من لا يحضره الفقيه الجزء ٢

من لا يحضره الفقيه9%

من لا يحضره الفقيه مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 640

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 640 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 267481 / تحميل: 8503
الحجم الحجم الحجم
من لا يحضره الفقيه

من لا يحضره الفقيه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

امر بالامساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض.

وأما صوم الاباحة(١) فمن أكل أو شرب ناسيا أو تقيأ من غير تعمد فقد أباح الله عزوجل ذلك له وأجزأ عنه صومه.

وأما صوم السفر والمرض فإن العامة اختلفت فيه فقال قوم: يصوم وقال قوم: لا يصوم وقال قوم: إن شاء صام وان شاء أفطر، فأما نحن فنقول: يفطر في الحالتين جميعا فإن صام في السفر أو في حال المرض فعليه القضاء في ذلك لان الله عزوجل يقول: " فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام اخر "(٢) .

باب صوم السنة

١٧٨٥ - روى الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن محمد بن مروان قال: " سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصوم حتى يقال: لا يفطر، ويفطر حتى يقال: لا يصوم، ثم صام يوما وأفطر يوما، ثم صام الاثنين والخميس، ثم آل من ذلك إلى صيام ثلاثة أيام في الشهر: الخميس في أول الشهر، وأربعاء في وسط الشهر، وخميس في آخر الشهر، وكان صلى الله عليه وآله يقول: ذلك صوم الدهر وقد كان أبي عليه السلام يقول: ما من أحد أبغض إلى الله عزوجل من رجل يقال له: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يفعل كذا وكذا فيقول: لا يعذبني الله عزوجل على أن أجتهد في الصلاة والصوم(٣) كأنه يرى أن رسول الله صلى الله عليه وآله ترك شيئا من الفضل عجزا عنه ".

___________________________________

(١) أى صوم وقع فيه مفطر على وجه لم يفسد صومه وهو صوم قد أبيح له فيه شئ.

(٢) سند الخبر عامى ولا اعتماد على ما تفردوا به ومروى هنا وفى الكافى عن القاسم بن محمد الجوهرى، عن سليمان بن داود، عن سفيان بن عيينة عن الزهرى ورواه التهذيب عن الكلينى.

(٣) لعله محمول على ما إذا زاد بقصد السنة بأن أدخلها في السنة أو على قصد الزيادة على عمل رسول الله صلى الله عليه وآله واستقلال عمله لئلا ينافى ما ورد من الفضل في سائر أنواع الصيام والصلاة. (المرآة)

٨١

١٧٨٦ - وفي رواية حماد بن عثمان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " صام رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قيل: ما يفطر، ثم أفطر حتى قيل: ما يصوم ثم صام صوم داود عليه السلام يوما ويوما(١) ، ثم قبض عليه السلام على صيام ثلاثة أيام في الشهر، وقال: يعدلن صوم الدهر(٢) ويذهبن بوحر الصدر (وقال حماد: الوحر الوسوسة)(٣) فقال حماد: فقلت: وأي الايام هي؟ قال: أول خميس في الشهر وأول أربعاء بعد العشر منه وآخر خميس فيه، فقلت: وكيف صارت هذه الايام التي تصام؟ فقال لان من قبلنا من الامم كانوا إذا نزل على أحدهم العذاب نزل في هذه الايام فصام رسول الله صلى الله عليه وآله هذه الايام لانها الايام المخوفة ".

١٧٨٧ - وروى الفضيبل بن يسار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا صام أحدكم الثلاثة الايام من الشهر فلا يجادلن أحدا ولا يجهل(٤) ولا يسرع إلى الحلف و الايمان بالله، فإن جهل عليه أحد فليحتمل ".(٥)

١٧٨٨ - وروى عبدالله بن المغيرة، عن حبيب الخثعمي فال: " قلت لابي عبدالله عليه السلام أخبرني عن التطوع، وعن هذه الثلاثة الايام إذا أجنبت من أول الليل فأعلم أني قد أجنبت فأنام متعمدا حتى ينفجر الفجر أصوم أولا أصوم؟ قال: صم ".(٦)

___________________________________

(١) أى يوم يصوم ويوما لا يصوم كما في أخبار في الكافى وغيره ففيها " يوما و يوما لا " ولعل " لا " سقط من النساخ.

(٢) حيث ان كل يوم يحسب بعشرة أيام كما يستفاد من قوله عزوجل " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ".(مراد)

(٣) في النهاية: الوحر بالتحريك: وسواس الصدر وغشه وقيل: العداوة، و قيل: أشد الغضب، وقيل: الغيظ.

(٤) " لا يجهل " أى لا يعمل عمل الجهال من الفحش والكذب والمعاصى.

(٥) لعل المراد منه أنه ان شتمه أحد بطريق الجهالة وآذاه فلا يتعرض لجوابه.وفى الكافى " فليتحمل ".

(٦) يدل على عدم اشتراط ادراك الصبح طاهرا في الصوم النافلة وربما يخص بالنوم.

٨٢

١٧٨٩ - وقال أمير المؤمنين عليه السلام: " صيام شهر الصبر(١) وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن ببلابل الصدر، وصيام ثلاثة أيام في كل شهر صيام الدهر، إن الله عزوجل يقول: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ".

١٧٩٠ - وفي رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله سئل عن صوم خميسين بينهما أربعاء، فقال: أما الخميس فيوم تعرض فيه الاعمال، وأما الاربعاء فيوم خلقت فيه النار، وأما الصوم فجنة ".(٢)

١٧٩١ - وفي رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إنما يصام في يوم الاربعاء لانه لم تعذب امة فيما مضى إلا يوم الاربعاء وسط الشهر، فيستحب أن يصام ذلك اليوم ".(٣)

١٧٩٢ - وفي رواية عبدالله بن سنان قال: قال لي أبوعبدالله عليه السلام: " إذا كان في أول الشهر خميسان فصم أولهما فإنه أفضل وإذا كان في آخر الشهر خميسان فصم آخرهما فإنه أفضل ".

١٧٩٣ - وسأل عيص بن القاسم(٤) أبا عبدالله عليه السلام " عمن لم يصم الثلاثة من كل شهر وهو يشتد عليه الصيام هل فيه فداء؟ فقال: مد من طعام في كل يوم ".(٥)

___________________________________

(١) أى شهر رمضان. والبلابل: الوساوس، ففى النهاية بلبة الصدر: وساوسه.

(٢) سئل صلى الله عليه وآله عن علة تخصيص اليومين من بين أيام الاسابيع فأجاب بان أحدهما يوم عرض الاعمال فناسب أن يقع فيه الصوم ليصادف العرض العبادة، والاخر يوم خلق فيه النار فناسب أن يقع فيه الصوم الذى هو جنة من النار. (الوافى)

(٣) لا يخفى أن المستفاد من حصر العذاب للامم السابقة في الاربعاء ينافى بظاهره ما تدل عليه رواية حماد السابقة من أن نزول العذاب عليهم في الايام الثلاثة، ويمكن الجمع بان قوله عليه السلام " وسط الشهر " متعلق بقوله " لم يعذب " لا بيوم الاربعاء فالمعنى أنه لم يعذب امة وسط الشهر أو في العشر الوسط الا في يوم الاربعاء، فلا ينافى كون العذاب في غير العشر الاوسط في يوم الخميس كما ورد في رواية حماد.(سلطان)

(٤) هو ثقة والطريق اليه صحيح كما في الخلاصة.

(٥) يدل على استحباب الفداء بدلا.

٨٣

١٧٩٤ - وروى ابن مسكان عن إبراهيم بن المثنى(١) قال: " قلت لابي عبدالله عليه السلام: إني قد اشتد علي صوم ثلاثة أيام في كل شهر فما يجزي عني أن أتصدق مكان كل يوم بدرهم؟ فقال: صدقة درهم أفضل من صيام يوم "(٢) .

١٧٩٥ - وروى الحسن بن محبوب، عن الحسن بن أبي حمزة قال: قلت لابي جعفر أو لابي عبدالله عليهما السلام: " صوم ثلاثة أيام في الشهر أؤخره في الصيف إلى الشتاء فإني أجده أهون علي، فقال: نعم فاحفظها "(٣) .

١٧٩٦ - وروى ابن بكير، عن زرارة قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " بم جرت السنة من الصوم؟ فقال: ثلاثة أيام من كل شهر: الخميس في العشر الاول، والاربعاء في العشر الاوسط، والخميس في العشر الآخر، قال: قلت: هذا جميع ما جرت به السنة في الصوم(٤) ؟ فقال: نعم ".

١٧٩٧ - وروى داود الرقي عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " لافطارك في منزل أخيك أفضل من صيامك سبعين ضعفا أو تسعين ضعفا ".(٥)

١٧٩٨ - وروى جميل بن دراج عنه عليه السلام أنه قال: " من دخل على أخيه و

___________________________________

(١) ابراهيم بن المثنى مجهول الحال ولا يضر بصحة السند لان الطريق إلى عبدالله بن مسكان صحيح وهو من أصحاب الاجماع.

(٢) الخبر كسابقه يدل على استحباب الفداء وقوله " فما يجزى عنى " أى أفما يجزى عنى أن أتصدق الخ " وكأن حرف الاستفهام محذوف.

(٣) ذهب الاصحاب إلى استحباب قضاء صوم الثلاثة الايام في الشتاء لما فات منه في الصيف بسب المشقة بل قيل باستحباب قضائها مطلقا (المرآة) وقوله: " فاحفظها " أى لا تتركها مطلقا بل ان تركتها في الصيف فاقضها في الشتاء.(سلطان)

(٤) أى ما استقرت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وآله.

(٥) الترديد من الراوى والظاهر أن المراد بالضعف ضعف ثواب الصوم (مراد) واريد بالافطار هنا نقض الصيام.

واحتمل بعض الافاضل ارادة الافطار بعد الغروب على وجه يصح معه الصوم لا في أثناء النهار، وهو غريب.

٨٤

هو صائم فأفطر عنده(١) ولم يعلمه بصومه فيمن عليه، كتب الله له صوم سنة "(٢) .

قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: هذا في السنة والتطوع جميعا(٣) .

وقال أبي رضي الله عنه - في رسالته إلي إذا أردت سفرا وأردت أن تقدم من صوم السنة شيئا فصم ثلاثة أيام للشهر الذي تريد الخروج فيه "(٤) .

١٧٩٩ - وروي أنه سئل العالم عليه السلام " عن خميسين يتفقان في آخر العشر فقال: صم الاول فلعلك لا تلحق الثاني(٥) .

باب صوم التطوع وثوابه من الايام المتفرقة

١٨٠٠ - سأل محمد بن مسلم، وزرارة بن أعين أبا جعفر الباقر عليه السلام " عن صوم يوم عاشورا، فقال: كان صومه قبل شهر رمضان فلما نزل شهر رمضان ترك "(٦) .

___________________________________

(١) الظاهر أن الضمير المستتر راجع إلى الداخل والبارز راجع إلى المضيف والمراد كما يتبادر إلى الذهن الافطار في اثناء النهار لان المنة انما يكون في الافطار ونقض الصوم قبل الصوم.

(٢) ينافى بظاهره عدد السبعين أو التسعين كما في الرواية السابقة والظاهر أن المراد في أمثال هذه العبارات ليس خصوص العدد والقدر بل المراد المبالغة في الكثرة. (سلطان)

(٣) غرضه رحمه الله من السنة ما واظب عليه رسول الله صلى الله عليه وآله كالثلاثة من الشهر، ومن التطوع صيام سائر الايام المستحبة التى ليست بتلك المنزلة. وهذا مبنى على أن الافطار في اثناء النهار كما هو الظاهر.

(٤) بناء على كراهة الصوم المستحب في السفر.

(٥) ينافى بظاهره ما ذكره سابقا من أفضلية الخميس الاخر، ويمكن الجمع بحمل ذلك على من ظن بقاء السلامة إلى الاخر وهذا على خلاف ذلك (سلطان) وقوله " في آخر العشر " أى العشر الاخر، وفى بعض النسخ " في آخر الشهر".

(٦) قال استادنا الشعرانى مد ظله في هامش الوافى: اعلم أن يوم عاشورا كان يوم صوم اليهود ولا يزالون يصومون إلى الآن وهو الصوم الكبير ووقته اليوم العاشر من الشهر الاول من السنة، ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة كان أول سنة اليهود مطابقا لاول المحرم وكذلك كان بعده إلى أن حرم النسئ وترك في الاسلام وبقى عليه اليهود إلى زماننا هذا فتخلف أول سنة المسلمين عن أول سنتهم وافترق يوم عاشورا عن يوم صومهم وذلك لانهم ينسئون إلى زماننا فيجعلون في كل ثلاث سنين سنة واحدة ثلاثة عشر شهرا كما كان يفعله العرب في الجاهلية فصام رسول الله صلى الله عليه وآله والمسلمون يوم عاشورا كما كان يصومون وقال: نحن أولى بموسى منهم إلى أن نسخ وجوب صومه بصوم رمضان وبقى الجواز انتهى. =

٨٥

١٨٠١ - وقال علي عليه السلام: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صام يوما تطوعا أدخله الله عزوجل الجنة ".

١٨٠٢ - وروى جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: " من ختم له بصيام يوم الجنة "(١) .

١٨٠٣ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من صام يوما في سبيل الله كان يعدل سنة يصومها "(٢) .

١٨٠٤ - وقال الصادق عليه السلام: " من تطيب بطيب أول النهار وهو صائم لم يفقد

___________________________________

= وقال العلامة المجلسى رحمه الله: قد اختلفت الروايات في صوم يوم عاشورا وجمع الشيخ رحمه الله بينها بأن من صام يوم عاشورا على طريق الحزن بمصائب آل محمد عليهم السلام فقد أصاب، ومن صامه على ما يعتقد فيه مخالفونا من الفضل في صومه والتبرك به فقد أثم وأخطأ، ونقل هذا الجمع عن الشيخ المفيد رحمه الله والاظهر عندى أن الاخبار الواردة بفضل صومه محمولة على التقية وانما المستحب الامساك على وجه الحزن إلى العصر لا الصوم كما رواه الشيخ في المصباح.

(١) يعنى آخر أيامه يوم الصوم لا يوم الافطار.(سلطان)

(٢) أى لا يشوبه شئ آخر أصلا سوى وجه الله تعالى وان كان مما لا ينافى في الصحة ضمه مع القربة من طلب الجنة والهرب من النار مثلا فهو يعدل صوم سنة يكون فيه مثل الضميمة، فلا يرد أنه لو لم يكن صوم السنة في سبيل الله لم يكن صحيحا فلا مبالغة في معادلته و ان كان في سبيل الله كيف المعادلة.

واحتمال كون " سبيل الله " أى حال كونه في سفر الحج والجهاد بعيدا جدا (سلطان) أقول: في بعض النسخ " كان له كعدل سنة يصومها ".

٨٦

عقله "(١) .

١٨٠٥ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " ما من صائم يحضر قوما يطعمون إلا سبحت له أعضاؤه، وكانت صلاة الملائكة عليه، وكانت صلاتهم استغفارا ".

١٨٠٦ - وروي عن موسى بن جعفر عليهما السلام قال: " من صام أول يوم من عشر ذي الحجة كتب الله له صوم ثمانين شهرا، فإن صام التسع(٢) كتب الله عزوجل له صوم الدهر ".

١٨٠٧ - وقال الصادق عليه السلام: " صوم يوم التروية(٣) كفارة سنة، ويوم عرفة كفارة سنتين ".

١٨٠٨ - وروي " أن في أول يوم من ذي الحجة ولد إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام(٤) ، فمن صام ذلك اليوم كان كفارة ستين سنة، وفي تسع من ذي الحجة انزلت توبة داود عليه السلام فمن صام ذلك اليوم كان كفارة تسعين سنة ".

١٨٠٩ - وروي عن يعقوب بن شعيب قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن صوم يوم عرفة قال: إن شئت صمت وإن شئت لم تصم(٥) وذكر أن رجلا أتى الحسن والحسين عليهما السلام فوجد أحدهما صائما والآخر مفطرا، فسألهما فقالا: إن صمت فحسن وإن لم تصم فجائز ".

١٨١٠ - وروى عبدالله بن المغيرة، عن سالم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى علي عليه السلام وحده، وأوصى علي عليه السلام إلى الحسن والحسين *

_____________________________________________

(١) " يفقد " على صيغة المجهول ورفع " عقلة " أو على صيغة المعلوم ونصب " عقلة ".

(٢) يعنى من الاول إلى التاسع.

(٣) يوم التروية هو اليوم الثامن من ذى الحجة.

(٤) سيأتى تحت رقم ١٨١٤ ما يخالفه.

(٥) يدل على عدم تأكده، وحمل على من يضعفه الصوم عن الدعاء، أو لئلا يتوهم أنه واجب أو سنة وكيدة وان كان الفضل في صومه كصحيحة سليمان بن جعفر عن أبى الحسن عليه السلام كما في التهذيب ج ١ ص ٤٣٦.

وخبر عبدالرحمن بن أبى عبدالله عنه عليه السلام.

٨٧

عليهما السلام جميعا، وكان الحسن عليه السلام إمامه فدخل رجل يوم عرفة على الحسن عليه السلام و وهو يتغدي والحسين عليه السلام صائم، ثم جاء بعدما قبض الحسن عليه السلام فدخل على الحسين عليه السلام يوم عرفة وهو يتغدى وعلي بن الحسين عليهما السلام صائم، فقال له الرجل: إني دخلت على الحسن عليه السلام وهو يتغدى وأنت صائم، ثم دخلت عليك وأنت مفطر؟ فقال: إن الحسن عليه السلام كان إماما فأفطر لئلا يتخذ صومه سنة وليتأسى به الناس فلما أن قبض كنت أنا الامام فأردت أن لا يتخذ صومي سنة فيتأسى الناس بي ".

١٨١١ - وروى حنان بن سدير، عن أبيه قال: " سألته(١) عن صوم يوم عرفة فقلت: جعلت فداك إنهم يزعمون أنه يعدل صوم سنة قال: كان أبي عليه السلام لا يصومه، قلت: ولم جعلت فداك؟ قال: يوم عرفة يوم دعاء ومسألة فأتخوف أن يضعفني عن الدعاء وأكره أن أصومه، وأتخوف أن يكون يوم عرفة يوم الاضحى وليس بيوم صوم ".

قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله -: إن العامة غير موفقين لفطر ولا أضحى و إنما كره عليه السلام صوم يوم عرفة لانه كان يكون يوم العيد في أكثر السنين(٢) و تصديق ذلك:

___________________________________

(١) يعنى أبا جعفر عليه السلام كما صرح به في التهذيب ج ١ ص ٤٣٦.

(٢) قال سلطان العلماء: " الاشتباه وقع بين عرفة والعيد غضبا من الله تعالى على العامة وأكثر أيام عرفتهم يوم العيد في الواقع فافطر عليه السلام يوم عيدهم هربا من صوم العيد الواقعى وذلك لا ينافى استحباب صوم يوم عرفة الواقعى".

وقال استاذنا الشعرانى مد ظله: " لا يخفى أن هذا مخالف لاصول مذهبنا لان اشتباه عرفة بالعيد ان كان من الله تعالى غضبا عليهم فلا مؤاخذة عليهم وان لم يكن بسب ذلك مؤاخذة عليهم فكيف يكون غضبا، وانما يصح ذلك على اصول المجبرة والغالب في عصرنا ان الاختلاف في رؤية الاهلة بين بلادنا وبلاد الحجاز انما هو في تقديم يوم عيدهم على عيدنا فلا يمكن أن يحمل مضمون الرواية على نظير هذا الاختلاف فإن مقتضى الرواية تأخير الرؤية عندهم عن الهلال الواقعى على عكس ما يقع في أيامنا، واعلم أنه يمكن تقديم الرؤية بيوم في البلاد الغربية بالنسبة إلى الشرقية على ما هو مبين في علم التنجيم انتهى كلامه لاضحى ظله.

٨٨

١٨١٢ - ما قاله الصادق عليه السلام: " لما قتل الحسين بن علي عليهما السلام أمر الله عزوجل ملكا فنادى أيتها الامة الظالمة القاتلة عترة نبيها لا وفقكم الله تعالى لصوم و لافطر ".(١)

١٨١٣ - وفي حديث آخر: " لا وفقكم الله لفطر ولا أضحى ".(٢) ومن صام يوم عرفة فله من الثواب ما ذكرناه.

١٨١٤ - وروي عن الحسن بن علي الوشاء: قال: " كنت مع أبي وأنا غلام فتعشينا عند الرضا عليه السلام ليلة خمسة وعشرين من ذي القعدة فقال له: ليلة خمسة وعشرين من ذي القعدة ولد فيها إبراهيم عليه السلام(٣) ، وولد فيها عيسى بن مريم عليه السلام وفيها دحيت الارض من تحت الكعبة(٤) فمن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستين شهرا".

___________________________________

(١) لعله مضمون الخبر لا لفظه كما يظهر مما سيأتى تحت رقم ٢٠٥٩ في حديث عبدالله ابن لطيف التفليسى عن رزين وقال الفيض رحمه الله في الوافى بعد ذكر الخبر: لعل المراد بعدم التوفيق لهما عدم الفوز بجوائزهما وفوائدهما وما فيهما من الخيرات والبركات في الدنيا والآخرة وربما يخطر ببعض الاذهان ان المراد به اشتباه الهلال عليهم، أو المراد عدم توفيقهم للاتيان بالصلاة على وجهها بآدابها وسننها وشرائطها كما كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وقد تهيأ لها بوالحسن الرضا عليه السلام مرة في زمان مأمون الخليفة فحالوا بينه وبين اتمامها وفى كل زمن من المعنيين قصور أما الاول فلعدم مساعدته المشاهدة فان الاشتباه ليس بدائم مع أنه لا يضر لاستبانة حكمه وعدم منافاته لاكثر الصوم وعدم اختصاصه بالمدعو عليهم، وأما الثانى فلعدم مساعدة لفظ الخبر فان الصلاة غير الصوم والفطر وكيف كان فالدعوة مختصة بالمتحيرين الضالين من المخالفين، أو الظالمين القاتلين ومن رضى بفعالهم انتهى.

(٢) كما في رواية رزين عن أبى عبدالله عليه السلام المروية في الكافى ج ٤ ص ١٧٠.

(٣) هذا ينافى ما تقدم تحت رقم ١٨٠٨ حيث كان فيه " ولادة ابراهيم عليه السلام في أول يوم من ذى الحجة " وقيل: لعل المذكور في هذا الخبر ابراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله لعدم التصريح بالخليل وهو كما ترى آب عن السياق.

(٤) دحا الله الارض يدحوها دحوا: بسطها. (المصباح المنير)

٨٩

١٨١٥ - وروي " أن في تسع وعشرين(١) من ذي القعدة أنزل الله عزوجل الكعبة، وهي أول رحمة نزلت فمن صام ذلك اليوم كان كفارة سبعين سنة ".

١٨١٦ - وروى الحسن بن راشد عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " قلت: جعلت فداك للمسلمين عيد غير العيدين؟ قال: نعم يا حسن وأعظمهما وأشرفهما، قال: قلت له: فأي يوم هو؟ قال: هو يوم نصب أمير المؤمنين عليه السلام علما للناس، قلت: جعلت فداك وأي يوم هو؟ قال: إن الايام تدور وهو يوم ثمانية عشر من ذي الحجة قال: قلت: جعلت فداك وما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟ قال: تصومه يا حسن وتكثر فيه الصلاة على محمد وأهل بيته عليهم السلام، وتبرأ إلى الله عزوجل ممن ظلمهم حقهم، فإن الانبياء عليهم السلام كانت تأمر الاوصياء باليوم الذي كان يقام فيه الوصي أن يتخذ عيدا، قال: قلت: ما لمن صامه منا؟ قال: صيام ستين شهرا، ولا تدع صيام يوم سبعة وعشرين من رجب فإنه هو اليوم الذي أنزلت فيه النبوة على محمد صلى الله عليه وآله وثوابه مثل ستين شهرا لكم ".

١٨١٧ - وروى المفضل بن عمر عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " صوم يوم غدير خم كفارة ستين سنة ".

وأما خبر صلاة يوم غدير خم والثواب المذكور فيه لمن صامه فإن شيخنا محمد ابن الحسن رضي الله عنه كان لا يصححه ويقول: إنه من طريق محمد بن موسى الهمداني وكان كذابا غير ثقة(٢) وكل ما لم يصححه ذلك الشيخ قدس الله روحه

___________________________________

(١) سيأتى تحت رقم ٢٢٩٩ عن موسى بن جعفر عليهما السلام مثله وفيه " في خمسة و عشرين " وقال في روضة المتقين: الظاهر تبديل خمس بتسع وقع من الناسخ.

ولكن لا يبعد التعدد.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٢٩٤ عن الحسين بن الحسن الحسينى قال: حدثنا محمد بن موسى الهمدانى قال: حدثنا على بن حسان الواسطى قال: حدثنا على بن الحسين العبدى قال: " سمعت أبا عبدالله الصادق عليه السلام يقول: صيام يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا لو عاش انسان ثم صام ما عمرت الدنيا لكان له ثواب ذلك، وصيامه يعدل عند الله عزوجل في كل عام مائة حجة ومائة عمرة مبرورات متقبلات وهو عيد الله الاكبر إلى أن قال ومن صلى فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول مقدار نصف ساعة يسأل الله عزوجل يقرأ في كل ركعة سورة الحمد مرة، وعشر مرات قل هو الله أحد، وعشر مرات آية الكرسى، وعشر مرات انا أنزلناه عدلت عند الله عزوجل مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة الحديث " وهو طويل جدا لا يسعنا ذكر تمامه، ومن أراد الاطلاع فليراجع.

وأما محمد بن موسى الهمدانى أبوجعفر السمان فهو ضعيف يروى عن الضعفاء ضعفه القميون بالغلو وكان ابن الوليد يقول: انه كان يضع الحديث، كما في الخلاصة والله أعلم.

٩٠

ولم يحكم بصحته من الاخبار فهو عندنا متروك غير صحيح.

١٨١٨ - " وفى أول يوم من المحرم دعا زكريا عليه السلام ربه عزوجل فمن صام ذلك اليوم استجاب الله له كما استجاب لزكريا عليه السلام ".

١٨١٩ - وسأل أبوبصير أبا عبدالله عليه السلام " عن الصائم المتطوع تعرض له الحاجة، قال: هو بالخيار ما بينه وبين العصر، وإن مكث حتى العصر(١) ثم بدا له [أن يصوم] ولم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء"(٢) .

باب ثواب صوم رجب

١٨٢٠ - روى أبان بن عثمان، عن كثير النوا عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إن نوحا عليه السلام ركب السفينة أول يوم من رجب فأمر عليه السلام من معه أن يصوموا ذلك اليوم، وقال: من صام ذلك اليوم تباعدت عنه النار مسيرة سنة، ومن صام سبعة أيام أغلقت عنه أبواب النيران السبعة، ومن صام ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنان

___________________________________

(١) أى لم يأت بمفطر ولم ينو الصوم.

(٢) يدل على كراهة الافطار بعد العصر وعلى جواز النية في المندوب بعد العصر، والمشهور بين القدماء جواز نية النافلة إلى الزوال، والقول بامتداده إلى المغرب للشيخ في المبسوط والمرتضى وجماعة من القدماء وجمهور المتأخرين.

٩١

الثمانية، ومن صام خمسة عشر يوما أعطي مسألته، ومن زاده زاده الله عزوجل ".

١٨٢١ - وقال أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: " رجب نهر في الجنة أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، فمن صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر ".

١٨٢٢ - وقال أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: " رجب شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات، من صام يوما من رجب تباعدت عنه النار مسيرة سنة، ومن صام ثلاثة أيام وجبت له الجنة ".

وقد أخرجت ما رويته في هذا المعنى في كتاب فضائل رجب(١) .

باب ثواب صوم شعبان

١٨٢٣ - روى أبوحمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: " من صام شعبان كان له طهورا من كل زلة ووصمة وبادرة وقال: أبوحمزة فقلت لابي جعفر عليه السلام: ما الوصمة؟ قال: اليمين في المعصية والنذر، ولا نذر في المعصية، قلت: فما البادرة؟ قال: اليمين عند الغضب، والتوبة منها الندم عليها ".(٢)

١٨٢٤ - وروى الحسن بن محبوب، عن عبدالله بن مرحوم الازدي قال: " سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: من صام أول يوم من شعبان وجبت له الجنة البتة، ومن صام يومين نظر الله إليه في كل يوم وليلة في دار الدنيا وداوم نظره إليه في الجنة، ومن صام ثلاثة أيام زاره الله في عرشه من جنته في كل يوم ".

قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: زيارة الله زيارة أنبيائه وحججه صلوات

___________________________________

(١) ذكر الحجة السيد حسن الموسوى الخرسان مد ظله العالى أن عنده نسخة من فضائل الاشهر الثلاثة للمؤلف مخطوطة وقال: نسختها لنفسى بيدى.

أقول: راجع في ثواب صوم رجب ثواب الاعمال من ص ٧٧ إلى ٨٣ طبع مكتبة الصدوق ١٣٩١.

(٢) الوصمة في اللغة العيب في الجسد، والبادرة الحدة والغضب.

٩٢

الله عليهم من زارهم فقد زار الله عزوجل كما أن من أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله، ومن تابعهم فقد تابع الله عزوجل وليس ذلك على ما يتأوله المشبهة، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

١٨٢٥ - وقال الصادق عليه السلام: " صوم [شهر] شعبان وشهر رمضان شهرين متتابعين توبة والله من الله "(١) .

١٨٢٦ - وروى عمرو بن خالد عن أبى جعفر عليه السلام قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصوم شعبان وشهر رمضان يصلهما وينهى الناس أن يصلوهما، وكان يقول: هما شهر الله وهما كفارة لما قبلهما وما بعدهما من الذنوب ".

قوله عليه السلام: " وينهى الناس أن يصلوهما " هو على الانكار والحكاية لا على الاخبار(٢) ، وكأنه يقول: كان يصلهما وينهى الناس أن يصلوهما فمن شاء وصل ومن شاء فصل، وتصديق ذلك:

١٨٢٧ - ما رواه زرعة، عن المفضل، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " كان أبي عليه السلام يفصل ما بين شعبان وشهر رمضان بيوم، وكان علي بن الحسين عليهما السلام يصل ما بينهما ويقول: صوم شهرين متتابعين توبة من الله".

وقد صامه رسول الله صلى الله عليه وآله ووصله بشهر رمضان(٣) وصامه وفصل بينهما ولم يصمه

___________________________________

(١) رواه المصنف في ثواب الاعمال مسندا عن الصادق عليه السلام وفيه " صوم شعبان وشهر رمضان والله توبة من الله ".

ولعل المعنى قبولا منه ورحمة أى شرع ذلك توبة منه وأكده بالقسم.

(٢) " ينهى الناس حمله الشيخ رحمه الله على الوصال المحرم على غيره صلى الله عليه وآله بأن لا يفطر بين آخر شعبان وأول رمضان، ويمكن أن يقرأ على بناء الافعال بمعنى الاعلام والابلاغ، ويحتمل أيضا أن يكون " الناس " بالرفع ليكون فاعل " ينهى " أى لم يكن النبى صلى الله عليه وآله ينهى عن الوصل بل كان يفعله والناس أى العامة ينهون عنه افتراء عليه، والاظهر الحمل على التقية. (المرآة).

(٣) كما تقدم في حديث عمرو بن خالد تحت رقم ١٨٢٦.

٩٣

كله في جميع سنيه إلا أن أكثر صيامه كان فيه.(١)

١٨٢٨ - " وكن نساء النبي(٢) صلى الله عليه وآله إذا كان عليهن صيام أخرن ذلك إلى شعبان كراهية أن يمنعن رسول الله صلى الله عليه وآله حاجته، وإذا كان شعبان صمن وصام معهن، وكان عليه السلام يقول: شعبان شهري".

١٨٢٩ - وقال الصادق عليه السلام: " من صام ثلاثة أيام من آخر شعبان ووصلها بشهر رمضان كتب الله له صوم شهرين متتابعين ".

١٨٣٠ - وروى حريز، عن زرارة قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: " ما تقول في ليلة النصف من شعبان؟ قال: يغفر الله عزوجل فيها من خلقه لاكثر من عدد شعر معزى كلب(٣) وينزل الله عزوجل ملائكته إلى السماء الدنيا وإلى الارض بمكة ".

وقد أخرجت ما رويته في هذا المعنى في كتاب فضائل شعبان(٤) .

باب فضل شهر رمضان وثواب صيامه

١٨٣١ - روى الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب، عن أبي الورد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: " خطب رسول الله صلى الله عليه وآله الناس في آخر جمعة من شعبان فحمد الله

___________________________________

(١) لم أجده من طريق الخاصة وروى البخارى ومسلم وأبوداود عن عائشة قالت في حديث " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط الاشهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان " وفى سنن النسائى والترمذى.

قالت ما رأيت النبى صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياما منه في شعبان، كان يصومه الا قليلا، بل كان يصومه كله " وفى رواية للنسائى " قالت لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لشهر أكثر صياما منه لشعبان، كان يصومه أو عامته ".

(٢) رواه الكلينى بسند حسن كالصحيح في الكافى ج ٤ ص ٩٠ والشيخ في الصحيح عن أبى عبدالله عليه السلام.

(٣) " كلب " حى من قضاعة (الصحاح) وفى نسخة " بنى كلب ".

(٤) راجع ثواب الاعمال، ص ٨٣ إلى ٨٨.

٩٤

وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إنه قد أظلكم شهر(١) فيه ليلة خير من ألف شهر، وهو شهر رمضان فرض الله صيامه، وجعل قيام ليلة فيه كمن تطوع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور، وجعل لمن تطوع فيه بخصلة من خصال الخير والبر كأجر من أدى فريضة من فرائض الله عزوجل(٢) ، ومن أدى فريضة من فرائض الله كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، وهو شهر الصبر(٣) وإن الصبر ثوابه الجنة، وهو شهر المواساة(٤) وهو شهر يزيد الله فيه رزق المؤمن، ومن فطر فيه مؤمنا صائما كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لذنوبه فيما مضى، فقيل له: يا رسول الله ليس كلنا نقدر على أن نفطر صائما، فقال: إن الله تبارك وتعالى كريم يعطي هذا الثواب منكم لمن لم يقدر إلا على مذقة(٥) من لبن يفطر بها صائما أو شربة من ماء عذب أو تميرات لا يقدر على أكثر من ذلك، ومن خفف فيه عن مملوكه خفف الله عزوجل عليه حسابه، وهو شهر أوله رحمة، ووسطه مغفرة، وآخره إجابة والعتق من النار(٦) ، ولا غنى بكم فيه عن أربع خصال: خصلتين ترضون الله بهما، وخصلتين لا غنى بكم عنهما، فأما اللتان ترضون الله بهما فشهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الله عزوجل فيه حوائجكم والجنة وتسألون الله فيه العافية، وتتعوذون به من النار ".

___________________________________

(١) أى أقبل عليكم ودنا منكم كانه ألقى ظله عليكم. (النهاية)

(٢) يفهم منه فضل الفرائض على النوافل مطلقا.

(٣) أى الصبر في طاعة الله واتيان ما أمره من حفظ النفس عن تناول كل ما يشتهى من المباحات التى كانت له حلالا في غير هذا الشهر.

(٤) أى يساوى فيه الناس في الجوع والعطش غنيا كانوا أو فقيرا أو يساوى الناس في الحكم أى لا يجوز لاحدهم تناول شئ من المفطرات، أو هو شهر ينبغى فيه أن يشرك الاغنياء الفقراء وأهل الحاجة في معايشهم فيكون المعنى شهر المساهمة والمشاركة في المعاش.

(٥) المذقة: اللبن الممزوج بالماء وميمه أصلية.

(٦) أى في العشر الاول ينزل الله عزوجل الرحمات الدنيوية والاخروية على عباده، وفى العشر الاوسط يغفر ذنوبهم، وفى العشر الآخر يستحب دعاء‌هم ويعتق رقابهم من النار.

٩٥

١٨٣٢ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله(١) لما حضر شهر رمضان وذلك في ثلاث بقين من شعبان لبلال: " ناد في الناس فجمع الناس ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " أيها الناس إن هذا الشهر قد حضركم وهو سيد الشهور، فيه ليلة هي خير من ألف شهر، تغلق فيه أبواب النار، وتفتح فيه أبواب الجنان، فمن أدركه فلم يغفر له فأبعده الله، ومن أدرك والديه فلم يغفر له فأبعده الله، ومن ذكرت عنده فلم يصل علي فلم يغفر له(٢) فأبعده الله ".

١٨٣٣ - وروى جابر(٣) عن أبى جعفر عليه السلام قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا نظر إلى هلال شهر رمضان استقبل القبلة بوجهه ثم قال: " اللهم أهله علينا بالامن والايمان(٤) ، والسلامة والاسلام(٥) ، والعافية المجللة(٦) ، والرزق الواسع، ودفع الاسقام، وتلاوة القرآن، والعون على الصلاة والصيام، اللهم سلمنا لشهر رمضان وسلمه لنا وتسلمه(٧) منا حتى ينقضي رمضان وقد غفرت لنا " ثم يقبل بوجهه

___________________________________

(١) مروى في الكافى ج ٤ ص ٦٧ والتهذيب ج ص ٤٠٦ وثواب الاعمال ص ٩٠ بسند فيه ارسال عن أبى جعفر الباقر عليه السلام.

(٢) ليس في التهذيب قوله " فلم يغفر له " ههنا.

(٣) رواه الكلينى في الكافى ج ٤ ص ٦٨ مسندا.

(٤) أى اجعله طالعا لنا بالامن من الافات الدنيوية والاخروية. (م ت)

(٥) أى الانقياد لاوامرك وترك نواهيك. (م ت)

(٦) المجللة بالكسر أو الفتح أى الشاملة لجميع الاعضاء من الاسقام، أو الاعم من مكروهات الدارين. (م ت)

(٧) " سلمنا " أى بان نكون صحيحا حتى نصومه ونعبدك فيه. و " سلمه لنا " أى من الاشتباه في الصوم والفطر حتى لا يشتبه علينا يوم منه بغيره لاجل الهلال، و " تسلمه منا " أى تقبله منا يعنى تقبل منا ما نأتى فيه من العبادات والقربات.

٩٦

على الناس فيقول: يا معشر الناس إذا طلع هلال شهر رمضان غلت مردة الشياطين(١) وفتحت أبواب السماء وأبواب الجنان وأبواب الرحمة وغلقت أبواب النار(٢) و استجيب الدعاء، وكان لله تبارك وتعالى عند كل فطر عتقاء يعتقهم من النار، وينادي مناد كل ليلة هل من تائب؟ هل من سائل؟ هل من مستغفر؟ " اللهم أعط كل منفق خلفا، وأعط كل ممسك تلفا "(٣) حتى إذا طلع هلال شوال نودي المؤمنون: أن اغدوا إلى جوائزكم فهو يوم الجائزة، ثم قال أبوجعفر عليه السلام: أما والذي نفسي بيده ما هي بجائزة الدنانير والدراهم ".(٤)

١٨٣٤ - وروى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام " أن النبي صلى الله عليه وآله لما انصرف من عرفات وسار إلى منى دخل المسجد(٥) فاجتمع إليه الناس يسألونه عن ليلة القدر، فقام خطيبا فقال بعد الثناء على الله عزوجل: أما بعد فإنكم سألتموني عن ليلة القدر ولم أطوها عنكم لاني لم أكن بها عالما(٦) اعلموا أيها الناس إنه من ورد عليه شهر رمضان وهو صحيح سوي فصام نهاره وقام وردا من ليله(٧) وواظب على صلاته

___________________________________

(١) مردة جمع ما ورد وهو العاتى أو جمع مريد بفتح الميم وهو الذى لا ينقاد ولا يطيع.

(٢) فتح أبواب السماء كناية عن نزول الرحمة أو استجابة الدعاء أو كناية عن طريق التوجه إلى الله سبحانه والسؤال والاستغفار.

وفتح أبواب الجنان كناية عن كونه بحيث يأتى المكلف فيه بما يوجب فتحها له، وغلق أبواب النار كناية عن عدم اتيان العبد بما يوجب له النار.

(٣) " حلفا " بالتحريك أى عوضا عظيما في الدنيا والاخرة، وقوله: " أعط كل ممسك " ذكر الاعطاء هنا اما للمشاكلة أو التهكم، و " تلفا " أى تلف المال والنفس.(م ت)

(٤) يعنى ما هذه الجائزة دنيوية بل هى المغفرة والثواب والتوفيق.

(٥) يعنى مسجد الخيف.

(٦) أى ما كتمته عنكم أو ما أخفيته عنكم مع علمى بها بخلا عليكم أو ناشئا من عدم العلم بها بل لمصالح لا يعلمها الا الله تعالى.

(٧) الورد بكسر الواو وسكون الراء المهملة: الجزء ومن القرآن ما يقوم به الانسان كل ليلة. وفى المصباح المنير: الورد الوظيفة من قراء‌ة ونحو ذلك.

والمعنى قام تاليا للقرآن في بعض الليل أو داعيا فيه.

٩٧

وهجر إلى جمعته(١) وغدا إلى عيده فقد أدرك ليلة القدر وفاز بجائزة الرب عزوجل ".

١٨٣٥ - وقال أبوعبدالله عليه السلام: " فازوا والله بجوائز ليست كجوائز العباد ".

١٨٣٦ - وقال أبوجعفر عليه السلام لجابر(٢) : " يا جابر من دخل عليه شهر رمضان فصام نهاره وقام وردا من ليله، وحفظ فرجه ولسانه، وغض بصره، وكف أذاه خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه، قال جابر: قلت له: جعلت فداك ما أحسن هذا من حديث؟ قال: ما أشد هذا من شرط ".

١٨٣٧ - وقال علي عليه السلام: " لما حضر شهر رمضان قام رسول الله صلى الله عليه وآله فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس كفاكم الله عدوكم من الجن والانس، وقال: " ادعوني أستجب لكم " ووعدكم الاجابة، ألا وقد وكل الله عزوجل بكل شيطان مريد سبعين من ملائكته فليس بمحلول حتى ينقضي شهركم هذا، ألا وأبواب السماء مفتحة من أول ليلة منه، ألا والدعاء فيه مقبول ".

١٨٣٨ - وروى محمد بن مروان عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: " إن لله تبارك وتعالى في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء وطلقاء من النار إلا من أفطر على مسكر، فاذا كان آخر ليلة منه أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه"(٣) .

١٨٣٩ - وفي رواية عمر بن يزيد " إلا من أفطر على مسكر، أو مشاحن، أو صاحب شاهين وهو الشطرنج "(٤) .

___________________________________

(١) في بعض النسخ " وهاجر إلى جمعته "

(٢) هو الجعفى ورواه الكلينى بسند ضعيف ج ٤ ص ٨٧.

(٣) رواه الكلينى مسندا ج ٤ ص ٤٨. ومحمد بن مروان مجهول الحال.

(٤) رواه المصنف رحمه الله في ثواب الاعمال ص ٩٢. باسناده عن عمر بن يزيد وفيه " أو مشاحنا ". في بعض النسخ الكتاب " مشاجرا " والمشاحن: صاحب البدعة والمفارق للجماعة، والتارك للجمعة. والمشاجر: المنازع.

٩٨

١٨٤٠ - و " كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل شهر رمضان أطلق كل أسير وأعطى كل سائل "(١) .

١٨٤١ - وروى هشام بن الحكم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " من لم يغفر له في شهر رمضان لم يغفر له إلى قابل إلا أن يشهد عرفة ".(٢)

١٨٤٢ - وكان الصادق عليه السلام يوصي ولده ويقول: " إذا دخل شهر رمضان فاجهدوا أنفسكم فإن فيه تقسم الارزاق، وتكتب الآجال، وفيه يكتب وفد الله الذين يفدون إليه(٣) وفيه ليلة العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ".

١٨٤٣ - وقال الصادق عليه السلام: " إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والارض "، فغرة الشهور(٤) شهر الله وهو شهر رمضان وقلب شهر رمضان ليلة القدر، ونزل القرآن في أول ليلة من شهر رمضان(٥) فاستقبل الشهر بالقرآن ".(٦)

قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: تكامل نزول القرآن ليلة القدر.

١٨٤٤ - وورى سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث النخعي قال: " سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: إن شهر رمضان لم يفرض الله صيامه على أحد من الامم قبلنا، فقلت له: فقول الله عزوجل: " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم

___________________________________

(١) رواه المصنف رحمه الله بسند عامى عن ابن عباس في ثواب الاعمال ص ٩٧.

(٢) رواه الكلينى في الكافى ج ٤ ص ٦٦ بسند مجهول لا يقصر عن الصحيح.

(٣) أى يقدر فيه حاج بيت الله، وفد جمع وافد كصحب وصاحب، يقال: وفد فلان على الامير أى ورد رسولا، فكان الحاج وفد الله وأضيافه نزلوا عليه رجاء بره واكرامه (المرآة) والسند كما في الكافى ج ٤ ص ٦٦ موثق.

(٤) " فغرة الشهور " الفاء للتعقيب الذكرى أى أولها أو أشرفها وأفضلها أو المنور من بينها.

وفى النهاية غرة كل شئ أوله.

(٥) كأنه أراد أن ابتداء نزوله في أول ليلة منه وكماله في ليلة القدر.

(٦) المراد الامر بتلاوته عند وروده أو أول ليلة منه.

٩٩

الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " قال: إنما فرض الله صيام شهر رمضان على الانبياء دون الامم ففضل به هذه الامة وجعل صيامه فرضا على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أمته".

وقد أخرجت هذه الاخبار [التي رويتها في هذا المعنى] في كتاب فضائل شهر رمضان.(١)

باب القول عند رؤية هلال شهر رمضان

١٨٤٥ - قال أمير المؤمنين عليه السلام(٢) : " إذا رأيت الهلال فلا تبرح وقل: اللهم إني أسألك خير هذا الشهر، وفتحه ونوره ونصره وبركته وطهوره ورزقه، وأسألك خير ما فيه وخير ما بعده، وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده، اللهم أدخله علينا بالامن والايمان، والسلامة والاسلام، والبركة والتقوى، والتوفيق لما تحب وترضى ".

١٨٤٦ - و " كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أهل هلال شهر رمضان استقبل القبلة و رفع يديه، وقال: " اللهم أهله علينا بالامن والايمان، والسلامة والاسلام، والعافية المجللة، والرزق الواسع، ودفع الاسقام، اللهم ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه، وسلمه لنا وتسلمه منا وسلمنا فيه "(٣) .

وقال أبي رحمه الله في رسالته إلي: إذا رأيت هلال شهر رمضان فلا تشر إليه ولكن استقبل القبلة وارفع يديك إلى الله عزوجل وخاطب الهلال وتقول: " ربي وربك الله رب العالمين، اللهم أهله علينا بالامن والايمان، والسلامة والاسلام

___________________________________

(١) راجع ثواب الاعمال ص ٨٨ إلى ٩٧.

(٢) رواه الكلينى في الكافى ج ٤ ص ٧٦ بسند مرفوع.

(٣) " سلمه لنا " أى لا يغيم الهلال في أوله أو آخره فيلتبس علينا الصوم والفطر وقد مر معنى الجملات ص ٩٦ والخبر مروى في الكافى بسند ضعيف ج ٤ ص ٧٠.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

اشتمال مراتب القرآن على المقدّرات الحادثة في كلّ عام:

وقال: (المسألة الثامنة) في تفسير مفردات هذه الألفاظ، أمّا قوله تعالى: ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) (1) فقد قيل فيه: إنّه تعالى أنزل كلّية القرآن، يبدأ في استنساخ ذلك من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة، ويقع الفراغ في ليلة القدر، فتُدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل ونسخة الحروب إلى جبرائيل، وكذلك الزلازل والصواعق والخسف، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا، وهو ملك عظيم، ونسخة المصائب إلى ملك الموت، انتهى كلامه.

وقال القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن: (في تفسير قوله تعالى: ( إنّا أَنْزَلْناهُ ) يعني القرآن، وإن لم يجرِ له ذكر في هذه السورة؛ لأنّ المعنى معلوم، والقرآن كلّه كالسورة الواحدة، وقد قال: ( شَهْرُ رَمَضانُ الَّذي اُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ ) ، وقال: ( حم وَالْكِتابِ الْمُبينِ إنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ) (2) يريد: في ليلة القدر.

وقال الشعبي: المعنى إنّا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر. وقيل: بل نزل به جبريل عليه‌السلام جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، إلى بيت العزّة، وأملاه جبريل على السَفَرة، ثمّ كان جبريل ينزّله على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نُجوماً نُجوماً، وكان بين أوّله وآخره ثلاث وعشرون سنة. قاله ابن عبّاس، وقد تقدّم في سورة البقرة.

وحكى الماوردي عن ابن عبّاس، قال: نزل القرآن في شهر رمضان وفي ليلة القدر، في ليلة مباركة جملة واحدة من عند اللَّه، من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فنجّمته السفرة الكرام الكاتبون على جبريل عشرين سنة، ونجّمه جبريل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عشرين سنة.

قال ابن العربي: وهذا باطل؛ ليس بين جبريل وبين اللَّه واسطة، ولا بين جبريل

____________________

1) سورة الدخان: 3.

2) سورة الدخان: 1 - 3.

٢٨١

ومحمّد عليهما‌السلام واسطة.

قوله تعالى: ( في لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، قال مجاهد: في ليلة الحكم، ( وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) ، قال ليلة الحكم. والمعنى ليلة التقدير، سمّيت بذلك لأنّ اللَّه تعالى يقدّر فيها ما يشاء من أمره، إلى مثلها من السنة القابلة، من أمر الموت والأجل والرزق وغيره، ويسلّمه إلى مدبّرات الأُمور، وهم أربعة من الملائكة: إسرافيل، وميكائيل، وعزرائيل، وجبريل عليهم‌السلام .

أُمّ الكتاب في القرآن متضمّنة لتقدير كلّ شي‏ء:

وقال: وعن ابن عبّاس، قال: يكتب من أمّ الكتاب ما يكون في السنة من رزق ومطر، وحياة وموت، حتّى الحاجّ. قال عكرمة: يكتب حجّاج بيت اللَّه تعالى في ليلة القدر بأسمائهم وأسماء آبائهم، ما يغادر منهم أحد ولا يزاد فيهم.

وقاله سعيد بن جُبير، وقد مضى في أوّل سورة الدخان هذا المعنى. وعن ابن عبّاس أيضاً: إنّ اللَّه تعالى يقضي الأقضية في ليلة نصف شعبان، ويسلّمها إلى أربابها في ليلة القدر. وقيل: إنّما سمّيت بذلك لعظمها وقدرها وشرفها، من قولهم: لفلان قدر، أي شرف ومنزلة) (1) .

ليلة القدر عوض للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وآلهعليهم‌السلام عن غصب الخلافة:

وقال: (وفي الترمذي عن الحسن بن علي رضي اللَّه عنهما: أنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى بني أُمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت ( إنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ) ، يعني نهراً في الجنّة، ونزلت ( إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ

____________________

1) تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن، ج20، ص129 - 130، طبعة القاهرة.

٢٨٢

أَلْفِ شَهْرٍ ) ، يملكها بعدك بنو أُمية. قال القاسم بن الفضل الحدّاني: فعددناها فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقص يوماً. قال: حديث غريب.

قوله تعالى: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ ) أي تهبط من كلّ سماء، ومن سدرة المنتهى، ومسكن جبريل على وسطها، فينزلون إلى الأرض ويؤمّنون على دعاء الناس إلى وقت طلوع الفجر، فذاك قوله تعالى ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكْةُ ) .

حقيقة الروح النازل ليلة القدر:

وقال: ( وَالرُّوحُ فِيها بِإذْنِ رَبِّهِمْ ) (1) ، أي جبرئيل عليه‌السلام ، وحكى القُشيري: أنّ الروح صنف من الملائكة جُعلوا حفظة على سائرهم، وأنّ الملائكة لا يرونهم كما لا نرى نحن الملائكة. وقال مقاتل: هم أشرف الملائكة وأقربهم من اللَّه تعالى.

وقيل: إنّهم جند من جند اللَّه عزّ وجلّ من غير الملائكة، رواه مجاهد عن ابن عبّاس مرفوعاً، ذكره الماوردي، وحكى القُشيري: قيل هم صنف من خلق اللَّه، يأكلون الطعام، ولهم أيدٍ وأرجل وليسوا ملائكة.

وقيل: (الروح) خلق عظيم يقوم صفّاً، والملائكة كلّهم صفّاً. وقيل: (الروح) الرحمة ينزل بها جبريل عليه‌السلام مع الملائكة في هذه الليلة على أهلها، دليله: ( يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) (2) ، أي بالرحمة، (فِيها) أي في ليلة القدر، ( بِإذْنِ رَبِّهِمْ ) أي بأمره، ( مِن كُلِّ أَمْرٍ ) (3) أمر بكلّ أمر قدّره اللَّه وقضاه في تلك السنة إلى قابل.

وقيل عنه: إنّها رُفعت - يعني ليلة القدر - وإنّها إنّما كانت مرّة واحدة.

____________________

1) سورة القدر: 4.

2) سورة النحل: 2.

3) سورة القدر: 5.

٢٨٣

بقاء ليلة القدر في كلّ عام:

وقال: (والصحيح أنّها باقية... والجمهور على أنّها من كلّ عام من رمضان... وقال الفرّاء: لا يقدّر اللَّه في ليلة القدر إلاّ السعادة والنعم، ويقدّر في غيرها البلايا والنقم) (1) .

وقال الطبري في تفسيره، في ذيل سورة البروج: ( فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ) ، بسنده إلى مجاهد: في لوح، قال: ( فِي أُمِّ الْكِتَابِ ) (2) .

وقال ابن كثير في تفسيره، بعد ما نقل جملة ممّا ذكره عنه الرازي والقرطبي، والذي مرّ نقله، قال: (اختلف العلماء هل كانت ليلة القدر في الأُمم السالفة، أم هي من خصائص هذه الأُمّة؟

فقال الزهري:... وهذا الذي قاله مالك يقتضي تخصيص هذه الأُمّة بليلة القدر. وقيل: إنّها كانت في الأُمم الماضين كما هي في أُمّتنا، ثمّ هي باقية إلى يوم القيامة وفي رمضان خاصّة) (3) .

وقال الزمخشري في الكشّاف، بعد ما ذكره جملة ممّا ذكره عنه الرازي والقرطبي، في ذيل قوله تعالى: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) (4) قال: (وسبب ارتقاء فضلها إلى هذه الغاية ما يوجد فيها من المصالح الدينية التي ذكرها، من تنزّل الملائكة والروح، وفصل كلّ أمر حكيم).

وقال في ذيل قوله تعالى ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) (5) : أي تتنزّل من أجل كلّ أمر قضاه اللَّه لتلك السنة إلى قابل... وروي عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (من قرأ سورة القدر أُعطي من الأجر كمن صام رمضان وأحيى ليلة القدر)، وذكر في هامش المطبوع: أنّ الحديث أخرجه الثعلبي، والواحدي، وابن مردويه، بسندهم إلى أُبَيّ ابن كعب.

____________________

1) تفسير القرطبي، ج20، ص133 - 137، في تفسير الجامع لأحكام القرآن طبعة القاهرة.

2) جامع البيان، ج30، ص176.

3) تفسير ابن كثير، ج4، ص 568.

4) سورة القدر: 2.

5) سورة القدر: 5.

٢٨٤

ليلة القدر عوض له صلى‌الله‌عليه‌وآله عن غصب بني أُمية خلافته، وتعدد مصادر الحديث لديهم:

وقال الآلوسي في روح المعاني: (ويستدلّ لكونها مدنية بما أخرجه الترمذي، والحاكم، عن الحسن ابن عليّ (رضي اللَّه تعالى عنهما): (أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أُري بني أُمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) (1) ، ونزلت: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (2) .. الحديث). وهو كما قال المزني: حديث منكر، انتهى.

وقد أخرج الجلال هذا الحديث في الدرّ المنثور عن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل أيضاً، من رواية يوسف ابن سعد، وذكر فيه: أنّ الترمذي (3) أخرجه وضعّفه، وأنّ الخطيب أخرج عن ابن عبّاس نحوه، وكذا عن ابن نسيب، بلفظٍ: قال نبي اللَّه: (أُريتُ بني أُمية يصعدون منبري، فشقّ ذلك عليّ فأُنزِلت ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) ، ففي قول المزني هو منكر تردّد عندي.

وقد ورد في روايات أهل البيت عليهم‌السلام ما رواه الكافي بسنده إلى أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (أُري رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامه بني أُمية يصعدون على منبره من بعده ويضلّون الناس عن الصراط القهقري، فأصبح كئيباً حزيناً، قال: فهبط عليه جبرئيل فقال: يا رسول اللَّه مالي أراك كئيباً حزيناً؟ قال: يا جبرئيل إنّي رأيت بني أُمية في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي، يضلّون الناس عن الصراط القهقري. فقال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً إنّي ما اطّلعت عليه. فعرّج إلى السماء فلم يلبث أن نزل بآي من القرآن يُؤنسه بها، قال: ( أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) (4) ، وأُنزل عليه: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) ، جعل اللَّه ليلة القدر لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________

1) سورة الكوثر: 1.

2) سورة القدر: 1.

3) سنن الترمذي، ج5، ص444، ح 3350.

4) سورة الشعراء: 205 - 207.

٢٨٥

خيراً من ألف شهر ملك بني أُمية) (1) .

وروى الكُليني، عن علي بن عيسى القمّاط عن عمّه، قال: (سمعت أبا عبد اللَّه يقول: هبط جبرئيل عليه‌السلام على رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ورسول اللَّه كئيب حزين، فقال: رأيت بني أُمية يصعدون المنابر وينزلون منها. قال: والذي بعثك بالحقّ نبيّاً، ما علمت بشي‏ء من هذا. وصعد جبرئيل إلى السماء، ثمّ أهبطه اللَّه جلّ ذكره بآي من القرآن يعزّيه بها قوله: ( أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ) (2) .

وأنزل اللَّه جلّ ذكره: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) للقوم، فجعل اللَّه ليلة القدر (لرسوله) خير، من ألف شهر) (3) .

وفي سند الصحيفة السجّادية، عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: (إنّ أبي حدّثني عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليه‌السلام : إنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذته نَعسةٌ وهو على منبره، فرأى في منامه رجالاً ينزون على منبره نزو القردة، يردّون الناس على أعقابهم القهقري، فاستوى رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله جالساً والحزن يعرف في وجهه، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام بهذه الآية ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إلاّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إلاّ طُغْيَانًا كَبِيرًا ) ، يعني بني أُمية. قال: يا جبرئيل على عهدي يكونون وفي زمني؟

قال: لا، ولكن تدور رحى الإسلام من مُهاجرك فتلبث بذلك عشراً، ثمّ تدور رحى الإسلام على رأس خمسة وثلاثين من مهاجِرَك فتلبث بذلك خمساً، ثمّ لابدّ من رحى

____________________

1) الكافي، ج4، ص159.

2) سورة الشعراء:205 - 206.

3) الكافي، ج8، ص223.

٢٨٦

ضلاله هي قائمة على قطبها ثمّ ملك الفراعنة. قال: وأنزل اللَّه تعالى في ذلك: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) يملكها بنو أُمية. فيها ليلة القدر.

قال: فأَطلع اللَّه عزّ وجلّ نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ بني أُمية تملك سلطان هذه الأُمّة وملكها طول هذه المدّة، فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها، حتّى يأذن اللَّه تعالى بزوال ملكهم، وهم في ذلك يستشعرون عداوتنا أهل البيت وبغضنا. أخبر اللَّه نبيّه بما يلقي أهل بيت محمّد وأهل مودّتهم وشيعتهم منهم في أيامهم وملكهم) (1) .

وفي تأويل الآيات: (روي عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه‌السلام ، قال: قوله عزّ وجلّ: ( خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ ) هو سلطان بني أُمية.

وقال: ليلة من إمام عادل خير من ألف شهر ملك بني أُمية.

وقال: ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ) أيّ من عند ربّهم على محمّد وآل محمّد، بكلّ أمر سلام) (2) .

وفي تفسير القمّي: بسنده، في معنى سورة: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) فهو القرآن... قوله: ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) .

أقول: تكثر الروايات في غصب الخلافة من بني أُمية، وتأذّي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتعويضه بليلة القدر، وسيأتي معنى تعويضه بليلة القدر، وتسالم كثير من علماء الجمهور بهذه الروايات، هذا الأمر أحد الأدلّة على أنّ الخلافة في الشريعة الإلهية هي منصب أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فتدبّر تبصُر.

____________________

1) الصحيفة السجّادية الكاملة: 15 - 16.

2) تأويل الآيات، ج2، ص817، ح2.

٢٨٧

حقيقة النازل الذي نزل في ليلة القدر:

وقال في ذيل قوله تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) : الضمير عند الجمهور للقرآن، وادّعى الإمام فيه إجماع المفسّرين، وكأنّه لم يعتقد بقول من قال منهم برجوعه لجبرئيل عليه‌السلام أو غيره؛ لضعفه. قالوا: وفي التعبير عنه بضمير الغائب مع عدم تقدّم ذكره تعظيم له، أي تعظيم لِما أنّه يشعر بأنّه لعلوّ شأنه كأنّه حاضر عند كلّ أحد.

جهل الخلق بحقيقة ليلة القدر:

وقال في ذيل قوله تعالى ( وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) (1) : لِما فيه من الدلالة على أنّ علوّها خارج عن دائرة دراية الخلق، لا يُعلم ذلك، ولا يَعلم به إلاّ علاّم الغيوب.

حقيقة نزول القرآن جملة واحدة:

ثمّ ذكر جملة في تعدّد نزول القرآن جملةً واحدةً ونجوماً، وذكر في ضمنها هذه الرواية، عن ابن عبّاس: (أُنزل القرآن جملةً واحدة حتّى وضع في بيت العزّة في السماء الدنيا، ونزل به جبريل عليه‌السلام على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بجواب كلام العباد وأعمالهم)... ثمّ نقل الاختلاف بين المفسّرين عندهم في قوله تعالى: ( أَنْزَلْنَاهُ ) من جهة نزول القرآن جملةً واحدة، فهل تضمّن القرآن النازل جملةً واحدة هذه العبارة أم لا؟ فلابدّ من ارتكاب المجاز في الإسناد؛ لأنّه إخبار عمّا وقع فيما مضى، فكيف يكون هذا اللفظ في ضمنه؟

____________________

1) سورة القدر: 2.

٢٨٨

فذكر قولاً للرازي في حلّ الإشكال، وللقرطبي، وابن كثير، وضعّف قولهم. ونقل عن ابن حجر في شرح البخاري أنّه أُنزل جملةً واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزّة في السماء الدنيا، بل حكى بعضهم الإجماع عليه، ثمّ نقل جواباً لحلّ الإشكال عن السيد عيسى الصفوي، ثمّ الاختلاف بين الدَّواني وغيره، وأنّه ألّف رسالة في ذلك، في الجواب عن مسألة الحذر الأصمّ.

ثمّ نقل عن الإتقان قول أبي شامة: فإن قلت ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) إن لم يكن من جملة القرآن الذي نزل جملة، فما نزل جملة؟ وإن كان من الجملة فما وجه هذه العبارة؟

قلت: لها وجهان:

أحدهما: أن يكون المعنى إنّا حكمنا بإنزاله في ليلة القدر، وقضينا به وقدّرناه في الأزل.

والثاني: أنّ لفظ ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) ماضٍ ومعناه على الاستقبال، أي تنزّله جملة في ليلة القدر. ثمّ ذكر عدم ارتضائه لهذا القول وعدم حسنه.

ثمّ نقل أقوالاً أُخر، ثمّ قال: والمراد بالإنزال إظهار القرآن من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، أو إثباته لدى السَفَرة هناك، أو نحو ذلك ممّا لا يشكل نسبته إلى القرآن.

تقدير الأُمور في ليلة القدر على من تُنزّل؟

وقال في معنى ليلة القدر: إنّها ليلة التقدير، وسبب تسميتها بذلك لتقدير ما يكون في تلك السنة من أُمور. قال: المراد إظهار تقديره ذلك للملائكة عليهم‌السلام المأمورين بالحوادث الكونية. ثمّ نقل عن بعض تفسير ذلك: هاهنا ثلاثة أشياء:

الأوّل: نفس تقدير الأُمور، أي تعيين مقاديرها وأوقاتها، وذلك في الأزل.

٢٨٩

الثاني: إظهار تلك المقادير للملائكة عليهم‌السلام بأن تكتب في اللوح المحفوظ، وذاك في ليلة النصف من شعبان.

الثالث: إثبات تلك المقادير في نسخ وتسليمها إلى أربابها من المدبّرات، فتدفع نسخة الأرزاق، والنباتات، والأمطار، إلى ميكائيل عليه‌السلام ، ونسخة الحروب والرياح والجنود والزلازل والصواعق والخسف إلى جبرئيل عليه‌السلام ، ونسخة الأعمال إلى إسرافيل عليه‌السلام ، ونسخة المصائب إلى ملك الموت، وذلك في ليلة القدر.

وقيل: يقدّر في ليلة النصف الآجال والأرزاق، وفي ليلة القدر الأُمور التي فيها الخير والبركة والسلامة. وقيل: يقدّر في هذه ما يتعلّق به إعزاز الدين وما فيه النفع العظيم للمسلمين، وفي ليلة النصف يكتب أسماء من يموت ويسلّم إلى ملك الموت، واللَّه تعالى أعلم بحقيقة الحال.

أقول: إنّ المكتوب في ليلة القدر ويقدّر يُفترض أنّ كتابته وتقديره إنّما يُكتب ويقدّر لتسليمه إلى من يوكّل إليه تدبير الأُمور بإذن اللَّه، كالملائكة الموكّلين، فالتنزّل بكلّ هذه التقديرات والكتابة إلى الأرض إلى من يسلّم؟ ومن هو الذي يطّلع على ذلك من أهل الأرض؟ وما هو التناسب بين نزول ما فيه إعزاز الدين والأُمّة، والحديث النبويّ: (إنّ الإسلام لا يزال عزيزاً إلى اثني عشر خليفة... كلّهم من قريش) (1) ؟

أقوال علماء سنّة الجماعة في عِوَضية الليلة له عن غصب الخلافة:

قال في تفسير ( أَلْفِ شَهْرٍ ) : وقد سمعت إلى ما يدلّ أنّ الألف إشارة إلى مُلك بني أُميّة، وكان على ما قال القاسم بن الفضل: ألف شهر، لا يزيد يوماً ولا ينقص

____________________

1) المعجم الكبير للطبراني، ج2، ص232. ولاحظ: إحقاق الحق، ج13، 1 - 49.

٢٩٠

يوماً، على ما قيل: ثمانين سنة، وهي ألف شهر تقريباً؛ لأنّها ثلاثة وثمانون سنة وأربعة أشهر، ولا يعكّر على ذلك ملكُهم في جزيرة الأندلس بعد؛ لأنّه ملك يسير في بعض أطراف الأرض وآخر عمارة العرب، ولذا لا يعدّ من مَلَكَ منهم هناك من خلفائهم، وقالوا بانقراضهم بهلاك مروان الحمار.

وطعن القاضي عبد الجبّار في كون الآية إشارة لما ذُكر؛ بأنّ أيام بني أُمية كانت مذمومة أي باعتبار الغالب، فيبعد أن يقال في شأن تلك الليلة إنّها خير من ألف شهر مذمومة:

ألم ترَ أنّ السيف ينقص قدره

إذا قيل إنّ السيف خيرٌ من العصا

وأُجيب: إنّ تلك الأيام كانت عظيمة بحسب السعادات الدنيوية، فلا يبعد أن يقول اللَّه تعالى: أعطيتك ليلة في السعادات الدينية أفضل من تلك في السعادات الدنيوية، فلا تبقى فائدة.

ليلة القدر مع الأنبياء في ما مضى فهي مع من في ما بقي:

الروح النازل في ليلة القدر قناة غيبية كانت مع الأنبياء، فهي مع من بعد النبيّ الخاتم؟ قال: وما أشير إليه من خصائص هذه الأُمّة هو الذي يقتضيه أكثر الأخبار الواردة في سبب النزول، وصرّح به الهيثمي وغيره.

وقال القسطَلاني: إنّه معترض بحديث أبي ذر عند النسائي، حيث قال فيه: (يا رسول اللَّه، أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رُفعت. قال: بل هي باقية). ثمّ ذكر أنّ عمدة القائلين بذلك الخبر الذي قدّمناه في سبب النزول من رؤيته صلى‌الله‌عليه‌وآله تقاصر أعمار أُمّته عن أعمار الأُمم، وتعقّبه بقوله هذا محتمل للتأويل، فلا يدفع الصريح في حديث أبي ذر كما قاله الحافظان: ابن كثير في تفسيره، وابن حجر في فتح الباري.

٢٩١

وقد اختلف العلماء في ليلة القدر اختلافاً كثيراً، وتحصّل لنا من مذاهبهم في ذلك أكثر من أربعين قولاً، كما وقع لنا نظير ذلك في ساعة الجمعة، وقد اشتركتا في إخفاء كلّ منهما ليقع الجدّ في طلبهما:

القول الأوّل: إنّها رُفعت أصلاً ورأساً. حكاه المتولّي في التتمّة عن الروافض، والفاكهاني في شرح العمدة عن الحنفية، وكأنّه خطأ منه، والذي حكاه السروجي أنّه قول الشيعة.

أقول: بل الشيعة الإمامية هم المذهب الوحيد على وجه الأرض القائلون ببقاء الاتّصال بين الأرض والسماء، وأنّ هناك سبب متّصل هو الإمام من عِترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن لم يكن هذا الاتّصال وحياً نبويّاً، وهو الذي يتنزّل عليه الروح الأعظم والملائكة كلّ عام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بينما المذاهب الإسلامية كلّها حتّى الزيدية، وإن قالوا باستمرار الإمامة السياسية وعدم حصرها بالأئمّة المنصوص عليهم وأنّ الإمامة هي لكلّ من قام بالثورة على الظلم ولا يشترط فيها العصمة، إلاّ أنّهم قائلون بانقطاع الاتّصال أيضاً بين الغيب والشهادة.

وانقطاع الاتّصال ذهبت إليه اليهود بعد النبيّ موسى عليه‌السلام ، كما ذهبت إليه النصارى بعد النبيّ عيسى عليه‌السلام .

وقال: وقد روى عبد الرزّاق من طريق داود بن أبي عاصم، عن عبد اللَّه بن يخنس: قلت لأبي هريرة: زعموا أنّ ليلة القدر رُفعت، قال: كذّب من قال ذلك. ومن طريق عبد اللَّه بن شُريك قال: ذكر الحجاج ليلة القدر فكأنّه أنكرها، فأراد زر بن حُبيش أن يحصبه فمنعه قومه.

الثاني: إنّها خاصّة بسنة واحدة وقعت في زمن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حكاه الفاكهاني أيضاً.

الثالث: إنّها خاصّة بهذه الأُمّة، ولم تكن في الأُمم قبلهم، جزم به ابن حبيب وغيره من المالكية ونقله الجمهور، وحكاه صاحب العدّة من الشافعية ورجّحه،

٢٩٢

وهو معترض بحديث أبي ذر عند النسائي، حيث قال فيه: قلت: يا رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رفعت قال: لا، بل هي باقية.

وعمدتهم قول مالك في الموطأ: بلغني أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تقاصر أعمار أمّته عن أعمار الأُمم الماضية، فأعطاه اللَّه ليلة القدر، وهذا يحتمل التأويل، فلا يدفع التصريح في حديث أبي ذر (1) .

ليلة القدر يفصل فيها المقدّرات لأحداث كلّ السنة:

وقال الآلوسي في روح المعاني في تفسير قوله تعالى ( مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ) (2) : أي من أجل كلّ أمر تعلّق به التقدير في تلك السنة إلى قابل وأظهره سبحانه وتعالى لهم، قاله غير واحد. ف)من(بمعنى اللام التعليلية متعلّقة بتنزّل، وقال أبو حاتم: (من) بمعنى الباء، أي تنزّل بكلّ أمر، فقيل: أي من الخير والبركة، وقيل: من الخير والشرّ وجعلت الباء عليه للسببية.

والظاهر على ما قالوا إنّ المراد بالملائكة المدبّرات؛ إذ غيرهم لا تعلّق له بالأُمور التي تعلّق بها التقدير ليتنزّلوا لأجلها على المعنى السابق، وهو خلاف ما تدلّ عليه الآثار من عدم اختصاصهم بالمدبّرات (3) .

ليلة القدر يتحقّقها وتتنزّل على من شاء اللَّه تعالى من عباده:

جاء في شرح صحيح مسلم للنووي قوله: (اعلم أنّ ليلة القدر موجودة... وأنّها تُرى ويتحققّها من شاء اللَّه تعالى من بني آدم كلّ سنة في رمضان، كما تظاهرت عليه الأحاديث... وأخبار الصالحين بها، ورؤيتهم لها أكثر من أن تُحصر. وأمّا قول القاضي عيّاض عن المهلّب بن أبي صُفرة: لا يمكن رؤيتها حقيقةً. فغلط فاحش

____________________

1) فتح الباري، ص262 - 263، كتاب فضل ليلة القدر.

2) سورة القدر: 6.

3) روح المعاني، ج30، ص196.

٢٩٣

نبهتُ عليه لئلاّ يُغترّ به) (1) .

وقال في ذيل سورة الدخان، في قوله تعالى ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ) (2) : أي الكتاب المبين الذي هو القرآن على القول المعوّل عليه في ( لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ) هي ليلة القدر، على ما روي عن ابن عبّاس وقتادة.

وفي تحفة المحتاج لابن حَجَر الهيتمي: (ليس لرائيها كَتْمها، ولا ينال فضلها - أي كمالها - إلاّ من أطلعه اللَّه عليها)، انتهى.

والظاهر أنّه عَنى برؤيتها: رؤية ما يحصل به العلم له بها، ممّا خُصّت به من الأنوار، وتنزّل الملائكة عليهم‌السلام ، أي: نحوٍ من الكشف ممّا لا يعرف حقيقته إلاّ أهله، وهو كالنصّ في أنّها يراها من شاء اللَّه تعالى من عباده. ثمّ حكى عن ابن شاهين: إنّه لا يراها أحد من الأوّلين والآخرين إلاّ نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ قال: وفي بعض الأخبار ما يدلّ على أنّ رؤيتها مناماً وقعت لغيره صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففي صحيح مسلم وغيره، عن ابن عمر: (إنّ رجالاً من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحرّياً فليتحرَّها في السبع الأواخر) (3) .

وحُكي نحو قول ابن شاهين عن غيره أيضاً، وغلّط، ففي شرح صحيح مسلم وابن جُبير ومجاهد وابن زيد والحسن، وعليه أكثر المفسّرين والظواهر معهم.. والمراد بإنزاله في تلك الليلة إنزاله فيها جملةً إلى السماء الدنيا من اللوح، فالإنزال المنجّم في ثلاث وعشرين سنة أو أقل كان من السماء الدنيا، وروي هذا عن ابن جرير وغيره، وذكر أنّ المحلّ الذي أُنزل فيه من تلك السماء البيت المعمور، وهو

____________________

1) شرح مسلم، ج8، ص66.

2) سورة الدخان: 3.

3) صحيح مسلم، ج3، ص170.

٢٩٤

مسامِت للكعبة، بحيث لو نزل لنزل عليها.

وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي أنّه قال: أُنزل القرآن جملةً على جبرئيل عليه‌السلام ، وكان جبرئيل عليه‌السلام يجي‏ء به بعدُ إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ليلة القدر في سورة الشورى والنزول الأول للقرآن:

وقال في ذيل قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ... ) (1) : وهو ما أُوحي إليه (عليه الصلاة والسلام)، أو القرآن الذي هو للقلوب بمنزلة الروح للأبدان حيث يحييها حياة أبدية. وقيل: أي ومثل الإيحاء المشهود لغيرك، أوحينا أبو القاسم إليك. وقيل: أي مثل ذلك الإيحاء المفصّل، أوحينا إليك، إذ كان عليه الصلاة والسلام اجتمعت له الطرق الثلاث، سواء فُسّر الوحي بالإلقاء، أم فُسّر بالكلام الشفاهي.

وقد ذُكر أنّه (عليه الصلاة والسلام) قد أُلقي إليه في المنام كما أُلقي إلى إبراهيم عليه‌السلام ، وأُلقي إليه عليه الصلاة والسلام في اليقظة على نحو إلقاء الزبور إلى داود عليه‌السلام . ففي (الكبريت الأحمر) للشعراني، نقلاً عن الباب الثاني من (الفتوحات المكّية): أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أُعطي القرآن مجملاً قبل جبرئيل عليه‌السلام ، من غير تفصيل الآيات والسور. وعن ابن عبّاس تفسير الروح بالنبوّة. وقال الربيع: هو جبرئيل عليه‌السلام .

وعليه، فأوحينا مضمّن معنى أرسلنا، والمعنى: أرسلناه بالوحي إليك؛ لأنّه لا يقال: أوحى الملك بل أرسله.

ونقل الطبرسي عن أبي جعفر، وأبي عبد اللَّه (رضي اللَّه تعالى عنهما): أنّ المراد بهذا الروح ملك أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يصعد

____________________

1) سورة الشورى 52: 42.

٢٩٥

إلى السماء. وهذا القول في غاية الغرابة، ولعلّه لا يصحّ عن هذين الإمامين.

وتنوين (روحاً) للتعظيم، أي روحاً عظيماً (1) ... وقال في ذيل قوله تعالى ( وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ ) : أي الروح الذي أوحيناه إليك. وقال ابن عطية: الضمير للكتاب، وقيل للإيمان، ورجّح بالقرب، وقيل للكتاب والإيمان ووحّد؛ لأنّ مقصدهما واحد فهو نظير ( وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ) (2) .

____________________

1) روح المعاني، ج25، ص 80 - 81.

2) سورة التوبة: 62.

٢٩٦

ليلة القدر

في روايات أهل سنّة الخلافة

دوام ليلة القدر في كلّ عام إلى يوم القيامة:

1 - فقد روى عبد الرزّاق الصنعاني في (المصنّف) بسنده، عن مولى معاوية، قال: (قلت لأبي هريرة: زعموا أنّ ليلة القدر قد رُفعت، قال: كذّب من قال كذلك، قلت: فهي كلّ شهر رمضان استقبله؟ قال: نعم... الحديث) (1) ، ورواه عنه بطريق آخر (2) ، ورواه كنز العمّال أيضاً (3) .

2 - وروى عبد الرزّاق الصنعاني في المصنّف بسنده، عن ابن عبّاس، قال: (ليلةٌ في كلّ رمضان يأتي، قال: وحدّثني يزيد بن عبد اللَّه بن الهاد: أنّ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله سُئِل عن ليلة القدر، فقيل له: كانت مع النبيّين ثمّ رُفعت حين قُبضوا، أو هي في كلّ سنة؟ قال: بل هي في كلّ سنة، بل هي في كلّ سنة) (4) .

3 - وروي عن ابن جرير، قال: (حُدّثت: أنّ شيخاً من أهل المدينة سأل أبا ذر بمنى، فقال: رُفعت ليلة القدر أم هي في كلّ رمضان؟ فقال أبو ذر: سألت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت: يا رسول اللَّه رُفعت ليلة القدر؟ قال: بل هي كلّ رمضان) (5) .

4 - وروى ابن أبي شيبة الكوفي في المصنّف في باب ليلة القدر، بسنده إلى ابن

____________________

1) المصنّف، ج3، ص216، ح 5586.

2) المصنّف، ج3، ص255، ح 7707.

3) كنز العمّال، ج3، ص634، ح 24490.

4) المصنّف، ج4، ص255، ح 7708.

5) المصنّف، ج4، ص255، ح 7709، وأخرجه هق، ج4، ص307، والطحاوي، ج2، ص50.

٢٩٧

أبي مرثد عن أبيه، قال: (كنت مع أبي ذر عند الجمرة الوسطى، فسألته عن ليلة القدر، فقال: كان أسأل الناس عنها رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنا: ليلة القدر كانت تكون على عهد الأنبياء فإذا ذهبوا رُفعت؟ قال: لا ولكن تكون إلى يوم القيامة) (1) .

5 - أخرج السيوطي في الدرّ المنثور: (عن محمّد بن نصر، عن سعيد بن المسيّب أنّه سُئل عن ليلة القدر، أهي شي‏ء كان فذهب، أم هي في كلّ عام؟ فقال: بل هي لأُمّة محمّد ما بقي منهم اثنان) (2) .

أقول: وفي هذه الرواية - وإن كانت مقطوعة - دلالةٌ على أن لو بقي في الأرض رجلٌ واحد لكان الثاني هو الحجّة وخليفة اللَّه في الأرض، الذي تنزّل عليه ليلة القدر بمقادير الأُمور، وأنّ ليلة القدر هي من حقائق وخصائص روح الحجّة في الأرض.

6 - وروى الطبري بسنده عن ربيعة بن كلثوم، قال: (قال رجل للحسن وأنا أسمع: أرأيت ليلة القدر في كلّ رمضان هي؟ قال: نعم، واللَّه الذي لا إله إلاّ هو إنّها لفي كلّ رمضان، وأنّها ليلة القدر، فيها يُفرق كلّ أمر حكيم، فيها يقضي اللَّه كلّ أجل وعمل ورزق إلى مثلها) (3) .

النزول في ليلة القدر وحي للأنبياء، واستمراره بعد الأنبياء:

قال ابن خزيمة في صحيحه (4) : باب ذكر أبواب ليلة القدر، والتأليف بين الأخبار المأثورة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيها ما يحسب كثيراً من حملة العلم، ممّن لا يفهم صناعة العلم، أنّها متهاتِرةٌ متنافية، وليس كذلك هي عندنا بحمد اللَّه ونعمته، بل هي

____________________

1) المصنّف لابن أبي شيبة، ج2، ص394، ح 5، باب 341.

2) الدرّ المنثور، ج6، ص371، في ذيل سورة القدر.

3) جامع البيان، ج25، ص139، ح24000.

4) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص320.

٢٩٨

مختلفة الألفاظ متّفقة المعنى، على ما سأبيّنه إن شاء اللَّه.

قال أيضاً: باب ذكر دوام ليلة القدر في كلّ رمضان إلى قيام الساعة، ونفي انقطاعها بنفي الأنبياء.

7 - وروى بسنده إلى أبي مرثد، قال: (قال: لقينا أبا ذر وهو عند الجمرة الوسطى، فسألته عن ليلة القدر، فقال: ما كان أحد بأَسأل لها منّي، قلت: يا رسول اللَّه ليلة القدر أُنزلت على الأنبياء بوحي إليهم فيها ثمّ ترجع؟ فقال: بل هي إلى يوم القيامة.. الحديث) (1) ، ورواه بطريق آخر أيضاً، في باب أنّ ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان (2) .

8 - وروى النسائي، والقسطلاني، والهيثمي، وابن حجر في فتح الباري، وابن كثير في تفسيره حديث أبي ذر - في ليلة القدر - قال: (يا رسول اللَّه أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رُفعت؟ قال: بل هي باقية).

9 - وروى أحمد بن محمّد بن سلمة في شرح معاني الآثار، في باب الرجل يقول لامرأته أنت طالق ليلة القدر، متى يقع الطلاق؟ بسنده، إلى مالك ابن مرثد عن أبيه، قال: (سألت أبا ذر فقلت: أسألت رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ليلة القدر؟ قال: نعم، كنت أسأل الناس عنها، قال عكرمة: يعني أشبع سؤلاً، قلت: يا رسول اللَّه، ليلة القدر أفي رمضان هي أم في غيره؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : في رمضان. قلت: وتكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا رُفعوا رُفعت؟ قال: بل هي إلى يوم القيامة) (3) .

10 - وفي صحيح ابن حِبان، قال في باب ذكر البيان بأنّ ليلة القدر تكون في العشر الأواخر كلّ سنة إلى أن تقوم الساعة، ثمّ روى بسند متّصل رواية أبي ذر

____________________

1) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص320.

2) صحيح ابن خزيمة، ج3، ص321.

3) شرح معاني الآثار، ج3، ص85.

٢٩٩

المتقدِّمة واللفظ فيها... (تكون في زمان الأنبياء ينزل عليهم الوحي، فإذا قُبضوا رُفعت؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : بل هي إلى يوم القيامة) (1) .

وروى البيهقي في فضائل الأوقات رواية أبي ذر المتقدّمة بإسناده (2) ، وقال - قبل تلك الرواية -: وليلة القدر التي ورد القرآن بفضيلتها إلى يوم القيامة وهي في كلّ رمضان... ثمّ نقل الخبر المزبور. وروى الهيثمي في موارد الظمآن رواية أبي ذر بسنده (3) .

11 - وروى أحمد بن محمّد بن سَلمة في معاني الآثار، في باب الرجل يقول لامرأته أنت طالق ليلة القدر، متى يقع الطلاق؟ بسنده إلى سعيد بن جبير عن ابن عمر، قال: (سُئل رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أسمع عن ليلة القدر؟ فقال: في كلّ رمضان). ففي هذا الحديث أنّها في كلّ رمضان، فقال قوم هذا دليل على أنّها تكون في أوّله وفي وسطه، كما قد تكون في آخره. وقد يحتمل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (في كلّ رمضان)، هذا المعنى، ويحتمل أنّها في كلّ رمضان إلى يوم القيامة (4) ، ورواه بطرق أخرى غير مرفوعة.

أقول: هذه الروايات عند العامّة مطابقة لما يأتي من الروايات عند أهل البيت عليهم‌السلام ، من عدّة وجوه، أهمّها:

أوّلاً: ليلة القدر كانت من لَدُن آدم عليه‌السلام ، واستمرّت إلى النبيّ الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي مستمرّة إلى يوم القيامة نزولاً على خلفاء النبيّ الاثني عشر.

وثانياً: إنّ هذا الروح النازل في ليلة القدر هو قناة ارتباط الأنبياء والأوصياء مع الغيب.

وثالثاً: ممّا يدلّل على عموم الخلافة الإلهية: ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ

____________________

1) صحيح ابن حِبّان، ج8، ص438.

2) البيهقي، ص 219.

3) موارد الظمآن، ص 231.

4) شرح معاني الحديث، ج3، ص84.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640