في أرض جعل له فيها حاجة ".

___________________________________

(١) في بعض النسخ " النحل " لكن في التهذيب بسندين صحيحين " النمل " وهو أظهر، وسيجيئ النهى عن قتل النحل مطلقا.

ويمكن أن يكون القمل وهو بالتخفيف ما يكون في بدن الانسان.

والقملة بالتشديد ما يكون في الحيوان وسيجيئ حكمها.

(٢) أى مسافرا أو يخرج من منزله.

(٣) أى اصلاح لما يعيش به والعيش الحياة.

(٤) يعنى عن أبى عبدالله عن آبائه عليهم السلام.

(٤) الطريق اليه صحيح وهو ثقة وابراهيم بن الفضل أسند عنه ولم يوثق لكن اعتمد عليه الفضلاء.

٢٦٥

باب الايام والاوقات التى يستحب فيها السفر، والايام والاوقات التى يكره فيها السفر

٢٣٨٩ - روى حفص بن غياث النخغي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " من أراد سفرا فليسافر يوم السبت، فلو أن حجرا زال عن جبل في يوم السبت لرده الله عزوجل إلى مكانه، ومن تعذرت عليه الحوائج فليلتمس طلبها يوم الثلاثاء فإنه اليوم الذي ألان الله عزوجل فيه الحديد لداود عليه السلام(١) ".

٢٣٩٠ - وروى إبراهيم بن أبي بحيى المديني عنه عليه السلام أنه قال: " لا بأس بالخروج في السفر ليلة الجمعة ".

٢٣٩١ - وروى عبدالله بن سليمان عن أبي جعفر عليه السلام قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله يسافر يوم الخميس ".

٢٣٩٢ - وقال عليه السلام: " يوم الخميس يوم يحبه الله ورسوله وملائكته ".

٢٣٩٣ - وكتب بعض البغداديين إلى أبي الحسن الثاني عليه السلام " يسأله عن الخروج يوم الاربعاء لا يدور(٢) فكتب عليه السلام: من خرج يوم الاربعاء لا يدور خلافا على أهل الطيرة وقي من كل آفة، وعوفي من كل عاهة، وقضى الله عزوجل له حاجته ".

٢٣٩٤ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " عليكم بالسير بالليل، فإن الارض تطوى بالليل ".

٢٣٩٥ - وفي رواية جميل بن دراج: وحماد بن عثمان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " الارض تطوى من آخر الليل ".

___________________________________

(١) رواه المصنف إلى هنا في الخصال عن محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن سعد بن عبدالله، عن القاسم بن محمد الاصبهانى، عن المنقرى، عن حفص بن غياث وكان عاميا.

ورواه الكلينى في الروضة ص ١٤٣ مسندا عن القاسم بن محمد عن المنقرى عن حفص.

(٢) الاربعاء لا يدور آخر أربعاء من الشهر والجملة صفة ليوم الاربعاء.

وقيل: هو أربعاء آخر الصفر.

٢٦٦

٢٣٩٦ - وروى محمد بن يحيى الخثعمي عنه عليه السلام: " لا تخرج يوم الجمعة في حاجة فإذا كان يوم السبت وطلعت الشمس فاخرج في حاجتك ".

٢٣٩٧ - وسأل أبوأيوب الخزاز: وعبدالله بن سنان أبا عبدالله عليه السلام " عن قول الله عزوجل: " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله " فقال عليه السلام: الصلاة يوم الجمعة والانتشار يوم السبت(١) ".

٢٣٩٨ - وقال عليه السلام: " السبت لنا والاحد لبني امية ".

٢٣٩٩ - وقال عليه السلام: " لا تسافر يوم الاثنين ولا تطلب فيه حاجة ".

٢٤٠٠ - وروي عن أبي أيوب الخزاز أنه قال: " أردنا أن نخرج فجئنا نسلم على أبي عبدالله عليه السلام فقال: كأنكم طلبتم بركة الاثنين؟ قلنا: نعم، قال: فأي يوم أعظم شؤما من يوم الاثنين فقدنا فيه نبينا صلى الله عليه وآله وارتفع الوحي عنا، لا تخرجوا يوم الاثنين واخرجوا يوم الثلاثاء ".

٢٤٠١ - وروى محمد بن حمران، عن أبيه عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " من سافر أو تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى ".

٢٤٠٢ - وروى [عن] عبدالملك بن أعين قال: " قلت لابي عبدالله عليه السلام: إني قد ابتليت بهذا العلم فاريد الحاجة، فإذا نظرت إلى الطالع ورأيت الطالع الشر جلست ولم أذهب فيها، وإذا رأيت الطالع الخير ذهبت في الحاجة، فقال لي: تقضي(٢) ؟ قلت: نعم: قال: أحرق كتبك(٣) ".

___________________________________

(١) تقدم الحديث ج ١ تحت رقم ١٢٥٣.

(٢) أى تحكم بأن للنجوم تأثيرا تعلمه أو لذلك الطالع أثرا، أو صنعت في ذلك كتبا.

(٣) أى لا تعتقد بما تظن من ذلك وان كان للنجوم تأثيرا ما لكن لا تعلمه أنت ولا أقر انك لانكم لا تحيطون بذلك علما " وما اوتيتم من العلم الا قليلا " قال المولى المجلسى رحمه الله اعلم أنه ورد في الاخبار الكثيرة في الكافى وغيره بأن للنجوم تأثيرا وروى في أخبار كثيرة تهديدات شديدة في تعليمها وتعلمها ولا أعلم خلافا بين أصحابنا في حرمتها، والذى يظهر من الاخبار أن النهى اما لسد باب الاعتقاد فانه يفضى بانها مستبدة في التأثير وهى المؤثرة كما قاله كفرة المنجمين وهم طائفتان فطائفة لا يقولون بالواجب بالذات بل يقولون انها الواجب، وطائفة يقولون بهما وهم مشركون، فلما كان هذا العلم يفضى إلى هذه الاعتقادات الفاسدة نهى الشارع عن تعلمها وتعليمها لئلا يفضى اليها، واما بالنظر إلى الموحدين الذين يقولون بحدوثها وأن لها تأثير السقمونيا والفلفل ولا شعور لها أو قيل بشعورها وتأثيرها لكنها مسخرات =

٢٦٧

٢٤٠٣ - وروى سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال: " الشؤم للمسافر في طريقه في ستة(١) الغراب الناعق عن يمينه، والكلب الناشر لذنبه(٢) والذئب العاوي الذي يعوي في وجه الرجل وهو موقع على ذنبه يعوي ثم يرتفع(٣) ثم ينخفض ثلاثا، والظبي السانح من يمين إلى شمال(٤) والبومة الصارخة، والمرأة الشمطاء(٥) تلقى فرجها، والاتان العضباء يعني الجدعاء(٦) فمن أوجس في

___________________________________

= بتسخير الواجب بالذات، فالظاهر أن هذا الاعتقاد على سبيل الاجمال لا يضر، واما بالتفضيل الذى يقوله المنجمون فانه وهم محض وقول بما لا يعلم لانه لا يمكن الاحاطة به الا من علمه الله تعالى من الانبياء والائمة صلوات الله عليهم أجمعين ولهذا ورد عن الصادق عليه السلام قال: " انكم تنظرون في شئ كثيره لا يدرك وقليله لا ينفع".

(١) كذا مع أن المعدود سبعة وفى الخصال والمحاسن خمسة.

(٢) أى الرافع لذنبه.

(٣) أى نفسه أو ذنبه أو صوته " ثم ينخفض ثلاثا " أى إذا فعل الفعلات ثلاث مرات فهو شوم.

(٤) سنح لى الظبى يسنح سنوحا إذا مر من مياسرك إلى ميامنك، والعرب تتيمن بالسانح وتتشأم بالبارح. (الصحاح)

(٥) الشمطاء هى التى اختلط شيبها بالشباب، أو بياض شعرها بالسواد وذهب خيرها.

وقوله " تلقى فرجها " في الكافى ج ٨ ص ٣١٥ " تلقاء فرجها " وهو في الجميع تصحيف والصواب " تلقاء وجهها " أى شعر ناصيتها بياض مخلوط بالسواد.

وقيل في معنى لفظ المتن أقوال لا يخلو جميعها من الركاكة.

(٦) الجدعاء أى المقطوعة الاذن وفسرها بالجدعاء لئلا يتوهم أن المراد المشوقة الاذن.

٢٦٨

نفسه منهن شيئا فليقل: " اعتصمت بك يا رب من شر ما أجد في نفسي فاعصمني من ذلك " قال: فيعصم من ذلك "

باب افتتاح السفر بالصدقة

٢٤٠٤ - روى الحسن بن محبوب، عن عبدالرحمن بن الحجاج قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: " تصدق واخرج أي يوم شئت ".

٢٤٠٥ - وروي عن حماد بن عثمان قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " أيكره السفر في شئ من الايام المكروهة مثل الاربعاء وغيره؟ فقال: افتتح سفرك بالصدقة واخرج إذا بدالك، واقرأ آية الكرسي واحتجم إذا بدالك(١) ".

٢٤٠٦ - وروي عن ابن أبي عمير أنه(٢) قال: " كنت أنظر في النجوم وأعرفها(٣) وأعرف الطالع، فيدخلني من لك شئ فشكوت ذلك إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام، فقال: إذا وقع في نفسك شئ فتصدق على أول مسكين ثم امض، فإن الله عز وجل يدفع عنك(٤) ".

٢٤٠٧ - وروى كردين عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " من تصدق بصدقة إذا أصبح دفع الله عزوجل عنه نحس ذلك اليوم ".

___________________________________

(١) في الكافى والمحاسن والتهذيب عن حماد عنه عليه السلام " افتتح سفرك بالصدقة و اقرأ آية الكرسى إذا بدالك " فيكون قراء‌تها للسفر لا للحجامة، ويمكن أن يكون حماد سمعه مرتين، والذى رواه المصنف رحمه الله غير مارووه.

(٢) فيه سقط وفى المحاسن ص ٣٤٩ باسناده عن ابن أبى عمير، عن ابن اذينة، عن سفيان ابن عمر قال: كنت أنظر في النجوم الخ ".

(٣) التعبير بالماضى اشارة إلى أنه تارك له.

(٤) ظاهر الخبر أنه عليه السلام لا ينهى عنه، ويمكن أن يكون عدم النهى لعدم المفسدة في مثله.

٢٦٩

٢٤٠٨ - وروى هارون بن خارجة، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: " كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا أراد الخروج إلى بعض أمواله اشترى السلامة من الله عزوجل بما تيسر له، ويكون ذلك إذا وضع رجله في الركاب، فإذا سلمه الله عزوجل وانصرف حمد الله تعالى وشكره وتصدق بما تيسر له ".

باب حمل العصا في السفر

٢٤٠٩ - قال أمير المؤمنين عليه السلام: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من خرج في السفر ومعه عصا لوزمر(١) وتلا هذه الآية: " ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل - إلى قول الله عزوجل - والله على ما نقول وكيل " آمنه الله عز وجل من كل سبع ضار(٢) ومن كل لص عاد، وكل ذات حمة(٣) حتى يرجع إلى أهله و منزله، وكان معه سبعة وسبعون من المعقبات(٤) يستغفرون له حتى يرجع ويضعها ".

٢٤١٠ - وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " حمل العصا ينفي الفقر ولا يجاوره الشيطان"(٥)

٢٤١١ - وقال عليه السلام: " من أراد أن تطوى له الارض فليتخذ النقد من العصا والنقد عصا لوزمر - ".

٢٤١٢ - وقال عليه السلام: " تعصوا فإنها من سنن إخواني النبيين وكانت بنو إسرائيل الصغار والكبار يمشون على العصا حتى لا يختالوا في مشيهم ".

___________________________________

(١) أعم من الجبلى والبستانى والمسموع من المشايخ الاول.(م ت)

(٢) أى معتاد الصيد خصوصا بالانسان كالاسد.

(٣) مخففة: السم، وقرء بالتشديد، والتخفيف أفصح، وقيل: المراد بالحمة ابرة العقرب ونحوها.

(٤) المعقبات الملائكة الذين يجيئ بعضهم عقيب بعض للحفظ.

(٥) " لا يجاوره " في بعض النسخ بالحاء المهملة.

٢٧٠

باب ما يستحب للمسافر من الصلاة إذا أراد الخروج

٢٤١٣ - قال رسول الله صلى الله عليه وآله(١) : ما استخلف رجل على أهله بخلافة أفضل من ركعتين يركعهما إذا أراد الخروج إلى سفره ويقول: " اللهم إني أستودعك نفسي وأهلي ومالي وذريتي(٢) ودنياي وآخرتي وأمانتي وخاتمة عملي " فما قال ذلك أحد إلا أعطاه الله عزوجل ما سأل ".

وسيأتي ذلك في أول باب سياق المناسك في هذا الكتاب عند انتهائي إليه إن شاء الله تعالى.

باب ما يستحب للمسافر من الدعاء عند خروجه في السفر

٢٤١٤ - روى موسى بن القاسم البجلي، عن صباح الحذاء قال: " سمعت موسى بن جعفر عليهما السلام يقول: لو كان الرجل منكم إذا أراد سفرا أقام على باب داره تلقاء الوجه الذي يتوجه إليه فقراء فاتحة الكتاب أمامه وعن يمينه وعن شماله، وآية الكرسى أمامه وعن يمينه وعن شماله، ثم قال: (اللهم احفظني واحفظ ما معي وسلمني وسلم ما معي وبلغني وبلغ ما معي ببلاغك الحسن) لحفظه الله ولحفظ ما معه وسلمه الله وسلم ما معه وبلغه الله وبلغ ما معه، قال: ثم قال: يا صباح أما رأيت الرجل يحفظ ولا يحفظ ما معه ويسلم ولا يسلم مامعه ويبلغ ولا يبغ ما معه؟ قلت: بلى جعلت فداك).

٢٤١٥ - (وكان الصادق عليه السلام إرا أراد سفرا قال: (اللهم خل سبيلنا وأحسن

___________________________________

(١) رواه الكلينى باسناده عن السكونى ج ٤ ص ٢٨٣ والشيخ في التهذيب.

(٢) في التهذيب (مالى ودينى ودنياى وآخرتى).

٢٧١

تسييرنا وأعظم عافيتنا ".

٢٤١٦ - وروى علي بن أسباط عن أبي الحسن الرضا عليه السلام(١) قال: قال لي: " إذا خرجت من منزلك في سفر أو حضر فقل: " بسم الله، آمنت بالله، توكلت على الله ما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله " فتلقاه الشياطين(٢) فتضرب الملائكة وجوهها وتقول: ما سبيلكم عليه(٣) وقد سمى الله عزوجل وآمن به وتوكل على الله، وقال ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله ".

٢٤١٧ - وروى أبوبصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: " من قال حين يخرج من باب داره(٤) : " أعوذ بالله مما عاذت منه ملائكة الله من شر هذا اليوم، ومن شر الشياطين، ومن شر من نصب لاولياء الله عزوجل، ومن شر الجن والانس، ومن شر السباع والهوام ومن شر ركوب المحارم كلها اجير نفسي بالله من كل شر " غفر الله له، وتاب عليه(٥) وكفاه المهم، وحجزه عن السوء وعصمه من الشر ".

باب القول عند الركوب

٢٤١٨ - " كان الصادق عليه السلام(٦) إذا وضع رجله في الركاب يقول: " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين "(٧) ويسبح الله سبعا، ويحمد الله سبعا، ويهلل الله سبعا.

٢٤١٩ - وروي عن الاصبغ بن نباتة أنه قال: " أمسكت لامير المؤمنين عليه السلام

___________________________________

(١) رواه الكلينى ج ٢ ص ٥٤٣ باسناده عن الحسن بن الجهم عنه عليه السلام.

(٢) فيه حذف يعنى من قال ذلك تلقاه الشياطين، وفى الكافى " فتنصرف وتضرب الملائكة ".

(٣) الضمير المؤنث في " وجوهها " للشياطين و " ما " موصولة أى أى سلطة لكم عليه.

(٤) في السفر والحضر كما يقتضيه الاطلاق.

(٥) أى قبل توبته أو وفقه للتوبة، والحجز: المنع والفعل كينصر.

(٦) رواه البرقى بسند قوى في المحاسن ص ٣٥٣.

(٧) أى مطيقين لتسخيره، قادرين عليه بدون تسخيرك اياه لنا. (م ت)

٢٧٢

بالركاب وهو يريد أن يركب فرفع رأسه ثم تبسم فقلت: يا أمير المؤمنين رأيتك رفعت رأسك وتبسمت، قال: نعم يا أصبغ أمسكت لرسول الله صلى الله عليه وآله كما أمسكت لي فرفع رأسه [إلى السماء] وتبسم، فسألته كما سألتني وساخبرك كما أخبرني أمسكت لرسول الله صلى الله عليه وآله الشهباء فرفع رأسه إلى السماء وتبسم فقلت: يا رسول الله رفعت رأسك إلى السماء وتبسمت فقال: يا علي إنه ليس من أحد يركب ما أنعم الله عليه ثم يقرأ آية السخرة(١) ثم يقول: " استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، اللهم اغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " إلا(٢) قال السيد الكريم: يا ملائكتي عبدي يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري اشهدوا أني قد غفرت له ذنوبه ".

باب ذكر الله عزوجل والدعاء في المسير

٢٤٢٠ - روى معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله في سفره إذا هبط سبح، وإذا صعد كبر(٣) ".

٢٤٢١ - وروى العلاء، عن أبي عبيدة عن أحدهما عليهما السلام قال: " إذا كنت في سفر فقل: " اللهم اجعل مسيري عبرا، وصمتي تفكرا، وكلامي ذكرا ".

٢٤٢٢ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله(٤) : " والذي نفس أبي القاسم بيده ما هلل

___________________________________

(١) " آية السخرة " هى قوله تعالى " ان ربكم الله الذى خلق السموات والارض إلى قوله: رب العالمين ".

والمشهور إلى قوله. " انه لا يحب المعتدين " للتصريح في بعض الروايات (م ت) وهى في الاعراف ٥٤ ولعل المراد هنا ما ذكر في الخبر السابق قوله تعالى " سبحان الذى سخر " وقيل: المراد من آية السخرة آيتان في آخر حم السجدة: " سنريهم آياتنا " ولا يخفى أن الضمير الجمع البارز في قوله " سنريهم " راجع إلى المشركين الضالين المعاندين، لا المسلمين الموحدين والآية في مقام التخويف بلا مرية كما صرح به في الكافى والارشاد وتفسير على ابن ابراهيم في روايات عن الصادق والكاظم عليهما السلام فسراها بالاسقام والآفات الدنيوية وعليه فلا مناسبة لها ههنا وقول القيل مبتن على الوهم.

(٢) استثناء من قوله: " ليس من أحد ".

(٣) لا يخفى مناسبة التسبيح في الهبوط والتكبير في الصعود. (م ت)

(٤) مروى في المحاسن ص ٣ ٣٥ بسند مرفوع عن الصادق عن النبى صلى الله عليه وآله بأدنى اختلاف.

٢٧٣

[الله] مهلل، ولا كبر [الله] مكبر على شرف من الاشراف إلا هلل ما خلفه وكبر ما يديه بتهليله وتكبيره حتى يبلغ مقطع التراب ".

باب ما يجب على المسافر في الطريق من حسن الصحابة، وكظم الغيظ، و... حسن الخلق، وكف الاذي، والورع

٢٤٢٣ - روي عن أبي الربيع الشامي قال: " كنا عند أبي عبدالله عليه السلام والبيت غاص بأهله(١) فقال: ليس منا من لم يحسن صحبة من صحبه، ومرافقة من رافقه وممالحة من مالحه، ومخالقة من خالقه(٢) ".

٢٤٢٤ - وروى صفوان الجمال عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " كان أبي عليه السلام يقول: ما يعبؤ بمن يؤم هذا البيت(٣) إذا لم يكن فيه ثلاث خصال: خلق يخالق به من صحبه، وحلم يملك به غضبه، وورع يحجزه عن محارم الله عزوجل ".

٢٤٢٥ - وقال الصادق عليه السلام: " ليس من المروء‌ة أن يحدث الرجل بما يلقى في السفر من خير أو شر "(٤) .

٢٤٢٦ - وروي عن عمار بن مروان الكلبي قال: أوصاني أبوعبدالله عليه السلام

___________________________________

(١) أى ممتلئ بأهله.

وقوله: " ليس منا " أى من شيعتنا أو من خواصهم.

(٢) في المغرب " الممالحة: المؤاكلة، ومنها قولهم " بينهما حرمة الملح والممالحة وهى المراضعة ".

والمخالقة: المعاشرة.

وفى بعض النسخ " مخالفة من خالفه " وقال المولى المجلسى: أى مخالفة من خالفه في الدين الا مع التقية ولو لم يكن في الدين فينبغى أن لا يخالف إلى حد لا يبقى طريق الاصلاح.

(٣) أى ما أبالى به ولا أرى به وزنا.

(٤) أى من خبر صنعه هو لغيره ومن شر صنعه غيره به، أو يكون ذكر الخير استتباعا للشر، فان ذكر محاسن الرفقاء حسن وانما يقبح نقل مساويهم.

(٥) بنو كلب قبيلة من العرب ووصفه بالكلبى موجود في المحاسن وليس في الكافى، و في الرجال اليشكرى، والخبر صحيح.

٢٧٤

فقال: " أوصيك بتقوى الله، وأداء الامانة، وصدق الحديث، وحسن الصحبة لمن صحبك، ولا قوة إلا بالله ".

٢٤٢٧ - وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: " من خالطت فإن استطعت أن يكون يدك العليا عليه(١) فافعل ".

باب تشييع المسافر وتوديعه والدعاء له

٢٤٢٨ - " لما شيع أمير المؤمنين عليه السلام أبا ذر - رحمة الله عليه - شيعه الحسن والحسين عليهما السلام، وعقيل بن أبي طالب، وعبدالله بن جعفر، وعمار بن ياسر، قال أمير المؤمنين عليه السلام: ودعوا أخاكم فإنه لابد للشاخص(٣) أن يمضي وللمشيع من أن يرجع، فتكلم كل رجل منهم على حياله(٤) فقال الحسين بن علي عليهما السلام: رحمك الله يا أبا ذر إن القوم إنما امتهونك بالبلاء(٥) لانك منعتهم دينك فمنعوك دنياهم، فما أحوجك غدا إلى ما منعتهم وأغناك عما منعوك، فقال أبوذر: رحمكم الله من أهل بيت فمالي شجن(٦) في الدنيل غيركم، إني إذا ذكرتكم ذكرت بكم جدكم رسول الله صلى الله عليه وآله(٧) ".

___________________________________

(١) بأن تزيد عليه في المال والخدمة والتواضع فافعل بشرط أن لا تذله ولا تفقره.

(٢) رواه البرقى في المحاسن ص ٣٥٣ مسندا عن أبى عبدالله عليه السلام.

(٣) الشاخص: المسافر.

(٤) أى منفردا أو تلقاء وجهه.

(٥) كذا في النسخ وفى المحاسن ص ٣٥٤، أيضا والامتهان الابتذال للخدمة.

وفى الكافى ج ٨ ص ٢٠٧ تحت رقم ٢٥١ نحوه بتفصيل وفيه " امتحنوك بالبلاء ".

(٦) في الكافى " ومالى بالمدينة شجن ولا سكن " والشجن بالتحريك: الحاجة، والسكن بالتحريك ما يسكن اليه.

(٧) في الكافى نقل كلام أمير المؤمنين عليه السلام أولا، ثم كلام عقيل، ثم الحسن، ثم الحسين عليهما السلام وفى آخره كلام عمار فبعد ذلك كلام أبى ذر جوابا لهم.

٢٧٥

٢٤٢٩ - و " كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا ودع المؤمنين قال: زودكم الله التقوى، ووجهكم إلى كل خير، وقضى لكم كل حاجة، وسلم لكم دينكم ودنياكم، وردكم سالمين إلى سالمين(١) ".

٢٤٣٠ - وفي خبر آخر(٢) عن أبي جعفر عليه السلام قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا ودع مسافرا أخذ بيده، ثم قال: أحسن الله لك الصحابة، وأكمل لك المعونة، وسهل لك الحزونة(٣) وقرب لك البعيد، وكفاك المهم، وحفظ لك دينك وأمانتك و خواتيم عملك، ووجهك لكل خير، عليك بتقوى الله، إستودع الله نفسك، سر على بركة الله عزوجل ".

باب ما يقول من خرج وحده في سفر

٢٤٣١ - روى بكر بن صالح، عن سليمان بن جعفر عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام قال: " من خرج وحده في سفر(٤) فليقل: ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم آنس وحشتي، وأعني على وحدتي، وأد غيبتي"(٥) .

باب كراهة الوحدة في السفر

٢٤٣٢ - روى علي بن أسباط، عن عبدالملك بن مسلمة، عن السري بن خالد

___________________________________

(١) رواه البرقى في المحاسن ص ٣٥٤ باسناده عن ابن مسكان عن أبى عبدالله (ع)، وقوله " سالمين إلى سالمين " أى ردكم بالسلامة إلى عيالاتكم وهم سالمون أو الينا ونحن سالمون.

(٢) رواه البرقى ص ٣٥٤ أيضا باسناده عن عبدالرحيم عن أبى جعفر عليه السلام.

(٣) الحزونة بضم المهملة غلاظة الارض.

(٤) أى خرج ولم يكن له رفيق يسافر معه.

(٥) بأن أرجع سالما عنها، مجاز في الاسناد أى أدنى عن غيبتى. (م ت)

٢٧٦

عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا أنبئكم بشر الناس؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من سافر وحده، ومنع رفده(١) وضرب عبده ".

٢٤٣٣ - وقال أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: " في وصية رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام لا تخرج في سفر وحدك فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، يا علي إن الرجل إذا سافر وحده فهو غاو، والاثنان غاويان، والثلاثة نفر - وروى بعضهم: سفر - "(٢) .

٢٤٣٤ - وروى إبراهيم بن عبدالحميد، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثة: الآكل زاده وحده، والنائم في بيت وحده، والراكب في الفلاة وحده(٣) ".

٢٤٣٥ - وروى محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر قال: " كنت عند أبي عبدالله عليه السلام بمكة إذ جاء‌ه رجل من المدينة فقال له: من صحبك؟ فقال: ما صحبت أحدا فقال له أبوعبدالله عليه السلام: أما لو كنت تقدمت إليك لاحسنت أدبك(٤) ثم قال: واحد شيطان، واثنان شيطانان، وثلاثة صحب، وأربعة رفقاء(٥) ".

___________________________________

(١) الرفد بالكسر: العطاء أى عطاه من الواجبات أو الاعم (م ت) و " ضرب عبده " أى من غير سيئة.

(٢) النفر بالتحريك: عدة رجال من الثلاثة إلى العشرة (الصحاح) والسفر بفتح المهملة وسكون الفاء: جمع سافر مثل صحب وصاحب.(النهاية)

(٣) مبالغة في النهى عن تلك الافعال لكونها خلاف المروء‌ة والحزم.

(٤) أى لو كنت رأيتك قبل السفر لعلمتك آدابه (م ت) أو المعنى لو كنت عندك حين أقدمت على السفر بدون صاحب لضربتك، وفيه مبالغة في أنه ارتكب أمرا شنيعا.(مراد)

(٥) روى الكلينى في الكافى ج ٦ ص ٥٣٣ باسناده عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السلام قال: ان الشيطان أشد مايهم بالانسان حين يكون وحده خاليا لا أرى أن يرقد وحده ".

وعن الحلبى عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " ان الشيطان أشد مايهم بالانسان إذا كان وحده فلا تبيتن وحدك ولا تسافرن وحدك " (ج ٦ ص ٥٣٤).

٢٧٧

باب الرفقاء في السفر ووجوب حق بعضهم على بعض

٢٤٣٦ - روى السكوني باسناده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " الرفيق ثم السفر(١) ".

٢٤٣٧ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " ما اصطحب اثنان إلا كان أعظمهما أجرا و أحبهما إلى الله عزوجل أرفقهما لصاحبه(٢) ".

٢٤٣٨ - وقال أمير المؤمنين عليه السلام: " لا تصحبن في سفر من لا يرى لك من الفضل عليه كما ترى له عليك(٣) ".

٢٤٣٩ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من السنة إذا خرج القوم في سفر أن يخرجوا نفقتهم فإن ذلك أطيب لانفسهم وأحسن لاخلاقهم(٤) ".

٢٤٤٠ - وروى إسحاق بن جرير عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " كان يقول: اصحب من تتزين به(٥) ، ولا تصحب من يتزين بك ".

٢٤٤١ - وروى شهاب بن عبد ربه قال: " قلت لابي عبدالله عليه السلام: " قد عرفت

___________________________________

(١) رواه الكلينى ج ٤ ص ٢٨٦ عن على عن أبيه عن النوفلى، عن السكونى، عن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله الخ ".

وفى المحاسن " الرفيق ثم الطريق " كما هو المشهور في الالسنة.

(٢) رواه الكلينى ج ٢ ص ٦٦٩ والبرقى في المحاسن ص ٣٥٧ عن النوفلى عن السكونى عن أبى عبدالله عن آبائه عليهم السلام.

(٣) رواه الكلينى عن السكونى بالسند المتقدم ذكره.

أى اصحب من يعتقد أنك أفضل منه كما تعتقد أنه أفضل منك، وهذا من صفات الكمال لمؤمنين (م ت) وقيل: يحتمل أن يكون الفضل بمعنى الاحسان والتفضل والاول أظهر.

(٤) رواه في المحاسن ص ٣٥٩ بالسند المذكور سابقا والظاهر أن المراد أن يخرج كل منهم مثل ما يخرج الاخر فيتركون المجموع عند أحد وينفقون منه لئلا يتوهم أحد منهم أنه أنفق زائدا عما أنفق صاحبه.

(٥) أى من كان أفضل منك ويصير سببا لكمالك وتزيينك. (مراد)

٢٧٨

حالي وسعة يدي وتوسيعي على إخواني، فأصحب النفر منهم في طريق مكة فاوسع عليهم، قال: لا تفعل يا شهاب فإنك إن بسطت وبسطوا أجحفت بهم(١) ، وإن هم أمسكوا أذللتهم، فاصحب نظراء‌ك، اصحب نظراء‌ك "(٢) .

٢٤٤٢ - وقال أبوجعفر عليه السلام: " إذا صحبت فاصحب نحوك ولا تصحب من يكفيك فإن ذلك مذلة للمؤمن(٣) ".

٢٤٤٣ - وروى أبوخديجة عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " البائت في البيت وحده شيطان، والاثنان لمة، والثلاثة أنس(٤) ".

٢٤٤٤ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " أحب الصحابة إلى الله عزوجل أربعة، وما زاد قوم على سبعة إلا كثر لغطهم(٥) ".

٢٤٤٥ - وقال الصادق عليه السلام: " حق المسافر أن يقيم عليه إخوانه إذا مرض ثلاثا(٦) ".

٢٤٤٦ - وروى عبدالله بن أبي يعفور عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما من نفقة أحب إلى الله من نفقة قصد، ويبغض الاسراف إلا في حج أو عمرة(٧) ".

___________________________________

(١) أجحفت بهم بتقديم الجيم أى أفقرتهم وأحوجتهم بسبب صرفهم الزيادة عن شأنهم.

(٢) " اصحب نظراء‌ك " تأكيد للاول وليس في الكافى والمحاسن.

(٣) رواه الكلينى في الكافى ج ٤ ص ٢٨٦ والبرقى في المحاسن بسند فيه ارسال.

و قوله " نحوك " أى مثلك في الغنى والفقر، ولا تصحب من يكفيك مؤونتك.

(٤) اللمة بالضم: الصاحب والاصحاب في السفر، والانس محركة: الجماعة الكثيرة، ومن تأنس بع جمع أناس.

(٥) رواه الكلينى في الروضة تحت رقم ٤٦٤ مسندا، واللغط صوت وضجة لا يفهم معناه.

رواه الكلينى ج ٢ ص ٦٧٠ في الصحيح عن يعقوب بن يزيد عن عدة من أصحابنا عن أبى عبدالله عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله.

وقوله ثلاثا أى ثلاثة أيام بلياليها بقرينة التأنيث ولا يلزم أكثر من ذلك للحرج ولان لهم أيضا حقا، هذا إذا كان في بلدة أو سفر يمكنهم الاقامة (م ت)

(٧) القصد: القوام والوسط.

ولا اسراف في الحج لانه لا اسراف في الخير والحج من أعظم الخيرات بشرط أن لا يتعدى حتى يحتاج إلى السؤال.

٢٧٩

باب الحداء والشعر في السفر

٢٤٤٧ - روى السكوني باسناده قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: زاد المسافر الحداء والشعر ما كان منه ليس فيه خنا "(١) .

باب حفظ النفقة في السفر

٢٤٤٨ - روي عن صفوان الجمال قال: " قلت لابي عبدالله عليه السلام: إن معي أهلي وأنا اريد الحج فأشد نفقتي في حقوي؟ قال: نعم فإن أبي عليه السلام كان يقول: من قوة المسافر حفظ نفقته(٢) ".

٢٤٤٩ - وروى علي بن أسباط، عن عمه يعقوب بن سالم قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " تكون معي الدراهم فيها تماثيل وأنا محرم فأجعلها في همياني وأشده في وسطي؟ قال: لا بأس أو ليس هي نفقتك وعليها اعتمادك بعد الله عزوجل؟ ".

باب اتخاذ السفرة في السفر

٢٤٥٠ - قال الصادق عليه السلام: " إذا سافرتم فاتخذوا سفرة وتنوقوا فيها(٣) ".

___________________________________

(١) الحداء نوع من الغناء المجوز تقوله العرب لسوق الابل.

والخنا: الفحش، أى الذى لا يكون فيه هجو للمؤمن أو مدح لامرأة مغنية.

(٢) الحقو: معقد الازار أى أشده في وسطى. وقال المجلسى: ترك استفصاله يدل على جواز الصلاة معها ولو كان دنانير مع أنه لم يرد نهى فيه وليس بتزين للذهب حتى يكون حراما والظاهر من النهى على تقدير صحته هو التزين، وربما يقال بالجواز لانه موضع الضرورة.

(٣) " سفرة " أى طعاما من الخبز والحلو والطير المشوى أو مع الجلد الذى يكون الاطعمة فيه.

" تنوقوا " أى تجودوا وبالغوا في جودة الطعام أو مع السفرة. (م ت)

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

ويمكن ان تكون الجملة( وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ ) لها علاقة بالبرق الذي يصنع هذه الغيوم المليئة بالمياه.

الآية الاخرى تشير الى صوت الرعد الذي يتزامن مع البرق( وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ) (1) .

نعم ، فهذا الصوت المدوّي في عالم الطبيعة يضرب به المثل ، فهو مع البرق في خدمة هدف واحد ولهما منافع متعدّدة كما أشرنا إليها ، ويقومان بعملية التسبيح ، وبعبارة اخرى فالرعد لسان حال البرق يحكي عن عظمة الخالق وعن نظام التكوين. فهو كتاب معنوي ، وقصيدة غرّاء ، ولوحة جميلة وجذّابة ، نظام محكم ومنظّم ومحسوب بدقّة ، وبلسان حاله يتحدّث عن علم ومهارة وذوق الكاتب والرسام والمعمار ويحمده ويثني عليه ، كلّ ذرّات هذا العالم لها اسرار ونظام دقيق. وتحكي عن تنزيه الله وخلوّه من النقص والعيوب (وهل التسبيح غير ذلك؟!).

وتتحدّث عن قدرته وحكمته (وهل الحمد غير بيان صفات الكمال؟!).

وقد احتمل بعض الفلاسفة انّ لكلّ ذرّات هذا العالم نوعا من العقل والشعور ، فهي من خلال هذا العقل تسبّح الله وتقدّسه ، ليس بلسان الحال فقط ، بل بلسان المقال ايضا.

وليس الرعد وسائر اجزاء العالم تسبّح بحمده تعالى ، بل حتّى الملائكة( وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ) (2) فهم يخافون من تقصيرهم في تنفيذ الأوامر الملقاة على عاتقهم ، وبالتالي فهم يخشون العقاب الالهي ، ونحن نعلم انّ الخوف يصيب أولئك الذين يحسّون بمسؤولياتهم ووظائفهم خوف بنّاء يحثّ الشخص على

__________________

(1) للتوضيح اكثر في معنيي التسبيح والتقديس للكائنات سيأتي في ذيل الآية( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) الاسراء ، 44.

(2) يقول الشيخ الطوسيرحمه‌الله في تفسيره التبيان : الخيفة بيان لحالة الشخص امّا الخوف فمصدر.

٣٦١

السعي والحركة.

وللتوضيح اكثر في مجال البرق والرعد تشير الآية الى الصاعقة( وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ ) ومع كلّ ذلك ـ وبمشاهدة آيات العظمة الالهية في عالم التكوين من السّماء والأرض والنباتات والأشجار والبرق والرعد وأمثالها ، وفي قدرة الإنسان الحقيرة تجاه هذه الحوادث ، حتّى في مقابل واحدة منها مثل شرارة البرق ـ نرى انّ هناك جماعة جاهلة تجادل في الله( وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ ) .

«المحال» في الأصل «الحيلة» بمعنى التدبير السرّي وغير الظاهر ، فالذي له القدرة على هذا التدبير يمتلك العلم والحكمة العالية ، ولهذا السبب يستطيع ان ينتصر على أعدائه ولا يمكن الفرار من حكومته.

وذكر المفسّرون وجوها عديدة في تفسير( شَدِيدُ الْمِحالِ ) فتارة بمعنى «شديد القوّة» ، او «شديد العذاب» ، او «شديد القدرة» او «شديد الأخذ»(1) .

الآية الاخيرة تشير الى مطلبين :

الاوّل : قوله تعالى :( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ ) فهو يستجيب لدعواتنا ، وهو عالم بدعاء العباد وقادر على قضاء حوائجهم ، ولهذا السبب يكون دعاؤنا ايّاه وطلبنا منه حقّا ، وليس باطلا.

ولكن دعاء الأصنام باطل( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ ) نعم هكذا في دعوة الباطل ليست اكثر من وهم ، لانّ ما يقولونه من علم وقدرة الأصنام ما هو الّا أوهام وخيال ، او ليس الحقّ هو عين الواقع واصل الخير والبركة؟ والباطل هو الوهم واصل الشرّ والفساد؟ ولتصوير هذا الموضوع يضرب لنا القرآن الكريم مثالا حيّا ورائعا يقول :( إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ

__________________

(1) فسر البعض «المحال» من «المحل ، الماحل» بمعنى المكر والجدال والتصميم على العقوبة ، ولكن ما أشرنا اليه أعلاه هو الصحيح ، والتفسيران قريبا المعنى.

٣٦٢

فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ ) . فهل يستطيع احد ان يجلس على بئر ويطلب الماء بإشارة يد ليبلغ الماء فاه؟ هذا العمل لا يصدر الّا من انسان مجنون!

وتحتمل الآية تفسيرا آخر ، فهي تشبّه المشركين كمن بسط كفّه في الماء ليتجمع فوقها الماء ، وعند خروجها من الماء لم يجد فيها شيئا منه لانّ الماء يتسرّب من بين أصابع الكفّ المفتوحة.

وهناك تفسير ثالث وهو انّ المشركين ـ لحلّ مشاكلهم ـ كانوا يلجأون الى الأصنام ، فمثلهم مثل الذي يحتفظ بالماء في يده ، هل يحفظ الماء في يد؟! وهناك مثل معروف بين العرب لمن يسعى بدون فائدة يقال له : هو كقابض الماء باليد ، ويقول الشاعر :

فأصبحت فيما كان بيني وبينها

من الودّ مثل القابض الماء باليد

ولكنّنا نعتقد انّ التّفسير الاوّل أوضح!

وللتأكيد على هذا الحديث يأتي في نهاية الآية قوله تعالى :( وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ ) وايّ ضلال اكبر من ان يسعى الإنسان ويجتهد في السبيل الضالّ ولكنّه لا يصل الى مقاصده. ولا يحصل على شيء نتيجة تعبه وجهده.

الآية الأخيرة من هذه المجموعة ، ولكي تبرهن كيف انّ المشركين ضلّوا الطريق تقول :( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ) .

* * *

بحوث

1 ـ ما هو المقصود من سجود الكائنات؟

السجدة في هذه الموارد تعني الخضوع والتسليم ، فإنّ جميع الملائكة

٣٦٣

والناس ذوي العقول والأفكار متواضعين لله وخاضعين لأوامره ، وهناك نوعان من السجود ، سجود تكويني وهو انّ الكلّ خاضعون ومسلّمون للقوانين الطبيعيّة مثل الحياة والممات والمرض و و ، والبعض منهم له سجود تشريعي بالاضافة الى السجود التكويني ، فهم بميلهم وإرادتهم يسجدون لله.

2 ـ ما هو معنى( طَوْعاً وَكَرْهاً ) ؟

عبارة( طَوْعاً وَكَرْهاً ) يمكن ان تكون اشارة الى انّ المؤمنين خاضعون لله بميلهم وإرادتهم ، وامّا غير المؤمنين فهم خاضعون كذلك للقوانين الطبيعيّة التي تسير بأمر الله ان شاؤوا وان أبوا.

و (الكره) بضمّ الكاف تعني الكراهية في داخل الإنسان ، و (كره) بفتح الكاف ما حمل عليه الإنسان من خارج نفسه ، وبما انّ الأشخاص غير المؤمنين مقهورون للعوامل الخارجية وللقوانين الطبيعيّة ، استعمل القرآن (كره) بفتح الكاف.

ويحتمل في تفسير( طَوْعاً وَكَرْهاً ) انّ المقصود من «طوعا» هو التوافق والميل الفطري والطبيعي بين الإنسان والأسباب الطبيعيّة (مثل حبّ اي انسان للحياة) والمقصود من «كرها» هو ما فرض على الإنسان من الخارج مثل موت أحد الأشخاص بسبب المرض او اي عامل طبيعي آخر.

3 ـ ما هو معنى كلمة الظلال؟

«الظّلال» جمع «ظل» واستعمال هذه الكلمة في الآية يشير الى انّ المقصود في السجود ليس فقط السجود التشريعي ، فظلال الكائنات ليست خاضعة لارادتهم واختيارهم ، بل هو تسليم لقانون الضوء ، وعلى هذا يكون سجودهم تكويني ، يعني التسليم لقوانين الطبيعيّة.

٣٦٤

وطبيعي ليس المقصود من «الظلال» انّ جميع ما في السّماوات والأرض لها وجود مادّي كي يكون لها ظلال ، ولكن الآية تشير الى تلك الأشياء التي لها ظلال ، فمثلا يقال : انّ جمعا من العلماء وأبنائهم شاركوا في المجلس الكذائي ، وليس المقصود هنا انّ لكلّ العلماء أبناء «فتدبّر».

وعلى ايّة حال فإنّ الظلّ امر عدمي ، وهو ليس اكثر من فقدان النّور ، ولكن له آثارا ووجودا بسبب النّور المحيط به ، ولعلّ الآية تشير الى هذه النقطة ، وهي انّه حتّى الظلال خاضعة لله.

4 ـ ما هو معنى كلوة( الْآصالِ ) ؟

«الآصال» جمع «اصل» وهي جمع «اصيل» ومعناه آخر وقت من النهار ، ولذلك يعتبر اوّل الليل ، والغدو جمع غداة بمعنى اوّل النهار.

ورغم انّ السجود والخضوع للأشياء الكونية في مقابل الأوامر الالهيّة دائمة ومستمرّة في كلّ وقت ، ولكن ذكرها هنا في موقعين (الصبح والعشاء) امّا انّه كناية عن دوام الوقت ، فمثلا تقول : انّ فلانا يطلب العلم صباحا ومساء ، فالمقصود وهو انّه في كلّ وقت يطلب العلم ، وامّا ان يكون المقصود من الآية ما جاء في الكلام عن الظلال والتي تكون واضحة اكثر في اوّل النهار وآخره.

* * *

٣٦٥

الآية

( قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (16) )

التّفسير

لماذا عبادة الأصنام؟

كان البيان في الآيات السابقة عن معرفة الله واثبات وجوده ، وهذه الآية تبحث عن ضلال المشركين والوثنيين وتتناوله من عدّة جهات ، حيث تخاطب ـ اوّلا ـ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث تقول :( قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) ثمّ تأمر النّبي ان يجيب على السؤال قبل ان ينتظر جوابهم( قُلِ اللهُ ) ثمّ انّه يلومهم ويوبّخهم بهذه الجملة( قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا ) .

لقد بيّن ـ اوّلا ـ عن طريق ربوبيته انّه المدبّر والمالك لهذا العالم ، ولكلّ خير

٣٦٦

ونفع من جانبه ، وقادر على دفع اي شرّ وضرّ ، وهذا يعني انّكم بقبولكم لربوبيته يجب ان تطلبوا كلّ شيء من عنده لا من الأصنام العاجزة عن حلّ ايّة مشكلة لكم. ثمّ يذهب الى ابعد من ذلك حيث يقول : انّ هذه الأصنام لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرّا فكيف يمكنها ان تنفعكم او تضرّكم؟ وهم والحال هذه لا يحلّون اي عقدة لكم حتّى لو قمتم بعبادتهم ، فهؤلاء لا يستطيعون تدبير أنفسهم فما ذا ينتظر منهم؟

ثمّ يذكر مثالين واضحين وصريحين يحدّد فيها وضع الافراد الموحّدين والمشركين ، فيقول اوّلا :( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ ) فكما لا يستوي الأعمى والبصير لا يستوي المؤمن والكافر ، ولا يصحّ قياس الأصنام على الخالق جلّ وعلا.

ويقول ثانيا :( أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ ) كيف يمكن ان نساوي بين الظلام الذي يعتبر قاعدة الانحراف والضلال ، وبين النّور المرشد والباعث للحياة ، وكيف يمكن ان نجعل الأصنام التي هي الظّلمات المحضة الى جنب الله الذي هو النّور المطلق ، وما المناسبة بين الايمان والتوحيد اللذان هما نور القلب والروح ، وبين الشرك اصل الظلام؟!

ثمّ يدلل على بطلان عقيدة المشركين عن طريق آخر فيقول :( أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ) والحال ليس كذلك ، فإنّ المشركين أنفسهم لا يعتقدون بها ، فهم يعلمون انّ الله خالق كلّ شيء ، وعالم الوجود مرتبط به ، ولذلك تقول الآية :( قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) .

* * *

٣٦٧

بحوث

1 ـ الخالقية والرّبوبية يتطلّبان العبادة

يمكن ان يستفاد من الآية أعلاه انّ الخالق هو الربّ المدبّر ، لانّ الخلقة امر مستمر ودائمي ، وليس من خلق الكائنات يتركهم وشأنهم ، بل انّه تعالى يفيض بالوجود عليهم باستمرار وكلّ شيء يأخذ وجوده من ذاته المقدّسة ، وعلى هذا فنظام الخلقة وتدبير العالم كلّها بيد الله ، ولهذا السبب يكون هو النافع والضارّ. وغيره لا يملك شيء الّا منه ، فهل يوجد احد غير الله احقّ بالعبادة؟

2 ـ كيف يسأل ويجيب بنفسه؟

بالنظر الى الآية أعلاه يطرح هذا السؤال : كيف امر الله نبيّه ان يسأل المشركين : من خلق السماوات والأرض؟ وبعدها بدون ان ينتظر منهم الجواب يأمر النّبي ان يجيب هو على السؤال وبدون فاصلة يوبّخ المشركين على عبادتهم الأصنام ، اي طراز هذا في السؤال والجواب؟

ولكن مع الالتفات الى هذه النقطة يتّضح لنا الجواب وهو انّه في بعض الأحيان يكون الجواب للسؤال واضح جدّا ولا يحتاج الى الانتظار. فمثلا نسأل أحدا : هل الوقت الآن ليل ام نهار؟ وبلا فاصلة نجيب نحن على السؤال فنقول : الوقت بالتأكيد ليل. وهذه كناية لطيفة ، حيث انّ الموضوع واضح جدّا ولا يحتاج الى الانتظار للجواب ، بالاضافة الى انّ المشركين يعتقدون بخلق الله للعالم ولم يقولوا ابدا انّ الأصنام خالقة السّماء والأرض ، بل كانوا يعتقدون بشفاعتهم وقدرتهم على نفع الإنسان ودفع الضرر عنه ، ولهذا السبب كانوا يعبدوهم. وبما انّ الخالقية غير منفصلة عن الرّبوبية يمكن ان نخاطب المشركين بهذا الحديث ونقول : أنتم الذين تقولون بأنّ الله خالق ، يجب ان تعرفوا انّ الربوبية لله كذلك ،

٣٦٨

ويختصّ بالعبادة ايضا لذلك.

3 ـ العين المبصرة ونور الشمس شرطان ضروريان

يشير ظاهر المثالين (الأعمى والبصير) و (الظّلمات والنّور) الى هذه الحقيقة ، وهي انّ النظر يحتاج الى شيئين : العين المبصرة ، وشعاع الشمس ، بحيث لو انتفى واحد منهما فإنّ الرؤية لا تتحقّق ، والآن يجب ان نفكّر : كيف حال الافراد المحرومين من البصر والنّور؟ المشركون المصداق الواقعي لهذا ، فقلوبهم عمي ومحيطهم مليء بالكفر وعبادة الأصنام ، ولهذا السبب فهم في تيه وضياع. وعلى العكس فالمؤمنون بنظرهم الى الحقّ ، واستلهامهم من نور الوحي وارشادات الأنبياء عرفوا مسيرة حياتهم بوضوح.

4 ـ هل انّ خلق الله لكلّ شيء دليل على الجبر؟

استدلّ جمع من اتباع مدرسة الجبر انّ جملة( اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) في الآية أعلاه لها من السعة بحيث تشمل حتّى عمل الافراد ، فالله خالق اعمالنا ونحن غير مختارين.

يمكن ان نجيب على هذا القول بطريقين :

اوّلا : الجمل الاخرى للآية تنفي هذا الكلام ، لانّها تلوم المشركين بشكل اكيد فإذا كانت اعمالنا غير اختيارية ، فلما ذا هذا التوبيخ؟! وإذا كانت ارادة الله ان نكون مشركين فلما ذا يلومنا؟! ولماذا يسعى بالأدلّة العقليّة لتغيير مسيرتهم من الضلالة الى الهداية؟ كلّ هذا دليل على أنّ الناس أحرار في انتخاب طريقهم.

ثانيا : انّ الخالقية بالذات من مختصّات الله تعالى. ولا يتنافى مع اختيارنا في الأفعال ، لانّ ما نمتلكه من القدرة والعقل والشعور ، وحتّى الاختيار والحرية ، كلّها

٣٦٩

من عند الله ، وعلى هذا فمن جهة هو الخالق (بالنسبة لكلّ شيء وحتّى أفعالنا) ومن جهة اخرى نحن نفعل باختيارنا ، فهما في طول واحد وليس في عرض وأفق واحد ، فهو الخالق لكلّ وسائل الأفعال ، ونحن نستفيد منها في طريق الخير او الشرّ.

فمثلا الذي يؤسّس معملا لتوليد الكهرباء او لإنتاج أنابيب المياه ، يصنعها ويضعها تحت تصرّفنا ، فلا يمكن ان نستفيد من هذه الأشياء الّا بمساعدته ، ولكن بالنتيجة يكون التصميم النهائي لنا ، فيمكن ان نستفيد من الكهرباء لامداد غرفة عمليات جراحية وانقاذ مريض مشرف على الموت ، او نستخدمها في مجالس اللهو والفساد ، ويمكن ان نروي بالماء عطش انسان ونسقي وردا جميلا ، او نستخدم الماء في إغراق دور الناس وتخريبها.

* * *

٣٧٠

الآية

( أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ (17) )

التّفسير

وصف دقيق لمنظر الحقّ والباطل :

يستند القرآن الكريم ـ الذي يعتبر كتاب هداية وتربية ـ في طريقته الى الوقائع العينيّة لتقريب المفاهيم الصعبة الى أذهان الناس من خلال ضرب الأمثال الحسّية الرائعة من حياة الناس ، وهنا ـ ايضا ـ لأجل ان يجسّم حقائق الآيات السابقة التي كانت تدور حول التوحيد والشرك ، الايمان والكفر ، الحقّ والباطل ، يضرب مثلا واضحا جدّا لذلك

يقول اوّلا :( أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً ) الماء عماد الحياة واصل النمو والحركة ،

٣٧١

( فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها ) تتقارب السواقي الصغيرة فيما بينها ، وتتكوّن الأنهار وتتّصل مع بعضها البعض ، فتسيل المياه من سفوح الجبال العظيمة والوديان وتجرف كلّ ما يقف امامها ، وفي هذه الأثناء يظهر الزّبد وهو ما يرى على وجه الماء كرغوة الصابون من بين أمواج الماء حيث يقول القرآن الكريم :( فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً ) .

«الرابي» من «الربو» بمعنى العالي او الطافي ، والربا بمعنى الفائدة مأخوذ من نفس هذا الأصل.

وليس ظهور الزبد منحصرا بهطول الأمطار ، بل( وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ ) (1) اي الفلزات المذابة بالنّار لصناعة أدوات الزينة منها او صناعة الوسائل اللازمة في الحياة.

بعد بيان هذا المثال بشكله الواسع لظهور الزبد ليس فقط في الماء بل حتّى للفلزات وللمتاع ، يستنتج القرآن الكريم( كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ ) ثمّ يتطرّق الى شرحه فيقول :( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ) .

فأمّا الزبد الذي لا فائدة فيه فيذهب جفاء ويصير باطلا متلاشيا ، وامّا الماء الصافي النقي المفيد فيمكث في الأرض او ينفذ الى الاعماق وتتكوّن منه العيون والآبار تروي العطاش ، وتروي الأشجار لتثمر ، والازهار لتتفتّح ، وتمنح لكلّ شيء الحياة.

وفي آخر الآية ـ للمزيد من التأكيد في مطالعة هذه الأمثال ـ يقول تعالى :( كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ ) .

* * *

__________________

(1) تشير هذه الآية الى الافران التي تستعمل لصهر الفلزان ، فهذه الافران تتميّز بوجود النّار من تحتها ومن فوقها يعني نار تحت الفلز ونار فوقه ، وهذه من أفضل انواع الافران حيث تحيط بها النّار من كلّ جانب.

٣٧٢

بحوث

هذا المثال البليغ الذي عبّر عنه القرآن الكريم بألفاظ موزونة وعبارات منظّمة. وصوّر فيها الحقّ والباطل بأروع صورة ، فيه حقائق مخفيّة كثيرة ونشير هنا الى قسم منها :

1 ـ ما هي علائم معرفة الحقّ والباطل؟

يحتاج الإنسان في بعض الأحيان لمعرفة الحقّ والباطل ـ إذا أشكل عليه الأمر ـ الى علائم وأمثال حتّى يتعرّف من خلالها على الحقائق والأوهام. وقد بيّن القرآن الكريم هذه العلامات من خلال المثال أعلاه :

الف : ـ الحقّ مفيد ونافع دائما ، كالماء الصافي الذي هو اصل الحياة. امّا الباطل فلا فائدة فيه ولا نفع ، فلا الزبد الطافي على الماء يروي ظمآنا أو يسقي أشجارا ، ولا الزبد الظاهر من صهر الفلزات يمكن ان يستفاد منه للزينة او للاستعمالات الحياتية الاخرى ، وإذا استخدمت لغرض فيكون استخدامها رديئا ولا يؤخذ بنظر الاعتبار كما نستخدم نشارة الخشب للإحراق.

باء : ـ الباطل هو المستكبر والمرفّه كثير الصوت ، كثير الأقوال لكنّه فارغ من المحتوى ، امّا الحقّ فمتواضع قليل الصوت ، وكبير المعنى ، وثقيل الوزن(1) .

جيم ـ الحقّ يعتمد على ذاته دائما ، امّا الباطل فيستمدّ اعتباره من الحقّ ويسعى للتلبّس به ، كما انّ (الكذب يتلبّس بضياء الصدق) ولو فقد الكلام الصادق من العالم لما كان هناك من يصدق الكذب. ولو فقدت البضاعة السليمة من العالم لما وجد من يخدع ببضاعة مغشوشة. وعلى هذا فوجود الباطل راجع الى شعاعه الخاطف واعتباره المؤقّت الذي سرقه من الحقّ ، امّا الحقّ فهو مستند الى نفسه واعتباره منه.

__________________

(1) يقول الامام عليعليه‌السلام في وصفه أصحابه يوم الجمل «وقد ارعدوا وابرقوا ومع هذين الأمرين الفشل ، ولسنا نرعد حتّى نوقع ولا نسيل حتّى نمطر».

٣٧٣

2 ـ ما هو الزّبد؟

«الزبد» بمعنى الرغوة التي تطفوا على السائل ، والماء الصافي اقلّ رغوة ، لانّ الزبد يتكوّن بسبب اختلاط الأجسام الخارجية مع الماء ، ومن هنا يتّضح انّ الحقّ لو بقي على صفائه ونقائه لم يظهر فيه الخبث ابدا ، ولكن لامتزاجه بالمحيط الخارجي الملوّث فإنّه يكتسب منه شيئا ، فتختلط الحقيقة مع الخرافة ، والحقّ بالباطل ، والصافي بالخابط. فيظهر الزبد الباطل الى جانب الحقّ.

وهذا هو الذي يؤكّده الامام عليعليه‌السلام حيث يقول : لو انّ الباطل خلص من مزاج الحقّ لم يخف على المرتادين ، ولو انّ الحقّ خلص من لبس الباطل انقطعت عنه السن المعاندين».(1) .

يقول بعض المفسّرين انّ للآية أعلاه ثلاث امثلة : «نزول آيات القرآن» تشبيه بنزول قطرات المطر للخير ، «قلوب الناس» شبيهة بالأرض والوديان وبقدر وسعها يستفاد منها ، «وساوس الشيطان» شبيهة بالزبد الطافي على الماء ، فهذا الزبد ليس من الماء ، بل نشأ من اختلاط الماء بمواد الأرض الاخرى ، ولهذا السبب فوساوس النفس والشيطان ليست من التعاليم الالهية ، بل من تلوّث قلب الإنسان ، وعلى ايّة حال فهذه الوساوس تزول عن قلوب المؤمنين ويبقى صفاء الوحي الموجب للهداية والإرشاد.

3 ـ الاستفادة تكون بقدر الاستعداد واللياقة!

يستفاد من هذه الآية ـ ايضا ـ انّ مبدا الفيض الالهي لا يقوم على البخل والحدود الممنوعة ، كما انّ السحاب يسقط امطاره في كلّ مكان بدون قيد او

__________________

(1) نهج البلاغة ، الخطبة 50.

٣٧٤

شرط ، وتستفيد الأرض والوديان منها على قدر وسعها ، فالأرض الصغيرة تستفيد اقلّ والأرض الواسعة تستفيد اكثر ، وهكذا قلوب الناس في مقابل الفيض الالهي.

4 ـ الباطل والأوضاع المضطربة

عند ما يصل الماء الى السهل او الصحراء ويستقرّ فيها ، تبدا المواد المختلطة مع الماء بالترشّح ويذهب الزبد فيظهر الماء النقي مرّة ثانية ، وعلى هذا النحو فالباطل يبحث عن سوق مضطربة حتّى يستفيد منها ، ولكن بعد استقرار السوق وجلوس كلّ تاجر في مكانه المناسب وتحقق الالتزامات والضوابط في المجتمع ، لا يجد الباطل له مكانا فينسحب بسرعة!

5 ـ الباطل يتشكّل بأشكال مختلفة

انّ واحدة من خصائص الباطل هي انّه يغيّر لباسه من حين لآخر ، حتّى إذا عرفوه بلباسه يستطيع ان يخفي وجهه بلباس آخر ، وفي الآية أعلاه اشارة لطيفة لهذه المسألة ، حيث تقول : لا يظهر الزبد في الماء فقط ، بل يظهر حتّى في الافران المخصوصة لصهر الفلزات بشكل ولباس آخر ، وبعبارة اخرى فإنّ الحقّ والباطل موجودان في كلّ مكان كما يظهر الزبد في السوائل بالشكل المناسب لها. وعلى هذا يجب ان لا نخدع بتنوّع الوجوه وان نعرف أوجه الباطل ونطرحه جانبا.

6 ـ ارتباط البقاء بالنفع

تقول الآية :( وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ) ليس الماء فقط يبقى ويذهب الزبد الطافي عليه ، بل حتّى الفلزات تلك التي تستعمل للزينة او للمتاع

٣٧٥

يبقى الخالص منها ويذهب خبثه. وعلى هذا النحو فالناس والمدارس والمبادئ لهم حقّ الحياة على قدر منفعتهم ، وإذا ما رأينا بقاء اصحاب المبادئ الباطلة لفترة فإنّ ذلك بسبب وجود ذلك المقدار من الحقّ الذي اختلط فيه ، وبهذا المقدار له حقّ الحياة.

7 ـ كيف يطرد الحقّ الباطل؟

«الجفاء» بمعنى الإلقاء والإخراج ، ولهذا نكتة لطيفة وهي انّ الباطل يصل الى درجة لا يمكن فيها ان يحفظ نفسه ، وفي هذه اللحظة يلقى خارج المجتمع ، وهذه العملية تتمّ في حالة هيجان الحقّ ، فعند غليان الحقّ يظهر الزبد ويطفو على سطح ماء القدر ويقذف الى الخارج ، وهذا دليل على انّ الحقّ يجب ان يكون في حالة هيجان وغليان دائما حتّى يبعد الباطل عنه.

8 ـ الباطل مدين للحقّ ببقائه

كما قلنا في تفسير الآية ، فلو لم يكن الماء لما وجد الزبد ، ولا يمكن له ان يستمر ، كما انّه لولا وجود الحقّ فإنّ الباطل لا معنى له ولو لم يكن هناك اشخاص صادقون لما وقع احد تحت تأثير الافراد الخونة ولما صدّق بمكرهم ، فالشعاع الكاذب للباطل مدين في بقائه لنور الحقّ.

9 ـ صراع الحقّ والباطل مستمر

المثال الذي ضربه لنا القرآن الكريم في تجسيم الحقّ والباطل ليس مثالا محدودا في زمان ومكان معينين ، فهذا المنظر يراه الناس في جميع مناطق العالم المختلفة ، وهذا يبيّن انّ عمل الحقّ والباطل ليس مؤقتا وآنيا. وجريان الماء

٣٧٦

العذب والمالح مستمر الى نفخ الصور ، الّا إذا تحوّل المجتمع الى مجتمع مثالي (كمجتمع عصر الظهور وقيام الامام المهديعليه‌السلام ) فعنده ينتهي هذا الصراع ، وينتصر الحقّ ويطوي بساط الباطل ، وتدخل البشرية مرحلة جديدة من تاريخها ، والى ان نصل الى هذه المرحلة فالصراع مستمر بين الحقّ والباطل ، ويجب ان نحدّد موقفنا في هذا الصراع.

10 ـ تزامن الحياة مع السعي والجهاد

المثال الرائع أعلاه يوضّح هذا الأساس لحياة الناس ، وهو انّ الحياة بدون جهاد غير ممكنة ، والعزّة بدون سعي غير ممكنة ايضا ، لانّه يقول : يجب ان يذهب الناس الى المناجم لتهيئة مستلزمات حياتهم في المتاع والزينة( ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ ) . وللحصول على هذين الشيئين يجب تنقية المواد الخام من الشوائب بواسطة نيران الافران للحصول على الفلز الخالص الصالح للاستعمال ، وهذا لا يتمّ الّا من خلال السعي والمجاهدة والعناء.

وهذه هي طبيعة الحياة حيث يوجد الى جانب الورد الشوك ، والى جانب النصر توجد المصاعب والمشكلات ، وقالوا في القديم : (الكنوز في الخرائب وفوق كلّ كنز يوجد ثعبان نائم) ، فإنّ هذه الخربة والثعبان تمثّلان المشاكل والصعوبات للحصول على الموفّقية في الحياة.

ويؤكّد القرآن الكريم هذه الحقيقة وهي انّ التوفيق لا يحصل الّا بتحمّل المصاعب والمحن ، يقول جلّ وعلا في الآية (214) من سورة البقرة :( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ ) .

٣٧٧

الأمثال في القرآن :

انّ دور المثال في توضيح وتفسير الغايات له اهميّة كبيرة غير قابلة للإنكار ، ولهذا السبب لا يوجد اي علم يستغني عن ذكر المثال لاثبات وتوضيح الحقائق وتقريب معناها الى الأذهان ، وتارة ينطبق المثال مع المقصود بشكل يجعل المعاني الصعبة تنزل من السّماء الى الأرض وتكون مفهومة للجميع ، فيمكن ان يقال : انّ المثال له دور مؤثّر في مختلف الأبحاث العلمية والتربوية والاجتماعية والاخلاقية وغيرها ، ومن جملة تأثيراته :

1 ـ المثال يجعل المسائل محسوسة :

من المعلوم أنّ الإنسان يأنس بالمحسوسات أكثر ، أمّا الحقائق العلمية المعقّدة فهي بعيدة المنال. والأمثال تقرّب هذه الفواصل وتجعل الحقائق المعنوية محسوسة ، وإدراكها يسير ولذيذ.

2 ـ المثال يقرّب المعنى :

تارة يحتاج الإنسان لاثبات مسألة منطقية او عقلية الى ادلّة مختلفة ، ومع كلّ هذه الادلّة تبقى هناك نقاط مبهمة محيطة بها ، ولكن عند ذكر مثال واضح منسّق مع الغاية يقرّب المعنى ويعزّز الادلّة ويقلّل من كثرتها.

3 ـ المثال يعمّم المفاهيم

كثير من البحوث العلمية بشكلها الاصلي يفهمها الخواص فقط ، ولا يستفيد منها عامّة الناس ، ولكن عند ما يصحبها المثال تكون قابلة للفهم ، ويستفيد منها الناس على اختلاف مستوياتهم العلمية ، ولهذا فالمثال وسيلة لتعميم الفكر

٣٧٨

والثقافة.

4 ـ المثال ، يزيد في درجة التصديق :

مهما تكن الكليّات العقلية منطقية ، فإنّها لا تخلق حالة اليقين الكافية في ذهن الإنسان ، لانّ الإنسان يبحث عن اليقين في المحسوسات ، فالمثال يجعل من المسألة الذهنيّة واقعا عينيّا ، ويوضّحها في العالم الخارجي ، ولهذا السبب فإنّ له اثره في زيادة درجة تصديق المسائل وقبولها.

5 ـ المثال يخرس المعاندين :

كثيرا ما لا تنفع الادلّة العقليّة والمنطقيّة لاسكات الشخص المعاند حيث يبقى مصرّا على عناده ولكن عند ما نصب الحديث في قالب المثال نوصد الطريق عليه بحيث لا يبقى له مجال للتبرير ولا لاختلاق الاعذار. ولا بأس ان نطرح هنا بعض الامثلة حتّى نعرف مدى تأثيرها : نقرا في القرآن الكريم انّ الله سبحانه وتعالى يرد على الذين اشكلوا على ولادة السّيد المسيحعليه‌السلام كيف انّه ولد من امّ بغير أب( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ) .(1)

لاحظوا جيدا ، فنحن مهما حاولنا ان نقول للمعاندين : انّ هذا العمل بالنسبة الى قدرة الله المطلقة لا شيء ، فمن الممكن ان يحتجّوا ايضا ، ولكن عند ما نقول لهم هل تعتقدون انّ آدم خلقه الله من تراب؟ فإنّ الله الذي له هذه القدرة كيف لا يستطيع إيجاد شخص بدون أب؟!

__________________

(1) آل عمران ، 59.

٣٧٩

وبالنسبة الى المنافقين الذين يقضون في ظلّ نفاقهم ايّاما مريحة ظاهرا ، فإنّ القرآن الكريم يضرب مثالا رائعا عن حالهم ، فيشبهّهم بالمسافرين في الصحراء فيقول( يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .(1) .

فهل يوجد أوضح من هذا الوصف للمنافق التائه في الطريق ، ليستفيد من نفاقه وعمله كي يستمرّ في حياته؟

وعند ما تقول للافراد : انّ الإنفاق يضاعفه لكم الله عدّة مرّات قد لا يستطيعون ان يفهموا هذا الحديث ، ولكن يقول القرآن الكريم :( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ) (2) ، وهذا المثال الواضح اقرب للإدراك.

وغالبا ما نقول : انّ الرياء لا ينفع الإنسان ، فقد يكون هذا الحديث ثقيلا على البعض ، كيف يمكن لهذا العمل ان يكون غير مفيد ، فبناء مستشفى او مدرسة حتّى لو كان بقصد الرياء لماذا ليست له قيمة عند الله؟!

ولكن يضرب الله مثالا رائعا حيث يقول :( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً ) .(3) ولكي لا نبتعد كثيرا فالآية التي نحن بصدد تفسيرها تبحث في مجال الحقّ والباطل وتجسّم هذه المسألة بشكل دقيق ، المقدّمات والنتائج ، والصفات والخصوصيات والآثار ، وتجعلها قابلة الفهم للجميع وتسكت المعاندين ، واكثر

__________________

(1) البقرة ، 20.

(2) البقرة ، 261.

(3) البقرة ، 264.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640