من لا يحضره الفقيه الجزء ٢

من لا يحضره الفقيه9%

من لا يحضره الفقيه مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 640

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤
  • البداية
  • السابق
  • 640 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 267611 / تحميل: 8506
الحجم الحجم الحجم
من لا يحضره الفقيه

من لا يحضره الفقيه الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

حين يقع الكلام على المعاد وخلق الإنسان ثانية من التراب يعدّون ذلك أمرا عجيبا ولا يمكن تصوّره وقبوله ، في حين أنّ الأمرين متماثلان : «وحكم الأمثال في ما يجوز وما لا يجوز واحد».

وهكذا فإنّ القرآن يستدلّ على المعاد في هذه الآيات والآيات الآنفة بأربعة طرق مختلفة ، فتارة عن طريق علم الله ، وأخرى عن طريق قدرته ، ثالثة عن طريق تكرّر صور المعاد ومشاهده في عالم النباتات ، وأخيرا عن طريق الالتفات إلى الخلق الأوّل.

ومتى ما عدنا إلى آيات القرآن الاخر في مجال المعاد وجدنا هذه الأدلّة بالإضافة إلى أدلّة أخر وردت في آيات مختلفة وبصورة مستقلّة ، وقد أثبت القرآن المعاد بالمنطق القويم والتعبير السليم والأسلوب الرائع (القاطع) للمنكرين وبيّنه بأحسن وجه فلو خضعوا لمنطق العقل وتجنّبوا الأحكام المسبقة والتعصّب الأعمى والتقليد الساذج فسرعان ما يذعنوا لهذه المسألة وسيعلمون بأنّ المعاد أو يوم القيامة ليس أمرا ملتويا وعسيرا.

* * *

٢١

الآيات

( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) )

التّفسير

كتابه جميع الأقوال :

يثار في هذه الآيات قسم آخر من المسائل المتعلّقة بالمعاد ، وهو ضبط أعمال الإنسان وإحصاؤها لتعرض على صاحبها عند يوم الحساب.

تبدأ الآيات فتتحدّث عن علم الله المطلق وإحاطته بكلّ شيء فتقول :( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ) .

كلمة «توسوس» مشتقّة من الوسوسة وهي ـ كما يراه الراغب في مفرداته ـ الأفكار غير المطلوبة التي تخطر بقلب الإنسان ، وأصل الكلمة «الوسواس» ومعناه الصوت الخفي وكذلك صوت أدوات الزينة وغيرها.

والمراد من الوسوسة في الآية هنا هي أنّ الله لمّا كان يعلم بما يخطر في قلب الإنسان والوساوس السابحة في أفكاره ، فمن البديهي أنّه عالم بجميع عقائده

٢٢

وأعماله وأقواله ، وسوف يحاسبه عليها يوم القيامة.

وجملة( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ ) يمكن أن تكون إشارة إلى أنّ خالق البشر محال أن لا يعلم بجزئيات خلقه؟! الخلق الدائم والمستمر ، لأنّ الفيض أو الجود منه يبلغ البشر لحظة بعد لحظة ، ولو انقطع الفيض لحظة لهلكنا ، كنور الشمس الذي ينتشر في الفضاء من منبع الفيض وهو الكرة الشمسية «بل كما سنبيّن فإنّ ارتباطنا بذاته المقدّسة أسمى ممّا مثّلنا ـ (بنور الشمس)».

أجل ، هو الخالق ، وخلقه دائم ومستمر ونحن مرتبطون به في جميع الحالات ، فمع هذه الحال كيف يمكن أن لا يعلم باطننا وظاهرنا؟!

ويضيف القرآن لمزيد الإيضاح في ذيل الآية قائلا :( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) .

ما أبلغ هذا التعبير!! فحياتنا الجسمانية متعلّقة بعصب يوصل الدم إلى القلب ويخرجه منها بصورة منتظمة وينقله إلى جميع أعضاء البدن ، ولو توقّف هذا العمل لحظة واحدة لمات الإنسان فالله أقرب إلى الإنسان من هذا العصب المسمّى بحبل الوريد.

وهذا ما أشار إليه القرآن في مكان آخر إذ قال :( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) .(١)

وبالطبع فإنّ هذا كلّه تشبيه تقريبي ، والله سبحانه أقرب من ذلك وأسمى رغم كون المثال المذكور أبلغ تصوير محسوس على شدّة القرب ، فمع هذه الإحاطة لله تعالى بمخلوقاته ، وكوننا في قبضة قدرته ، فإنّ تكليفنا واضح ، فلا شيء يخفى عليه لا الأفعال ولا الأقوال ولا الأفكار والنيّات ولا تخفى عليه حتّى الوساوس التي تخطر في القلوب!

__________________

(١) سورة الأنفال ، ٢٤.

٢٣

إنّ الالتفات إلى هذه الحقيقة يوقظ الإنسان ، ويكون على بيّنة من أمره وما هو مذخور له في صحيفة أعماله عند محكمة عدل الله فيتحوّل من إنسان غافل إلى موجود واع ملتزم ورع تقيّ ورد في حديث أنّ أبا حنيفة جاء إلى الصادقعليه‌السلام يوما فقال : رأيت ولدك موسى يصلّي والناس يعبرون من أمامه إلّا أنّه لم ينههم عن ذلك ، مع أنّ هذا العمل غير صحيح!.

فقال الصادقعليه‌السلام ادعوا لي ولدي موسى فدعي له فكرّر الإمام الصادق حديث أبي حنيفة لولده موسى بن جعفر فأجاب موسى بن جعفر قائلا : إنّ الذي كنت اصلّي له كان أقرب إليّ منهم يقول اللهعزوجل :( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) فاحتضنه الإمام الصادق وقال : بأبي أنت وأمّي يا مستودع الأسرار(١) .

وللمفسّرين آراء عديدة في معنى «الوريد» فمنهم من يعتقد بأنّ «الوريد» هو العصب المتّصل بقلب الإنسان أو كبده ، ويعتقد بعضهم بأنّ الوريد جميع الأعصاب في بدن الإنسان في حين أنّ بعضهم يعتقد بأنّه عصب الرقبة فحسب! إلّا أنّ التّفسير الأوّل يبدو أكثر تناسبا ، ولا سيّما إذا لا حظنا الآية ٢٤ من سورة الأنفال آنفة الذكر!

وكلمة «الوريد» ـ ضمنا ـ مأخوذة من الورود ، ومعناه الذهاب نحو الماء ، وحيث إنّ الدم ـ يرد من هذا العصب إلى القلب ويخرج منه إلى سائر أعضاء بدن الإنسان سمّي بالوريد.

ولكن ينبغي الالتفات إلى أنّ الاصطلاح المتداول في هذا العصر في شأن «الوريد والشريان» ـ يعني المجاري التي توصل الدم من سائر أعضاء الجسم إلى قلب الإنسان ، وبالعكس ـ هذا الاصطلاح خاصّ بعلم الأحياء ولا علاقة له بالمفهوم اللغوي للوريد.

__________________

(١) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١٠٨.

٢٤

ويضيف القرآن في الآية التالية قائلا :( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ) (١) .

أي أنّه بالإضافة إلى إحاطة علم الله «التامّة» على ظاهر الإنسان وباطنه ، فهنالك ملكان مأموران بحفظ ما يصدر منه عن يمينه وشماله ، وهما معه دائما ولا ينفصلان عنه لتتمّ الحجّة عليه عن هذا الطريق أكثر ، ولتتأكّد مسألة الحساب (حساب الأعمال).

كلمة «تلقّى» معناها الأخذ والتسلّم ، و «المتلقّيان» هما ملكان مأموران بثبت أعمال الناس.

وكلمة «قعيد» مأخوذة من القعود ومعناها «جالس»(٢) والمراد بالقعيد هنا الرقيب والملازم للإنسان ، وبتعبير آخر أنّ الآية هذه لا تعني أنّ الملكين جالسين عن يمين الإنسان وعن شماله ، لأنّ الإنسان يكون في حال السير تارة ، واخرى في حال الجلوس ، بل التعبير هنا هو كناية عن وجودهما مع الإنسان وهما يترصّدان أعماله.

ويحتمل أيضا أنّهما قعيدان على كتفي الإنسان الأيمن والأيسر ، أو أنّهما قعيدان عند نابيه أو ناجذيه دائما ويسجّلان أعماله ، وهناك إشارة إلى هذا المعنى في بعض الرّوايات غير المعروفة «كما في بحار الأنوار ج ٥٩ ص ١٨٦ رقم الرّواية ٣٢».

وممّا يجدر التنويه عليه أنّه ورد في الرّوايات الإسلامية أنّ ملك اليمين كاتب

__________________

(١) كلمة إذ في جملة (إذ يتلقّى المتلقّيان) ظرف متعلّق بمحذوف وتقديره واذكروا إذ يتلقّى المتلقّيان ولهذا المعنى ذهب إليه جماعة من المفسّرين ، إلّا أنّ جماعة اخرى يرون بأنّ إذ متعلّقة بكلمة أقرب الواردة في الآية الآنفة إلّا أنّ التّفسير الأوّل يبدو أصحّ لأنّ كلّا من الجملتين «ونحن أقرب إليه من حبل الوريد» و «إذ يتلقّى المتلقّيان» إلخ تحتفظ باستقلالها دون أن يتقيّد كلّ بالأخرى ولا يتناسب الصدر والذيل في التّفسير الثاني.

(٢) كلمة قعيد مفردة مع أنّ كلمة المتلقّيان تثنية لأنّ في الآية حذفا وتقديرها إذ يتلقّى المتلقّيان عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد» وقد وقع هذا الحذف بقرينة ذكر الآخر.

٢٥

الحسنات ، وملك الشمال كاتب السيّئات ، وصاحب اليمين أمير على صاحب الشمال ، فإذا عمل الإنسان حسنة كتبها له صاحب اليمين بعشر أمثالها ، وإذا عمل سيّئة فأراد صاحب الشمال أن يكتبها قال له صاحب اليمين أمسك فيمسك عنه سبع ساعات ، فإذا استغفر الله منها لم يكتب عليه شيء ، وإن لم يستغفر الله كتب له سيّئة واحدة.

كما يظهر من بعض الرّوايات أنّهما يقولان بعد موت المؤمن : ربّنا قبضت روح عبدك فإلى أين؟ قال : سمائي مملوءة بملائكتي يعبدونني وأرضي مملوءة من خلقي يطيعونني اذهبا إلى قبر عبدي فسبّحاني وكبّراني وهلّلاني فاكتبا ذلك في حسنات عبدي(١) .

وفي رواية اخرى عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : «ما من أحد من المسلمين يبتلى ببلاء في جسده إلّا أمر الله تعالى الحفظة فقال : اكتبوا لعبدي ما كان يعمل وهو صحيح ما دام مشدودا في وثاقي» ثمّ أضافصلى‌الله‌عليه‌وسلم من مرض أو سافر كتب الله تعالى له ما كان يعمل صحيحا مقيما»(٢) .

وهذه الرّوايات جميعها إشارة إلى لطف الله الواسع.

أمّا آخر آية من الآيات محلّ البحث فتتحدّث عن الملكين أيضا فتقول :( ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (٣) .

وكان الكلام في الآية الآنفة عن كتابة جميع أعمال الإنسان ، وفي هذه الآية اهتمام بخصوص ألفاظه ، وهذا الأمر هو للأهميّة القصوى للقول وأثره في حياة الناس ، حتّى أنّ جملة واحدة أو عبارة قصيرة قد تؤدّي إلى تغيير مسير المجتمع

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) روح المعاني ، ج ٢٦ ، ص ١٦٥ ذيل الآيات محل البحث ، وهذا المضمون نفسه منقول عن الإمام الصادق في كتاب الكافي وكذلك بحار الأنوار ، ج ٥٩ ، ص ١٨٧ في الرّوايتين ٣٤ و٣٥».

(٣) الضمير في لديه يرجع إلى كلمة قول كما يحتمل أن يكون عائدا على الذي يلفظ القول ، إلّا أنّ الاحتمال الأوّل أنسب.

٢٦

نحو الخير أو الشرّ!! كما أنّ بعض الناس لا يعتقدون بأنّ الكلام جزء من أعمالهم ويرون أنفسهم أحرارا في الكلام مع أنّ أكثر الأمور تأثيرا وأخطرها في حياة الناس هو الكلام!.

فبناء على ذلك فإن ذكر هذه الآية بعد الآية المتقدّمة هو من قبيل ذكر الخاص بعد العام.

كلمة «الرقيب» معناها المراقب و «العتيد» معناها المتهيئ للعمل ، لذلك يطلق على الفرس المعدّة للركض بأنّها فرس عتيد كما يطلق على من يعدّ شيئا أو يدّخره بأنّه عتيد ، وهي من مادّة العتاد على زنة الجهاد ومعناها الادّخار!.

ويعتقد أغلب المفسّرين أنّ الرقيب والعتيد اسمان للملكين المذكورين في الآية المتقدّمة وهما «المتلقيان» فاسم ملك اليمين «رقيب» واسم ملك الشمال «عتيد» ، وبالرغم من أنّ الآية محلّ البحث ليس فيها قول صريح على هذا الأمر ، إلّا أنّ هذا التّفسير وبملاحظة مجموع الآيات يبدو غير بعيد!

ولكن أيّ كلام يكتب هذان الملكان؟ هناك أقوال بين المفسّرين قال بعضهم يكتبان كلّ كلام حتّى الصرخات من الألم ، في حين أنّ بعضهم الآخر يعتقد بأنّهما يكتبان ألفاظ الخير والشرّ والواجب والمستحبّ أو الحرام والمكروه ، ولا يكتبان ما هو مباح!

إلّا أنّ عموميّة التعبير يدلّ على أّ الملكين يكتبان كلّ لفظ وقول يقوله الإنسان.

الطريف أنّنا نقرأ رواية عن الإمام الصادق يقول فيها : «إنّ المؤمنين إذا قعدا يتحدّثان قالت الحفظة بعضها لبعض اعتزلوا بنا فلعلّ لهما سرّا وقد ستر الله عليهما!

يقول الراوي : ألم يقل الله تعالى( ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )

٢٧

فيجيب الإمامعليه‌السلام : إن كانت الحفظة لا تسمع فإنّ عالم السرّ يسمع ويرى»(١) .

ويستفاد من هذه الرّوايات أنّ الله سبحانه يكتم بعض أحاديث المؤمن التي فيها (جانب سرّي) احتراما وإكراما له ، إلّا أنّه حافظ لجميع هذه الأسرار.

ويستفاد من بعض الرّوايات أنّ حفظة الليل غير حفظة النهار ، كما بيّنا هذا المعنى في تفسير الآية ٧٨ من سورة الإسراء من نفس هذا التّفسير.

* * *

ملاحظة

الحبيب أقرب إلى الإنسان من نفسه!!

يقول بعض الفلاسفة : كما أنّ شدّة البعد توجب الخفاء فإنّ شدّة القرب كذلك ، فمثلا لو كانت الشمس بعيدة عنّا جدّا لما رأيناها ولو كانت قريبة منّا جدّا أو اقتربنا منها كثيرا فإنّ نورها سيذهلنا إلى درجة بحيث لا نستطيع رؤيتها.

وفي الحقيقة إنّ ذات الله المقدّسة كذلك : «يا من هو اختفى لفرط نوره»!

وفي الآيات محلّ البحث تشبيه رائع لقرب الله إلى العباد إذ قالت حاكية عنه سبحانه:( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) أي أنّ الله أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد.

والتشبيهات التي تقول مثلا العالم جميعه جسم والله روحه ، أو العالم كشعاع الشمس وهو قرصها وأمثال هذه لا يمكن أن توضّح العلاقة القريبة كما وصفتها الآية.

ولعلّ أفضل تعبير هو ما ورد على لسان أمير المؤمنينعليه‌السلام في خطبته الاولى من نهج البلاغة إذ قال عنه سبحانه : «مع كلّ شيء لا بمقارنة وغير كلّ شيء لا

__________________

(١) اصول الكافي طبقا لما نقل في نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ١١٠.

٢٨

بمزايلة».

وقد شبّه بعض الفلاسفة لبيان هذا القرب تشبيها آخر ، فقالوا إنّ ذات الله المقدّسة هي المعنى الاسمي والموجودات هي المعنى الحرفي.

وتوضيح ذلك : حين نقول : توجّه إلى الكعبة ، فإنّ كلمة (إلى) لا مفهوم لها وحدها ، وما لم تضف الكعبة إليها فستبقى مبهمة ، فعلى هذا ليس للمعنى الحرفي مفهوم إلّا تبعا للمفهوم الاسمي ، فوجود جميع موجودات العالم على هذه الشاكلة ، إذ دون ارتباطها بذاته لا مفهوم لها ولا وجود ولا بقاء لها أصلا وهذا يدلّ على نهاية قرب الله إلى العباد وقربهم إليه وإن كان الجهلة غافلين عن ذلك.

* * *

٢٩

الآيات

( وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢) )

التّفسير

القيامة ـ والبصر الحديد ـ

تعكس الآيات أعلاه مسائل اخرى تتعلّق بيوم المعاد : «مشهد الموت» و «النفخ في الصور» و «مشهد الحضور في المحشر»!

فتقول أوّلا :( وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ ) .

سكرة الموت : هي حال تشبه حالة الثمل السكران إذ تظهر على الإنسان بصورة الاضطراب والانقلاب والتبدّل ، وربّما استولت هذه الحالة على عقل الإنسان وسلبت شعوره وإختياره.

وكيف لا تكون كذلك مع أنّ الموت مرحلة انتقالية مهمّة ينبغي أن يقطع الإنسان فيها جميع علائقه بالدنيا التي تعلّق بها خلال سنين طويلة ، وأن يخطو في

٣٠

عالم جديد عليه مليء بالأسرار ، خاصّة أنّ الإنسان ـ لحظة الموت ـ يكون عنده إدراك جديد وبصر حديد ـ فهو يلاحظ عدم استقرار هذا العالم بعينيه ويرى الحوادث التي بعد الموت ، وهنا تتملّكه حالة الرعب والاستيحاش من قرنه إلى قدمه فتراه سكرا وليس بسكر(١) .

حتّى الأنبياء وأولياء الله الذين يواجهون حالة النزع والموت باطمئنان كامل ينالهم من شدائد هذه الحالة نصيب ، ويصابون ببعض العقبات في حالة الانتقال ، كما قد ورد في حالات انتقال روح النّبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بارئها عند اللحظات الأخيرة من عمره الشريف المبارك أنّه كان يدخل يده في إناء فيه ماء ويضعها على وجهه ويقول :( لا إِلهَ إِلَّا اللهُ ) ثمّ يقول : إن للموت سكرات(٢) .

وللإمام علي كلام بليغ يرسم لحظة الموت وسكراتها بعبارات حيّة بليغة إذ يقول : «اجتمعت عليهم سكرت الموت وحسرت الفوت ففترت لها أطرافهم وتغيّرت لها ألوانهم ثمّ إزداد الموت فيهم ولوجا فحيل بين أحدهم ومنطقه وانّه لبيّن أهله ينظر ببصره ويسمع باذنه على صحّة من عقله وبقاء من لبّه يفكّر فيم أفنى عمره؟ وفيم أذهب دهره؟ ويتذكّر أموالا جمعها أغمض في مطالبها وأخذها من مصرحاتها ومشتبهاتها قد لزمته تبعات جمعها وأشرف على فراقها تبقى لمن وراءه ينعمون فيها ويتمتّعون بها»(٣) .

كما أنّ هذا المعلّم الكبير ينذر في مكان آخر البشرية فيقول : «إنّكم لو عاينتم ما قد عاين من مات منكم لجزعتم ووهلتم وسمعتم وأطعتم ولكن محجوب عنكم ما قد عاينوا وقريب ما يطرح الحجاب»(٤) .

__________________

(١) السّكر ـ على زنة المكر ـ معناه في الأصل سدّ طريق الماء ، والسكر ـ على زنة الفكر ـ معناه المحلّ المسدود ، وحيث أنّ حالة الثمل تقع حاجزا وسدّا بين الإنسان وعقله فقد سمّيت بالسكر على زنة الشكر.

(٢) روح المعاني ، ج ٩ ، ص ١١٨

(٣) نهج البلاغة ، الخطبة ١٠٩.

(٤) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٠٠.

٣١

ثمّ يضيف القرآن في ذيل الآية قائلا :( ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) (١) أجل إنّ الموت حقيقة يهرب منها أغلب الناس لأنّهم يحسبونه فناء لا نافذة إلى عالم البقاء ، أو أنّهم لعلائقهم وارتباطاتهم الشديدة بالدنيا والمواهب المادية التي لهم فيها لا يستطيعون أن يصرفوا قلوبهم عنها ، أو لسواد صحيفة أعمالهم.

أيّا كان فهم منه يهربون ولكن ما ينفعهم ومصيرهم المحتوم في انتظار الجميع ولا مفرّ لأحد منه ، ولا بدّ أن ينزلوا إلى حفرة الموت ويقال لهم هذا ما كنتم منه تفرّون!!.

وقائل هذا الكلام ربّما هو الله أو الملائكة أو الضمائر اليقظة أو الجميع!.

والقرآن بيّن هذه الحقيقة في آيات أخر كما هو في الآية (٧٨) من سورة النساء إذ يقول :( أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ) !.

وقد ينسى الإنسان المغرور جميع الحقائق التي يراها بامّ عينيه على أثر حبّ الدنيا وحبّ الذات حتّى يبلغ درجة يقسم فيها أنّه خالد كما يقول القرآن في هذا الصدد :( أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ ) .

ولكن سواء أقسم أم لم يقسم ، وصدّق أم لم يصدّق فإنّ الموت حقيقة تحدق بالجميع وتحيق بهم ولا مفرّ لهم منها.

ثمّ يتحدّث القرآن عن النفخ في الصور فيقول :( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ) .

والمراد من «النفخ في الصور» هنا هو النفخة الثانية ، لأنّه كما نوّهنا آنفا فإنّ الصور ينفخ فيه مرّتين : فالنفخة الاولى تدعى بنفخة الفزع أو الصعق وهي التي تكون في نهاية الدنيا ويموت عند سماعها جميع الخلق ويتلاشى نظام العالم الدنيوي ، والنفخة الثانية هي نفخة «القيام والجمع والحضور» وتكون في بداية

__________________

(١) كلمة تحيد مشتقّة من مادّة حيد ـ على وزن صيد ـ ومعناها العدول عن الشيء والفرار منه.

٣٢

البعث والنشور والقيامة وبها يحيى الناس جميعهم ويخرجون «وينسلون» من الأجداث والقبور إلى ربّهم وحساب «عدله» وجزائه.

«النفخ» معناه معروف ، و «النفخة» بمعنى المرّة منه ، و «الصور» هو المزمار أو «البوق» والذي يستعمل في القضايا العسكرية عادة لجمع الجنود أو تفريقهم أو الاستعداد أو الذهاب للراحة والنوم ، واستعماله في صور إسرافيل نوع من الكناية والتشبيه «وقد بيّنا تفصيل هذا الموضوع في ذيل الآية ٦٨ من سورة الزمر».

وعلى كلّ حال ، فمع الالتفات وملاحظة جملة «ذلك يوم الوعيد» يتّضح أنّ المراد من نفخة الصور هنا هو النفخة الثانية ويوم النشور والقيامة.

وفي الآية التالية بيان لحال الناس يوم المحشر بهذه الصورة :( وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ ) .

فالسائق يسوقه نحو محكمة عدل الله ، والشهيد يشهد على أعماله! وهي كمحاكم هذا العالم إذ يسوق المأمورون المتّهمين ويأتون معهم للمحكمة ويشهد عليهم الشهود.

واحتمل بعض المفسّرين أنّ السائق هو من يسوق الصالحين نحو الجنّة والصالحين نحو جهنّم ، ولكن مع ملاحظة كلمة «الشهيد» معها يكون المعنى الأوّل وهو السوق نحو محكمة عدل الله أنسب.

ولكن من هما السائق والشهيد؟ أهما «ملكان» من الملائكة أو سواهما ، هناك تفاسير متعدّدة.

قال بعضهم : إنّ «السائق» هو الملك الذي يكتب الحسنات ، و «الشهيد» هو الملك الذي يكتب السيّئات ، فيكون المراد بهما الملكين الوارد ذكرهما في الآيات المتقدّمة.

ويستفاد من بعض الرّوايات أنّ «السائق» ملك الموت و «الشهيد» رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ولكن هذه الرّواية مع ملاحظة لحن الآيات تبدو ضعيفة.

٣٣

وقال بعضهم : «السائق» الملك الذي يسوق كلّ إنسان و «الشهيد» عمل الإنسان.

كما قيل أنّ «السائق» ملك و «الشهيد» أعضاء جسم الإنسان أو صحيفة أعماله أو الكتاب الذي في عنقه.

ويحتمل أنّ السائق والشهيد ملك واحد ، وعطف اللفظين بعضهما على الآخر هو لاختلاف الوصفين ، أي أنّ مع الإنسان ملكا يسوقه إلى محكمة عدل الله ويشهد عليه أيضا.

إلّا أنّ أغلب هذه التفاسير مخالف لظاهر الآية ، وظاهر الآية كما فهم منه أغلب المفسّرين أنّ ملكين يأتيان مع كلّ إنسان ، فواحد يسوقه والآخر يشهد على أعماله.

ومن الواضح أنّ شهادة بعض الملائكة لا تنفي وجود شهادة اخرى لبعض الشهود في يوم القيامة ، الشهود الذين هم من قبيل الأنبياء وأعضاء البدن ، وصحائف الأعمال والزمان والمكان الذين وقع عمل الإنسان فيهما أو أثم فيهما.

وعلى كلّ حال فالملك الأوّل يمنع الإنسان عن الفرار ، والملك الثاني يمنع عن الإنكار ، وهكذا فإنّ كلّ إنسان في ذلك اليوم مبتلى بأعماله ولا مفرّ له من جزاء أعماله أبدا.

وهنا يخاطب المجرمون أو جميع الناس (فردا فردا) فيقال :( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) .

أجل ، إنّ أستار عالم المادّة من الآمال والعلاقة بالدنيا والأولاد والمرأة والأنانية والغرور والعصبية والجهل والعناد وحبّ الذات لم تكن تسمح أن تنظر إلى هذا اليوم مع وضوح دلائل المعاد والنشور ، فهذا اليوم ينفض عنك غبار الغفلة ، وتماط عنك حجب الجهل والتعصّب واللجاجة ، وتنشقّ أستار الشهوات والآمال ، وما كان مستورا وراء حجاب الغيب يبدو ظاهرا اليوم ، لأنّ هذا اليوم يوم البروز

٣٤

ويوم الشهود ويوم تبلى السرائر!

ولذلك فقد وجدت عينا حادّة البصر ويمكن أن تدرك جميع الحقائق بصورة جيّدة.

أجل ، إنّ وجه الحقيقة لم يكن مخفيا ولا لثام على جمال الحبيب ، ولكن ينبغي أن ينفض غبار الطريق ليمكن رؤيته.

إلّا أنّ الغرق في بحر الطبيعة والابتلاء بأنواع الحجب لا يسمحان للإنسان أن يرى الحقائق بصورة واضحة ، لكنّه في يوم القيامة حيث تنقطع كلّ هذه العلائق فمن البديهي أن يحصل للإنسان إدراك جديد ونظرة ثاقبة ، وأساسا فإنّ يوم القيامة يوم الظهور وبروز الحقائق!

حتّى في هذه الدنيا استطاع البعض تخليص أنفسهم من قبضة الأهواء واتّباع الشهوات وأن يلقوا الحجب عن عيون قلوبهم لرزقوا بصرا حديدا يرون به الحقائق ، أمّا أبناء الدنيا فمحرومين منه.

وينبغي الالتفات إلى أنّ الحديد نوع من المعدن كما يطلق على السيف والمدية ، ثمّ توسّعوا فيه فأطلقوه على حدّة البصر وحدّة الذكاء ، ومن هنا يظهر أنّ المراد بالبصر ليس العين الحقيقية الظاهرة ، بل بصر العقل والقلب.

يقول الإمام عليعليه‌السلام في أولياء الله في أرضه : «هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة ، وباشروا روح اليقين واستلانوا ما استعوره المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحل الأعلى أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه»(١) .

* * *

__________________

(١) نهج البلاغة ـ الكلمات القصار ـ الكلمة ١٤٧.

٣٥

بحوث

١ ـ حقيقة الموت

يتصوّر أغلب الناس أنّ الموت أمر عدمي ومعناه الفناء ، إلّا أنّ هذه النظرة لا تنسجم مع ما ورد في القرآن المجيد وما تدلّ عليه الدلائل العقلية ولا توافقها أبدا.

فالموت في نظر القرآن أمر وجودي ، وهو انتقال وعبور من عالم إلى آخر ، ولذلك عبّر عن الموت في كثير من الآيات بـ «توفّي» ويعني تسلّم الروح واستعادتها من الجسد بواسطة الملائكة.

والتعبير في الآيات المتقدّمة( وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ ) هو إشارة إلى هذا المعنى(١) أيضا ، وقد جاء في بعض الآيات التعبير عن الموت بالخلق :( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ ) (الملك ـ ٢).

وهناك تعبيرات متعدّدة عن حقيقة الموت في الرّوايات الإسلامية ، ففي رواية أنّ الإمام علي بن الحسين سئل : ما الموت؟ فقال :عليه‌السلام : «للمؤمن كنزع ثياب وسخة قملة وفكّ قيود وأغلال ثقيلة والاستبدال بأفخر ثياب وأطيبها روائح وأوطئ المراكب وآنس المنازل وللكافر كخلع ثياب فاخرة والنقل عن منازل أنيسة والاستبدال بأوسخ الثياب وأخشنها وأوحش المنازل وأعظم العذاب».

وسئل الإمام محمّد بن عليّعليه‌السلام السؤال الآنف ذاته فقال : «هو النوم الذي يأتيكم كلّ ليلة إلّا أنّه طويل مدّته لا ينتبه منه إلّا يوم القيامة»(٢) .

وقد قلنا في المباحث المتعلّقة بالبرزخ أنّ حالات الأشخاص متفاوتة في البرزخ ، فبعضهم كأنّهم يغطّون في نوم عميق ، وبعضهم «كالشهداء في سبيل الله

__________________

(١) في المراد من الباء في كلمة بالحقّ هناك احتمالات عديدة ، فمنهم قال معناه التعدية والحقّ معناه الموت ، ويكون معنى الجملة إنّ سكرات الموت لها واقعية أي أنّ السكرات تصحب معها الموت ، وقيل أنّ الباء للملابسة ، أي أنّ سكرات الموت تأتي مع الحقّ.

(٢) بحار الأنوار ، ج ٦ ، ص ١٥٥ [ويظهر أنّ المراد من الإمام محمّد بن علي هو الإمام التاسع محمّد الجوادعليه‌السلام ].

٣٦

والمؤمنين الراسخين» ينعّمون بأنواع النعم بينما يعذّب الأشقياء والجبابرة بعذاب الله الأليم!

وقد بيّن الإمام الحسينعليه‌السلام لأصحابه حقيقة الموت يوم عاشوراء عند اشتداد المأزق والقتال بتعبير لطيف بليغ فقال : «صبرا بني الكرام ، فما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّاء إلى الجنان الواسعة ، والنعم الدائمة ، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر وما هو لأعدائكم إلّا كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب إنّ أبي حدّثني عن رسول الله إنّ الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر والموت جسر هؤلاء إلى جنانهم وجسر هؤلاء إلى جحيمهم»(١) .

ونقرأ في حديث آخر أنّ الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام دخل على رجل يعاني سكرات الموت ولم يكلّم أحدا ، فسأل الحاضرون الإمام موسى بن جعفر : يا بن رسول الله وددنا لو عرفنا كيف الموت وكيف هو حال صاحبنا؟

فقالعليه‌السلام : «الموت هو المصفاة يصفّي المؤمنين من ذنوبهم فيكون آخر ألم يصيبهم كفّارة آخر وزر بقي عليهم ويصفّي الكافرين من حسناتهم فيكون آخر لذّة أو راحة تلحقهم وهو آخر ثواب حسنة تكون لهم ، وأمّا صاحبكم هذا فقد نخل من الذنوب نخلا وصفّي من الآثام تصفية وخلص حتّى نقي كما ينقّى الثوب من الوسخ وصلح لمعاشرتنا أهل البيت في دارنا دار الأبد»(٢) .

٢ ـ سكرات الموت

كان الكلام في الآيات الآنفة على سكرات الموت ، وقلنا أنّ «السكرات» جمع سكرة ، ومعناها الحالة التي تشبه حالة الثمل على أثر اشتداد حالة الإنسان اضطرب منها فيرى سكرا وليس بسكر!

صحيح أنّ الموت هو للمؤمنين بداية انتقال إلى عالم أوسع مليء بمواهب

__________________

(١) معاني الأخبار ص ٢٨٩ باب معنى الموت الحديث ٣.

(٢) المصدر السابق.

٣٧

الله ، إلّا أنّه مع ذلك فإنّ هذه الحالة الانتقالية ليست سهلة لأي إنسان ، لأنّ روحه تطبّعت مع البدن سنين طوالا وارتبطت به.

ولذلك فإنّه حين يسأل الإمام الصادقعليه‌السلام عن سبب اضطراب الجسد حين خروج الروح منه يجيب : لأنّه نما عليها البدن(١) .

وهذا يشبه تماما حالة قلع السنّ الفاسد من اللثّة ، فإنّه عند قلعه يحسّ الإنسان بالألم إلّا أنّه يشعر بالراحة بعدئذ.

ونقرأ في الرّوايات الإسلامية أنّ الإنسان يستوحش من ثلاثة أيّام ، يوم يولد فيه فيرى هذا العالم الذي لم يعرفه ، ويوم يموت ويرى عالم ما بعد الموت ، ويوم القرآن يقول في شأن يحيى بن زكريا :( وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ) (٢) ويحكى على لسان عيسى بن مريم مثل هذا الكلام ، فهذان النبيّان مشمولان بعناية الله في هذه الأيّام الثلاثة!.

وبالطبع فإنّه من المسلّم به أنّ المرتبطين بهذه الدنيا يكون انتقالهم منها أصعب وقطع القلوب منها أشدّ ، كما أنّ الآثمين وأصحاب الذنوب تكون عليهم سكرات الموت أكثر ألما ومرارة!.

٣ ـ الموت حقّ

ليست الآيات محلّ البحث وحدها تتحدّث عن الموت بأنّه حقّ ، بل هناك آيات كثيرة في القرآن تصرّح بأنّ الموت حقّ ويقين ، إذ نقرأ في الآية (٩٩) من

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ٦ ، ص ١٥٦.

(٢) المصدر نفسه مع شيء من التلخيص : نقرأ في سورة مريم الآية ١٥ في شأن يحيى :( وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) كما نقرأ في شأن عيسى بن مريم في السورة ذاتها( وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) .

٣٨

سورة الحجر( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) . وفي الآية (٤٧) من سورة المدثر نقرأ ما يشبه هذا التعبير أيضا.

كلّ ذلك لأنّ الإنسان إذا أنكر كلّ شيء فليس بوسعه أن ينكر أنّ الموت حقّ وأنّه لا بدّ أن يطرق بابه ، فالموت يطرق أبواب الجميع ويأخذهم معه أخيرا.

والالتفات ـ إلى حقيقة الموت ـ يعدّ إنذارا لجميع الناس ليفكّروا أكثر وأحسن ويعرفوا طريقهم المقدمين عليه وما هو أمامهم ويستعدّوا له!

الطريف أنّنا نقرأ في بعض الرّوايات أنّ رجلا جاء إلى عمر فقال : إنّي أحبّ الفتنة وأكره الحقّ وأشهد على ما لم أره ، فأمر عمر به فحبس ، فبلغ ذلك علياعليه‌السلام فقال : يا عمر إنّ حبسه ظلم وقد أثمت على ذلك. فقال : ولم؟ فقال علي : إنّه ـ يحبّ أمواله وأولاده وقد قال الله عنهما في بعض آياته أنّهما فتنة( إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ) (١) ويكره الموت والقرآن يعبّر عنه بأنّه حقّ( وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ ) (٢) ويشهد بوحدانية الله وهو لم يره. فقال عمر : لو لا علي لهلك عمر(٣) .

* * *

__________________

(١) التغابن ، الآية ١٥.

(٢) سورة ق ، الآية ١٩.

(٣) تفسير روح البيان ، ج ٩ ، ص ١١٨.

٣٩

الآيات

( وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (٢٦) قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٢٧) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠) )

التّفسير

قرناء الإنسان من الملائكة والشياطين :

مرّة اخرى ترتسم في هذه الآيات صورة اخرى عن المعاد ، صورة مثيرة مذهلة حيث أنّ الملك ـ قرين الإنسان ـ يبيّن محكومية الإنسان بين الملأ ويصدر حكم الله لمعاقبته وجزائه.

تقول الآية الاولى من هذه الآيات : يقول صاحبه وقرينه هذا كتاب أعمال

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

امر بالامساك بقية يومه تأديبا وليس بفرض.

وأما صوم الاباحة(١) فمن أكل أو شرب ناسيا أو تقيأ من غير تعمد فقد أباح الله عزوجل ذلك له وأجزأ عنه صومه.

وأما صوم السفر والمرض فإن العامة اختلفت فيه فقال قوم: يصوم وقال قوم: لا يصوم وقال قوم: إن شاء صام وان شاء أفطر، فأما نحن فنقول: يفطر في الحالتين جميعا فإن صام في السفر أو في حال المرض فعليه القضاء في ذلك لان الله عزوجل يقول: " فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام اخر "(٢) .

باب صوم السنة

١٧٨٥ - روى الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن محمد بن مروان قال: " سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصوم حتى يقال: لا يفطر، ويفطر حتى يقال: لا يصوم، ثم صام يوما وأفطر يوما، ثم صام الاثنين والخميس، ثم آل من ذلك إلى صيام ثلاثة أيام في الشهر: الخميس في أول الشهر، وأربعاء في وسط الشهر، وخميس في آخر الشهر، وكان صلى الله عليه وآله يقول: ذلك صوم الدهر وقد كان أبي عليه السلام يقول: ما من أحد أبغض إلى الله عزوجل من رجل يقال له: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يفعل كذا وكذا فيقول: لا يعذبني الله عزوجل على أن أجتهد في الصلاة والصوم(٣) كأنه يرى أن رسول الله صلى الله عليه وآله ترك شيئا من الفضل عجزا عنه ".

___________________________________

(١) أى صوم وقع فيه مفطر على وجه لم يفسد صومه وهو صوم قد أبيح له فيه شئ.

(٢) سند الخبر عامى ولا اعتماد على ما تفردوا به ومروى هنا وفى الكافى عن القاسم بن محمد الجوهرى، عن سليمان بن داود، عن سفيان بن عيينة عن الزهرى ورواه التهذيب عن الكلينى.

(٣) لعله محمول على ما إذا زاد بقصد السنة بأن أدخلها في السنة أو على قصد الزيادة على عمل رسول الله صلى الله عليه وآله واستقلال عمله لئلا ينافى ما ورد من الفضل في سائر أنواع الصيام والصلاة. (المرآة)

٨١

١٧٨٦ - وفي رواية حماد بن عثمان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " صام رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قيل: ما يفطر، ثم أفطر حتى قيل: ما يصوم ثم صام صوم داود عليه السلام يوما ويوما(١) ، ثم قبض عليه السلام على صيام ثلاثة أيام في الشهر، وقال: يعدلن صوم الدهر(٢) ويذهبن بوحر الصدر (وقال حماد: الوحر الوسوسة)(٣) فقال حماد: فقلت: وأي الايام هي؟ قال: أول خميس في الشهر وأول أربعاء بعد العشر منه وآخر خميس فيه، فقلت: وكيف صارت هذه الايام التي تصام؟ فقال لان من قبلنا من الامم كانوا إذا نزل على أحدهم العذاب نزل في هذه الايام فصام رسول الله صلى الله عليه وآله هذه الايام لانها الايام المخوفة ".

١٧٨٧ - وروى الفضيبل بن يسار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا صام أحدكم الثلاثة الايام من الشهر فلا يجادلن أحدا ولا يجهل(٤) ولا يسرع إلى الحلف و الايمان بالله، فإن جهل عليه أحد فليحتمل ".(٥)

١٧٨٨ - وروى عبدالله بن المغيرة، عن حبيب الخثعمي فال: " قلت لابي عبدالله عليه السلام أخبرني عن التطوع، وعن هذه الثلاثة الايام إذا أجنبت من أول الليل فأعلم أني قد أجنبت فأنام متعمدا حتى ينفجر الفجر أصوم أولا أصوم؟ قال: صم ".(٦)

___________________________________

(١) أى يوم يصوم ويوما لا يصوم كما في أخبار في الكافى وغيره ففيها " يوما و يوما لا " ولعل " لا " سقط من النساخ.

(٢) حيث ان كل يوم يحسب بعشرة أيام كما يستفاد من قوله عزوجل " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ".(مراد)

(٣) في النهاية: الوحر بالتحريك: وسواس الصدر وغشه وقيل: العداوة، و قيل: أشد الغضب، وقيل: الغيظ.

(٤) " لا يجهل " أى لا يعمل عمل الجهال من الفحش والكذب والمعاصى.

(٥) لعل المراد منه أنه ان شتمه أحد بطريق الجهالة وآذاه فلا يتعرض لجوابه.وفى الكافى " فليتحمل ".

(٦) يدل على عدم اشتراط ادراك الصبح طاهرا في الصوم النافلة وربما يخص بالنوم.

٨٢

١٧٨٩ - وقال أمير المؤمنين عليه السلام: " صيام شهر الصبر(١) وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن ببلابل الصدر، وصيام ثلاثة أيام في كل شهر صيام الدهر، إن الله عزوجل يقول: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ".

١٧٩٠ - وفي رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله سئل عن صوم خميسين بينهما أربعاء، فقال: أما الخميس فيوم تعرض فيه الاعمال، وأما الاربعاء فيوم خلقت فيه النار، وأما الصوم فجنة ".(٢)

١٧٩١ - وفي رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إنما يصام في يوم الاربعاء لانه لم تعذب امة فيما مضى إلا يوم الاربعاء وسط الشهر، فيستحب أن يصام ذلك اليوم ".(٣)

١٧٩٢ - وفي رواية عبدالله بن سنان قال: قال لي أبوعبدالله عليه السلام: " إذا كان في أول الشهر خميسان فصم أولهما فإنه أفضل وإذا كان في آخر الشهر خميسان فصم آخرهما فإنه أفضل ".

١٧٩٣ - وسأل عيص بن القاسم(٤) أبا عبدالله عليه السلام " عمن لم يصم الثلاثة من كل شهر وهو يشتد عليه الصيام هل فيه فداء؟ فقال: مد من طعام في كل يوم ".(٥)

___________________________________

(١) أى شهر رمضان. والبلابل: الوساوس، ففى النهاية بلبة الصدر: وساوسه.

(٢) سئل صلى الله عليه وآله عن علة تخصيص اليومين من بين أيام الاسابيع فأجاب بان أحدهما يوم عرض الاعمال فناسب أن يقع فيه الصوم ليصادف العرض العبادة، والاخر يوم خلق فيه النار فناسب أن يقع فيه الصوم الذى هو جنة من النار. (الوافى)

(٣) لا يخفى أن المستفاد من حصر العذاب للامم السابقة في الاربعاء ينافى بظاهره ما تدل عليه رواية حماد السابقة من أن نزول العذاب عليهم في الايام الثلاثة، ويمكن الجمع بان قوله عليه السلام " وسط الشهر " متعلق بقوله " لم يعذب " لا بيوم الاربعاء فالمعنى أنه لم يعذب امة وسط الشهر أو في العشر الوسط الا في يوم الاربعاء، فلا ينافى كون العذاب في غير العشر الاوسط في يوم الخميس كما ورد في رواية حماد.(سلطان)

(٤) هو ثقة والطريق اليه صحيح كما في الخلاصة.

(٥) يدل على استحباب الفداء بدلا.

٨٣

١٧٩٤ - وروى ابن مسكان عن إبراهيم بن المثنى(١) قال: " قلت لابي عبدالله عليه السلام: إني قد اشتد علي صوم ثلاثة أيام في كل شهر فما يجزي عني أن أتصدق مكان كل يوم بدرهم؟ فقال: صدقة درهم أفضل من صيام يوم "(٢) .

١٧٩٥ - وروى الحسن بن محبوب، عن الحسن بن أبي حمزة قال: قلت لابي جعفر أو لابي عبدالله عليهما السلام: " صوم ثلاثة أيام في الشهر أؤخره في الصيف إلى الشتاء فإني أجده أهون علي، فقال: نعم فاحفظها "(٣) .

١٧٩٦ - وروى ابن بكير، عن زرارة قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " بم جرت السنة من الصوم؟ فقال: ثلاثة أيام من كل شهر: الخميس في العشر الاول، والاربعاء في العشر الاوسط، والخميس في العشر الآخر، قال: قلت: هذا جميع ما جرت به السنة في الصوم(٤) ؟ فقال: نعم ".

١٧٩٧ - وروى داود الرقي عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " لافطارك في منزل أخيك أفضل من صيامك سبعين ضعفا أو تسعين ضعفا ".(٥)

١٧٩٨ - وروى جميل بن دراج عنه عليه السلام أنه قال: " من دخل على أخيه و

___________________________________

(١) ابراهيم بن المثنى مجهول الحال ولا يضر بصحة السند لان الطريق إلى عبدالله بن مسكان صحيح وهو من أصحاب الاجماع.

(٢) الخبر كسابقه يدل على استحباب الفداء وقوله " فما يجزى عنى " أى أفما يجزى عنى أن أتصدق الخ " وكأن حرف الاستفهام محذوف.

(٣) ذهب الاصحاب إلى استحباب قضاء صوم الثلاثة الايام في الشتاء لما فات منه في الصيف بسب المشقة بل قيل باستحباب قضائها مطلقا (المرآة) وقوله: " فاحفظها " أى لا تتركها مطلقا بل ان تركتها في الصيف فاقضها في الشتاء.(سلطان)

(٤) أى ما استقرت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وآله.

(٥) الترديد من الراوى والظاهر أن المراد بالضعف ضعف ثواب الصوم (مراد) واريد بالافطار هنا نقض الصيام.

واحتمل بعض الافاضل ارادة الافطار بعد الغروب على وجه يصح معه الصوم لا في أثناء النهار، وهو غريب.

٨٤

هو صائم فأفطر عنده(١) ولم يعلمه بصومه فيمن عليه، كتب الله له صوم سنة "(٢) .

قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: هذا في السنة والتطوع جميعا(٣) .

وقال أبي رضي الله عنه - في رسالته إلي إذا أردت سفرا وأردت أن تقدم من صوم السنة شيئا فصم ثلاثة أيام للشهر الذي تريد الخروج فيه "(٤) .

١٧٩٩ - وروي أنه سئل العالم عليه السلام " عن خميسين يتفقان في آخر العشر فقال: صم الاول فلعلك لا تلحق الثاني(٥) .

باب صوم التطوع وثوابه من الايام المتفرقة

١٨٠٠ - سأل محمد بن مسلم، وزرارة بن أعين أبا جعفر الباقر عليه السلام " عن صوم يوم عاشورا، فقال: كان صومه قبل شهر رمضان فلما نزل شهر رمضان ترك "(٦) .

___________________________________

(١) الظاهر أن الضمير المستتر راجع إلى الداخل والبارز راجع إلى المضيف والمراد كما يتبادر إلى الذهن الافطار في اثناء النهار لان المنة انما يكون في الافطار ونقض الصوم قبل الصوم.

(٢) ينافى بظاهره عدد السبعين أو التسعين كما في الرواية السابقة والظاهر أن المراد في أمثال هذه العبارات ليس خصوص العدد والقدر بل المراد المبالغة في الكثرة. (سلطان)

(٣) غرضه رحمه الله من السنة ما واظب عليه رسول الله صلى الله عليه وآله كالثلاثة من الشهر، ومن التطوع صيام سائر الايام المستحبة التى ليست بتلك المنزلة. وهذا مبنى على أن الافطار في اثناء النهار كما هو الظاهر.

(٤) بناء على كراهة الصوم المستحب في السفر.

(٥) ينافى بظاهره ما ذكره سابقا من أفضلية الخميس الاخر، ويمكن الجمع بحمل ذلك على من ظن بقاء السلامة إلى الاخر وهذا على خلاف ذلك (سلطان) وقوله " في آخر العشر " أى العشر الاخر، وفى بعض النسخ " في آخر الشهر".

(٦) قال استادنا الشعرانى مد ظله في هامش الوافى: اعلم أن يوم عاشورا كان يوم صوم اليهود ولا يزالون يصومون إلى الآن وهو الصوم الكبير ووقته اليوم العاشر من الشهر الاول من السنة، ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة كان أول سنة اليهود مطابقا لاول المحرم وكذلك كان بعده إلى أن حرم النسئ وترك في الاسلام وبقى عليه اليهود إلى زماننا هذا فتخلف أول سنة المسلمين عن أول سنتهم وافترق يوم عاشورا عن يوم صومهم وذلك لانهم ينسئون إلى زماننا فيجعلون في كل ثلاث سنين سنة واحدة ثلاثة عشر شهرا كما كان يفعله العرب في الجاهلية فصام رسول الله صلى الله عليه وآله والمسلمون يوم عاشورا كما كان يصومون وقال: نحن أولى بموسى منهم إلى أن نسخ وجوب صومه بصوم رمضان وبقى الجواز انتهى. =

٨٥

١٨٠١ - وقال علي عليه السلام: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صام يوما تطوعا أدخله الله عزوجل الجنة ".

١٨٠٢ - وروى جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: " من ختم له بصيام يوم الجنة "(١) .

١٨٠٣ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من صام يوما في سبيل الله كان يعدل سنة يصومها "(٢) .

١٨٠٤ - وقال الصادق عليه السلام: " من تطيب بطيب أول النهار وهو صائم لم يفقد

___________________________________

= وقال العلامة المجلسى رحمه الله: قد اختلفت الروايات في صوم يوم عاشورا وجمع الشيخ رحمه الله بينها بأن من صام يوم عاشورا على طريق الحزن بمصائب آل محمد عليهم السلام فقد أصاب، ومن صامه على ما يعتقد فيه مخالفونا من الفضل في صومه والتبرك به فقد أثم وأخطأ، ونقل هذا الجمع عن الشيخ المفيد رحمه الله والاظهر عندى أن الاخبار الواردة بفضل صومه محمولة على التقية وانما المستحب الامساك على وجه الحزن إلى العصر لا الصوم كما رواه الشيخ في المصباح.

(١) يعنى آخر أيامه يوم الصوم لا يوم الافطار.(سلطان)

(٢) أى لا يشوبه شئ آخر أصلا سوى وجه الله تعالى وان كان مما لا ينافى في الصحة ضمه مع القربة من طلب الجنة والهرب من النار مثلا فهو يعدل صوم سنة يكون فيه مثل الضميمة، فلا يرد أنه لو لم يكن صوم السنة في سبيل الله لم يكن صحيحا فلا مبالغة في معادلته و ان كان في سبيل الله كيف المعادلة.

واحتمال كون " سبيل الله " أى حال كونه في سفر الحج والجهاد بعيدا جدا (سلطان) أقول: في بعض النسخ " كان له كعدل سنة يصومها ".

٨٦

عقله "(١) .

١٨٠٥ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " ما من صائم يحضر قوما يطعمون إلا سبحت له أعضاؤه، وكانت صلاة الملائكة عليه، وكانت صلاتهم استغفارا ".

١٨٠٦ - وروي عن موسى بن جعفر عليهما السلام قال: " من صام أول يوم من عشر ذي الحجة كتب الله له صوم ثمانين شهرا، فإن صام التسع(٢) كتب الله عزوجل له صوم الدهر ".

١٨٠٧ - وقال الصادق عليه السلام: " صوم يوم التروية(٣) كفارة سنة، ويوم عرفة كفارة سنتين ".

١٨٠٨ - وروي " أن في أول يوم من ذي الحجة ولد إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام(٤) ، فمن صام ذلك اليوم كان كفارة ستين سنة، وفي تسع من ذي الحجة انزلت توبة داود عليه السلام فمن صام ذلك اليوم كان كفارة تسعين سنة ".

١٨٠٩ - وروي عن يعقوب بن شعيب قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن صوم يوم عرفة قال: إن شئت صمت وإن شئت لم تصم(٥) وذكر أن رجلا أتى الحسن والحسين عليهما السلام فوجد أحدهما صائما والآخر مفطرا، فسألهما فقالا: إن صمت فحسن وإن لم تصم فجائز ".

١٨١٠ - وروى عبدالله بن المغيرة، عن سالم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى علي عليه السلام وحده، وأوصى علي عليه السلام إلى الحسن والحسين *

_____________________________________________

(١) " يفقد " على صيغة المجهول ورفع " عقلة " أو على صيغة المعلوم ونصب " عقلة ".

(٢) يعنى من الاول إلى التاسع.

(٣) يوم التروية هو اليوم الثامن من ذى الحجة.

(٤) سيأتى تحت رقم ١٨١٤ ما يخالفه.

(٥) يدل على عدم تأكده، وحمل على من يضعفه الصوم عن الدعاء، أو لئلا يتوهم أنه واجب أو سنة وكيدة وان كان الفضل في صومه كصحيحة سليمان بن جعفر عن أبى الحسن عليه السلام كما في التهذيب ج ١ ص ٤٣٦.

وخبر عبدالرحمن بن أبى عبدالله عنه عليه السلام.

٨٧

عليهما السلام جميعا، وكان الحسن عليه السلام إمامه فدخل رجل يوم عرفة على الحسن عليه السلام و وهو يتغدي والحسين عليه السلام صائم، ثم جاء بعدما قبض الحسن عليه السلام فدخل على الحسين عليه السلام يوم عرفة وهو يتغدى وعلي بن الحسين عليهما السلام صائم، فقال له الرجل: إني دخلت على الحسن عليه السلام وهو يتغدى وأنت صائم، ثم دخلت عليك وأنت مفطر؟ فقال: إن الحسن عليه السلام كان إماما فأفطر لئلا يتخذ صومه سنة وليتأسى به الناس فلما أن قبض كنت أنا الامام فأردت أن لا يتخذ صومي سنة فيتأسى الناس بي ".

١٨١١ - وروى حنان بن سدير، عن أبيه قال: " سألته(١) عن صوم يوم عرفة فقلت: جعلت فداك إنهم يزعمون أنه يعدل صوم سنة قال: كان أبي عليه السلام لا يصومه، قلت: ولم جعلت فداك؟ قال: يوم عرفة يوم دعاء ومسألة فأتخوف أن يضعفني عن الدعاء وأكره أن أصومه، وأتخوف أن يكون يوم عرفة يوم الاضحى وليس بيوم صوم ".

قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله -: إن العامة غير موفقين لفطر ولا أضحى و إنما كره عليه السلام صوم يوم عرفة لانه كان يكون يوم العيد في أكثر السنين(٢) و تصديق ذلك:

___________________________________

(١) يعنى أبا جعفر عليه السلام كما صرح به في التهذيب ج ١ ص ٤٣٦.

(٢) قال سلطان العلماء: " الاشتباه وقع بين عرفة والعيد غضبا من الله تعالى على العامة وأكثر أيام عرفتهم يوم العيد في الواقع فافطر عليه السلام يوم عيدهم هربا من صوم العيد الواقعى وذلك لا ينافى استحباب صوم يوم عرفة الواقعى".

وقال استاذنا الشعرانى مد ظله: " لا يخفى أن هذا مخالف لاصول مذهبنا لان اشتباه عرفة بالعيد ان كان من الله تعالى غضبا عليهم فلا مؤاخذة عليهم وان لم يكن بسب ذلك مؤاخذة عليهم فكيف يكون غضبا، وانما يصح ذلك على اصول المجبرة والغالب في عصرنا ان الاختلاف في رؤية الاهلة بين بلادنا وبلاد الحجاز انما هو في تقديم يوم عيدهم على عيدنا فلا يمكن أن يحمل مضمون الرواية على نظير هذا الاختلاف فإن مقتضى الرواية تأخير الرؤية عندهم عن الهلال الواقعى على عكس ما يقع في أيامنا، واعلم أنه يمكن تقديم الرؤية بيوم في البلاد الغربية بالنسبة إلى الشرقية على ما هو مبين في علم التنجيم انتهى كلامه لاضحى ظله.

٨٨

١٨١٢ - ما قاله الصادق عليه السلام: " لما قتل الحسين بن علي عليهما السلام أمر الله عزوجل ملكا فنادى أيتها الامة الظالمة القاتلة عترة نبيها لا وفقكم الله تعالى لصوم و لافطر ".(١)

١٨١٣ - وفي حديث آخر: " لا وفقكم الله لفطر ولا أضحى ".(٢) ومن صام يوم عرفة فله من الثواب ما ذكرناه.

١٨١٤ - وروي عن الحسن بن علي الوشاء: قال: " كنت مع أبي وأنا غلام فتعشينا عند الرضا عليه السلام ليلة خمسة وعشرين من ذي القعدة فقال له: ليلة خمسة وعشرين من ذي القعدة ولد فيها إبراهيم عليه السلام(٣) ، وولد فيها عيسى بن مريم عليه السلام وفيها دحيت الارض من تحت الكعبة(٤) فمن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستين شهرا".

___________________________________

(١) لعله مضمون الخبر لا لفظه كما يظهر مما سيأتى تحت رقم ٢٠٥٩ في حديث عبدالله ابن لطيف التفليسى عن رزين وقال الفيض رحمه الله في الوافى بعد ذكر الخبر: لعل المراد بعدم التوفيق لهما عدم الفوز بجوائزهما وفوائدهما وما فيهما من الخيرات والبركات في الدنيا والآخرة وربما يخطر ببعض الاذهان ان المراد به اشتباه الهلال عليهم، أو المراد عدم توفيقهم للاتيان بالصلاة على وجهها بآدابها وسننها وشرائطها كما كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وقد تهيأ لها بوالحسن الرضا عليه السلام مرة في زمان مأمون الخليفة فحالوا بينه وبين اتمامها وفى كل زمن من المعنيين قصور أما الاول فلعدم مساعدته المشاهدة فان الاشتباه ليس بدائم مع أنه لا يضر لاستبانة حكمه وعدم منافاته لاكثر الصوم وعدم اختصاصه بالمدعو عليهم، وأما الثانى فلعدم مساعدة لفظ الخبر فان الصلاة غير الصوم والفطر وكيف كان فالدعوة مختصة بالمتحيرين الضالين من المخالفين، أو الظالمين القاتلين ومن رضى بفعالهم انتهى.

(٢) كما في رواية رزين عن أبى عبدالله عليه السلام المروية في الكافى ج ٤ ص ١٧٠.

(٣) هذا ينافى ما تقدم تحت رقم ١٨٠٨ حيث كان فيه " ولادة ابراهيم عليه السلام في أول يوم من ذى الحجة " وقيل: لعل المذكور في هذا الخبر ابراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله لعدم التصريح بالخليل وهو كما ترى آب عن السياق.

(٤) دحا الله الارض يدحوها دحوا: بسطها. (المصباح المنير)

٨٩

١٨١٥ - وروي " أن في تسع وعشرين(١) من ذي القعدة أنزل الله عزوجل الكعبة، وهي أول رحمة نزلت فمن صام ذلك اليوم كان كفارة سبعين سنة ".

١٨١٦ - وروى الحسن بن راشد عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " قلت: جعلت فداك للمسلمين عيد غير العيدين؟ قال: نعم يا حسن وأعظمهما وأشرفهما، قال: قلت له: فأي يوم هو؟ قال: هو يوم نصب أمير المؤمنين عليه السلام علما للناس، قلت: جعلت فداك وأي يوم هو؟ قال: إن الايام تدور وهو يوم ثمانية عشر من ذي الحجة قال: قلت: جعلت فداك وما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟ قال: تصومه يا حسن وتكثر فيه الصلاة على محمد وأهل بيته عليهم السلام، وتبرأ إلى الله عزوجل ممن ظلمهم حقهم، فإن الانبياء عليهم السلام كانت تأمر الاوصياء باليوم الذي كان يقام فيه الوصي أن يتخذ عيدا، قال: قلت: ما لمن صامه منا؟ قال: صيام ستين شهرا، ولا تدع صيام يوم سبعة وعشرين من رجب فإنه هو اليوم الذي أنزلت فيه النبوة على محمد صلى الله عليه وآله وثوابه مثل ستين شهرا لكم ".

١٨١٧ - وروى المفضل بن عمر عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " صوم يوم غدير خم كفارة ستين سنة ".

وأما خبر صلاة يوم غدير خم والثواب المذكور فيه لمن صامه فإن شيخنا محمد ابن الحسن رضي الله عنه كان لا يصححه ويقول: إنه من طريق محمد بن موسى الهمداني وكان كذابا غير ثقة(٢) وكل ما لم يصححه ذلك الشيخ قدس الله روحه

___________________________________

(١) سيأتى تحت رقم ٢٢٩٩ عن موسى بن جعفر عليهما السلام مثله وفيه " في خمسة و عشرين " وقال في روضة المتقين: الظاهر تبديل خمس بتسع وقع من الناسخ.

ولكن لا يبعد التعدد.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٢٩٤ عن الحسين بن الحسن الحسينى قال: حدثنا محمد بن موسى الهمدانى قال: حدثنا على بن حسان الواسطى قال: حدثنا على بن الحسين العبدى قال: " سمعت أبا عبدالله الصادق عليه السلام يقول: صيام يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا لو عاش انسان ثم صام ما عمرت الدنيا لكان له ثواب ذلك، وصيامه يعدل عند الله عزوجل في كل عام مائة حجة ومائة عمرة مبرورات متقبلات وهو عيد الله الاكبر إلى أن قال ومن صلى فيه ركعتين يغتسل عند زوال الشمس من قبل أن تزول مقدار نصف ساعة يسأل الله عزوجل يقرأ في كل ركعة سورة الحمد مرة، وعشر مرات قل هو الله أحد، وعشر مرات آية الكرسى، وعشر مرات انا أنزلناه عدلت عند الله عزوجل مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة الحديث " وهو طويل جدا لا يسعنا ذكر تمامه، ومن أراد الاطلاع فليراجع.

وأما محمد بن موسى الهمدانى أبوجعفر السمان فهو ضعيف يروى عن الضعفاء ضعفه القميون بالغلو وكان ابن الوليد يقول: انه كان يضع الحديث، كما في الخلاصة والله أعلم.

٩٠

ولم يحكم بصحته من الاخبار فهو عندنا متروك غير صحيح.

١٨١٨ - " وفى أول يوم من المحرم دعا زكريا عليه السلام ربه عزوجل فمن صام ذلك اليوم استجاب الله له كما استجاب لزكريا عليه السلام ".

١٨١٩ - وسأل أبوبصير أبا عبدالله عليه السلام " عن الصائم المتطوع تعرض له الحاجة، قال: هو بالخيار ما بينه وبين العصر، وإن مكث حتى العصر(١) ثم بدا له [أن يصوم] ولم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء"(٢) .

باب ثواب صوم رجب

١٨٢٠ - روى أبان بن عثمان، عن كثير النوا عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إن نوحا عليه السلام ركب السفينة أول يوم من رجب فأمر عليه السلام من معه أن يصوموا ذلك اليوم، وقال: من صام ذلك اليوم تباعدت عنه النار مسيرة سنة، ومن صام سبعة أيام أغلقت عنه أبواب النيران السبعة، ومن صام ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنان

___________________________________

(١) أى لم يأت بمفطر ولم ينو الصوم.

(٢) يدل على كراهة الافطار بعد العصر وعلى جواز النية في المندوب بعد العصر، والمشهور بين القدماء جواز نية النافلة إلى الزوال، والقول بامتداده إلى المغرب للشيخ في المبسوط والمرتضى وجماعة من القدماء وجمهور المتأخرين.

٩١

الثمانية، ومن صام خمسة عشر يوما أعطي مسألته، ومن زاده زاده الله عزوجل ".

١٨٢١ - وقال أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: " رجب نهر في الجنة أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، فمن صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر ".

١٨٢٢ - وقال أبوالحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: " رجب شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات، من صام يوما من رجب تباعدت عنه النار مسيرة سنة، ومن صام ثلاثة أيام وجبت له الجنة ".

وقد أخرجت ما رويته في هذا المعنى في كتاب فضائل رجب(١) .

باب ثواب صوم شعبان

١٨٢٣ - روى أبوحمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: " من صام شعبان كان له طهورا من كل زلة ووصمة وبادرة وقال: أبوحمزة فقلت لابي جعفر عليه السلام: ما الوصمة؟ قال: اليمين في المعصية والنذر، ولا نذر في المعصية، قلت: فما البادرة؟ قال: اليمين عند الغضب، والتوبة منها الندم عليها ".(٢)

١٨٢٤ - وروى الحسن بن محبوب، عن عبدالله بن مرحوم الازدي قال: " سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: من صام أول يوم من شعبان وجبت له الجنة البتة، ومن صام يومين نظر الله إليه في كل يوم وليلة في دار الدنيا وداوم نظره إليه في الجنة، ومن صام ثلاثة أيام زاره الله في عرشه من جنته في كل يوم ".

قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: زيارة الله زيارة أنبيائه وحججه صلوات

___________________________________

(١) ذكر الحجة السيد حسن الموسوى الخرسان مد ظله العالى أن عنده نسخة من فضائل الاشهر الثلاثة للمؤلف مخطوطة وقال: نسختها لنفسى بيدى.

أقول: راجع في ثواب صوم رجب ثواب الاعمال من ص ٧٧ إلى ٨٣ طبع مكتبة الصدوق ١٣٩١.

(٢) الوصمة في اللغة العيب في الجسد، والبادرة الحدة والغضب.

٩٢

الله عليهم من زارهم فقد زار الله عزوجل كما أن من أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله، ومن تابعهم فقد تابع الله عزوجل وليس ذلك على ما يتأوله المشبهة، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

١٨٢٥ - وقال الصادق عليه السلام: " صوم [شهر] شعبان وشهر رمضان شهرين متتابعين توبة والله من الله "(١) .

١٨٢٦ - وروى عمرو بن خالد عن أبى جعفر عليه السلام قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصوم شعبان وشهر رمضان يصلهما وينهى الناس أن يصلوهما، وكان يقول: هما شهر الله وهما كفارة لما قبلهما وما بعدهما من الذنوب ".

قوله عليه السلام: " وينهى الناس أن يصلوهما " هو على الانكار والحكاية لا على الاخبار(٢) ، وكأنه يقول: كان يصلهما وينهى الناس أن يصلوهما فمن شاء وصل ومن شاء فصل، وتصديق ذلك:

١٨٢٧ - ما رواه زرعة، عن المفضل، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " كان أبي عليه السلام يفصل ما بين شعبان وشهر رمضان بيوم، وكان علي بن الحسين عليهما السلام يصل ما بينهما ويقول: صوم شهرين متتابعين توبة من الله".

وقد صامه رسول الله صلى الله عليه وآله ووصله بشهر رمضان(٣) وصامه وفصل بينهما ولم يصمه

___________________________________

(١) رواه المصنف في ثواب الاعمال مسندا عن الصادق عليه السلام وفيه " صوم شعبان وشهر رمضان والله توبة من الله ".

ولعل المعنى قبولا منه ورحمة أى شرع ذلك توبة منه وأكده بالقسم.

(٢) " ينهى الناس حمله الشيخ رحمه الله على الوصال المحرم على غيره صلى الله عليه وآله بأن لا يفطر بين آخر شعبان وأول رمضان، ويمكن أن يقرأ على بناء الافعال بمعنى الاعلام والابلاغ، ويحتمل أيضا أن يكون " الناس " بالرفع ليكون فاعل " ينهى " أى لم يكن النبى صلى الله عليه وآله ينهى عن الوصل بل كان يفعله والناس أى العامة ينهون عنه افتراء عليه، والاظهر الحمل على التقية. (المرآة).

(٣) كما تقدم في حديث عمرو بن خالد تحت رقم ١٨٢٦.

٩٣

كله في جميع سنيه إلا أن أكثر صيامه كان فيه.(١)

١٨٢٨ - " وكن نساء النبي(٢) صلى الله عليه وآله إذا كان عليهن صيام أخرن ذلك إلى شعبان كراهية أن يمنعن رسول الله صلى الله عليه وآله حاجته، وإذا كان شعبان صمن وصام معهن، وكان عليه السلام يقول: شعبان شهري".

١٨٢٩ - وقال الصادق عليه السلام: " من صام ثلاثة أيام من آخر شعبان ووصلها بشهر رمضان كتب الله له صوم شهرين متتابعين ".

١٨٣٠ - وروى حريز، عن زرارة قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: " ما تقول في ليلة النصف من شعبان؟ قال: يغفر الله عزوجل فيها من خلقه لاكثر من عدد شعر معزى كلب(٣) وينزل الله عزوجل ملائكته إلى السماء الدنيا وإلى الارض بمكة ".

وقد أخرجت ما رويته في هذا المعنى في كتاب فضائل شعبان(٤) .

باب فضل شهر رمضان وثواب صيامه

١٨٣١ - روى الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب، عن أبي الورد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: " خطب رسول الله صلى الله عليه وآله الناس في آخر جمعة من شعبان فحمد الله

___________________________________

(١) لم أجده من طريق الخاصة وروى البخارى ومسلم وأبوداود عن عائشة قالت في حديث " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط الاشهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان " وفى سنن النسائى والترمذى.

قالت ما رأيت النبى صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياما منه في شعبان، كان يصومه الا قليلا، بل كان يصومه كله " وفى رواية للنسائى " قالت لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لشهر أكثر صياما منه لشعبان، كان يصومه أو عامته ".

(٢) رواه الكلينى بسند حسن كالصحيح في الكافى ج ٤ ص ٩٠ والشيخ في الصحيح عن أبى عبدالله عليه السلام.

(٣) " كلب " حى من قضاعة (الصحاح) وفى نسخة " بنى كلب ".

(٤) راجع ثواب الاعمال، ص ٨٣ إلى ٨٨.

٩٤

وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إنه قد أظلكم شهر(١) فيه ليلة خير من ألف شهر، وهو شهر رمضان فرض الله صيامه، وجعل قيام ليلة فيه كمن تطوع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور، وجعل لمن تطوع فيه بخصلة من خصال الخير والبر كأجر من أدى فريضة من فرائض الله عزوجل(٢) ، ومن أدى فريضة من فرائض الله كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، وهو شهر الصبر(٣) وإن الصبر ثوابه الجنة، وهو شهر المواساة(٤) وهو شهر يزيد الله فيه رزق المؤمن، ومن فطر فيه مؤمنا صائما كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لذنوبه فيما مضى، فقيل له: يا رسول الله ليس كلنا نقدر على أن نفطر صائما، فقال: إن الله تبارك وتعالى كريم يعطي هذا الثواب منكم لمن لم يقدر إلا على مذقة(٥) من لبن يفطر بها صائما أو شربة من ماء عذب أو تميرات لا يقدر على أكثر من ذلك، ومن خفف فيه عن مملوكه خفف الله عزوجل عليه حسابه، وهو شهر أوله رحمة، ووسطه مغفرة، وآخره إجابة والعتق من النار(٦) ، ولا غنى بكم فيه عن أربع خصال: خصلتين ترضون الله بهما، وخصلتين لا غنى بكم عنهما، فأما اللتان ترضون الله بهما فشهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الله عزوجل فيه حوائجكم والجنة وتسألون الله فيه العافية، وتتعوذون به من النار ".

___________________________________

(١) أى أقبل عليكم ودنا منكم كانه ألقى ظله عليكم. (النهاية)

(٢) يفهم منه فضل الفرائض على النوافل مطلقا.

(٣) أى الصبر في طاعة الله واتيان ما أمره من حفظ النفس عن تناول كل ما يشتهى من المباحات التى كانت له حلالا في غير هذا الشهر.

(٤) أى يساوى فيه الناس في الجوع والعطش غنيا كانوا أو فقيرا أو يساوى الناس في الحكم أى لا يجوز لاحدهم تناول شئ من المفطرات، أو هو شهر ينبغى فيه أن يشرك الاغنياء الفقراء وأهل الحاجة في معايشهم فيكون المعنى شهر المساهمة والمشاركة في المعاش.

(٥) المذقة: اللبن الممزوج بالماء وميمه أصلية.

(٦) أى في العشر الاول ينزل الله عزوجل الرحمات الدنيوية والاخروية على عباده، وفى العشر الاوسط يغفر ذنوبهم، وفى العشر الآخر يستحب دعاء‌هم ويعتق رقابهم من النار.

٩٥

١٨٣٢ - وقال رسول الله صلى الله عليه وآله(١) لما حضر شهر رمضان وذلك في ثلاث بقين من شعبان لبلال: " ناد في الناس فجمع الناس ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " أيها الناس إن هذا الشهر قد حضركم وهو سيد الشهور، فيه ليلة هي خير من ألف شهر، تغلق فيه أبواب النار، وتفتح فيه أبواب الجنان، فمن أدركه فلم يغفر له فأبعده الله، ومن أدرك والديه فلم يغفر له فأبعده الله، ومن ذكرت عنده فلم يصل علي فلم يغفر له(٢) فأبعده الله ".

١٨٣٣ - وروى جابر(٣) عن أبى جعفر عليه السلام قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا نظر إلى هلال شهر رمضان استقبل القبلة بوجهه ثم قال: " اللهم أهله علينا بالامن والايمان(٤) ، والسلامة والاسلام(٥) ، والعافية المجللة(٦) ، والرزق الواسع، ودفع الاسقام، وتلاوة القرآن، والعون على الصلاة والصيام، اللهم سلمنا لشهر رمضان وسلمه لنا وتسلمه(٧) منا حتى ينقضي رمضان وقد غفرت لنا " ثم يقبل بوجهه

___________________________________

(١) مروى في الكافى ج ٤ ص ٦٧ والتهذيب ج ص ٤٠٦ وثواب الاعمال ص ٩٠ بسند فيه ارسال عن أبى جعفر الباقر عليه السلام.

(٢) ليس في التهذيب قوله " فلم يغفر له " ههنا.

(٣) رواه الكلينى في الكافى ج ٤ ص ٦٨ مسندا.

(٤) أى اجعله طالعا لنا بالامن من الافات الدنيوية والاخروية. (م ت)

(٥) أى الانقياد لاوامرك وترك نواهيك. (م ت)

(٦) المجللة بالكسر أو الفتح أى الشاملة لجميع الاعضاء من الاسقام، أو الاعم من مكروهات الدارين. (م ت)

(٧) " سلمنا " أى بان نكون صحيحا حتى نصومه ونعبدك فيه. و " سلمه لنا " أى من الاشتباه في الصوم والفطر حتى لا يشتبه علينا يوم منه بغيره لاجل الهلال، و " تسلمه منا " أى تقبله منا يعنى تقبل منا ما نأتى فيه من العبادات والقربات.

٩٦

على الناس فيقول: يا معشر الناس إذا طلع هلال شهر رمضان غلت مردة الشياطين(١) وفتحت أبواب السماء وأبواب الجنان وأبواب الرحمة وغلقت أبواب النار(٢) و استجيب الدعاء، وكان لله تبارك وتعالى عند كل فطر عتقاء يعتقهم من النار، وينادي مناد كل ليلة هل من تائب؟ هل من سائل؟ هل من مستغفر؟ " اللهم أعط كل منفق خلفا، وأعط كل ممسك تلفا "(٣) حتى إذا طلع هلال شوال نودي المؤمنون: أن اغدوا إلى جوائزكم فهو يوم الجائزة، ثم قال أبوجعفر عليه السلام: أما والذي نفسي بيده ما هي بجائزة الدنانير والدراهم ".(٤)

١٨٣٤ - وروى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام " أن النبي صلى الله عليه وآله لما انصرف من عرفات وسار إلى منى دخل المسجد(٥) فاجتمع إليه الناس يسألونه عن ليلة القدر، فقام خطيبا فقال بعد الثناء على الله عزوجل: أما بعد فإنكم سألتموني عن ليلة القدر ولم أطوها عنكم لاني لم أكن بها عالما(٦) اعلموا أيها الناس إنه من ورد عليه شهر رمضان وهو صحيح سوي فصام نهاره وقام وردا من ليله(٧) وواظب على صلاته

___________________________________

(١) مردة جمع ما ورد وهو العاتى أو جمع مريد بفتح الميم وهو الذى لا ينقاد ولا يطيع.

(٢) فتح أبواب السماء كناية عن نزول الرحمة أو استجابة الدعاء أو كناية عن طريق التوجه إلى الله سبحانه والسؤال والاستغفار.

وفتح أبواب الجنان كناية عن كونه بحيث يأتى المكلف فيه بما يوجب فتحها له، وغلق أبواب النار كناية عن عدم اتيان العبد بما يوجب له النار.

(٣) " حلفا " بالتحريك أى عوضا عظيما في الدنيا والاخرة، وقوله: " أعط كل ممسك " ذكر الاعطاء هنا اما للمشاكلة أو التهكم، و " تلفا " أى تلف المال والنفس.(م ت)

(٤) يعنى ما هذه الجائزة دنيوية بل هى المغفرة والثواب والتوفيق.

(٥) يعنى مسجد الخيف.

(٦) أى ما كتمته عنكم أو ما أخفيته عنكم مع علمى بها بخلا عليكم أو ناشئا من عدم العلم بها بل لمصالح لا يعلمها الا الله تعالى.

(٧) الورد بكسر الواو وسكون الراء المهملة: الجزء ومن القرآن ما يقوم به الانسان كل ليلة. وفى المصباح المنير: الورد الوظيفة من قراء‌ة ونحو ذلك.

والمعنى قام تاليا للقرآن في بعض الليل أو داعيا فيه.

٩٧

وهجر إلى جمعته(١) وغدا إلى عيده فقد أدرك ليلة القدر وفاز بجائزة الرب عزوجل ".

١٨٣٥ - وقال أبوعبدالله عليه السلام: " فازوا والله بجوائز ليست كجوائز العباد ".

١٨٣٦ - وقال أبوجعفر عليه السلام لجابر(٢) : " يا جابر من دخل عليه شهر رمضان فصام نهاره وقام وردا من ليله، وحفظ فرجه ولسانه، وغض بصره، وكف أذاه خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه، قال جابر: قلت له: جعلت فداك ما أحسن هذا من حديث؟ قال: ما أشد هذا من شرط ".

١٨٣٧ - وقال علي عليه السلام: " لما حضر شهر رمضان قام رسول الله صلى الله عليه وآله فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس كفاكم الله عدوكم من الجن والانس، وقال: " ادعوني أستجب لكم " ووعدكم الاجابة، ألا وقد وكل الله عزوجل بكل شيطان مريد سبعين من ملائكته فليس بمحلول حتى ينقضي شهركم هذا، ألا وأبواب السماء مفتحة من أول ليلة منه، ألا والدعاء فيه مقبول ".

١٨٣٨ - وروى محمد بن مروان عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: " إن لله تبارك وتعالى في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء وطلقاء من النار إلا من أفطر على مسكر، فاذا كان آخر ليلة منه أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه"(٣) .

١٨٣٩ - وفي رواية عمر بن يزيد " إلا من أفطر على مسكر، أو مشاحن، أو صاحب شاهين وهو الشطرنج "(٤) .

___________________________________

(١) في بعض النسخ " وهاجر إلى جمعته "

(٢) هو الجعفى ورواه الكلينى بسند ضعيف ج ٤ ص ٨٧.

(٣) رواه الكلينى مسندا ج ٤ ص ٤٨. ومحمد بن مروان مجهول الحال.

(٤) رواه المصنف رحمه الله في ثواب الاعمال ص ٩٢. باسناده عن عمر بن يزيد وفيه " أو مشاحنا ". في بعض النسخ الكتاب " مشاجرا " والمشاحن: صاحب البدعة والمفارق للجماعة، والتارك للجمعة. والمشاجر: المنازع.

٩٨

١٨٤٠ - و " كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل شهر رمضان أطلق كل أسير وأعطى كل سائل "(١) .

١٨٤١ - وروى هشام بن الحكم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " من لم يغفر له في شهر رمضان لم يغفر له إلى قابل إلا أن يشهد عرفة ".(٢)

١٨٤٢ - وكان الصادق عليه السلام يوصي ولده ويقول: " إذا دخل شهر رمضان فاجهدوا أنفسكم فإن فيه تقسم الارزاق، وتكتب الآجال، وفيه يكتب وفد الله الذين يفدون إليه(٣) وفيه ليلة العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ".

١٨٤٣ - وقال الصادق عليه السلام: " إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والارض "، فغرة الشهور(٤) شهر الله وهو شهر رمضان وقلب شهر رمضان ليلة القدر، ونزل القرآن في أول ليلة من شهر رمضان(٥) فاستقبل الشهر بالقرآن ".(٦)

قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: تكامل نزول القرآن ليلة القدر.

١٨٤٤ - وورى سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث النخعي قال: " سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: إن شهر رمضان لم يفرض الله صيامه على أحد من الامم قبلنا، فقلت له: فقول الله عزوجل: " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم

___________________________________

(١) رواه المصنف رحمه الله بسند عامى عن ابن عباس في ثواب الاعمال ص ٩٧.

(٢) رواه الكلينى في الكافى ج ٤ ص ٦٦ بسند مجهول لا يقصر عن الصحيح.

(٣) أى يقدر فيه حاج بيت الله، وفد جمع وافد كصحب وصاحب، يقال: وفد فلان على الامير أى ورد رسولا، فكان الحاج وفد الله وأضيافه نزلوا عليه رجاء بره واكرامه (المرآة) والسند كما في الكافى ج ٤ ص ٦٦ موثق.

(٤) " فغرة الشهور " الفاء للتعقيب الذكرى أى أولها أو أشرفها وأفضلها أو المنور من بينها.

وفى النهاية غرة كل شئ أوله.

(٥) كأنه أراد أن ابتداء نزوله في أول ليلة منه وكماله في ليلة القدر.

(٦) المراد الامر بتلاوته عند وروده أو أول ليلة منه.

٩٩

الصيام كما كتب على الذين من قبلكم " قال: إنما فرض الله صيام شهر رمضان على الانبياء دون الامم ففضل به هذه الامة وجعل صيامه فرضا على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أمته".

وقد أخرجت هذه الاخبار [التي رويتها في هذا المعنى] في كتاب فضائل شهر رمضان.(١)

باب القول عند رؤية هلال شهر رمضان

١٨٤٥ - قال أمير المؤمنين عليه السلام(٢) : " إذا رأيت الهلال فلا تبرح وقل: اللهم إني أسألك خير هذا الشهر، وفتحه ونوره ونصره وبركته وطهوره ورزقه، وأسألك خير ما فيه وخير ما بعده، وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده، اللهم أدخله علينا بالامن والايمان، والسلامة والاسلام، والبركة والتقوى، والتوفيق لما تحب وترضى ".

١٨٤٦ - و " كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أهل هلال شهر رمضان استقبل القبلة و رفع يديه، وقال: " اللهم أهله علينا بالامن والايمان، والسلامة والاسلام، والعافية المجللة، والرزق الواسع، ودفع الاسقام، اللهم ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه، وسلمه لنا وتسلمه منا وسلمنا فيه "(٣) .

وقال أبي رحمه الله في رسالته إلي: إذا رأيت هلال شهر رمضان فلا تشر إليه ولكن استقبل القبلة وارفع يديك إلى الله عزوجل وخاطب الهلال وتقول: " ربي وربك الله رب العالمين، اللهم أهله علينا بالامن والايمان، والسلامة والاسلام

___________________________________

(١) راجع ثواب الاعمال ص ٨٨ إلى ٩٧.

(٢) رواه الكلينى في الكافى ج ٤ ص ٧٦ بسند مرفوع.

(٣) " سلمه لنا " أى لا يغيم الهلال في أوله أو آخره فيلتبس علينا الصوم والفطر وقد مر معنى الجملات ص ٩٦ والخبر مروى في الكافى بسند ضعيف ج ٤ ص ٧٠.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640