من لا يحضره الفقيه الجزء ٢

من لا يحضره الفقيه9%

من لا يحضره الفقيه مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 640

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 640 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 267588 / تحميل: 8506
الحجم الحجم الحجم
من لا يحضره الفقيه

من لا يحضره الفقيه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

الوجود ليس علّة تامّة في الرؤية

قال المصنّف ـ عطّر الله ضريحه ـ(١) :

المبحث الخامس

في أنّ الوجود ليس علّة تامّة في الرؤية

خالفت الأشاعرة كافّة العقلاء ها هنا ، وحكموا بنقيض المعلوم بالضرورة ، فقالوا : إنّ الوجود علّة [ في ] كون الشيء مرئيا ، فجوّزوا رؤية كلّ شيء موجود ، سواء كان في حيّز أم لا ، وسواء كان مقابلا أم لا!

فجوّزوا إدراك الكيفيات النفسانية ـ كالعلم ، [ وإلإرادة ، ] والقدرة ، والشهوة ، واللذّة ـ ، وغير النفسانية ممّا لا يناله البصر ـ كالروائح ، والطعوم ، والأصوات ، والحرارة ، والبرودة ، وغيرها من الكيفيات الملموسة ـ(٢) .

ولا شكّ أنّ هذا مكابرة للضروريّات ، فإنّ كلّ عاقل يحكم بأنّ الطعم إنّما يدرك بالذوق لا بالبصر ، والروائح إنّما تدرك بالشمّ لا بالبصر(٣) ، والحرارة ـ وغيرها من الكيفيات الملموسة ـ إنّما تدرك باللمس لا بالبصر ،

__________________

(١) نهج الحقّ : ٤٤ ـ ٤٥.

(٢) انظر : اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع : ٦١ ـ ٦٣ ، تمهيد الأوائل : ٣٠٢ ، شرح المقاصد ٤ / ١٨٨ ـ ١٨٩ ، شرح العقائد النسفية : ١٢٦ ، شرح المواقف ٨ / ١٢٣.

(٣) كان في الأصل : « بالإبصار » ، وما أثبتناه من المصدر ليناسب وحدة السياق.

٨١

والصوت إنّما يدرك بالسمع لا بالبصر

[ ولهذا فإنّ فاقد البصر يدرك هذه الأعراض ؛ ولو كانت مدركة بالبصر لاختلّ الإدراك باختلاله ].

وبالجملة : فالعلم بهذا الحكم لا يقبل التشكيك ، وإنّ من شكّ فيه فهو سوفسطائي.

ومن أعجب الأشياء : تجويزهم عدم رؤية الجبل الشاهق في الهواء ، مع عدم الساتر! وثبوت رؤية هذه الأعراض التي لا تشاهد ولا تدرك بالبصر!

وهل هذا إلّا عدم تعقّل من قائله؟!(١) .

__________________

(١) اختلفت النسخ في إيراد هذه الجملة ؛ ففي المخطوط وطبعة طهران : « وهل هذا الأمر يغفل قائله؟! » وفي طبعة القاهرة وإحقاق الحقّ : « وهل هذا إلّا من تغفّل قائله؟! » ؛ ولا شكّ أنّ التصحيف قد طرأ عليها على أثر سقوط كلمة « عدم » ؛ وما أثبتناه من المصدر هو المناسب للسياق.

٨٢

وقال الفضل(١) :

إعلم أنّ الشيخ أبا الحسن الأشعري استدلّ بالوجود على إثبات جواز رؤية الله تعالى(٢) .

وتقرير الدليل ـ كما ذكر في « المواقف » وشرحه ـ : أنّا نرى الأعراض كالألوان والأضواء وغيرها ، من الحركة والسكون ، والاجتماع والافتراق ؛ وهذا ظاهر.

ونرى الجوهر أيضا ؛ لأنّا نرى الطول والعرض في الجسم ، وليس الطول والعرض عرضين قائمين بالجسم ، لما تقرّر من أنّه مركّب من الجواهر الفردة.

فالطول مثلا ، إن قام بجزء واحد ، فذلك الجزء يكون أكثر حجما من جزء آخر ، فيقبل القسمة ؛ هذا خلف.

وإن قام بأكثر من جزء واحد ، لزم قيام العرض [ الواحد ] بمحلّين ؛ وهو محال.

فرؤية الطول والعرض هي رؤية الجواهر التي تركّب منها الجسم.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١١٨ ـ ١٢٢.

(٢) انظر : الإبانة عن أصول الديانة : ٦٦ الدليل ٨١ ، الملل والنحل ١ / ٨٧ ، نهاية الإقدام في علم الكلام : ٣٥٧ ؛ وقال به الباقلّاني أيضا في تمهيد الأوائل : ٣٠١ ، وفخر الدين الرازي في الأربعين في أصول الدين ١ / ٢٦٨ والمسائل الخمسون : ٥٦ الوجه الأوّل ، والتفتازاني في شرح العقائد النسفية : ١٢٦.

٨٣

فقد ثبت أنّ صحّة الرؤية مشتركة بين الجوهر والعرض ، وهذه الصحّة لها علّة مختصّة بحال وجودهما ؛ وذلك لتحقّقها عند الوجود ، وانتفائها عند العدم ، ولو لا تحقّق أمر يصحّح حال الوجود غير [ متحقّق ] حال العدم لكان ذلك ترجيحا بلا مرجّح.

وهذه العلّة لا بدّ أن تكون مشتركة بين الجوهر والعرض ، وإلّا لزم تعليل الأمر الواحد بالعلل المختلفة ، وهو غير جائز.

ثمّ نقول : هذه العلّة المشتركة إمّا الوجود أو الحدوث ، إذ لا مشترك بين الجوهر والعرض سواهما ، لكنّ الحدوث عدمي لا يصلح للعلّة ، فإذا العلّة المشتركة : الوجود ، فإنّه مشترك بينها وبين الواجب ، فعلّة صحّة الرؤية متحقّقة في حقّ الله تعالى ، فتتحقّق صحّة الرؤية ؛ وهو المطلوب.

ثمّ إنّ هذا الدليل يوجب أن تصحّ رؤية كلّ موجود : كالأصوات ، والروائح ، والملموسات ، والطعوم ـ كما ذكره هذا الرجل ـ ، والشيخ الأشعري يلتزم هذا ويقول : لا يلزم من صحّة الرؤية لشيء تحقّق الرؤية له.

وإنّا لا نرى هذه الأشياء التي ذكرناها بجري العادة من الله تعالى بذلك ـ أي بعدم رؤيتها ـ فإنّ الله تعالى جرت عادته بعدم خلق رؤيتها فينا ، ولا يمتنع أن يخلق الله فينا رؤيتها كما خلق رؤية غيرها.

والخصوم يشدّدون عليه الإنكار ويقولون : هذه مكابرة محضة ، وخروج عن حيّز العقل بالكلّيّة.

ونحن نقول : ليس هذا الإنكار إلّا استبعادا ناشئا عمّا هو معتاد في الرؤية ؛ والحقائق ، والأحكام الثابتة المطابقة للواقع ، لا تؤخذ من العادات ،

٨٤

بل ممّا تحكم به العقول الخالصة من الأهواء وشوائب التقليدات(١) .

ثمّ من الواجب في هذا المقام أن تذكر حقيقة الرؤية حتّى يبعد الاستبعاد عن الطبائع السليمة ، فنقول :

إذا نظرنا إلى الشمس فرأيناها ، ثمّ غمضنا العين ، فعند التغميض نعلم الشمس علما جليّا.

وهذه الحالة مغايرة للحالة الأولى التي هي الرؤية بالضرورة ، وهذه الحالة المغايرة الزائدة ليست هي تأثّر الحاسّة فقط ـ كما حقّق في محلّه ـ ، بل هي حالة أخرى يخلقها الله تعالى في العبد ، شبيهة بالبصيرة في إدراك المعقولات.

وكما إنّ البصيرة في الإنسان تدرك الأشياء ، ومحلّها القلب ؛ كذلك البصر يدرك الأشياء ، ومحلّها الحدقة في الإنسان.

ويجوز عقلا أن تكون تلك الحالة تدرك الأشياء من غير شرط ومحلّ ، وإن كان يستحيل أن ( يدرك الإنسان بلا مقابلة )(٢) وباقي الشروط عادة.

فالتجويز عقلي ، والاستحالة عاديّة ؛ كما ذكرنا مرارا.

فأين الاستبعاد إذا تأمّله المنصف؟!

ومآل هذا يرجع إلى كلام واحد قدّمناه.

* * *

__________________

(١) المواقف : ٣٠٢ ـ ٣٠٣ ، شرح المواقف ٨ / ١٢٢ ـ ١٢٤ ملخّصا.

(٢) في المصدر : تدرك الأشياء إلّا بالمقابلة.

٨٥

وأقول :

لا يخفى أنّ دليل الأشعري قد تكرّر ذكره في كتبهم ، واستفرغ القوم وسعهم في تصحيحه ، فلم ينفعهم ، حتّى أقرّ محقّقوهم بعدم تمامه.

فهذا شارح « المواقف » بعد ترويجه بما أمكن ، والإيراد عليه ببعض الأمور ، قال : « وفي هذا الترويج تكلّفات أخر يطلعك عليها أدنى تأمّل ، فإذا الأولى ما قد قيل من أنّ التعويل في هذه المسألة على الدليل العقلي متعذّر »(١) .

وقال التفتازاني في « شرح المقاصد »(٢) بعد ما أطال الكلام في إصلاحه : « والإنصاف أنّ ضعف هذا الدليل جليّ »(٣) .

وأقرّ القوشجي في « شرح التجريد » بورود بعض الأمور عليه ممّا

__________________

(١) شرح المواقف ٨ / ١٢٩.

(٢) كان في الأصل : « شرح المطالع » وهو سهو ، بل هو « شرح المقاصد » ، فلم يعهد للتفتازاني كتاب بذاك الاسم ؛ انظر : هديّة العارفين ٦ / ٤٢٩ ـ ٤٣٠ ، معجم المؤلّفين ٣ / ٨٤٩ رقم ١٦٨٥٦.

و« مطالع الأنوار » في المنطق ، للقاضي سراج الدين محمود بن أبي بكر الأرموي ـ المتوفّى سنة ٦٨٢ ه‍ ـ ، ولكتابه شرح اسمه « لوامع الأسرار » لقطب الدين محمّد ابن محمّد الرازي ـ المتوفّى سنة ٧٦٦ ه‍ ـ أحد تلامذة العلّامة الحلّي ، وعلى شرحه هذا حواش عديدة ، منها : حاشية لسيف الدين أحمد بن محمّد ـ حفيد سعد الدين التفتازاني ، المتوفّى سنة ٨٤٢ ه‍ ـ ؛ ومن هنا حصل اللبس في نسبة الكتاب ؛ فلاحظ!

انظر : كشف الظنون ٢ / ١٧١٥ ـ ١٧١٧ ، أمل الآمل ٢ / ٣٠٠ ـ ٣٠١ رقم ٩٠٨ ، رياض العلماء ٥ / ١٧٠ ، لؤلؤة البحرين : ١٩٤ ـ ١٩٨ رقم ٧٤.

(٣) شرح المقاصد ٤ / ١٩١.

٨٦

لا يمكن دفعها(١) .

وكذلك الرازي في كتاب « الأربعين » على ما نقله عنه السيّد السعيد ;(٢) .

فحينئذ يكون ذكر الفضل له ـ بدون إشارة إلى ذلك ـ تلبيسا موهما لاعتباره عند أصحابه ، بل يكون نقصا فيهم ، إذ يعتمدون على ما لا يصلح أن يسطر ، فضلا أن يعتبر!

ولنشر إلى بعض ما يرد عليه ، فنقول : يرد عليه :

أوّلا : إنّ دعوى رؤية الجواهر الفردة ، التي هي الأجزاء التي لا تتجزّأ ، مبنيّة على ثبوتها وعلى تركّب الجسم منها ، لا من الهيولى والصورة ، وهو باطل ؛ لأنّ الجزء الواقع في وسط التركيب إمّا أن يحجب الأطراف عن التماس أو لا.

فعلى الأوّل : لا بدّ أن يلاقي كلّا منها بعضه ، فتلزم التجزئة.

وعلى الثاني : يلزم التداخل ، وهو محال ؛ وعدم زيادة الحجم ، وهو خلاف المطلوب.

وبعبارة أخرى : إنّ الوسط إمّا أن يلاقي الأطراف بكلّه

أو ببعضه

أو لا يلاقي شيئا منها

أو يلاقي بعضا دون بعض.

__________________

(١) انظر : شرح التجريد : ٤٣٣ و ٤٣٧ ـ ٤٣٨.

(٢) كتاب الأربعين ١ / ٢٦٨ ـ ٢٧٧ ، وانظر : إحقاق الحقّ ١ / ١٢٢.

٨٧

فالأوّل يقتضي التداخل وعدم زيادة الحجم.

والثاني يقتضي التجزئة.

والأخيران ينافيان التأليف من الوسط والأطراف.

وإن شئت قلت : لو وضع جزء على جزء ، فإن لاقاه بكلّه لزم التداخل وعدم زيادة الحجم ، وإن لاقاه ببعضه لزمت التجزئة.

وقد ذكر شيخنا المدقّق نصير الدين ١ وغيره من العلماء وجوها كثيرة لإبطال الجوهر الفرد ، فلتراجع(١) .

ويرد عليه ثانيا : إنّه لو سلّم ثبوت الجواهر الفردة والتركيب منها ، فإثبات رؤيتها ـ كما صرّح به الدليل ـ موقوف على بطلان كون الطول والعرض عرضين قائمين بأكثر من جزء واحد ؛ لاستلزامه قيام العرض الواحد بمحلّين.

وأنت تعلم أنّه إن أريد لزوم قيام العرض بتمامه ، في كلّ واحد من المحلّين ، فهو ممنوع.

وإن أريد لزوم قيامه بمجموع المحلّين ، فمسلّم ولا بأس به.

وثالثا : إنّه لو سلّم رؤية الجواهر كالأعراض ، فتخصيص العلّة بحال الوجود محلّ نظر ، بناء على مذهبهم من إحالة كلّ شيء إلى إرادة الفاعل المختار ، فتصحّ رؤية المعدوم كالموجود!

ودعوى ضرورة امتناع رؤية المعدوم عقلا ، فلا تصلح لأن تتعلّق بها

__________________

(١) انظر : تجريد الاعتقاد : ١٤٥ ، أوائل المقالات : ٩٦ ـ ٩٧ رقم ٨٧ ، النكت الاعتقادية : ٢٨ ، الذخيرة في علم الكلام : ١٤٦ وما بعدها ، المنقذ من التقليد ١ / ٣٤ و ٤٣ ـ ٤٨ ، كشف المراد : ١٤٥ ـ ١٤٦ المسألة ٦.

٨٨

إرادة الله تعالى وقدرته ، صحيحة ؛ لكن عندنا دونهم.

إذ ليس امتناع رؤية المعدوم بأظهر من امتناع رؤية العلم ، والإرادة ، والروائح ، والطعوم ، ونحوها من الكيفيات الموجودة ، وقد أنكروا امتناع رؤيتها.

ورابعا : إنّه لو سلّم أنّ العلّة هي الوجود ، فلا نسلّم أنّه بإطلاقه هو العلّة ، بل يمكن أن تكون العلّة هي الوجود المقيّد بالحدوث الذاتي ، أو الزماني ، أو بالإمكان ، أو بما يثبت معه شروط الرؤية ، وإن قلنا : إنّ بعض هذه الأمور عدميّ ؛ لأنّها قيود ، والقيد خارج.

ويمكن ـ أيضا ـ أن تكون علّة رؤية العرض هي وجوده الخاصّ به لا المطلق ، وكذا بالنسبة إلى رؤية الجوهر.

فلا يلزم صحّة رؤية الباري سبحانه.

ودعوى أنّا قد نرى البعيد وندرك له هويّة من غير أن ندرك أنّه جوهر أو عرض ، فيلزم أن يكون المرئي هو المشترك بينهما لا نفسهما ، وأن تكون العلّة مشتركة أيضا بينهما ، باطلة ؛ لمنع ما ذكره من لزوم كون المرئي هو المشترك.

وذلك لاحتمال تعلّق الرؤية بنفس المرئي بخصوصه ، إلّا أنّ إدراكه في البعد إجماليّ.

ولو سلّم تعلّقها بالمشترك ، فهو لا يستلزم أن تكون العلّة المشتركة هي الوجود المطلق ، بل يحتمل أن تكون هي المقيّد بالإمكان والحدوث أو نحوهما ، كما عرفت.

ولو أعرضنا عن هذا كلّه وعن سائر ما يورد على هذا الدليل ،

٨٩

فلا ريب ببطلانه ، لمخالفته للضرورة القاضية بامتناع رؤية بعض الموجودات ، كالكيفيات النفسانية والروائح والطعوم ، فليس هو إلّا تشكيكا في البديهيّ!

وأمّا ما ذكره من حقيقة الرؤية ، ففيه :

إنّ تلك الحالة الحاصلة عند التغميض إنّما هي صورة المرئي ، ومحلّها الحسّ المشترك أو الخيال ، لا الباصرة ، وهي موقوفة على سبق الرؤية.

فحينئذ إن كانت رؤية الله سبحانه ممتنعة ، فقد امتنعت هذه الحالة ، وإلّا فلا حاجة إلى تكلّف إثبات هذه الحالة وجعلها هي محلّ النزاع.

ولو سلّم أنّها غير موقوفة عليها ، بناء على إنّه أراد ما يشبه تلك الحالة الحاصلة عند التغميض لا نفسها ، فنحن لا نحكم عليها بالامتناع عادة بدون الشرائط كما حكم هو عليها ؛ لأنّها ـ كما زعم ـ شبيهة بالبصيرة في إدراك المعقولات ، فكيف تمتنع بدون الشرائط؟!

مع إنّها ليست محلّ النزاع ألبتّة ، بل محلّه الرؤية المعروفة ، كما يرشد إليه دليل الأشعري السابق ، فإنّ من تأمّله عرف أنّه أراد الرؤية المعروفة.

ولذا احتاج إلى جعل العلّة للرؤية هي الوجود ، ليتسنّى له دعوى إمكان رؤية الله تعالى ، وإلّا فلو أراد رؤية أخرى غيرها ، لم يكن لإثبات كون الوجود علّة للرؤية المعروفة دخل في تجويز رؤية أخرى عليه سبحانه.

٩٠

لكنّ القوم لمّا رأوا بطلان دليل الأشعري بالبداهة ، وفساد مذهبه بالضرورة ، التجأوا ـ في خصوص المقام ـ إلى ذكر معنى للرؤية لا يعرفون حقيقته! وإلى جعله محلّا للنزاع من دون أن يخطر ـ في الصدر الأوّل ـ ببال المتنازعين ، فشوّشوا كلماتهم ، وشوّهوا وجه الحقيقة!

* * *

٩١
٩٢

هل يحصل الإدراك لمعنى في المدرك؟

قال المصنّف ـ طيّب الله مثواه ـ(١) :

المبحث السادس

في أنّ الإدراك ليس لمعنى

والأشاعرة خالفت العقلاء في ذلك ، وذهبوا مذهبا غريبا عجيبا ، لزمهم بواسطته إنكار الضروريّات.

فإنّ العقلاء بأسرهم قالوا : إنّ صفة الإدراك تصدر عن كون الواحد منّا حيّا لا آفة فيه.

والأشاعرة قالوا : إنّ الإدراك إنّما يحصل لمعنى حصل في المدرك ، فإن حصل ذلك المعنى في المدرك ، حصل الإدراك وإن فقدت جميع الشرائط ؛ وإن لم يحصل ، لم يحصل الإدراك وإن وجدت جميع الشرائط!(٢) .

وجاز عندهم بسبب ذلك إدراك المعدومات ؛ لأنّ من شأن الإدراك أن يتعلّق بالمدرك(٣) على ما هو عليه في نفسه ، وذلك يحصل في حال

__________________

(١) نهج الحقّ : ٤٥ ـ ٤٦.

(٢) انظر مؤدّاه في : تمهيد الأوائل : ٣٠٢ ، الإرشاد ـ للجويني ـ : ١٥٧ ـ ١٥٨ ، شرح المقاصد ٤ / ١٩٧.

(٣) في المصدر : بالمرئي.

٩٣

عدمه كما يحصل حال وجوده ، فإنّ الواحد منّا يدرك جميع الموجودات بإدراك يجري مجرى العلم في عموم التعلّق.

وحينئذ يلزم تعلّق الإدراك بالمعدوم ، وبأنّ الشيء سيوجد ، وبأنّ الشيء قد كان موجودا ، وأن يدرك ذلك بجميع الحواسّ ، من الذوق والشمّ واللمس والسمع ؛ لأنّه لا فرق بين رؤية الطعوم والروائح ، وبين رؤية المعدوم!

وكما إنّ العلم باستحالة رؤية المعدوم ضروريّ ، كذا العلم باستحالة رؤية الطعوم والروائح.

وأيضا : يلزم أن يكون الواحد منّا رائيا مع الساتر العظيم البقّة ، ولا يرى الفيل العظيم ولا الجبل الشاهق مع عدم الساتر ، على تقدير أن يكون المعنى قد وجد في الأوّل وانتفى في الثاني! وكان يصحّ منّا أن نرى ذلك المعنى ؛ لأنّه موجود!

وعندهم أنّ كلّ موجود يصحّ رؤيته ، ويتسلسل ؛ لأنّ رؤية المعنى(١) إنّما تكون بمعنى آخر.

وأيّ عاقل يرضى لنفسه تقليد من يذهب إلى جواز رؤية الطعم والرائحة والبرودة والحرارة والصوت بالعين ، وجواز لمس العلم والقدرة والطعم والرائحة والصوت باليد ، وذوقها باللسان ، وشمّها بالأنف ، وسماعها بالأذن؟!

وهل هذا إلّا مجرّد سفسطة وإنكار المحسوسات؟! ولم يبالغ السوفسطائية في مقالاتهم هذه المبالغة!

__________________

(١) في المصدر : الشيء.

٩٤

وقال الفضل(١) :

الظاهر أنّه استعمل الإدراك وأراد به الرؤية ، وحاصل كلامه أنّ الأشاعرة يقولون : إنّ الرؤية معنى يحصل في المدرك ، ولا يتوقّف حصوله على شرط من الشرائط.

وهذا ما قدّمنا ذكره غير مرّة ، وبيّنّا ما هو مرادهم من هذا الكلام.

ثم إنّ قوله : « وجاز عندهم بسبب ذلك إدراك المعدومات ؛ لأنّ من شأن الإدراك أن يتعلّق بالمدرك(٢) على ما هو عليه في نفسه ، وذلك يحصل في حال عدمه كما يحصل حال وجوده » استدلال باطل على معنى(٣) مخترع له.

فإنّ كون الرؤية معنى يحصل في الرائي لا يوجب جواز تعلّقها بالمعدوم ، بل المدّعى أنّه يتعلّق بكلّ موجود كما ذكر هو في الفصل السابق.

وأمّا تعلّقه بالمعدوم فليس بمذهب الأشاعرة ، ولا يلزم من أقوالهم في الرؤية.

ثمّ ما ذكره من أنّ العلم باستحالة رؤية الطعوم والروائح ضروريّ ، مثل العلم باستحالة رؤية المعدوم

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ ١ / ١٢٤ ـ ١٢٥.

(٢) في المصدر : بالمرئي.

(٣) في المصدر : مدّعى.

٩٥

فقد ذكرنا أنّه إن أراد ـ بهذه ـ الاستحالة العقليّة ، فممنوع ؛ وإن أراد العاديّة ، فمسلّم والاستبعاد لا يقدح في الحقائق الثابتة بالبرهان.

ثمّ ما ذكر من أنّه على تقدير كون المعنى موجودا ، كان يصحّ منّا أن نرى ذلك المعنى ، لأنّه موجود ، وكلّ موجود يصحّ رؤيته ويتسلسل ؛ لأنّ رؤية المعنى إنّما تكون لمعنى آخر.

فالجواب : إنّ العقل يجوّز رؤية كلّ موجود وإن استحال عادة ، فالرؤية إذا كانت موجودة [ به ] يصحّ أن ترى نفسها ، لا برؤية أخرى ، فانقطع التسلسل ، كما ذكر في الوجود على تقدير كونه موجودا ، فلا استحالة فيه ، ولا مصادمة للضرورة.

ثمّ ما ذكره من باقي التشنيعات والاستبعادات قد مرّ جوابه غير مرّة ، ونزيد جوابه في هذه المرّة بهذين البيتين(١) :

وذي سفه يواجهني بجهل

وأكره أن أكون له مجيبا

يزيد سفاهة وأزيد حلما

كعود زاده الإحراق طيبا

* * *

__________________

(١) ينسب البيتان إلى أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب ٧ ، كما نسبا إلى الشافعي باختلاف يسير في صدر البيت الأوّل ؛ انظر : ديوان الإمام عليّ ٧ : ٢٨ ، ديوان الشافعي : ١٤٤.

٩٦

وأقول :

لا ريب أنّ بحث المصنّف ; هنا عامّ لجميع الإحساسات الظاهريّة ولا يخصّ الرؤية ، كما يشهد له قوله : « وأن يدرك ذلك بجميع الحواسّ من الذوق والشمّ واللمس والسمع ».

وقوله : « وجواز لمس العلم والقدرة » وهو أيضا لم يستعمل في هذا المبحث لفظ الإدراك إلّا بالمعنى المطلق.

فالمصنّف قصد بهذين القولين التنصيص على غير الرؤية ، دفعا لتوهّم اختصاص البحث بها ؛ ومع ذلك وقع الفضل بالوهم!

كما توهّم أيضا أنّه أراد أنّ الإدراك معنى يحصل في المدرك ؛ والحال أنّه أراد أنّ الإدراك يحصل لأجل معنى في المدرك.

وحاصل مقصوده أنّهم قالوا : إنّ الإدراك يحصل في الحيوان لأجل معنى فيه ، كالحياة ، ولا ريب أنّ من شأن الإدراك أن يتعلّق بالشيء على ما هو عليه في نفسه ، ولا يتقيّد الشيء ـ بالوجود ونحوه ـ إلّا لأجل تلك الشروط السابقة ، وهم لا يعتبرونها ، فيجري الإحساس بمقتضى مذهبهم مجرى العلم في عموم التعلّق.

فإذا حصل المعنى في الشخص ، لزم صحّة تعلّق الرؤية ونحوها بالمعدوم ، وبأنّ الشيء سيوجد إلى غير ذلك.

مع إنّه بمقتضى مذهبهم ـ من إحالة كلّ شيء إلى إرادة الفاعل المختار ـ يلزم أيضا جواز إدراك المعدوم بجميع الحواسّ الظاهريّة ، كما

٩٧

جاز رؤية العلم والقدرة ونحوهما.

فظهر أنّ ما نسبه المصنّف إليهم من جواز إدراك المعدومات ، لازم لهم من أقوالهم ، وأراد بالنسبة إليهم النسبة بحسب ما يلزمهم ، وإن لم يقولوا به ظاهرا.

ثمّ إنّه أراد بقوله : « لا فرق بين رؤية الطعوم والروائح ، وبين رؤية المعدوم ، وكما إنّ العلم باستحالة رؤية المعدوم ضروريّ » إلى آخره

دفع استبعاد نسبة جواز رؤية المعدوم إليهم.

وحاصله : إنّ رؤية الطعوم والروائح مستحيلة عقلا بالضرورة كرؤية المعدوم بلا فرق ، فإذا التزموا بجواز رؤية الطعوم ونحوها ، مكابرة ومخالفة لضرورة العقل والعقلاء ، لم يستبعد منهم القول بجواز رؤية المعدوم.

وبهذا تعرف أنّ ما ذكره الفضل في جوابه بقوله : « قد ذكرنا أنّه إن أراد ـ بهذه ـ الاستحالة العقلية ، فممنوع » إلى آخره لا ربط له بكلامه ، اللهمّ إلّا أن يريد الجواب بدعوى الفرق بين الاستحالتين ، بأنّ استحالة رؤية الطعوم عاديّة ، واستحالة رؤية المعدوم عقلية!

فيكون قد كابر ضرورة العقل من جهتين : من جهة : دعوى الفرق ، ومن جهة : أصل القول ، بأنّ استحالة رؤية الطعوم ونحوها عاديّة.

وأمّا ما أجاب به عن التسلسل :

فمع عدم ارتباطه بمراد المصنّف ، غير دافع للتسلسل

أمّا عدم ارتباطه به ؛ فلأنّه فهم تسلسل الرؤية بأن تتعلّق الرؤية برؤية أخرى ، إلى ما لا نهاية له ، بناء منه على إنّه أراد بالمعنى : الرؤية

٩٨

ـ كما سبق ـ وقد عرفت بطلانه ؛ وأنّ مراده بالمعنى : هو الأمر الذي لأجله يحصل الإدراك ، فيكون مراده بالتسلسل ـ بناء على هذا ـ هو تسلسل هذه المعاني ، لا الرؤية ـ كما هو واضح من كلامه ـ.

وأمّا أنّه غير دافع له ؛ فلأنّ التسلسل الواقع في الرؤية إنّما هو من حيث صحّة تعلّق رؤية برؤية ، لا من حيث وجوب التعلّق ، فلا يندفع إلّا بإنكار هذه الصحّة ، لا بإثبات صحّة رؤية الرؤية بنفسها ، التي لا تنافي التسلسل في الرؤية المختلفة.

على إنّه لا معنى لصحّة رؤية الرؤية بنفسها ، للزوم المغايرة بين الرؤية الحقيقية والمرئيّ ؛ لأنّ تعلّق أمر بآخر يستدعي الاثنينيّة بالضرورة.

وأمّا ما نسبه إلى القوم ، من أنّهم دفعوا التسلسل في الوجود ، بأنّ الوجود موجود بنفسه لا بوجود آخر ، فلا ربط له بالمقام ؛ لأنّهم أرادوا به عدم حاجة الوجود إلى وجود آخر حتّى يتسلسل ، فكيف يقاس عليه رؤية الرؤية بنفسها؟!

نعم ، يمكن الجواب عن إشكال هذا التسلسل ، بأنّ اللازم هو التسلسل في صحّة تعلّق الرؤية برؤية أخرى إلى ما لا نهاية له ، والصحّة أمر اعتباري ، والتسلسل في الاعتباريات ليس بباطل ؛ لأنّه ينقطع بانقطاع الاعتبار ، لكنّ القول بصحّة رؤية الرؤية مكابرة لضرورة العقل!

وأمّا ما استشهد به من البيتين ، فلا يليق بذي الفضل إلّا الإعراض عن معارضته!

٩٩
١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

والصدقة والعتق "(١) .

٢٩٧٣ - وقال رجل للصادق عليه السلام: " جعلت فداك إني كنت نويت أن اشرك

___________________________________

(١) تقدم نحوه ج ١ ص ١٨٥ وتقدم الكلام في وجه انتفاع الميت بما أهدى اليه هناك ونزيدك ههنا بيانا وهو ما قاله استاذنا الشعرانى في هامش الوافى قال مد ظله في جملة كلامه ما حاصله: " مستحق الاجر العامل وما يصل إلى الميت تفضل من الله تعالى وذلك لان ما يصل إلى العبد في الاخرة ثلاثة أقسام ثواب وعوض وتفضل، لانه كان أن يكون على سبيل الاستحقاق أو لا، والثانى هو التفضل، والاول اما أن يكون على العمل الاختيارى أو على غير الاختيارى، والاولى هو الثواب مثل ما يستحقه على الصلاة والصوم، والثانى هو العوض مثل ما يستحقه على الالام والامراض والفقر وغيرها، والميت لا يستحق بعمل الغير شيئا لانه اما أن يكون عاصيا فرفعه عنه بفعل الغير تفضل، وهو واضح، وان كان معذورا لا يستحق عقابا سواء أتى الولى أو الغير بقضاء ما فات عنه أو عصى ولم يأت وهذا شئ يوافق أصول مذهبنا ومذهب أهل العدل، ويصح دعوى الاجماع بل ضرورة المذهب عليه، وببالى أنى رأيت دعوى الاجماع من ابن شهر آشوب عليه الرحمة ولكن يظهر من كلام شيخنا الانصارى قدس سره أن في المسألة خلافا بين الامامية فالمشهور على أن الثواب للميت، والسيد المرتضى والعلامة قدس سرهما على أن الثواب للعامل، ثم انه سرد أحاديث كثيرة وتعجب من السيد واستبعد أن تكون تلك الاخبار مخفية عن مثله، والحق أن مذهب السيد رحمه الله اجماعى موافق لاصول المذهب لان الثواب كما ثبت في علم الكلام بل العوض أيضا انما هما على الكلفة التى يحتملها المكلف من جانب المولى والواجب في مذهب أهل العدل ايصال نفع اليه جبرا لتلك المشقة والكلفة واما من لم يتكلف شيئا فلا يجب على المولى اثابته.

وأما الاحاديث التى سردها (ره) فلا يدل الا على انتفاع الميت بالعمل وهذا مما لا ريب فيه ولكنه تفضل لا استحقاق ولم يدل على كونه مستحقا لاجر عمل تكلفه غيره الا إذا أوصى فله ثواب الوصية سواء عمل الاوصياء بوصيته أو لا، وقال بعض أساتيدنا ان الشيخ رحمه الله حمل الثواب على مطلق انتفاع الميت وفهم من عدم الثواب عدم الانتفاع مطلقا ولذلك تعجب من السيد قدس سره وجعل مفاد الاخبار ردا عليه.

وهو بعيد لان الفرق بين الثواب والتفضل والعوض معروف في الكتب الاعتقادية وكون الثواب في مذهب أهل العدل واجبا لاستحقاق العبد بسبب الكلفة أيضا معروف، والسيد العلامة وغيرهما كانوا معتنين بهذه المسائل أشد اعتناء أكثر من اعتنائهم بالمسائل الفرعية أو مثلها لابتلائهم بالمحاجة مع المخالفين، فاذا أطلقوا لفظ الثواب ما كان ينصرف أذهانهم الا إلى المعنى المصطلح عليه في علم الكلام الذى صرفوا عمرهم في اثباته ورد أهل الجبر من مخالفيهم ولا يحتمل البتة أن يريدوا بالثواب مطلق الانتفاع بل المراد منه في كلامهم الاستحقاق قطعا ولا ريب أن المستحق للثواب هو العامل وانتفاع الميت تفضل. =

٤٦١

في حجتي(١) العام امي أو بعض أهلي فنسيت، فقال عليه السلام: الآن فأشركهما ".

باب التعجيل قبل التروية إلى منى

٢٩٧٤ - روي عن إسحاق بن عمار(٢) قال: قلت لابي الحسن عليه السلام: " يتعجل الرجل قبل التروية بيوم أو يومين من أجل الزحام وضغاط الناس؟ فقال: لا بأس "(٣) .

٢٩٧٥ - وقال(٤) في خبر آخر: " لا يتعجل بأكثر من ثلاثة أيام(٥) ".

٢٩٧٦ - وروى جميل بن دراج(٦) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " على الامام أن

___________________________________

= ثم ان مطلق انتفاع الميت بعمل الاحياء ليس مما يحتاج في اثباته إلى هذه الاحاديث بل هو مما اتفق عليه أهل الملل وليس الصلاة على الميت الا لذلك وكذلك زيارة القبور والاستغفار لهم، ويدل عليه آيات كثيرة من القرآن الكريم كقوله تعالى " ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان " وقوله: " استغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات " وقوله " ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره انهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون " إلى غير ذلك، ولكن جميع ذلك لا يدل على أن الميت يستحق ثواب الصلاة والاستغفار بل يدل على ايصال نفع اليه تفضلا.

والله العالم.

(١) في بعض النسخ " أن أدخل في حجتى ".

(٢) الطريق اليه صحيح وهو ثقة.

(٣) يدل على جواز التعجيل بيوم أو يومين للمعذور.

(٤) أى قال اسحاق بن عمار كما في الكافى ج ٤ ص ٤٦٠ وهو فيه تتمة للخبر الاول.

(٥) يدل على عدم جواز التعجيل للمعذور أكثر من ثلاثة أيام ولعله محمول على ما إذا لم يكن العذر شديدا بحيث يضطره إلى ذلك. (المرآة)

(٦) الطريق اليه صحيح وهو ثقة جليل.

٤٦٢

يصلي الظهر بمنى ثم يبيت بها ويصبح حتى تطلع الشمس، ثم يخرج إلى عرفات(١) ".

٢٩٧٧ - وسأل محمد بن مسلم أبا جعفر عليه السلام " هل صلى رسول الله صلى الله عليه وآله الظهر بمنى يوم التروية قال: نعم والغداة يوم عرفة ".

باب حدود منى وعرفات وجمع

٢٩٧٨ - روى معاوية بن عمار، وأبوبصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " حد منى من العقبة إلى وادي محسر(٢) " و " حد عرفات من المأزمين إلى أقصى الموقف "(٣) .

٢٩٧٩ - وقال عليه السلام: " حد عرفة من بطن عرنة، وثوية، ونمرة(٤) و

___________________________________

(١) المشهور بين المتأخرين أنه يستحب للمتمتع أن يخرج إلى عرفات يوم التروية بعد أن يصلى الظهرين الا المضطر كالشيخ والهم والمريض من يخشى الزحام، وذهب المفيد والمرتضى إلى استحباب الخروج قبل الفريضتين وايقاعهما بمنى (المرآة) وقال الفاضل التفرشى: قوله " على الامام أن يصلى الظهر بمنى " أى ظهر يوم التروية، ويمكن أن يراد بالامام امام الاصل وامام قوم يأتمون به في الصلاة.

(٢) إلى هنا صحيحة معاوية بن عمار كما في الكافى ج ٤ ص ٤٦١ رواها في الحسن ذيل حديث، والبافى من حديث أبى بصير كما في الكافى ج ٤ ص ٤٦٢ رواه في الصحيح.

والمراد من العقبة هى التى فيها جمرة العقبة.

(٣) محسر بضم الميم وكسر السين المهملة وتشديدها واد بين منى ومزدلفة وهو إلى منى أقرب وحد من حدودها، والمأزمين: موضع بين عرفة والمشعر وطريق بين جبلى المشعر الذى في جانب عرفة وهو مخالف للمشهور ولما يأتى الا أن يقال توابع عرفة، وقرأ بعض الافاضل المأرمين بالراء المهملة وفسره بالميلين المنصو بين لحد الحرم، قال في النهاية الارام الاعلام وهى حجارة تجمع وتنصب في المفازة يهتدى بها، واحدها ارم كعنب.

(٤) نمرة كفرحة: ناحية بعرفات أو الجبل الذى عليه أنصاب الحرم على يمينك خارجا من المازمين تريد الموقف ومسجدها، و " عرفة " بضم العين وفتح الراء قال في القاموس: " بطن عرنة بعرفات وليس من الموقف "، وثوية بفتح الثاء المثلثة وكسر الواو وتشديد الياء المفتوحة كذا ضبطه الاكثر.

وفى الصحاح " ثوية بهيئة التصغير: اسم موضع ".

وهو كالسابق من حدود عرفة وليس منها، في المراصد " ونمرة بالفتح ثم الكسر: ناحية بعرفة، كانت منزل النبى صلى الله عليه وآله في حجة الوداع، وقيل: نمرة هو الجبل الذى عليه أنصاب الحرم عن يمينك إذا خرجت من المأزمين تريد الموقف، وذو المجاز: موضع سوق بعرفة على ناحية كبكب عن يمين الامام على فرسخ، كانت به تقوم في الجاهلية ثمانية أيام ".

٤٦٣

ذى المجاز وخلف الجبل موقف - إلى وراء الجبل(١) - ".

وليست عرفات من الحرم والحرم أفضل منها(٢) .

وحد المشعر الحرام من المأزمين إلى الحياض وإلى وادي محسر(٣) .

٢٩٨٠ - و " وقف النبي(٤) صلى الله عليه وآله بعرفة في ميسرة الجبل فجعل الناس يبتدرون

___________________________________

(١) مروى في الكافى ج ٤ ص ٤٦٢ إلى قوله " وخلف الجبل موقف " والظاهر أن " إلى وراء الجبل " من توضيح المصنف.

(٢) لما روى الكلينى ج ٤ ص ٤٦٢ في الحسن كالصحيح عن حفص وهشام بن الحكم عن أبى عبدالله عليه السلام أنه قيل له: " أيما أفضل الحرم أو عرفة؟ فقال: الحرم، فقيل: وكيف لم تكن عرفات في الحرم؟ فقال: هكذا جعلها الله عزوجل ".

(٣) هذا الكلام رواه الشيخ في الصحيح في التهذيب ج ١ ص ٥٠١ عن معاوية بن عمار ولم ينسبه إلى المعصوم ويمكن أن يكون مقطوعا أو مضمرا.

وروى في الصحيح عن زرارة عن أبى جعفر عليه السلام أنه " قال للحكم بن عتيبة: ما حد المزدلفة؟ فسكت، فقال أبوجعفر عليه السلام: حدها ما بين المأزمين إلى الجبل إلى حياض محسر " والظاهر أن المراد بالحياض حياض وادى محسر فيكون التحديد من ابتداء المأزمين من جانب عرفات إلى منتهى المازمين وهو وادى محسر، وتقدم أن المأزم هو ما بين الجبلين، والمأزمين أحدهما المشعر والاخر من جمرة العقبة إلى الابطح وهما مأزما منى من الجانبين، لكن اشتهر اطلاق المأزمين على مأزم المشعر اما باعتبار جانبيه واما باعتبار اطلاق المأزم على الجبل دون مضيقه كما قال المولى المجلسى رحمه الله ويؤيده ما في الكافى في الموثق كالصحيح عن اسحاق بن عمار عن أبى الحسن عليه السلام قال: " سألته عن حد جمع فقال: ما بين المأزمين إلى وادى محسر ".

(٤) هذا هو حديث معاوية بن عمار رواه الكلينى ج ٤ ص ٤٦٣ في الصحيح عن أبى

٤٦٤

أخفاف ناقته فيقفون إلى جانبها فنحاها، ففعلوا مثل ذلك فقال: أيها الناس إنه ليس موضع أخفاف ناقتي بالموقف ولكن هذا كله موقف وأشار بيده، وقال عليه السلام: عرفة كلها موقف ولو لم يكن إلا ما تحت خف ناقتي لم يسع الناس ذلك، وفعل عليه السلام في المزدلفة مثل ذلك، فإذا رأيت خللا فتقدم فسده بنفسك وراحلتك فإن الله تعالى يحب أن تسد تلك الخلال(١) وانتقل عن اهضاب واتق الاراك(٢) ونمرة وهي بطن عرنة، وثوية وذا المجاز فإنه ليس من عرفات".

٢٩٨١ - وفي خبر آخر قال: " أصحاب الاراك لاحج لهم - وهم الذين يقفون

___________________________________

(١) المراد سد الفرج الكائنة على الارض برحله أو بنفسه بأن لا يدع بينه وبين الاصحاب فرجة لتستر الارض التى يقفون عليها وربما علل بأنها إذا بقيت فربما يطمع أجنبى في دخولها فيشتغلون بالتحفظ منه عن الدعاء ويؤذيهم في شى من أمورهم، واحتمل بعض الاصحاب كون متعلق الجار في " به " و " بنفسه " محذوفا صفة للخلل والمعنى أنه يسد الخلل الكائن بنفسه و برحله بأن يأكل ان كان جائعا ويشرب ان كان عطشانا وهكذا يصنع ببعيره ويزيل الشواغل المانعة عن الاقبال والتوجه والدعاء، وهو اعتبار حسن، الا أن معنى الاول هو المستفاد من النقل.

(٢) كذا في بعض النسخ والمعنى أنه لا يرتفع الجبال، والمشهور الكراهة ونقل عن ابن البراج وابن ادريس أنهما حرما الوقوف على الجبل الا لضرورة، ومع الضرورة كالزحام وشبهه ينتفى الكراهة والتحريم اجماعا.

وفى بعض النسخ " واسفل عن الهضاب " وفى القاموس: الهضبة: الجبل المنبسط على الارض أو جبل خلق من صخرة واحدة وفى التهذيب " وابتهل عن الهضاب " وقال المولى المجلسى: يستحب أن يكون الوقوف في سفح الجبل والمكان المستوى.

وقوله: " واتق الاراك " الاراك كسحاب: القطعة من الارض وموضع بعرفة كما في القاموس ولا خلاف في أن الاراك من حدود عرفة وليس بداخل فيها.

والخبر إلى هنا من خبر معاوية بن عمار والبقية يمكن أن يكون من تتمة هذا الخبر أو يكون في خبر آخر عن معاوية بن عمار أيضا كما نقل نحوه الشيخ في ذيل خبر في التهذيب عن معاوية بن عمار، وأيضا روى الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٤٩٧ في حديث عن سماعة بن مهران عن أبى عبدالله عليه السلام هكذا " اتق الاراك ونمرة وهى بطن عرنة وثوية وذا المجاز، فانه ليس من عرفة فلا تقف فيه ".

٤٦٥

تحت الاراك - "(١) .

٢٩٨٢ - و " وقف النبي صلى الله عليه وآله بجمع فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته فأهوى بيده وهو واقف فقال: إني وقفت وكل هذا موقف(٢) ".

٢٩٨٣ - وقال الصادق عليه السلام: " كان أبي عليه السلام يقف بالمشعر الحرام حيث يبيت(٣) ".

ويستحب للصرورة أن يطأ المشعر برجله أو يطأه ببعيره(٤) .

ويستحب للصرورة أن يدخل البيت(٥) .

باب التقصير في الطريق إلى عرفات

٢٩٨٤ - روى معاوية بن عمار قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: إن أهل مكة

___________________________________

(١) روى الكلينى ج ٤ ص ٤٦٣ بسند ضعيف عن أبى بصير عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " ان النبى صلى الله عليه وآله قال: ان أصحاب الاراك لا حج لهم يعنى الذين يقفون عند الاراك " وروى الشيخ في الموثق عن أبى بصير عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " لا ينبغى الوقوف تحت الاراك فاما النزول تحته حتى تزول الشمس وتنهض إلى الموقف فلا بأس " (التهذيب ج ١ ص ٤٩٨).

(٢) تقدم الكلام فيه.

(٣) يدل على الاستحباب لما رواه الكلينى ج ٤ ص ٤٦٩ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " اصبح على طهر بعد ما تصلى الفجر فقف ان شئت قريبا من الجبل وان شئت حيث شئت الخبر ".

(٤) روى الكلينى ج ٤ ص ٤٦٨ في الحسن كالصحيح عن الحلبى عن أبى عبدالله عليه السلام في حديث قال: " ويستحب للصرورة أن يقف على المشعر الحرام ويطأه برجله الحديث " وفى آخر حسن كالصحيح عن معاوية بن عمار عنه عليه السلام في حديث " ثم أفض حين يشرق لك ثبير وترى الابل موضع أخفافها ".

(٥) روى الكلينى ج ٤ ص ٤٦٩ في مرسل عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " يستحب للصرورة أ؟ طأ المشعر الحرام وأن يدخل البيت ".

٤٦٦

يتمون الصلاة بعرفات، فقال: ويلهم - أو ويحهم - وأي سفر أشد منه، لا يتم(١) ".

باب اسم الجبل الذى يقف عليه الناس بعرفة

٢٩٨٥ - سئل الصادق عليه السلام " ما اسم جبل عرفة الذي يقف عليه الناس؟ فقال: ألال(٢) ".

باب كراهة المقام عند المشعر بعد الافاضة

٢٩٨٦ - روى أبان، عن عبدالرحمن بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام " أنه كره أن يقيم عند المشعر بعد الافاضة".

ولا يجوز للرجل الافاضة منها قبل طلوع الشمس(٣) ، ولا من عرفات قبل قبل غروبها فيلزمه دم شاة(٤) .

___________________________________

(١) تقدم تحت رقم ١٣٠١ مع بيانه في المجلد الاول ص ٤٤٧.

(٢) " الال " بالفتح وآخره لام بوزن حمام ويروى بالكسر بوزن بلال: جبل بعرفات.

قيل: جبل رمل بعرفات عليه يقوم الامام.

وقيل: عن يمين الامام، وقيل: هو جبل عرفة نفسه، وقيل: سمى ألالا لان الحجيج إذا رأوه ألو أى اجتهدوا ليدركوا الوقوف.(المراصد) قال النابغة: بمصطحبات من لصاف وثبرة * يزرن ألالا سيرهن التدافع

(٣) روى الكلينى ج ٤ ص ٤٧٠ في الحسن كالصحيح عن هشام بن الحكم عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " لا تجاوز وادى محسر حتى تطلع الشمس " وفى الموثق عن اسحاق بن عمار قال: " سألت أبا ابراهيم عليه السلام أى ساعة أحب اليك أن أفيض من جمع فقال: قبل أن يطلع الشمس بقليل فهى أحب الساعات إلى، قلت: فان مكثنا حتى تطلع الشمس، قال: ليس به بأس " وتقدم خبر معاوية بن عمار " ثم أفض حين يشرق لك ثبير وترى الابل موضع أخفافها ".

(٤) روى الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٤٩٩ عن ضريس الكناسى عن أبى جعفر عليه السلام قال: " سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس؟ قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوم بمكة أو في الطريق أو في أهله " وفى الصحيح عن مسمع ابن عبدالملك عن أبى عبدالله عليه السلام " في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس، قال: ان كان جاهلا فلا شئ عليه وان كان متعمدا فعليه بدنة " والمشهور لزوم البدنة ومستندهم الخبران وأمثالهما ونسبت الشاة إلى ابن بابويه، وروى المؤلف تحت رقم ٢٩٩٤ ما يدل على أن من أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة ".

٤٦٧

باب السعى في وادى محسر

٢٩٨٧ - روى معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا مررت بوادي محسر(١) - وهو واد عظيم بين جمع ومنى وهو إلى منى أقرب - فاسع فيه حتى تجاوزه، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله حرك ناقته فيه وقال: اللهم سلم عهدي(٢) واقبل توبتي، وأجب دعوتي، واخلفني بخير فيمن تركت بعدي(٣) ".

٢٩٨٨ - وروى محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن عليه السلام قال: " الحركة في وادي محسر مائة خطوة(٤) ".

٢٩٨٩ - وفي حديث آخر " مائة ذراع(٥) ".

___________________________________

(١) " محسر " بالضم ثم الفتح وكسر السين المشددة وراء واد بين منى ومزدلفة ليس من منى ولا من مزدلفة. (المراصد)

(٢) في الكافى ج ٤ ص ٤٧١ " اللهم سلم لى عهدى " أى اجعل ايمانى الذى عهدت معك في الميثاق سالما من شوائب الشرك الخفى والجلى ومن الالحاد في دينك، أو عهدى في المجئ إلى بيتك اجعله سالما من الفساد الصورى والمعنوى. (م ت)

(٣) أى بعد مجيئى إلى بيتك أو بعد مفارقتى للحياة (م ت) وقال في المدارك: المراد بالسعى هنا الهرولة وهى الاسراع في المشى للماشى، وتحريك الدابة للراكب، وأجمع العلماء كافة على استحباب ذلك، ولو ترك السعى فيه رجع فسعى استحبابا انتهى، وقال العلامة المجلسى: قوله " حرك ناقته " يدل على أن الراكب يركض دابته قليلا.

(٤) ظاهره أن طول وادى محسر مائة خطوة. (المرآة)

(٥) روى الكلينى ج ٤ ص ٤٧١ بسند مجهول عن عمر بن يزيد مقطوعا قال: " الرمل في وادى محسر قدر مائة ذراع " والرمل محركة الهرولة.

٤٦٨

وترك رجل السعي في وادي محسر فأمره أبوعبدالله بعد الانصراف إلى مكة أن يرجع فيسعى(١) .

باب ما جاء فيمن جهل الوقوف بالمشعر

٢٩٩٠ - في رواية علي بن رئاب أن الصادق عليه السلام قال: " من أفاض من عرفات مع الناس فلم يلبث معهم بجمع ومضى إلى منى متعمدا أو مستخفا فعليه بدنة "(٢) .

٢٩٩١ - وروى يونس بن يعقوب عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: " رجل أفاض من عرفات فمر بالمشعر فلم يقف حتى انتهى إلى منى فرمى الجمرة ولم يعلم

___________________________________

(١) روى الكلينى ج ٤ ص ٤٧٠ في الحسن عن حفص بن البخترى وغيره عن أبى عبدالله عليه السلام أنه قال لبعض ولده.

" هل سعيت في وادى محسر؟ فقال: لا، قال: فأمره أن يرجع حتى يسعى: قال له ابنه: لا أعرفه، فقال له: سل الناس " وفى آخر مرسل قال: " مر رجل بوادى محسر فأمره أبو عبدالله عليه السلام بعد الانصراف إلى مكة أن يرجع فيسعى ".

(٢) رواه الكلينى ج ٤ ص ٤٧٣ عن سهل بن زياد عن على بن رئاب عن حريز عنه عليه السلام، وقال الشهيد في الدروس: الوقوف بالمشعر ركن أعظم من عرفة عندنا فلو تعمد تركه بطل حجه، وقول ابن الجنيد بوجوب البدنة لا غير ضعيف ورواية حريز بوجوب البدنة على متعمد تركه أو المستخف به متروكة محمولة على من وقف به ليلا قليلا ثم مضى ولو تركه نسيانا فلا شئ عليه إذا كانت وقف بعرفات اختيارا فلو نسيهما بالكلية بطل حجه وكذا الجاهل، ولو ترك الوقوف بالمشعر جهلا بطل حجه عند الشيخ في التهذيب ورواية محمد بن يحيى (*) بخلافه وتأولها الشيخ على تارك كمال الوقوف جهلا وقد أتى باليسير منه انتهى.

(*) روى الكلينى في الحسن كالصحيح ج ٤ ص ٤٧٣ عن محمد بن يحيى الخثعمى عن أبى عبدالله عليه السلام أنه قال " في رجل لم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتى أتى منى فقال: ألم ير الناس ولم ينكر [يذكر خ ل] منى حين دخلها؟ قلت: فان جهل ذلك، قال: يرجع، قلت: ان ذلك قد فاته، قال: لا بأس ".

٤٦٩

حتى ارتفع النهار، قال: يرجع إلى المشعر فيقف، ثم يرمي الجمرة "(١) .

٢٩٩٢ - وروى محمد بن حكيم قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " الرجل الاعمى(٢) والمرأة الضعيفة يكونان مع الجمال الاعرابي فإذا أفاض بهم من عرفات مر بهم كما هم إلى منى ولم ينزل بهم جميعا، فقال: أليس قد صلوا بها، فقد أجزأهم، قلت: فإن لم يصلوا بها؟ قال: ذكروا الله عزوجل فيها فان كانوا قد ذكروا الله عزوجل فيها فقد أجزأهم"(٣) .

وروي فيمن جهل الوقوف بالمشعر أن القنوت في صلاة الغداة بها يجزيه وأن اليسير من الدعاء يكفي(٤) .

باب من رخص له التعجيل من المزدلفة قبل الفجر

٢٩٩٣ - روى ابن مسكان، عن أبي بصير قال: " سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول:

___________________________________

(١) يدل على أن الجاهل معذور والرجوع لادراك اضطرارى المشعر يكون قبل الزوال.

(٢) في بعض النسخ " الاعجمى ".

(٣) يدل على معذورية الجاهل والضعيف عن معارضة الجمال والاجتزاء بالصلاة في المشعر أو الذكر كما قال الله تعالى " فاذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ".

(٤) روى الكلينى ج ٤ ص ٤٧٢ بسند فيه محمد بن سنان عن ابن مسكان، عن أبى بصير قال: " قلت لابى عبدالله عليه السلام: جعلت فداك ان صاحبى هذين جهلا أن يقفا بالمزدلفة فقال: يرجعان مكانهما فيقفان بالمشعر ساعة: قلت: فانه لم يخبرهما أحد حتى كان اليوم وقد نفر الناس، قال: فنكس رأسه ساعة ثم قال: أليسا قد صليا الغداة بالمزدلفة؟ قلت: بلى فقال: أليسا قد قنتا في صلاتهما؟ قلت: بلى، فقال: تم حجهما، ثم قال: المشعر من المزدلفة والمزدلفة من المشعر وانما يكفيهما اليسير من الدعاء " قال العلامة المجلسى: قوله عليه السلام " من المزدلفة " لفظ " من " اما للابتداء أى لفظ المشعر مأخوذ من المكان المسمى بالمزدلفة وكذا العكس، أو للتبعيض أى لفظ المشعر من أسماء المزدلفة أى المكان المسمى بها وبالعكس وعلى التقديرين المراد أن المشعر الذى هو الموقف مجموع المزدلفة لاخصوص المسجد وان كان قد يطلق عليه.

٤٧٠

لا بأس بأن تقدم النساء إذا زال الليل فيقفن عند المشعر الحرام ساعة، ثم ينطلق بهن إلى منى فيرمين الجمرة(١) ثم يصبرن ساعة، ثم يقصرن وينطلق بهن إلى مكة فيطفن إلا أن يكن يردن أن يذبح عنهن فإنهن يوكلن من يذبح عنهن"(٢) .

٢٩٩٤ - وروى علي بن رئاب، عن مسمع عن أبي إبراهيم عليه السلام " في رجل وقف مع الناس بجمع ثم أفاض قبل أن يفيض الناس، قال: إن كان جاهلا فلا شئ عليه وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة "(٣) .

باب ما جاء فيمن فاته الحج

٢٩٩٥ - روى معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " من أدرك جمعا فقد

___________________________________

(١) أى جمرة العقبة.

(٢) روى الكلينى ج ٤ ص ٤٧٤ في الصحيح عن أبى بصير عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " رخص رسول الله صلى الله عليه وآله للنساء والصبيان أن يفيضوا بليل ويرموا الجمار بليل وأن صلوا الغداة في منازلهم فان خفن الحيض مضين إلى مكة ووكلن من يضحى عنهن " وفى الحسن عن أبى بصير عنه عليه السلام قال: " رخص رسول الله صلى الله عليه وآله للنساء والضعفاء أن يفيضوا من جمع بليل وأن يرموا الجمرة بليل، فان أرادوا أن يزوروا البيت وكلوا من يذبح عنهن ".

وفى الشرايع: " و يجوز الاضافة قبل الفجر للمرأة ومن يخاف على نفسه من غير جبران " وقال في المدارك: هذا الحكم مجمع عليه بين الاصحاب بل قال في المنتهى ويجوز للخائف والنساء ولغيرهم من أصحاب الاعذار ومن له ضرورة الافاضة قبل طلوع الفجر من مزدلفة، وهو قول من يحفظ عنه العلم، ثم استدل بهذه الروايات وما شاكلها.

(٣) رواه الكلينى ج ٤ ص ٤٧٣ في الصحيح عن مسمع عن أبى عبدالله عليه السلام ولعل السهو من النساخ.

وقال العلامة المجلسى رحمه الله: اختلف الاصحاب في أن الوقوف بالمشعر ليلا واجب أو مستحب وعلى التقديرين يتحقق به الركن، فلو أفاض قبل الفجر عامدا بعد أن كان به ليلا ولو قليلا لم يبطل حجه وجبره بشاة على المشهور بين الاصحاب، وقال ابن ادريس: من أفاض قبل الفجر عامدا مختارا يبطل حجه.

ولا خلاف في عدم بطلان حج الناسى بذلك وعدم وجوب شئ عليه ولا في جواز افاضة اولى الاعذار قبل الفجر واختلف في الجاهل وهذا الخبر يدل على أنه كالناسى.

٤٧١

أدرك الحج(١) ، وقال: أيماء قارن أو مفرد أو متمتع قدم وقد فاته الحج فليحل بعمرة وعليه الحج من قابل، قال: وقال في رجل أدرك الامام وهو بجمع، فقال: إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها(٢) ، فإن ظن أنه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتيها(٣) وقد تم حجه ".

٢٩٩٦ - وروى ابن محبوب عن داود الرقي قال: " كنت مع أبي عبدالله عليه السلام بمنى إذ جاء رجل فقال: إن قوما قدموا(٤) وقد فاتهم الحج، فقال عليه السلام: نسأل الله العافية، أرى أن يهريق كل رجل منهم شاة ويحلوا(٥) وعليهم الحج من قابل

___________________________________

(١) " أدرك جمعا " أى وقوقه الاختيارى أو الاعم منه ومن الاضطرارى ولعله أظهر و أقسام الوقوفين بالنسبة إلى الاختيارى والاضطرارى ثمابية، أربعة مفردة وأربعة مركبة والصور كلها مجزية الا اضطرارى عرفة فانه غير مجز قولا واحدا وكذا الاختيارى على الاظهر وان كان الاشهر الاجزاء وفى الاضطراريين واضطرارى المشعر خلاف وظاهر الاخبار الصحيحة الاجزاء.

(٢) فليأت عرفات حيث انه يدرك الموقف الاضطرارى في عرفات والاختيارى في المشعر.

(٣) في الكافى " فلا يأتها وليقم بجمع فقد تم حجه " فيستفاد منه أن اختيارى المشعر مقدم على اضطرارى عرفة، وقال العلامة المجلسى: ولا ريب فيه وانما الاشكال فيما إذا تعارض الاضطراريان ولعل تقديم اضطرارى المشعر أولى لدلالة الاخبار على ادراك الحج بادراكه دون اضطرارى عرفة.

(٤) في الكافى ج ٤ ص ٤٧٥ " قدموا يوم النحر وقد فاتهم الحديث " فاختلف الحكم فيه لان من قدم يوم النحر وأدرك المشعر الحرام قبل الزوال فقد أدرك الحج لان اضطرارى المشعر (يعنى الوقوف فيه آناما) كان من طلوع الشمس إلى زوال يوم النحر.

(٥) أجمع علماؤنا على أن من فاته الحج تسقط عنه بقية أفعاله ويتحلل بعمرة مفردة، وصرح في المنتهى وغيره بأن معنى تحلله بالعمرة أنه ينقل احرامه بالنية من الحج إلى العمرة المفردة ثم يأتى بأفعالها، ويحتمل قويا انقلاب الاحرام اليها بمجرد الفوات كما هو الظاهر القواعد والدروس، ولا ريب أن العدول أولى وأحوط، وهذه العمرة واجبة بالفوات فلا تجزى عن عمرة الاسلام، وهل يجب الهدى على فائت الحج؟ قيل: لا وهو المشهور وحكى الشيخ قولا بالوجوب للامر به في رواية الرقى ولم يعمل به أكثر المتأخرين لضعف الخبر عندهم. (المرآة)

٤٧٢

إن انصرفوا إلى بلادهم(١) ، وإن أقاموا حتى تمضي أيام التشريق بمكة ثم خرجوا(٢) إلى وقت أهل مكة فأحرموا منه واعتمروا فليس عليهم الحج من قابل ".

باب أخذ حصى الجمار من الحرم وغيره

٢٩٩٧ - روى حنان بن سدير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " يجزيك أن تأخذ حصى الجمار من الحرم كله إلا من مسجد الحرام ومسجد الخيف "(٢) .

___________________________________

(١) حمله الشيخ على حج التطوع وحمل الحج من قابل على الاستحباب، واحتمل في الاستبصار ج ٢ ص ٣٠٨ حمله على من اشترط في حال الاحرام فانه إذا كان كذلك لم يلزمه الحج من قابل.

وقال الفيض: " ذلك لانه لا بد لمن أتى مكة من اتيانه باحدى العبادتين ولهذا يقول في شرطه حين يحرم " وان لم يكن حج فعمرة " أقول: استدل الشيخ في الاستبصار على حمله هذا بصحيحة ضريس بن أعين قال: " سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة الا يوم النحر، فقال: يقيم على احرام ويقطع التلبية حين يدخل مكة ويطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق رأسه وينصرف إلى أهله ان شاء، وقال: هذا لمن اشترط على ربه عند احرامه، فان لم يكن فان عليه الحج من قابل " واعترض عليه العلامة رحمهما الله بأن الحج الفائت ان كان واجبا لم يسقط بمجرد الاشتراط وان لم يكن واجبا لم يجب بترك الاشتراط.

وقال الفاضل التفرشى: في هذا الحديث منافاة للحديث السابق حيث كان فيه ان من فاته الحج كان احلاله بالعمرة، وفى هذا الحديث انه يحل بالشاة، وفيه اشكال آخر وهو أن هذا الحج ان كان واجبا فكيف يسقط عنهم بالعمرة وان لم يكن واجبا فكيف يجب عليهم من قابل إذا انصرفوا إلى بلادهم، ويمكن دفع المنافاة بحمل فوت الحج في هذا الحديث على فوته بالمرض وفى الحديث الاول على فوته بمنع العدو عنه، ويمكن رفع الاشكال بحمل الحج على المندوب وحمل قوله عليه السلام " وعليهم الحج من قابل " على تأكيد الاستحباب لتحصيل ثواب الحج دون الوجوب وحمل قوله عليه السلام " وان أقاموا الخ " على أن ثواب تلك العمرة يقوم مقام ثواب الحج من قابل.

(٢) في الكافى " ثم يخرجوا ".

وقوله " وقت " أهل مكة أى ميقاتهم.

(٣) ظاهره جواز الاخذ من غيرهما من المساجد، لكن الوجه في تخصيص المسجدين لانهما الفرد المعروف من المساجد التى كانت في الحرم أو لكونهما موردين للحاج لا انحصار الحكم فيهما، وفى الكافى ج ٤ ص ٤٧٨ في القوى عن حريز عمن أخبره عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " سألته من أين ينبغى أخذ حصى الجمار؟ قال: لا تأخذه من موضعين: من خارج الحرم، ومن حصى الجمار، ولا بأس بأخذه من سائر الحرم " وهذا الخبر وخبر المتن كل منهما مخصص للاخر بوجه، ويدل على وجوب كون الحصاة أبكارا لم يرم بها صحيحا قبل ذلك وعليه فتوى الاصحاب.

٤٧٣

باب ما جاء فيمن خائف الرمى أو زاد أو نقص

٢٩٩٨ - روى علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " ذهبت أرمي فإذا في يدي ست حصيات، فقال: خذ واحدة من تحت رجليك "(١) .

٢٩٩٩ - وفي خبر آخر: " ولا تأخذ من حصى الجمار -(٢) الذي قد رمي - ".

٣٠٠٠ - وروى معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام " في رجل أخذ إحدى وعشرين حصاة فرمى بها وزادت واحدة ولم يدر أيهن نقصت، قال: فليرجع فليرم كل واحدة بحصاة، وإن سقطت من رجل حصاة ولم يدر أيتهن هي فليأخذ من تحت قدميه حصاة فيرمي بها، قال: فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها، وإن أصابت إنسانا أو جملا ثم وقعت على الجمار أجزأك(٣) .

وقال في رجل رمى الجمار فرمى الاولى بأربع حصيات ثم رمى الاخيرتين بسبع سبع، قال: يعود فيرمى الاولى بثلاث وقد فرغ(٤) ، وإن كان رمى الوسطى بثلاث ثم رمى الاخرى فليرم الوسطى

___________________________________

(١) محمول على ما إذا لم يعلم أنها من حصيات المرمية، وعدم العلم كاف ولا يحتاج إلى العلم بالعدم.

(٢) رواه الكلينى في القوى من حديث عبدالاعلى عن الصادق عليه السلام في خبر بهذا اللفظ والظاهر أن التوضيح من المصنف.

وتقدم نحوه في خبر حريز المنقول في الهامش.

(٣) لانه بفعلك بخلاف ما تممت بفعل آخر.

(٤) لا خلاف بين الاصحاب ظاهرا في عدم لزوم استيناف ما جاوز النصف ولا ما بعده إذا كان ناسيا أو جاهلا، ولو لم يتجاوز في الاول النصف فلا خلاف في استيناف ما بعده، والمشهور استيناف الاول أيضا، وذهب ابن ادريس إلى عدم وجوب استيناف الاول بل يكفى البناء على الاول عنده والخبر في الكافى بزيادة ههنا وهى " وان كان رمى الاولى بثلاث ورمى الاخيرتين بسبع سبع فليعد وليرمهن جميعا بسبع سبع ".

٤٧٤

بسبع(١) ، وإن كان رمى الوسطى بأربع رجع فرمى بثلاث(٢) قال: قلت: الرجل يرمي الجمار منكوسة، قال: يعيدها على الوسطى وجمزة العقبة "(٣) .

٣٠٠١ - وروى محمد بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال في الخائف: " لا بأس بأن يرمي الجمار بالليل، ويضحي بالليل، ويفيض بالليل "(٤) .

٣٠٠٢ - وسأله معاوية بن عمار " عن امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت إلى مكة، قال: فلترجع فترمي الجمار كما كانت ترمي، والرجل كذلك "(٥) .

___________________________________

(١) أى لا يحتاج إلى رمى الاولى فانها قد تمت، لا أنها لا تحتاج إلى رمى الاخرى لانه لم يحصل الترتيب بين الوسطى والعقبة بخلاف مالو تجاوز النصف. (م ت)

(٢) فلا يحتاج إلى رمى الاخير. (م ت)

(٣) قوله " قلت الرجل الخ " نقله الكلينى بلفظ أبسط وزاد في آخره بعد قوله " وجمرة العقبة " " وان كان من الغد ".

(٤) يدل على أنه يجوز لذوى الاعذار ايقاع تلك الافعال في الليل وظاهره الليلة المتقدمة (المرآة) وقال الفاضل التفرشى: الظاهر أن المراد بالليل الحادى عشر وما بعدها اذ لو كان المراد ليلة النحر كانت الافاضة من المشعر بالليل فكان المناسب تقديم الافاضة على الرمى و التضحية انتهى، أقول: تعميم الحكم لذوى الاعذار مطلقا وحمل الاخبار على المثال من دون لحاظ الخصوصية مشكل حيث ان بعض المذكورات التى تأتى تحت رقم ٣٠٠٤ في خبر أبى بصير كالحاطبة والمملوك وما في موثق سماعة في التهذيب ج ١ ص ٥٢١ من الراعى والعبد ليس معذورا بنظر العرف فالتعدى عن مورد النصوص إلى كل عذر عرفى مشكل.

(٥) اطلاق الرواية يقتضى وجوب الرجوع من مكة والرمى وان كان بعد انقضاء أيام التشريق، لكن صرح الشيخ وغيره بأن الرجوع انما يجب مع بقاء أيام التشريق ومع خروجها يقضى في القابل، وظاهر الاكثر أن القضاء في القابل على الاستحباب، وقال جماعة بالوجوب بنفسه ان أمكن والا استناب. قاله في المدارك.

٤٧٥

٣٠٠٣ - ورو عنه عبدالله بن سنان " في رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى فعرض له شئ فلم يرم الجمرة حتى غابت الشمس، قال: يرمي إذا أصبح مرتين إحديهما بكرة وهي للامس، والاخرى عند زوال الشمس "(١) .

باب الذين آطلق لهم الرمى بالليل

٣٠٠٤ - روى وهيب بن حفص(٢) عن أبي بصير قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الذي ينبغي له أن يرمي بالليل من هو؟ قال: الحاطبة(٣) والمملوك الذي لا يملك من أمره شئ، والخائف، والمدين، والمريض الذى لا يستطيع أن يرمي يحمل إلى الجمار فإن قدر على أن يرمي وإلا فارم عنه وهو حاضر "(٤) .

باب الرمى عن العليل والصبيان

٣٠٠٥ - روى معاوية بن عمار، وعبدالرحمن بن الحجاج عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " الكسير والمبطون يرمى عنهما، قال: والصبيان يرمى عنهم ".

٣٠٠٦ - وسأل إسحاق بن عمار أبا الحسن موسى عليه السلام " عن المريض يرمى

_____________________________

(١) الطريق صحيح ورواه الكلينى أيضا في الصحيح وزاد في آخره " وهى ليومه " و الخبر يدل على وجوب القضاء والابتداء بالفائت وعليه الاصحاب، وعلى استحباب الفصل بينه وبين الاداء.

(٢) في الطريق اليه محمد بن على والظاهر كما نص عليه الاردبيلى أنه أبوسمينة الصيرفى وهو ضعيف لا يعتمد على شئ كما في الخلاصة.

(٣) كذا في بعض النسخ بمعنى الحطاب الذى يجلب الحطب، وفى بعضها بالخاء المعجمة.

وقال سلطان العلماء: ولعل المراد من خطبها رجل فيستحيى فيكون اسم الفاعل بمعنى المفعول.

وقال الفاضل التفرشى نظيره.

(٤) المريض مبتدأ خبره " يحمل إلى الجمار ".

٤٧٦

عنه الجمار؟ قال: نعم يحمل إلى الجمرة ويرمى عنه، قلت: لا يطيق ذلك، فقال: يترك في منزله ويرمى عنه "(١) .

باب ما جاء فيمن بات ليالى منى بمكة  (٢)

٣٠٠٧ - روى ابن مسكان، عن جعفر بن ناجية عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سألته عمن بات ليالي منى بمكة، فقال: عليه ثلاثة من الغنم يذبحهن "(٣) .

___________________________________

(١) المشهور وجوب الاستنابة مع العذر وحملوا الحمل إلى الجمرة على الاستحباب جمعا.(المرآة)

(٢) يجب أن يبيت المتقى عن الصيد والنساء في احرامه ليلة الحادى عشر والثانى عشر بمنى وغير المتقى الليلتين مع ليلة الثالث، ولا يجوز أن يبيت في غيرها فليزمه لكل ليلة دم شاة الا أن يكون مشتغلا بالعبادة بمكة أو كان فيها أكثر الليل. (م ت)

(٣) حمل على من غربت الشمس في الليلة الثالثة وهو بمنى أو من لم يتق الصيد والنساء وادعى الاجماع على وجوب المبيت بمنى ليلة الحادى عشر والثانى عشر، وقد حكى عن تبيان الشيخ ومجمع الطبرسى - قدس سرهما - القول باستحباب المبيت وهو نادر فان تم الاجماع فلا كلام فيه والا فاستفادة الوجوب من كثير من الاخبار التى استدلوا بها مشكلة حيث يظهر ن بعضها كالخبر الاتى أنه مع الاشتغال بطاعة الله تعالى ولو كان بالعبادات المستحبة لا شئ عليه ولا يسقط الفرض بالنفل كما هو المعروف، ولا تنافى بين لزوم الدم وعدم وجوب المبيت وفى الحج موارد تجب فيها التذكرة مع عدم حرمة ما يوجبها نعم ما روى من طريقنا وطرق العامة " أنه لم يرخص النبى صلى الله عليه وآله لاحد أن يبيت بمكة الا للعباس من أجل سقايته (*) " بمفهومه في الجملة يؤيد القول بالوجوب وكذا صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبدالله عليه السلام " لا تبت ليالى التشريق الا بمنى فان بت في غيرها فعليك دم الخ " و أما ما روى الشيخ ج ١ ص ٥٢٠ من التهذيب في الصحيح عن العيص بن القاسم عن أبى عبدالله عليه السلام " عن رجل فاتته ليلة من ليالى منى، قال: ليس عليه شئ وقد أساء " فلا يدل على الوجوب لجواز حمل الاساء‌ة على الكراهة كما يظهر من صحيحة سعيد بن يسار قال: " قلت لابى عبدالله عليه السلام فاتتبى ليلة المبيت بمنى من شغل، فقال: لا بأس ".

(*) راجع علل الشرايع ج ٢ ب ٢٠٧ وصحيح مسلم ج ٤ ص ٨٦ والبخارى كتاب ٢٥ ب ٧٥ وموطأ مالك باب البيتوتة بمكة ليالى منى وسنن أبى داود ج ١ ص ٤٥٤.

٤٧٧

٣٠٠٨ - وسأله معاوية بن عمار " عن رجل زار البيت فلم يزل في طوافه ودعائه والسعي والدعاء حتى طلع الفجر، قال: ليس عليه شئ(١) كان في طاعة الله عزوجل ".

٣٠٠٩ - وروى عنه جميل بن دراج أنه قال: " إذا خرجت من منى قبل غروب الشمس فلا تصبح إلا بها ".

٣٠١٠ - وروى عنه عليه السلام جعفر بن ناجية أنه قال: " إذا خرج الرجل من منى أول الليل فلا ينتصف له الليل إلا وهو بمنى(٢) ، وإذا خرج بعد نصف الليل فلا بأس أن يصبح بغيرها ".

٣٠١١ - وقال الصادق عليه السلام: " لا تدخلوا منازلكم بمكة إذا زرتم - يعني أهل مكة - "(٣) .

٣٠١٢ - وروى ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا زار الحاج من منى فخرج من مكة فجاز بيوت مكة(٤) فنام ثم أصبح قبل أن يأتي منى فلا شئ عليه"(٥) .

___________________________________

(١) الظاهر أن يكون النظر إلى الدم، ولا يبعد أن يكون النظر إلى سقوط المبيت و يؤيده ترخيص النبى صلى الله عليه وآله للعباس.

(٢) قوله " فلا ينتصف " على صيغة نهى الغائب من قبيل " لا تمت وأنت ظالم " أى ليكن على حال لا ينتصف الليل الا وهو بمنى. (مراد)

(٣) رواه الكلينى في الموثق كالصحيح ج ٤ ص ٥١٥ عن ابن بكير عمن أخبره وحمله الشيخ في التهذيبين على الفضل والاستحباب دون الحظر والايجاب (الوافى) وقال صاحب الوسائل: محمول على الكراهة أو على الدخول مع النوم.

(٤) أى حالكونه جائيا من منى إلى مكة للزيارة فزار وخرج من مكة فجاز بيوتها.

(٥) اعلم أن أقصى ما يستفاد من الروايات ترتب الدم على مبيت الليالى المذكورة في غير منى بحيث يكون خارجا عنها من أول الليل إلى آخره بل أكثر الاخبار المعتبرة انما يدل على ترتب الدم على مبيت هذه الليالى بمكة كرواية هشام بن الحكم وغيرها والمسألة قوية الاشكال. (المدارك)

٤٧٨

باب اتيان مكة بعد الزيارة للطواف

٣٠١٣ - روى جميل عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " لا بأس أن يأتي الرجل مكة فيطوف أيام منى ولا يبيت بها".

٣٠١٤ - وسأله ليث المرادي(١) " عن الرجل يأتي مكة أيام منى بعد فراغه من زيارة البيت فيطوف بالبيت تطوعا؟ فقال: المقام بمنى أحب إلى "(٢) .

باب النفر الاول والاخير

٣٠١٥ - روى معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا أردت أن تنفر في يومين(٣) فليس لك أن تنفر حتى تزول الشمس(٤) ، فإن تأخرت إلى آخر أيام التشريق وهو يوم النفر الاخير فلا عيلك أي ساعة نفرت ورميت قبل الزوال أو بعده ".

٣٠١٦ - قال(٥) : " وسمعته يقول: في قول الله عزوجل: " فمن تعجل في يومين إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى " فقال: يتقى الصيد حتى ينفر

___________________________________

(١) لم يذكر المصنف طريقه اليه ورواه الكلينى ج ٤ ص ٥١٥ عن المفضل بن صالح الضعيف عنه عن أبى عبدالله عليه السلام وكذا الشيخ في التهذيبين.

(٢) في الكافى والتهذيبين " المقام بمنى أفضل وأحب إلى ".

(٣) أى بعد مضى يومين من يوم النحر وهو يوم الثانى عشر من ذى الحجة.

(٤) فلا يجوز قبله وهو المشهور بل قيل انه اجماع.

لكن في خبر زرارة المروى في التهذيب ج ١ ص ٥٢٤ عن أبى جعفر عليه السلام قال: " لا بأس أن ينفر الرجل في النفر الاول قبل الزوال " وحمله الشيخ على حال الضرورة دون حال الاختيار، وفى سنده ضعف و جهالة ولم يثبت الجابر.

(٥) أى قال معاوية بن عمار.

٤٧٩

أهل منى في النفر الاخير "(١) .

٣٠١٧ - وفي رواية ابن محبوب، عن أبي جعفر الاحوال، عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: " لمن اتقى الرفث والفسوق والجدال وما حرم الله عليه في إحرامه "(٢) .

٣٠١٨ - وفي رواية علي بن عطية، عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال: " لمن اتقى الله عزوجل(٣) ".

٣٠١٩ - وروي أنه " يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته امه "(٤) .

٣٠٢٠ - وروي " من وفي [لله] وفي الله له "(٥) .

٣٠٢١ - وفي رواية سليمان بن داود المنقري، عن سفيان بن عيينة عن أبي - عبدالله عليه السلام " في قول الله عزوجل: " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " يعنى من مات فلا إثم عليه، ومن تأخر أجله فلا إثم عليه لمن اتقى الكبائر "(٦) .

___________________________________

(١) أى يجوز أن يعجل إذا اتقى الصيد حتى ينفر أهل منى في النفر الاخير، والمشهور أن المراد أن التخيير لمن اتقى في احرامه عن الصيد والنساء، ويمكن تعميم هذا الخبر بحيث يشمل ما قبله أيضا. (م ت)

(٢) أى عدم الاثم، أو التخيير، أو التعجيل لمن اتقى الرفث وأخويه وسائر المحرمات في حال الاحرام.

(٣) أى التخيير أو التعجيل أو عدم الاثم لمن كان متقيا قبل حجه أو مطلقا كقوله تعالى " انما يتقبل الله من المتقين ".

(٤) يؤيد عدم الاثم، ورواه الكلينى ج ٤ ص ٢٥٢ باسناده عن عبدالاعلى عن أبى عبدالله عليه السلام في حديث.

(٥) يعنى وفى لله بقوله تعالى " فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، ووفى الله له " بقوله " فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه " فعلى هذا يكون المراد بالتقوى تقوى الاحرام فيكون كخبر سلام بن المستنير الذى رواه الكلينى بلفظ آخر في باب ما ينبغى تركه للمحرم من الجدال.

(٦) رواه الكلينى ج ٤ ص ٥٢٢ في ضمن حديث طويل.

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640