من لا يحضره الفقيه الجزء ٢

من لا يحضره الفقيه9%

من لا يحضره الفقيه مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 640

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 640 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 267621 / تحميل: 8506
الحجم الحجم الحجم
من لا يحضره الفقيه

من لا يحضره الفقيه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

2 - حواره مع أصحاب الأديان

قال الحسن بن محمد النوفليّ: لمّا قدم علي بن موسى الرضاعليه‌السلام إلى المأمون أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق ورأس الجالوت ورؤساء الصابئين والهربذ الأكبر، وأصحاب زردهشت وقسطاس الرّومي والمتكلّمين ليسمع كلامه وكلامهم فجمعهم الفضل بن سهل، ثم أعلم المأمون باجتماعهم، فقال: أدخلهم عليّ، ففعل، فرحّب بهم المأمون.

ثم قال لهم: إني إنّما جمعتكم لخير، وأحببت أن تناظروا ابن عمّي هذا المدنيّ القادم عليّ، فإذا كان بكرة فاغدوا عليَّ ولا يتخلّف منكم أحد، فقالوا: السمع والطاعة يا أمير المؤمنين نحن مبكّرون إن شاء الله.

قال الحسن بن محمد النوفلي: فبينا نحن في حديث لنا عند أبي الحسن الرضاعليه‌السلام إذ دخل علينا ياسر الخادم وكان يتولّى أمر أبي الحسنعليه‌السلام فقال: يا سيدي إنّ أمير المؤمنين يقرئك السلام فيقول: فداك أخوك إنه اجتمع إليّ أصحاب المقالات وأهل الأديان والمتكلّمون من جميع الملل، فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم وإن كرهت كلامهم فلا تتجشّم وإن أحببت أن نصير إليك خفّ ذلك علينا.

فقال أبو الحسنعليه‌السلام : أبلغه السلام وقل له: قد علمت ما أردت وأنا صائر إليك

١٨١

بكرة إن شاء الله. قال الحسن بن محمّد النوفلي: فلمّا مضى ياسر التفت إلينا، ثم قال لي: يا نوفليّ أنت عراقي ورقّة العراقي غير غليظ فما عندك في جمع ابن عمّك علينا أهل الشرك وأصحاب المقالات؟ فقلت: جعلت فداك يريد الامتحان ويحبّ أن يعرف ما عندك، ولقد بنى على أساس غير وثيق البنيان وبئس - والله - ما بنى.

فقال لي: وما بناؤه في هذا الباب؟ قلت: إن أصحاب البدع والكلام خلاف العلماء وذلك أنّ العالم لا ينكر غير المنكر وأصحاب المقالات والمتكلّمون وأهل الشرك أصحاب إنكار ومباهتة، وإن احتججت عليهم بأن الله واحد قالوا: صحّح وحدانيّته وإن قلت: إن محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول الله قالوا: أثبت رسالته، ثم يباهتون الرجل وهو يبطل عليهم بحجّته، ويغالطونه حتى يترك قوله فاحذرهم جعلت فداك.

قال: فتبسّمعليه‌السلام ثم قال: يا نوفلي أتخاف أن يقطعوا عليّ حجّتي؟

قلت: لا والله ما خفت عليك قطّ وإنّي لأرجو أن يظفرك الله لهم إن شاء الله.

فقال لي: يا نوفلي تحبّ أن تعلم متى يندم المأمون؟ قلت: نعم.

قال: إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم، وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم، وعلى أهل الزّبور بزبورهم وعلى الصابئين بعبرانيتهم وعلى الهرابذة بفارسيتهم وعلى أهل الرّوم بروميتهم وعلى أصحاب المقالات بلغاتهم فإذا قطعت كلّ صنف ودحضت حجّته وترك مقالته ورجع إلي قولي علم المأمون أنّ الموضع الذي هو بسبيله ليس هو بمستحق له فعند ذلك تكون الندامة منه، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.

فلمّا أصبحنا أتانا الفضل بن سهل فقال له: جعلت فداك ابن عمّك ينتظرك، وقد اجتمع القوم فما رأيك في إتيانه؟

فقال الرضاعليه‌السلام : تقدمني فإنّي صائر إلى ناحيتكم إن شاء الله، ثم، توضأعليه‌السلام

١٨٢

وضوء الصلاة وشرب شربة سويق وسقانا منه، ثمّ خرج وخرجنا معه حتى دخلنا على المأمون، فإذا المجلس غاص بأهله ومحمّد بن جعفر في جماعة الطالبيين والهاشميين والقوّاد حضور.

فلما دخل الرضاعليه‌السلام قام المأمون وقام محمد بن جعفر وقام جميع بني هاشم فما زالوا وقوفاً والرضاعليه‌السلام جالس مع المأمون حتى أمرهم بالجلوس فجلسوا، فلم يزل المأمون مقبلاً عليه يحدّثه ساعة، ثم التفت إلى الجاثليق، فقال: يا جاثليق هذا ابن عمّي علي بن موسى بن جعفر، وهو من ولد فاطمة بنت نبينا وابن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام فأحب أن تكلّمه وتحاجّه وتنصفه.

فقال الجاثليق: يا أمير المؤمنين كيف أحاج رجلاً يحتجّ عليّ بكتاب أنا منكره ونبيّ لا أؤمن به؟

فقال له الإمام الرضاعليه‌السلام : يا نصرانيّ فإن احتججت عليك بإنجيلك أتقرّ به؟!

قال الجاثليق: وهل أقدر على دفع ما نطق به الإنجيل، نعم والله أقرّ به على رغم أنفي.

فقال له الرضاعليه‌السلام : سل عمّا بدا لك وافهم الجواب.

قال الجاثليق: ما تقول في نبوّة عيسىعليه‌السلام وكتابه هل تنكر منهما شيئاً؟

قال الرضاعليه‌السلام : أنا مقرّ بنبوّة عيسى وكتابه وما بشّر به أمته وأقرّ به الحواريون وكافر بنبوّة كل عيسي لم يقرَّ بنبوة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبكتابه ولم يبشّر به أمته.

قال الجاثليق: أليس إنّما تقطع الأحكام بشاهدي عدل؟

قال: بلى.

قال: فأقم شاهدين من غير أهل ملتك على نبوّة محمد ممّن لا تنكره النصرانية وسلنا مثل ذلك من غير أهل ملّتنا.

قال الرضاعليه‌السلام : الآن جئت بالنصفة يا نصراني، ألا تقبل منّي العدل المقدّم عند

١٨٣

المسيح عيسى بن مريم؟

قال الجاثليق: ومن هذا العدل؟ سمه لي؟

قال: ما تقول في يوحنا الدّيلمي.

قال: بخ بخ ذكرت أحبّ الناس إلى المسيح.

قال: فأقسمت عليك هل نطق الإنجيل أنّ يوحنا قال إن المسيح أخبرني بدين محمد العربي وبشّرني به إنه يكون من بعده، فبشّرت به الحواريين فآمنوا به؟!

قال الجاثليق: قد ذكر ذلك يوحنا عن المسيح وبشّر بنبوّة رجل وبأهل بيته ووصيّه ولم يلخّص متى يكون ذلك ولم يسمّ لنا القوم فنعرفهم.

قال الرضاعليه‌السلام : فإن جئناك بمن يقرأ الإنجيل فتلا عليك ذكر محمّد وأهل بيته وأمته أتؤمن به؟

قال: شديداً.

قال الرضاعليه‌السلام لقسطاس الرومي: كيف حفظك للسفر الثالث من الإنجيل؟

قال: ما أحفظني له.

ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال له: ألست تقرأ الإنجيل؟!

قال: بلى لعمري.

قال: فخذ على السفر الثالث، فإن كان فيه ذكر محمّد وأهل بيته وأمته سلام الله عليهم فاشهدوا لي، وإن لم يكن فيه ذكره فلا تشهدوا لي.

ثم قرأعليه‌السلام السّفر الثالث حتى إذا بلغ ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقف، ثم قال: يا نصراني، إني أسألك بحق المسيح وأمه أتعلم أني عالم بالإنجيل؟ قال: نعم، ثم تلا علينا ذكر محمّد وأهل بيته وأمته ثم قال: ما تقول يا نصرانيّ؟ هذا قول عيسى بن مريم فإن كذبت ما ينطق به الإنجيل فقد كذبت عيسى وموسىعليهما‌السلام ومتى أنكرت هذا الذّكر وجب عليك القتل لأنّك تكون قد كفرت بربّك وبنبيّك وبكتابك.

١٨٤

قال الجاثليق: لا أنكر ما قد بان لي في الإنجيل وإنّي لمقرّ به.

قال الرضاعليه‌السلام : اشهدوا على إقراره. ثم قال: يا جاثليق، سل عمّا بدا لك.

قال الجاثليق: أخبرني عن حواري عيسى بن مريم كم كان عدّتهم، وعن علماء الإنجيل كم كانوا.

قال الرضاعليه‌السلام : على الخبير سقطت، أمّا الحواريون فكانوا اثنى عشر رجلاً وكان أفضلهم وأعلمهم لوقا.

وأما علماء النصارى فكانوا ثلاثة رجال: يوحنّا الأكبر بأج، ويوحنّا بقرقيسيا، ويوحنّا الدّيلمي بزجان، وعنده كان ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر أهل بيته وأُمته وهو الذي بشر أُمة عيسى وبني إسرائيل به، ثم قالعليه‌السلام : يا نصراني، والله إنّا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما ننقم على عيساكم شيئاً إلاّ ضعفه وقلّة صيامه وصلاته.

قال الجاثليق: أفسدت والله علمك وضعّفت أمرك، وما كنت ظننت إلاّ أنّك أعلم أهل الإسلام.

قال الرضاعليه‌السلام : وكيف ذلك؟

قال الجاثليق: من قولك: إنّ عيساكم كان ضعيفاً قليل الصيام قليل الصلاة، وما أفطر عيسى يوماً قطّ، ولا نام بليل قطّ، ومازال صائم الدّهر، قائم الليل.

قال الرضاعليه‌السلام : فلمن كان يصوم ويصلي؟

قال: فخرس الجاثليق وانقطع.

قال الرضاعليه‌السلام : يا نصراني! إني أسألك عن مسألة.

قال: سل فإن كان عندي علمها أجبتك.

قال الرضاعليه‌السلام : ما أنكرت أنّ عيسى كان يحيي الموتى بإذن الله عَزَّ وجَلَّ؟

قال الجاثليق: أنكرت ذلك من قبل، إنّ من أحيا الموتى وأبرأ الأكمه

١٨٥

والأبرص فهو ربّ مستحق لأن يعبد.

قال الرضاعليه‌السلام : فإنّ اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسى مشى على الماء وأحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص، فلم يتّخذه أُمته رباً ولم يعبده أحد من دون الله عَزَّ وجَلَّ، ولقد صنع حزقيل النبيعليه‌السلام مثل ما صنع عيسى بن مريمعليه‌السلام فأحيا خمسة وثلاثين ألف رجل من بعد موتهم بستّين سنة.

ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال له: يا رأس الجالوت، أتجد هؤلاء في شباب بني إسرائيل في التوراة أختارهم بخت نصر من سبي بني إسرائيل حين غزا بيت المقدّس ثم انصرف بهم إلى بابل فأرسله الله عَزَّ وجَلَّ إليهم فأحياهم، هذا في التوراة لا يدفعه إلاّ كافر منكم.

قال رأس الجالوت: قد سمعنا به وعرفناه.

قال: صدقت. ثم قالعليه‌السلام : يا يهوديّ، خذ على هذا السفر من التوراة فتلاعليه‌السلام علينا من التوراة آيات، فأقبل يهودي يترجّح لقراءته ويتعجّب.

ثم أقبل على النصراني فقال: يا نصراني أفهؤلاء كانوا قبل عيسى أم عيسى كان قبلهم؟

قال: بل كانوا قبله.

قال الرضاعليه‌السلام : لقد اجتمعت قريش إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فسألوه أن يحيي لهم موتاهم فوجّه معهم علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال له: اذهب إلى الجبانة فناد بأسماء هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك، يا فلان و يا فلان و يا فلان، يقول لكم محمد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قوموا بإذن الله عَزَّ وجَلَّ، فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم.

ثم أخبروهم أنّ محمّداً قد بعث نبيّاً، وقالوا: وددنا أنا أدركناه فنؤمن به ولقد ابرأ الأكمه والأبرص والمجانين وكلّمه البهائم، والطير والجن والشياطين ولم نتخذه ربّاً من دون

١٨٦

الله عَزَّ وجَلَّ ولم ننكر لأحد من هؤلاء فضلهم، فمتى اتّخذتم عيسى رباً جاء لكم أن تتخذوا اليسع وحزقيل ربّاً لأنهما قد صنعا مثل ما صنع عيسى من إحياء الموتى وغيره، أنّ قوماً من بني إسرائيل هربوا من بلادهم من الطاعون وهم ألوف حذر الموت.

فأماتهم الله في ساعة واحدة فعمد أهل تلك القرية فحظروا عليهم حظيرة فلم يزالوا فيها حتى نخرت عظامهم وصاروا رميماً، فمرّ بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل فتعجّب منهم ومن كثرة العظام البالية فأوحى الله إليه: أتحبّ أن أحييهم لك فتنذرهم؟ قال: نعم يا ربّ، فأوحى الله عَزَّ وجَلَّ إليه أن نادهم.

فقال: أيتها العظام البالية قومي بإذن الله عَزَّ وجَلَّ فقاموا أحياء أجمعون ينفضون التراب عن رؤوسهم ثم إبراهيمعليه‌السلام خليل الرحمن حين أخذ الطيور وقطعهنّ قطعاً ثمّ وضع على كل جبل منهنّ جزءً، ثم ناديهن فأقبلن سعياً إليه، ثم موسى بن عمران وأصحابه والسبعون الذين اختارهم صاروا معه إلى الجبل فقالوا له: إنّك قد رأيت الله سبحانه فأرناه كما رأيته.

فقال لهم: إني لم أره. فقالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا عن آخرهم وبقي موسى وحيداً، فقال: يا ربّ اخترت سبعين رجلاً من بني إسرائيل فجئت بهم وارجع وحدي فكيف يصدّقني قومي بما أخبرهم به، فلو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي أفتهلكنا بما فعل السفهاء منّا، فأحياهم الله عَزَّ وجَلَّ من بعد موتهم.

وكل شيء ذكرته لك من هذا لا تقدر على دفعه، لأنّ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان قد نطقت به، فإن كان كل من أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص والمجانين يتّخذ ربّاً من دون الله، فاتّخذ هؤلاء كلّهم أرباباً، ما تقول يا نصراني؟

قال الجاثليق: القول قولك ولا إله إلاّ الله.

ثم التفتعليه‌السلام إلى رأس الجالوت فقال: يا يهوديّ أقبل عليَّ أسألك بالعشر الآيات التي أنزلت على موسى بن عمرانعليه‌السلام ، هل تجد في التوراة مكتوباً نبأ محمّد وأُمته

١٨٧

إذا جاءت الأمة الأخيرة أتباع راكب البعير يسبّحون الربّ جداً جداً تسبيحاً جديداً في الكنائس الجدد، فليفرغ بنو إسرائيل إليهم وإلى ملكهم لتطمئنّ قلوبهم فإنّ بأيديهم سيوفاً ينتقمون بها من الأمم الكافرة في أقطار الأرض. هكذا هو في التوراة مكتوب؟!

قال رأس الجالوت: نعم إنّا لنجده كذلك.

ثم قال للجاثليق: يا نصراني كيف علمك بكتاب شعيا؟ قال: أعرفه حرفاً حرفاً.

قال الرضاعليه‌السلام لهما: أتعرفان هذا من كلامه: يا قوم إني رأيت صورة راكب الحمار لابساً جلابيب النور، ورأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوء القمر.

فقالا: قد قال ذلك شعيا.

قال الرضاعليه‌السلام : يا نصراني هل تعرف في الإنجيل قول عيسى: إني ذاهب إلى ربّي وربّكم والفار قليطا جاء هو الذي يشهد لي بالحق كما شهدت له وهو الذي يفسّر لكم كلّ شيء وهو الذي يبدي فضائح الأمم، وهو الذي يكسر عمود الكفر؟

فقال الجاثليق: ما ذكرت شيئاً ممّا في الإنجيل إلاّ ونحن مقرّون به.

فقال: أتجد هذا في الإنجيل ثابتاً يا جاثليق؟!

قال: نعم.

قال الرضاعليه‌السلام : يا جاثليق ألا تخبرني عن الإنجيل الأوّل حين افتقدتموه عند من وجدتموه ومن وضع لكم هذا الإنجيل؟

قال له ك ما افتقدنا الإنجيل إلاّ يوماً واحداً حتى وجدناه غضّاً طريّاً فأخرجه إلينا يوحنّا ومتي.

فقال له الرضاعليه‌السلام : ما أقلّ معرفتك بسرّ الإنجيل وعلمائه، فإن كان كما تزعم فلم اختلفتم في الإنجيل؟ إنّما وقع الاختلاف في هذا الإنجيل الذي في أيديكم اليوم فلو كان على العهد الأوّل لم تختلفوا فيه، ولكني مفيدك علم ذلك، اعلم أنّه لمّا افتقد الإنجيل الأوّل

١٨٨

اجتمعت النصارى إلى علمائهم فقالوا لهم: قتل عيسى بن مريمعليه‌السلام وافتقدنا الإنجيل وأنتم العلماء فما عندكم؟

فقال لهم لوقا ومرقابوس: إنّ الإنجيل في صدورنا، ونحن نخرجه إليكم سفراً سفراً في كل أحد، فلا تحزنوا عليه ولا تخلّوا الكنائس، فإنّا سنتلوه عليكم في كلّ أحد سفراً سفراً حتّى نجمعه لكم كلّه، فقعد لوقاء ومرقابوس ويوحنّا ومتي ووضعوا لهم هذا الإنجيل بعد ما افتقدتم الإنجيل الأوّل وإنّما كان هؤلاء الأربعة تلاميذ تلاميذ الأوّلين، أعلمت ذلك؟

قال الجاثليق: أما هذا فلم أعلمه وقد علمته الآن، وقد بان لي من فضل علمك بالإنجيل وسمعت أشياء ممّا علمته، شهد قلبي أنّها حقّ فاستزدت كثيراً من الفهم.

فقال له الرضاعليه‌السلام : فكيف شهادة هؤلاء عندك؟

قال: جائزة، هؤلاء علماء الإنجيل وكلّ ما شهدوا به فهو حقّ.

فقال الرضاعليه‌السلام للمأمون ومن حضره من أهل بيته ومن غيرهم: اشهدوا عليه، قالوا: قد شهدنا.

ثم قال للجاثليق: بحقّ الابن وأمه هل تعلم أنّ متي قال: إن المسيح هو ابن داود بن إبراهيم بن إسحاق بن يعقوب بن يهودا بن خضرون، وقال مرقابوس: في نسبة عيسى بن مريم: إنه كلمة الله أحلّها في جسد الآدمي فصارت إنساناً، وقال الوقا: إن عيسى بن مريم وأمه كانا إنسانين من لحم ودم فدخل فيهما روح القدس.

ثم إنّك تقول من شهادة عيسى على نفسه، حقّاً أقول لكم يا معشر الحواريين إنّه لا يصعد إلى السماء إلاّ ما نزل منها إلاّ راكب البعير خاتم الأنبياء، فإنّه يصعد إلى السماء وينزل، فما تقول في هذا القول؟

قال الجاثليق: هذا قول عيسى لا ننكره.

١٨٩

قال الرضاعليه‌السلام : فما تقول في شهادة الوقا، ومرقابوس ومتي على عيسى وما نسبوه إليه؟

قال الجاثليق: كذبوا على عيسى.

قال الرضاعليه‌السلام : يا قوم أليس قد زكّاهم وشهد أنهم علماء الإنجيل وقولهم حقّ؟

فقال الجاثليق: يا عالم المسلمين أحبّ أن تعفيني من أمر هؤلاء.

قال الرضاعليه‌السلام : فإنا قد فعلنا، سل يا نصراني، عمّا بدالك؟

قال الجاثليق: ليسألك غيري فلا وحق المسيح ما ظننت أن في علماء المسلمين مثلك.

فالتفت الرضاعليه‌السلام إلى رأس الجالوت فقال له: تسألني أو أسألك؟

قال: بل أسألك، ولست أقبل منك حجة إلاّ من التوراة أو من الإنجيل أو من زبور داود أو ممّا في صحف إبراهيم وموسى.

فقال الرضاعليه‌السلام : لا تقبل منّي حجة إلاّ بما تنطق به التوراة، على لسان موسى بن عمران، والإنجيل على لسان عيسى بن مريم، والزبور على لسان داود.

فقال رأس الجالوت: من أين تثبت نبوّة محمد؟

قال الرضاعليه‌السلام : شهد بنبوّته (صلّى الله عليه وآله) موسى بن عمران وعيسى بن مريم وداود خليفة الله عَزَّ وجَلَّ في الأرض.

فقال له: أثبت قول موسى بن عمران.

قال الرضاعليه‌السلام : هل تعلم يا يهوديّ أن موسى أوصى بني إسرائيل فقال لهم: إنّه سيأتيكم نبيّ هو من إخوتكم فيه فصدّقوا، ومنه فاسمعوا، فهل تعلم أن لبني إسرائيل إخوة غير ولد إسماعيل إن كنت تعرف قرابة إسرائيل من إسماعيل والنسب الذي بينهما من قبل إبراهيمعليه‌السلام ؟

فقال رأس الجالوت: هذا قول موسى لا ندفعه.

١٩٠

فقال له الرضاعليه‌السلام : هل جاءكم من إخوة بني إسرائيل نبي غير محمد (صلّى الله عليه وآله).

قال: لا.

قال الرضاعليه‌السلام : أوليس قد صحّ هذا عندكم؟!

قال: نعم ولكنّي أحب أن تصحّحه لي من التوراة.

فقال له الرضاعليه‌السلام : هل تنكر أن التوراة تقول لكم: جاء النور من جبل طور سيناء، وأضاء لنا من جبل ساعير واستعلن علينا من جبل فاران؟

قال رأس الجالوت: أعرف هذه الكلمات وما أعرف تفسيرها.

قال الرضاعليه‌السلام : أنا أخبرك به، أما قوله: جاء النّور من جبل طور سيناء فذلك وحي الله تبارك وتعالى الذي أنزله على موسىعليه‌السلام على جبل طور سيناء، وأما قوله: وأضاء لنا من جبل ساعير، فهو الجبل الذي أوحى الله عَزَّ وجَلَّ إلى عيسى بن مريمعليه‌السلام وهو عليه، وأما قوله: واستعلن علينا من جبل فاران، فذلك جبل من جبال مكّة بينه وبينها يوم.

وقال شعيا النبيعليه‌السلام فيما تقول أنت وأصحابك في التوراة: رأيت راكبين أضاء لهما الأرض أحدهما راكب على حمار، والآخر على جمل، فمن راكب الحمار ومن راكب الجمل؟!

قال رأس الجالوت: لا أعرفهما فخبّرني بهما.

قالعليه‌السلام : أما راكب الحمار فعيسى بن مريم، وأما راكب الجمل، فمحمد (صلّى الله عليه وآله) أتنكر؟ هذا من التوراة، قال لا، ما أنكره.

ثم قال الرضاعليه‌السلام : هل تعرف حيقوق النبي؟ قال: نعم إنّي به لعارف، قالعليه‌السلام فإنّه قال وكتابكم ينطق به: جاء الله بالبيان من جبل فاران، وامتلأت السماوات من تسبيح أحمد وأُمته، يحمل خيله في البحر كما يحمل في البرّ يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدّس - يعني بالكتاب القرآن - أتعرف هذا وتؤمن به؟

١٩١

قال رأس الجالوت: قد قال ذلك حيقوقعليه‌السلام ولا ننكر قوله.

قال الرضاعليه‌السلام : وقد قال داود في زبوره وأنت تقرأ: اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة، فهل تعرف نبياً أقام السنّة بعد الفترة غير محمد (صلّى الله عليه وآله)؟

قال رأس الجالوت: هذا قول داود نعرفه ولا ننكره، ولكن عنى بذلك عيسى، وأيّامه هي الفترة.

قال الرضاعليه‌السلام : جهلت أنّ عيسى لم يخالف السنّة وقد كان موافقاً لسنّة التوراة حتى رفعه الله إليه، وفي الإنجيل مكتوب: إن ابن البرّة ذاهب والفارقليطا جاء من بعده وهو الذي يخفّف الآصار، ويفسّر لكم كلّ شيء، ويشهد لي كما شهدت له، أنا جئتكم بالأمثال، وهو يأتيكم بالتأويل أتؤمن بهذا في الإنجيل؟

قال: نعم لا أنكره.

فقال الرضاعليه‌السلام : يا رأس الجالوت أسألك عن نبيّك موسى بن عمران؟

فقال: سل.

قال: ما الحجّة على أنّ موسى ثبتت نبوّته؟

قال اليهوديّ: إنّه جاء بما لم يجيء به أحد من الأنبياء قبله.

قال له: مثل ماذا؟

قال: مثل فلق البحر، وقلبه العصا حيّة تسعى وضربه الحجر فانفجرت منه العيون، وإخراجه يده بيضاء للناظرين وعلامات لا يقدر الخلق على مثلها.

قال له الرضاعليه‌السلام : صدقت إذا كانت حجة على نبوّته أنه جاء بما لا يقدر الخلق على مثله أفليس كلّ من ادّعى أنّه نبيّ ثم جاء بما لا يقدر الخلق على مثله وجب عليكم تصديقه؟

قال: لا؛ لأن موسى لم يكن له نظير لمكانته من ربّه، وقربه منه ولا يجب علينا الإقرار بنبوّة من ادّعاها حتى يأتي من الأعلام بمثل ما جاء به.

١٩٢

قال الرضاعليه‌السلام : فكيف أقررتم بالأنبياء الذين كانوا قبل موسىعليه‌السلام ولم يفلقوا البحر ولم يفجروا من الحجر اثنتي عشرة عيناً، ولم يخرجوا أيديهم بيضاء مثل إخراج موسى يده بيضاء ولم يقلب العصا حيّة تسعى؟!

قال له اليهودي: قد خبرتك أنه متى جاءوا على دعوى نبوّتهم من الآيات بما لا يقدر الخلق على مثله ولو جاءوا بما لم يجيء به موسى، أركان على غير ما جاء به موسى وجب تصديقهم.

قال الرضاعليه‌السلام : يا رأس الجالوت فما يمنعك من الإقرار بعيسى بن مريم، وقد كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص، ويخلق من الطين كهيئة الطير، ثم ينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله؟

قال رأس الجالوت: يقال إنّه فعل ذلك ولم نشهده.

قال له الرضاعليه‌السلام : أرأيت ما جاء به موسى من الآيات شاهدته؟! أليس إنّما جاء في الأخبار به من ثقات أصحاب موسى أنه فعل ذلك.

قال: بلى.

قال: فكذلك أتتكم الأخبار المتواترة بما فعل عيسى بن مريم فكيف صدقتم بموسى ولم تصدّقوا بعيسى.

فلم يحر جواباً.

قال الرضاعليه‌السلام : وكذلك أمر محمد (صلّى الله عليه وآله) وما جاء به وأمر كلّ نبي بعثه الله ومن آياته أنه كان يتيماً فقيراً راعياً أجيراً لم يتعلّم كتاباً ولم يختلف إلى معلّم، ثم جاء بالقرآن الذي فيه قصص الأنبياء وأخبارهم حرفاً حرفاً وأخبار من مضى ومن بقى إلى يوم القيامة.

ثم كان يخبرهم بأسرارهم وما يعملون في بيوتهم، وجاء بآيات كثيرة لا تحصى.

قال رأس الجالوت: لم يصحّ عندنا خبر عيسى ولا خبر محمّد ولا يجوز لنا أن نقرّ لهما بما لم يصحّ.

١٩٣

قال الرضاعليه‌السلام : فالشاهد الذي شهد لعيسى ولمحمد (صلّى الله عليه وآله) شاهد زور.

فلم يحر جواباً.

ثم دعاعليه‌السلام بالهربذ الأكبر فقال له الرضاعليه‌السلام : أخبرني عن زردهشت الذي تزعم أنه نبي ما حجّتك على نبوّته؟

قال: إنه أتى بما لم يأتنا به أحد قبله ولم نشهده، ولكن الأخبار من أسلافنا وردت علينا بأنه أحل لنا ما لم يحلّه غيره فاتّبعناه.

قالعليه‌السلام : أفليس إنّما أتتكم الأخبار فاتبعتموه؟!

قال: بلى.

قال: فكذلك سائر الأمم السالفة أتتهم الأخبار بما أتى به النبيّون، وأتى به موسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم فما عذركم في ترك الإقرار لهم، إذ كنتم أقررتم بزردهشت من قبل الأخبار المتواترة، بأنّه جاء بما لم يجيء به غيره؟!

فانقطع الهربذ مكانه.

فقال الرضاعليه‌السلام : يا قوم إن كان فيكم أحدٌ يخالف الإسلام وأراد أن يسأل فليسأل غير محتشم.

فقام إليه عمران الصابي وكان واحداً في المتكلمين فقال: يا عالم الناس لو لا أنّك دعوت إلى مسألتك لم أقدم عليك بالمسائل، ولقد دخلت الكوفة والبصرة والشام والجزيرة ولقيت المتكلمين فلم أقع على أحد يثبت لي واحداً ليس غيره قائماً بوحدانيّته أفتأذن لي أن أسألك؟

قال الرضاعليه‌السلام : إن كان في الجماعة عمران الصابي فأنت هو!

فقال: أنا هو.

فقالعليه‌السلام : سل يا عمران وعليك بالنصفة وإيّاك والخطل والجور!

قال: والله يا سيدي ما أريد إلاّ أن تثبت لي شيئاً أتعلّق به فلا أجوزه.

١٩٤

قالعليه‌السلام : سل عمّا بدا لك، فازدحم عليه الناس وانضمّ بعضهم إلى بعض.

فقال عمران الصابي: أخبرني عن الكائن الأوّل وعمّا خلق.

قالعليه‌السلام : سألت فافهم أما الواحد فلم يزل واحداً كائناً لا شيء معه بلا حدود ولا أعراض، ولا يزال كذلك ثمّ خلق خلقاً مبتدعاً مختلفاً بأعراض وحدود مختلفة لا في شيء أقامه ولا في شيء حدّه ولا على شيء حذاه ولا مثّله له.

فجعل من بعد ذلك الخلق صفوة وغير صفوة واختلافاً وائتلافاً وألواناً وذوقاً وطمعاً لا لحاجة كانت منه إلى ذلك ولا لفضل منزلة لم يبلغها إلاّ به، ولا رأى لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصاناً، تعقل هذا يا عمران؟

قال: نعم والله يا سيدي.

قالعليه‌السلام : واعلم يا عمران! أنه لو كان خلق ما خلق لحاجة لم يخلق إلاّ من يستعين به على حاجته ولكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق، لأنّ الأعوان كلّما كثروا كان صاحبهم أقوى، والحاجة يا عمران لا يسعها لأنّه لم يحدث من الخلق شيئاً إلاّ حدثت فيه حاجة أخرى ولذلك أقول: لم يخلق الخلق لحاجة، ولكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم إلى بعض وفضّل بعضهم على بعض بلا حاجة منه إلى من فضّل ولا نقمةٍ منه على من أذلّ، فلهذا خلق.

قال عمران: يا سيدي هل كان الكائن معلوماً في نفسه عند نفسه؟

قال الرضاعليه‌السلام : إنّما تكون المعلمة بالشيء لنفي خلافه وليكون الشيء نفسه بما نفي عنه موجوداً، ولم يكن هناك شيء يخالفه فتدعوه الحاجة إلى نفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد علم منها، أفهمت ياعمران؟

قال: نعم والله يا سيدي فأخبرني بأيّ شيء علم ما علم أبضمير أم بغير ذلك؟

قال الرضاعليه‌السلام : أرأيت إذا علم بضمير هل تجد بدّاً من أن تجعل لذلك الضمير حداً ينتهى إليه المعرفة؟!

١٩٥

قال عمران: لابدّ من ذلك.

قال الرضاعليه‌السلام : فما ذلك الضمير؟

فانقطع ولم يحر جواباً.

قال الرضاعليه‌السلام : لا بأس، إن سألتك عن الضّمير نفسه تُعرّفُه بضمير آخر؟!

ثم قال الرضاعليه‌السلام : أفسدت عليك قولك ودعواك يا عمران، أليس ينبغي أن تعلم أنّ الواحد ليس يوصف بضمير، وليس يقال له أكثر من فعل وعمل وصنع وليس يتوهّم منه مذاهب وتجزئة كمذاهب المخلوقين وتجزئتهم فاعقل ذلك وابن عليه ما علمت صواباً.

قال عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن حدود خلقه؟ كيف هي؟ وما معانيها؟ وعلى كم نوع يتكوّن؟

قالعليه‌السلام : قد سألت فافهم إنّ حدود خلقه على ستّة أنواع: ملموس وموزون ومنظور إليه، وما لا وزن له، وهو الروح ومنها منظور إليه وليس له وزن ولا لمس ولا حسّ ولا ذوق والتقدير، والأعراض، والصور والعرض والطول، ومنها العمل والحركات التي تصنع الأشياء وتعلمها وتغييرها من حال إلى حال وتزيدها وتنقصها.

وأما الأعمال والحركات فإنّها تنطلق لأنّها لا وقت لها أكثر من قدر ما يحتاج إليه، فإذا فرق من الشيء انطلق بالحركة وبقي الأثر ويجري مجرى الكلام الذي يذهب ويبقى أثره.

قال له عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن الخالق إذا كان واحداً لا شيء غيره ولا شيء معه، أليس قد تغيّر بخلقه الخلق.

قال الرضاعليه‌السلام : يتغير عَزَّ وجَلَّ بخلق الخلق، ولكن الخلق يتغير بتغييره.

قال عمران: فبأي شيء عرفناه.

قالعليه‌السلام : بغيره.

قال: فأي شيء غيره؟

١٩٦

قال الرضاعليه‌السلام : مشيّته واسمه وصفته وما أشبه ذلك، وكلّ ذلك محدث مخلوق مدبّر.

قال عمران: يا سيدي فأيّ شيء هو؟

قالعليه‌السلام : هو نور بمعنى أنه هاد لخلقه من أهل السماء وأهل الأرض، وليس لك عليَّ أكثر من توحيدي إيّاه.

قال عمران: يا سيدي أليس قد كان ساكتاً قبل الخلق لا ينطق ثم نطق؟

قال الرضاعليه‌السلام : لا يكون السكوت إلاّ عن نطق قبله، والمثل في ذلك أنّه لا يقال للسراج هو ساكت لا ينطق ولا يقال إنّ السراج ليضيء فيما يريد أن يفعل بنا، لأنّ الضوء من السراج ليس بفعل منه ولا كون وإنّما هو ليس شيء غيره، فلما استضاء لنا قلنا قد أضاء لنا حتى استضأنا به، فبهذا تستبصر أمرك.

قال عمران: يا سيدي فإنّ الذي كان عندي أن الكائن قد تغيّر في فعله عن حاله بخلقه الخلق.

قال الرضا: أحلت يا عمران في قولك: إن الكائن يتغيّر في وجه من الوجوه حتى يصيب الذات منه ما يغيره، يا عمران هل تجد النار تغير نفسها؟ أو هل تجد الحرارة تحرق نفسها؟ أو هل رأيت بصيراً قطّ رأى بصره؟

قال عمران: لم أرَ هذا، ألا تخبرني أهو في الخلق أم الخلق فيه.

قال الرضاعليه‌السلام : جلّ يا عمران عن ذلك ليس هو في الخلق ولا الخلق فيه، تعالى عن ذلك، وسأعلّمك وتعرفه به، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله، أخبرني عن المرآة أنت فيها أم هي فيك؟! فان كان ليس واحد منكما في صاحبه، فبأي شيء استدللت بها على نفسك؟

قال عمران: بضوء بيني وبينها.

فقال الرضاعليه‌السلام : هل ترى من ذلك الضوء في المرآة أكثر ممّا تراه في عينك؟

قال نعم.

١٩٧

قال الرضاعليه‌السلام : فأرناه؟ فلم يحر جواباً.

قال الرضاعليه‌السلام : فلا أرى النور إلاّ وقد دلّك ودلّ المرّاة على أنفسكما من غير أن يكون في واحد منكما، ولهذا أمثال كثيرة غير هذا لا يجد الجاهل فيها مقالاً ولله المثل الأعلى.

ثم التفتعليه‌السلام إلى المأمون قال: الصلاة قد حضرت.

فقال عمران: يا سيدي لا تقطع عليّ مسألتي فقد رقّ قلبي.

قال الرضاعليه‌السلام : نصلّي ونعود، فنهض ونهض المأمون، فصلّى الرضاعليه‌السلام داخلاً وصلّى الناس خارجاً خلف محمد بن جعفر، ثم خرجاً، فعاد الرضاعليه‌السلام إلى مجلسه ودعا بعمران فقال: سل يا عمران.

قال: يا سيدي ألا تخبرني عن الله عَزَّ وجَلَّ هل يوحد بحقيقة أم يوحد بوصف؟

قال الرضاعليه‌السلام : إنّ الله المبدئ الواحد الكائن الأوّل، لم يزل واحداً لا شيء معه، فرداً لا ثاني معه لا معلوماً ولا مجهولاً، ولا محكماً ولا متشابهاً، ولا مذكوراً ولا منسياً، ولا شيئاً يقع عليه اسم شيء من الأشياء غيره، ولا من وقت كان ولا إلى وقت يكون ولا بشيء قام ولا إلى شيء يقوم، ولا إلى شيء استند، ولا في شيء استكن، وذلك كلّه قبل الخلق إذ لا شيء وما أوقعت عليه من الكلّ فهي صفات محدثة وترجمة يفهم بها من فهم.

واعلم أنّ الإبداع والمشيّة والإرادة معناها واحد، وأسماؤها ثلاثة، وكان أوّل إبداعه وإرادته ومشيّته الحروف التي جعلها أصلاً لكل شيء ودليلاً على كلّ مدرك وفاصلاً لكلّ مشكل. وتلك الحروف تفريق كلّ شيء من اسم حقّ وباطل أو فعل أو مفعول أو معنى أو غير معنى، وعليها اجتمعت الأمور كلّها، ولم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى غير أنفسها يتناهي ولا وجود لأنها مبدعة بالإبداع، والنّور في هذا الموضع أوّل فعل الله الذي هو نور السماوات والأرض.

١٩٨

والحروف هي المفعول بذلك الفعل وهي الحروف التي عليها الكلام والعبارات كلّها من الله عَزَّ وجَلَّ، علّمها خلقه، وهي ثلاثة وثلاثون حرفاً، فمنها ثمانية وعشرون حرفاً تدل على اللغات السريانيّة، والعبرانيّة، ومنها خمسة أحرف متحرّفة في سائر اللغات من العجم لأقاليم اللغات كلّها وهي خمسة أحرف تحرّفت من الثمانية والعشرين الحرف من اللغات فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفاً.

فأمّا الخمسة المختلفة فتحجج لا يجوز ذكرها أكثر ممّا ذكرناه ثمّ جعل الحروف بعد إحصائها وإحكام عدّتها فعلاً منه كقوله عَزَّ وجَلَّ:( كُنْ فَيَكُونُ ) وكن منه صنع وما يكون به المصنوع، فالخلق الأوّل من الله عَزَّ وجَلَّ الإبداع لا وزن له ولا حركة ولا سمع ولا لون ولا حسّ.

والخلق الثاني الحروف لا وزن لها ولا لون، وهي مسموعة موصوفة غير منظور إليها، والخلق الثالث ما كان من الأنواع كلّها محسوساً ملموساً ذا ذوق منظوراً إليه والله تبارك وتعالى سابق للإبداع لأنّه ليس قبله عَزَّ وجَلَّ شيء، ولا كان معه شيء والإبداع سابق للحروف والحروف لا تدلّ على غير أنفسها.

قال المأمون: وكيف لا تدلّ على غير أنفسها؟ قال الرضاعليه‌السلام : لأن الله تبارك وتعالى لا يجمع منها شيئاً لغير معنى أبداً، فإذا ألّف منها أحرفاً أربعة أو خمسة أو ستة أو أكثر من ذلك أو أقلّ لم يؤلفها لغير معنى ولم يك إلاّ لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئاً.

قال عمران: فكيف لنا بمعرفة ذلك؟

قال الرضاعليه‌السلام : أمّا المعرفة فوجه ذلك وبابه أنّك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير أنفسها ذكرتها فرداً فقلت: ا ب ت ث ج ح خ حتى تأتي على آخرها، فلم تجد لها معنى غير أنفسها، فإذا ألفتها وجمعت منها أحرفاً وجعلتها اسماً وصفة لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت كانت دليلة على معانيها داعية إلى الموصوف بها، أفهمته؟ قال: نعم.

١٩٩

قال الرضاعليه‌السلام : واعلم أنّه لا يكون صفة لغير موصوف ولا اسم لغير معنى ولا حدّ لغير محدود، والصفات والأسماء كلّها تدلّ على الكمال والوجود ولا تدلّ على الإحاطة كما تدلّ على الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس، لأنّ الله عَزَّ وجَلَّ وتقدّس تدرك معرفته بالصفات والأسماء، ولا تدرك بالتحديد بالطول والعرض والقلّة والكثرة واللّون والوزن وما أشبه ذلك، وليس يحلّ بالله جلّ وتقدّس شيء من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا.

ولكن يدلّ على الله عَزَّ وجَلَّ بصفاته ويدرك بأسمائه ويستدلّ عليه بخلقه حتى لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين، ولا استماع أذن ولا لمس كفّ ولا إحاطة بقلب، فلو كانت صفاته جل ثناؤه لا تدلّ عليه وأسماؤه لا تدعو إليه والمعلمة من الخلق لا تدركه لمعناه كانت العبادة من الخلق لأسمائه وصفاته دون معناه، فلو لا أنّ ذلك كذلك لمكان المعبود الوحد غير الله تعالى، لأنّ صفاته وأسماءه غيره، أفهمت؟ قال: نعم يا سيدي زدني.

قال الرضاعليه‌السلام : إياك وقول الجهّال أهل العمى والضلال الذي يزعمون أن الله عَزَّ وجَلَّ وتقدّس موجود في الآخرة للحساب والثواب والعقاب، وليس بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء ولو كان في الوجود لله عَزَّ وجَلَّ نقص واهتضام لم يوجد في الآخرة أبداً، ولكنّ القوم تاهوا وعموا وصمّوا عن الحقّ من حيث لا يعلمون، وذلك قوله عَزَّ وجَلَّ:( وَمَن كَانَ فِي هذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلّ سَبِيلاً ) يعنى أعمى عن الحقائق الموجودة.

وقد علم ذوو الألباب أنّ الاستدلال على ما هناك لا يكون إلاّ بما ههنا، ومن أخذ علم ذلك برأيه وطلب وجوده وإدراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك إلاّ بعداً، لأنّ

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

باب دفع الحج إلى من يخرج فيها (١)

٢٨٦٤ - روى الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إن كان موسرا(٢) حال بينه وبين الحج مرض أو أمر يعذره الله عزوجل فيه فإن عليه أن يحج عنه من ماله صرورة لا مال له "(٣) .

٢٨٦٥ - وروى عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إن أميرالمؤمنين عليه السلام أمر شيخا كبيرا لم يحج قط ولم يطق الحج لكبره أن يجهز رجلا يحج عنه "(٤) .

___________________________________

(١) أى الحجة والامر في التذكرة والتأنيث سهل قال الزمخشرى في الكشاف عن ابن روبة: الامر في التذكير والتأنيث بيدك.

(٢) أى المكلف.

(٣) الصرورة بالفتح: الذى لم يتزوج أو لم يحج، وهذه الكلمة من النوادر التى وصف بها المذكر والمؤنث (المصباح المنير) والخبر صحيح ويدل على الوجوب مطلقا سواء استقر قبل عروض المانع في ذمته أم لا، وسواء كان المانع مرضا أو غيره من ضعف أصلى أو هرم أو عدو أو غيرها، وظاهره كون الحج الممنوع منه حجة الاسلام كما في المرآة.

(٤) أجمع لاصحاب على أنه إذا وجب الحج على كل مكلف ولم يحج حتى استقر في ذمته ثم عرض له مانع يمنعه عن الحج لا يرجى زواله عادة من مرض أو كبر أو خوف أو نحو ذلك يجب عليه الاستنابة، واختلف فيما إذا عرض له مانع قبل استقرار الوجوب، فذهب الشيخ و أبوالصلاح وابن الجنيد وابن البراج إلى وجوب الاستنابة، وقال ابن ادريس: لا يجب و استقر به في المختلف، وانما يجب الاستنابة مع اليأس من البرء وإذا رجا البرء لم تجب عليه الاستنابة اجماعا.

وربما لاح من كلام الشهيد في الدروس وجوب الاستنابة مع عدم اليأس من البرء على التراخى وهو ضعيف نعم قال في المنتهى باستحباب الاستنابة مع عدم اليأس من البرء والحال هذه ولو حصل له اليأس بعد الاستنابة وجب عليه، الاعادة، ولو اتفق موته قبل حصول اليأس لم يجب القضاء عنه. (المرآة)

٤٢١

٢٨٦٦ - وسأل معاوية بن عمار أبا عبدالله عليه السلام " عن رجل حج عن غيره أيجزيه ذلك عن حجة الاسلام؟ قال: نعم "(١) .

٢٨٦٧ - وروى علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " لو أن رجلا معسرا أحجه رجل كانت له حجة، فان أيسر بعد ذلك كان عليه الحج، وكذلك الناصب إذا عرف فعليه الحج وإن قد حج "(٢) .

٢٨٦٨ - وروى سعد بن عبدالله، عن موسى بن الحسن، عن أبي علي أحمد بن محمد بن مطهر(٣) قال: " كتبت إلى أبي محمد عليه السلام إني دفعت إلى ستة أنفس مائة دينار

___________________________________

(١) حمل على أنه يجزيه ان كان معسرا إلى وقت اليسار، أى ان له ثواب حجة الاسلام إلى أن يستطيع لها فيحجها كما يأتى، وروى الشيخ في القوى عن آدم بن على عن أبى الحسن عليه السلام قال: " من حج عن انسان ولم يكن له مال يحج به أجزأت عنه حتى يرزقه الله ما يحج ويجب عليه الحج " (التهذيب ج ١ ص ٤٤٨) وقال سلطان العلماء: الظاهر أن ضمير يجزيه راجع إلى الغير ويكون محمولا على من لا يقدر على الذهاب بنفسه.

(٢) حمل اعادة المعسر والناصب على الاستحباب، والمشهور بين الاصحاب أن المخالف إذا اسيبصر لا يعيد الحج الا أن يخل بركن منه، ونقل عن ابن الجنيد وابن البراج أنهما أوجبا الاعادة على المخالف وان لم يخل بشئ، وربما كان مستندهما مضافا إلى ما دل على بطلان عبادة المخالف هذه الرواية واجيب أولا بالطعن في السند لمقام البطائى وثانيا بالحمل على الاستحباب جمعا بين الادلة، وقال العلامة المجلسى رحمه الله: يمكن القول بالفرق بين الناصب والمخالف فان الناصب كافر لا يجرى عليه شئ من أحكام الاسلام.

ثم قال: اعلم أنه اعتبر الشيخ وأكثر الاصحاب في عدم اعادة الحج أن لا يكون المخالف قد أخل بركن منه والنصوص خالية من هذا القيد.

(٣) طريق المؤلف إلى سعد بن عبدالله صحيح وموسى بن الحسن هو أبوالحسن الاشعرى وكان ثقة، وأحمد بن محمد بن مطهر حسن.

٤٢٢

وخمسين دينار ليحجوا بها، فرجعوا ولم يشخص بعضهم(١) وأتاني بعض فذكر أنه قد أنفق بعض الدنانير وبقيت بقية وانه يرد علي ما بقي، وإني قدرمت مطالبة من لم يأتني(٢) بما دفعت إليه، فكتب عليه السلام: لا تعرض لمن لم يأتك، ولا تأخذ ممن أتاك شيئا مما يأتيك به، والاجر قد وقع على الله عزوجل "(٣) .

٢٨٦٩ - وروى البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام قال: " سألته عن رجل أخذ حجة من رجل فقطع عليه الطريق فأعطاه رجل حجة اخرى أيجوز له ذلك(٤) ؟ فقال: جائز له ذلك محسوب للاول والآخر(٥) ، وما كان يسعه غير الذي فعل إذا وجد من يعطيه الحجة ".

٢٨٧٠ - وروى جميل بن دراج عن أبي عبدالله عليه السلام " في رجل ليس له مال حج عن رجل أو أحجه غيره ثم أصاب مالا هل عليه الحج؟ فقال: يجزي عنهما "(٦) .

٢٨٧١ - وقيل لابي عبدالله عليه السلام: " الرجل يأخذ الحجة من الرجل

___________________________________

(١) يمكن أن يكون المراد ذهبوا جميعا إلى الحج وحجوا ثم رجعوا، وأن يكون المراد أنه لم يذهب بعضهم، والاول أظهر بقرينة قوله " فرجعوا ".

(٢) يعنى أتانى بعضهم فرد على ما زاد من نفقة حجه ولم يراجعنى بعضهم فقصدت مطالبة من لم يأتنى.

(٣) ربما يحمل على هبته اياهم مالا ليحجوا بدون شرط واستيجار، ويدل على كراهة أخذ ما زاد أو استحباب عدم الاخذ.

(٤) أى مع كونه مشغول الذمة بالاولى.

(٥) لعل المراد حساب الثواب لهما في الاخرة حيث لا يقدر على غير ذلك فهو محمول على استحباب الحجتين. (سلطان)

(٦) لعل الضمير راجع إلى المنوبين المذكورين أى يجزى عنهما فقط لا عن النائب ورجوع الضمير إلى المنوب والنائب كما هو ظاهر العبارة خلاف الفتوى بالتسبة إلى النائب كما لا يخفى (سلطان) وقال الفاضل التفرشى: لعل الفرق بين الذى حج عنه والذى أحج أن الاول ميت والثانى حى.

٤٢٣

فيموت فلا يترك شيئا، فقال: أجزأت عن الميت، وإن كانت له عند الله حجة أثبتت لصاحبه "(١) .

٢٨٧٢ - وسأل سعيد بن عبدالله الاعرج أبا عبدالله عليه السلام " عن الصرورة أيحج عن الميت؟ فقال: نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به، وكان له مال فليس له ذلك حتى يحج من ماله وهو يجزي عن الميت(٢) كان له مال أو لم يكن له مال "(٣) .

٢٨٧٣ - وروى الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب(٤) عن أبي عبدالله عليه السلام " في رجل أعطى رجلا حجة يحج بها عنه من الكوفة، فحج بها عنه من البصرة، قال:

___________________________________

(١) روى الكلينى ج ٤ ص ٣١١ في الحسن عن ابن أبى عمير عن بعض رجاله عن أبى عبدالله عليه السلام " في رجل أخذ من رجل مالا ولم يحج عنه ومات لم يخلف شيئا، قال: ان كان حج الاجير أخذت حجته ودفعت إلى صاحب المال وان لم يكن حج كتب لصاحب المال ثواب الحج ".

فان كان مراد المصنف هذا الخبر فلا يدل على براء‌ة ذمة الميت.

وان كان غيره فالمراد به الاجزاء في الثواب أو إذا كان الحج مندوبا والا فالظاهر أنه لا يبرى ذمة الميت ما لم يحج عنه الحج الصحيح الا بفضل الله تبارك وتعالى (م ت) وقال علماؤنا: لا تبرء ذمة المنوب والنائب الا باحرام النائب ودخول الحرم وفى بعض الروايات الاجزاء ان مات في الطريق ولا يفتى به أحد.

(٢) كذا في النسخ وفى الكافى والتهذيب في نظير هذا الخبر عن موسى بن جعفر عليهما السلام " وهى تجزى عن الميت " فالضمير لامحالة راجع إلى حج الصرورة.

(٣) يعنى ان حج الصرورة من مال ميت عن الميت يجزى عن الميت سواء كان للصرورة مال أم لا، ولا يجزى عن نفسه الا إذا لم يجد ما يحج به عن نفسه فحينئذ يجزى عنهما أى يجزى عن الميت ويوجر هو فيه وهذا لا ينافى وجوب الحج عليه إذا أصر، وظاهر قوله عليه السلام: " فليس له ذلك حتى يحج عن نفسه " يدل أن مشغول الذمة بالحج الواجب لا يجوز له أن يحج عن غيره مع امكانه عن نفسه.

وان أتم فحج عن الغير كان مجزيا عن ال‍؟ ر.

وارجاع ضمير " له " إلى الميت بعيد جدا.

(٤) رواه الكلينى في الكافى ج ٤ ص ٣٠٧ والشيخ في التهذيب في الصحيح عن على ابن رئاب، عن حريز عنه عليه السلام.

٤٢٤

لا بأس إذا قضى جميع مناسكه فقد تم حجه "(١) .

٢٨٧٤ - وروى ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام " في رجل أعطى رجلا دراهم يحج بها عنه حجة مفردة أيجوز له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال: نعم إنما خالفه إلى الفضل والخير "(٢) .

٢٨٧٥ - وقال وهب بن عبد ربه(٣) للصادق عليه السلام: " أيحج الرجل عن الناصب؟

___________________________________

(١) قال الشيخ رحمه الله في جملة من كتبه والمفيد قدس سره في المقنعة بجواز العدول عن طريق الذى عينه المستأجر إلى طريق آخر مطلقا مستدلين بهذه الرواية.

وأورد عليه بأنها لا تدل على جواز المخالفة لاحتمال أن يكون قوله " من الكوفة " صفة لرجل لا صلة ليحج.

(المرآة) وقال الاستاذ الشعرانى: يحمل الحديث على عدم تعلق غرض بالكوفة وأما إذا كان الذكر على التقييد وعلم أو احتمل تعلق غرض به فالظاهر عدم جواز المخالفة، نعم يقع الحج عن المنوب مع المخالفة قطعا وان لم يستحق الاجرة ويجزى عنه.

(٢) المشهور بين الاصحاب أنه يجب على الموجر أن يأتى بما شرط عليه من تمتع أو قران أو افراد، وهذه الرواية تدل على جواز العدول عن الافراد إلى التمتع، ومقتضى التعليل الواقع فيها اختصاص هذا الحكم بما إذا كان المستأجر مخيرا بين الانواع كالمتطوع وذى المنزلين وناذر الحج مطلقا لان التمتع لا يجزى مع تعين الافراد فضلا عن أن يكون أفضل منه، وقال المحقق (قده) في المعتبر: ان الرواية محمولة على حج مندوب فالغرض به تحصيل الاجر فيعرف الاذن من قصد المستاجر ويكون ذلك كالمنطوق به انتهى (المرآة) وقال الاستاذ الشعرانى في بيان الحديث: الاصل أن لا يخالف الاجير مورد الاجارة، ويحمل الحديث على أن المذكور في الاجارة كان من التصريح بأقل ما يكتفى به لا من التقييد، ويتفق مثله كثيرا مثل أن يستأجر الكاتب للكتابة من غير مقابلة أو اعراب فزاد الاجير في العمل، أو الحفار على حفر البئر فقط فحفرها وطواها ولو علم التقييد فلا يجوز أن يخالف، وأما أجر الميت تفضلا ان لم يوص واستحقاقا ان أوصى ولو مع المخالفة فمتجه بل الاجزاء عنه وسقوط الاعادة عن الولى أو النائب أيضا متجه وان خالف الاجير ولم يستحق الاجرة بمخالفته.

(٣) رواه الكلينى ج ٤ ص ٣٠٩ عن على، عن أبيه، عن وهب والمؤلف لم يذكر طريقه إلى وهب فان كان أخذه عن كتابه فصحيح وان أخذه عن الكافى فحسن كالصحيح.

٤٢٥

فقال: لا، قلت: فإن كان أبي؟ فقال: إن كان أباك فحج عنه "(١) .

٢٨٧٦ - وروي " أن الصادق عليه السلام أعطى رجلا ثلاثين دينارا فقال له: حج عن إسماعيل وافعل وافعل، ولك تسع وله واحدة "(٢) .

٢٨٧٧ - وروى أبان بن عثمان، عن يحيى الازرق عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " من حج عن إنسان اشتركا حتى إذا قضى طواف الفريضة انقطعت الشركة، فما كان بعد ذلك من عمل كان لذلك الحاج ".

٢٨٧٨ - وقال عليه السلام " في رجل أعطى رجلا مالا يحج عنه فحج عن نفسه فقال: هي عن صاحب المال "(٣) .

ولا بأس أن تحج المرأة عن المرأة، والمرأة عن الرجل(٤) ، والرجل عن المرأة

___________________________________

(١) المشهور عدم جواز الحج عن المخالف الا إذا كان أبا، وتردد في المعتبر في عدم الجواز وأنكر ابن ادريس النيابة عن الاب أيضا وادعى عليه الاجماع.

(٢) قوله عليه السلام " وافعل وافعل ": أى افعل كذا وكذا وعد عليه المناسك من العمرة إلى الحج واشترط عليه كلها حتى السعى في وادى محسر، كما في الكافى ج ٤ ص ٣١٢ والتهذيب ج ١ ص ٥٧٦ حيث رويا عن عبدالله بن سنان قال: " كنت عند أبى عبدالله عليه السلام اذ دخل عليه رجل فأعطاه ثلاثين دينارا يحج بها عن اسماعيل ولم يترك شيئا من العمرة إلى الحج الا اشترط عليه حتى اشترط عليه أن يسعى [في] وادى محسر ثم قال: يا هذا إذا أنت فعلت هذا كان لاسماعيل حجة بما أنفق من ماله وكان لك تسع بما أتعبت من بدنك ".

(٣) ان المقطوع به في كلام الاصحاب أنه لا يجوز للنائب عدول النية إلى نفسه، واختلفوا فيما إذا عدل النية، فذهب أكثر المتأخرين إلى أنه لا يجزى عن واحد منهما فيقع باطلا، وقال الشيخ بوقوعه عن المستأجر، واختاره المحقق في المعتبر، وهذا الخبر يدل على مختارهما، وطعن فيه بضعف السند ومخالفة الاصول، ويمكن حمله على الحج المندوب ويكون المراد أن الثواب لصاحب المال. (المرآة)

(٤) في الكافى ج ٤ ص ٣٠٧ والتهذيب ج ١ ص ٥٦٥ في الحسن كالصحيح عن معاوية ابن عمار قال: قلت لابى عبدالله عليه السلام: " الرجل يحج عن المرأة والمرأة تحج عن الرجل قال: لا بأس ".

٤٢٦

والرجل عن الرجل.

ولا بأس أن يحج الصرورة عن الصرورة(١) ، والصرورة عن غير الصرورة، وغير الصرورة عن الصرورة.

٢٨٧٩ - وروى حريز، عن محمد بن مسلم قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الصرورة أيحج من مال الزكاة؟ قال: نعم "(٢) .

___________________________________

(١) إذا لم يكن على النائب حج واجب وكذا إذا حج عن غير الصرورة، وتقدم أنه إذا أثم وحج برء ذمة المنوب وظهر من بعض الاخبار استحباب استنابة الصرورة للصرورة روى الكلينى ج ٤ ص ٤٠٦ في الحسن كالصحيح عن معاوية بن عمار عن أبى عبدالله عليه السلام " في رجل صرورة مات ولم يحج حجة الاسلام وله مال؟ قال: يحج عنه صرورة لا مال له ".

وقال في المدارك: منع الشيخ في الاستبصار عن نيابة المرأة الصرورة عن الرجل، وفى النهاية أطلق المنع من نيابة المرأة الصرورة وهو ظاهر اختياره في التهذيب والمعتمد الاول، لنا أن الحج مما تصح فيه النيابة ولها أهلية الاستقلال بالحج فتكون نيابتها جائزة وما رواه الشيخ في الصحيح في التهذيب (ج ١ ص ٥٦٥) عن رفاعة عن أبى عبدالله عليه السلام أنه قال " المرأة تحج عن أخيها وعن أختها؟ قال: تحج المرأة عن أبيها " وفى حسنة معاوية بن عمار المتقدمة واحتج الشيخ بما رواه عن زيد الشحام عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " سمعته يقول: يحج الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة ولا يحج المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة " وعن مصادف قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام تحج المرأة عن الرجل قال: نعم إذا كانت فقيهه مسلمة وقد كانت قد حجت، رب امرأة خير من رجل " والجواب عن الروايتين أولا بالطعن في السند لاشتمال سند الاولى على المفضل وهو مشترك بين عدة من الضعفاء وبان راوى الثانية وهو صادف نص العلامة على ضعفه، وثانيا بالحمل على الكراهة كما يشعر به رواية سليمان بن جعفر قال: " سألت الرضا عليه السلام عن امرأة صرورة حجت عن امرأة صرورة، قال: لا ينبغى " ولفظ " لا ينبغى " صريح في الكراهة.

(٢) الطريق صحيح.

ويدل على جواز اعطاء سهم سبيل الله أو الفقراء الصرورة الذى لا مال له بقدر ما صار به مستطيعا ويجوز له الاخذ واتيان الحج به.

٤٢٧

٢٨٨٠ - وروي عن معاوية بن عمار قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " الرجل يخرج في تجارة إلى مكة أو يكون له إبل فيكريها، حجته ناقصة أؤ تامة؟ قال: لا با حجته تامة "(١) .

باب حج الجمال والاجير

٢٨٨١ - روي عن معاوية بن عمار قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " حجة الجمال تامة أم ناقصة(٢) ؟ قال: تامة، قلت: حجة الاجير تامة أو ناقصة؟ قال: تامة "(٣) .

باب من يموت وعليه حجة الاسلام وحجة في نذر عليه

٢٨٨٢ - روى الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن ضريس الكناسي

___________________________________

(١) يدل على أنه لا يضر بصحة الحج نية التجارة والكراية وغيرهما إذا كان الحج لله أو منضما بل لا يضر التجارة في أصله كالنائب فانه لو لم يكن مال الاجارة لا يذهب إلى الحج لكن لما آجر نفسه صار الحج واجبا عليه (م ت) أقول: المناسب للحديث أن يذكر في الباب التالى المعقود لمثله.

(٢) الجمال هو الذى له الجمل وكان مستطيعا للحج أو حج حجة الاسلام ويحج ندبا لكن بنية ليست بخالصة، ويطلق على خدمة الجمل أيضا، وقوله " تامة " أى مبرئة للذمة أو صحيحة وقوله عليه السلام " تامة " أى في المستطيع بالبراء‌ة وفى غيره بالصحة.(م ت)

(٣) الاجير من يوجر نفسه للخدمة بالزاد والراحلة أو من يوجر نفسه للحج نيابة أو الاعم.

واعلم أن بعض العلماء استدل بالخبر على وجوب الحج لمن آجر نفسه للخدمة بالزاد والراحلة لكن الاجمال في الاجير والتمامية يمنعان من الدلالة، والاستدلال بالاية باعتبار شمول الاستطاعة له أولى.

٤٢٨

قال: " سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل عليه حجة الاسلام نذر نذرا في شكر(١) ليحجن به رجلا إلى مكة، فمات الذي نذر قبل أن يحج حجة الاسلام ومن قبل أن يفي بنذره الذي نذر، قال: إن كان ترك مالا يحج عنه حجة الاسلام من جميع المال وأخرج من ثلثه ما يحج به رجل لنذره وقد وفى بالنذر وإن لم يكن ترك مالا إلا بقدر ما يحج به حجة الاسلام حج عنه بما ترك ويحج عنه وليه حجة النذر إنما هو مثل دين عليه "(٢) .

باب ما جاء في الحج قبل المعرفة

٢٨٨٣ - روى عمر بن اذينة قال: " كتبت إلى أبي عبدالله عليه السلام أسأله عن رجل حج ولا يدري ولا يعرف هذا الامر، ثم من الله عليه بمعرفته والدينونة به أعليه حجة الاسلام؟ قال: قد قضى فريضة الله عزوجل والحج أحب إلي"(٣) .

___________________________________

(١) السند صحيح والنذر في الشكر ما كان متعلقه طاعة مشروطة بوصول نعمة أو دفع بلية أو فعل طاعة أو ترك معصية. (م ت)

(٢) يدل على وجوب اخراج حجة الاسلام من الاصل، والنذر من الثلث مع وفاء المال، و مع عدمه يحج الولى حجة النذر وهو محمول على الاستحباب والاحتياط ظاهر (م ت) وذهب جماعة إلى وجوب قضاء الحج المنذور من أصل المال إذا لم يتمكن من فعله وتأخر، وذهب جماعة إلى وجوب قضائه من الثلث واعترض عليهم صاحب المدارك بعدم المستند، وقيل بعدم وجوب القضاء مطلقا، وقال في المدارك في موضع آخر بعدم دلالة هذا الخبر على مدعى من ذهب إلى وجوب قضائه من الثلث اذ مدعاهم مالو نذر أن يحج بنفسه والخبر يدل على بذل المال للحج والفرق ظاهر لان الثانى مالى صرف.

ويمكن أن يستدل به على مدعاهم بالطريق الاولى فتأمل.

(٣) السند صحيح والمراد بالمعرفة معرفة الائمة صلوات الله عليهم بالامامة والخبر يدل على الاجزاء واستحباب الاعادة وقد تقدم قول المشهور من عدم وجوب الاعادة على المخالف مالم يخل بركن، والمحكى عن ابن الجنيد وابن البراج وجوب الاعادة مطلقا.

٤٢٩

٢٨٨٤ - وروي عن أبي عبدالله الخراساني عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال قلت له: " إني حججت وأنا مخالف وحججت حجتي هذه وقد من الله عز وجل علي بمعرفتكم وعلمت أن الذي كنت فيه كان باطلا فما ترى في حجتي؟ قال: اجعل هذه حجة الاسلام وتلك نافلة "(١) .

باب ما جاء في حج المجتاز

٢٨٨٥ - روى معاوية بن عمار قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " الرجل يمر مجتازا يريد اليمن أو غيرها من البلدان وطريقه بمكة فيدرك الناس وهم يخرجون إلى الحج فيخرج معهم إلى المشاهد، أيجزيه ذلك عن حجة الاسلام: قال: نعم "(٢)

باب حج المملوك والمملوكة  (٣)

٢٨٨٦ - روى حريز عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " كلما أصاب العبد المحرم في إحرامه فهو على السيد إذا أذن له في الاحرام "(٤) .

___________________________________

(١) يدل على جواز القلب بعد الفعل كما مر في صلاة الجماعة، وعلى استحباب الاعادة كما دل عليه الاخبار منها ما تقدم.

(٢) حمل على الاستطاعة في البلد، وظاهر الخبر أعم من ذلك، ويشمله عموم الاية اذ كان مستطيعا حين الارادة.

(٣) لا خلاف بين الاصحاب في اشتراط حجة الاسلام بالحرية، وفى صحة حجهما وفى أن لهما ثواب حجة الاسلام إذا حجا إلى أن يعتقا، فاذا اعتقا وحصل الشرائط يجب عليهما حجة الاسلام.(م ت)

(٤) يدل على أن جنايات العبر كلها على المولى إذا أذن له في الاحرام وبه قال المحقق في المعتبر وجماعة، وقال الشيخ: انه يلزم ذلك العبد لانه فعله بدون اذن مولاه، ويسقط الدم إلى الصوم، وقال المفيد على السيد الفداء في الصيد وهذا في جناياته، وأما دم الهدى فمولاه بالخيار بين أن يذبح عنه أو يأمره بالصوم اتفاقا (المرآة) أقول: ربما حمل الخبر على الاستحباب لما رواه الشيخ (في التهذيب ج ١ ص ٥٥٦) في الصحيح عن عبدالرحمن بن أبى نجران قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن عبد أصاب صيدا وهو محرم هل على مولاه شئ من الفداء؟ قال: لا شئ على مولاه ".

٤٣٠

٢٨٨٧ - وروى الحسن بن محبوب، عن الفضل بن يونس قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام فقلت: تكون عندي الجواري وأنا بمكة فآمرهن أن يعقدن بالحج(١) يوم التروية فأخرج بهن فيشهدن المناسك أو اخلفهن بمكة؟ قال: فقال: إن خرجت بهن فهو أفضل، وإن خلفتهن عند ثقة فلا بأس، فليس على المملوك حج ولا عمرة حتى يعتق "(٢) .

٢٨٨٨ - وروى مسمع بن عبدالملك عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " لو أن عبدا حج عشر حجج كانت عليه حجة الاسلام إذا استطاع إلى ذلك سبيلا "(٣) .

٢٨٨٩ - وفي رواية النضر(٤) عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إن المملوك إن حج وهو مملوك أجزأه إذا مات قبل أن يعتق، وإن اعتق فعليه الحج ".

___________________________________

(١) حرف الاستفهام محذوف أى أ فامرهن. (مراد)

(٢) يدل على عدم وجوب الحج على المملوك وعليه اجماع الاصحاب. (م ت)

(٣) يدل على اشتراط حجة الاسلام للعبد بالاستطاعة بعد العتق (م ت) أقول: هذا القول مبنى على كون المراد بالعبد المملوك كما فهمه المصنف ولم يثبت، والظاهر من الكلينى أن المراد بالعبد غير المملوك حيث رواه في باب ما يجزى من حجة الاسلام ومالا يجزى " وقال العلامة المجلسى رحمه الله: ليس المراد بالعبد المملوك وحمل الخبر على الحج المندوب بدون الاستطاعة ويؤيد نظر العلامة المجلسى ذيل الخبر في الكافى (ج ٤ ص ٢٧٨) حيث ذكر فيه بعده حج الغلام قبل أن يحتلم ثم حج المملوك قبل أن يعتق. ولم ينقله المصنف رحمه الله.

(٤) الطريق صحيح ورواه الشيخ في الصحيح أيضا عن صفوان وابن أبى عمير جميعا عن عبدالله بن سنان.

٤٣١

٢٨٩٠ - وروى إسحاق بن عمار(١) قال: " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن أم ولد تكون للرجل قد أحجها أيجوز ذلك عنها من حجة الاسلام؟ قال: لا، قلت: لها أجر في حجها؟ قال: نعم ".

باب ما يجزى عن المعتق عشية عرفة من حجة الاسلام

٢٨٩١ - روى الحسن بن محبوب، عن شهاب عن أبي عبدالله عليه السلام " في رجل أعتق عشية عرفة عبدا له، قال: يجزى عن العبد حجة الاسلام ويكتب للسيد أجران: ثواب العتق وثواب الحج"(٢) .

٢٨٩٢ - وروي عن معاوية بن عمار قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " مملوك أعتق يوم عرفة، قال: إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج "(٣) .

___________________________________

(١) الطريق اليه صحيح وهو ثقة بل من الاجلاء، وفى بعض النسخ " روى عن اسحاق ".

(٢) الطريق اليه صحيح والخبر رواه الكلينى ج ٤ ص ٢٧٦ والشيخ في التهذيب ج ١ ص ٤٤٧ والاستبصار ج ٢ ص ١٤٨ هكذا " في رجل أعتق عشية عرفة عبدا له أيجزى عن العبد حجة الاسلام؟ قال: نعم، قلت: ام ولد أحجها مولاها أيجزى عنها؟ قال: لا، قلت: أله أجر في حجتها؟ قال نعم إلى آخر الحديث " ويحتمل التعدد أو يكون من قوله " ويكتب الخ " من كلام المصنف والمراد بعشية عرفة بعد الظهر إلى المغرب أو مع الليل حتى يشهد اضطرارى عرفة وقال المولى المجلسى: السؤال منه لا يدل على عدم الاكتفاء بالمشعر اذ الظاهر أن شهابا توهم الاحتياج إلى وقوف عرفة في الاجزاء فسأل عنه.

(٣) " إذا أدرك " أى العبد معتقا أو الاعم كما هو الواقع ولا يعتبر خصوص السؤال بل العبرة بالجواب وخصوصه أو عمومه.

والظاهر أن ادراك أحد الموقفين شامل للاختيارى والاضطرارى كل منهما فحيئنذ الحاق الصبى والمجنون به ليس من باب القياس بل هما داخلان في هذا العموم و غيره من العمومات بانهما إذا بلغا أو عقلا مع ادراك احد الموقفين كان مجزيا عن حجة الاسلام كما قاله أكثر الاصحاب بل لا مخالف لهم ظاهرا. (م ت)

٤٣٢

باب حج الصبيان

٢٨٩٣ - روى زرارة(١) عن أحدهما عليهما السلام قال: " إذا الرجل بابنه وهو صغير فإنه يأمره أن يلبي ويفرض الحج، فإن لم يحسن أن يلبي لبي عنه(٢) ويطاف به ويصلى عنه، قلت: ليس لهم ما يذبحون عنه؟(٣) قال: يذبح عن الصغار ويصوم الكبار(٤) ويتقى عليهم(٥) ما يتقى على المحرم من الثياب والطيب، فإن قتل صيدا فعلى أبيه "(٦) .

٢٨٩٤ - وروي عن أيوب أخي اديم(٧) قال: " سئل أبوعبدالله عليه السلام من أين يجرد الصبيان؟ فقال: كان أبي عليه السلام يجردهم من فخ "(٨) .

___________________________________

(١) كذا في أكثر النسخ فيكون صحيحا وفى بعض النسخ " روى عن زرارة " فرواه الكلينى عن العدة، عن سهل، عن البزنطى، عن المثنى، عن زرارة فيكون ضعيفا على المشهور لمقام سهل.

(٢) في بعض النسخ والتهذيب ج ١ ص ٥٦٤ " لبوا عنه " بصيغة الجمع فيدل على جواز التلبية عنه لغير الولى.

(٣) في الكافى والتهذيب بدون لفظ " عنه ".

(٤) يحتمل أن يكون المراد بالكبار المميزين من الاطفال أو البلغ بشد اللام أى يصومون لانفسهم ويذبحون لاطفالهم والاول أظهر (المرآة) وقال المولى المجلسى رحمه الله: أى يجوز للولى أن يأمرهم بالصوم وأن يذبح عنهم من ماله.

(٥) في بعض النسخ " يتقى عليه " وفى الكافى والتهذيب كما في المتن.

(٦) لانه صار سببا لاحرامه، والمشهور لزوم جميع الكفارات على الولى وهذا الخبر يدل على خصوص كفارة الصيد، وقيل: يلزمه في ماله لكونه صادرا عن جنايته، وأيضا اختلف في أنه هل يختلف عمده وخطاؤه أو يكون عمده في قوة الخطأ كما هو حكمه في باب الديات.

(٧) طريق المصنف إلى أيوب بن الحر صحيح، وهو ثقة لكن قوله " روى " يشعر بكونه مأخوذا من الكافى أو غيره وفيه في طريقه سهل بن زياد فيكون السند ضعيفا على المشهور.

(٨) الظاهر أن المراد بالتجريد الاحرام كما فهمه الاكثر، وفخ: بئر معروف على فرسخ من مكة، وقد نص الشيخ وغيره على أن الافضل الاحرام بالصبيان من الميقات لكن رخص في تأخير الاحرام بهم حتى يصيروا إلى فخ وتدل على أن الافضل الاحرام بهم من الميقات روايات (المرآة) وقال المولى المجلسى: ذهب جماعة إلى أنه لا يدل على أكثر من التجريد وهو واجب من الاحرام فيمكن أن يكون احرامهم من الميقات سوى التجريد ويكون تجريدهم منه جمعا بينه و بين ما سيأتى. (م ت)

٤٣٣

٥ ٢٨٩ - وروي عن يونس بن يعقوب(١) عن أبيه قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " إن معي صبية صغارا وأنا أخاف عليهم البرد فمن أين يحرمون؟ فقال: ائت بهم العرج(٢) فليحرموا منها فإنك إذا أتيت العرج وقعت في تهامة(٣) ثم قال: فإن خفت عليهم فائت بهم الجحفة(٤) ".

٢٨٩٦ - وروى معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة أو إلى بطن مر(٥) ويصنع بهم ما يصنع بالمحرم ويطاف بهم ويرمى عنهم، ومن لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه، وكان علي بن الحسين عليهما السلام يضع السكين في يد الصبي ثم يقبض على يده الرجل فيذبح(٦) ".

٧ ٢٨٩ - وسأله سماعة " عن رجل أمر غلمانه أن يتمتعوا قال: عليه أن يضحي

___________________________________

(١) يونس بن يعقوب ثقة وفى طريق المصنف اليه الحكم بن مسكين ولم يوثق صريحا وهو حسن، ويعقوب بن قيس أبوه لم يوثق أيضا ورواه الكلينى بطريق قوى عن يونس عن أبيه في الكافى ج ٤ ص ٣٠٣.

(٢) العرج كفلس: عقبة بين مكة والمدينة (المراصد) وقيل قرية من أعمال الفرع على أيام من المدينة.

(٣) المراد أعمال مكة وتوابعها التى لا يجوز لاحد أن يدخلها بدون الاحرام.

وتهامة أرض أولها ذات عرق من قبل نجد إلى مكة وما وراء‌ها بمرحلتين (المصباح المنير).

(٤) الجحفة بضم الجيم هى مكان بين مكة والمدينة محاذية لذى الحليفة من الجانب الشامى قريب من رابغ بين بدر وخليص وهى أقرب من العرج إلى مكة.

(٥) بطن مر موضع بقرب مكة من جهة الشام بحو مرحلة.

(٦) قوله " كان على بن الحسين عليهما السلام الخ " داخل في حديث معاوية كما في الكافى ج ٤ ص ٣٠٤، ووضع السكين في يد الصبى على المشهور محمول على الاستحباب (المرآة)

٤٣٤

عنهم(١) قلت: فإنه أعطاهم دراهم فبعضهم ضحى وبعضهم أمسك الدراهم وصام، قال: قد أجزأ عنهم وهو بالخيار إن شاء تركها(٢) قال: قال: ولو أنه أمرهم فصاموا كان قد أجزأ عنهم(٣) ".

٢٨٩٨ - وروى صفوان، عن إسحاق بن عمار قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن ابن عشر سنين يحج؟ قال: عليه حجة الاسلام إذا احتلم، وكذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت(٤) ".

٢٨٩٩ - وروي عن علي بن مهزيار، عن محمد بن الفضيل قال: " سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام عن الصبي متى يحرم به؟ قال: إذا أثغر "(٥) .

٢٩٠٠ - وروى أبان، عن الحكم(٦) قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: " الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الاسلام حتى يكبر، والعبد إذا حج به فقد قضى حجة الاسلام حتى يعتق(٧) ".

___________________________________

(١) الظاهر أن المراد بالغلمان العبيد وحمله المصنف على الصبيان وهو بعيد. والخبر في الكافى أيضا مضمر.

(٢) أى ان شاء ترك الدراهم لمن صام وان شاء أخذها منه واكتفاه بالشق الاول أولى. (مراد)

(٣) يدل على اجزاء الصوم عنهم مع التمكن.

(٤) يدل على اشتراط البلوغ في حجة الاسلام والطمث دليل البلوغ في الزمان المحتمل له (م ت)(٥) ثغر مجهولا وأثغر، واثغر بشد المثلثة الغلام ألقى سنة أو نبت والقاء السن غالبا يكون في سن يحصل فيه تميز ما وهو السبع، ويحمل على الحج التمرينى والا فالظاهر استحبابه في أقل من هذا كما تقدم، وقال العلامة المجلسى: لعله محمول على تأكد الاستحباب أو على احرامهم بأنفسهم دون أن يحرم عنهم.

(٦) يعنى به حكم بن حكيم الصيرفى الثقة كما في التهذيب.

(٧) بهذا الخبر يجمع بين الاخبار الدالة على جواز حجهما وعدم اجزائها عن حجة الاسلام يعنى أن العبد تكفيه ما دام عبدا فلا بد له من حجة اخرى بعد العتق والاستطاعة وكذا الصبى.

٤٣٥

باب الرجل يستدين ويحج، ووجوب الحج على من عليه الدين

٢٩٠١ - روي عن يعقوب بن شعيب(١) قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل يحج بدين وقد حج حجة الاسلام، قال: نعم إن الله عزوجل سيقضي عنه إن شاء الله تعالى(٢) ".

٢ ٢٩٠ - وروي عن عبدالملك بن عتبة(٣) قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل عليه دين يستقرض ويحج؟ قال: إن كان له وجه في مال فلا بأس(٤) ".

٢٩٠٣ - وروى موسى بن بكر(٥) عنه عليه السلام قال: قلت له: " هل يستقرض الرجل ويحج إذا كان خلف ظهره ما يؤدي به عنه إذا حدث به حدث؟ قال: نعم ".

٢٩٠٤ - وروي عن أبي همام(٦) قال: قلت للرضا عليه السلام: " الرجل يكون عليه الدين ويحضره الشئ(٧) أيقضي دينه أو يحج؟ قال: يقضي ببعض ويحج ببعض قلت: فإنه لا يكون إلا بقدر نفقة الحج، قال: يقضي سنة ويحج سنة، قلت: أعطي

___________________________________

(١) الطريق إلى يعقوب بن شعيب صحيح كما في الخلاصة ورواه الكلينى في الصحيح أيضا.

(٢) لعله محمول على ما إذا كان له وجه لاداء الدين لما سيأتى. (المرآة)

(٣) طريق المصنف إلى عبدالملك قوى بحسن بن على بن فضال، ورواه الكلينى ج ٤ ص ٢٧٩ في الصحيح.

(٤) يدل على الجواز بدون الكراهة مع الوجه. (م ت)

(٥) طريق المصنف اليه غير مذكور في المشيخة ورواه الكلينى في الضعيف على المشهور وكذا الشيخ.

(٦) طريق المصنف إلى أبى همام وهو اسماعيل بن همام صحيح وهو ثقة.

(٧) الظاهر أن المراد بالشئ مستغل تحصل له في كل سنة، بقرينة ما يجيئ من قوله عليه السلام: " يقضى سنة ويحج سنة. (مراد)

٤٣٦

المال من ناحية السلطان، قال: لا بأس عليكم(١) ".

٢٩٠٥ - وسال رجل أبا عبدالله عليه السلام فقال له: " إني رجل ذو دين فأتدين وأحج؟ فقال: نعم هو أقضى للدين(٢) ".

٢٩٠٦ - وروى ابن محبوب، عن أبان، عن الحسن بن زياد العطار قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " يكون علي الدين فيقع في يدي الدراهم فإن وزعتها بينهم لم يقع شيئا(٣) أفأحج أو أوزعها بين الغرماء؟ قال: حج بها وادع الله أن يقضي عنك دينك إن شاء الله تعالى(٤) ".

باب ما جاء في المرأة يمنعها زوجها من حجة الاسلام أو حجة تطوع

٢٩٠٧ - روى أبان، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: " سألته عن امرأة لها

___________________________________

(١) يدل على جواز الحج مع الدين وكذا جواز أخذ جوائز السلطان للشيعة و الحج بها.

(٢) رواه الشيخ في الاستبصار ج ٢ ص ٣٢٩ وحمله على ما إذا كان له وجه يقضى ينه منه، وربما حمل على المندوب أو على استقرار الوجوب.

وقال الفاضل التفرشى قوله " هو أقضى للدين " يدل على أن الاستدانة للحج تصير سببا لان يقضى الله تعالى دينه هذا وغيره من الريون، وقال يمكن التوفيق بين منطوق هذا الخبر والذى يأتى وما في معناهما وبين مفهوم حديث عبدالملك بن عتبة بحمل الاستدانة للحج عند عدم ما يؤدى به عنه على الكراهة، وأما قوله: " هو أقضى للدين " فلا يوجب رفع الكراهة فان معناه أنه مقتضى لذلك وان توقف تأثيره على تحقق الشرائط وارتفاع الموانع، والاستدانة اشتغال الذمة ناجزا بما ليس عنده بالفعل ما يبرء الذمة، فمجرد اتيانه بما يقتضى حصول ما يبرء الذمة لا يرتفع تلك الكراهة.

(٣) كذا في النسخ ولعله ضمن فيه معنى فعل معتد أى لم يقع التوزيع والتقسيم مبقيا شيئا أو تاركا شيئا، وفى الكافى ج ٤ ص ٢٧٩ " لم يبق شئ " فيستقيم المعنى بدون تكلف، ولعل ما في المتن تصحيف من النساخ.

(٤) قوله: " حج بها وادع الله " أى مع رضاهم أو مع كونه مستجاب الدعوة. (م ت)

٤٣٧

زوج وهي صرورة ولا يأذن لها في الحج، قال: تحج وإن لم يأدن لها(١) ".

٢٩٠٨ - وفي رواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله(٢) عن الصادق عليه السلام قال: " تحج وإن رغم أنفه(٣) ".

٩ ٢٩٠ - وروى إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: " سألته عن المرأة الموسرة قد حجت الاسلام فتقول لزوجها: أحجني مرة اخرى أله أن يمنعها؟ قال: نعم(٤) ، يقول لها: حقي عليك أعظم من حقك علي في ذا(٥) ".

باب حج المرأة مع غير محرم أوولى

٢٩١٠ - روي عن معاوية بن عمار قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن المرأة تخرج إلى مكة بغير ولي، فقال: لا بأس تخرج مع قوم ثقات ".

___________________________________

(١) طريق المصنف إلى أبان بن عثمان صحيح وهو مقبول الرواية، ورواه الكلينى في ج ٤ ص ٢٨٢ وفى طريقه معلى بن محمد البصرى وقال ابن الغضائرى: نعرف حديثه وننكره ويجوز أن يخرج شاهدا.

(٢) طريق المصنف اليه صحيح وهو ثقة.

(٣) أى تحج بدون اذنها إذا كانت صرورة وان ذل الزوج بخروجها.

(٤) يدل على اشتراط اذن الزوج في المندوب. (م ت)

(٥) ادعى الاجماع على أنه لا يصح حجها تطوعا الا باذن زوجها بل قال في المنتهى انه لا نعلم فيه مخالفا بين أهل العلم ثم استدل بهذا الخبر، وقال فقيه عصرنا مد ظله في جامع المدارك: لا يخفى أن جواز المنع لا يترتب عليه الفساد مالم يستلزم الخروج بغير اذن الزوج كما لو كان الخروج مع الزوج وباذنه وقارن معه الحج، نعم الحج مضاد للاستمتاع ومجرد هذا لا يوجب الفساد، ولو أحرمت بغير اذنها وقلنا بصحة احرامها يشكل تحللها بغير ما يوجب التحلل من أفعال الحج والعمرة، وأما التمسك بالاية الشريفة " الرجال قوامون على النساء " فمشكل لاثبات عدم صحة أعمالها بدون اجازة الزوج بحيث يحتاج في كل عمل يصدر منها إلى مراجعته، أالا ترى أنه لا مجال للشك في صحة الصلوات المندوبة منها بدون الاذن.

٤٣٨

٢٩١١ - وفي رواية هشام، عن سليمان بن خالد عن أبي عبدالله عليه السلام " في المرأة تريد الحج وليس معها محرم هل يصلح لها الحج؟ فقال: نعم إذا كانت مأمونة(١) ".

٢٩١٢ - وروى البزنطي، عن صفوان الجمال قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " قد عرفتني بعملي(٢) ، تأتيني المرأة أعرفها باسلامها وحبها إياكم وولايتها لكم ليس لها محرم، قال: إذا جاء‌ت المراة المسلمة فاحملها(٣) فإن المؤمن محرم المؤمنة، ثم تلا هذه الآية: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ".

باب حج المرأة في العدة

٢٩١٣ - روى العلاء، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: " المطلقة تحج في عدتها"(٤) .

___________________________________

(١) يمكن أن يراد بذلك كونها مع قوم ثقات " أو أن يكون لها سيرة يأمن عليها الزوج فحينئذ ليس للزوج منعها عن الحج (مراد) وقال العلامة المجلسى: ظاهره أن هذا الشرط لعدم جواز منع أهاليها من حجها فانهم إذا لم يعتمدوا عليها في ترك ارتكاب المحرمات وما يصير سببا لذهاب عرضهم يجوز لهم أن يمنعوها إذا لم يمكنهم بعث أمين معها، ويحتمل أن يكون المراد مأمونة عند نفسها أى آمنة من ذهاب عرضها فيوافق الاخبار الاخر.

(٢) أى كنت عرفت أنى جمال.

(٣) أى يجوز لك كرايتها والتولى لامورها.

وقال في المدارك: الظاهر أن المراد من قوله عليه السلام " المؤمن محرم المؤمنة " أن المؤمن كالمحرم في جواز مرافقته للمرأة، ومقتضى هذه الروايات الاكتفاء في المرأة بوجود الرفقة المأمونة وهى التى يغلب ظنها بالسلامة معها فلو انتفى الظن المذكور بان خافت على النفس أو البضع أو العرض فلم يندفع ذلك الا بالمحرم اعتبر وجوده قطعا لما في التكليف بالحج مع الخوف من فوات شئ من ذلك من الحرج والضرر.

(٤) محمول على الحج الواجب في الرجعية، فتكون مستثناة من منع خروجها عن البيت الذى طلق فيه. (مراد)

٤٣٩

٢٩١٤ - وروى ابن بكير، عن زرارة قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن المرأة التي يتوفى عنها زوجها أتحج في عدتها؟ قال: نعم ".

باب الحاج يموت في الطريق

٢٩١٥ - روى علي بن رئاب(١) ، عن ضريس عن أبي جعفر عليه السلام " في رجل خرج حاجا حجة الاسلام فمات في الطريق، فقال: إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الاسلام، وإن كان مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الاسلام "(٢)

٦ ٢٩١ - وروى علي بن رئاب، عن بريد العجلي(٣) قال: " سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل خرج حاجا ومعه جمل له ونفقة وزاد فمات في الطريق، قال: إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الاسلام، وإن كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم(٤) جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجة الاسلام،

___________________________________

(١) الطريق إلى ابن رئاب صحيح وهو ثقة جليل، وضريس الكناسى ثقة خير فاضل.

(٢) ينبغى حمله على ما إذا كانت الحجة عليه مستقرة وكان له مال يفى بالحج (مراد) وقال في المدارك ما حاصله: لا ريب في وجوب القضاء لو مات قبل الاحرام ودخول الحرم وقد استقر الحج في ذمته بأن يكون قد وجب قبل تلك السنة وتأخر، وقد قطع المتأخرون بسقوط القضاء إذا لم تكن الحجة مستقرة في ذمته بأن كان خروجه في عام الاستطاعة، و أطلق المفيد في المقنعة والشيخ في جملة من كتبه وجوب القضاء إذا مات قبل دخول الحرم ولعلهما نظرا إلى اطلاق الامر بالقضاء في بعض الروايات واجيب عنهما بالحمل على من استقر الحج في ذمته.

(٣) بريد بن معاوية العجلى من وجوه أصحابنا ثقة فقيه له محل عند الائمة عليهم السلام.

(٤) قال في المدارك: ذهب علماونا إلى أنه إذا مات بعد الاحرام ودخول الحرم أجزأ عنه، واختلفوا فيما إذا كان بعد الاحرام وقبل دخول الحرم والاشهر عدم الاجزاء، و ذهب الشيخ في الخلاف وابن ادريس إلى الاجتزاء وربما أشعر به مفهوم قوله عليه السلام " قبل أن يحرم " لكنه معارض بمنطوق قوله عليه السلام " وان كان مات دون الحرم ".

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640