من لا يحضره الفقيه الجزء ٢

من لا يحضره الفقيه9%

من لا يحضره الفقيه مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 640

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 640 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 267653 / تحميل: 8508
الحجم الحجم الحجم
من لا يحضره الفقيه

من لا يحضره الفقيه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

لم يكن جيش فرعون مانعا من العذاب الإلهي ، ولم تكن سعة مملكتهم وأموالهم وثراؤهم سببا لرفع هذا العذاب ، ففي النهاية أغرقوا في أمواج النيل المتلاطمة إذ أنّهم كانوا يتباهون بالنيل ، فبماذا تفكرون لأنفسكم وأنتم أقل عدّة وعددا من فرعون وأتباعه وأضعف؟! وكيف تغترون بأموالكم وأعدادكم القليلة؟!

«الوبيل» : من (الوبل) ويراد به المطر الشديد والثقيل ، وكذا يطلق على كل ما هو شديد وثقيل بالخصوص في العقوبات ، والآية تشير إلى شدّة العذاب النازل كالمطر.

ثمّ وجه الحديث إلى كفّار عصر بنيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحذرهم بقوله :( فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً ) (١) (٢) .

بلى إنّ عذاب ذلك اليوم من الشدّة والثقيل بحيث يجعل الولدان شيبا ، وهذه كناية عن شدّة ذلك اليوم.

هذا بالنسبة لعذاب الآخرة ، وهناك من يقول : إنّ الإنسان يقع أحيانا في شدائد العذاب في الدنيا بحيث يشيب منها الرأس في لحظة واحدة.

على أي حال فإنّ الآية تشير إلى أنّكم على فرض أنّ العذاب الدنيوي لا ينزل عليكم كما حدث للفراعنة؟ فكيف بكم وعذاب يوم القيامة؟

في الآية الاخرى يبيّن وصفا أدقّ لذلك اليوم المهول فيضيف :( السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ) .

إنّ الكثير من الآيات الخاصّة بالقيامة وأشراط الساعة تتحدث عن

__________________

(١) يوما مفعول به لتتقون ، و «تتقون» ذلك اليوم يراد به تتقون عذاب ذلك اليوم ، وقيل (يوم) ظرف لـ (تتقون) أو مفعول به لـ (كفرتم) والاثنان بعيدان.

(٢) «شيب» جمع (أشيب) ويراد به المسن ، وهي من أصل مادة شيب ـ على وزن عيب ـ والمشيب يعني تغير لون الشعر إلى البياض.

١٤١

انفجارات عظيمة وزلازل شديدة ومتغيرات سريعة ، والآية أعلاه تشير إلى جانب منها.

فما حيلة الإنسان الضعيف العاجز عند ما يرى تفطر السموات بعظمتها لشدّة ذلك اليوم؟!(١)

وفي النّهاية يشير القرآن إلى جميع التحذيرات والإنذارات السابقة فيقول تعالى :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ ) .

إنّكم مخيرون في اختيار السبيل ، فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلا ، ولا فضيلة في اتّخاذ الطريق إلى الله بالإجبار والإكراه ، بل الفضيلة أن يختار الإنسان السبيل بنفسه وبمحض إرادته.

والخلاصة أنّ الله تعالى هدى الإنسان إلى النجدين ، وجعلهما واضحين كالشمس المضيئة في وضح النهار ، وترك الإختيار للإنسان نفسه حتى يدخل في طاعته سبحانه بمحض إرادته ، وقد احتملت احتمالات متعددة في سبب الإشارة إلى التذكرة ، فقد قيل أنّها إشارة إلى المواعظ التي وردت في الآيات السابقة ، وقيل هي إشارة إلى السورة بكاملها ، أو إشارة إلى القرآن المجيد.

ولعلها إشارة إلى إقامة الصلاة وقيام الليل كما جاء في الآيات من السورة ، والمخاطب هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والآية تدل على توسعة الخطاب وتعميمه لسائر المسلمين ، ولهذا فإنّ المراد من «السبيل» في الآية هو صلاة الليل ، والتي تعتبر سبيل خاصّ ومهمّة تهدي إلى الله تعالى ، كما ذكرت في الآية (٢٦) من سورة الدهر بعد أن أشير إلى صلاة الليل بقوله تعالى :( وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ) .

ويقول بعد فاصلة قصيرة :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً )

__________________

(١) «المنفطر» : من الانفطار بمعنى الإنشقاق ، والضمير (به) يعود لليوم ، والمعنى السماء منشقة بسبب ذلك اليوم والسماء جائزة للوجهين أي أنّه تذكر وتؤنث.

١٤٢

وهي بعينها الآية التي نحن بصدد البحث فيها(١) .

وبالطبع هذا التّفسير مناسب ، والأنسب منه أن تكون الآية ذات مفهوم أوسع حيث تستوعب هذه السورة جميع مناهج صنع الإنسان وتربيته كما أشرنا إلى ذلك سابقا.

* * *

ملاحظة

المراحل الأربع للعذاب الإلهي

الآيات السابقة تهدد المكذبين المغرورين بأربعة أنواع من العذاب الأليم : النكال ، الجحيم ، الطعام ذو الغصّة ، والعذاب الأليم ، هذه العقوبات في الحقيقة هي تقع في مقابل أحوالهم في هذه الحياة الدنيا.

فمن جهة كانوا يتمتعون بالحرية المطلقة.

الحياة المرفهة ثانيا.

لما لهم من الأطعمة السائغة من جهة ثالثة.

والجهة الرابعة لما لهم من وسائل الراحة ، وهكذا سوف يجزون بهذه العقوبات لما قابلوا هذه النعم بالظلم وسلب الحقوق والكبر والغرور والغفلة عن الله تعالى.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٤٧.

١٤٣

الآية

( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠) )

التّفسير

فاقرؤوا ما تيسر من القرآن :

هذه الآية هي من أطول آيات هذه السورة وتشتمل على مسائل كثيرة ، وهي مكملة لمحتوى الآيات السابقة ، وهناك أقوال كثيرة للمفسّرين حول ما إذا كانت

١٤٤

هذه الآية ناسخة لحكم صدر السورة أم لا ، وكذلك في مكّيتها أو مدنيتها ، ويتّضح لنا جواب هذه الأسئلة بعد تفسير الآية.

فيقول تعالى :( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ) (١) .

الآية تشير إلى نفس الحكم الذي أمر به الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر السورة من قيام الليل والصلاة فيه ، وما أضيف في هذه الآية هو اشتراك المؤمنين في العبادة مع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بصيغة حكم استحبابي أو باحتمال حكم وجوبي لأنّ ظروف صدر الإسلام كانت تتجاوب مع بناء ذواتهم والاستعداد للتبليغ والدفاع عنه بالدروس العقائدية المقتبسة من القرآن المجيد ، وكذا بالعمل والأخلاق وقيام الليل ، ولكن يستفاد من بعض الرّوايات أنّ المؤمنين كانوا قد وقعوا في إشكالات ضبط الوقت للمدة المذكورة (الثلث والنصف والثلثين) ولذا كانوا يحتاطون في ذلك ، وكان ذلك يستدعي استيقاظهم طول الليل والقيام حتى تتورم أقدامهم ، ولذا بني هذا الحكم على التخفيف ، فقال :( عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) .

«لن تحصوه» : من (الإحصاء) وهو عد الشيء ، أي علم أنّكم لا تستطيعون إحصاء مقدار الليل الذي أمرتم بقيامه والإحاطة بالمقادير الثلاثة.

وقال البعض : إنّ معنى الآية أنّكم لا تتمكنون من المداومة على هذا العمل طيلة أيّام السنة ، ولا يتيسر لعامّة المكلّفين إحصاء ذلك لاختلاف الليالي طولا وقصرا ، مع وجود الوسائل التي توقظ الإنسان.

والمراد بـ( فَتابَ عَلَيْكُمْ ) خفف عليكم التكاليف ، وليس التوبة من الذنب ، ويحتمل أنّه في حال رفع الحكم الوجوبي لا يوجد ذنب من الأساس ، والنتيجة

__________________

(١) يجب الالتفات إلى أنّ (نصفه) و (ثلثه) معطوف على أدنى وليس على (ثلثي الليل) فيكون المعنى أنّه يعلم أنّك تقوم بعض الليالي أدنى من ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه ،. كذا الالتفات إلى أن أدنى تقال لما يقرب من الشيء ، وهنا إشارة إلى الزمن التقريبي.

١٤٥

تكون مثل المغفرة الإلهية.

وأمّا عن معنى الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) فقد قيل في تفسيرها أقوال ، فقال بعضهم : إنّها تعني صلاة الليل التي تتخللها قراءة الآيات القرآنية ، وقال الآخرون : إنّ المراد منها قراءة القرآن ، وإن لم تكن في أثناء الصلاة ، وفسّرها البعض بخمسين آية ، وقيل مائة آية ، وقيل مائتان ، ولا دليل على ذلك ، بل إنّ مفهوم الآية هو قراءة ما يتمكن عليه الإنسان.

وبديهي أنّ المراد من قراءة القرآن هو تعلم الدروس لبناء الذات وتقوية الإيمان والتقوى.

ثمّ يبيّن دليلا آخرا للتخفيف فيضيف تعالى :( عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وهذا تخفيف آخر كما قلنا في الحكم ، ولذا يكرر قوله «فاقرؤوا ما تيسر منه» ، والواضح أنّ المرض والأسفار والجهاد في سبيل الله ذكرت بعنوان ثلاثة أمثلة للأعذار الموجهة ولا تعني الحصر ، والمعنى هو أنّ الله يعلم أنّكم سوف تلاقون ، كثيرا من المحن والمشاكل الحياتية ، وبالتالي تؤدي إلى قطع المنهج الذي أمرتم به ، فلذا خفف عليكم الحكم.

وهنا يطرح هذا السؤال ، وهو : هل أنّ هذا الحكم ناسخ للحكم الذي ورد في صدر السورة ، أم هو حكم استثنائي؟ طاهر الآيات يدل على النسخ ، وفي الحقيقة أنّ الغرض من الحكم الأوّل في صدر السورة هو إقامة المنهج العبادي ، وهذا ما حصل لمدّة معينة ثمّ نسخ بعد ذلك بهذه الآية ، وأصبح أخف من ذي قبل ، لأنّ ظاهر الآية يدل على وجود معذورين ، فلذا حفف الحكم على الجميع ، وليس للمعذورين فحسب ، ولذا لا يمكن أن يكون حكما استثنائيا بل هو حكم ناسخ.

ويرد سؤال آخر ، هو : هل أنّ الحكم المذكور بقراءة ما تيسّر من القرآن واجب أم مستحب؟ إنّه مستحب ، واحتمل البعض الآخر الوجوب ، لأنّ قراءة القرآن تبعث على معرفة دلائل التوحيد ، وإرسال الرسل ، وواجبات الدين ، وعلى

١٤٦

هذا الأساس تكون القراءة واجبة.

ولكن يجب الالتفات إلى أنّ الإنسان لا يلزم بقراءة القرآن ليلا أثناء صلاة الليل ، بل يجب على المكلّف أن يقرأ بمقدار ما يحتاجه للتعليم والتربية لمعرفة اصول وفروع الإسلام وحفظه وإيصاله إلى الأجيال المقبلة ، ولا يختص ذلك بزمان ومكان معينين ، والحقّ هو وجوب القراءة لما في ظاهر الأمر (فاقرؤا كما هو مبيّن في اصول الفقه) إلّا أن يقال بقيام الإجماع على عدم الوجوب ، فيكون حينها مستحبا ، والنتيجة هي وجوب القراءة في صدر الإسلام لوجود الظروف الخاصّة لذلك ، واعطي التخفيف بالنسبة للمقدار والحكم ، وظهر الاستحباب بالنسبة للمقدار الميسّر ، ولكن صلاة الليل بقيت واجبة على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة حياته (بقرينة سائر الآيات والرّوايات).

ونقرأ في حديث ورد عن الإمام الباقرعليه‌السلام حيث يقول : «... متى يكون النصف والثلث نسخت هذه الآية( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) واعلموا أنّه لم يأت نبيّ قط إلّا خلا بصلاة الليل ، ولا جاء نبي قط صلاة الليل في أوّل الليل»(١) .

والملاحظ في الآية ذكر ثلاثة نماذج من الأعذار ، أحدها يتعلق بالجسم (المرض) ، والآخر بالمال (السفر) ، والثالث بالدين (الجهاد في سبيل الله) ، ولذا قال البعض : إنّ المستفاد من الآية هو السعي للعيش بمثابة الجهاد في سبيل الله! وقالوا : إنّ هذه الآية مدنيّة بدليل سياقها في وجوب الجهاد ، إلّا أنّ الجهاد لم يكن في مكّة ، ولكن بالالتفات إلى قوله :( سَيَكُونُ ) يمكن أن تكون الآية مخبرة على تشريع الجهاد في المستقبل ، أي بسبب ما لديكم من الأعذار وما سيكون من الأعذار ، لم يكن هذا الحكم دائميا ، وبهذا الصورة يمكن أن تكون الآية مكّية ولا منافاة في ذلك.

ثمّ يشير إلى أربعة أحكام اخرى ، وبهذه الطريقة يكمل البناء الروحي للإنسان فيقول:( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ٤٥١.

١٤٧

تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

هذه الأوامر الأربعة (الصلاة ، الزكاة ، القروض المستحبة ، الاستغفار) مع الأمر بالقراءة والتدبر في القران الذي ورد من قبل تشكّل بمجموعها منهجا للبناء الروحي ، وهذا مهم للغاية بالخصوص لمن كان في عصر صدر الإسلام.

والمراد من «الصلاة» هنا الصلوات الخمس المفروضة ، والمراد من «الزكاة» الزكاة المفروضة ومن إقراض الله تعالى هو إقراض الناس ، وهذه من أعظم العبارات المتصورة في هذا الباب ، فإنّ مالك الملك يستقرض بمن لا يملك لنفسه شيئا ، ليرغبهم بهذه الطريقة للإنفاق والإيثار واكتساب الفضائل منها وليتربى ويتكامل بهذه الطريقة.

وذكر «الاستغفار» في آخر هذه الأوامر يمكن أن يكون إشارة إلى هذا المعنى وإيّاكم والغرور إذا ما أنجزتم هذه الطاعات ، وبأنّ تتصوروا بأنّ لكم حقّا على الله ، بل اعتبروا أنفسكم مقصرين على الدوام واعتذروا لله.

ويرى البعض أنّ التأكيد على هذه الأوامر هو لئلا يتصور المسلّم أنّ التخفيف سار على جميع المناهج والأوامر الدينية كما هو الحال في التخفيف الذي امر به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه في قيام وقراءة القرآن ، بل إنّ المناهج والأوامر الدينية باقية على متانتها وقوّتها(١) .

وقيل إنّ ذكر الزكاة المفروضة في هذه الآية هو دليل آخر على مدنيّة هذه الآية ، لأنّ حكم الزكاة نزل بالمدينة وليس في مكّة ، ولكن البعض قال : إنّ حكم الزكاة نزل في مكّة من غير تعيين نصاب ومقدار لها ، والذي فرض بالمدينة تعيين الأنصاب والمقادير.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٥٦.

١٤٨

ملاحظات

١ ـ ضرورة الاستعداد العقائدي والثقافي

لغرض إيجاد ثورة واسعة في جميع الشؤون الحياتية أو إنجاز عمل اجتماعي ذي أهمية لا بدّ من وجود قوّة عزم بشرية قبل كل شيء ، وذلك مع الإعتقاد الراسخ ، والمعرفة الكاملة ، والتوجيه والفكري والثقافي الضروري والتربوي ، والتربية الأخلاقية ، وهذا ما قام به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة في السنوات الاولى للبعثة ، بل في مدّة حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولوجود هذا الأساس المتين للبناء أخذ الإسلام بالنمو السريع والرشد الواسع من جميع الجهات.

وما جاء في هذه السورة هو نموذج حي ومنطقي لهذا المنهج المدروس ، فقد خلّف القيام لثلثي الليل أو ثلثه وقراءة القرآن والتمعن فيه أثرا بالغا في أرواح المؤمنين ، وهيأهم لقبول القول الثقيل والسبح الطويل ، وتطبيق هذه الأوامر التي هي أشدّ وطأ وأقوم قيلا كما يعبّر عنه القرآن ، هي التي أعطتهم هذه الموفقية ، وجهزت هذه المجموعة المؤمنة القليلة ، والمستضعفة والمحرومة بحيث أهلتهم لإدارة مناطق واسعة من العالم ، وإذا ما أردنا نحن المسلمين إعادة هذه العظمة والقدرة القديمة علينا أن نسلك هذا الطريق وهذا المنهج ، ولا يجب علينا إزالة حكومة الصهاينة بالاعتماد على أناس عاجزين وضعفاء لم يحصلوا على ثقافة أخلاقية.

٢ ـ قراءة القرآن والتفكر

يستفاد من الرّوايات الإسلامية أنّ فضائل قراءة القرآن ليس بكثرة القراءة ، بل في حسن القراءة والتدبر والتفكر فيها ، ومن الطريف أنّ هناك رواية

وردت عن الإمام الرضاعليه‌السلام في تفسير ذيل الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) رواها عن

١٤٩

جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما تيسّر منه لكم فيه خشوع القلب وصفاء السر»(١) ، لم لا يكون كذلك والهدف الأساس للقراءة هو التعليم والتربية.

والرّوايات في هذا المعنى كثيرة.

٣ ـ السعي للعيش كالجهاد في سبيل الله

كما عرفنا من الآية السابقة فإنّ السعي لطلب الرزق جعل مرادفا للجهاد في سبيل الله ، وهذا يشير إلى أنّ الإسلام يعير أهمية بالغه لهذا الأمر ، ولم لا يكون كذلك فلأمّة الفقيرة والجائعة المحتاجة للأجنبي لا يمكن لها أن تحصل على الاستقلال والرفاه ، والمعروف أنّ الجهاد الاقتصادي هو قسم من الجهاد مع الأعداء ، وقد نقل في هذا الصدد قول عن الصحابي المشهور عبد الله بن مسعود : «أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله بمنزلة الشهداء» ثمّ قرأ :( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ ) (٢) .

اللهم! وفقنا للجهاد بكلّ أبعاده.

ربّنا! وفقنا لقيام الليل وقراءة القرآن الكريم وتهذيب أنفسنا بواسطة هذا النور السماوي.

ربّنا! منّ على مجتمعنا الإسلامي بمقام الرفعة والعظمة بالإلهام من هذه السورة العظيمة.

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة المزّمل

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٢.

(٢) مجمع البيان ، وتفسير أبي الفتوح ، وتفسير القرطبي ، ذيل الآية مورد البحث وقد نقل القرطبي حديثا عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشابه هذه الحديث ، فيستفاد من ذلك أنّ عبد الله بن مسعود قد ذكر الحديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس هو من قوله.

١٥٠
١٥١

سورة

المدّثّر

مكيّة

وعدد آياتها ستّ وخمسون آية

١٥٢

«سورة المدّثّر»

محتوى السورة :

لا شك أنّ هذه السورة هي من السور المكّية ولكن هناك تساؤل عن أنّ هذه السورة هل هي الاولى النازلة على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم نزلت بعد سورة العلق؟

يتّضح من التمعن في محتوى سورة العلق والمدثر أنّ سورة العلق نزلت في بدء الدعوة ، وأنّ سورة المدثر نزلت في زمن قد امر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه بالدعوة العلنية ، وانتهاء فترة الدعوة السرّية ، لذا قال البعض أنّ سورة العلق هي أوّل سورة نزلت في صدر البعثة ، والمدثر هي السورة الاولى التي نزلت بعد الدعوة العلنية ، وهذا الجمع هو الصحيح.

ومهما يكن فإنّ سياق السور المكّية التي تشير إلى الدعوة وإلى المبدأ والمعاد ومقارعة الشرك وتهديد المخالفين وإنذارهم بالعذاب الإلهي واضح الوضوح في هذه السورة.

يدور البحث في هذه السورة حول سبعة محاور وهي :

١ ـ يأمر الله تعالى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإعلان الدعوة العلنية ، ويأمر أن ينذر المشركين ، وتمسك بالصبر والاستقامة في هذا الطريق والاستعداد الكامل لخوض هذا الطريق.

٢ ـ تشير إلى المعاد وأوصاف أهل النّار الذين واجهوا القرآن بالتكذيب والإعراض عنه.

١٥٣

٣ ـ الإشارة إلى بعض خصوصيات النّار مع إنذار الكافرين.

٤ ـ التأكيد على المعاد بالأقسام المكررة.

٥ ـ ارتباط عاقبة الإنسان بعمله ، ونفي كل أنواع التفكر غير المنطقي في هذا الإطار.

٦ ـ الإشارة إلى قسم من خصوصيات أهل النّار وأهل الجنّة وعواقبهما.

٧ ـ كيفية فرار الجهلة والمغرورين من الحقّ.

فضيلة السورة :

ورد في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأ سورة المدثر اعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بمحمّد وكذب به بمكّة»(١) .

وورد في حديث آخر عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال : «من قرأ في الفريضة سورة المدثر كان حقّا على الله أن يجعله مع مجمّد في درجته ، ولا يدركه في حياة الدنيا شقاء أبدا»(٢)

وبديهي أنّ هذه النتائج العظيمة لا تتحقق بمجرّد قراءة الألفاظ فحسب ، بل لا بدّ من التمعن في معانيها وتطبيقها حرفيا.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٣.

(٢) المصدر السابق.

١٥٤

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧) فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠) )

التّفسير

قم وانذر النّاس :

لا شك من أنّ المخاطب في هذه الآيات هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن لم يصرح باسمه ، ولكن القرائن تشير إلى ذلك ، فيقول أوّلا :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ) فلقد ولى زمن النوم الاستراحة ، وحان زمن النهوض والتبليغ ، وورد التصريح هنا بالإنذار مع أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبشر ونذير ، لأنّ الإنذار له أثره العميق في إيقاظ الأرواح النائمة خصوصا في بداية العمل.

وأورد المفسّرون احتمالات كثيرة عن سبب تدثرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعوته إلى القيام والنهوض.

١ ـ اجتمع المشركون من قريش في موسم الحج وتشاور الرؤساء منهم

١٥٥

كأبي جهل وأبي سفيان والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وغيرهم في ما يجيبون به عن أسئلة القادمين من خارج مكّة وهم يناقشون أمر النّبي الذي قد ظهر بمكّة ، وفكروا في وأن يسمّي كلّ واحد منهم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باسم ، ليصدوا الناس عنه ، لكنّهم رأوا في ذلك فساد الأمر لتشتت أقوالهم ، فاتفقوا في أن يسمّوه ساحرا ، لأنّ أحد آثار السحرة الظاهرة هي التفريق بين الحبيب وحبيبه ، وكانت دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أثّرت هذا الأثر بين الناس! فبلغ ذلك النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتأثر واغتم لذلك ، فأمر بالدثار وتدثر ، فأتاه جبرئيل بهذه الآيات ودعاه إلى النهوض ومقابلة الأعداء.

٢ ـ إنّ هذه الآيات هي الآيات الأولى التي نزلت على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نقله جابر بن عبد الله قال : جاوزت بحراء فلمّا قضيت جواري نوديت يا محمّد ، أنت رسول الله ، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ، ونظرت خلفي فلم أر شيئا ، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فملئت منه رعبا ، فرجعت إلى خديجة وقلت : «دثروني دثروني ، واسكبوا عليّ الماء البارد» ، فنزل جبرئيل بسورة :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) .

ولكن بلحاظ أن آيات هذه السورة نظرت للدعوة العلنية ، فمن المؤكّد أنّها نزلت بعد ثلاث سنوات من الدعوة الخفية ، وهذا لا ينسجم والروية المذكورة ، إلّا أن يقال بأنّ بعض الآيات التي في صدر السورة قد نزلت في بدء الدعوة ، والآيات الأخرى مرتبطة بالسنوات التي تلت الدعوة.

٣ ـ إنّ النّبي كان نائما وهو متدثر بثيابه فنزل عليه جبرائيلعليه‌السلام موقظا إيّاه ، ثمّ قرأ عليه الآيات أن قم واترك النوم واستعد لإبلاغ الرسالة.

٤ ـ ليس المراد بالتدثر التدثر بالثياب الظاهرية ، بل تلبسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة والرسالة كما قيل في لباس التقوى.

١٥٦

٥ ـ المراد به اعتزالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانزواؤه واستعد لإنذار الخلق وهداية العباد(١) والمعني الأوّل هو الأنسب ظاهرا.

ومن الملاحظ أنّ جملة (فانذر) لم يتعين فيها الموضوع الذي ينذر فيه ، وهذا يدل على العمومية ، يعني إنذار الناس من الشرك وعبادة الأصنام والكفر والظلم والفساد ، وحول العذاب الإلهي والحساب المحشر إلخ (ويصطلح على ذلك بأن حذف المتعلق يدل على العموم). ويشمل ضمن ذلك العذاب الدنيوي والعذاب الاخروي والنتائج السيئة لأعمال الإنسان التي سيبتلى بها في المستقبل.

ثم يعطي للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة أوامر مهمّة بعد الدعوة إلى القيام والإنذار ، تعتبر منهاجا يحتذي به الآخرون ، والأمر الأوّل هو في التوحيد ، فيقول :( وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) (٢) .

ذلك الربّ الذي هو مالكك مربيك ، وجميع ما عندك فمنه تعالى ، فعليك أن تضع غيره في زاوية النسيان وتشجب على كلّ الآلهة المصطنعة ، وامح كلّ آثار الشرك وعبادة الأصنام.

ذكر كلمة (ربّ) وتقديمها على (كبّر) الذي هو يدل على الحصر ، فليس المراد من جملة «فكبر» هو (الله أكبر) فقط ، مع أنّ هذا القول هو من مصاديق التكبير كما ورد من الرّوايات ، بل المراد منه أنسب ربّك إلى الكبرياء والعظمة اعتقادا وعملا ، قولا فعلا وهو تنزيهه تعالى من كلّ نقص وعيب ، ووصفه

__________________

(١) أورد الفخر الرازي هذه التفاسير الخمسة بالإضافة إلى احتمالات أخرى في تفسيره الكبير ، واقتبس منه البعض الآخر من المفسّرين (تفسير الفخر الرازي ، ج ٣٠ ، ص ١٨٩ ـ ١٩٠).

(٢) الفاء من (فكبر) زائدة للتأكيد بقول البعض ، وقيل لمعنى الشرط ، والمعنى هو : لا تدع التكبير عند كلّ حادثة تقع ، (يتعلق هذا القول بالآيات الاخرى الآتية أيضا).

١٥٧

بأوصاف الجمال ، بل هو أكبر من أن يوصف ، ولذا ورد في الرّوايات عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام في معنى الله أكبر : «الله أكبر من أن يوصف» ، ولذا فإنّ التكبير له مفهوم أوسع من التسبيح الذي هو تنزيهه من كل عيب ونقص.

ثمّ صدر الأمر الثّاني بعد مسألة التوحيد ، ويدور حول الطهارة من الدنس فيضيف :( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) ، التعبير بالثوب قد يكون كناية عن عمل الإنسان ، لأنّ عمل الإنسان بمنزلة لباسه ، وظاهره مبين لباطنه ، وقيل المراد منه القلب والروح ، أي طهر قلبك وروحك من كلّ الأدران ، فإذا وجب تطهير الثوب فصاحبه اولى بالتطهير.

وقيل هو اللباس الظاهر ، لأنّ نظافة اللباس دليل على حسن التربية والثقافة ، خصوصا في عصر الجاهلية حيث كان الاجتناب من النجاسة قليلا وإن ملابسهم وسخة غالبا ، وكان الشائع عندهم تطويل أطراف الملابس (كما هو شائع في هذا العصر أيضا) بحيث كان يسحل على الأرض ، وما ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام في معنى أنّه : «ثيابك فقصر»(١) ، ناظر إلى هذا المعنى.

وقيل المراد بها الأزواج لقوله تعالى :( هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ ) (٢) ، والجمع بين هذه المعاني ممكن ، والحقيقة أنّ الآية تشير إلى أنّ القادة الإلهيين يمكنهم إبلاغ الرسالة عند طهارة جوانبهم من الأدران وسلامة تقواهم ، ولذا يستتبع أمر إبلاغ الرسالة ولقيام بها أمر آخر ، هو النقاء والطهارة.

ويبيّن تعالى الأمر الثّالث بقوله :( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) المفهوم الواسع للرجز كان سببا لأن تذكر في تفسيره أقوال مختلفة ، فقيل : هو الأصنام ، وقيل : المعاصي ، وقيل : الأخلاق الرّذيلة الذميمة ، وقيل : حبّ الدنيا الذي هو رأس كلّ خطيئة ، وقيل هو العذاب الإلهي النازل بسبب الترك والمعصية ، وقيل : كل ما يلهي

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٥.

(٢) البقرة ، ١٨٧.

١٥٨

عن ذكر الله.

والأصل أنّ معنى «الرجز» يطلق على الاضطراب والتزلزل(١) ثمّ اطلق على كل أنواع الشرك ، عبادة الأصنام ، والوساوس الشيطانية والأخلاق الذميمة والعذاب الإلهي التي تسبب اضطراب الإنسان ، فسّره البعض بالعذاب(٢) ، وقد اطلق على الشرك والمعصية والأخلاق السيئة وحبّ الدّنيا تجلبه من العذاب.

وما تجدر الإشارة إليه أنّ القرآن الكريم غالبا ما استعمل لفظ «الرجز» بمعنى العذاب(٣) ، ويعتقد البعض أنّ كلمتي الرجز والرجس مرادفان(٤) .

وهذه المعاني الثلاثة ، وإن كانت متفاوتة ، ولكنّها مرتبطة بعضها بالآخر ، وبالتالي فإنّ للآية مفهوما جامعا ، وهو الانحراف والعمل السيء ، وتشمل الأعمال التي لا ترضي اللهعزوجل ، والباعثة على سخر الله في الدنيا والآخرة ، ومن المؤكّد أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد هجر واتقى ذلك حتى قبل البعثة ، وتاريخه الذي يعترف به العدو والصديق شاهد على ذلك ، وقد جاء هذا الأمر هنا ليكون العنوان الأساس في مسير الدعوة إلى الله ، وليكون للناس أسوة حسنة.

ويقول تعالى في الأمر الرّابع :( وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ) .

هنا التعلق محذوف أيضا ، ويدل على سعة المفهوم كليته ، ويشمل المنّة على الله والخلائق ، أي فلا تمنن على الله بسعيك واجتهادك ، لأنّ الله تعالى هو الذي منّ عليك بهذا المقام المنيع.

ولا تستكثر عبادتك وطاعتك وأعمالك الصالحة ، بل عليك أن تعتبر نفسك مقصرا وقاصرا ، واستعظم ما وفقت إليه من العبادة.

__________________

(١) مفردات الراغب.

(٢) الميزان ، في ظلال القرآن.

(٣) راجع الآيات ، ١٣٤ ـ ١٣٥ من سورة الأعراف ، والآية ٥ من سورة سبأ ، والآية ١١ من سورة الجاثية ، والآية ٥٩ من سورة البقرة ، والآية ١٦٢ من سورة الأعراف ، والآية ٣٤ من سورة العنكبوت.

(٤) وذكر ذلك في تفسير الفخر الرازي بصورة احتمال ، ج ٣٠ ، ص ١٩٣.

١٥٩

وبعبارة أخرى : لا تمنن على الله بقيامك بالإنذار ودعوتك إلى التوحيد وتعظيمك لله وتطهيرك ثيابك وهجرك الرجز ، ولا تستعظم كل ذلك ، بل أعلم أنّه لو قدمت خدمة للناس سواء في الجوانب المعنوية كالإرشاد والهداية ، أم في الجوانب المادية كالإنفاق والعطاء فلا ينبغي أن تقدمها مقابل منّة ، أو توقع عوض أكبر ممّا أعطيت ، لأنّ المنّة تحبط الأعمال الصالحة :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) (١) .

«لا تمنن» من مادة «المنّة» وتعني في هذه الموارد الحديث عن تبيان أهمية النعم المعطاة للغير ، وهنا يتّضح لنا العلاقة بينه وبين الاستكثار ، لأنّ من يستصغر عمله لا ينتظر المكافأة ، فكيف إذن بالاستكثار ، فإنّ الامتنان يؤدي دائما إلى الاستكثار ، وهذا ممّا يزيل قيمة النعم ، وما جاء من الرّوايات يشير لهذا المعنى : «لا تعط تلتمس أكثر منها»(٢) كما جاء في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير الآية : «لا تستكثر ما عملت من خير لله»(٣) وهذا فرع من ذلك المفهوم.

ويشير في الآية الأخرى إلى الأمر الأخير في هذا المجال فيقول :( وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ) ، ونواجه هنا مفهوما واسعا عن الصبر الذي يشمل كلّ شيء ، أي اصبر في طريق أداء الرسالة ، واصبر على أذى المشركين الجهلاء ، واستقم في طريق عبودية الله وطاعته ، واصبر في جهاد النفس وميدان الحرب مع الأعداء.

ومن المؤكّد أنّ الصبر هو ضمان لإجراء المناهج السابقة ، والمعروف أنّ الصبر هو الثروة الحقيقية لطريق الإبلاغ والهداية ، وهذا ما اعتمده القرآن الكريم

__________________

(١) البقرة ، ٢٦٤.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٥٤ ، وتفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤٠٠.

(٣) المصدر السابق.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

٣٠٢٢ - وسأله أبوبصير " عن الرجل ينفر في النفر الاول قال: له أن ينفر ما بينه وبين أن تصفر الشمس(١) ، فإن هو لم ينفر حتى يكون عند غروبها فلا ينفر وليبت بمنى حتى إذا أصبح فطلعت الشمس فلينفر متى شاء ".

٣٠٢٣ - وروي الحلبي أنه " سئل عن الرجل ينفر في النفر الاول قبل أن تزول الشمس فقال: لا ولكن يخرج ثقله إن شاء ولا يخرج هو حتى تزول الشمس "(٢) .

وروي أن من فعل ذلك(٣) فهو ممن تعجل في يومين ".

٣٠٢٤ - وروى عنه معاوية بن عمار قال: " ينبغي لمن تعجل في يومين أن يمسك عن الصيد حتى ينقضي اليوم الثالث "(٤) .

٣٠٢٥ - وروى عنه جميل بن دراج أنه قال: " لا بأس أن ينفر الرجل في النفر الاول ثم يقيم بمكة(٥) وقال: كان أبي عليه السلام يقول: من شاء رمى الجمار

___________________________________

(١) أى بعد الزوال بقرينة الحديث السابق واللاحق. (مراد)

(٢) يدل على عدم جواز النفر قبل الزوال في النفر الاول، وجواز تقديم الثقل و هو بالتحريك: متاع المسافر وحشمه. (م ت)

(٣) أى أخرج ثقله ونفر بعد الزوال.

روى الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٥٨٦ باسناده عن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد، عن على، عن أحدهما عليهما السلام أنه قال " في رجل بعث بثقله يوم النفر الاول وأقام إلى الاخير قال: هو ممن تعجل في يومين ".

(٤) تقدم نحوه تحت رقم ٣٠١٦.

(٥) ظاهره جواز النفر في الاول مطلقا وخص بمن اتقى الصيد والنساء في احرامه، ولا خلاف في أنه يجوز للمتقى النفر في الاول الا ما نقل عن أبى الصلاح أنه لا يجوز للصرورة النفر في الاول، ومستنده غير معلوم، وقد قطع الاصحاب بأن من لم يتق الصيد والنساء في احرامه لا يجوز النفر في الاول، وفيه اشكال من حيث المستند والمراد بعدم اتقاء الصيد في حال الاحرام قتله، وبعدم اتقاء النساء جماعهن، وفى الحاق باقى المحرمات المتعلقة بالقتل والجماع وجهان ونقل عن ابن ادريس اشتراط اتقاء كل محظور يوجب الكفارة (المرآة) وقال المولى المجلسى (ره): أى لا يكره له الاقامة بعد النفر وان كانت قبله مكروهة، أقول: الخبر إلى هنا في الكافى والتهذيب والظاهر أن البقية من خبر جميل ولم يذكراها.

٤٨١

ارتفاع النهار(١) ثم ينفر قال: فقلت له(٢) : إلى متى يكون رمي الجمار؟ فقال: من ارتفاع النهار إلى غروب الشمس(٣) ، ومن أصاب الصيد فليس له أن ينفر في النفر الاول ".

٣٠٢٦ - وسئل الصادق عليه السلام " عن قول الله عزوجل " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه " قال: ليس هو(٤) على أن ذلك واسع إن شاء صنع ذا وإن شاء صنع ذا، لكنه يرجع مغفورا له لا إثم عليه ولا ذنب له ".

باب نزول الحصبة(٥)

٣٠٢٧ - روي أبان، عن أبي مريم عن أبي عبدالله عليه السلام أنه " سئل عن الحصبة فقال: كان أبي عليه السلام ينزل الابطح قليلا(٦) ثم يدخل البيوت من غير أن ينام بالابطح

___________________________________

(١) مع أن المستحب أن يكون عند الزوال (م ت) وقد حمل على ذوى الاعذار.

(٢) أى قال جميل: فقلت لابى عبدالله عليه السلام.

(٣) أى مستحبا إلى غروب الشمس.

(٤) أى ليس هو على التعيين بل كلاهما مراد الله عزوجل كما تقدم في الاخبار، وفى بعض النسخ " ليبين " أى ليعلم أنه مع التقديم والتأخير مغفور له والظاهر الاول والتصحيف من النساخ (م ت) وقرأه الفاضل التفرشى " لينبئن " على صيغة المجهول المؤكد بالنون المصدر بلام الامر من النبأ من باب التفعيل أى ليخبر هو أى الحاج بتلك البشارة، وقال: في بعض النسخ " ليبشر " من التبشير وفى بعضها " ليبين " من التبيين والمعنى واحد.

(٥) أى النزول بالمحصب وهو في الاصل كل موضع كثر حصبها والمراد الشعب الذى أحد طرفيه منى والاخر متصل بالابطح وينتهى عنده، وفى المراصد هو بين مكة ومنى وهو إلى منى أقرب وهو بطحاء مكة سمى بذلك للحصباء التى في أرضه انتهى، والظاهر أن الحصبة مسجد في الابطح ولم يبق أثره كما يأتى.

(٦) في بعض النسخ بدون قليلا وفى بعضها " ينزل الابطح ليلا ".

٤٨٢

فقلت له: أرأيت من تعجل في يومين(١) عليه أن يحصب؟ قال: لا "(٢) .

٣٠٢٨ - وقال: " كان أبي عليه السلام: ينزل الحصبة قليلا ثم يرتحل، وهو دون خبط وحرمان "(٣) .

باب باب قضاء التفث (٤)

٣٠٢٩ - روى معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " يستحب للرجل و المرأة أن لا يخرجا من مكة حتى يشتريا بدرهم تمرا فيتصدقا به لما كان منهما في

___________________________________

(١) زاد هنا في الكافى " ان كان من أهل اليمن ".

(٢) قال في الدروس: يستحب للنافر في الاخير التحصيب تأسيا برسول الله صلى الله عليه وآله وهو النزول بمسجد الحصبة بالابطح الذى نزل به رسول الله صلى الله عيله وآله و يستريح فيه قليلا ويستلقى على قفاه، وروى " أن النبى صلى الله عليه وآله صلى فيه الظهرين والعشائين وهجع هجعة ثم دخل مكة وطاف، وليس من سنن الحج ومناسكه وانما هو فعل مستحب اقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله.

(٣) كذا، وقال في منتقى الجمان: هاتان الكلمتان من الغريب ولم أقف لهما على تفسير في شئ مما يحضرنى من كتب اللغة انتهى، واحتمل المولى المجلسى رحمه الله تصحيفهما وقال: في بعض كتب العامة " دون حائط حرمان " وذكر أنه كان هناك بستان، و مسجد الحصباء كان قريبا منه وهو أظهر.

أقول: يخطر بالبال ان المراد بهذا الكلام الاشارة إلى حدود الحصبة والضمير المذكر باعتبار المسجد والصواب " حائط حرمان " كما استظهره ويؤيده ما حكى عن الازرقى أنه قال: " ان حد المحصب من الحجون مصعدا في الشق الايسر وأنت ذاهب إلى منى إلى حائط حرمان مرتفعا عن بطن الوادى".

وقال العلامة المجلسى: ذكر الشيخ في المصباح وغيره " أن التحصيب النزول في مسجد الحصبة ".

وهذا المسجد غير معروف الان بل الظاهر اندراسه من قرب زمان الشيخ كما اعترف به جماعة منهم ابن ادريس حيث قال: ليس من المسجد أثر الان.

(٤) مأخوذ من قوله تعالى: " ثم ليقضوا تفثهم " أى ليزيلوا وسخهم بقص الشارب و الاظفار، ونتف الابط، وفى الصحاح: التفث في المناسك: ما كان من نحو قص الاظفار و الشارب وحلق الرأس والعانة ورمى الجمار ونحر البدن وأشباه ذلك، وقال أبوعبيدة: ولم يجئ فيه شعر يحتج به انتهى.

وفى النهاية " التفث " وهو ما يفعله المحرم بالحج إذا حل كقص الشارب والاظفار ونتف الابط وحلق العانة، وقيل: هو اذهاب الشعث والدرن والوسخ مطلقا انتهى.

وفى المغرب: التفث الوسخ والشعث ومنه رجل تفث بكسر الفاء أى مغبر شعث لم يدهن ولم يستحد عن ابن شميل، وقضاء التفث قضاء ازالته بقص الشارب والاظفار. =

٤٨٣

إحرامهما، ولما كان في حرم الله عزوجل "(١) .

٣٠٣٠ - وروى أبوبصير عن أبي عبدالله عليه السلام " في قول الله عزوجل " ثم ليقضوا تفثهم " قال: ما يكون من الرجل في إحرامه، فاذا دخل مكة وطاف تكلم بكلام طيب كان ذلك كفارة لذلك الذي كان منه ".

٣٠٣١ - وروى ذريح المحاربي عن أبي عبدالله عليه السلام " في قول الله عزوجل: " ثم ليقضوا تفثهم " قال: التفث لقاء الامام "(٢) .

___________________________________

= وفى المصباح بعد ذكر نحو مما مر وقيل: هو استباحة ما حرم عليهم بالاحرام بعد التحلل.

وفى تفسير التبيان: التفث مناسك الحج من الوقوف والطواف والسعى ورمى الجمار والحلق بعد الاحرام من الميقات، وقال ابن عباس وابن عمر: التفث جميع المناسك وقيل: التفث قشف الاحرام وقضاؤه بحلق الرأس والاغتسال ونحوه، وقال الارهرى: لا يعرف التفث في لغة العرب الا من قول ابن عباس انتهى، أقول: جميع ما ذكر يرجع إلى تطهير الظاهر والباطن جميعا كما يأتى في روايات الباب وبهذا الوجه يجمع بين الاخبار.

(١) أى لما لعله دخل عليه في حجه واحرامه من المنافيات.

(٢) أصل الخبر كما رواه الكلينى ج ٤ ص ٥٤٩ باسناده عن عبدالله بن سنان عن ذريح المحاربى هكذا قال: " قلت لابى عبدالله عليه السلام: ان الله أمرنى في كتابه بأمر وأحب أن أعمله، قال: وما ذاك؟ قلت: قول الله عزوجل " ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم " قال: " ليقضوا تفثهم " لقاء الامام " وليوفوا نذورهم " تلك المناسك، قال عبدالله بن سنان: فأتيت أبا عبدالله عليه السلام فقلت: جعلت فداك قول الله عزوجل " ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذرهم " قال: أخذ الشارب وقص الاظفار وما أشبه ذلك، قال: قلت: جعلت فداك ان ذريح المحاربى حدثنى عنك بأنك قلت له " ليقضوا تفثهم " لقاء الامام " وليوفوا نذورهم " تلك المناسك.

فقال: صدق ذريح وصدقت، ان للقرآن ظاهرا وباطنا ومن يحتمل ما يحتمل ذريح " فروى المصنف صدره ههنا وذيله تحت رقم ٣٠٣٦، ووجه الاشتراك التطهير فان ما قاله عليه السلام لذريح فهو تطهير الباطن وما قاله لعبد الله بن سنان هو تطهير الظاهر والاول هو التأويل والباطن والثانى هو التفسير والظاهر.

٤٨٤

٣٠٣٢ - وروى ربعي، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام " في قوله عزوجل " ثم ليقضوا تفثهم " قال: الشارب والاظفار ".

٣٠٣٣ - وفي رواية النضر، عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام " أن التفث هو الحلق وما في جلد الانسان "(١) .

٣٠٣٤ - وروى زرارة، عن حمران عن أبي جعفر عليه السلام " أن التفث حفوف الرجل من الطيب، فإذا قضى نسكه حل له الطيب "(٢) .

٣٠٣٥ - وفي رواية البزنطي عن الرضا عليه السلام قال: " التفث تقليم الاظفار وطرح الوسخ، وطرح الاحرام عنه"(٣) .

٣٠٣٦ - وروي عن عبدالله بن سنان قال " أتيت أبا عبدالله عليه السلام فقلت له: جعلني الله فداك ما معنى قول الله عزوجل: " ثم ليقضوا تفثهم " قال: أخذ الشارب وقص الاظفار وما أشبه ذلك، قال: قلت: جعلت فداك فإن ذريحا المحاربي حدثني عنك أنك قلت: " ليقضوا تفثهم " لقاء الامام " وليوفوا نذورهم " تلك

___________________________________

(١) أى من الوسخ والشعر.

(٢) الحفوف بالمهملة والفائين يقال، حف رأسه يحف بالكسر حفوفا أى بعد عهده بالدهن.

وقال العلامة المجلسى رحمه الله: مقتضى الجمع بين الاخبار حمل قضاء التفث على ازالة كل ما يشين الانسان في بدنه وقلبه وروحه ليشمل ازالة الاوساخ البدنية بقص الاظفار وأخذ الشارب ونتف الابط وغيرها، وازالة وسخ الذنوب عن القلب بالكلام الطيب و الكفارة ونحوهما وازالة دنس الجهل عن الروح بلقاء الامام عليه السلام ففسر في كل خبر ببعض معانيه على وفق أفهام المخاطبين ومناسبة أحوالهم.

(٣) أى ثوبى الاحرام الوسخين. أو لوازم الاحرام. (سلطان)

٤٨٥

المناسك، قال: صدق ذريح وصدقت، إن للقرآن ظاهرا وباطنا ومن يحتمل ما يحتمل ذريح ".

وأما قوله عزوجل: " وليطوفوا بالبيت العتيق " فإنه: روي أنه طواف النساء(١) .

قال مصنف هذا الكتاب - رحمه الله -: هذه الاخبار كلها متفقة غير مختلفة والتفث معناه كل ما وردت به هذه الاخبار، وقد أخرجت الاخبار في هذا المعنى في كتاب تفسير المنزل في الحج.

باب أيام النحر

٣٠٣٧ - روى عمار بن موسى الساباطي(٢) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سألته عن الاضحى بمنى، قال: أربعة أيام، وعن الاضحى في سائر البلدان؟ قال: ثلاثة أيام، وقال: لو أن رجلا قدم إلى أهله بعد الاضحى بيومين ضحى اليوم الثالث الذي يقدم فيه "(٣) .

٣٠٣٨ - وروى كليب الاسدي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سألته عن النحر

___________________________________

(١) روى الكلينى ج ٤ ص ٤١٢ باسناده عن أحمد بن محمد قال: " قال أبوالحسن عليه السلام في قول الله عزوجل " وليطوفوا بالبيت العتيق " قال طواف الفريضة طواف النساء " وبسند آخر فيه ارسال عن حماد بن عثمان عن أبى عبدالله عليه السلام " في قول الله عزوجل: " وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق " قال: طواف النساء ".

(٢) الطريق اليه قوى على ما في الخلاصة باحمد بن الحسن بن على بن فضال وعمرو بن سعيد المدائنى ومصدق بن صدقة.

(٣) روى الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٥٠٤ في الصحيح عن على بن جعفر عن خيه موسى عليه السلام قال: " سألته عن الاضحى كم هو بمنى؟ قال: أربعة أيام، وسألته عن الاضحى في غير منى، فقال ثلاثة أيام، فقلت: فما تقول في رجل مسافر قدم بعد الاضحى بيومين أله أن يضحى في اليوم الثالث؟ قال: نعم ".

٤٨٦

فقال: أما بمنى فثلاثة أيام، وأما في البلدان فيوم واحد "(١) .

قال مصنف هذا الكتاب - رحمه الله -: هذان الحديثان متفقان غير مختلفين وذلك أن خبر عمار هو الضحية وحدها وخبر كليب للصوم وحده(٢) ، وتصديق ذلك:

٣٠٣٩ - ما رواه سيف بن عميرة عن منصور بن حازم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سمعته يقول: النحر بمنى ثلاثة أيام، فمن أراد الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة الايام، والنحر بالامصار يوم فمن أراد أن يصوم صام من الغد "(٣) .

٣٠٤٠ - وروي " أن الاضحى ثلاثة أيام وأفضلها أولها "(٤) .

___________________________________

(١) روى الكلينى في الحسن كالصحيح عن جميل عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السلام قال: " الاضحى يومان بعد يوم النحر ويوم واحد بالامصار " وقال العلامة المجلسى: هذا الخبر وخبر كليب خلاف المشهور من جواز التضحية بمنى أربعة أيام وفى الامصار ثلاثة أيام وحملهما الشيخ في التهذيب على أيام النحر التى لا يجوز فيه الصوم، والاظهر حملهما على تأكد الاستحباب.

(٢) فيكون معنى قوله " سألته عن النحر " سألته عن حرمة صوم يوم ينحر فيه، و لعل معنى قوله عليه السلام " أما بمنى فثلاثة أيام " أن الثلاثة الايام لا ينفك عن حرمة صومها للحاج وهى العيد والحادى عشر والثانى عشر، وأما الثالث عشر فانما يحرم على من لم ينفر في النفر الاول فقد تنفك عن الحرمة (مراد) وقال سلطان العلماء: فيه بعد ذلك اشكال اذ النحر بالنظر إلى الصوم أيضا أربعة لمن كان بمنى: يوم العيد وثلاثة أيام التشريق فان صوم تلك الاربعة حرام على من كان بمنى اجماعا مع اجتماع اشتراط النسك على قول، ومطلقا على قول آخر، اللهم الا أن يقال: المراد الثلاثة بعد العيد وهو بعيد عن العبارة، ويمكن حمل رواية كليب ومثلها على التقية لموافقتها لقول بعض العامة مثل جابر بن زيد وأحمد ومالك وابن عمر.

(٣) قال في المدارك ص ٤٠٠: يمكن حمل رواية منصور على أن المراد بالصوم ما كان بدلا عن الهدى لما سبق أن الاظهر جواز صوم يوم الحصبة وهو يوم النفر في ذلك، والاجود حمل روايتى محمد بن مسلم وكليب الاسدى على أن الافضل ذبح الاضحية في الامصار يوم النحر وفى منى في يوم النحر وفى اليومين الاولين من أيام التشريق.

(٤) رواه الشيخ ج ١ ص ٥٠٤ من التهذيب في الصحيح عن غياث بن ابراهيم الموثق عن جعفر بن محمد عن أبيه عن على عليهم السلام.

٤٨٧

باب الحج الاكبر والحج الاصغر

٣٠٤١ - روي عن معاوية بن عمار قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن يوم الحج الاكبر، فقال: هو يوم النحر، والاصغر هو العمرة "(١) .

٣٠٤٢ - وفي رواية سليمان بن داود المنقري، عن فضيل بن عياض(٢) ، عن أبي عبدالله عليه السلام في آخر حديث يقول فيه: " إنما سمي الحج الاكبر لانها كانت سنة حج فيها المسلمون والمشركون ولم يحج المشركون بعد تلك السنة ".

باب الاضاحى

٣٠٤٣ - روى سويد القلاء، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: " الاضحية واجبة على من وجد(٣) من صغير أو كبير، وهي سنة ".

٣٠٤٤ - وروي عن العلاء بن الفضيل عن أبي عبدالله عليه السلام " أن رجلا سأله عن الاضحى فقال: هو واجب على كل مسلم إلا من لم يجد، فقال له السائل: فما ترى في العيال؟ قال: إن شئت فعلت وإن شئت فعلت لم تفعل، وأما أنت فلا تدعه "(٤) .

___________________________________

(١) " هو النحر " أى يحج فيه بالطواف والسعى بخلاف العمرة فانها ليس لها يوم معين.

وتقدم تحت رقم ٢١٣٢ معنى الحج الاكبر.

(٢) رواه المصنف في العلل والمعانى عن سليمان عن حفص بن غياث.

وفضيل بن عياض صوفى بصرى وحفص بن غياث عامى له كتاب معتمد كما في فهرست الشيخ والخلاصة.

(٣) أى سنة مؤكدة والاحتياط عدم تركها للواجد.

(٤) يؤيده ما رواه الكلينى ج ٤ ص ٤٨٧ في الحسن كالصحيح عن عبدالله بن سنان عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " سئل عن الاضحى أواجب على من وجد لنفسه وعياله؟ فقال: أما لنفسه فلا يدعه وأما لعياله ان شاء تركه " ويدل ظاهرا على ما ذهب اليه ابن الجنيد من وجوب الاضحية وربما كان مستنده خبر محمد بن مسلم أو هذا الخبر واجيب بمنع كون المراد بالوجوب المعنى المتعارف عند الفقهاء، وقوله " اما أنت فلا تدعه " معارض بقوله في خبر محمد بن مسلم " وهى سنة " فان المتبادر من السنة المستحب.

٤٨٨

٣٠٤٥ - وجاء‌ت أم سلمة - رضي الله عنها - إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت: " يا رسول الله يحضر الاضحى وليس عندي ثمن الاضحية فأستقرض واضحي؟ قال: فاستقرضي فإنه دين مقضي "(١) .

٣٠٤٦ - و " ضحى رسول الله صلى الله عليه وآله بكبشين ذبح واحدا بيده فقال: " اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أهل بيتي " وذبح الآخر، وقال " اللهم هذا عني وعن من لم يضح من امتي "(٢) وكان أمير المؤمين عليه السلام يضحي عن رسول الله صلى الله عليه وآله كل سنة بكبش فيذبحه ويقول: " بسم الله وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين اللهم منك ولك " ثم يقول: " اللهم هذا عن نبيك " ثم يذبحه ويذبح كبشا آخر عن نفسه ".

٣٠٤٧ - وقال علي عليه السلام: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله في الاضاحي ألا نستشرف العين والاذن، ونهانا عن الخرقاء، والشرقاء، والمقابلة، والمدابرة(٣) ".

___________________________________

(١) أى يقضى الله تعالى ألبتة، ورواه المصنف في القوى عن أبى الحسين عليه السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله لام سلمة وقد قالت له: يا رسول الله يحضر الاضحى وليس عندى ما أضحى به فأستقرض الحديث ".

(٢) رواه الكلينى في الكافى ج ٤ ص ٤٩٥ في الحسن كالصحيح عن عبدالله بن سنان مقطوعا هكذا " قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يذبح يوم الاضحى كبشين أحدهما عن نفسه والاخر عمن لم يجد من أمته وكان أميرالمؤمنين عليه السلام يذبح كبشين أحدهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله والاخر عن نفسه ". ويدل على استحباب التذكية عن الغير وان كان حيا.

(٣) رواه الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٥٠٧ مسندا عن شريح بن هانئ، عن على عليه السلام وفى النهاية في الحديث " أمرنا أن نستشرف العين والاذن " أى، نتأمل سلامتهما من آفة يكون بهما، وفى المصباح المنير الخرقاء من الشاة ما كان في أذنها خرق وهو ثقب مستدير، وشرقت الشاة شرقا من باب تعب إذا كانت مشقوقة الاذن باثنتين فهى شرقاء، و المقابلة على صيغة اسم المفعول الشاة التى يقطع من اذنها قطعة ولا تبين وتبقى معلقة من قدم، فان كانت من أخر فهى المدابرة، و " قدم " بضمتين بمعنى المقدم، و " أخر " بضمتين أيضا بمعنى المؤخر.

٤٨٩

٣٠٤٨ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " لا يضحى بعرجاء بين عرجها، ولا بالعوراء بين عورها، ولا بالعجفاء ولا بالجرباء ولا بالجدعاء ولا بالعضباء "(١) وهي المكسورة القرن، والجدعاء المقطوعة الاذن.

٣٠٤٩ - وروي عن داود الرقي قال: " سألني بعض الخوارج عن هذه الآية من كتاب الله تعالى: " ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين - إلى قوله تعالى -: ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين " ما الذي أحل الله عزوجل من ذلك؟ وما الذي حرم فلم يكن عندي فيه شئ فدخلت على أبي عبدالله عليه السلام وأنا حاج فأخبرته بما كان فقال: إن الله تبارك وتعالى أحل في الاضحية بمنى الضأن والمعز الاهلية، وحرم أن يضحى فيه بالجبلية، وأما قوله عزوجل: " ومن الابل اثنين ومن البقر اثنين " فإن الله تبارك وتعالى أحل في الاضحية بمنى الابل العراب وحرم فيها البخاتي(٢)

___________________________________

(١) رواه الكلينى ج ٤ ص ٤٩١ في القوى وكذا الشيخ عن السكونى عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام مع اختلاف نشير اليه.

وعرج في مشيه من باب تعب إذا كان من علة لازمة فهو أعرج والانثى عرجاء، فان كان من غير علة لازمة بل من شئ أصابه حتى غمز في مشيه قيل عرج يعرج من باب قتل فهو عارج كما في المصباح للفيومى، والعور محركة ذهاب احدى العينين، والعجفاء: المهزولة من الغنم وغيرها، والجرباء: ذات الجرب وهوداء معروف يسقط به الشعر والصوف وفى الكافى والتهذيب بعد قوله " الجرباء " " ولا بالخرقاء ولا بالحذاء ولا بالعضباء " والحذاء هى التى قصر عن شعر ذنبها، والظاهر أن قوله " وهى الخ كلام المؤلف، والعضباء أيضا المشقوقة الاذن والقصيرة اليد.

والجدعاء بالجيم و الدال والعين المهملتين وفى المصباح " جدعت الشاة جدعا من باب تعب قطعت اذنها من أصلها فهى جدعاء، ولا خلاف في عدم اجزاء العوراء والعرجاء البين عرجها والمشهور عدم اجزاء المكسور القرن الداخل ولا مقطوع الاذن ولا الخصى وفى المشقوق والمثقوب اختلاف.

(٢) العراب بالكسر الابل العربية، والبخت بالضم الابل الخراسانية و الجمع البخاتى، وفسر عليه السلام الزوجين بالاهلى والوحشى وذكر أن الله تعالى حرم أن يضحى بالجبلية من الضأن والمعر والبقر وأحل الاهلية منها وحرم البخاتى من الابل وأحل العراب وأطلق المفسرون الازواج على الذكر والانثى من كل صنف من الاصناف الثمانية.

٤٩٠

وأحل البقر الاهلية أن يضحى بها، وحرم الجبلية، فانصرفت إلى الرجل وأخبرته بهذا الجواب، فقال: هذا شئ حملته الابل من الحجاز "(١) .

٣٠٥٠ - وروى أبان، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: " الكبش يجزي عن الرجل، وعن أهل بيته يضحي به "(٢) .

٣٠٥١ - وسأل يونس بن يعقوب أبا عبدالله عليه السلام " عن البقرة يضحى بها؟ فقال: تجزي عن سبعة نفر "(٣) .

٣٠٥٢ - وروى وهيب بن حفص(٤) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: البقرة والبدنة تجزيان عن سبعة نفر إذا كان كانوا من أهل بيت أو من غيرهم "(٥) .

___________________________________

(١) رواه الكلينى في الكافى ج ٤ ص ٤٩٢ بسند مجهول.

(٢) يدل على جواز الاكتفاء بكبش عن نفسه وأهل بيته. (م ت)

(٣) رواه الشيخ في الموثق كالصحيح في التهذيب ج ١ ص ٥٠٦ رواه المصنف في الخصال ص ٣٥٦ طبع مكتبة الصدوق.

(٤) سقط هنا " عن أبى بصير " كما هو موجود في الخصال ص ٣٥٦ والعلل ج ٢ ب ١٨٤ والتهذيب ج ١ ص ٥٠٦، ووهيب يروى كثيرا عن أبى بصير عنه عليه السلام ولم يعهد روايته عنه بلا واسطة والتعبير بروى وان صح أن يكون مع الواسطة لكن مراد المصنف غير هذا كما هو دأبة.

(٥) هذا الخبر والسابق يدلان على الاجتزاء بالبقرة عن سبعة، سواء كانوا من أهل بيت واحد أو لم يكونوا وقد حمل على الضرورة لما روى الكلينى في الصحيح ج ٤ ص ٤٩٦ عن عبدالرحمن بن الحجاج قال: " سألت أبا ابراهيم عليه السلام عن قوم غلت عليهم الاضاحى وهم متمتعون وهم مترافقون وليسوا بأهل بيت واحد، وقد اجتمعوا في مسيرهم، ومضربهم واحد، ألهم أن يذبحوا بقرة؟ فقال: لا أحب ذلك الا من ضرورة " وظاهره كراهة الاكتفاء بالواحد في غير الضرورة، وقال العلامة المجلسى: اختلف الاصحاب فيه فقال الشيخ في موضع من الخلاف: الهدى الواجب لا يجزى الا واحد عن واحد.

وعليه الاكثر، وقال في النهاية والمبسوط وموضع من الخلاف يجزى الواحد عند الضرورة عن خمسة وعن سبعة وعن سبعين، وقال المفيد: تجزى البقرة عن خمسة إذا كانوا أهل بيت ونحوه قال ابن بابوية، وقال سلار: تجزى البقرة عن خمسة وأطلق، والمسألة محل اشكال وان كان القول باجزاء البقرة عن خمسة غير بعيد كما قواه بعض المحققين، ويمكن حمل هذا الخبر على المستحب بعد ذبح الهدى الواجب وان كان بعيدا.

٤٩١

وروي أن الجزور يجزي عن عشرة نفر متفرقين وإذا عزت الاضاحي أجزأت شاة عن سبعين(١) .

ولا يجوز في الاضاحي من البدن إلا الثني وهو الذي تم له خمس سنين ودخل في السادسة، ويجزي من المعز والبقر الثني وهو الذي تم له سنة ودخل في الثانية، ويجزي من الضأن الجذع لنسة(٢) .

___________________________________

(١) روى الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٥٠٦ في القوى عن السكونى عن أبى عبدالله، عن أبيه، عن على عليهم السلام قال: " البقرة الجدعة تجزى عن ثلاثة من أهل بيت واحد و المسنة تجزى عن سبعة نفر متفرقين، والجزور تجزى عن عشرة متفرقين " وفى الموثق كالصحيح عن سوادة القطان وعلى بن أسباط عن أبى الحسن الرضا عليه السلام قالا: " قلنا له جعلنا فداك عزت الاضاحى علينا بمكة أفيجزى اثنين أن يشتركا في شاة؟ فقال: نعم وعن سبعين ".

(٢) هذا الكلام بلفظه في الشرايع وأفتى به وقال السيد رحمه الله في المدارك: مذهب الاصحاب أنه لا يجزى في الهدى من غير الضأن الا الثنى، أما الضأن فلا يجزى الا الجذع ووافقنا على ذلك أكثر العامة، وقال بعضهم: لا يجزى الا الثنى من كل شئ، وقال آخرون يجزى الجذع من الكل الا المعز والمستند فيما ذكره الاصحاب ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان قال: " سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: يجزى من الضأن الجذع ولا يجزى من المعز الا الثنى " وفى الصحيح عن عيص بن القاسم عن أبى عبدالله عليه السلام رفعه عن على عليه السلام أنه كان يقول: " الثنية من الابل والثنية من البقر والثنية من المعز والجذع من الضأن ".

وفى الصحيح عن حماد بن عثمان قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن أدنى ما يجزى من أسنان الغنم في الهدى، فقال: الجذع من الضأن، قلت: فالمعز؟ قال: لا يجوز الجذع من المعز، قلت: ولم؟ قال: لان الجذع من الضأن يلقح والجذع من المعز لا يلقح ".

٤٩٢

٣٠٥٣ - وسئل الصادق عليه السلام " عن قول الله عزوجل: " فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر " قال: القانع هو الذي يقنع بما تعطيه، والمعتر الذي يعتريك "(١) .

٣٠٥٤ - و " كان علي بن الحسين وأبوجعفر عليهما السلام يتصدقان بثلث على جيرانهم وبثلث على السؤال، وبثلث يمسكانه لاهل البيت "(٢) .

٣٠٥٥ - و " كره أبوعبدالله عليه السلام أن يطعم المشرك من لحوم الاضاحي "(٣) .

٣٠٥٦ - وقال الصادق عليه السلام: " كنا ننهى الناس عن إخراج لحوم الاضاحي من منى بعد ثلاث لقلة اللحم وكثرة الناس، فأما اليوم فقد كثر اللحم وقل الناس فلا بأس باخراجه "(٤) .

___________________________________

(١) رواه الكلينى ج ٤ ص ٥٠٠ والشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار وزادا بعد قوله " يعتريك" " والسائل: الذى يسألك في يديه. والبائس هو الفقير ". والاعتراء طلب المعروف.

وفى الصحاح المعتر: الذى يتعرض للمسألة ولا يسأل، وفى المصباح: المتعرض للسؤال من غير طلب.

(٢) روى الكلينى في الكافى ج ٤ ص ٤٩٩ في القوى كالصحيح عن أبى الصباح الكنانى قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن لحوم الاضاحى، فقال: كان على بن الحسين وأبوجعفر عليهما السلام يتصدقان الحديث " والسؤال ككفار جمع سائل.

(٣) روى الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٥٨٥ في الصحيح عن أبى عبدالله عليه السلام أنه كره أن يطعم الحديث " قيل: الاولى اعتبار الايمان في المستحق حملا على الزكاة وان كان في تعينه نظر، وروى الشيخ في الصحيح عن صفوان عن هارون بن خارجة عن أبى عبدالله عليه السلام " أن على بن الحسين عليهما السلام كان يطعم من ذبيحته الحرورية، قلت: وهو يعلم أنهم حرورية؟ قال: نعم " وحمل على التقية أو على التضحية المستحبة لكن الحمل على التقية بعيد وأما الحمل على المستحبة فلا ضرورة له وان القضايا الشخصية تقصر عن معارضة النصوص، ويمكن أن يكون فعله عليه السلام لبيان الجواز أو لتأليف قلوبهم.

(٤) رواه الكلينى ج ٤ ص ٥٠٠ في الحسن كالصحيح بلفظ آخر.

٤٩٣

ولا بأس باخراج الجلد والسنام من الحرم، ولا يجوز إخراج اللحم منه(١) .

٣٠٧٥ - وسئل الصادق عليه السلام " عن فداء الصيد يأكل صاحبه من لحمه؟ فقال: يأكل من أضحيته ويتصدق بالفداء "(٢)

٣٠٥٨ - وقال الصادق عليه السلام: " لا يضحى ألا بما يشترى في العشر "(٣) . والخصي لا يجزي في الاضحية(٤)

___________________________________

(١) روى الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٥١١ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: " سألته عن اللحم أيخرج به من الحرم، فقال: لا يخرج منه بشئ الا السنام بعد ثلاثة أيام " وفى الموثق عن اسحاق بن عمار عن أبى ابراهيم عليه السلام قال: " سألته عن الهدى أيخرج شئ منه عن الحرم؟ فقال: الجلد والسنام والشئ ينتفع به، قلت: انه بلغنا عن أبيك أنه قال: لا يخرج من الهدى المضمون شيئا، قال، بل يخرج بالشئ ينتفع به، وزاد فيه في رواية أحمد بن محمد: ولا يخرج بشئ من اللحم من الحرم ".

(٢) رواه الكلينى ج ٤ ص ٥٠٠ في الحسن كالصحيح عن الحلبى عنه عليه السلام.

(٣) لم أجده مسندا ولعل ذلك لاجل أن لا يصير مربى لما رواه الكلينى ج ٤ ص ٥٤٤ في القوى عن محمد بن الفضيل عن أبى الحسن عليه السلام قال: " قلت: جعلت فداك كان عندى كبش سمين لاضحى به فلما أخذته وأضجعته نظر إلى فرحمته ورققت عليه ثم انى ذبحته قال: فقال لى: ما كنت أحب لك أن تفعل، لاتربين شيئا من هذا ثم تذبحه " فيدل على كراهة التضحية بما رباه الانسان كما ذكره الاصحاب.

(٤) روى الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٥٠٥ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنه " سئل عن الاضحية، فقال: أقرن فحل إلى أن قال: وسألته أيضحى بالخصى؟ فقال: لا " وفى آخر عنه قال: " سألته عليه السلام عن الاضحية بالخصى، فقال لا ".

وفى الصحيح عن عبدالرحمن بن الحجاج قال: " سألت أبا ابراهيم عليه السلام عن الرجل يشترى الهدى فلما ذبحه إذا هو خصى مجبوب ولم يكن يعلم أن الخصى لا يجزى في الهدى هل يجزيه أم يعيده؟ قال: لا بجريه الا أن يكون لا قوة به عليه ".

وفى الصحيح عنه قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الرجل يشترى الكبش فيجده خصيا مجبوبا؟ قال: ان كان صاحبه موسرا فليشتر مكانه ".

٤٩٤

وذبح رسول الله صلى الله عليه وآله عن نسائه البقر(١) .

وإذا اشترى الرجل اضحية فماتت قبل أن يذبحها فقد أجزأت عنه(٢) .

وإن اشترى الرجل أضحية فسرقت فإن اشترى مكانها فهو أفضل، فإن لم يشتر فليس عليه شئ(٣) .

ويجوز أن ينتفع بجلدها أو يشترى به متاع أو يدبغ فيجعل منه جراب أو مصلى، وأن تصدق به فهو أفضل(٤) .

___________________________________

(١) روى الكلينى ج ٤ ص ٤٩١ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال: قال أبوه عبدالله عليه السلام: " إذا رميت الجمرة فاشتر هديك ان كان من البدن أو من البقر والا فاجعل كبشا سمينا فحلا فان لم تجد فموجوء من الضأن، فان لم تجد فتيسا فحلا، فان لم تجد مما استيسر عليك، وعظم شعائر الله عزوجل، فان رسول الله صلى الله عليه وآله ذبح عن أمهات المؤمنين بقرة بقرة ونحر بدنة ".

(٢) روى الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٥٠٨ باسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى في كتابه عن غير واحد من أصحابنا عن أبى عبدالله عليه السلام " في رجل اشترى شاة فسرقت منه أو هلكت؟ فقال: ان كان أوثقها في رحله فضاعت فقد أجزأت عنه ".

(٣) روى الكلينى في الكافى ج ٤ ص ٤٩٣ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل اشترى اضحية فماتت أو سرقت قبل أن يذبحها، فقال: لا بأس وان أبدلها فهو أفضل وان لم يشتر فليس عليه شئ " وفى المقنعة (ص ٧١) قال.

" سئل عليه السلام عن رجل اشترى اضحية فسرقت منه، فقال: ان اشترى مكانها فهو أفضل، وان لم يشتر مكانها فلا شئ عليه ".

(٤) في الكافى ج ٤ ص ٥٠١ وفى رواية معاوية بن عمار عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " يننفع بجلد الاضحية ويشترى به المتاع وان تصدق به فهو أفضل الخ " وروى الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٥١١ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الارهاب؟ فقال: تصدق به أو تجعله مصلى تنتفع به في البيت ولا تعطه الجزارين وقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يعطى جلالها وقلائدها الجزارين، وأمره أن يتصدق بها ".

وروى في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: " سألته عن جلود الاضاحى هل يصلح لمن يضحى أن يجعلها جرابا؟ قال: لا يصلح أن يجعلها جرابا الا أن يتصدق بثمنها " وفى قرب الاسناد ص ١٠٦ مثله.

٤٩٥

وإذا نسي الرجل أن يذبح بمنى حتى زار البيت فاشترى بمكة ثم نحرها فلا بأس قد أجزأ عنه(١) .

٣٠٥٩ - وسأل علي بن جعفر أخاه موسى بن جعفر عليهما السلام " عن الرجل يشتري الضحية عوراء فلا يعلم إلا بعد شرائها هل تجزي عنه؟ قال: نعم إلا أن يكون هديا فإنه لا يجوز [أن يكون] ناقصا "(٢) .

٣٠٦٠ - وسئل أبوجعفر عليه السلام " عن هرمة قد سقطت ثناياها هل تجزي في الاضحية؟ فقال: لا بأس أن يضحى بها "(٣) .

٣٠٦١ - وقال علي عليه السلام: " لا يضحى عمن في البطن "(٤) .

٣٠٦٢ - وروى جميل(٥) عن أبي عبدالله عليه السلام " في الاضحية يكسر قرنها، قال: إذا كان القرن الداخل صحيحا فهي تجزي ".

وسمعت شيخنا محمد بن الحسن - رضي الله عنه - يقول: سمعت محمد بن الحسن الصفار - رضي الله عنه - يقول: إذا ذهب من القرن الداخل ثلثاه وبقي ثلثه فلا بأس

___________________________________

(١) روى الكلينى ج ٤ ص ٥٠٥ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبى عبدالله عليه السلام " في رجل نسى أن يذبح بمنى حتى زار البيت إلى آخر الكلام بلفظه ".

(٢) يدل على عدم اجزاء المعيوب بالعيب الظاهر في الهدى بخلاف الهزال فانه قد يخفى كما سيجيئ، وفى حسنة معاوية بن عمار المروية في الكافى ج ٤ ص ٤٩٠ عن أبى عبدالله عليه السلام " في رجل يشترى هديا وكان به عيب عور أو غيره فقال: ان كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه، وان لم يكن نقد ثمنه رده واشترى غيره الخ ".

(٣) روى نحوه الكلينى في الصحيح عن عيض بن القاسم عن أبى عبدالله عليه السلام بزيادة راجع ج ٤ ص ٤٩٢.

(٤) يدل بمفهومه على استحباب التضحية عمن ولد حيا ويدل عليه العمومات. (م ت)

(٥) الطريق اليه صحيح ورواه الكلينى في الحسن كالصحيح كالشيخ على الظاهر.

٤٩٦

بأن يضحى به(١) .

٣٠٦٣ - وروي عن عبدالله بن عمر(٢) قال: " كنا بمكة فأصابنا غلاء في الاضاحي فاشترينا بدينار ثم بدينارين، ثم بلغت سبعة، ثم لم نجد بقليل ولا كثير، فوقع هشام المكاري إلى أبي الحسن عليه السلام بذلك، فوقع إليه انظروا الثمن الاول والثاني والثالث فاجمعوه ثم تصدقوا بمثل ثلثه "(٣) .

٣٠٦٤ - وقال أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: " لا يضحى بشئ من الدواجن "(٤) .

٣٠٦٥ - وسأل علي بن جعفر أخاه موسى بن جعفر عليهما السلام " عن الاضحية يخطئ الذي يذبها فيسمي غير صاحبها أتجزي عن صاحب الاضحية؟ قال: نعم إنما له ما نوى "(٥) .

وذبح رسول الله صلى الله عليه وآله كبشا أقرن، ينظر في سواد، ويمشي في سواد(٦) .

___________________________________

(١) قال في الدروس على المحكى: ولا يجزى مكسور القرن الداخل وان بقى ثلثه خلافا للصفار انتهى.

وقال المولى المجلسى: الظاهر أنه وصل إلى الصفار خبر بذلك ولهذا اعتمد الصدوقان عليه.

(٢) عبدالله بن عمر مجهول.

(٣) في الكافى والتهذيب مثله، وعليه عمل الاصحاب، وروى أنه يخلف ثمنه عند من يشترى له ويذبح عنه طول ذى الحجة وسيجئ.

(٤) الدواجن هى الشاة التى يعلفها الناس ى بيوتهم، وكذلك الناقة والحمامة و أشباههما، والظاهر أن المراد هنا النعم المرباة، وحمل على الكراهة.

(٥) يدل على أن المعتبر النية لا اللفظ ويمكن الاستدلال به على لزوم النية في العبادات مطلقا وان كان المورد خاصا. (م ت)

(٦) روى الشيخ في الصحيح ج ١ ص ٥٠٥ من التهذيب عن عبدالله بن سنان عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله يضحى بكبش أقرن فحل ينظر في سواد، ويمشى في سواد " وقال في المنتقى: لم أقف فيما يحضرنى من كتب اللغة على تفسير لما في الحديث.

نعم ذكر العلامة في المنتهى أن الاقرن معروف وهو ماله قرنان، وقوله " ينظر في سواد الخ " اختلف في تفسيره قال ابن الاثير في النهاية: في الحديث " انه ضحى بكبش يطأفى سواد، وينظر في سواد، ويبرك في سواد " أى أسود القوائم والمرابض والمحاجز انتهى، والمراد بالمحاجز الاوساط فان الحجزة معقد الازار وهذا المعنى اختيار ابن ادريس، وقيل: السواد كناية عن المرعى والنبت فانه يطلق عليه ذلك لغة والمعنى حيئنذ كان يرعى وينظر ويبرك في خضرة، وقيل: كونه من عظمه شحمه ينظر في شحمه ويمشى في فيئه ويبرك في ظل شحمه.

٤٩٧

٣٠٦٦ - وقال علي عليه السلام: " إذا اشترى الرجل البدنة عجفاء فلا تجزي عنه وإن اشتراها سمينة فوجدها عجفاء أجزأت عنه، وفي هدي المتمتع مثل ذلك "(١) .

٣٠٦٧ - وسأل محمد الحلبي أبا عبدالله عليه السلام " عن النفر تجزيهم البقرة؟ فقال: أما في الهدي فلا، وأما في الاضحى فنعم، ويجزي الهدي عن الاضحية "(٢) .

٣٠٦٨ - وروى البزنطي، عن عبدالكريم بن عمرو، عن سعيد بن يسار قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عمن اشترى شاة ولم يعرف بها، فقال: لا بأس عرف بها

___________________________________

(١) في الاشعثيات ص ٧٣ مسندا عن أبى عبدالله عليه السلام عن أبيه عن على عليهما السلام قال: " من اشترى بدنة وهو يراها حسنة فوجدها عجفاء أجزأت عنه ومن اشتراها سمينة فوجدها عجفاء لم يجز عنه " وهو كما ترى، وروى الكلينى في الحسن كالصحيح عن الحلبى عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " إذا اشترى الرجل البدنة مهزولة فوجدها سمينة فقد أجزأت عنه وان اشتراها مهزولة فوجدها مهزولة فانها لا تجزى عنه " وقال العلامة المجلسى: تفصيل القول فيه أنه لو اشتراها مهزولة فبانت كذلك فلا يجزى ولو بانت سمينة قبل الذبح فلا ريب في الاجزاء، ولو بانت سمينة بعد الذبح فذهب الاكثر إلى الاجزاء، وقال ابن أبى عقيل: ولم اشتراها على أنها سمينة فبانت مهزولة بعد الذبح فهو مجز، ولو بانت مهزولة قبله، فقيل بالاجزاء والمشهور عدمه ولعل الخبر باطلاقه يشمله.

(٢) في الشرايع " يجزى الهدى عن الاضحية، والجمع بينها أفضل " وفى التهذيب ج ١ ص ٥١٤ " والهدى يجزى عن الفرض وعن الاضحية على طريق التطوع روى ذلك محمد بن أحمد بن يحيى عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبى عمير، عن العلاء، عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السلام قال: " يجزيه في الاضحية هديه " وفى نسخة " يجزيك من الاضحية هديك ".

٤٩٨

أو لم يعرف بها "(١) .

باب الهدى يعطب أو يهلك قبل أن يبلغ محله وما جاء في الاكل منه

٣٠٦٩ - روى معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام " في رجل ساق بدنة فنتجت قال: ينحرها وينحر ولدها، وإن كان الهدي مضمونا(٢) فهلك اشترى مكانها ومكان ولدها ".

٣٠٧٠ - وروى منصور بن حازم(٣) عن أبي عبدالله عليه السلام " في الرجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره، فقال: إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه

___________________________________

(١) قال في المقنعة " لا يجوز أن يضحى الا بما قد عرف به، وهو الذى أحضر عشية عرفة بعرفة " وقال الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٥٠٤: روى ذلك الحسين بن سعيد عن حماد ابن عيسى، عن شعيب، عن أبى بصير عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " لا يضحى الا بما قد عرف به " ثم روى نحوه عن البزنطى وقال: لا ينافى هذا ما رواه عبدالله بن مسكان عن سعيد بن يسار وذكر خبر المتن وقال: هذا الخبر محمول على أنه إذا لم يعرف بها المشترى وذكر البايع أنه قد عرف بها فانها يصدقه في ذلك ويجزى عنه والذى يدل على ذلك ما رواه الحسين بن سعيد عن صفوان عن سعيد بن يسار قال: قلت لابى عبدالله عليه السلام: " انا نشترى الغنم بمنى ولسنا ندرى عرف بها أم لا، فقال.

انهم لا يكذبون، لا عليك ضح بها " قال في المدارك قوله " لا يجوز أن يضحى الا بما قد عرف " المشهور أن ذلك على الاستحباب بل قال التذكرة: ويستحب أن يكون مما عرف به وهو الذى أحضر عرفة عشية عرفة اجماعا " وقال المفيد في المقنعة " لا يجوز أن يضحى الخ " وظاهره أن ذلك على الوجوب، لكن قال في المنتهى " ان الظاهر أنه أراد تأكد الاستحباب.

ويكفى في ثبوت التعريف اخبار البايع بذلك لصحيحة سعيد بن يسار.

(٢) كاكفارات والنذور.

(٣) الطريق اليه فيه محمد بن على ماجيلويه ولم يوثق صريحا ورواه الكلينى ج ٤ ص ٤٩٥ في الحسن كالصحيح والشيخ في الصحيح.

٤٩٩

الذي ضل عنه(١) ، وإن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه ".

٣٠٧١ - وروى عبدالرحمن بن الحجاج عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا عرف بالهدي ضل بعد ذلك فقد أجزأ"(٢) .

٣٠٧٢ - وروي عن حفص بن البختري(٣) قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " رجل ساق الهدي فعطب(٤) في موضع لا يقدر على من يتصدق به عليه، ولا يعلم أنه هدي، فقال: ينحره ويكتب كتابا يضعه عليه ليعلم من مر به أنه صدقة "(٥) .

٣٠٧٣ - وروى القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة(٦) قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل ساق بدنة فانكسرت قبل أن تبلغ محلها أو عرض لها موت أو هلاك، قال: يذكيها إن قدر على ذلك ويلطخ نعلها التي قلدت بها حتى يعلم من مر

___________________________________

(١) حمل على ما إذا ذبحه عن صاحبه فلو ذبحه عن نفسه لا يجزى عن أحدهما كما صرح به الشيخ وجمع من الاصحاب ودلت عليه مرسلة جميل المروية في الكافى ج ٤ ص ٤٩٥ عن أحدهما عليهما السلام " في رجل اشترى هديا فنحره فمر به رجل فعرفه فقال: هذه بدنتى ضلت منى بالامس وشهد له رجلان بذلك، فقال: له لحمها ولا يجزى عن واحد منهما الحديث " واطلاق النص وكلام الاصحاب يقتضى عدم الفرق بين أن يكون الهدى متبرعا أو واجبا بنذر أو كفارة أو للتمتع، وفى الدروس لو ضل هدى التمتع فذبح عن صاحبه قيل: لا يجزى لعدم تعينه وكذا لو عطب سواء كان في الحل أو الحرم، بلغ محله أم لا، والاصح الاجزاء لرواية سماعة " إذا تلفت شاة المتعة أو سرقت أجزأت ما لم يفرط " وفى رواية ابن حازم " لو ضل وذبحه غيره أجزأ ".

(٢) يدل على أن حضور الهدى بعرفات كاف في الاجزاء وحمل على المستحب (م ت) أو على هدى القران. والطريق إلى عبدالرحمن صحيح في الخلاصة، وفيه أحمد بن محمد ابن يحيى العطار ولم يوثق صريحا.

(٣) الطريق اليه صحيح وهو ثقة كما في الخلاصة.

(٤) أى صار بحيث لا يقدر على المشى. (مراد)

(٥) فيه دلالة على جواز العمل بالكتابة، وقال المولى المجلسى: يدل على جواز الاكتفاء بالظن في حلية اللحم المطروح.

(٦) هما واقفيان والثانى ضعيف، ورواه المصنف في العلل بسند صحيح.

٥٠٠

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640