موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٧

موسوعة عبد الله بن عبّاس0%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 520

موسوعة عبد الله بن عبّاس

مؤلف: السيد حسن الموسوي الخرسان
تصنيف:

الصفحات: 520
المشاهدات: 63777
تحميل: 3963


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 520 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 63777 / تحميل: 3963
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء 7

مؤلف:
العربية

إلى قوله : و « أما » ما أنزل بالمدينة « فهي » :( وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ) ، والبقرة ، وآل عمران ، والأنفال ، والأحزاب ، والمائدة ، والممتحنة ، والنساء ، وإذا زلزلت ، والحديد ، ومحمد ، والرعد ، والرحمان ، و( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ ) ، والطلاق ، ولم يكن.

وذكر الحديث « وقد » اختصرته أنا وساويته في إسناده.

1069 ـ أخبرونا عن أبي أحمد ابن عدي ، « قال : « أخبرنا محمد بن المعافى بن أبي حنظلة أملاه ب‍صيدا ، « كذا » « أخبرنا » محمد بن خلف ، « أخبرنا » آدم بن أبي أياس ، « أخبرنا » أبو شيبة / 185 / أ / : عن عطاء الخراساني ، قال : كانت إذا نزلت فاتحة سورة بمكة كتبت مكية ، ثم يزيد الله فيها ما يشاء بالمدينة ، وكان أوّل ما نزل بالمدينة سورة البقرة ، ثم الأنفال ، ثم آل عمران ، ثم الأحزاب ، ثم الممتحنة ، ثم النساء ، ثم إذا زلزلت ، ثم الحديد ، ثم سورة محمد ، ثم سورة الرعد ، ثم سورة الرحمان ، ثم هل أتى الحديث.

1070 ـ حدثنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب ، « حدثنا » أبو الحسن محمد بن الحسين بن محمد البغوي بها ، قال : « حدثنا » أبو النضر محمد بن أحمد الملقاني ، « حدثنا » المطهر بن الحكم الكرابيسي ، « حدثنا » علي بن الحسن بن واقد ، عن أبيه قال : أوّل ما نزل من القرآن بمكة بلا خلاف :( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ) ،( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ) ، ـ « وساق الكلام » إلى « قوله : « ـ وأوّل ما نزل بالمدينة البقرة ، ثم الأنفال إلى قوله :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ ) (1) ، ثم آل عمران ، ثم

____________

(1) الأنفال / 64.

٢٦١

الأحزاب ، ثم الممتحنة ، ثم النساء ، ثم إذا زلزلت ، ثم الحديد ، ثم محمد ، ثم الرعد ، ثم الرحمان ، ثم( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ ) ، ثم الطلاق ، ثم لم يكن ، ثم الحشر وساق الحديث (1).

أقول : وللحافظ أحمد بن محمد بن علي بن أحمد العاصمي المولود سنة 378 هـ كتاب « زين الفتى في شرح سورة هل أتى » ذكر فيه كثيراً من الآثار عن ابن عباس ممّا له تعلق بموضوع السورة ، وقد « هذبه وعلق عليه العلامة المحقق الشيخ محمد باقر المحمودي » وطبعه بجزئين « مجمع إحياء الثقافة الإسلامية » باسم « العسل المصفى في تهذيب زين الفتى ».

ومن نوادر ما جاء فيه عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى :( كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ ) (2) ، قال : « قوارير كلّ أرضٍ من تربتها ، وقوارير الجنّة من أرض الجنّة ، وأرض الجنّة فضة ».

وقال : « لو أنّك أخذت فضة من فضة الدنيا فضربتها حتى تكون مثل جناح الذباب ، ما رأيت الماء من ورائها ، ولكن فضة الجنّة في بياض الفضة وصفاء القوارير »(3) .

ومن سورة المرسلات

1 ـ عن ابن عباس في قوله تعالى :( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ *

____________

(1) شواهد التنزيل 2 / (310) ـ 315.

(2) الإنسان / 15 ـ 16.

(3) زين الفتى في شرح سورة هل أتى 1 / 91.

٢٦٢

وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ ) (1) ، قال : «( إِنَّ الْمُتَّقِينَ ) يعني الذين اتقوا الشرك والذنوب والكبائر ، وهم : عليّ والحسن والحسين ،( فِي ظِلالٍ ) يعني ظلال الشجر والخيام من اللؤلؤ ،( وَعُيُونٍ ) يعني ماءاً طاهراً يجري ،( وَفَوَاكِهَ ) يعني ألوان الفواكه ،( مِمَّا يَشْتَهُونَ ) يقول ممّا يتمنون ،( كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) يعني تطيعون الله في الدنيا ،( إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) أهل بيت محمد في الجنّة » (2).

ومن سورة النبأ

1 ـ عن ابن عباس في قوله تعالى :( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً ) (3) ، قال : « هو عليّ بن أبي طالب ، هو والله سيد من أتقى الله وخافه ، اتقاه عن ارتكاب الفواحش ، وخافه عن اقتراف الكبائر ،( مَفَازاً ) نجاة من النار والعذاب ، وقرباً من الله في منازل الجنّة »(4) .

ومن سورة النازعات

1 ـ عن ابن عباس في قوله تعالى :( فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ

____________

(1) المرسلات / (41) ـ 44.

(2) شواهد التنزيل 2 / 316.

(3) النبأ / 31.

(4) شواهد التنزيل 2 / 320.

٢٦٣

الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) (1) ، قال : «( فَأَمَّا مَنْ طَغَى ) ، يقول : علا وتكبّر ، وهو علقمة بن الحرث بن عبد الله بن قصيّ ،( وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) وباع الآخرة بالدنيا ،( فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ) ،( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ) ، يقول عليّ بن أبي طالب خاف مقام بين يدي ربّه وحسابه وقضاءه بين العباد ، فانتهى عن المعصية ،( وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ) يعني عن المحارم التي تشتهيها النفس ،( فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) هي مأواه خاصة ومن كان هكذا عاماً » (2).

ومن سورة المطففين

1 ـ عن ابن عباس في قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ) (3) ، قال : « فالذين آمنوا : عليّ بن أبي طالب ، والذين كفروا : منافقوا قريش »(4) .

2 ـ عن ابن عباس في قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ) (5) ، قال : « هم بنو عبد شمس ، مرّ بهم عليّ بن أبي طالب ومعه نفر فتغامزوا به وقالوا : هؤلاء هم الضّلال ، فأخبر الله تعالى ما للفريقين عنده جميعاً يوم القيامة ، وقال :

____________

(1) النازعات / (37) ـ 41.

(2) شواهد التنزيل 2 / 323.

(3) المطففين / 29.

(4) تفسير الحبري / 327.

(5) المطففين / 29.

٢٦٤

( فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا ) (1) ، وهم عليّ وأصحابه ،( مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) (2) ، بتغامزهم وضحكهم وتضليلهم عليّاً وأصحابه ، فبشر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً وأصحابه الذين كانوا معه ، إنّكم ستنظرون إليهم وهم يعذّبون في النار » (3).

ومن سورة الشمس

1 ـ عن ابن عباس في قوله تعالى :( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ) (4) : «( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ) ، قال : هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،( وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا ) ، قال : هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام ،( وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا ) ، قال : الحسن والحسين عليهم السلام ،( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ) ، قال : بنو أمية »(5) .

ومن سورة لم يكن « البيّنة »

1 ـ عن ابن عباس ، قال : « لمّا نزلت هذه الآية :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (6) ، قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ : « هو أنت وشيعتك ، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ، ويأتي

____________

(1) المطففين / 34.

(2) المطففين / (34) ـ 36.

(3) شواهد التنزيل 2 / 329.

(4) الشمس / (1) ـ 4.

(5) شواهد التنزيل 2 / 333.

(6) البينة / 7.

٢٦٥

عدوك غضاباً مقمحين » ، قال عليّ : « يا رسول الله ومن عدوي؟ » قال : « من تبرأ منك ولعنك » ، ثم قال رسول الله : « من قال : رحم الله عليّاً ، يرحمه الله » (1).

2 ـ عن ابن عباس في قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) ، قال : « هم عليّ وشيعته »(2) .

3 ـ عن ابن عباس في قوله تعالى :( أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) ، قال : « نزلت في عليّ وشيعته »(3) .

ومن سورة القارعة

1 ـ عن ابن عباس ، قال : « أوّل من يرجح كفة حسناته في الميزان يوم القيامة عليّ بن أبي طالب ، وذلك أنّ ميزانه لا يكون فيه إلاّ الحسنات ، وتبقى كفة السيئات فارغة لا سيئة فيها ، لأنّه لم يعص الله طرفة عين ، فذلك قوله :( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ) (4) ، أي في عيش في جنة قد رضي عيشه فيها »(5)

____________

(1) شواهد التنزيل 2 / 375.

(2) نفس المصدر 2 / 366.

(3) نفس المصدر 2 / 366.

(4) القارعة / (6) ـ 7.

(5) شواهد التنزيل 2 / 367.

٢٦٦

المبحث الرابع

معرفته بالقصص القرآني

٢٦٧
٢٦٨

نظرة فاحصة

لا ريب أنّ من يقرأ في أيّ كتاب تفسير للقرآن بالمأثور ، يجد ابن عباس لديه الحضور في جلّ رواياته ، ومنها القصص القرآني بمعناه الشامل العام. ولو اقتصرنا على كتاب « مجمع البيان » ـ مثلاً ـ وقمنا بعملية مسح شامل لما ورد عنه في القصص القرآني ، نجد فيه عن ابن عباس ما يتعلق بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والسيرة النبوية بدءاً من البعثة حتى وفاته صلى الله عليه وآله وسلم عدّة روايات ، موزعة حسب ورود الآيات الكريمة المتعلقة بها ، ويكاد أن يكون ذلك بمثابة رسالة في السيرة. فمن آية الإنذار إلى ما جاء من آيات في الكفار والمشركين ، وما جاء في حروب بدر وأحد والأحزاب وواقعة بني النضير وبني قريظة ، وأخيراً إلى ختام السيرة بما جاء عنه في تفسير سورة النصر. ولو تفرّغ له باحث ، فجمعه ورتّبه حسب السنين من البعثة إلى الهجرة ، لكان عملاً مفيداً نافعاً.

كما يجد ممّا يتعلق بأخبار الأنبياء والمرسلين السابقين وحالهم مع

٢٦٩

أممهم الشيء الكثير ، وجلّه قد يعدّ من القصص الإسرائيلي ، وهذا هو الباب الذي دسّ المستعربون والمستغربون فيه آنافهم فقالوا بأنّه أخذه عن أهل الكتاب. وقد فنّدنا هذا الزعم في جنايات المستشرقين كما ستأتي في الحلقة الرابعة إن شاء الله ، ونتعجل الإشارة إلى أنّ ابن عباس لم يكن بحاجة إلى أن يأخذ ذلك عن أهل الكتاب وعنده مدينة العلم وبابها.

وفي عملية المسح الشامل في « مجمع البيان » وجدت جميع ما ورد عنه في هذا الباب لم يبلغ الأربعين رواية ، وفيها ما رواه عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كما في تفسيره قوله تعالى :( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) إلى قوله تعالى :( فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ) (1) ، عن ابن عباس ، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : « أنّهم أمروا بأدنى بقرة ، ولكنهم لمّا شدّدوا على أنفسهم ، شدّد الله عليهم ، وأيم الله لو لم يستثنوا ما بينّت لهم إلى آخر الأبد »(2) .

ومنها ما رواه عن أبيّ بن كعب ، كما في تفسر قوله تعالى :( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً ) إلى قوله تعالى :( لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً ) (3) ، عن ابن عباس ، قال : « أخبرني أبيّ بن

____________

(1) البقرة / (67) ـ 71.

(2) مجمع البيان 1 / 260.

(3) الكهف / (60) ـ 62.

٢٧٠

كعب ، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : « إنّ موسى قام خطيباً في بني إسرائيل ، فسئل أيّ الناس أعلم؟ قال : أنا ، فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه ، فأوحى الله إليه إنّ عبداً لي بمجمع البحرين هو أعلم منك » » (1) ، وساق القصة إلى آخرها ، وهي طويلة فمن أرادها فليرجع إلى المصدر المذكور.

ولم أقف على رواية في القصص القرآني الإسرائيلي رجع فيها ابن عباس إلى رجل من أهل الكتاب! نعم ورد في تفسير الآيات من سورة الرعد : « وقيل إنّ ابن عباس سأل كعباً عن أم الكتاب ، فقال : علم الله ما هو خالق وما خلقه عاملون فقال لعلمه : كن كتاباً فكان كتاباً »(2) . وهذا يكفي في تمريضه نسبته إلى القيل! ثم أين هذا من القصص الإسرائيلي؟!

ومن القصص القرآني ما يتعلق بالآيات الكونية ، وخلق السماء والأرض ، والإنسان والنفس والروح ، ممّا لم يكن العلم به يومئذ مألوفاً فى عصره ، فمن أين له ذلك؟

والجواب ببساطة ودقة : أخذه من معدنه ، من مدينة العلم ومن بابها.

وكشاهد على ذلك نقرأ عنه ما قاله في تفسير قوله تعالى :( فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ ) (3) ، قال ابن عباس : « في بني آدم نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس ، فالنفس التي بها العقل والتمييز ، والروح التي بها النفَسَ

____________

(1) مجمع البيان 6 / (364) ـ 365.

(2) نفس المصدر 6 / 49 ، تفسير سورة الرعد (38) ـ 40.

(3) الزمر / 42 ، كما في مجمع البيان 1 / 404.

٢٧١

والتحرك ، فإذا نام قبض الله نفسه ولم يقبض روحه ، وإذا مات قبض الله نفسه وروحه » (1).

وهذا ليس بغريب منه ، بعد أن نجد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ما هو أعجب وأعجب في الروح والنفس وخلق السموات والأرض ، كما في خطب « نهج البلاغة » ، وابن عباس قد أخذ علمه منه كما مرّ ذلك عنه مراراً.

على أنّه قد ورد ما يؤيد ما قاله ابن عباس فيما رواه العياشي ، بإسناده إلى أبي جعفر عليه السلام قال : « ما من أحد ينام إلاّ عرجت نفسه إلى السماء ، وبقيت روحه في بدنه ، وصار بينهما سبب كشعاع الشمس ، فإن أذن الله في قبض الأرواح أجابت الروح النفس ، وإذا أذن الله في ردّ الروح أجابت النفس الروح ، وهو قوله سبحانه :( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (2) »(3) .

ومن القصص القرآني المروي عن ابن عباس فيه روايات كثيرة ، ما يتعلق بالحياة الآخرة وكيفية الحساب والثواب والعقاب ، والصراط

____________

(1) مجمع البيان 8 / 404 ، ط الأعلمي.

(2) الزمر / 42.

(3) مجمع البيان 8 / 404 ط الأعلمي.

٢٧٢

والميزان وبقية مشاهد القيامة ، ولمّا كان هذا من أخبار الغيب الذي آمّنا به عن طرق إخبار النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فكذلك ابن عباس سمع ذلك فرواه ، وإن لم يكن كلّه مصرّحاً برفعه.

ميزان بلا عين

يمكننا أن نقسّم المروي عن ابن عباس في جميع مجالات العلم وفنون المعرفة إلى أربعة أقسام على النحو التالي :

القسم الأوّل : يقطع بصحته لسلامة سنده ومتنه ، وموافقته جملة وتفصيلاً لما ورد مروياً عن أئمة أهل البيت عليهم السلام أو عن بقية الصحابة ، وما أكثر شواهده ، ففي التفسير مثلاً يحسن مراجعة تفسير « مجمع البيان » فسيجد القارئ كثيراً ممّا صرّح به المؤلف لموافقته للمروي عن أئمتنا عليهم السلام ، وقد تقدم في ذكر « حجيّة تفسير ابن عباس » الإشارة إلى هذا.

القسم الثاني : ممّا هو ليس كذلك ، ولكن ممّا تجوزّه العقول ، ولا تأباه الأصول ، وإن لم نجد له مشابهاً له في المنقول ، نحو أكثر ما ورد عنه في قصص الأنبياء والمرسلين ، في تواريخ الأمم البائدة ممن أشار إليهم القرآن الكريم.

نحو ما جاء في تفسير قوله تعالى :( وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي

٢٧٣

مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) (1) ، قال ابن عباس : « لم يكن من آل فرعون مؤمن غيره ، وغير إمرأة فرعون ، وغير المؤمن الذي أنذر موسى فقال :( إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ ) (2) » (3).

القسم الثالث : ما يوحي بمخالفته لبعض الأصول ، إلاّ أنّه يمكن تأويله على وجه يوافق المعقول والمنقول ، كما جاء مروياً عنه في تفسير « سبع سماوات وسبع أرضين »(4) .

فهذه الأقسام الثلاثة هي التي يمكن تمشية أمرها بلا مشاحة وعسر. لكن الذي لا يمكن قبوله هو :

القسم الرابع : ممّا لا يصح ظاهره ، ولا يمكن تأويله ، إلاّ على التعسف البعيد. فهذا بالرفض أولى.

وهذا نحو ما روي عنه في قصة سليمان بن داود عليهما السلام ممّا هو بالرفض أولى ، كما ذكر ذلك صاحب « مجمع البيان » ، فقال في تفسير قوله تعالى :( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ ) (5) : « وأمّا ما ذكر عن ابن عباس : انّه ألقي شيطان أسمه صخر على كرسيه ، وكان مارداً عظيماً لا يقوى عليه جميع الشياطين ، وكان نبيّ الله سليمان لا يدخل الكنيف بخاتمه ، فجاء صخر في صورة سليمان حتى أخذ الخاتم من امرأة من نسائه ، وأقام أربعين يوماً في ملكه وسليمان هارب.

____________

(1) غافر / 28.

(2) القصص / 20.

(3) مجمع البيان 8 / 437.

(4) مجمع البيان 10 / 50 ط الأعلمي.

(5) ص / 34.

٢٧٤

ثم ذكر عدّة أقوال أخرى كلّها مرفوضة ، فقال :

إنّ جميع ذلك ممّا لا يعوّل عليه ، لأنّ النبوة لا تكون في خاتم ، ولا يجوز أن يسلبها الله النبيّ ، ولا أن يمكّن الشيطان من التمثل بصورة النبيّ ، والقعود على سريره ، والحكم بين عباده ، وبالله التوفيق »(1) .

ونحو ما وضع عليه في فضائل السور ، سورة سورة ، من رواية أبي عصمة نوح بن أبي مريم المروزي ، فقيل له : من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضل سور القرآن سورة سورة؟ فقال : إنّي رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد ابن إسحاق ، فوضعت هذا الحديث حسبة(2) .

ونحو ما وضع عليه من حديث رواه الخوارزمي في مناقب أبي حنيفة : يطلع بعد رسول الله بدر على جميع خراسان يكنى بأبي حنيفة(3) .

وما وضع على لسانه في فضائل الخلفاء الأربعة ، وما أكثر هذا النمط في « الرياض النضرة » للمحب الطبري ، وفي معجم الطبراني الكبير(4) ، و « حلية الأولياء »(5) ، وغيرها(6) .

____________

(1) مجمع البيان 8 / 357.

(2) تفسير القرطبي 1 / 78.

(3) مناقب أبي حنيفة 1 / 18 ط حيدر آباد.

(4) المعجم الكبير 11 / 23.

(5) حلية الأولياء 3 / 304.

(6) مثل ما أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 5 / 242 عن ابن عباس مرفوعاً : هبط علي جبرئيل وعليه طنفسة وهو متخلل بها ، فقلت : يا جبرئيل ما نزلت علي في مثل هذا الزي؟ فقال إن الله تعالى أمر الملائكة أن تتخلل في السماء كتخلل أبي بكر في الأرض. وسيأتي في أول مروياته جملة من هذه الموضوعات.

٢٧٥

وفي فضائل معاوية ، مثل : « الأمناء سبعة : اللوح والقلم واسرافيل وميكائيل وجبريل ومحمد ومعاوية » ، ذكره ابن كثير في تاريخه ، فقال : « هذا أنكر من الأحاديث التي من قبله وأضعف إسناداً »(1) .

ابن عباس وآيات التحدي

ولمّا كان القرآن الكريم قد أمتاز بأسلوبه البياني العالي ، وقد تحدى العرب أهل البلاغة والفصاحة ، فإنّهم لمّا سمعوا بعض آياته فأدهشهم وخلب ألبابهم ، فكان منهم المعاند :( فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ ) (2) ، ومنهم من ازداد عتواً كما حكى القرآن حالهم فقال :( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ) (3) ، فتحداهم بأن يأتوا بسورة من مثله فقال تعالى :( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) (4) .

ولمّا كان ابن عباس « ترجمان القرآن » يقرأ هاتين الآيتين يقول : «( وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) يعني أعوانكم وأنصاركم الذين

____________

(1) تاريخ ابن كثير 8 / 129 حوادث سنة 60.

(2) المدثر / 24.

(3) سبأ / 31.

(4) البقرة / (23) ـ 24.

٢٧٦

يظاهرونكم على تكذيبكم على ما أنتم عليه ،( إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) ،( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا ) فقد تبين لكم الحق ،( فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) أمّا الحجارة فهي حجارة في النار من كبريت أسود يعذّبون به في النار ، لأنّها أحر شيء إذا حميت ،( أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) أي لمن كان على مثل ما أنتم عليه من الكفر » (1).

فابن عباس يفسر الآيات الكريمة التي فيها من القصص القرآني جانباً من تاريخ بدء الدعوة وما عاناه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم فيه من الوعيد والتهديد لمن لم يستجب وأصرّ على عناده بإسلوب سهل.

فهو بهذا لم يستخرج معاني غامضة فيتّهم في أخذه عن غير أهل بيته وأهله ، بل لم يتجاوز المألوف المعروف في التفسير ، في تلك الفترة ، وهو كذلك نجده واضحاً وبارعاً في تفسير القصص القرآني عن الأمم البائدة ومعاناة الأنبياء معهم ، بل وحتى في الآيات الكونية ، ومشاكل الحياة ، ومشاهد القيامة ، لا ينزع لغير الألفاظ مستعملاً علمه الواسع في فهم معاني القرآن الحكيم ، ومستعيناً كثيراً باللغة والشعر ، حتى عدّ صاحب أوّل مدرسة في التفسير انتهجت بحث المعاني بمعونة الشواهد الشعرية ، وستأتي نماذج تعكس مدى إهتمامه بالاستفادة من الشعر العربي في إيضاح الغامض والغريب عند السامع من اللفظ القرآني ، نحو ما جاء في مسائل نافع بن الأزرق التي سوف تأتي في الحلقة الثالثة.

____________

(1) تفسير الطبري 1 / (166) ـ 169 ، مجمع البيان 1 / (126) ـ 128 ط الأعلمي.

٢٧٧

أمّا الآن ففي كشف معارفه بالقصص القرآني ونماذج في ذلك.

وفيها نجده يفسر حتى الآيات الكونية بإسلوب رائع سهل بسيط من دون تعقيد ، وقد يستعين في الإيضاح بذكر شأن النزول ، وهو في ذلك لم يخرج عن معنى حاق اللفظ.

ما هي الآيات التي سنذكرها شاهداً في المقام؟ ولماذا اخترناها؟

سنقرأ من تفسير ابن عباس لجملة آيات ، فيها قصص وعبر ، وآيات فيها مزدجر ، ولا نطيل المقام بقراءة جميع ما جاء عنه في القرآن الكريم. فإنّ ذلك يستدعي عرض تفسير كامل له ، وهذا ربما سيأتي في الحلقة الثالثة إن تيسر إن شاء الله تعالى ، بل سنقف على ما جاء عنه في خصوص الجزء الثلاثين ، وهذا هو آخر أجزاء القرآن الكريم ترتيباً في المصاحف ، ولكنه هو من أوائل سور القرآن نزولاً ، لأنّ جميع سوره مكية ، فيما عدا سورة البيّنة والنصر والزلزلة.

ومعلوم أنّها تمثل بداية عهد الدعوة ومدى المعاناة النبوية من كفّار قريش. كما إنّها كلّها من قصار السور ـ على تفاوت بينها في الطول والقصر ـ وهذا ممّا يسهِّل حفظها! واستيعاب معانيها ، وبينها جميعاً قاسم مشترك هو تشابه صور المشاهد والمشاعر ، في عرض القصص ، وتكاد أن تكون ذات طابع دلالي متميز يخصّ : الخلقة ، والنفس ، والكون ، ومشاهد يوم الفصل ، وما يعني ، يتعلق بالنشأتين في كلّ ما فيها من موجودات بتعبير حسّي ، يوحي بالرهبة والرغبة ، ويقرب

٢٧٨

الصورة الذهنية من الواقع المنظور ، فلا تغيب عن القارئ تلك الرؤى الحسية من خلال تلاوة تلك الآيات ، وهي أيضاً توحي بالعبرة في تصحيح السلوك.

فإنّ من يقرأ قوله تعالى في سورة العلق ، وهي أوّل سورة أنزلت على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ويتلو فيها قوله تعالى :( أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ) (1) .

فهذه الآيات الثلاث التي أستعمل فيها صيغة( أَرَأَيْتَ ) فإنّها تمثّل لون الإستفهام الإنكاري الشديد ، الداعي إلى لون من الوان الوعيد ، ضمنها لمن يأتي بتلك المفعولات لفعل( أَرَأَيْتَ ) .

ولا تفوتنا الإشارة في المقام إلى ما قيل ويقال في المفعول الثاني إلى فعل( أَرَأَيْتَ ) كما يقوله النحاة فلا حاجة إلى التطويل فيه ، بعد أن كان القرآن الكريم هو الحجة في الاستعمال ، وقد أستعمل الفعل بمفعول واحد ، ويكون المعنى : أرأيت يا محمد من فعل ما ذكرناه من منع الصلاة وينهى المصلين عنها ماذا يكون جزاؤه؟ وماذا يكون حاله عند الله ، وما الذي يستحقه من العقاب.

ونعود إلى ابن عباس رضي الله عنه لنراه كيف يفسر تلك الآيات الكريمة؟ وإذا هو قد خرج حتى عن التفسير اللغوي ، وأكتفى بشأن النزول ، ثم عقب عليه

____________

(1) العلق / (9) ـ 14.

٢٧٩

بتفسير كلمة :( لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ) (1) ، وحتمية العقوبة كما سيأتي ذلك.

وهذا يعني أنّ ابن عباس في تفسيره لما جاء في الجزء الثلاثين ، لم يلتزم نهجاً معيناً موحداً في تفسير تلك المشاهد والمشاعر والصور ، وأحسب أنّ القارئ سيعرف أنّ ابن عباس إنمّا عنى بتفسير المفردات حينا ، وذكر سبب النزول حيناً ، فهو في ذلك كان مع حاقّ اللفظ مع بيان سببه وذكر قصته.

استخدام المصادر

لم أجد في المقام أجدى نفعاً من الرجوع إلى « مجمع البيان » للطبرسي الذي ذكر ابن عباس في أكثر من « 1750 » مورداً ، ثم « جامع البيان » للطبري الذي هو أقدم وأتم تفسير جمع الرواية والأثر ، كما أنّه راعى المعنى الظاهر للفظ ، وحتى قيل بأنّه كان في استخدامه للإستعمال اللغوي والإستشهاد بالشعر ، متأثراً بنهج ابن عباس ، فالرجوع في اقتناص واقتباس آراء ابن عباس رضي الله عنه يكفينا في الوثوق بنقلهما ، ولا يعني ذلك توهين بقية المصادر التي زخرت بنقل المروي والمأثور عن ابن عباس كـ « الدر المنثور » للسيوطي ، أو « تفسير البرهان » للسيد البحراني ، وغيرهما من التفاسير.

وإلى القارئ ما جاء عن ابن عباس في القصص القرآني وصور الحياتين في النشأتين من خلال سور الجزء الثلاثين ، بدءاً من :

____________

(1) العلق / 15.

٢٨٠