من لا يحضره الفقيه الجزء ٢

من لا يحضره الفقيه6%

من لا يحضره الفقيه مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 640

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 640 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 267655 / تحميل: 8508
الحجم الحجم الحجم
من لا يحضره الفقيه

من لا يحضره الفقيه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

لم يكن جيش فرعون مانعا من العذاب الإلهي ، ولم تكن سعة مملكتهم وأموالهم وثراؤهم سببا لرفع هذا العذاب ، ففي النهاية أغرقوا في أمواج النيل المتلاطمة إذ أنّهم كانوا يتباهون بالنيل ، فبماذا تفكرون لأنفسكم وأنتم أقل عدّة وعددا من فرعون وأتباعه وأضعف؟! وكيف تغترون بأموالكم وأعدادكم القليلة؟!

«الوبيل» : من (الوبل) ويراد به المطر الشديد والثقيل ، وكذا يطلق على كل ما هو شديد وثقيل بالخصوص في العقوبات ، والآية تشير إلى شدّة العذاب النازل كالمطر.

ثمّ وجه الحديث إلى كفّار عصر بنيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحذرهم بقوله :( فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً ) (١) (٢) .

بلى إنّ عذاب ذلك اليوم من الشدّة والثقيل بحيث يجعل الولدان شيبا ، وهذه كناية عن شدّة ذلك اليوم.

هذا بالنسبة لعذاب الآخرة ، وهناك من يقول : إنّ الإنسان يقع أحيانا في شدائد العذاب في الدنيا بحيث يشيب منها الرأس في لحظة واحدة.

على أي حال فإنّ الآية تشير إلى أنّكم على فرض أنّ العذاب الدنيوي لا ينزل عليكم كما حدث للفراعنة؟ فكيف بكم وعذاب يوم القيامة؟

في الآية الاخرى يبيّن وصفا أدقّ لذلك اليوم المهول فيضيف :( السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ) .

إنّ الكثير من الآيات الخاصّة بالقيامة وأشراط الساعة تتحدث عن

__________________

(١) يوما مفعول به لتتقون ، و «تتقون» ذلك اليوم يراد به تتقون عذاب ذلك اليوم ، وقيل (يوم) ظرف لـ (تتقون) أو مفعول به لـ (كفرتم) والاثنان بعيدان.

(٢) «شيب» جمع (أشيب) ويراد به المسن ، وهي من أصل مادة شيب ـ على وزن عيب ـ والمشيب يعني تغير لون الشعر إلى البياض.

١٤١

انفجارات عظيمة وزلازل شديدة ومتغيرات سريعة ، والآية أعلاه تشير إلى جانب منها.

فما حيلة الإنسان الضعيف العاجز عند ما يرى تفطر السموات بعظمتها لشدّة ذلك اليوم؟!(١)

وفي النّهاية يشير القرآن إلى جميع التحذيرات والإنذارات السابقة فيقول تعالى :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ ) .

إنّكم مخيرون في اختيار السبيل ، فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلا ، ولا فضيلة في اتّخاذ الطريق إلى الله بالإجبار والإكراه ، بل الفضيلة أن يختار الإنسان السبيل بنفسه وبمحض إرادته.

والخلاصة أنّ الله تعالى هدى الإنسان إلى النجدين ، وجعلهما واضحين كالشمس المضيئة في وضح النهار ، وترك الإختيار للإنسان نفسه حتى يدخل في طاعته سبحانه بمحض إرادته ، وقد احتملت احتمالات متعددة في سبب الإشارة إلى التذكرة ، فقد قيل أنّها إشارة إلى المواعظ التي وردت في الآيات السابقة ، وقيل هي إشارة إلى السورة بكاملها ، أو إشارة إلى القرآن المجيد.

ولعلها إشارة إلى إقامة الصلاة وقيام الليل كما جاء في الآيات من السورة ، والمخاطب هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والآية تدل على توسعة الخطاب وتعميمه لسائر المسلمين ، ولهذا فإنّ المراد من «السبيل» في الآية هو صلاة الليل ، والتي تعتبر سبيل خاصّ ومهمّة تهدي إلى الله تعالى ، كما ذكرت في الآية (٢٦) من سورة الدهر بعد أن أشير إلى صلاة الليل بقوله تعالى :( وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ) .

ويقول بعد فاصلة قصيرة :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً )

__________________

(١) «المنفطر» : من الانفطار بمعنى الإنشقاق ، والضمير (به) يعود لليوم ، والمعنى السماء منشقة بسبب ذلك اليوم والسماء جائزة للوجهين أي أنّه تذكر وتؤنث.

١٤٢

وهي بعينها الآية التي نحن بصدد البحث فيها(١) .

وبالطبع هذا التّفسير مناسب ، والأنسب منه أن تكون الآية ذات مفهوم أوسع حيث تستوعب هذه السورة جميع مناهج صنع الإنسان وتربيته كما أشرنا إلى ذلك سابقا.

* * *

ملاحظة

المراحل الأربع للعذاب الإلهي

الآيات السابقة تهدد المكذبين المغرورين بأربعة أنواع من العذاب الأليم : النكال ، الجحيم ، الطعام ذو الغصّة ، والعذاب الأليم ، هذه العقوبات في الحقيقة هي تقع في مقابل أحوالهم في هذه الحياة الدنيا.

فمن جهة كانوا يتمتعون بالحرية المطلقة.

الحياة المرفهة ثانيا.

لما لهم من الأطعمة السائغة من جهة ثالثة.

والجهة الرابعة لما لهم من وسائل الراحة ، وهكذا سوف يجزون بهذه العقوبات لما قابلوا هذه النعم بالظلم وسلب الحقوق والكبر والغرور والغفلة عن الله تعالى.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٤٧.

١٤٣

الآية

( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠) )

التّفسير

فاقرؤوا ما تيسر من القرآن :

هذه الآية هي من أطول آيات هذه السورة وتشتمل على مسائل كثيرة ، وهي مكملة لمحتوى الآيات السابقة ، وهناك أقوال كثيرة للمفسّرين حول ما إذا كانت

١٤٤

هذه الآية ناسخة لحكم صدر السورة أم لا ، وكذلك في مكّيتها أو مدنيتها ، ويتّضح لنا جواب هذه الأسئلة بعد تفسير الآية.

فيقول تعالى :( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ) (١) .

الآية تشير إلى نفس الحكم الذي أمر به الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر السورة من قيام الليل والصلاة فيه ، وما أضيف في هذه الآية هو اشتراك المؤمنين في العبادة مع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بصيغة حكم استحبابي أو باحتمال حكم وجوبي لأنّ ظروف صدر الإسلام كانت تتجاوب مع بناء ذواتهم والاستعداد للتبليغ والدفاع عنه بالدروس العقائدية المقتبسة من القرآن المجيد ، وكذا بالعمل والأخلاق وقيام الليل ، ولكن يستفاد من بعض الرّوايات أنّ المؤمنين كانوا قد وقعوا في إشكالات ضبط الوقت للمدة المذكورة (الثلث والنصف والثلثين) ولذا كانوا يحتاطون في ذلك ، وكان ذلك يستدعي استيقاظهم طول الليل والقيام حتى تتورم أقدامهم ، ولذا بني هذا الحكم على التخفيف ، فقال :( عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) .

«لن تحصوه» : من (الإحصاء) وهو عد الشيء ، أي علم أنّكم لا تستطيعون إحصاء مقدار الليل الذي أمرتم بقيامه والإحاطة بالمقادير الثلاثة.

وقال البعض : إنّ معنى الآية أنّكم لا تتمكنون من المداومة على هذا العمل طيلة أيّام السنة ، ولا يتيسر لعامّة المكلّفين إحصاء ذلك لاختلاف الليالي طولا وقصرا ، مع وجود الوسائل التي توقظ الإنسان.

والمراد بـ( فَتابَ عَلَيْكُمْ ) خفف عليكم التكاليف ، وليس التوبة من الذنب ، ويحتمل أنّه في حال رفع الحكم الوجوبي لا يوجد ذنب من الأساس ، والنتيجة

__________________

(١) يجب الالتفات إلى أنّ (نصفه) و (ثلثه) معطوف على أدنى وليس على (ثلثي الليل) فيكون المعنى أنّه يعلم أنّك تقوم بعض الليالي أدنى من ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه ،. كذا الالتفات إلى أن أدنى تقال لما يقرب من الشيء ، وهنا إشارة إلى الزمن التقريبي.

١٤٥

تكون مثل المغفرة الإلهية.

وأمّا عن معنى الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) فقد قيل في تفسيرها أقوال ، فقال بعضهم : إنّها تعني صلاة الليل التي تتخللها قراءة الآيات القرآنية ، وقال الآخرون : إنّ المراد منها قراءة القرآن ، وإن لم تكن في أثناء الصلاة ، وفسّرها البعض بخمسين آية ، وقيل مائة آية ، وقيل مائتان ، ولا دليل على ذلك ، بل إنّ مفهوم الآية هو قراءة ما يتمكن عليه الإنسان.

وبديهي أنّ المراد من قراءة القرآن هو تعلم الدروس لبناء الذات وتقوية الإيمان والتقوى.

ثمّ يبيّن دليلا آخرا للتخفيف فيضيف تعالى :( عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وهذا تخفيف آخر كما قلنا في الحكم ، ولذا يكرر قوله «فاقرؤوا ما تيسر منه» ، والواضح أنّ المرض والأسفار والجهاد في سبيل الله ذكرت بعنوان ثلاثة أمثلة للأعذار الموجهة ولا تعني الحصر ، والمعنى هو أنّ الله يعلم أنّكم سوف تلاقون ، كثيرا من المحن والمشاكل الحياتية ، وبالتالي تؤدي إلى قطع المنهج الذي أمرتم به ، فلذا خفف عليكم الحكم.

وهنا يطرح هذا السؤال ، وهو : هل أنّ هذا الحكم ناسخ للحكم الذي ورد في صدر السورة ، أم هو حكم استثنائي؟ طاهر الآيات يدل على النسخ ، وفي الحقيقة أنّ الغرض من الحكم الأوّل في صدر السورة هو إقامة المنهج العبادي ، وهذا ما حصل لمدّة معينة ثمّ نسخ بعد ذلك بهذه الآية ، وأصبح أخف من ذي قبل ، لأنّ ظاهر الآية يدل على وجود معذورين ، فلذا حفف الحكم على الجميع ، وليس للمعذورين فحسب ، ولذا لا يمكن أن يكون حكما استثنائيا بل هو حكم ناسخ.

ويرد سؤال آخر ، هو : هل أنّ الحكم المذكور بقراءة ما تيسّر من القرآن واجب أم مستحب؟ إنّه مستحب ، واحتمل البعض الآخر الوجوب ، لأنّ قراءة القرآن تبعث على معرفة دلائل التوحيد ، وإرسال الرسل ، وواجبات الدين ، وعلى

١٤٦

هذا الأساس تكون القراءة واجبة.

ولكن يجب الالتفات إلى أنّ الإنسان لا يلزم بقراءة القرآن ليلا أثناء صلاة الليل ، بل يجب على المكلّف أن يقرأ بمقدار ما يحتاجه للتعليم والتربية لمعرفة اصول وفروع الإسلام وحفظه وإيصاله إلى الأجيال المقبلة ، ولا يختص ذلك بزمان ومكان معينين ، والحقّ هو وجوب القراءة لما في ظاهر الأمر (فاقرؤا كما هو مبيّن في اصول الفقه) إلّا أن يقال بقيام الإجماع على عدم الوجوب ، فيكون حينها مستحبا ، والنتيجة هي وجوب القراءة في صدر الإسلام لوجود الظروف الخاصّة لذلك ، واعطي التخفيف بالنسبة للمقدار والحكم ، وظهر الاستحباب بالنسبة للمقدار الميسّر ، ولكن صلاة الليل بقيت واجبة على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة حياته (بقرينة سائر الآيات والرّوايات).

ونقرأ في حديث ورد عن الإمام الباقرعليه‌السلام حيث يقول : «... متى يكون النصف والثلث نسخت هذه الآية( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) واعلموا أنّه لم يأت نبيّ قط إلّا خلا بصلاة الليل ، ولا جاء نبي قط صلاة الليل في أوّل الليل»(١) .

والملاحظ في الآية ذكر ثلاثة نماذج من الأعذار ، أحدها يتعلق بالجسم (المرض) ، والآخر بالمال (السفر) ، والثالث بالدين (الجهاد في سبيل الله) ، ولذا قال البعض : إنّ المستفاد من الآية هو السعي للعيش بمثابة الجهاد في سبيل الله! وقالوا : إنّ هذه الآية مدنيّة بدليل سياقها في وجوب الجهاد ، إلّا أنّ الجهاد لم يكن في مكّة ، ولكن بالالتفات إلى قوله :( سَيَكُونُ ) يمكن أن تكون الآية مخبرة على تشريع الجهاد في المستقبل ، أي بسبب ما لديكم من الأعذار وما سيكون من الأعذار ، لم يكن هذا الحكم دائميا ، وبهذا الصورة يمكن أن تكون الآية مكّية ولا منافاة في ذلك.

ثمّ يشير إلى أربعة أحكام اخرى ، وبهذه الطريقة يكمل البناء الروحي للإنسان فيقول:( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ٤٥١.

١٤٧

تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

هذه الأوامر الأربعة (الصلاة ، الزكاة ، القروض المستحبة ، الاستغفار) مع الأمر بالقراءة والتدبر في القران الذي ورد من قبل تشكّل بمجموعها منهجا للبناء الروحي ، وهذا مهم للغاية بالخصوص لمن كان في عصر صدر الإسلام.

والمراد من «الصلاة» هنا الصلوات الخمس المفروضة ، والمراد من «الزكاة» الزكاة المفروضة ومن إقراض الله تعالى هو إقراض الناس ، وهذه من أعظم العبارات المتصورة في هذا الباب ، فإنّ مالك الملك يستقرض بمن لا يملك لنفسه شيئا ، ليرغبهم بهذه الطريقة للإنفاق والإيثار واكتساب الفضائل منها وليتربى ويتكامل بهذه الطريقة.

وذكر «الاستغفار» في آخر هذه الأوامر يمكن أن يكون إشارة إلى هذا المعنى وإيّاكم والغرور إذا ما أنجزتم هذه الطاعات ، وبأنّ تتصوروا بأنّ لكم حقّا على الله ، بل اعتبروا أنفسكم مقصرين على الدوام واعتذروا لله.

ويرى البعض أنّ التأكيد على هذه الأوامر هو لئلا يتصور المسلّم أنّ التخفيف سار على جميع المناهج والأوامر الدينية كما هو الحال في التخفيف الذي امر به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه في قيام وقراءة القرآن ، بل إنّ المناهج والأوامر الدينية باقية على متانتها وقوّتها(١) .

وقيل إنّ ذكر الزكاة المفروضة في هذه الآية هو دليل آخر على مدنيّة هذه الآية ، لأنّ حكم الزكاة نزل بالمدينة وليس في مكّة ، ولكن البعض قال : إنّ حكم الزكاة نزل في مكّة من غير تعيين نصاب ومقدار لها ، والذي فرض بالمدينة تعيين الأنصاب والمقادير.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٥٦.

١٤٨

ملاحظات

١ ـ ضرورة الاستعداد العقائدي والثقافي

لغرض إيجاد ثورة واسعة في جميع الشؤون الحياتية أو إنجاز عمل اجتماعي ذي أهمية لا بدّ من وجود قوّة عزم بشرية قبل كل شيء ، وذلك مع الإعتقاد الراسخ ، والمعرفة الكاملة ، والتوجيه والفكري والثقافي الضروري والتربوي ، والتربية الأخلاقية ، وهذا ما قام به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة في السنوات الاولى للبعثة ، بل في مدّة حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولوجود هذا الأساس المتين للبناء أخذ الإسلام بالنمو السريع والرشد الواسع من جميع الجهات.

وما جاء في هذه السورة هو نموذج حي ومنطقي لهذا المنهج المدروس ، فقد خلّف القيام لثلثي الليل أو ثلثه وقراءة القرآن والتمعن فيه أثرا بالغا في أرواح المؤمنين ، وهيأهم لقبول القول الثقيل والسبح الطويل ، وتطبيق هذه الأوامر التي هي أشدّ وطأ وأقوم قيلا كما يعبّر عنه القرآن ، هي التي أعطتهم هذه الموفقية ، وجهزت هذه المجموعة المؤمنة القليلة ، والمستضعفة والمحرومة بحيث أهلتهم لإدارة مناطق واسعة من العالم ، وإذا ما أردنا نحن المسلمين إعادة هذه العظمة والقدرة القديمة علينا أن نسلك هذا الطريق وهذا المنهج ، ولا يجب علينا إزالة حكومة الصهاينة بالاعتماد على أناس عاجزين وضعفاء لم يحصلوا على ثقافة أخلاقية.

٢ ـ قراءة القرآن والتفكر

يستفاد من الرّوايات الإسلامية أنّ فضائل قراءة القرآن ليس بكثرة القراءة ، بل في حسن القراءة والتدبر والتفكر فيها ، ومن الطريف أنّ هناك رواية

وردت عن الإمام الرضاعليه‌السلام في تفسير ذيل الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) رواها عن

١٤٩

جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما تيسّر منه لكم فيه خشوع القلب وصفاء السر»(١) ، لم لا يكون كذلك والهدف الأساس للقراءة هو التعليم والتربية.

والرّوايات في هذا المعنى كثيرة.

٣ ـ السعي للعيش كالجهاد في سبيل الله

كما عرفنا من الآية السابقة فإنّ السعي لطلب الرزق جعل مرادفا للجهاد في سبيل الله ، وهذا يشير إلى أنّ الإسلام يعير أهمية بالغه لهذا الأمر ، ولم لا يكون كذلك فلأمّة الفقيرة والجائعة المحتاجة للأجنبي لا يمكن لها أن تحصل على الاستقلال والرفاه ، والمعروف أنّ الجهاد الاقتصادي هو قسم من الجهاد مع الأعداء ، وقد نقل في هذا الصدد قول عن الصحابي المشهور عبد الله بن مسعود : «أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله بمنزلة الشهداء» ثمّ قرأ :( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ ) (٢) .

اللهم! وفقنا للجهاد بكلّ أبعاده.

ربّنا! وفقنا لقيام الليل وقراءة القرآن الكريم وتهذيب أنفسنا بواسطة هذا النور السماوي.

ربّنا! منّ على مجتمعنا الإسلامي بمقام الرفعة والعظمة بالإلهام من هذه السورة العظيمة.

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة المزّمل

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٢.

(٢) مجمع البيان ، وتفسير أبي الفتوح ، وتفسير القرطبي ، ذيل الآية مورد البحث وقد نقل القرطبي حديثا عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشابه هذه الحديث ، فيستفاد من ذلك أنّ عبد الله بن مسعود قد ذكر الحديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس هو من قوله.

١٥٠
١٥١

سورة

المدّثّر

مكيّة

وعدد آياتها ستّ وخمسون آية

١٥٢

«سورة المدّثّر»

محتوى السورة :

لا شك أنّ هذه السورة هي من السور المكّية ولكن هناك تساؤل عن أنّ هذه السورة هل هي الاولى النازلة على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم نزلت بعد سورة العلق؟

يتّضح من التمعن في محتوى سورة العلق والمدثر أنّ سورة العلق نزلت في بدء الدعوة ، وأنّ سورة المدثر نزلت في زمن قد امر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه بالدعوة العلنية ، وانتهاء فترة الدعوة السرّية ، لذا قال البعض أنّ سورة العلق هي أوّل سورة نزلت في صدر البعثة ، والمدثر هي السورة الاولى التي نزلت بعد الدعوة العلنية ، وهذا الجمع هو الصحيح.

ومهما يكن فإنّ سياق السور المكّية التي تشير إلى الدعوة وإلى المبدأ والمعاد ومقارعة الشرك وتهديد المخالفين وإنذارهم بالعذاب الإلهي واضح الوضوح في هذه السورة.

يدور البحث في هذه السورة حول سبعة محاور وهي :

١ ـ يأمر الله تعالى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإعلان الدعوة العلنية ، ويأمر أن ينذر المشركين ، وتمسك بالصبر والاستقامة في هذا الطريق والاستعداد الكامل لخوض هذا الطريق.

٢ ـ تشير إلى المعاد وأوصاف أهل النّار الذين واجهوا القرآن بالتكذيب والإعراض عنه.

١٥٣

٣ ـ الإشارة إلى بعض خصوصيات النّار مع إنذار الكافرين.

٤ ـ التأكيد على المعاد بالأقسام المكررة.

٥ ـ ارتباط عاقبة الإنسان بعمله ، ونفي كل أنواع التفكر غير المنطقي في هذا الإطار.

٦ ـ الإشارة إلى قسم من خصوصيات أهل النّار وأهل الجنّة وعواقبهما.

٧ ـ كيفية فرار الجهلة والمغرورين من الحقّ.

فضيلة السورة :

ورد في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأ سورة المدثر اعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بمحمّد وكذب به بمكّة»(١) .

وورد في حديث آخر عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال : «من قرأ في الفريضة سورة المدثر كان حقّا على الله أن يجعله مع مجمّد في درجته ، ولا يدركه في حياة الدنيا شقاء أبدا»(٢)

وبديهي أنّ هذه النتائج العظيمة لا تتحقق بمجرّد قراءة الألفاظ فحسب ، بل لا بدّ من التمعن في معانيها وتطبيقها حرفيا.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٣.

(٢) المصدر السابق.

١٥٤

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧) فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠) )

التّفسير

قم وانذر النّاس :

لا شك من أنّ المخاطب في هذه الآيات هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن لم يصرح باسمه ، ولكن القرائن تشير إلى ذلك ، فيقول أوّلا :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ) فلقد ولى زمن النوم الاستراحة ، وحان زمن النهوض والتبليغ ، وورد التصريح هنا بالإنذار مع أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبشر ونذير ، لأنّ الإنذار له أثره العميق في إيقاظ الأرواح النائمة خصوصا في بداية العمل.

وأورد المفسّرون احتمالات كثيرة عن سبب تدثرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعوته إلى القيام والنهوض.

١ ـ اجتمع المشركون من قريش في موسم الحج وتشاور الرؤساء منهم

١٥٥

كأبي جهل وأبي سفيان والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وغيرهم في ما يجيبون به عن أسئلة القادمين من خارج مكّة وهم يناقشون أمر النّبي الذي قد ظهر بمكّة ، وفكروا في وأن يسمّي كلّ واحد منهم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باسم ، ليصدوا الناس عنه ، لكنّهم رأوا في ذلك فساد الأمر لتشتت أقوالهم ، فاتفقوا في أن يسمّوه ساحرا ، لأنّ أحد آثار السحرة الظاهرة هي التفريق بين الحبيب وحبيبه ، وكانت دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أثّرت هذا الأثر بين الناس! فبلغ ذلك النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتأثر واغتم لذلك ، فأمر بالدثار وتدثر ، فأتاه جبرئيل بهذه الآيات ودعاه إلى النهوض ومقابلة الأعداء.

٢ ـ إنّ هذه الآيات هي الآيات الأولى التي نزلت على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نقله جابر بن عبد الله قال : جاوزت بحراء فلمّا قضيت جواري نوديت يا محمّد ، أنت رسول الله ، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ، ونظرت خلفي فلم أر شيئا ، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فملئت منه رعبا ، فرجعت إلى خديجة وقلت : «دثروني دثروني ، واسكبوا عليّ الماء البارد» ، فنزل جبرئيل بسورة :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) .

ولكن بلحاظ أن آيات هذه السورة نظرت للدعوة العلنية ، فمن المؤكّد أنّها نزلت بعد ثلاث سنوات من الدعوة الخفية ، وهذا لا ينسجم والروية المذكورة ، إلّا أن يقال بأنّ بعض الآيات التي في صدر السورة قد نزلت في بدء الدعوة ، والآيات الأخرى مرتبطة بالسنوات التي تلت الدعوة.

٣ ـ إنّ النّبي كان نائما وهو متدثر بثيابه فنزل عليه جبرائيلعليه‌السلام موقظا إيّاه ، ثمّ قرأ عليه الآيات أن قم واترك النوم واستعد لإبلاغ الرسالة.

٤ ـ ليس المراد بالتدثر التدثر بالثياب الظاهرية ، بل تلبسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة والرسالة كما قيل في لباس التقوى.

١٥٦

٥ ـ المراد به اعتزالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانزواؤه واستعد لإنذار الخلق وهداية العباد(١) والمعني الأوّل هو الأنسب ظاهرا.

ومن الملاحظ أنّ جملة (فانذر) لم يتعين فيها الموضوع الذي ينذر فيه ، وهذا يدل على العمومية ، يعني إنذار الناس من الشرك وعبادة الأصنام والكفر والظلم والفساد ، وحول العذاب الإلهي والحساب المحشر إلخ (ويصطلح على ذلك بأن حذف المتعلق يدل على العموم). ويشمل ضمن ذلك العذاب الدنيوي والعذاب الاخروي والنتائج السيئة لأعمال الإنسان التي سيبتلى بها في المستقبل.

ثم يعطي للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة أوامر مهمّة بعد الدعوة إلى القيام والإنذار ، تعتبر منهاجا يحتذي به الآخرون ، والأمر الأوّل هو في التوحيد ، فيقول :( وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) (٢) .

ذلك الربّ الذي هو مالكك مربيك ، وجميع ما عندك فمنه تعالى ، فعليك أن تضع غيره في زاوية النسيان وتشجب على كلّ الآلهة المصطنعة ، وامح كلّ آثار الشرك وعبادة الأصنام.

ذكر كلمة (ربّ) وتقديمها على (كبّر) الذي هو يدل على الحصر ، فليس المراد من جملة «فكبر» هو (الله أكبر) فقط ، مع أنّ هذا القول هو من مصاديق التكبير كما ورد من الرّوايات ، بل المراد منه أنسب ربّك إلى الكبرياء والعظمة اعتقادا وعملا ، قولا فعلا وهو تنزيهه تعالى من كلّ نقص وعيب ، ووصفه

__________________

(١) أورد الفخر الرازي هذه التفاسير الخمسة بالإضافة إلى احتمالات أخرى في تفسيره الكبير ، واقتبس منه البعض الآخر من المفسّرين (تفسير الفخر الرازي ، ج ٣٠ ، ص ١٨٩ ـ ١٩٠).

(٢) الفاء من (فكبر) زائدة للتأكيد بقول البعض ، وقيل لمعنى الشرط ، والمعنى هو : لا تدع التكبير عند كلّ حادثة تقع ، (يتعلق هذا القول بالآيات الاخرى الآتية أيضا).

١٥٧

بأوصاف الجمال ، بل هو أكبر من أن يوصف ، ولذا ورد في الرّوايات عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام في معنى الله أكبر : «الله أكبر من أن يوصف» ، ولذا فإنّ التكبير له مفهوم أوسع من التسبيح الذي هو تنزيهه من كل عيب ونقص.

ثمّ صدر الأمر الثّاني بعد مسألة التوحيد ، ويدور حول الطهارة من الدنس فيضيف :( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) ، التعبير بالثوب قد يكون كناية عن عمل الإنسان ، لأنّ عمل الإنسان بمنزلة لباسه ، وظاهره مبين لباطنه ، وقيل المراد منه القلب والروح ، أي طهر قلبك وروحك من كلّ الأدران ، فإذا وجب تطهير الثوب فصاحبه اولى بالتطهير.

وقيل هو اللباس الظاهر ، لأنّ نظافة اللباس دليل على حسن التربية والثقافة ، خصوصا في عصر الجاهلية حيث كان الاجتناب من النجاسة قليلا وإن ملابسهم وسخة غالبا ، وكان الشائع عندهم تطويل أطراف الملابس (كما هو شائع في هذا العصر أيضا) بحيث كان يسحل على الأرض ، وما ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام في معنى أنّه : «ثيابك فقصر»(١) ، ناظر إلى هذا المعنى.

وقيل المراد بها الأزواج لقوله تعالى :( هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ ) (٢) ، والجمع بين هذه المعاني ممكن ، والحقيقة أنّ الآية تشير إلى أنّ القادة الإلهيين يمكنهم إبلاغ الرسالة عند طهارة جوانبهم من الأدران وسلامة تقواهم ، ولذا يستتبع أمر إبلاغ الرسالة ولقيام بها أمر آخر ، هو النقاء والطهارة.

ويبيّن تعالى الأمر الثّالث بقوله :( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) المفهوم الواسع للرجز كان سببا لأن تذكر في تفسيره أقوال مختلفة ، فقيل : هو الأصنام ، وقيل : المعاصي ، وقيل : الأخلاق الرّذيلة الذميمة ، وقيل : حبّ الدنيا الذي هو رأس كلّ خطيئة ، وقيل هو العذاب الإلهي النازل بسبب الترك والمعصية ، وقيل : كل ما يلهي

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٥.

(٢) البقرة ، ١٨٧.

١٥٨

عن ذكر الله.

والأصل أنّ معنى «الرجز» يطلق على الاضطراب والتزلزل(١) ثمّ اطلق على كل أنواع الشرك ، عبادة الأصنام ، والوساوس الشيطانية والأخلاق الذميمة والعذاب الإلهي التي تسبب اضطراب الإنسان ، فسّره البعض بالعذاب(٢) ، وقد اطلق على الشرك والمعصية والأخلاق السيئة وحبّ الدّنيا تجلبه من العذاب.

وما تجدر الإشارة إليه أنّ القرآن الكريم غالبا ما استعمل لفظ «الرجز» بمعنى العذاب(٣) ، ويعتقد البعض أنّ كلمتي الرجز والرجس مرادفان(٤) .

وهذه المعاني الثلاثة ، وإن كانت متفاوتة ، ولكنّها مرتبطة بعضها بالآخر ، وبالتالي فإنّ للآية مفهوما جامعا ، وهو الانحراف والعمل السيء ، وتشمل الأعمال التي لا ترضي اللهعزوجل ، والباعثة على سخر الله في الدنيا والآخرة ، ومن المؤكّد أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد هجر واتقى ذلك حتى قبل البعثة ، وتاريخه الذي يعترف به العدو والصديق شاهد على ذلك ، وقد جاء هذا الأمر هنا ليكون العنوان الأساس في مسير الدعوة إلى الله ، وليكون للناس أسوة حسنة.

ويقول تعالى في الأمر الرّابع :( وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ) .

هنا التعلق محذوف أيضا ، ويدل على سعة المفهوم كليته ، ويشمل المنّة على الله والخلائق ، أي فلا تمنن على الله بسعيك واجتهادك ، لأنّ الله تعالى هو الذي منّ عليك بهذا المقام المنيع.

ولا تستكثر عبادتك وطاعتك وأعمالك الصالحة ، بل عليك أن تعتبر نفسك مقصرا وقاصرا ، واستعظم ما وفقت إليه من العبادة.

__________________

(١) مفردات الراغب.

(٢) الميزان ، في ظلال القرآن.

(٣) راجع الآيات ، ١٣٤ ـ ١٣٥ من سورة الأعراف ، والآية ٥ من سورة سبأ ، والآية ١١ من سورة الجاثية ، والآية ٥٩ من سورة البقرة ، والآية ١٦٢ من سورة الأعراف ، والآية ٣٤ من سورة العنكبوت.

(٤) وذكر ذلك في تفسير الفخر الرازي بصورة احتمال ، ج ٣٠ ، ص ١٩٣.

١٥٩

وبعبارة أخرى : لا تمنن على الله بقيامك بالإنذار ودعوتك إلى التوحيد وتعظيمك لله وتطهيرك ثيابك وهجرك الرجز ، ولا تستعظم كل ذلك ، بل أعلم أنّه لو قدمت خدمة للناس سواء في الجوانب المعنوية كالإرشاد والهداية ، أم في الجوانب المادية كالإنفاق والعطاء فلا ينبغي أن تقدمها مقابل منّة ، أو توقع عوض أكبر ممّا أعطيت ، لأنّ المنّة تحبط الأعمال الصالحة :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) (١) .

«لا تمنن» من مادة «المنّة» وتعني في هذه الموارد الحديث عن تبيان أهمية النعم المعطاة للغير ، وهنا يتّضح لنا العلاقة بينه وبين الاستكثار ، لأنّ من يستصغر عمله لا ينتظر المكافأة ، فكيف إذن بالاستكثار ، فإنّ الامتنان يؤدي دائما إلى الاستكثار ، وهذا ممّا يزيل قيمة النعم ، وما جاء من الرّوايات يشير لهذا المعنى : «لا تعط تلتمس أكثر منها»(٢) كما جاء في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير الآية : «لا تستكثر ما عملت من خير لله»(٣) وهذا فرع من ذلك المفهوم.

ويشير في الآية الأخرى إلى الأمر الأخير في هذا المجال فيقول :( وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ) ، ونواجه هنا مفهوما واسعا عن الصبر الذي يشمل كلّ شيء ، أي اصبر في طريق أداء الرسالة ، واصبر على أذى المشركين الجهلاء ، واستقم في طريق عبودية الله وطاعته ، واصبر في جهاد النفس وميدان الحرب مع الأعداء.

ومن المؤكّد أنّ الصبر هو ضمان لإجراء المناهج السابقة ، والمعروف أنّ الصبر هو الثروة الحقيقية لطريق الإبلاغ والهداية ، وهذا ما اعتمده القرآن الكريم

__________________

(١) البقرة ، ٢٦٤.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٥٤ ، وتفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤٠٠.

(٣) المصدر السابق.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

٢٥١٨ - وروى جعفر بن القاسم(١) عن الصادق عليه السلام قال: " إن على ذروة كل جسر شيطانا(٢) ، فإذا انتهيت إليه فقل: بسم الله، يرحل عنك ".

٢٥١٩ - وقال أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: " أنا ضامن لمن خرج يريد سفرا معتما تحت حنكه ثلاثا ألا يصيبه السرق والغرق والحرق "(٣) .

باب توفير الشعر للحج والعمرة

٢٥٢٠ - روى معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " الحج أشهر معلومات شوال وذو القعدة وذو الحجة، ومن أراد الحج وفر شعره إذا نظر إلى هلال ذي القعدة ومن أراد العمرة وفر شعره شهرا "(٤) .

___________________________________

(١) كذا في النسخ والطريق اليه فيه أحمد بن أبى عبدالله عن أبيه عنه كما في المشيخة، وفى الكافى ج ٤ ص ٢٨٧ عن حفص بن القاسم وهكذا في المحاسن ص ٣٧٣.

(٢) في الصحاح " الجسر بكسر الجيم واحد الجسور التى يعبر عليها.

والجسر بالفتح العظيم من الابل وغيرها والانثى جسرة اه‍ " والمراد هنا الاول بقرينة قوله " إذا انتهيت اليه ". ويرحل أى يبعد.

(٣) رواه البرقى في المحاسن ص ٣٧٣ بسند ضعيف.

وقوله " معتما تحت حنكه " أى حين الذهاب إلى السفر لا في جميع السفر كما يفهم من الارادة.

وقوله " ثلاثا " اى أنا ضامن له ثلاثة أمور وهى التى يذكرها بعد.

وفى بعض النسخ " الشرق " بالشين المعجمة وهو الشجى والغصة، وشرق بريقة أى غص.

(٤) قال العلامة المجلسى رحمه الله: استحباب توفير شعر الرأس للمتمتع من أول ذى القعدة وتأكده عند هلال ذى الحجة قول الشيخ في الجمل وابن ادريس وسائر المتأخرين، وقال الشيخ في النهاية: " فاذا أراد الانسان أن يحج متمتعا فعليه أن يوفر شعر رأسه ولحيته من أول ذى القعدة ولا يمس شيئا منهما " وهو يعطى الوجوب.

ونحوه قال في الاستبصار: وقال المفيد في المقنعة إذا أراد الحج فليوفر شعر رأسه في مستهل ذى القعدة فان حلقه في ذى القعدة كان عليه دم يهريقه، وقال السيد في المدارك: لا دلالة لشئ من الروايات على اختصاص الحكم بمن يريد حج التمتع فالتعميم أولى.

٣٠١

وقد يجزي الحاج بالرخص أن يوفر شعره شهرا، روى ذلك هشام بن الحكم وإسماعيل بن جابر عن الصادق عليه السلام(١) .

ورواه إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام(٢) .

٢٥٢١ - وروي عن سماعة قال: " سألته عن الحجامة وحلق القفا في أشهر الحج قال: لا بأس ولا بأس بالنورة والسواك "(٣) .

باب مواقيت الاحرام

٢٥٢٢ - روى عبيدالله بن علي الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " الاحرام من مواقيت خمسة وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله، لا ينبغي لحاج ولا معتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها، وقت لاهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة(٤) كان يصلي فيه ويفرض

___________________________________

(١) في التهذيب ج ١ ص ٤٦٠ باسناده الصحيح عن اسماعيل بن جابر قال: " قلت لابى عبدالله عليه السلام: كم أوفر شعرى إذا أردت هذا السفر؟ قال: اعفه شهرا ".

(٢) في التهذيب ج ١ ص ٤٦٠ في الموثق عنه قال: " قلت لابى الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: مرنى كم أوفر شعرى إذا أردت العمرة، فقال: ثلاثين يوما ".

(٣) قال الشيخ في الاستبصار ج ٢ ص ١٦٠: فالوجه في هذا الخبر أن نحمل جواز ذلك على أشهر الحج التى هى شوال قال: لا بأس يأخذ الانسان من شعر رأسه ولحيته في هذا الشهر كله إلى غرة ذى القعدة، ثم استدل بخبر الحسين بن أبى العلاء عن أبى عبدالله عليه السلام حيث قال: " سألته عن الرجل يريد الحج أيأخذ من شعره في شوال كله ما لم ير الهلال؟ قال: نعم لا بأس به ".

وقال المولى المجلسى: في خبر سماعة: ظاهره الضرورة أو يحمل عليها أو على شوال جمعا بين الاخبار.

(٤) ذو الحليفة موضع على ستة أميال من المدينة.

وقال في مرآة العقول: " قال سيد المحققين: ظاهر المحقق والعلامة في كتبه: ان ميقات أهل المدينة نفس مسجد الشجرة، و جعل بعضهم الميقات الموضع المسمى بذى الحليفة ويدل على اطلاق عدة من الاخبار الصحيحة لكن مقتضى صحيحة الحلبى أن ذا الحليفة عبارة عن نفس المسجد، وعلى هذا فتصير الاخبار متفقة ويتعين الاحرام من المسجد انتهى.

ويحتمل أن يكون المراد هو الموضع الذى فيه مسجد الشجرة ولا ريب أن الاحرام من المسجد أولى وأحوط ".

٣٠٢

الحج(١) ، فاذا خرج من المسجد فسار واستوت به البيداء حين يحازي الميل الاول أحرم(٢) .

ووقت لاهل الشام الجحفة(٣) ووقت لاهل نجد العقيق(٤) ووقت لاهل الطائف قرن المنازل(٥) ووقت لاهل اليمن يلملم(٦) ولا ينبغي لاحد أن يرغب عن مواقيت رسول الله صلى الله عليه وآله ".

٢٥٢٣ - وفي رواية رفاعة بن موسى عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " وقت

___________________________________

(١) في الكافى ج ٤ ص ٣١٩ " يفرض فيه الحج " وهكذا في التهذيب وليس فيهما لفظة " كان "(٢) ليس في التهذيب والكافى من قوله " فاذا خرج إلى قوله أحرم ".

ومعنى قوله: " فسارت واستوت به البيداء " أى دخل فيها لان مسجد الشجرة في المنخفضة والبيداء مستعلية عليها فما لم يدخل فيها لم يستويه البيداء كما قاله المولى المجلسى رحمه الله.

(٣) تسمى برابغ وفى المراصد الجحفة بالضم ثم السكون والفاء كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق مكة على أربع مراحل وهى ميقات أهل مصر والشام، ان لم يمروا على المدينة وكان اسمها مهيعة وسميت الجحفة لان السيل جحفها، وبينها وبين البحر ستة أميال، وبينها وبين غدير خم ميلان ".

وفى القاموس الجحفة ميقات أهل الشام وكانت قرية جامعة على اثنين وثمانين ميلا من مكة، وكانت تسمى مهيعة فنزل بها بنو عبيل وهم اخوة عادو كان أخرجهم العماليق من يثرب فجاء‌هم سيل الجحاف فاجتحفهم فسميت الجحفة.

(٤) هو موضع قريب من ذات عرق قبلها بمرحلة أو مرحلتين، وفى بلاد العرب مواضع كثيرة تسمى العقيق، وكل موضع شققته من الارض فهو عقيق. (النهاية)

(٥) في المراصد: قرن المنازل هو ميقات أهل نجد تلقاء مكة على يوم وليلة.

وقال في القاموس: هو قرية عند الطائف أو اسم الوادى كله.

(٦) في القاموس: يلملم وألملم ميقات اليمن جبل على مرحلتين من مكة.

وفى المراصد: موضع على ليلتين من مكة وفيه مسجد لمعاذ بن جبل.

٣٠٣

رسول الله صلى الله عليه وآله العقيق لاهل نجد، وقال: هو وقت لما أنجدت الارض(١) وأنتم منهم ووقت لاهل الشام الجحفة ويقال لها: مهيعة ".

٢٥٢٤ - وروى معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " يجزيك إذا لم تعرف العقيق أن تسأل الناس والاعراب عن ذلك "(٢) .

٢٥٢٥ - وقال الصادق عليه السلام: " أول العقيق بريد البعث(٣) وهو بريد من دون بريد غمرة ".

٢٥٢٦ - وقال الصادق عليه السلام: " وقت رسول الله صلى الله عليه وآله لاهل العراق العقيق وأوله المسلخ ووسطه غمرة(٤) وآخره ذات عرق، وأوله

___________________________________

(١) أى هو ميقات لمن أدخلته الارض في نجد وأنتم أهل العراق منهم، وفى القاموس النجد ما أشرف من الارض أعلاه تهامة واليمن وأسفله العراق والشام وأوله من جهة الحجاز ذات عرق.

(٢) يدل على الاعتماد عليهم في تحقيق المواضع والمشاعر، ولعله مع حصول العلم بالتواتر أو الاستفاضة.(م ت)

(٣) قال العلامة المجلسى رحمه الله في المرآة: " في النسخ [يعنى الكافى] بالغين المعجمة وهو غير مذكور في اللغة وصحح بعض الافاضل البعث بالعين المهملة بمعنى الجيش وقال: لعله كان موضع بعث الجيوش انتهى، وقال والده (ر ه): البعث هو أول العقيق.

وفى هامش الفقيه المطبوع بالنجف: " البعث بالعين المهملة والثاء المثلثة وهو مكان دون المسلخ بستة أميال مما يلى العراق " وقال الشيخ حسن في المنتقى: لم أقف على ضبط لغة النغب الا في خط العلامة في المنتهى، فانه ضبطه بالنون ثم الغين المعجمة والباء الموحدة.

وفى القاموس " الثغب: الغدير في ظل جبل ".

وربما يقال يريد النغب بالنون قبل الغين المعجمة والباء الموحدة أخيرا ويحكى الضبط كذلك أيضا بخط العلامة في المنتهى.

وكيف كان في الكافى عن معاوية بن عمار " بريد البعث دون غمرة ببريدين " ولعل رواية المصنف هذا هو رواية معاوية بن عمار والاختلاف من النساخ.

وقيل الغمرة بفتح المعجمة بئر بمكة قديمة.

(٤) قال العلامة المجلسى (ر ه) قال السيد رحمه الله: انا لم نقف على ضبط المسلخ وغمرة على شئ يعتد به وقال في التنقيح: المسلح بالسين والحاء المهملتين واحد المسالح وهى المواضع العالية ; ونقل جدى عن بعض الفقهاء أنه ضبطه بالخاء المعجمة من السلخ وهو نزع الثياب للاحرام، ومقتضى ذلك تأخير التسمية عن وضعه ميقاتا.

وأما ذات عرق ففى القاموس " انها بالبادية ميقات العراقيين " وقيل: انها كانت قرية فخربت.

٣٠٤

أفضل "(١) .

ولا يجوز الاحرام قبل بلوغ الميقات(٢) ، ولا يجوز تأخيره عن الميقات إلا لعلة أو تقية(٣) .

وإذا كان الرجل عليلا أو اتقى فلا بأس بأن يؤخر الاحرام إلى ذات عرق(٤) .

___________________________________

(١) قال المولى المجلسى رحمه الله: لم نجده مسندا ولكنه عمل أكثر الاصحاب عليه وأكثر الاخبار على خلافه كما تقدم، نعم روى الشيخ في الموثق عن أبى بصير قال: " سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: حد العقيق أوله مسلخ وآخره ذات عرق " أى في الفضيلة لما رواه الكلينى في الصحيح عن صفوان عن اسحاق بن عمار قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن الاحرام من غمرة، قال: ليس به بأس وكان بريد العقيق أحب إلى " وحملها على التقية أظهر لان ذات عرق ميقات قرره الثانى من الخلفاء.

(٢) راجع الكافى ج ٤ ص ٣٢١ باب من أحرم دون الميقات، وفيه في الحسن كالصحيح عن ابن أذينة قال قال أبو عبدالله عليه السلام: " من أحرم بالحج في غير أشهر الحج فلا حج له، ومن أحرم دون الميقات فلا احرام له " وفى آخر عن زرارة عن أبى جعفر عليه السلام " مثل ذلك مثل من صلى في السفر أربعا وترك الثنتين ".

(٣) روى الكلينى رحمه الله في الكافى ج ٤ ص ٣٢٣ في الصحيح عن صفوان بن يحيى عن أبى الحسن الرضا عليه السلام قال: " كتبت اليه أن بعض مواليك بالبصرة يحرمون ببطن العقيق وليس بذلك الموضع ماء ولا منزل وعليهم في ذلك مؤونة شديدة ويعجلهم أصحابهم و جمالهم ومن وراء بطن العقيق بخمسة عشر ميلا منزل فيه ماء وهو منزلهم الذى ينزلون فيه فترى أن يحرموا من موضع الماء لرفقه بهم وخفته عليهم؟ فكتب " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وقت المواقيت لاهلها ولمن أتى عليها من غير أهلها وفيها رخصة لمن كانت به علة فلا يجاوز الميقات الا من علة". والتقية علة بل أعظم العلل.

(٤) كأنه مخالف لما تقدم من جواز تأخير الاحرام إلى ذات عرق الا أن يحمل على الاستحباب أو نفى الكراهة ويشعر بكونها ميقاتا.(م ت)

٣٠٥

٢٥٢٧ - وسأل معاوية بن عمار أبا عبدالله عليه السلام " عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة فقال: لا بأس"(١) .

٢٥٢٨ - وروي عن أبي بصير(٢) قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " إنا نروى بالكوفة أن عليا عليه السلام قال: إن من تمام حجك إحرامك من دويرة أهلك، فقال: سبحان الله لو كان كما يقولون لما تمتع(٣) رسول الله صلى الله عليه وآله بثيابه إلى الشجرة "(٤) .

٢٥٢٩ - وسأل ميسر الصادق عليه السلام " عن رجل أحرم من العقيق وآخر أحرم من الكوفة أيهما أفضل عملا؟ فقال: يا ميسر تصلي العصر أربعا أفضل(٥) أو تصليها ستا؟ فقلت: أصليها أربعا، قال: فكذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وآله أفضل من غيرها ".

٢٥٣٠ - وسئل [الصادق] عليه السلام " عن رجل منزله خلف الجحفة من أين يحرم؟ قال: من منزله ".

٢٥٣١ - وفي خبر آخر " من كان منزله دون المواقيت ما بينها وبين مكة فعليه أن يحرم من منزله "(٦) .

_________________________________

(١) يدل بظاهره على جواز التأخير اختيارا إلى الجحفة لاهل المدينة ويفهم من المصنف رحمه الله أنه يعمل به كما ظهر سابقا لكنه محمول على الجهل أو النسيان جمعا بين الاخبار.(م ت)

(٢) كذا، وفى الكافى ج ٤ ص ٣٢٢ في الضعيف وفى التهذيب ج ١ ص ٤٦٣ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبى نصر، عن مهران بن أبى نصر، عن رباح بن أبى نصر.

وكأنه كان عن ابن أبى نصر فغيره النساخ تصحيفا ويمكن أن يكون السوأل منهما.

(٣) في الكافى " ما كان يمنع " وفى التهذيب " لم يتمتع ".

(٤) أى إلى المسجد الشجرة، قال في التهذيب، وانما معنى دويرة أهله من كان أهله وراء الميقات إلى مكة.

(٥) الافضل هنا ما يأتى بمعنى الصواب وهو نوع من الموعظة في التخطئة.(م ت)

(٦) روى نحوه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبى عبدالله عليه السلام في التهذيب ج ١ ص ٤٦٣.

٣٠٦

٢٥٣٢ - وروى الحسن بن محبوب، عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " من أقام بالمدينة وهو يريد الحج شهرا أو نحوه ثم بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة فإذا كان حذاء الشجرة والبيداء مسيرة ستة أميال فليحرم منها "(١) .

باب التهيؤ للاحرام

٢٥٣٣ - روى معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إذا انتهيت إلى العقيق من قبل العراق أو إلى وقت من هذه المواقيت وأنت تريد الاحرام - إن شاء الله - فانتف إبطيك(٢) وقلم أظفارك، واطل عانتك، وخذ من شاربك، ولا يضرك بأي ذلك بدأت، ثم استك واغتسل، والبس ثوبيك(٣) وليكن فراغك من ذلك - أن شاء الله تعالى - عند زوال الشمس، وإن لم يكن ذلك عند زوال الشمس فلا يضرك

___________________________________

(١) قال العلامة المجلسى رحمه الله: إذا حج المكلف على طريق لا يفضى إلى أحد المواقيت فقد ذكر جمع من الاصحاب أنه يجب عليه الاحرام إذا غلب على ظنه محاذاة الميقات لهذا الخبر، فقيل: يحرم على محاذاة أقرب المواقيت إلى طريقه ولو سلك طريقا لم يؤد إلى محاذاة ميقات قيل يحرم من مساواة أقرب الاماكن إلى مكة، واستقرب العلامة رحمه الله وجوب الاحرام من أدنى الحل وهو حسن.

وقال السيد رحمه الله: لولا ورود الرواية بالمحاذاة لامكن المناقشة فيه أيضا مع أن الرواية انما تدل على محاذاة مسجد الشجرة والحاق غيره يحتاج إلى دليل انتهى.

وفىالكافى بعد نقله: وفى رواية اخرى " يحرم من الشجرة يأخذ أى طريق شاء " وظاهرها عدم جواز الاكتفاء بالمحاذاة.

(٢) يمكن أن يكون المراد بالنتف مطلق الازالة فعبر عنه بما هو الشايع، فان الظاهر أن الحلق أفضل من النتف والطلى أفضل من الحلق كما صرح به جماعة من الاصحاب. (المرآة)

(٣) يعنى للاحرام مقدما عليه ويظهر منه ومن غيره من الاخبار أن لبس ثوبى الاحرام واجب فيه لا أنه جزء حقيقة حتى يكون المقارنة مع الاحرام شرطا في صحته. (م ت)

٣٠٧

إلا أن ذلك أحب إلى أن يكون عند زوال الشمس "(١) .

٢٥٣٤ - وروى معاوية بن وهب قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام - ونحن بالمدينة - عن التهيؤ للاحرام، فقال: اطل بالمدينة وتجهز بكل ما تريد، واغتسل إن شئت(٢) ، وإن شئت استمتعت بقميصك حتى تأتي مسجد الشجرة ".

٢٥٣٥ - وسأل(٣) معاوية بن عمار " عن الرجل يطلي قبل أن يأتي الوقت بست ليال؟ قال: لا بأس [به].

وسأله عن الرجل يطلي قبل أن يأتى مكة بسبع ليال او ثمان ليال؟ قال لا بأس به ".

٢٥٣٦ - وروى علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: " سأل رجل أبا عبدالله عليه السلام وأنا حاضر فقال: إذا اطليت للاحرام الاول كيف لي أن أصنع في الطلية الاخيرة وكم حد ما بينهما؟ فقال: إن كان بينهما جمعتان خمسة عشر يوما فاطل "(٤) .

٢٥٣٧ - وروى ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم قال: " ارسلنا إلى أبي - عبدالله عليه السلام ونحن جماعة بالمدينة: إنا نريد أن نودعك، فأرسل إلينا أبوعبدالله عليه السلام أن اغتسلوا بالمدينة فإني أخاف أن يعز الماء عليكم بذي الحليفة، فاغتسلوا بالمدينة(٥) والبسوا ثيابكم التي تحرمون فيها، ثم تعالوا فرادى ومثانى(٦) ،

___________________________________

(١) هذه المقدمات كلها مستحبة كما قطع به الاصحاب الا الغسل فانه ذهب به ابن أبى عقيل إلى الوجوب والمشهور فيه الاستحباب أيضا.(المرآة)

(٣) في التهذيب ج ١ ص ٤٦٤ " واغتسل " بدون قوله " ان شئت ".

(٣) كذا، والظاهر " سأله " والسهو من النساخ بقرينة ما يأتى.

(٤) ظاهر الاكتفاء بأقل من خمسة عشر يوما وعدم استحبابه لاقل من ذلك كما هو ظاهر المحقق وجماعة، وذهب العلامة وجماعة إلى أن المراد به نفى تأكد الاستحباب ويستحب قبل ذلك أيضا لغيره من الاخبار وهو أظهر.(المرآة)

(٥) عز الماء يعز عزازة إذا قل ولا يكاد يوجد فهو عزيز.

ولا خلاف في جواز تقديم الغسل على الميقات مع خوف عوز الماء ويظهر من بعض الاخبار الجواز مطلقا، والمشهور استحباب الاعادة إذا وجد الماء في الميقات وهذا الخبر يدل على الحكمين معا.

(٦) يدل على استحباب لبس ثوبى الاحرام بعد الغسل (م ت) ولعل منعهم عن الاتيان مجتمعين مبنى على التقية والخوف من الاعداء.(مراد)

٣٠٨

قال: فاجتمعنا عنده فقال له ابن أبي يعفور: ما تقول في دهنة(١) بعد الغسل للاحرام فقال: قبل وبعد ومع ليس به بأس، وقال: ثم دعا بقارورة بان سليخة(٢) ليس فيها شئ فأمرنا فادهنا منها، فلما أردنا أن نخرج قال: لا عليكم أن تغتسلوا إن وجدتم ماء إذا بلغتم ذا الحليفة "(٣) .

٢٥٣٨ - وسأله محمد الحلبي " عن دهن الخيرى(٤) والبنفسج أندهن به إذا أردنا أن نحرم؟ قال: نعم.

وسأله عن الرجل يغتسل بالمدينة لاحرامه فقال: يجزيه ذلك

___________________________________

(١) " دهنه " اما بتاء الوحدة أو بالضمير الراجع إلى المحرم.

(٢) أى الدهن المتخذ من ثمر البان قبل أن يربب، وقوله " ليس فيها شئ " أى من الطيب الذى تبقى رائحته بعد الاحرام، ولا خلاف بين الاصحاب في حرمة استعمال الدهن المطيب بعد الاحرام، وكذا غير المطيب على المشهور وجوزه جماعة، وأما قبل الاحرام فالمشهور عدم جواز استعمال دهن تبقى رائحته بعد الاحرام.

قال في المدارك: أما تحريم استعمال أدهان الطيبة كدهن الورد والبنفسج والبان في حال الاحرام فقال في المنتهى: انه قول عامة أهل العلم ويجب به الفدية اجماعا، وأما تحريم استعمالها قبل الاحرام إذا كانت رائحته تبقى إلى وقت الاحرام فهو قول الاكثر وجعله ابن حمزة مكروها والاصح التحريم لورود النهى عنه في عدة روايات كحسنة الحلبى [المروية في الكافى ج ٤ ص ٣٢٩]

عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم، وادهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم فاذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل ".

ورواية على بن أبى حمزة [الاتية تحت رقم ٢٥٤٠]

ومقتضى الروايتين جواز التدهن بغير المطيب قبل الاحرام ونقل عليه في التذكرة الاجماع، واطلاق النص وكلام الاصحاب يقتضى عدم الفرق في ذلك بين ما يبقى أثره إلى حال الاحرام وغيره، واحتمل بعض الاصحاب تحريم الادهان مما يبقى أثره بعد الاحرام قياسا على المطيب وهو بعيد، ولا يخفى أن تحريم الادهان بالمطيب قبل الاحرام انما يتحقق مع وجوب الاحرام وتضيق وقته والا لم يكن الادهان محرما وان حرم إنشاء الاحرام قبل زوال أثره كما هو واضح.

(٣) يدل على جواز الادهان بعد الغسل وعلى استحباب الغسل في الميقات مع التمكن.

(٤) كذا في بعض النسخ، وفى بعضها " دهن الحسنى " وفى أكثرها " دهن الحناء "

كما في التهذيب ج ٢ ص ٥٣٣ والاستبصار ج ٢ ص ١٨٢.

والظاهر أن الصواب ما أخترناه وهو بكسر الخاء المعجمة دهنه معروف ويقال له بالفارسية (شب بو).

٣٠٩

من الغسل بذي الحليفة "(١) .

٢٥٣٩ - وروى معاوية بن عمار عنه عليه السلام قال: " الرجل يدهن بأي دهن شاء إذا لم يكن فيه مسك ولا عنبر ولا زعفران ولا ورس(٢) قبل أن يغتسل للاحرام قال: ولا تجمر ثوبا لاحرامك ".

٢٥٤٠ - وروى القاسم بن محمد الجوهري، عن علي بن أبي حمزة قال: " سألته عن الرجل يدهن بدهن فيه طيب وهو يريد أن يحرم؟ فقال: لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر يبقى ريحه في رأسك بعدما تحرم، وادهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم قبل الغسل وبعده، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل ".

٢٥٤١ - وروى حماد، عن حريز عن أبي عبدالله عليه السلام أنه " كان لا يرى بأسا بأن تكتحل المرأة وتدهن وتغتسل بعد هذا كله للاحرام "(٣) .

٢٥٤٢ - وفي رواية جميل أنه قال: " غسل يومك يجزيك لليلتك، وغسل ليلتك يجزيك ليومك "(٤) .

٢٥٤٣ - وسئل أبوجعفر عليه السلام " عن رجل اغتسل لاحرامه ثم قلم أظفاره،

___________________________________

(١) يدل على جواز الادهان بأمثال هذه الادهان وعلى الاكتفاء بغسل المدينة.

(٢) الورس: نبات كالسمسم ليس الا باليمن.

(٣) يحمل على الدهن الذى لا يكون فيه الطيب الذى يبقى ريحه بعد الاحرام وكذا الاكتحال. (م ت)

(٤) هذا الخبر وان لم يذكر فيه أنه للاحرام لكن ذكره المؤلف في هذا الباب كما ذكر الاصحاب نحوه أيضا وذلك اما لعمومه أو معلوم عندهم بالقرائن أن المراد غسل الاحرام ويمكن أن يستنبط منه حكم غسل الزيارات وغيرها.

وروى الكلينى ج ٤ ص ٣٢٧ في الصحيح عن عمر بن يزيد عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " غسل يومك ليومك وغسل ليلتك لليلتك ".

٣١٠

قال: يمسحها بالماء(١) ولا يعيد الغسل ".

ولا بأس أن يغتسل الرجل بكرة ويحرم عشية.

وإن لبست ثوبا من قبل أن تلبي فانزعه من فوق وأعد الغسل ولا شئ عليك وإن لبسته بعد ما لبيت فانزعه من أسفل وعليك دم شاة، وإن كنت جاهلا فلا شئ عليك(٢) .

وإذا اغتسل الرجل للاحرام فلا بأس أن يمسح رأسه بمنديل وإزار(٣) .

وإذا اغتسل الرجل للاحرام ثم نام قبل أن يحرم فعليه إعادة الغسل استحبابا لانه قد:

٢٥٤٤ - روى العيص بن القاسم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سألته عن الرجل يغتسل للاحرام بالمدينة ويلبس ثوبين، ثم ينام قبل أن يحرم؟ قال: ليس عليه غسل "(٤) .

___________________________________

(١) أى استحبابا لكراهة الحديد.

(٢) روى الكلينى في الكافى في الحسن كالصحيح ج ٤ ص ٣٤٨ والشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار وغير واحد عن أبى عبدالله عليه السلام " في رجل أحرم وعليه قميص، قال: ينزعه ولا يشقه وان كان لبسه بعد ما أحرم شقه وأخرجه مما يلى رجليه " والظاهر أنه لئلا يغطى رأسه.

وفى الكافى ج ٤ ص ٣٢٨ باسناده عن على بن أبى حمزة قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الرجل اغتسل للاحرام ثم لبس قميصا قبل أن يحرم قال: قد انتقض غسله ".

والمشهور استحباب اعادة الغسل بعد لبس المحرم ما لا يجوز له.

وفيه أيضا في الصحيح عن زرارة عن أبى جعفر عليه السلام قال: " من لبس ثوبا لا ينبغى له لبسه وهو محرم ففعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شئ عليه، ومن فعله متعمدا فعليه دم ".

(٣) روى الكلينى في الكافى ج ٤ ص ٣٢٩ في الحسن كالصحيح عن ابن دراج عن أحدهما عليهما السلام " في الرجل يغتسل للاحرام ثم يمسح رأسه بمنديل؟ قال: لا بأس به ".

(٤) في الكافى ج ٤ ص ٣٢٨ في الصحيح عن النضر بن سويد عن أبى الحسن عليه السلام قال: " سألته عن الرجل يغتسل للاحرام ثم ينام قبل أن يحرم؟ قال: عليه اعادة الغسل ".

وقال في المدارك: الاصح عدم انتقاض الغسل بالنوم وان استحب الاعادة بل لا يبعد تأكد استحباب الاعادة لصحيحة العيص بن القاسم.

٣١١

ومن اغتسل أول الليل ثم أحرم آخر الليل أجزأه غسله(١) .

باب وجوه الحاج

٢٥٤٥ - روى منصور الصيقل عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " الحاج عندنا على ثلاثة أوجه: حاج متمتع، وحاج مفرد للحج، وسائق للهدي - والسائق هو القارن - "(٢) .

ولا يجوز لاهل مكة ولا حاضريها التمتع بالعمرة إلى الحج، وليس لهم إلا القران أو الافراد لقول الله عزوجل: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج(٣) فما استيسر من الهدي " ثم قال بعد ذلك: " ذلك لمن يكن أهله حاضري المسجد الحرام " وحد حاضري المسجد الحرام أهل مكة وحواليها على ثمانية وأربعين ميلا، ومن كان خارجا من هذا الحد فلا يحج إلا متمتعا بالعمرة إلى الحج ولا يقبل الله غيره.

٢٥٤٦ - وروى ابن بكير، عن زرارة قال: " سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: من طاف بالبيت وبالصفا والمروة أحل إن أحب أو كره(٤) " إلا من اعتمر في عامه ذلك أو

___________________________________

(١) تقدم الكلام فيه وروى الكلينى ج ٤ ص ٣٢٨ عن البطائنى عن أبى بصير قال: " سألته عن الرجل يغتسل بالمدينة لاحرامه أيجزيه ذلك من غسل ذى الحليفة؟ قال: نعم فأتاه رجل وأنا عنده فقال: اغتسل بعض أصحابنا فعرضت له حاجة حتى أمسى، قال: يعيد الغسل، يغتسل نهارا ليومه ذلك وليلا لليلته " ويحمل على ما لو لم ينم.

(٢) ما يدل عليه من انقسام الحج إلى الاقسام الثلاثة وحصره فيها مما أجمع عليه العلماء.

وأما انكار عمر التمتع فقد ذكر المخالفون أيضا أنه قد تحقق الاجماع بعده على جوازه.

(٣) أى تمتع بعد العمرة من النساء والثياب والطيب وغيرها من محرمات الاحرام إلى الاحرام بالحج. (م ت)

(٤) الخبر إلى هنا في الكافى ج ٤ ص ٢٩٩ والتهذيب.وما بعده من كلام الراوى ظاهرا.

٣١٢

ساق الهدي وأشعره وقلده(١) .

٢٥٤٧ - وروى ابن اذينة، عن زرارة قال: " جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام وهو خلف المقام فقال: إني قرنت بين حجة وعمرة، فقال: هل طفت بالبيت؟ فقال: نعم(٢) قال: هل سقت الهدي؟ قال: لا، فأخذ أبوجعفر عليه السلام بشعره، ثم قال:

___________________________________

(١) لا أعلم له معنى صريحا ويمكن أن يكون فيه سقطا أو تصحيفا، وقال الفيض رحمه الله في الوافى: بناء استثناء المعتمر على عدم جواز عمرتين في عام فانه إذا كان كذلك لم يكن طوافه من عمرة صحيحة فلا عقد لا حل.

ومورد الكلام في هذا الحديث طواف المفردين المقدمين وان عم حكمه في الحج مطلقا.

وقال الشيخ محمد: الغرض رد العامة الذين يدخلون مكة محرما ويطوفون قاصدين طواف القدوم من دون احلال بل يبقون على احرامهم فقال: هم محلون كرهوا او أحبوا الا من اعتمر لعامه ليتمتع فانه يحل باختياره وسائق الهدى إذا قدم الطواف لا يحل فالاستثناء من قوله " أحب أو كره " اه‍.

وقال الفاضل التفرشى مثله.

(٢) اريد بالطواف البيت والمسعى معا (الوافى) وقال المولى المجلسى رحمه الله: قوله " انى قرنت بين حجة وعمرة " أى قلت حين التلبية لبيك بحجة وعمرة، وهذا الكلام لو قاله المتمتع كان معناه أنى أعتمر عمرة أتمتع بعدها إلى الحج، وان قاله القارن الذى ساق الهدى كان معناه أنى أحج ان أمكن ولا أعتمر بعمرة مفردة، وان قاله المفرد فان كان لا يدرى أن التمتع عليه واجب أو لم يجب عليه بان كان من أهل مكة وحواليها فان لم يلب بعد صلاة الطواف ولم يعقد احرامه بالتلبية تصير حجه عمرة أو يمكنه أن يجعله عمرة بالنية بل لو كان عامدا وكان التمتع عليه واجبا يمكنه النقل كما يظهر من الاخبار ويدل عليه اطلاق هذا الخبر أيضا وان كان قصده من الطواف المستحب القدومى لا التقديمى.

وقال استاذنا الشعرانى: يحتمل أن يكون المقصود القران على مذهب العامة بأن ينوى الجمع بين العمرة والحج في احرام واحد وهو غير جائز عندنا، فان خالف ونوى الجمع اختلف الفقهاء فقال بعضهم: لا يقع حجا ولا عمرة، وقال بعضهم: يصح حجا مفردا ويجوز له أن يعدل إلى عمرة التمتع قال الشيخ رحمه الله في الخلاف: إذا قرن بين العمرة والحج في احرامه لم ينعقد احرامه الا بالحج، فان أتى بافعال الحج لم يلزمه دم، وان أراد أن يأتى بأفعال العمرة ويحل ويجعلها متعة جاز ذلك ويلزمه الدم، ومثله في المبسوط، والرواية موافقة لهذا القول وذلك لان احرامهم لو كان باطلا لوجب على الامام ردعهم لاتركهم على الباطل وتقريرهم على ما أتوا به ويحتمل استفادة البطلان كما قاله المراد رحمه الله قوله قال " ثم أحللت " لعله كناية عن بطلان احرامه ولعل السؤال عن الطواف والسياق لبيان الحال لا لان لهما دخلا في الحكم انتهى.

٣١٣

أحللت الله "(١) .

٢٥٤٨ - وروى أبو أيوب بن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إن أحدهم(٢) يقرن ويسوق فأدعه عقوبة بما صنع ".

٢٥٤٩ - وروي عن يعقوب بن شعيب(٣) قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " الرجل يحرم بحجة وعمرة وينشئ العمرة أيتمتع(٤) ؟ قال: نعم ".

٢٥٥٠ - وروى إسحاق بن عمار، عن أبي بصير قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " رجل يفرد الحج فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة، ثم يبدو له أن يجعلها عمرة، فقال: إن كان لبى بعد ما سعى قبل أن يقصر فلا متعة له "(٥) .

___________________________________

(١) الظاهر أن هذا كناية عن التقصير أى قصر أو أخذ عليه السلام من شعره.

وقيل: الضمير راجع اليه عليه السلام تأكيدا للقسم أى أخذ عليه السلام بلحية نفسه وقال: أحللت والله. وهو بعيد. وقال في الوافى اريد بالاخذ بشعره التقصير أو تعليمه اياه.

(٢) من المخالفين ومعنى " أدعه " أى لا ابين لهم أفضلية التمتع عقوبة لترك متابعته امام الحق.

(٣) السند صحيح على ما في الخلاصة.

(٤) يعنى مع أنه قال: لبيك بحجة وعمرة وقدم الحجة في النية ولما قدم مكة قلبها تمتعا أيجوز ذلك، قال: نعم وذلك لان الواو لا يدل على الترتيب.

وقال الفاضل التفرشى المراد أنه نوى في أحرامه الحج والعمرة ثم عدل عنه إلى الاحرام بالعمرة.

وفى بعض النسخ " ينسى " بالسين المهملة فينبغى أن يراد بيحرم يريد الاحرام للحجة المتمتع بها فنسى أن يحرم بالعمرة فمعنى أيتمتع أله أن يعدل عنه إلى العمرة ويتمتع.

وقال استاذنا الشعرانى: الاظهر أن السؤال عن القران على مذهب العامة والجواب أنه صحيح يقع حجا مفردا يجوز له العدول إلى العمرة موافقا لقول الخلاف، ولا يبعد أن يكون " ينسئ " مهموز اللام من الانساء بمعنى التأخير لان العامة يجوزون في القران أن ينوى الحج والعمرة نية واحدة عند الاحرام وأن ينوى الاحرام بالحج أولا، ثم يدخل العمرة في احرامه بعد مضى مدة.

وقال الفيض رحمه الله: اريد بهذه الاخبار جواز العدول عن الافراد إلى التمتع ما لم يسق الهدى فيقصر ويحرم بحج التمتع الا أنه ان كان قد لبى بعد ما سعى قبل أن يقصر فلا متعة له كما يأتى.

(٥) ذلك لانه أبطل عمرته بالتلبية قبل اكمالها. (الوافى)

٣١٤

٢٥٥١ - وكتب علي بن ميسر إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام يسأله " عن رجل اعتمر في شهر رمضان(١) ثم حضر الموسم أيحج مفردا للحج أو يتمتع أيهما أفضل؟ فكتب عليه السلام إليه: يتمتع"(٢) .

٢٥٥٢ - وروى حفص بن البختري عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " المتعة والله أفضل وبها نزل القرآن وجرت السنة إلي يوم القيامة(٣) ".

٢٥٥٣ - وروى الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " قال ابن عباس: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ".

٢٥٥٤ - وسأل أبوأيوب إبراهيم بن عثمان الخزاز أبا عبدالله عليه السلام " أي أنواع الحج أفضل؟ فقال: المتعة وكيف يكون شئ أفضل منها ورسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما فعل الناس ".

والمتمتع هو الذي يحج في أشهر الحج ويقطع التلبية إذا نظر إلى بيوت مكة فإذا دخل مكة طاف بالبيت سبعا وصلى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام وسعى بين الصفا والمروة سبعا وقصر وأحل فهذه عمرة يتمتع بها من الثياب والجماع والطيب وكل شئ يحرم على المحرم على إلا الصيد لانه حرام على المحل في الحرم وعلى المحرم في الحل والحرم، ويتمتع بما سوى ذلك إلى الحج.

والحج ما يكون بعد يوم التروية من عقد الاحرام الثاني بالحج المفرد، والخروج إلى منى(٤) ومنها إلى عرفات، وقطع التلبية عند زوال الشمس يوم عرفة(٥) والجمع فيها بين الظهر والعصر(٦) بأذان واحد وإقامتين، والوقوف بها إلى غروب

___________________________________

(١) أى لم يكن من أشهر الحج حتى يتمتع بعمرته. (م ت)

(٢) في الكافى ج ٤ ص ٢٩٢ " يتمتع أفضل ".

(٣) أى لم ينسخ كما قاله بعض المخالفين تقوية لقول عمر.

(٤) للبيتوتة بها استحبابا ومنها إلى عرفات وجوبا.

(٥) ونية الوقوف عنده على المشهور.

(٩) أى استحبابا، و " بأذان واحد " أى للظهر.

٣١٥

الشمس، والافاضة إلى المشعر الحرام(١) والجمع بين المغرب والعشاء بها بأذان واحد وإقامتين، والبيتوتة بها(٢) والوقوف بها بعد الصبح إلى تطلع الشمس على جبل ثبير(٣) والرجوع إلى منى، والذبح والحلق والرمي(٤) ودخول مسجد الحصباء(٥) والاستلقاء فيه على القفا،: وزيارة البيت وطواف الحج وهو طواف الزيارة، وطواف النساء(٦) فهذه صفة المتمتع بالعمرة إلى الحج.

والمتمتع عليه ثلاثة أطواف بالبيت: طواف للعمرة، وطواف للحج، وطواف للنساء(٧) وسعيان بين الصفا والمروة(٨) كما ذكرناه.

وعلى القارن والمفرد طوافان بالبيت وسعيان بين الصفا والمروة(٩) ولا يحلان بعد العمرة، يمضيان على إحرامهما الاول، ولا يقطعان التلبية إذا نظرا إلى بيوت مكة كما يفعل المتمتع بالعمرة ولكنهما يقطعان التلبية يوم عرفة عند زوال الشمس.

والقارن والمفرد صفتهما واحدة إلا أن القارن يفضل على المفرد بسياق الهدي.

___________________________________

(١) أى الذهاب إلى المشعر وهو بين المأزمين.

(٢) اى إلى طلوع الشمس وجوبا تأسيا بالنبى والائمة عليهم السلام أو استحبابا على المشهور والاحتياط تقربا إلى الله تعالى بدون نيتهما. (م ت)

(٣) ثبير كأمير جبل مشرف على مسجد منى وهو مقابل للحاج عند انتظار طلوع الشمس في أول وادى محسر ولا يشاهد الشمس في المشعر للجبال. (م ت)

(٤) يعنى الرجوع إلى منى للمناسك وهو الذبح والحلق والرمى وكأنه لايرى الترتيب وان كان الواو لا تدل عليه لكن يبتدى برمى جمرة العقبة ثم يذبح هديه ويأكل منه ثم يحلق رأسه أو يقصر. (م ت)

(٥) بالابطح لمن نفر في الاخير، والاستلقاء فيه على القفا استحبابا ويأتى الكلام فيه مفصلا.

(٦) لم يذكر المبيت في الليالى الثلاث ورمى الجمار فيها اما لما سيجئ واما لاعتقاده أنها ليست من أجزاء الحج أو لندبها عنده. (م ت)

(٧) أى للحج وليس في العمرة طواف النساء.

(٨) سعى للحج وسعى للعمرة.

(٩) الظاهر أن لفظة " سعيان " من سهو النساخ والصواب سعى كما في الاخبار (م ت) أو كون التثنية باعتبار الصفا والمروة لكنه بعيد.

٣١٦

٢٥٥٥ - وروى درست(١) عن محمد بن الفضل الهاشمي قال: " دخلت مع إخواني علي أبي عبدالله عليه السلام فقلنا له: إنا نريد الحج وبعضنا صرورة، فقال عليه السلام: عليكم بالتمتع فإنا لا نتفي أحدا في التمتع بالعمرة إلى الحج، واجتناب المسكر، والمسح على الخفين ".

باب فرائض الحج

فرائض الحج(٢) سبع: الاحرام، والتلبيات الاربع التي يلبى بها سرا، وهي " لبيك اللهم لبيك لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك " والطواف بالبيت، والركعتان عند مقام إبراهيم عليه السلام، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بالمشعر الحرام، والهدي للمتمتع.

٢٥٥٦ - وقال الصادق عليه السلام: " والوقوف بعرفة سنة(٣) وبالمشعر فريضة، وما سوى ذلك من المناسك سنة"(٤) .

باب ما جاء فيمن حج بمال حرام

٢٥٥٧ - روي عن الائمة عليهم السلام أنهم قالوا: " من حج بمال حرام نودي

___________________________________

(١) درست واقفى ولم يوثق وهو من أصحاب أبى الحسن موسى عليه السلام.

(٢) المراد بالفرائض هنا الاركان ظاهرا.

(٣) أى ليس في الكتاب العزيز ما يدل على وجوبه صريحا بل وجوبه انما يستفاد من عمل النبى صلى الله عليه وآله، وأما قوله تبارك وتعالى " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس " وكذا قوله " فاذا أفضتم من عرفات " فانما يدلان على وقوع الافاضة منها ووقوع ما يلزمه من الكون بها دون وجوبه.

وقوله " وبالمشعر فريضة " يعنى وجوبه ثابت بالقرآن صريحا حيث يقول " فاذكروا الله عند المشعر الحرام " والامر ظاهره الوجوب.

(٤) يعنى ما سوى المذكور وان كان بكل اشارة في الكتاب لكن لا يكون بحيث يدل على الوجوب صريحا وانما يستفاد الوجوب من عمل النبى صلى الله عليه وآله.

٣١٧

عند التلبية لا لبيك عبدي ولا سعديك(١) ".

باب عقد الاحرام وشرطه ونقضه والصلاة له

٢٥٥٨ - روى معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال " لا يكون إحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة، فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم، وإن كانت نافلة(٢) صليت ركعتين وأحرمت في دبرها، فإذا انفتلت من الصلاة فاحمد الله عزو جل واثن عليه وصل على النبي صلى الله عليه وآله وتقول: " اللهم إني أسألك أن تجعلني ممن استجاب لك وآمن بوعدك واتبع أمرك، فاني عبدك وفي قبضتك لا اوقي إلا ما وقيت، ولا آخذ إلا ما أعطيت، وقد ذكرت الحج فأسألك أن تعزم لي عليه على كتابك وسنة نبيك [صلى الله عليه وآله] وتقويني على ما ضعفت عنه وتتسلم مني مناسكي في يسر منك و عافية، واجعلني من وفدك الذين رضيت وارتضيت وسميت وكتبت، اللهم إني خرجت من شقة بعيدة، وأنفقت مالي ابتغاء مرضاتك(٣) اللهم فتمم لي حجي، اللهم إني اريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك صلواتك عليه وآله، فإن عرض لي عارض يحسبني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي، اللهم إن لم تكن حجة فعمرة، أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي و عظامي ومخي وعصبي من النساء والثياب والطيب، أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة " يجزيك(٤) أن تقول هذا مرة واحدة حين تحرم، ثم قم فامش هنيئة، فإذا

___________________________________

(١) يدل على عدم كمال حجه الا أن يكون ثوبا احرامه مغصوبين أو أحدهما، وكذا الهدى أو اشتراها بعين المال الحرام.(م ت)

(٢) قال الفيض رحمه الله: يعنى وان لم يكن وقت صلاة مكتوبة وتكون صلاتك للاحرام نافلة صليت ركعتين.

(٣) من قوله " اللهم انى خرجت " إلى هنا ليس في الكافى والتهذيب.

(٤) في الكافى والتهذيب " قال: يجزيك الخ ".

٣١٨

استوت بك الارض(١) ماشيا كنت أو راكبا فلب "(٢) .

٢٥٥٩ - وسأل الحلبي أبا عبدالله عليه السلام " أليلا أحرم رسول الله صلى الله عليه وآله أم نهارا؟ فقال: نهارا فقلت: أي ساعة؟ قال: صلاة الظهر، فسألته متى ترى أن نحرم، قال: سواء عليكم(٣) إنما أحرم رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة الظهر لان الماء كان قليلا، كان يكون في رؤوس الجبال فيهجر الرجل(٤) إلى مثل ذلك من الغد(٥) فلا يكادون يقدرون على الماء، وإنما احدثت هذه المياه حديثا ".

٢٥٦٠ - وروى ابن عمير، عن حماد بن عثمان قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " إني اريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج فكيف أقول؟ فقال: " اللهم

___________________________________

(١) أى سلكت فيها ودخلت في الطريق.

(٢) قال في المدارك: التلبيات الاربع وعدم انعقاد الاحرام للتمتع الا بها فقال العلامة في التذكرة والمنتهى: انه قول علمائنا أجمع والاخبار فيه مستفيضة، وانما الكلام في اشتراط مقارنتها للنية كمقارنة التحريم لنية الصلاة وبه قطع الشهيد في اللمعة لكن ظاهر كلامه في الدروس التوقف وكلام باقى الاصحاب خال من الاشتراط بل صرح كثير منهم بعدمه، وينبغى الجزم بجواز تأخير التلبية عن نية الاحرام للاخبار الكثيرة الدالة عليه كصحيحة معاوية بن عمار (يعنى هذا الخبر) وغيرها، بل يظهر من صحيحة معاوية تعين ذلك لكن الظاهر أنه للاستحباب والذى يقتضيه الجمع بين الاخبار التخيير بين التلبية في موضع عقد الاحرام وبعد المشى هنيئة، وبعد الوصول إلى البيداء وان كان الاولى العمل بما تضمنه صحيحة معاوية بن عمار.

(٣) أى مثل ذلك الوقت إلى نصف النهار.

وقال العلامة المجلسى: لعله محمول على التقية أو على عدم تأكد الاستحباب.

(٤) في المغرب: هجر: إذا سار في الهاجرة وهى نصف النهار في القيظ خاصة ثم قال: قيل هجر إلى الصلاة: إذا بكر ومضى اليها في أول وقتها.

(٥) يعنى يذهب في طلب الماء اليوم فلا يأتى به الا أن يمضى به من الغد مقدار ما مضى من اليوم.

والمراد أن السبب في احرام النبى صلى الله عليه وآله وقت الظهر انما كان حصول الماء في ذلك الوقت.(الوافى)

٣١٩

أني اريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك " وإن شئت أضمرت الذي تريد ".

٢٥٦١ - وسأله حمران بن أعين(١) " عن الرجل يقول: حلني حيث حبستني قال: هو حل حيث حبسه الله عزوجل، قال أو لم يقل ".

٢٥٦٢ - وروى حفص بن البختري: ومعاوية بن عمار: وعبدالرحمن بن الحجاج والحلبي جميعا عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا صليت في مسجد الشجرة فقل وأنت قاعد في دبر الصلاة قبل أن تقوم ما يقول المحرم، ثم قم فامش حتى تبلغ الميل وتستوي بك البيداء، فإذا استوت بك البيداء فلب"(٢) .

وإن أهللت(٣) من المسجد الحرام للحج فإن شئت لبيت خلف المقام، وأفضل ذلك أن تمضي حتى تأتي الرقطاء(٤) وتلبي قبل أن تصير إلي الابطح.

___________________________________

(١) طريق المؤلف اليه غير مذكور في المشيخة والخبر في الكافى والتهذيب عن حمزة ابن حمران وسيأتى من المؤلف بعينه في باب الحصر عن حمزة بن حمران ولعل السهو من النساخ.

وطريق الصدوق إلى حمزة صحيح.

(٢) يدل على استحباب تأخير التلبية إلى البيداء لمن أحرم من الشجرة كما يدل عليه غيره من الاخبار الكثيرة. (م ت)

(٣) لما ذكر موضع الاحرام بالعمرة ذكر هنا موضع الاحرام بالحج.

(٤) الرقطاء موضع دون الردم، والردم هو الحاجز الذى يمنع السيل عن البيت المحرم ويسمى المدعى، ويظهر من بعض الاخبار أنه ملتقى طريق الجبل وطريق العام إلى منى.

وقال الفاضل الاسترآبادى: قد فتشنا تواريخ مكة فلم نجد فيها ان يكون الرقطاء اسم موضع بمكة.

واما الردم فالمراد منه المدعا بفتح الميم وسكون الدال المهملة والعين المهملة بعدها ألف والعلة في التعبير عن المدعا بالردم أن الجائى من الابطح إلى المسجد الحرام كان يشرف الكعبة من موضع مخصوص وكان يدعو هناك وكانت هناك عمارة ثم طاحت وصار موضعها تلا، والظاهر عندى " الرمضاء " بالراء المفتوحة والميم الساكنة والضاد المعجمة بعدها الف انتهى كلامه رفع مقامه.

وفى الكافى " الرفضاء " وفى بعض نسخة " الروحاء ".

(٥) روى الكلينى ج ٤ ص ٤٥٤ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " إذا كان يوم التروية ان شاء الله فاغتسل، وألبس ثوبيك وادخل المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار، ثم صل ركعتين عند مقام ابراهيم عليه السلام أو في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة، وأحرم بالحح، ثم امض وعليك السكينة والوقار فاذا انتهيت إلى الرفضاء دون الردم فلب، فاذا انتهيت إلى الردم وأشرفت على الابطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتى منى".

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640