من لا يحضره الفقيه الجزء ٢

من لا يحضره الفقيه9%

من لا يحضره الفقيه مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 640

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 640 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 267383 / تحميل: 8501
الحجم الحجم الحجم
من لا يحضره الفقيه

من لا يحضره الفقيه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

كتاب من لا يحضره الفقيه - الجزء الثاني

للشيخ الجليل الاقدم الصدوق أبى جعفر محمد بن على بن الحسين بن بابويه القمى

المتوفى سنة ٣٨١

١

٢

بيان الرموز

نرمز إلى شرح المولى محمد تقي المجلسي - رحمه الله - المسمى بروضة المتقين في شرح أخبار الائمة المعصومين ب‍ (م ت).

وإلى حاشية المولى مراد بن عليخان التفرشي - رحمه الله - ب‍ (مراد).

وإلى حاشية سلطان العلماء: الحسين بن محمد بن محمود الحسيني الآملي - رحمه الله - ب‍ (سلطان).

وإلى حاشية الحكيم الالهي السيد محمد باقر الحسيني المعروف بمير داماد - رحمه الله - ب‍ (م ح ق).

وإلى شرح العلامة المجلسي - قدس سره - على الكافي المعروف بمرآة العقول ب‍ (المرآة).

ونعبر عن المجلسي الاول بالمولى المجلسي وعن الثاني بالعلامة المجلسي.

أبواب الزكاة

باب علة وجوب الزكاة

قال [الشيخ السعيد الفقيه] أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي [مصنف هذا الكتاب] رضي الله عنه وأسكنه جنته:

١٥٧٤ - روى عبدالله بن سنان(١) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إن الله عزوجل فرض الزكاة كما فرض الصلاة، فلو أن رجلا حمل الزكاة فأعطاها علانية لم يكن عليه في ذلك عيب(٢) وذلك أن الله عز وجل فرض للفقراء(٣) في أموال الاغنياء ما يكتفون به، ولو علم أن الذي فرض لهم(٤) لا يكفيهم لزادهم، وإنما يؤتى الفقراء فيما أتوا من منع من منعهم(٥) حقوقهم، لا من الفريضة ".

___________________________________

(١) الطريق صحيح، وعبدالله بن سنان ثقة لا يطعن عليه.

(٢) في بعض النسخ " عتب ".

(٣) تعليل لوجوب المقدار المخصوص لا لعدم العيب والاعلان كما توهم.

(٤) أى قدر لهم واوجب.

(٥) في القاموس: أتى عليه الدهر أهلكه.

وقال في الوافى " اتوا " على صيغة المجهول من الاتيان بمعنى المجيئ يعنى أن الفقراء لم يصابوا بالفقر والمسكنة من قلة قدر الفريضة المقدرة لهم في أموال الاغنياء وانما يصابون بالفقر والذلة ويدخل عليهم ذلك في جملة ما دخل عليهم من البلاء من منع الاغنياء عنهم الفريضة المقدرة لهم في أموالهم.

٣

١٥٧٥ - وروى مبارك العقرقوفي(١) عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام قال: " إنما وضعت الزكاة قوتا للفقراء وتوفيرا لاموالهم "(٢) .

١٥٧٦ - وروى موسى بن بكر(٣) عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام قال: " حصنوا أموالكم بالزكاة "(٤) .

١٥٧٧ - وروى حريز، عن زرارة، ومحمد بن مسلم أنهما قالا لابي عبدالله عليه السلام: " أرأيت قول الله عزوجل(٥) : " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين، وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله "(٦)

___________________________________

(١) هو مجهول الحال والطريق اليه ضعيف بمحمد بن سنان، ورواه الكلينى - رحمه الله - في الكافى ج ٣ ص ٤٩٨ عن على عن أبيه عن اسماعيل بن مرار عن مبارك.

(٢) أى في أموال الاغنياء، وفى بعض النسخ " في أموالكم " بلفظ الخطاب كما في الكافى.

(٣) في بعض النسخ " محمد بن بكر " والصواب ما اخترناه في المتن طبقا للكافى ج ٤ ص ٦١.

(٤) أى حصنوا أموالكم من السرقة والحرق والغرق باعطاء الزكاة وأدائها إلى مستحقها.

(٥) السند صحيح، وقوله " أرأيت قول الله " أى أخبرنى عن قوله الله تعالى.

(٦) المراد بالصدقات الزكوات، واللام في قوله " للفقراء والمساكين " للتمليك و يشمل من لا يملك مؤونة سنته فعلا وقوة له ولعياله الواجبى النفقة بحسب حاله في الشرف وغيره.

والمراد بالعاملين عليها العاملين في تحصينها بجباية وولاية وكتابة وحفظ وحساب وقسمة بدون شرط الفقر فيهم.

" والمؤلفة قلوبهم " قال العلامة المجلسى رحمه الله: اجمع العلماء كافة على أن للمؤلفة قلوبهم سهما من الزكاة، وانما الخلاف في اختصاص التأليف بالكفار أو شموله للمسلمين أيضا، فقال الشيخ رحمه الله في المبسوط: والمؤلفة قلوبهم عندنا الكفار الذين يستمالون بشئ من مال الصدقات إلى الاسلام ويتألفون ليستعان بهم على قتال اهل الشرك، ولا يعرف اصحابنا مؤلفة أهل الاسلام " واختاره المحقق وجماعة رحمهم الله وقال المفيد قدس سره -: المؤلفة قلوبهم ضربان مسلمون ومشركون وبما ظهر من كلام ابن الجنيد اختصاص التأليف بالمنافقين انتهى.

وقوله تعالى " وفى الرقاب " جعل الرقاب ظرفا للاستحقاق تنبيها على أن استحقاقهم ليس على وجه الملك أو الاختصاص كغيرهم وهم المكاتبون مع قصور كسبهم عن أداء مال الكتابة، والعبيد تحت الشدة عند مولاهم يشترون من مال الزكاة ويعتقون بعد الشراء.

والغارمون هم الذين ركبتهم الديون في غير معصية ولا اسراف ولا يتمكنون من القضاء وعجزوا عن أدائه.

" وفى سبيل الله " كمعونة الحاج وقضاء الديون عن الحى والميت وجميع سبل الخير والمصالح وعمارة المساجد والمشاهد واصلاح القناطر وغير ذلك من القربات. والمراد بابن السبيل المنقطع به في غير بلده، ولا يمنع غناه في بلده مع عدم تمكنه من الاعتياض عنه ببيع أو اقراض

٤

أكل هؤلاء يعطى وإن كان لا يعرف؟ فقال: إن الامام يعطي هؤلاء جميعا لانهم يقرون له بالطاعة، قال زرارة: قلت: فإن كانوا لا يعرفون؟ فقال: يا زرارة لو كان يعطى من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع(١) ، وإنما يعطى من لا يعرف(٢) ليرغب في الدين فيثبت عليه، فأما اليوم فلا تعطها أنت وأصحابك إلا من

___________________________________

(١) المراد بالمعرفة معرفة الامام عليه السلام أى لو كان يعطى من يعرف يعنى في ذلك الزمان لم يوجد لها موضع لقلة العارف يومئذ (الوافى) وقال العلامة المجاسى رحمه الله: لعله اشارة إلى مؤلفة قلوبهم فانهم من أرباب الزكاة وأجمع العلماء كافة على أن للمؤلفة قلوبهم سهما من الزكاة وانما الخلاف في اختصاص التأليف بالكفار أو شموله للمسلمين أيضا.

(٢) يؤيد ذلك أنه ينقل أن أمير المؤمنين عليه السلام فرق في الصدقات بين من قال بخلافته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وبين من قال انه عليه السلام رابع الخلفاء (مراد) والمذهب مستقر على أنه لا يعطى الزكاة ألا أهل الولاية الا أن لا يوجدوا فيعطى المستضعفون.

وهذا لا ينافى رواية محمد بن مسلم وزرارة من الامام عليه السلام يعطى من لا يعرف وما روى من فعل أمير المؤمنين عليه السلام لان الامام إذا كان مبسوط اليد يطيعه جميع الناس العارفون وغيرهم، فهم باقرارهم بالطاعة له خارجون عن النصب والبغى بعدم اطاعتهم لغير الامام الحق، لافئة لهم يرجعون اليها، ولا محالة زكاة أموالهم تصل إلى الامام فيعطيها أمثالهم لكونها أكثر من احتياج العارفين، بخلاف ما إذا لم يكن مبسوط اليد، فان زكاة المخالفين له يصل إلى أميرهم ولا يبقى لرفع حاجة العارفين الا زكاة العارفين فيجب تخصيصها بهم الا أن يزيد عن حاجتهم فتعطى المستضعفين الذين لا نصب لهم ولا مخالفة ولا يوالون غير الامام الحق ولا الامام الحق. (قاله الاستاذ في هامش الوافى).

٥

يعرف، فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس، ثم قال: سهم المؤلفة قلوبهم وسهم الرقاب عام والباقي خاص(١) ، قال: قلت: فإن لم يوجدوا؟ قال: لا تكون فريضة فرضها الله عزوجل [و] لا يوجد لها أهل، قال: قلت: فإن لم تسعهم الصدقات؟ قال: فقال: إن الله عزوجل فرض للفقراء في مال الاغنياء ما يسعهم، ولو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم، إنهم لم يؤتوا من قبل فريضة الله عز وجل، ولكن أتوا من منع منعهم حقهم لا مما فرض الله لهم، أن الناس أدوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير ".

فأما الفقراء فهم أهل الزمانة والحاجة(٢) ، والمساكين أهل الحاجة من غير أهل الزمانة، والعاملون عليها هم السعاة، وسهم المؤلفة قلوبهم ساقط بعد رسول الله صلى الله عليه وآله(٣) ، وسهم الرقاب يعان به المكاتبون الذين يعجزون عن أداء المكاتبة، والغارمون المستدينون في حق، وسبيل الله الجهاد(٥) ، وابن السبيل

___________________________________

(١) كان المراد بعموم سهم المؤلفة قلوبهم شموله لسائر أصناف الكفار وللمسلمين أيضا." والباقى خاص " يعنى بالعارف.

(٢) من كلام المؤلف رحمه الله وقال الشيخ محمد حفيد الشهيد رحمه الله: لم أقف على دليل ما قاله المصنف (ره).

(٣) قال الشيخ رحمه الله في المبسوط: وللمؤلفة سهم من الصدقات كان ثابتا في عهد النبى صلى الله عليه وآله وكل من قام مقامه عليه السلام جاز له أن يتألفهم لمثل ذلك ويعطيهم السهم الذى سماه الله تعالى لهم ولا يجوز لغير الامام القائم مقام النبى صلى الله عليه وآله ذلك وسهمه مع سهم العامل ساقط اليوم.

(٤) ظاهر كلام المؤلف انحصارهم الرقاب بالمكاتبين، والمشهور أن سهم الرقاب لثلاثة المكاتبين والعبيد الذين تحت الشدة والعبد يشترى ويعتق الا أن يقال غرض المصنف ليس هو الحصر وفيه ما فيه. (الشيخ محمد)

(٥) تصريح بأن سبيل الله الجهاد والمشهور ما تقدم.

٦

الذي لا مأوى له ولا مسكن مثل المسافر الضعيف ومار الطريق.

ولصاحب الزكاة أن يضعها في صنف دون صنف متى لم يجد الاصناف كلها.(١)

١٥٧٨ - وقال الصادق عليه السلام لعمار بن موسى الساباطي: " يا عمار أنت رب مال كثير؟ قال: نعم جعلت فداك، قال: فتؤدي ما افترض الله عليك من الزكاة؟ فقال: نعم، قال: فتخرج الحق المعلوم من مالك(٢) ؟ قال: نعم، قال: فتصل قرابتك؟ قال: نعم، قال: فتصل إخوانك؟ قال: نعم، فقال: يا عمار إن المال يفنى، والبدن يبلى، والعمل يبقى، والديان حي لا يموت(٣) يا عمار أما إنه ما قدمت فلن يسبقك وما أخرت فلن يلحقك "(٤) .

١٥٧٩ - وفي رواية أبي الحسين محمد بن جعفر الاسدي رضي الله عنه عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن عبدالله بن أحمد، عن الفضل بن إسماعيل، عن معتب مولى الصادق عليه السلام قال: قال الصادق عليه السلام: " إنما وضعت الزكاة اختبارا للاغنياء ومعونة للفقراء، ولو أن الناس أدوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقيرا محتاجا، و لاستغنى بما فرض الله عزوجل له، وإن الناس ما افتقروا ولا احتاجوا ولا جاعوا ولا عروا إلا بذنوب الاغنياء، وحقيق على الله عزوجل أن يمنع رحمته من منع حق الله في ماله، وأقسم بالذي خلق الخلق وبسط الرزق إنه ما ضاع مال في بر ولا بحر إلا بترك الزكاة، وما صيد صيد في بر ولا بحر إلا بتركه التسبيح في ذلك اليوم وإن أحب الناس إلى الله عزوجل أسخاهم كفا، وأسخى الناس من أدى زكاة

___________________________________

(١) راجع الكافى ج ٣ ص ٥٥٤ والتهذيب ج ١ ص ١٥٧.

(٢) اشارة إلى قوله تعالى " وفى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ".

(٣) الديان: المجازى على الاعمال، وقيل: المراد به القهار والحاكم والقاضى.

(٤) " ما قدمت " أى من الوقف والصدقة وأمثالها " فلن يسبقك " أى لن يفوتك ولا يتجاوز منك إلى غيرك بل يصل ثوابه لا محالة اليك. " وما أخرت " أى ما ترتك بعدك " فلن يلحقك " بل يكون لوارثك يفعل فيه ما يشاء فان صرفه في الخيرات يصل ثوابه اليه دونك.

٧

ماله(١) ولم يبخل على المؤمنين بما افترض الله عزوجل لهم في ماله ".

١٥٨٠ - وكتب الرضا علي بن موسى عليهما السلام إلى محمد بن سنان فيما كتب إليه من جواب مسائله: " إن علة الزكاة من أجل قوت الفقراء، وتحصين أموال الاغنياء لان الله عزوجل كلف أهل الصحة القيام بشأن أهل الزمانة والبلوى(٢) كما قال الله تبارك وتعالى: " لتبلون في أموالكم وأنفسكم " في أموالكم إخراج الزكاة وفي أنفسكم توطين الانفس على الصبر مع ما في ذلك من أداء شكر نعم الله عزوجل والطمع في الزيادة مع ما فيه من الزيادة والرأفة والرحمة لاهل الضعف(٣) ، والعطف على أهل المسكنة، والحث لهم على المواساة، وتقوية الفقراء، والمعونة لهم على أمر الدين، وهو عظة لاهل الغنى وعبرة لهم ليستدلوا على فقراء الآخرة بهم(٤) و مالهم من الحث في ذلك على الشكر لله تبارك وتعالى لما خولهم(٥) وأعطاهم، والدعاء والتضرع والخوف من أن يصيروا مثلهم في أمور كثيرة(٦) في أداء الزكاة

___________________________________

(١) الافضلية اضافية بالنسبة إلى من لم يؤد الزكاة وان أعطى في غيرها كثيرا.

وقال الفاضل التفرشى رحمه الله: لعل المراد بالاسخى من لم يكن فيه شئ من البخل وفى هذا المعنى يستوى جميع من أدى زكاة ماله سواء أتى بالعطايا زائدة على زكاة المال أم لا وان كان الاتى بالعطايا بعد أداء الزكاة أسخى ممن لم يأت بها بمعنى آخر.

(٢) الزمانة: آفة في الحيوانات ورجل زمن أى مبتلى بين الزمانة. (الصحاح)

(٣) أى من حيث الشكر كما قال الله تعالى " لئن شكرتم لازيدنكم " مع ما فيه من الزيادة أيضا من حيث خاصة الزكاة بخصوصها فلا تكرار، ويحتمل أنه اشارة إلى تحقق المطموع قطعا أى في أداء الزكاة طمع الزيادة مع وقوعها البتة لا مجرد رجاء وقوع وان تخلف ويحتمل أن المراد باحديهما الزيادة الدنيوية وبالاخرى الزيادة الاخروية. (سلطان)

(٤) المراد بفقراء الاخرة من ليس له من أعمال صالحه وذخيرة في الاخرة أى عبرة للاغنياء من حيث انهم لما وقفوا من سوء حال الفقراء قاسوا عليهم أحوال فقر الاخرة وسوء أحوالهم وذلك موجب لتحصيل الاعمال والثواب والذخيرة في الاخرة. (سلطان)

(٥) خولهم أى أنعم عليهم.

(٦) ناظر إلى شكر الله تعالى، وفى " أداء الزكاة " بدل منه (مراد) وقال في الوافى: يعنى ما ذكر من الامور في جملة أمور اخر كثيرة هى العلة في ذلك.

٨

والصدقات، وصلة الارحام، واصطناع المعروف ".

١٥٨١ - وقال أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: " من أخرج زكاة ماله تامة فوضعها في موضعها لم يسأل من أين اكتسب ماله "(١) .

١٥٨٢ - وقال الصادق عليه السلام: " إنما جعل الله عزوجل الزكاة في كل ألف خمسة وعشرين درهما لانه عزوجل خلق الخلق فعلم غنيهم وفقيرهم وقويهم وضعيفهم فجعل من كل ألف(٢) خمسة وعشرين مسكينا [و] لولا ذلك لزادهم الله لانه خالقهم وهو أعلم بهم ".

باب ما جاء في مانع الزكاة

١٥٨٣ - روى حريز عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: " ما من ذي مال ذهب أو فضة يمنع زكاة ماله إلا حبسه الله عزوجل يوم القيامة بقاع قرقر(٣) وسلط عليه شجاعا أقرع يريده وهو يحيد عنه(٤) فإذا رأى أنه لا يتخلص منه أمكنه من يده فقضمها كما يقضم الفجل(٥) ثم يصير طوقا في عنقه، وذلك قول الله عزوجل

___________________________________

(١) أى يرتفع عنه مؤونة حساب ذلك المال، لا أنه لو لكتسبه من الحرام يرتفع منه اثم ذلك الكسب (مراد) والخبر مروى في الكافى ج ٣ ص ٤. ٥ في الحسن كالصحيح.

(٢) أى من كل ألف انسان كما صرح به في الكافى ج ٣ ص ٥٠٨.

(٣) في الصحاح القاع: المستوى من الارض. والقرقر: القاع الاملس.

ولا يبعد أن يراد به هنا مالا شجر فيه ولا كلاء ولا ماء.

(٤) الشجاع والاشجع ضرب من الحيات أو الذكر منها، والاقرع من الحيات المتمعط شعر رأسه لكثرة سمه يعنى قد تمعط وذهب شعر رأسها لكثرة سمها وطول عمرها " وهو يحيد عنه " أى يميل ويتنفر عنه.

(٥) القضم: كسر الشئ بأطراف الاسنان. وفى بعض النسخ " كما يقضم الفحل " بالحاء المهملة.

٩

" سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة "، وما من ذي مال إبل أو بقر أو غنم يمنع زكاة ماله إلا حبسه الله يوم القيامة بقاع قرقر، يطأه كل ذات ظلف بظلفها وينهشه كل ذات ناب بنابها(١) وما من ذي مال نخل أو كرم أو زرع يمنع زكاة إلا طوقه الله تعالى ريعة أرضه إلى سبع أرضين إلى يوم القيامة "(٢) .

١٥٨٤ - وروى معروف بن خربوذ عن أبي جعفر عليه السلام قال: " إن الله تبارك وتعالى قرن الزكاة بالصلاة فقال: " أقيموا الصلوة وآتوا الزكوة " فمن أقام الصلاة ولم يؤت الزكاة فكأنه لم يقم الصلاة "(٣) .

١٥٨٥ - وروى أيوب بن راشد عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: " مانع الزكاة يطوق بحية قرعاء(٤) تأكل من دماغه، وذلك قول الله عزوجل: " سيطوقون ما بخلوا يوم القيامة ".

١٥٨٦ - روى مسعدة عن الصادق عليه السلام أنه قال: " ملعون ملعون مال لا يزكى "(٥) .

١٥٨٧ - وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: " ما من عبد منع من زكاة ماله شيئا إلا جعل الله ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوقا في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب، وهو قول الله عزوجل: " سيطوقون ما بخلوا به

___________________________________

(١) ينهشه كيمنعه أى يلسعه وعضه أو أخذه بأضراسه.

(٢) المراد بالريعة ههنا أصل أرضه التى فيها الكرم والنخل والزراعة الواجبة فيها الزكاة.

أى تصير الارض طوقا في عنقه إلى يوم القيامة بان يحشر وفى عنقه الارض " إلى سبع أرضين " أى إلى منتهاها وفى الكافى " قلده الله تربة أرضه ".

(٣) فيه دلالة على اشتراط قبول الصلاة بايتاء الزكاة.

(٤) القرعاء مؤنث الاقرع.

(٥) المراد باللعن هنا عدم البركة والرحمة من الله فيه.

أوليس له بركة بل يذهب بصاحبه إلى النار كما في رواية.

١٠

يوم القيامة " يعنى ما بخلوا به من الزكاة "(١) .

١٥٨٨ - وروى عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: " ما من رجل يمنع درهما في حقه إلا أنفق اثنين في غير حقه(٢) ، وما من رجل يمنع حقا في ماله إلا طوقه الله به حية من نار يوم القيامة ".

١٥٨٩ - وروى أبان بن تغلب(٣) عنه عليه السلام أنه قال: " دمان في الاسلام حلال من الله تبارك وتعالى لا يقضي فيهما أحد(٤) حتى يبعث الله عزوجل قائمنا أهل البيت فإذا بعث الله عزوجل قائمنا أهل البيت حكم فيهما بحكم الله عزوجل: الزاني المحصن يرجمه، ومانع الزكاة يضرب عنقه "(٥) .

١٥٩٠ - وروى عنه عمرو بن جميع أنه قال(٦) : " ما أدى أحد الزكاة فنقصت من ماله، ولا منعها أحد فزادت في ماله".

١٥٩١ - وفي رواية أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " من منع قيراطا من

___________________________________

(١) قوله " يعنى " من كلام لامام عليه السلام كما يظهر من الكافى وفيه " قال: ما بخلوا به من الزكاة " ج ٣ ص ٤. ٥ ويحتمل كونه قول الراوى.

(٢) أى يمنع منه اللطف ويتسلط عليه الشيطان بان ينفقه في الباطل أو بأن يأخذ الظالم منه قهرا.

(٣) في الطريق أبوعلى صاحب الكلل وهو مجهول الحال ورواه الكلينى بسند ضعيف.

(٤) قال المولى المجلسى رحمه الله: قوله " لا يقضى فيهما أحد " أى موافقا للحق والا فأبو بكر قاتل مانع الزكاة ومنعه عمر ولم يسمع قوله.

(٥) في المدارك نقلا عن التذكرة: أجمع المسلمون كافة على وجوب الزكاة في جميع الاعصار وهى أحد أركان الخمسة إذا عرفت هذا فمن أنكر وجوبها ممن ولد على الفطرة ونشأ بين المسلمين فهو مرتد يقتل من غير أن يستتاب وان لم يكن على فطرة بل اسلم عقيب كفر استتيب مع علمه بوجوبها ثلاثا فان تاب والا فهو مرتد وجب قتله وان كان ممن يخفى عليه وجوبها لانه نشأ بالبادية أو كان قريب العهد بالاسلام عرف وجوبها ولم يحكم بكفره هذا كلامه رحمه الله وهو جيد، وعلى ما ذكره تحمل رواية أبان بن تغلب.

(٦) يعنى أبا عبدالله عليه السلام كما صرح به في الكافى.

١١

الزكاة فليس بمؤمن ولا مسلم، وهو قول الله عزوجل(١) : حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت "(٢) .

وفي رواية أخرى " ولا تقبل له صلاة ".

١٥٩٢ - وروى ابن مسكان(٣) عن أبي جعفر عليه السلام قال: " بينما رسول الله صلى الله عليه وآله في المسجد إذ قال: قم يا فلان، قم يا فلان، قم يا فلان حتى أخرج خمسة نفر، فقال: أخرجوا من مسجدنا لا تصلوا فيه وأنتم لا تزكون ".

١٥٩٣ - وروى أبوبصير عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: " من منع قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن ولا مسلم، وسأل الرجعة عند الموت، وهو قول الله عزوجل: " حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت "(٤) .

١٥٩٤ - وقال الصادق عليه السلام: " صلاة مكتوبة خير من عشرين حجة، وحجة خير من بيت مملوء ذهبا يتصدق به في بر حتى ينفد، ثم قال: ولا أفلح من ضيع عشرين بيتا من ذهب بخمسة وعشرين درهما، فقيل له: وما معنى خمسة وعشرين [درهما]؟ قال: من منع الزكاة وقفت صلاته حتى يزكي ".

١٥٩٥ - وقال عليه السلام: " ما ضاع مال في بر ولا بحر إلا بتضييع الزكاة، ولا يصاد

___________________________________

(١) لعـل الاستشهاد بالاية الشريفة أن مانع الزكاة تتمنى الرجوع إلى الدنيا كالكافر فكان مثله في ذلك. (مراد)

(٢) " رب ارجعون " على صيغة الجمع في قوة تكرير رب ارجعنى، رب ارجعنى على الحاح في سؤال الرجعة. (م ح ق)

(٣) فيه ارسال لان عبدالله بن مسكان لم يلق أبا جعفر عليه السلام بل قيل: انه لم يرو عن أبى عبدالله عليه السلام الا حديث " من أدرك المشعر فقد أدرك الحج " وفى رجال الكشى " زعم ابوالنضر محمد بن مسعود أن ابن مسكان كان لا يدخل على أبى عبدالله (ع) شفقة أن لا يوفيه حق اجلاله فكان يسمع من أصحابه ويأبى أن يدخل عليه اجلالا واعظاما له عليه السلام ".

وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم، والخبر رواه الكلينى في الكافى ج ٣ ص ٥٢٣ باسناده عن ابن مسكان يرفعه عن رجل عن أبى جعفر عليه السلام.

(٤) متحد مع الخبر الاسبق ولعل وجه التكرار اختلاف اللفظ.

١٢

من الطير إلا ما ضيع تسبيحه "(١) .

باب ما جاء في تارك الزكاة وقد وجبت له

١٥٩٦ - روى مروان بن مسلم، عن عبدالله بن هلال قال: " سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: تارك الزكاة وقد وجبت له(٢) مثل مانعها وقد وجبت عليه ".

باب الرجل يستحيى من أخذ الزكاة فيعطى على وجه آخر

١٥٩٧ - روى عاصم بن حميد، عن أبي بصير قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: " الرجل من أصحابنا يستحيي أن يأخذ من الزكاة فأعطيه من الزكاة ولا أسمي له أنها من الزكاة؟ فقال: أعطه ولا تسم له ولا تذل المؤمن "(٣) .

باب الاصناف التي تجب عليها الزكاة

١٥٩٨ - روى الحسن بن محبوب، عن عبدالله بن سنان قال: قال أبوعبدالله عليه السلام " أنزلت إليه(٤) آية الزكاة " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها في شهر رمضان فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله مناديه فنادى في الناس أن الله تبارك وتعالى قد

___________________________________

(١) تقدم في ذيل حديث مسندا وفى الكافى ج ٥٠٥.

(٢) أى صار مستحقا له، أو صار مضطرا إلى أخذه بحيث لم يكن له وجه اخر، والاول أظهر لفظا والثانى معنى.

(٣) يدل على كراهة ذكرها إذا صار سببا لاذلاله.

(٤) يعنى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله.

وفى الكافى ج ٣ ص ٤٩٧ " لما نزلت آية الزكاة: خذ من أموالهم الاية ".

١٣

فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة، ففرض الله عليكم(١) من الذهب والفضة والابل والبقر والغنم ومن الحنطة والشعير والتمر والزبيب، ونادى فيهم بذلك في شهر رمضان وعفا لهم عما سوى ذلك، قال: ثم لم يتعرض لشئ من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل فصاموا وأفطروا، فأمر عليه السلام مناديه فنادى في المسلمين أيها المسلمون(٢) زكوا أموالكم تقبل صلاتكم، قال: ثم وجه عمال الصدقة وعمال الطسوق "(٣) . فليس(٤) على الذهب شئ حتى يبلغ عشرين مثقالا، فإذا بلغ عشرين مثقالا ففيه نصف دينار إلى أن يبلغ أربعة وعشرين ففيه نصف دينار وعشر دينار، ثم على هذا الحساب متى زاد على عشرين أربعة أربعة(٥) ، ففي كل أربعة عشر إلى أن يبلغ أربعين مثقالا، فإذا بلغ أربعين مثقالا ففيه مثقال(٦) . وليس على الفضة شئ حتى يبلغ مائتي درهم فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، ومتى زاد عليها أربعون درهما ففيها درهم(٧) ، وليس في النيف

___________________________________

(١) في الكافى " عليهم ".

(٢) في بعض النسخ " أيها الناس ".

(٣) الطسوق بالفتح: الوظيفة من الخراج أو ما يوضع من الخراج على الجربان جمع جريب، وقيل: الظاهر أن المراد بها الخراج المأخوذ من الارض المفتوح عنوة أجرة للارض.

(٤) من هنا كلام المصنف وليس من تتمة الخبر كما يظهر من الكافى والتهذيب ونص عليه الشراح لكن جعله العلامة رحمه الله في المختلف من تتمة الخبر.

(٥) كما في صحيح ابن بشار المدائنى عن أبى الحسن الاول عليه السلام المروية في الكافى ج ٣ ص ٥١٦. وموثقة على بن عقبة عن الصادقين عليهما السلام.

(٦) كما في حسنة الفضلاء المروية في التهذيب ج ١ ص ٣٥٠ والاستبصار ج ٢ ص ٢٣ على بيان الشيخ رحمه الله.

(٧) كما في موثقة زرارة وابن بكير عن أبى جعفر عليه السلام المروية في التهذيب ج ١ ص ٣٥٢.

١٤

شئ حتى يبلغ أربعين(١) .وليس في القطن والزعفران والخضر والثمار والحبوب زكاة حتى تباع و يحول على ثمنها الحول(٢) . فإذا اجتمعت للرجل مائتا درهم فحال عليها الحول فأخرج لزكاتها خمسة دراهم فدفعها إلى الرجل فرد درهما منها وذكر أنه شبه أو زيف(٣) فليسترجع منه الاربعة الدارهم أيضا لان هذه لم تجب عليها الزكاة لانه كان عنده مائتا درهم إلا درهم، وليس على ما دون مائتي درهم زكاة. وليس على السبائك زكاة إلا أن تفر بها من الزكاة فإن فررت بها فعليك الزكاة(٤) . وليس على الحلي زكاة وإن بلغ مائة ألف(٥) ولكن تعيره مؤمنا إذا استعاره

___________________________________

(١) النيف بالتشديد والتخفيف: ما زاد على العقد إلى أن يبلغ العقد الثانى.

(٢) كما في حسنة الحلبى عن أبى عبدالله عليه السلام وصحيحة عبدالعزيز بن المهتدى عن أبى الحسن عليه السلام المرويتين في الكافى ج ٣ ص ٥١٢.

وصحيحه محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السلام ج ٣ ص ٥١١.

(٣) الشبه ضرب من الدراهم المغشوش بالنحاس. وفى الصحاح: الشبه بكسر الشين المعجمة: ضرب من النحاس. وفى القاموس الشبه محركة: النحاس الاصفر ويكسر. وفيه زاف الدراهم زيوفا أى صارت مردودة".

(٤) روى الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٣٥٠ باسناده عن معاوية بن عمار عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " قلت له: الرجل يجعل لاهله الحلى من مائة دينار والمائتى دينار وأرانى قد قلت: ثلاثمائة دينار فعليه الزكاة؟ قال: ليس فيه الزكاة، قال: قلت فانه فربه من الزكاة؟ فقال: ان فربه من الزكاة فعليه الزكاة، وان كان انما فعله ليتجمل به فليس عليه زكاة ".

(٥) كما في حسنة رفاعة المروية في الكافى ج ٣ ص ٥١٨ قال: " سمعت أبا عبدالله عليه السلام وسأله بعضهم عن الحلى فيه زكاة؟ فقال: لا ولو بلغ مائة ألف ".

١٥

منك فهذه زكاته(١) . وليس في النقير(٢) زكاة إنما هي على الدنانير والدراهم(٣) .

١٥٩٩ - وروى زرارة، وبكير عن أبي جعفر عليه السلام قال: " ليس في الجوهر وأشباهه زكاة وإن كثر ". وليس في نقر الفضة زكاة(٤) وليس على مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به، فإن اتجر به ففيه الزكاة(٥) والربح لليتيم وعلى التاجر ضمان المال(٦) . وقد رويت رخصة في ان يجعل الربح بينهما(٧) .

___________________________________

(١) كما في مرسلة ابن أبى عمير عن الصادق عليه السلام قال: " زكاة الحلى عاريته ".

(٢) كذا في بعض النسخ، وفى بعضها " وليس في التبر زكاة " والفقير على ما في هامش بعض الخطية: القطعة الماذبة من الذهب والفضة.

والتبر بالكسر: الذهب والفضة أو فتاتهما قبل أن يصاغا فاذا صيغا فذهب وفضة.

(٣) لما روى الكلينى في الكافى ج ٣ ص ٥١٨ باسناده عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا مقطوعا أنه قال: " ليس في التبر زكاة، انما هى على الدنانير والدراهم ".

(٤) النقر جمع النقرة: السبيكة.

(٥) في الكافى ج ٣ ص ٥٤٠ في الصحيح عن الحلبى عن أبى عبدالله عليه السلام " في مال اليتيم عليه زكاة؟ فقال إذا كان موضوعا فليس عليه زكاة وإذا عملت به فأنت له ضامن والربح لليتيم ".

وفى الحسن عن محمد بن مسلم قال: " قلت لابى عبدالله عليه السلام: هل على مال اليتيم زكاة؟ قال: لا الا أن يتجر به أو يعمل به " وحمل على النقدين يعنى ما لم يتجر بهما ليس فيهما زكاة فان اتجر بهما فعلى الولى اخراج الزكاة من مال اليتيم تولية كما قال الشيخ رحمه الله في كتابيه.

(٦) الظاهر أن المشهور إذا اتجر الولى أو الوصى لليتيم فالربح لليتيم والزكاة على الولى في المال اليتيم وان لم يكن مليا فالضمان على التاجر والربح لليتيم ولا زكاة فيه، أما إذا ضمن الولى المال بأن يقترضه وكان مليا فالزكاة عليه، والا فالربح لليتيم والضمان على التاجر ولا زكاة.

(٧) روى الشيخ رحمه الله في التهذيب ج ١ ص ٣٥٦ في الموثق عن أبى الربيع قال: " سئل أبوعبدالله عليه السلام عن الرجل في يده مال لاخ له يتيم وهو وصيه أيصلح له أن يعمل به؟ قال: نعم يعمل به كما يعمل بمال غيره والربح بينهما، قال: قلت: فهل عليه ضمان؟ قال: لا إذا كان ناظرا له ".

١٦

وقال أبي رضي الله عنه في رسالته إلي: لا يجزي في الزكاة أن يعطى أقل من نصف دينار(١) .

١٦٠٠ - وقد روى محمد بن عبدالجبار " أن بعض أصحابنا كتب على يدي أحمد بن إسحاق(٢) إلى علي بن محمد العسكري عليهما السلام: أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين والثلاثة؟ فكتب: إفعل إن شاء الله "(٣) .

وقد روي في تقديم الزكاة وتأخيرها أربعة أشهر وستة أشهر(٤) إلا أن المقصود

___________________________________

(١) في التهذيب ج ١ ص ٣٦٦ عن معاوية بن عمار وعبدالله بن بكير عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " لا يجوز أن يدفع الزكاة أقل من خمسة دراهم فانها أقل الزكاة ".

وروى الكلينى ج ٣ ص ٥٤٨ في الصحيح عن أبي ولاد عنه عليه السلام " لا يعطى أحد من الزكاة أقل من خمسة دراهم وهو أقل ما فرض الله عز وجل من الزكاة في أموال المسلمين فلا يعطوا أحدا من الزكاة أقل من خمسة دراهم فصاعدا ".

(٢) أى دفع المكتوب إلى أحمد ليوصل إلى الهادى عليه السلام.

(٣) رواه نحوه الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٣٦٦ وقال: محمول على النصاب الذى يلى النصاب الاول، لان النصاب الثانى والثالث وما فوق ذلك ربما كان الدرهمين والثلاثة حسب تزايد الامول فلا بأس باعطاء ذلك لواحد، فاما النصاب الاول فلا يجوز ذلك فيه.

(٤) في الكافى باسناد حسن كالصحيح عن عمر بن يزيد قال: " قلت لابى عبدالله عليه السلام الرجل يكون عنده المال أيزكيه إذا مضى نصف السنة؟ قال: لا ولكن حتى يحول عليه الحول ويحل عليه، انه ليس لاحد أن يصلى صلاة الا لوقتها وكذلك الزكاة، ولا يصوم أحد شهر رمضان الا في شهره الا قضاء، وكل فريضة انما تؤدى إذا حلت ". ج ٣ ص ٥٢٤ و روى الشيخ رحمه الله في الاستبصار ج ٢ ص ٣٢ باسناد صحيح عن معاوية بن عمار عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " قلت له: الرجل تحل عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخرها إلى محرم؟ قال: لا بأس، قال: قلت: فانها لا تحل عليه الا في المحرم فيعجلها في شهر رمضان؟ قال لا بأس ".

وباسناده عن حماد بن عثمان عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين وتأخيرها شهرين " وقال الشيخ رحمه الله: فالوجه في الجميع بين هذه الاخبار أن نحمل جواز تقديم الزكاة قبل حلول وقتها على أنه يجعلها قرضا على المعطى، فاذا جاء وقت الزكاة وهو على الحد الذى تحل له الزكاة وصاحبها على الحد الذى يجب عليه الزكاة احتسب به منها، وان تغير أحدهما عن صفته لم يحتسب بذلك، ولو كان التقديم جائزا على كل حال لما وجب عليه الاعادة إذا أيسر المعطى عند حلول الوقت، والذى يدل على ما قلناه ما رواه محمد بن على بن محبوب عن أحمد عن ابن أبى عمير عن ابن مسكان عن الاحول، عن أبى عبدالله عليه السلام " في رجل عجل زكاة ماله ثم أيسر المعطى قبل رأس السنة؟ قال: قال: يعيد المعطى الزكاة " انتهى، أقول: هذا الحمل وكذا حمل المصنف رحمه الله انما كان في وجه جواز التقديم وأما وجه جواز التأخير فلم يتعرضا له فلعله محمول على جواز تأخير التسليم بعد العزل أو لمانع كعدم حضور المستحق وأمثاله، وقال في المدارك: اختلف الاصحاب في هذه المسألة فأطلق الاكثر عدم جواز التأخير من وقت التسليم الا لمانع لان =

١٧

منهما أن تدفعها إذا وجبت عليك، ولا يجوز لك تقديمها ولا تأخيرها لانها مقرونة بالصلاة ولا يجوز تقديم الصلاة قبل وقتها ولا تأخيرها إلا أن تكون قضاء، وكذلك الزكاة فإن أحببت أن تقدم من زكاة مالك شيئا تفرج به عن مؤمن فاجعله دينا عليه، فإذا حلت عليك فاحسبها له زكاة ليحسب لك من زكاة مالك ويكتب لك أجر القرض.

١٦٠١ - وقد روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: " نعم الشئ القرض إن أيسر قضاك وإن أعسر حسبته من الزكاة".

١٦٠٢ - وروي " أن القرض حمى للزكاة "(١) .

___________________________________

= المستحق مطالب بشاهد الحال فيجب التعجيل كالوديعة والدين، وقال الشيخ في النهاية: فاذا حال الحول فعلى الانسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور ولا يؤخره، ثم قال: وإذا عزل ما يجب عليه فلا بأس أن يفرقه ما بين شهر وشهرين ولا يجعل ذلك أكثر منه.

وقال ابن ادريس في سرائره: وإذا حال الحول فعلى الانسان أن يخرج ما يجب عليه إذا حضر المستحق فان أخر ذلك ايثارا به مستحقا غير من حضره فلا اثم عليه بغير خلاف الا أنه ان هلك قبل وصوله إلى من يريد اعطاء‌ه اياه فيجب على رب المال الضمان.

(١) لانه يدفع الفوت والتضييع عنها ويحفظها، أو يوفق لادائها، والخبر في الكافى ج ٣ ص ٥٥٨ عن الصادق عليه السلام، وفيه في ج ٤ ص ٣٤ خبر آخر يقول: " قرض المؤمن غنيمة وتعجيل خير ان أيسر أداه وإن مات قبل ذلك احتسب به من الزكاة ".

١٨

وإن كان لك على رجل مال ولم يتهيأ لك(١) قضاؤه فاحسبه من الزكاة إن شئت(٢) . ولا بأس أن يشتري الرجل مملوكا مؤمنا من زكاة ماله فيعتقه، فإن استفاد المعتوق مالا ومات فماله لاهل الزكاة لانه اشتري بمالهم(٣) . وإن اشترى رجل أباه من زكاة ماله فأعتقه فهو جائز(٤) . وإذا مات رجل مؤمن وأحببت أن تكفنه من زكاة مالك فأعطها ورثته يكفنونه بها، فان لم يكن له ورثة فكفنه واحسبه من الزكاة، فإن أعطى ورثته قوم آخرون ثمن كفن فكفنه أنت واحسبه من الزكاة إن شئت ويكون ما أعطاهم

___________________________________

(١) في بعض النسخ " ولم يتهيأ له ".

(٢) كما في صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج عن أبى الحسن الاول عليه السلام المروية في الكافى ج ٣ ص ٥٥٨.

(٣) حمل على ما إذا لم يجد موضعا يدفع اليه.

روى الكلينى ج ٣ ص ٥٥٨ في الحسن عن عبيد بن زرارة قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد موضعا يدفع ذلك اليه فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده فاشتراه بتلك الالف درهم التى اخرجها من زكاته فأعتقه هل يجوز له ذلك؟ قال: نعم لا بأس بذلك، قلت: فانه لما أن اعتق وصار حرا اتجر واحترف وأصاب مالا ثم مات وليس له وارث فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟ قال: يرثه الفقراء المؤمنون الذى يستحقون الزكاة لانه انما اشترى بمالهم ".

(٤) في الكافى ج ٣ ص ٥٥٢ عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن أبى محمد الوابشى عن أبى عبد الله عليه السلام قال: " سأله بعض أصحابنا عن رجل اشترى أباه من الزكاة؟ زكاة ماله قال: اشترى خير رقبة، لا بأس بذلك " وهذا الصحيح بعمومه يدل على جواز اعتاق الاب وان لم يكن مكاتبا ولا تحت شدة وان وجد المستحق.

وفى المدارك: أما جواز شراء العبد من الزكاة وعتقه وان لم يكن في شدة بشرط عدم المستحق فقال في المعتبر ان عليه فقهاء الاصحاب، وجوز العلامة في القواعد الاعتاق من الزكاة مطلقا وشراء الاب منها وقواه ولده في الايضاح ونقله عن المفيد وابن ادريس، وهو جيد لاطلاق الآية الشريفة وخبر الوابشى هذا.

١٩

القوم لهم يصلحون به شؤونهم، وإن كان على الميت دين لم يلزم ورثته قضاؤه مما أعطيتهم ولا مما أعطاهم القوم لانه ليس بميراث وإنما هو شئ صار لورثته بعد موته(١) .

وإذا كان مالك في تجارة وطلب منك المتاع برأس مالك ولم تبعه تبتغي بذلك الفضل فعليك زكاته إذا حال عليه الحول، وإن لم يطلب منك المتاع برأس مالك فليس عليك زكاته(٢) .

وإن غاب عنك مالك فليس عليك زكاته إلى أن يرجع إليك مالك ويحول عليه الحول وهو في يدك، إلا أن يكون مالك على رجل متى أردت أخذه منه تهيأ لك فإن

___________________________________

(١) روى الشيخ في التهذيب في باب زيادات أحكام الاموات ج ١ ص ١٢٤ في الصحيح عن الفضل بن يونس الكاتب قال: " سألت أبا الحسن موسى عليه السلام فقلت له: ما ترى في رجل من أصحابنا يموت ولم يترك ما يكفن به أشترى له كفن من الزكاة؟ فقال: اعط عياله من الزكاة قدر ما يجهزونه فيكونون هم الذين يجهزونه، قلت: فان لم يكن له ولد ولا أحد يقوم بأمره فأجهزه أنا من الزكاة؟ قال: كان أبي عليه السلام يقول: ان حرمة بدن المؤمن ميتا كحرمته حيا، فوار بدنه وعورته وجهزه وكفنه وحنطه واحتسب بذلك من الزكاة، وشيع جنازته، قلت: فان اتجر عليه (*) بعض اخوانه بكفن آخر وكان عليه دين أيكفن بواحد ويقضى دينه بالآخر؟ قال: لا، ليس هذا ميراثا تركه، انما هذا شئ صار اليه بعد وفاته فليكفنوه بالذى اتجر عليه ويكون الاخر لهم يصلحون به شأنهم ".

(٢) اختلف الاصحاب في الزكاة التجارة فالاكثرون كما قيل على الاستحباب، والبعض على الوجوب وكلام المصنف رحمه الله يقتضيه (الشيخ محمد) وفى الكافى ج ٣ ص ٥٢٨ في الحسن كالصحيح عن محمد بن مسلم قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل اشترى متاعا وكسد عليه وقد زكى ماله قبل أن يشترى المتاع، متى يزكيه؟ فقال: ان كان أمسك متاعه يبتغى به رأس ماله فليس عليه زكاة، وان كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال، قال: وسألته عن الرجل يوضع عنده الاموال يعمل بها، فقال إذا حال الحول فليزكها ".

أقول: اعتبر الفقهاء في زكاة المال التجارة مضى الحول من حين التجارة، وأن يطلب برأس المال أو الزيادة، وبقاء قصد الاكتساب طول الحول، وأن تكون قيمته نصابا فصاعدا.

(*) كذا، وفى بعض النسخ " اتجر به ".

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

ما وجب معه عليه الطلب والخروج. فلما انعكس ذلك وظهرت أمارات الغدر فيه وسوء الاتفاق ، رام الرجوع والمكافّة والتسليم كما فعل أخوه ، فمنع من ذلك وحيل بينه وبينه. فالحالان متفقان ، إلا أن التسليم والمكافّة عند ظهور أسباب الخوف لم يقبلا منه ، ولم يجب إلى الموادعة ، وطلبت نفسه فمنع منها بجهده ، حتّى مضى كريما إلى جنة الله ورضوانه ، وهذا واضح لمتأمله (انتهيكلام السيد المرتضى).

٢٨٧ ـ تعليق العلامة المجلسي :(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٢٦)

قال المحقق المحدث المجلسي بعد نقل كلام السيد المرتضى :

وقد مضى في كتابه (الإمامة) وكتاب (الفتن) أخبار كثيرة دالة على أن كلا منهمعليه‌السلام كان مأمورا بأمور خاصة ، مكتوبة في الصحف السماوية النازلة على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهم كانوا يعملون بها. ولا ينبغي قياس الأحكام المتعلقة بهم على أحكامنا. وبعد الاطلاع على أحوال الأنبياءعليهم‌السلام وأن كثيرا منهم كانوا يبعثون فرادى في ألوف من الكفرة ، ويسبّون آلهتهم ويدعونهم إلى دينهم ، ولا يبالون بما ينالهم من المكاره والضرب والحبس والقتل والإلقاء في النار ، ولا ينبغي الاعتراض على أئمة الدين في أمثال ذلك ، مع أنه بعد ثبوت عصمتهم بالبراهين والنصوص المتواترة ، لا مجال للاعتراض عليهم ، بل يجب التسليم لهم في كل ما صدر عنهم.

على أنك لو تأملت حق التأمل علمت أنهعليه‌السلام فدى بنفسه المقدسة دين جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم تنزلزل أركان دولة بني أمية إلا بعد شهادته ، ولم يظهر للناس كفرهم وضلالتهم إلا عند فوزه بسعادته. ولو كان يسالمهم ويوادعهم كان يقوى سلطانهم ويشتبه على الناس أمرهم ، فتعود بعد حين أعلام الدين طامسة وآثار الهداية مندرسة. مع أنه قد ظهر لك من الأخبار السابقة أنهعليه‌السلام هرب من المدينة خوفا من القتل.

إلى مكة ، وكذا خرج من مكة بعد ما غلب على ظنه أنهم يريدون غيلته وقتله ، حتّى لم يتيسّر له أن يتمّ حجّه ، فتحلل وخرج منها خائفا يترقب. وقد كانوا ضيّقوا عليه جميع الأقطار ولم يتركوا له موضعا للفرار.

ولقد رأيت في بعض الكتب المعتبرة أن يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر عظيم ، وولاه أمر الموسم ، وأمّره على الحاج كلهم ، وكان قد أوصاه بقبض

٢٨١

الحسينعليه‌السلام سرا ، وإن لم يتمكن منه بقتله غيلة. ثم إنه دسّ مع الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني أمية ، وأمرهم بقتل الحسينعليه‌السلام على أي حال اتفق. فلما علم الحسينعليه‌السلام بذلك حلّ من إحرام الحج وجعلها عمرة مفردة.

وقد روي بأسانيد معتبرة ، أنهعليه‌السلام لما منعه محمّد بن الحنفية عن الخروج

إلى الكوفة ، قال : «والله يا أخي لو كنت في جحر هامّة من هوام الأرض ، لاستخرجوني منه حتّى يقتلونني». بل الظاهر أنه لو كان يسالمهم ويبايعهم لا يتركونه ، لشدة عداوتهم وكثرة وقاحتهم ، بل كانوا يغتالونه بكل حيلة ويدفعونه بكل وسيلة. وإنما كانوا يعرضون البيعة عليه أولا لعلمهم بأنه لا يوافقهم في ذلك.ألا ترى مروان ابن الحكم كيف كان يشير على والي المدينة بقتله قبل عرض البيعة عليه؟. وكان عبيد الله بن زياد يقول : اعرضوا عليه فلينزل على أمرنا ، ثم نرى فيه رأينا؟.

ألا ترى كيف أمنّوا مسلم بن عقيل ، ثم قتلوه؟!.

فأما معاوية فإنه مع شدة عداوته وبغضه لأهل البيتعليهم‌السلام كان ذا دهاء ونكراء وحزم ، وكان يعلم أن قتلهم علانية يوجب رجوع الناس عنه وذهاب ملكه وخروج الناس عليه ، فكان يداريهم ظاهرا على كل حال. ولذا صالحه الحسنعليه‌السلام ولم يتعرض له الحسينعليه‌السلام . ولذا كان معاوية يوصي ولده اللعين بعدم التعرض للحسينعليه‌السلام لأنه كان يعلم أن ذلك يصير سببا لذهاب دولته (انتهى كلام العلامة المجلسي).

٢٨٨ ـ لماذا خرج الحسينعليه‌السلام بعياله إلى العراق؟ :(مقتل المقرم ص ١٢٥)

ان الكلمة السديدة الناضجة في وجه حمل الحسين عياله إلى العراق مع علمه بما يقدم عليه ومن معه على القتل ، هو أنهعليه‌السلام لما علم بأن قتلته سوف تذهب ضياعا لو لم يتعقبها لسان ذرب(١) وجنان ثابت ، يعرّفان الأمة ضلال ابن ميسون(يزيد) وطغيان ابن مرجانة (ابن زياد) ، باعتدائهما على الذرية الطاهرة الثائرة في وجه المنكر ، ودحض ما ابتدعاه في الشريعة المقدسة.

وعرف سيد الشهداءعليه‌السلام من حرائر الرسالةعليه‌السلام الصبر على المكاره وملاقاة

__________________

(١) ذرب اللسان : ذو لسان حادّ. ولسان ذرب : أي فصيح.

٢٨٢

الخطوب والدواهي بقلوب أرسى من الجبال ، فلا يفوتهن تعريف الملأ المغمور بالترّهات والأضاليل ، نتائج أعمال هؤلاء المضلين ، وما يقصدونه من هدم الدين ، وأن الشهداء أرادوا بنهضتهم مع إمامهم إحياء شريعة جده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي الحقيقة لقد أدت عقائل الوحي هذه الرسالة الجوهرية الخطيرة ، بجرأة وإخلاص ، وثبات ورباطة جأش ، رغم تفاقم الخطب وعظم المصيبة وقساوة المحنة فهاهي عقيلة الوحي زينبعليها‌السلام أخت الحسينعليه‌السلام تقف بجرأة وحزم أمام ابن زياد الجبار المتهور ، تفرغ عن لسان أبيها ، تقول له بكلام أنفذ من السهم ، وتلقمه حجرا وهي تقول :

«هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّ وتخاصم ، فانظر لمن الفلج (أي الفوز) ثكلتك أمك يابن مرجانة».ثم لا ننسى خطبها في الكوفة ومواقفها في الشامعليها‌السلام .

وها هي فاطمة بنت الحسين وأم كلثوم وسكينةعليهم‌السلام يتحدثن بمثل ما تحدثت به عمتهن زينبعليها‌السلام ، في ذلك الموقف الرهيب المحفوف بسيوف الخسف والغدر والجور ، فما يستطيع أحد أن يتفوه بكلمة واحدة مهما أوتي من الجرأة والثبات والصمود ، ومهما بلغ من القوة والمنعة والمنزلة ، فكيف بهنّ وقد أعلنّ للملأ أجمع عن كل موبقات ابن ميسون وابن مرجانة.

هذا على أنه وإن وضع الله الجهاد ومكافحة الأعداء عن المرأة وأمرها بلزوم بيتها ، فذاك فيما إذا قام بتلك المكافحة غيرها من الرجال ، وأما إذا توقف إقامة الحق عليها فقط ، بحيث لولا قيامها لدرست أسس الشريعة وذهبت الغاية من تضحية الصفوة ، كان الواجب القيام به.

ينتج من هذا أن جهاد العقيلات في معركة كربلاء كان في طرف موازنة مع جهاد الشهداء.

وجاء في (اللهوف) ص ٤٧ : ومما يمكن أن يكون سببا لحمل الحسينعليه‌السلام عياله ، أنه إن تركها بالحجاز أو غيرها من البلاد ، كان يزيد بن معاوية قد أنفذ ليأخذهن إليه ، وصنع بهن من الاستئصال وسيّئ الأعمال ، ما يمنع الحسين من الجهاد والشهادة.

٢٨٣

٥ ـ هل ألقى الحسينعليه‌السلام بيده إلى التهلكة؟

٢٨٩ ـ هل عرّض الحسينعليه‌السلام نفسه للتهلكة؟ :

(مقتل الحسين للمقرّم ، ص ٣٩)

يقول السيد عبد الرزاق المقرّم عن استشهاد الأئمةعليهم‌السلام :

وليس في إقدامهم على الشهادة إعانة على إزهاق نفوسهم القدسية وإلقائها في التهلكة الممنوع منه بنص الذكر المجيد ، فإن الإبقاء على النفس والحذر من إيرادها مورد الهلكة إنما يجب إذا كان مقدورا لصاحبها أو لم يقابل بمصلحة أهمّ من حفظها. وأما إذا وجدت هنا لك مصلحة تكافىء تعريض النفس للهلاك ، كما في الجهاد والدفاع عن النفس ، مع العلم بتسرب القتل إلى فئة من المجاهدين ، فيجب عندها بذل النفس والتضحية بها. ولقد أمر الله الأنبياء والمرسلين والمؤمنين فمشوا إليه قدما موطّنين أنفسهم على القتل وكم فيهم سعداء ، وكم من نبي قتل في سبيل دعوته ولم يبارح قوله دعوته حتّى أزهقت نفسه الطاهرة!. وقد تعبّد الله طائفة من بني إسرائيل بقتل أنفسهم فقال :( إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ ) [البقرة : ٥٤].

وقد أثنى سبحانه على المؤمنين في إقدامهم على القتل والمجاهدة في سبيل تأييد الدعوة الإلهية ، فقال تعالى :( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ) [التوبة : ١١١] وقال تعالى :( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ) [البقرة : ٢٠٧] وقال تعالى :( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (١٦٩) [آل عمران : ١٦٩].

٢٩٠ ـ التعبّد بالقتل أسمى درجات السعادة ، وليس هو إلقاء إلى التهلكة :

(اللهوف للسيد ابن طاووس ، ص ١٢)

يقول السيد ابن طاووس : ولعل بعض من لا يعرف حقائق شرف السعادة بالشهادة ، يعتقد أن الله لا يتعبّد بمثل هذه الحالة. أما سمع في القرآن الصادق المقال ، أنه تعبّد قوما بقتل أنفسهم ، فقال تعالى :( إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ ) [البقرة : ٥٤] أنه هو القتل ، وليس الأمر كذلك ، وإنما التعبد به من أبلغ درجات السعادة.

٢٨٤

ثم يعرض تفسير آية التهلكة بما ذكره الإمام الصادقعليه‌السلام ، وهو أن بعض الصحابة تخلّفوا عن نصرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقاموا في بيوتهم لإصلاح أحوالهم ، فنزلت الآية :( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) [البقرة : ١٩٥] ومعناه : إن تخلّفتم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقمتم في بيوتكم ألقيتم بأيديكم إلى التهلكة وسخط الله عليكم فهلكتم. وليست هذه الآية في رجل يحرّض على العدو أو يطلب الشهادة بالجهاد في سبيل الله رجاء الثواب والآخرة.

٢٩١ ـ دفع شبهة : هل ألقى الحسينعليه‌السلام بنفسه إلى التهلكة؟ :

(الأنوار النعمانية لنعمة الله الجزائري ، ج ٢ ص ٢٣٦)

يقول السيد نعمة الله الجزائري :

واعلم أن جماعة من مخالفينا أورد واهنا شبهة ، بل وربما قاله بعض الجهال فينا ، وهو أن الحسينعليه‌السلام كان عالما بأن يجري عليه ما جرى قبل مسيره إلى العراق ، فلم سار إليها حتّى صار كالمعين على نفسه؟. وهذه شبهة ركيكة ، والجواب عنها من وجوه :

الوجه الأول : أن الإمام إذا وجد الأعوان وجب عليه القيام بأمر الجهاد ، ولا يجوز له التقاعد عنه لظنه بهم الخذلان له ، كما لم يجز للأنبياءعليهم‌السلام ترك الجهاد لهذه المظنّة ، بل قاموا بالدعوة حتّى أصيبوا من الأمة بالمصائب العظام ، كما وقع لأولي العزم وغيرهم ، استتماما لحجة الله تعالى على الخلائق.

الوجه الثاني : أنهعليه‌السلام لو لم يسر إلى العراق لما تركوه ، ولو ذهب إلى المكان البعيد ، مصداقا لقولهعليه‌السلام لأخيه محمّد بن الحنفية ، حين نصحه بأن يلحق بالرمال من اليمن حتّى ينظر بواطن أهل العراق ، فقال له : يا أخي نعم ما رأيت من الصلاح ، ولكن هؤلاء القوم ما يسكتون عن طلبي أينما ذهبت حتّى يسفكوا دمي ، فعند ذلك يلبسهم الله ذلّ الدنيا والآخرة.

الوجه الثالث : أن الأنبياء والأئمةعليهم‌السلام قد خصّهم الله تعالى بأنواع من التكاليف ، فلعل هذا ـ وهو الإلقاء إلى التهلكة ـ منها ، نظرا إلى الحكم والمصالح الإلهية.

فإن قلت : كيف لم يبايع ليزيد حتّى لا يصل إليه الضرر ، كما بايع أخوه الحسنعليه‌السلام ؟ قلت : هذا مجرد كلام ، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. وذلك

٢٨٥

أنهعليه‌السلام رأى أخاه الحسنعليه‌السلام لما سالم معاوية ، وكيف فعل به أولا ، وكيف غدر به آخرا ، حتّى قتله مسموما. فما كان يصنع ابنه يزيد مع الحسينعليه‌السلام إلا أسوأ من هذا ، لأن معاوية كان فيه الدهاء ، وما كان يتجرأ على قتل الحسينعليه‌السلام ظاهرا ، ولهذا أوصى عند موته ليزيد ، أنك [إن] تظفر بالحسينعليه‌السلام فلا تقتله ، واذكر فيه القرابة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢٩٢ ـ بين هجرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهجرة السبطعليه‌السلام :

(من وحي الثورة الحسينية لهاشم معروف الحسني ، ص ٣١)

يقول السيد هاشم معروف الحسني :

هناك هجرتان من أجل الإسلام ورسالة الإسلام :

الأولى منهما : كانت فرارا من الموت الّذي استهدف رسالة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشخصه ، وقد نفّذها الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر من ربه ، ليتابع رسالته وينقذها من مشركي مكة وجبابرة قريش وعلى رأسهم أبو سفيان.

والثانية : قام بها سبطه الزكي الحسين بن عليعليه‌السلام ولكنها كانت للشهادة ، بعد أن أدرك أن الأخطار المحدقة برسالة جده ، لا يمكن تفاديها وتجاوزها إلا بشهادته.

لقد هاجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مكة إلى المدينة لأجل رسالته ، بعد أن تآمرت قريش على قتله لتتخلص منها ، لأن بقاءها وانتشارها مرهون بحياته ، وبعد أن وجدت أن جميع وسائل العنف التي استعملتها معه خلال ثلاثة عشر عاما لم تغير من موقفه شيئا ، كما لم تجدها جميع الاغراءات والعروض السخية. وكان ردّه الأخير على عروض أبي سفيان وأبي جهل ومغرياتهما أن قال : «والله لو وضعتم الشمس في يميني ، والقمر في شمالي ، على أن أترك هذا الأمر ما تركته ، حتّى يحكم الله أو أهلك دونه».

وظل الحزب الأموي بقيادة أبي سفيان وأبنائه يتحيّن الفرص ويستغل المناسبات ليجهض على الإسلام وعلى قادة الإسلام ، بعد أن عملوا بكل جهدهم لإفراغ الإسلام من مضمونه الحقيقي واتخاذه أداة ظاهرية للوصول إلى الحكم.

وحين عادت الجاهلية تعصف برياحها على بلاد الإسلام ، وتلقي بظلها على المسلمين ، سطع ضوء في الظلام ومن بين ركام الإسلام المتداعي ، وأضاءت للملأ

٢٨٦

ملامح أمل جديد في دياجي ذلك الظلام المطبق ، وبدا للعالم إنسان يخطّ على التراب بدمه هذه الكلمات :

«ألا وإني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما».

إنه الحسين ، ابن علي وفاطمة الزهراءعليهم‌السلام سبط ذلك الرسول الّذي هاجر [الهجرة الأولى] من مكة إلى المدينة ، لأجل رسالته ولا نقاذها من الشرك والوثنية.جاء يهاجر [الهجرة الثانية] لأجل نفس الرسالة ولانقاذها من الشذوذ والانحراف والجور والفساد. خرج من مدينة جده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عاصمة أبيه الكوفة ، خرج مهاجرا لإحياء دين جده ورسالته ، وإيقاظ الآمال في نفوس الفقراء والمستضعفين ، الذين باتوا يساقون كالأنعام بيد الولاة والحكام.

ولقد رضي الحسينعليه‌السلام أن يقدّم نفسه وأهله قربانا لهذه الرسالة ، حين رأى الموت والشهادة أحلى إلى قلبه من العقد الّذي يزيّن جيد الفتاة ، وحين أدرك أن لا عزّة ولا كرامة إلا بالجهاد والفداء.

لقد هاجر الحسينعليه‌السلام من مدينة جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أرض الشهادة والخلود ، ليقدّم دمه الزكي ودماء إخوته وأنصاره ثمنا لإحياء شريعة جده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنقاذها من الضياع والاندثار.

وهكذا كانت نهضة الحسينعليه‌السلام الامتداد الطبيعي لرسالة جده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجهاد الحسينعليه‌السلام امتدادا لجهاد جده وأبيهعليه‌السلام ، مصداقا لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«حسين مني وأنا من حسين». فعقيدة الحسين هي من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورسالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحيى وتبقى بالحسينعليه‌السلام .

٦ ـ معالم النهضة المقدسة

٢٩٣ ـ ثلاثة مشاعل من رسالة الحسينعليه‌السلام :

(مجلة الإسلام في معارفه وفنونه للشيخ حبيب آل إبراهيم ، بعلبك ،

السنة العاشرة ، العدد الأول ، نيسان ١٩٦٨)

ماهي رسالة الحسينعليه‌السلام ؟

تعال نسأل عنها الإمام الحسين نفسه

في يوم شهادته بالذات رفع الشهيد شعارات ثلاثة ،

٢٨٧

كانت خير عنوان للرسالة التي خرج يؤديها بدمه ،

ودم الشهداء الذين معه.

هذه الشعارات هي : المسؤولية ـ التصميم ـ العزّة.

١ ـ المسؤولية :

قال الإمام الحسينعليه‌السلام : «إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ، ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يحكم الله وهو خير الحاكمين».

هذه الكلمات مشاعل ، تضيء الطريق للسالكين ، بها يحدد سيد الشهداء أغراض نهضته : إنه لم يخرج طمعا بمنصب ولا عن انحراف ، إنما خرج يطلب الإصلاح في دين جده خاتم الرسلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يريد أمرا بمعروف ونهيا عن منكر.

ها هنا مشعل!. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إنه المسؤولية ؛ مسؤولية المسلم عن عقيدته وممارستها.

ولقد كان أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام حيثما سار وثار ، نموذجا مثاليا للمسلم حين تحيق بعقيدته الآفات والأخطار.

ثم قال الحسينعليه‌السلام : «فمن قبلني بقبول الحق ، فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر ، حتّى يحكم الله ، وهو خير الحاكمين».

إنه ينادي : أيها الناس لا يكن ميزان قبولكم إياي شخصي ، إنما اقبلوني لأني أمثّل حقا. فمن قبلني فإنما يقبل الحق ، ومن ردّ عليّ فإنما يردّ على الحق هكذا ترتفع المبادئ فوق الأشخاص. وحينذاك تضيع النفوس وحاجاتها ، ويبقى المبدأ هو القائم البارز. ونعم ، يبقى الشخص بمقدار ما يمثّل من مبدأ.

٢ ـ التصميم :

وقالعليه‌السلام : «ألا وإن الدعيّ ابن الدعيّ ، قد ركز بين اثنتين : بين السّلةّ والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وجدود طابت ، وحجور طهرت ، وأنوف حميّة ، ونفوس أبيّة ، لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام».

٢٨٨

ها هو الحسينعليه‌السلام يعلن تصميمه على أداء رسالته ، وأنه لن يتراجع. وأنه يؤثر أن يموت ميتة الكرام في سبيل الرسالة ، على أن يطيع اللئام ولكن لماذا؟. من أين ينبع هذا التصميم؟.

من الله ورسوله ، ومن تربيته ، ومن نفسه. فلا الله يرضى له التراجع ولا رسوله ، ولا حقّ من ربّوه ، ولا نفسه.

مزيج من الدوافع ، لا أشمل ولا أكمل : الدين والتربية والنفسية. كلها تدفعه لأن يعلنها صريحة مدوّية : أنه لن يتراجع عن أداء رسالته ، ولو كلّفه ذلك مصرعه ...والدين في المقدمة.

وهذا مشعل!. الدين حافز لا يرضى التراجع ، ولا يقبل بأنصاف الحلول.

٣ ـ العزّة :

ثم قالعليه‌السلام : «لا والله ، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد».

كلمات تنضح بالعزة

إنه لن يسكت ذليلا ، ولن يسكت عبدا والمنحرفون يريدونه ذليلا وعبدا معا. ولو أنه ذل واستعبد لربما أنالوه ما يرضيه ؛ ولكنه عزّ ، وإذ عزّ ثار ولكم تكلّف.

العزة غاليا( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) [المنافقون : ٨].

وهذا مشعل!. الإيمان عزّ ، ولا ذلّ مع الإيمان.

٧ ـ أهداف نهضة الحسينعليه‌السلام

* مدخل :

قبل أن يسير الحسينعليه‌السلام من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ، دعا بدواة وبياض وكتب وصية تاريخية لأخيه محمّد بن الحنفية. وهذه الوصية هي أفضل وثيقة صادرة عن صاحب النهضة ، يوضح فيها بجلاء أهداف نهضته المباركة ، يقول فيها :

«إني لم أخرج أشرا (أي فرحا) ولا بطرا ، ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن

٢٨٩

المنكر ، وأسير بسيرة جدي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسيرة أبي علي بن أبي طالبعليه‌السلام .فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ، ويحكم بيني وبينهم وهو خير الحاكمين».

ففي هذه الوثيقة يبيّن الحسينعليه‌السلام ما يلي :

١ ـ أن نهضته ليس غرضها السلطان والدنيا وما يلازمها من الفرح والبطر ، ولا الإفساد والظلم.

٢ ـ أن نهضته تنطلق من مبدأ وجوب الإصلاح لكل فاسد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

٣ ـ أن غايته الأولى والأخيرة إحقاق الحق الّذي أبطله المتحكمون والمبطلون ، المتمثل بسيرة جده محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبيه عليعليه‌السلام .

٤ ـ أنه سوف يعمل جاهدا لتطبيق مبادئه السامية مستعينا بأنصار الحق ، وسوف يبذل في سبيل ذلك كل غال ورخيص ، ويصبر على تنفيذ ذلك ولو ضحّى بنفسه وما يملك.

والحسينعليه‌السلام رغم علمه بمصيره وشهادته ، التي وصلت حدّ الاشتهار ، إلا أنه كان يعمل وفق تكليفه الشرعي المبني على ظواهر الأمور.

٢٩٤ ـ هدفان رئيسيان للنهضة :

(الوثائق الرسمية لثورة الحسين لعبد الكريم الحسيني القزويني ، ص ١٢)

لو تصفحنا الوثائق الأولى لقائد هذه الثورة ـ الحسينعليه‌السلام ـ لرأيناها تحمل الهدفين التاليين :

١ ـ الثورة على حكم يزيد ، أي تغيير الجهاز الحاكم.

٢ ـ إقامة الشريعة الاسلامية وتطبيقها ، في مقابل المخالفات التي أشاعها الحكام آنذاك.

٢٩٥ ـ الحسينعليه‌السلام فاتح وليس مغامرا :(مقتل الحسين للمقرم ، ص ٥٦)

كان الحسينعليه‌السلام يعتقد في نهضته أنه فاتح منصور ، لما في شهادته من إحياء دين الرسول وإماتة البدعة وتفظيع أعمال المناوئين وتفهيم الأمة أنه أحق بالخلافة من غيره ، وإليه يشير في كتابه إلى بني هاشم :

٢٩٠

«من لحق بي منكم استشهد ، ومن تخلفّ لم يبلغ الفتح»(١) .

فإنهعليه‌السلام لم يرد بالفتح إلا ما يترتب على نهضته وتضحيته من نقض دعائم الضلال وكسح أشواك الباطل عن الشريعة المطهرة ، وإقامة أركان العدل والتوحيد ، وأن الواجب على الأمة القيام في وجه المنكر.

وهذا معنى كلمة الإمام زين العابدينعليه‌السلام لإبراهيم بن طلحة بن عبيد الله

لما سأله حين رجوعه إلى المدينة : «من الغالب؟». فقال السجّادعليه‌السلام : إذا دخل وقت الصلاة فأذّن وأقم ، تعرف الغالب!(٢) .

فإنه يشير إلى تحقّق الغاية التي ضحّى سيد الشهداء بنفسه القدسية من أجلها ، وفشل يزيد بما سعى له من إطفاء نور الله تعالى ومحو ذكر أهل البيتعليهم‌السلام ، وما أراده أبوه من نقض مساعي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإمائة الشهادة له بالرسالة ، بعد أن كان الواجب على الأمة في أوقات الصلوات الخمس الإعلان بالشهادة لنبي الإسلام ، ذلك الّذي هدم صروح الشرك وأبطل عبادة الأوثان. كما وجب على الأمة الصلاة على النبي وعلى آله الطاهرين في التشهدين ، وأن الصلاة عليه بدون الصلاة على آله : بتراء(٣) .

كما أن العقيلة زينبعليها‌السلام أشارت إلى هذا الفتح بقولها ليزيد : «فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فو الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ، ولا يرحض عنك عارها وشنارها».

تصريحات الفيلسوف الألماني ماربين

٢٩٦ ـ أسرار شهادة الحسينعليه‌السلام للفيلسوف الألماني (ماربين):

(ذكرى الحسين للشيخ حبيب آل إبراهيم ، ج ٨ ص ٥٢)

قال الحكيم الألماني ماربين في كتابه (السياسة الإسلامية) من جملة كلام طويل :

لا يشك صاحب الوجدان إذا دقّق النظر في أوضاع ذاك العصر ، وكيفية نجاح بني

__________________

(١) كامل الزيارات ، ص ٧٥ ؛ وبصائر الدرجات للصفار ، ج ١٠ ص ١٤١.

(٢) أمالي الشيخ الطوسي.

(٣) الصواعق المحرقة ، ص ٨٧.

٢٩١

أمية في مقاصدهم واستيلائهم على جميع طبقات الناس وتزلزل المسلمين ، أن الحسين قد أحيا بقتله دين جده وقوانين الإسلام. ولو لم تقع تلك الواقعة ، ولم تظهر تلك الحسّيات الصادقة بين المسلمين لأجل قتل الحسين ، لم يكن الإسلام على ماهو عليه الآن قطعا ، بل كان من الممكن ضياع رسومه وقوانينه حيث كان يومئذ حديث العهد.

عزم الحسينعليه‌السلام على إنجاح هذا المقصد وإعلان الثورة ضد بني أمية من يوم توفي والده ، فلما قام يزيد مقام معاوية خرج الحسينعليه‌السلام من المدينة ، وكان يظهر مقصده العالي ، ويبث روح الثورة في المراكز الإسلامية المهمة كمكة والعراق وأينما حل ، فازدادت نفرة قلوب المسلمين ، التي هي مقدمة الثورة على بني أمية ، ولم يكن يجهل يزيد مقاصد الحسينعليه‌السلام ، وكان يعلم أن الثورة إذا أعلنت في جهة والحسين قائدها مع تنفر المسلمين عموما من حكومة بني أمية وميل القلوب وتوجه الانظار إلى الحسينعليه‌السلام ، عمّت جميع البلدان ، وفي ذلك زوال ملكهم وسلطانهم ، فعزم يزيد قبل كل شيء من يوم بويع على قتل الحسينعليه‌السلام . ولقد كان هذا أعظم خطأ سياسي صدر من بني أمية ، فجعلهم نسيا منسيا ولم يبق منهم أثر ولا خبر.

وأعظم الأدلة على أن الحسينعليه‌السلام أقدم على قتل نفسه ولم تكن من غرضه سلطنة ولا رئاسة ، هو أنه مضافا إلى ما كان عليه من العلم والسياسة والتجربة التي وقف عليها زمن أبيه وأخيه في قتال بني أمية ، كان يعلم أنه مع عدم تهيئة الأسباب له واقتدار يزيد ، لا يمكنه المقاومة والغلبة.

وكان يقول من يوم توفي والده إنه يقتل وأعلن يوم خروجه من المدينة أنه يمضي إلى القتل ، وأظهر ذلك لأصحابه والذين أتبعوه من باب إتمام الحجة ، حتى يتفرق الذين التفوا حوله طمعا بالدنيا ، وطالما كان يقول «وخير لي مصرع أنا لاقيه». ولو لم يكن قصده ذلك ولم يكن عالما عامدا ، لجمع الجنود ولسعى في تكثير أصحابه وزيادة استعداده ، لا أن يفرق الذين كانوا معه. ولكن لما لم يكن له قصد إلا القتل مقدمة لذلك المقصد العالي ، وإعلان الثورة المقدسة ضد يزيد ، رأى أن خير الوسائل إلى ذلك (الانفراد والمظلومية) ، فإنّ أثر هذه المصائب أشد وأكثر في القلوب.

من الظاهر أن الحسينعليه‌السلام مع ما كانت له من المحبوبية في قلوب المسلمين

٢٩٢

في ذلك الزمان ، لو كان يطلب قوة واستعدادا لأمكنه أن يخرج إلى حرب يزيد جيشا جرارا ، ولكنه لو صنع ذلك لكان قتله في سبيل السلطة والإمارة ، ولم يفز (بالمظلومية) التي انتجت تلك الثورة العظيمة. هذا هو الذي جعله لا يبقي معه إلا الذين لا يمكن انفكاكهم عنه ، كأولاده وإخوانه وبني أخوته وبني أعمامه وجماعة من خواص أصحابه ، حتى أنه أمر هؤلاء أيضا بمفارقته ، ولكنهم أبوا عليه ذلك ، وهؤلاء أيضا كانوا من المعروفين بين المسلمين بجلالة القدر وعظم المنزلة وقتلهم معه مما يزيد في عظم المصيبة وأثر الوقعة. نعم إن الحسينعليه‌السلام بمبلغ علمه وحسن سياسته بذل كمال جهده في إفشاء ظلم بني أمية وإظهار عداوتهم لبني هاشم وسلك في ذلك كل طريق.

ولما كان يعلم الحسينعليه‌السلام عداوة بني أمية له ولبني هاشم ، ويعرف أنهم بعد قتله يأسرون عياله وأطفاله ـ وذلك يؤيد مقصده ويكون له أثر عظيم في قلوب المسلمين سيما العرب كما قد وقع ـ حملهم معه وجاء بهم من المدينة.

نعم إن ظلم بني أمية وقساوة قلوبهم في معاملاتهم مع حرم محمد وصباياه أثّر في قلوب المسلمين تأثيرا عظيما لا ينقص عن أثر قتله وأصحابه. ولقد أظهر في عمله هذا عقيدة بني أمية في الإسلام وسلوكهم مع المسلمين سيما ذراري نبيهم. لهذا كان الحسين يقول في جواب أصحابه والذين كانوا يمنعونه عن هذا السفر : «إني أمضي إلى القتل» ولما كانت أفكار المانعين محدودة وأنظارهم قاصرة لا يدركون مقاصد الحسينعليه‌السلام العالية ، لم يألوا جهدهم في منعه ، وآخر ما أجابهم به أن قال لهم «شاء الله ذلك وجدي أمرني به». فقالوا إن كنت تمضي إلى القتل فما وجه حملك النسوة والأطفال ، فقال : «إن الله شاء أن يراهن سبايا». ولما كان الحسين بينهم رئيسا روحانيا لم يكن لهم بدّ من السكوت.

ومما يدل على أنه لم يكن له غرض إلا ذلك المقصد العالي الذي كان في نفسه ، ولم يتحمل تلك المصائب لسلطنة وإمارة ولم يقدم على هذا الخطر من غير علم ودارية ـ كما تصوره بعض المؤرخين منا ـ أنه قال لبعض ذوي النباهة قبل الواقعة بأعوام كثيرة ، على سبيل السلوة : إنه بعد قتلي وظهور تلك المصائب المحزنة ، يبعث الله رجالا يعرفون الحق من الباطل ، يزورون قبورنا ، ويبكون على مصابنا ، ويأخذون بثأرنا من أعدائنا ، أولئك جماعة ينشرون دين الله وشريعة جدي ، وأنا وجدي نحبهم وهو يحشرون معنا يوم القيامة. وليتأمل المتأمل في كلام

٢٩٣

الحسينعليه‌السلام وحركاته يرى أنه لم يترك طريقا من السياسة إلا سلكه في إظهار شنائع بني أمية وعداوتهم القلبية لبني هاشم ومظلومية نفسه ، وهذا مما يدل على حسن سياسته وقوة قلبه وتضحية نفسه ، في طريق الوصول إلى المقصد الذي كان في نظره ، حتى أنه في آخر ساعات حياته عمل عملا حير عقول الفلاسفة ، ولم يصرف نظره عن ذلك المقصد العالي مع تلك المصائب المحزنة والهموم المتراكمة وكثرة العطش والجراحات ، وهو قصة (عبد الله الرضيع). فلما كان الحسينعليه‌السلام يعلم أن بني أمية لا يرحمون له صغيرا رفع طفله الصغير تعظيما للمصيبة على يده أمام القوم وطلب منهم أن يأتوه بشربة من الماء فلم يجيبوه إلا بالسهم.

ويغلب على الظن أن غرض الحسينعليه‌السلام من هذا العمل تفهيم العالم بشدة عداوة بني أمية لبني هاشم وأنها إلى أي درجة بلغت. ولا يظن أحد أن يزيد كان مجبورا على تلك الأعمال المفجعة لأجل الدفاع عن نفسه ، لأن قتل الطفل الرضيع في تلك الحال بتلك الكيفية ، ليس هو إلا توحش وعداوة سبعية ، منافية لقواعد كل دين وشريعة ، ويمكن أن تكون هذه الفاجعة كافية لافتضاح بني أمية ورفع الستار عن قبائح أعمالهم ونياتهم السيئة بين العالم ، سيما المسلمين ، وأنهم يخالفون الإسلام في حركاتهم بل يسعون بعصبية جاهلية إلى إبادة آل محمد وجعلهم أيدي سبأ.

ونظرا لتلك المقاصد العالية التي كانت في نظر الحسينعليه‌السلام مضافا إلى وفور علمه وسياسته التي كان لا يشك فيها اثنان لم يرتكب أمرا يوجب إجبار بني أمية للدفاع عن أنفسهم ، حتى أنه مع ذلك النفوذ والاقتدار الذي كان له في ذلك العصر لم يسع في تسخير البلاد الإسلامية وضمها إليه ولا هاجم ولاية من ولايات يزيد إلى أن حاصروه في واد غير ذي زرع ، قبل أن تبدو منه أقل حركة عدائية أو تظهر منه ثورة ضد بني أمية لم يقل الحسينعليه‌السلام سأكون ملكا أو سلطانا أو أصبح صاحب سلطة. نعم كان يبث روح الثورة في المسلمين بنشره شنائع بني أمية واضمحلال الدين إن دام ذلك الحال ، وكان يخبر بقتله ومظلوميته وهو مسرور. ولما حوصر في تلك الأرض القفراء أظهر لهم من باب إتمام الحجة بأنهم لو تركوه لرحل بعياله وأطفاله وخرج من سلطة يزيد ، ولقد كان لهذا الإظهار الدال على سلامة نفس الحسينعليه‌السلام في قلوب المسلمين غاية التأثير.

لقد قتل قبل الحسينعليه‌السلام ظلما وعدوانا كثير من الرؤساء الروحانيين وأرباب

٢٩٤

الديانات وقامت الثورة بعد قتلهم بين تابعيهم ضد الأعداء ، كما وقع مكررا في بني إسرائيل ، وقصة يحيى من أعظم الحوادث التاريخية ، ومعاملة اليهود مع المسيح لم ير نظيرها إلى ذلك العهد ، ولكن واقعة الحسينعليه‌السلام فاقت الجميع لم يرشدنا التاريخ إلى أحد من الروحانيين وأرباب الديانات أنه أقدم على قتل نفسه عالما عامدا لمقاصد عالية لا تنجح إلا بقتله ، فإن كل واحد من أرباب الديانات الذين قتلوا ، ثار عليهم أعداؤهم وقتلوهم ظلما ، وبمقدار مظلوميتهم قامت الثورة بعدهم ، ومقاصد الحسينعليه‌السلام كانت على علم وحكمة وسياسة وليس لها نظير في التاريخ ، فإنه لم يزل يوالي السعي في تهيئة أسباب قتله نظرا لذلك المقصد العالي ، ولم نجد في التاريخ رجلا ضحّى بحياته عالما عامدا لترويج ديانته من بعده إلا الحسينعليه‌السلام .

المصائب التي تحمّلها الحسينعليه‌السلام في طريق إحياء دين جده تفوق على مصائب أرباب الديانات السابقين ، ولم ترد على أحد منهم. نعم إن هناك رجالا قتلوا في طريق إحياء الدين ولكنهم لم يكونوا كالحسين ، فإنه ضحّى بنفسه العزيزة في طريق إحياء دين جده وفداه بأولاده وإخوانه وأقربائه وأحبابه وأمواله وعياله ، ولم تقع هذه المصائب دفعة واحدة حتى تكون في حكم مصيبة واحدة ، بل وقعت متوالية واحدة بعد أخرى ، ويختص الحسينعليه‌السلام دون غيره بتواتر أمثال هذه المصائب كما يشهد له التاريخ.

لم تنته المصائب التي وردت على الحسينعليه‌السلام من قتله وقتل أصحابه وتسيير نسائه وبناته ، إلا وانكشف الغطاء عن سرائر بني أمية وقبائح أعمالهم ، وظهرت بين المسلمين الحسيات السياسية ، وتوطدت أسباب الثورة ضد سلطنة يزيد وبني أمية ، وعلم الجميع أن بني أمية مخربو الإسلام ، وصار الجميع يرفض بدعهم وتقولاتهم ، وعرفوا بالظلم والغصب ، بالعكس من بني هاشم فإنهم عرفوا بالمظلومية وأن لهم الرئاسة الروحانية بالاستحقاق ، وإليهم تنمى الحقيقة الروحانية.

كأن المسلمين بعد قتل الحسينعليه‌السلام قد دخلوا في دور جديد وظهرت الروحانية الإسلامية بأجلى مظاهرها وتجددت بعد أن كانت مندرسة غائبة عن أذهان المسلمين وكما أنه لا يشك اثنان في تفوق مصائب الحسينعليه‌السلام على جميع مصائب روحاني السلف ، فكذلك لا يشك في الثورة التي حدثت بعده بأنها فاقت جميع الثورات السالفة وأن امتدادها وأثرها أكثر ، وأن بها ظهرت للعالم (مظلومية

٢٩٥

آل محمد) فكانت أولى نتائج هذه الثورة اختصاص الرئاسة الروحانية التي لها أهمية عظمى في عالم السياسة ببني هاشم ، وخصوصا في أولاد الحسينعليه‌السلام (فكان منهم أئمة الشيعة) ونظرة عموم المسلمين إلى بني هاشم سيما أولاد الحسين نظرهم إلى الروحانيين. ولم يطل العهد حتى نزعت تلك السلطة من بني أمية وزالت السلطة والقدرة من آل يزيد في أقل من قرن ، واندرست آثارهم على وجه لم يبق منهم عين ولا أثر. وأينما ذكرت أسماؤهم في متون الكتب قرنها المسلمون بكلمة الشماتة ، وكل ذلك نتيجة سياسة الحسين الذي يمكن أن يقال إنه لم يأت في أرباب الديانات والروحانيين رجل عرف عواقب الأمور مع بعد نظر وحسن سياسة كالحسينعليه‌السلام .

قبل أن تصل سبايا الحسين إلى الشام قامت الثورة ضد يزيد وظهرت بمظلومية الحسين سرائر بني أمية ، وكشف الغطاء عن نياتهم وتوجه اللوم على يزيد حتى من أهل بيته وحرمه(١) . وصار يزيد يسمع تقديس الحسينعليه‌السلام وأولاد علي وعظمتهم ومظلوميتهم بعد أن لم يكن يمكن ذكرهم عنده بخير. وكان يصعب عليه ذلك إلا أنه لم يكن له بدّ غير السكوت ، ولما أراد تبرئة نفسه من تلك الأعمال ألقى المسؤولية على عماله ولم يزل يسمع محامد الحسينعليه‌السلام . قال يزيد ذات يوم : إن سلطنة الحسين كانت أهون عليّ من هذا المقام العالي الذي فاز به آل علي وبنو هاشم.

وأخيرا فشيعة الحسينعليه‌السلام لم يزالوا يستفيدون من هذه الثورات ، وتزيد قوة بني هاشم وعظمتهم حتى لم يمض أقل من قرن إلا وصارت السلطنة الإسلامية الوسيعة في بني هاشم من دون مزاحم ، وأبادوا بني أمية على وجه لم يبق منهم اسم ولا رسم. (انتهى كلام ماربين).

__________________

(١) قال السيد عبد الرزاق المقرم في مقتله صفحة ٢٠ : ولقد فشا الانكار على يزيد حتى من حريمه وأهل بيته ، حتى أن زوجته هند بنت عمرو بن سهيل وكان زوجة عبد الله بن عامر بن كريز ، فأجبره معاوية على طلاقها لرغبة يزيد فيها فإنها لما أبصرت الرأس مصلوبا على باب دارها ، والأنوار النبوية تتصاعد منه إلى عنان السماء ، وشاهدت الدم يتقاطر طريا ويشم منه رائحة طيبة ، عظم مصابه في قلبها فلم تتمالك أن دخلت على يزيد في مجلسه مهتوكة الحجاب وهي تصيح : رأس ابن بنت رسول الله مصلوب على دارنا. فقام إليها وغطاها وقال لها : أعولي على الحسين فإنه صريخة بني هاشم ، عجّل عليه ابن زياد قصد بذلك تعمية الامر وإبعاد السبة عنه وذلك بإلقاء التبعة على عامله

٢٩٦

إنها لكلمات حرة صادقة جاءت على لسان رجل غربي مدقق مطّلع. ومن المؤسف أن نرى أمثال هذا الفيلسوف من الغربيين أشد إنصافا ودفاعا عن الحق ، حتى من علماء العرب أنفسهم (وإن تتولّوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) صدق الله العظيم.

٢٩٧ ـ مختصر ما حصل للحسينعليه‌السلام حتّى مقتله :

(تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ٢٠٧)

يقول السيوطي : فأما ابن الزبير فلم يبايع ، ولا دعا إلى نفسه.

وأما الحسينعليه‌السلام فكان أهل الكوفة يكتبون إليه يدعونه إلى الخروج إليهم زمن معاوية ، وهو يأبى. فلما بويع يزيد أقام على ما هو مهموما ، يجمع الإقامة مرة ، ويريد المسير إليهم أخرى. فأشار عليه ابن الزبير بالخروج.

وكان ابن عباس يقول له : لا تفعل.

وقال له ابن عمر : «لا تخرج ، فإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيّره الله بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة. وإنك بضعة منه ، ولا تنالها (أي الدنيا).

(وفي رواية تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ، ج ٢ ص ٣٥٧) : «لا ينالها أحد منكم ، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير ، فأبى».

واعتنقه [ابن عمر] وبكى ، وقال : أستودعك الله من قتيل!. فكان ابن عمر يقول :غلبنا حسين بالخروج ، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة.

وكلّمه في ذلك أيضا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبو سعيد الخدري وأبو واقد الليثي وغيرهم ، فلم يطع أحدا منهم.

وصمم على المسير إلى العراق. فقال له ابن عباس : والله إني لأظنك ستقتل بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان ، فلم يقبل منه. فبكى ابن عباس وقال : أقررت عين ابن الزبير.

وبعث أهل العراق إلى الحسينعليه‌السلام الرسل والكتب يدعونه إليهم ، فخرج من مكة إلى العراق في عشر ذي الحجة ، ومعه طائفة من آل بيته ، رجالا ونساء وصبيانا.

فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد الله بن زياد بقتاله ، فوجّه إليه جيشا من أربعة آلاف ، عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص ، فخذله أهل الكوفة ، كما هو شأنهم مع

٢٩٧

أبيه من قبله. فلما رهقه السلاح عرض عليهم الاستسلام والرجوع ، والمضي إلى يزيد فيضع يده في يده [هذه الدعوى مغلوطة من وضع الإعلام الأموي] فأبوا إلا قتله!. فقتل وجيء برأسه في طست ، حتّى وضع بين يدي ابن زياد ؛ لعن الله قاتله ، وابن زياد معه ويزيد أيضا.

ويتابع السيوطي حديثه فيقول : وكان قتله بكربلاء. وفي قتله قصة فيها طول ، لا يحتمل القلب ذكرها ، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وقتل معه ستة عشر رجلا من أهل بيته

ولما قتل الحسينعليه‌السلام وبنو أمية ، بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد ، فسرّ بقتلهم أولا ، ثم ندم لمّا مقته المسلمون على ذلك ، وأبغضه الناس ، وحقّ لهم أن يبغضوه. اه

٨ ـ ثمرات النهضة الحسينية

٢٩٨ ـ نهضة الحسينعليه‌السلام تحقق أهدافها القريبة والبعيدة ، ثمرات نهضة الحسينعليه‌السلام :

(الأئمة الاثنا عشر لعادل الأديب ، ص ١٣٦)

لقد استطاعت ثورة الحسينعليه‌السلام أن تحقق من قيامها الثمرات التالية :

١ ـ وضع الحدّ الفاصل أمام الجماهير ، بين الإسلام الصحيح والحكم الأموي الخادع ، وتحطيم الإطار الديني المزيّف الّذي كان الأمويون يحيطون به سلطانهم ، وبيان مدى بعده عن الدين.

٢ ـ الشعور بالإثم : ولّد استشهاد الحسينعليه‌السلام المفجع في كربلاء في ضمير كل مسلم استطاع أن ينصره فلم ينصره ، بعد أن عاهده على الثورة ولّد فيهم الشعور بالإثم ، ولزوم التكفير عن ذلك التقصير.

ولقد قدّر لهذا الشعور بالإثم أن يظل دائم الأوار ، حافزا دائما إلى الثورة والانتقام ، من رؤوس الفتنة والانحراف ، وقدّر له أن يدفع الناس إلى الثورات على الأمويين والظالمين كلما سنحت الفرصة.

٣ ـ تنمية الروح النضالية في الإنسان المسلم ، وتحطيم كل الحواجز النفسية والاجتماعية التي حالت دون الثورة.

٢٩٨

ولكي نخرج بفكرة واضحة عن مدى تأثير ثورة الحسينعليه‌السلام في بعث روح الثورة والنضال في المجتمع الإسلامي ، يحسن بنا أن نلاحظ أن هذا المجتمع خلال عشرين عاما من مقتل الإمام عليعليه‌السلام وحتى ثورة الحسينعليه‌السلام أخلد إلى السكون ولم يقم بأي ثورة أو احتجاج جدّي جماعي على ألوان الاضطهاد والظلم والقتل وسرقة أموال الأمة ، التي كان يقوم بها الأمويون وأعوانهم ، بل خلد إلى الخنوع والنوم والتسليم.

أما بعد ثورة الحسينعليه‌السلام واستشهاده ، فقد اندلعت الثورات على يد الجماهير وتوثّبت الروح النضالية فيهم ، وبدؤوا يبحثون عن زعيم يقودهم لنزع قيد الخنوع والاستسلام ، وإرجاع الحياة والحركة للإسلام. ونلاحظ هذه الروح الثورية في كل الثورات التي حملت شعار الثأر لدم الحسينعليه‌السلام والتي هي في واقعها تثأر لكرامة الإسلام والمسلمين.

٢٩٩ ـ ثورات على خطّ الحسينعليه‌السلام :(المصدر السابق ، ص ١٣٩)

ونجمل هنا ذكر بعض هذه الثورات :

١ ـ ثورة التوابين : التي اندلعت في الكوفة بقيادة الصحابي سليمان بن صرد الخزاعي ، وكانت ردّ فعل مباشر لمقتل الحسينعليه‌السلام ، وانطلقت من مبدأ الشعور بالإثم والتقصير في نصرة الحسينعليه‌السلام . وكانت سنة ٦٥ ه‍.

٢ ـ ثورة أهل المدينة : وكانت تهدف إلى تقويض سلطان الأمويين الظالم اللاإسلامي ، وقد بدأت هذه الثورة بطرد حاكم يزيد من المدينة ، ومعه كل الأمويين وعددهم ألف شخص. فكان من نتيجة ذلك أن بعث يزيد بالمجرم السفّاك مسلم بن عقبة المرّي ، الّذي اشتهر باسم (مسرف) من شدة ما أسرف في قتل أهل المدينة من أبناء الصحابة والتابعين. وقد سبى المدينة ثلاثة أيام ، حتّى أن جيشه افتضّ ألف فتاة عذراء من بنات الصحابة الأجلاء.

٣ ـ ثورة المختار الثقفي : الّذي خرج من العراق طالبا الأخذ بالثأر من قتلة الحسينعليه‌السلام ، وذلك سنة ٦٦ ه‍. فتتبّع المختار قتلة الحسينعليه‌السلام وآله ، وقتلهم ومثّل بهم. فقتل منهم في يوم واحد مائتين وثمانين رجلا ، حتّى قتل منهم الآلاف.ولم ينج منه أحد ، حتّى عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وأضرابهم.

٢٩٩

٤ ـ ثورة ابن الأشعث : وفي سنة ٨١ ه‍ ثار عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث على الحجاج في العراق ، وخلع عبد الملك بن مروان. وقد استمرت ثورته إلى سنة ٨٣ ه‍ ، وأحرزت انتصارات عسكرية ، ثم قضى عليها الحجاج بمساعدة جيوش شامية.

٥ ـ ثورة الشهيد زيد بن علي : وفي سنة ١٢٢ ه‍ ثار في الكوفة على طغيان الأمويين زيد بن علي ، وهو ابن الإمام زين العابدينعليه‌السلام . ولكن سرعان ما أخمدت ثورته ، وقتل وصلبرحمه‌الله .

وكان من نتيجة هذه الثورات تقويض ملك بني أمية خلال تسعين سنة ، وقد كان يتوقع له أن يستمر مئات السنين.

فلسفة الابتلاء

٣٠٠ ـ الدنيا دار ابتلاء :

(الأنوار النعمانية للسيد نعمة الله الجزائري ، ج ٢ ص ٢٣٦)

يقول السيد نعمة الله الجزائري : اعلم أيّدك الله أن البلاء إنما كتب على المؤمن ، وأن الدنيا ليست بدار ثواب ولا بدار عقاب ، لم يرض سبحانه بأن يجعل ثواب المؤمن فيها ولا عقاب الكافر فيها ، وذلك لقلة أيامها ونقصان الأعمار فيها ، ومن ثم بعث الدواهي والمصائب فيها إلى أحبابه وأقاربه.

ولا مصيبة مثل مصيبة مولانا الحسينعليه‌السلام ، فإنها هدّت أركان الدين وصدّعت قواعد الشرع المبين ، وأبكت الأجفان وأقرحت القلوب. ولعمري إنها المصيبة التي يتسلى بها المؤمن عن كل مصاب ، والداهية المنسية له مفارقة الخلان والأحباب.

٣٠١ ـ المؤمن أشدّ ابتلاء :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٦٨)

روي أن رجلا جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوقف بين يديه ، فقال : يا رسول الله إني أحب اللهعزوجل ، فقال : استعدّ للبلاء!. فقال : يا رسول الله وإني أحبك ، فقال له : استعدّ للفقر!. فقال : وإني أحبّ علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال : استعدّ لكثرة الأعداء!.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640