موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٧

موسوعة عبد الله بن عبّاس3%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 520

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 520 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 67875 / تحميل: 4831
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

المبحث الخامس

معرفته بوجوه الجمع بين الآيات

المتشابهة الموهمة للتناقض

٤٢١
٤٢٢

في كشف ما أستبهم علمه من التشابه في القرآن

لقد كُتبت في هذا الموضوع عدّة كتب على إختلاف في أنماط التأليف ، كما بحث الموضوع في كتب أخرى ، لعلّ أجمعها ما كتبه السيوطي في كتابه « الإتقان ».

قال السيوطي : « النوع الثامن والأربعون ، في مشكله وموهم الإختلاف والتناقض ، أفرده بالتصنيف قطرب والمراد به ما يوهم التعارض بين الآيات ، وكلامه تعالى منزّه عن ذلك كما قال :( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) (١) ، ولكن قد يقع للمبتدئ ما يوهم إختلافاً وليس به في الحقيقة فاحتيج لإزالته كما صنّف في مختلف الحديث وبان الجمع بين الأحاديث المتعارضة.

وقد تكلم في ذلك ابن عباس ، وحكى عنه التوقف في بعضها.

قال عبد الرزاق في تفسيره : « أنبأنا معمر ، عن رجل ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : رأيت أشياء تختلف علي من القرآن.

____________

(١) النساء / ٨٢.

٤٢٣

فقال ابن عباس : ما هو أشك؟ قال : ليس بشك ، ولكنه إختلاف.

قال : هات ما إختلف عليك من ذلك.

قال : أسمع الله يقول :( ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) (١) ، وقال :( وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً ) (٢) ، فقد كتموا.

وأسمعه يقول :( فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ ) (٣) ، ثم قال :( وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ ) (٤) .

وقال :( أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ) (٥) ، حتى بلغ( طَائِعِينَ ) (٦) ، ثم قال : في الآية الأخرى :( أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا ) (٧) ، ثم قال :( وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ) (٨) .

وأسمعه يقول :( كَانَ اللّهُ ) ، ما شأنه يقول :( وَكَانَ اللّهُ ) .

فقال ابن عباس :

أمّا قوله ، وقال :( ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) (٩) ، فإنّهم لمّا رأوا يوم القيامة وأنّ الله يغفر لأهل الإسلام ويغفر

____________

(١) الأنعام / ٢٣.

(٢) الصافات / ٢٧.

(٣) المؤمنون / ١٠١.

(٤) الصافات / ٢٧.

(٥) فصلت / ٩.

(٦) فصلت / ١١.

(٧) النازعات / ٢٧.

(٨) النازعات / ٣٠.

(٩) الأنعام / ٢٣.

٤٢٤

الذنوب ولا يغفر شركاً ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره ، جحده المشركون رجاء أن يغفر لهم ، فقالوا :( وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) (١) ، فختم الله على أفواههم فتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ، فعند ذلك :( يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً ) (٢).

وأمّا قوله :( فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ ) (٣) ، فإنّه إذا نفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلاّ من شاء الله فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ، ثم نفخ فيه أخرى( فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ ) (٤) .

وأمّا قوله :( خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ) (٥) ، فإنّ الأرض خلقت قبل السماء وكانت السماء دخاناً( فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ) (٦) في يومين بعد خلق الأرض.

وأمّا قوله :( وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ) (٧) ، يقول : جعل فيها جبلاً ، وجعل فيها نهراً ، وجعل فيها شجراً ، وجعل فيها بحوراً.

وأمّا قوله :( كَانَ اللّهُ ) ، فإنّ الله كان ولم يزل كذلك وهو كذلك ، العزيز حكيم ، عليم قدير ، لم يزل كذلك.

____________

(١) الأنعام / ٢٣.

(٢) النساء / ٤٢.

(٣) المؤمنون / ١٠١.

(٤) الزمر / ٦٨.

(٥) فصلت / ٩.

(٦) البقرة / ٢٩.

(٧) النازعات / ٣٠.

٤٢٥

فما أختلف عليك من القرآن فهو يشبه ما ذكرت لك ، وإنّ الله لم ينزل شيئاً إلاّ وقد أصاب به الذي أراد ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ».

أخرجه بطوله الحاكم في المستدرك وصحّحه وأصله في الصحيح. قال ابن حجر في شرحه حاصل ما فيه السؤال عن أربعة مواضع :

الأوّل : في المسئلة يوم القيامة وإثباتها.

الثاني : كتمان المشركين حالهم وإفشاؤه.

الثالث : خلق الأرض أو السماء أيهما تقدم.

الرابع : الإتيان بحرف « كان » الدالة على المضي مع أنّ الصفة لازمة.

« وحاصل » جواب ابن عباس عن الأوّل : إنّ نفي المساءلة فيما قبل النفخة الثانية ، وإثباتها فيما بعد ذلك.

وعن الثاني : أنّهم يكتمون بألسنتهم فتنطق أيديهم وجوارحهم.

وعن الثالث : أنّه بدأ خلق الأرض في يومين غير مدّحوة ، ثم خلق السموات فسواهن في يومين ، ثم دحا الأرض بعد ذلك وجعل فيها الرواسي وغيرها في يومين ، فتلك أربعة أيام للأرض.

وعن الرابع : بأنّ كان وإن كانت للماضي لكن لا تستلزم الإنقطاع ، بل المراد أنّه لم يزل كذلك.

فأمّا الأوّل فقد جاء فيه تفسير القرآن نفي المساءلة عند تشاغلهم بالصعق والمحاسبة والجواز على الصراط ، وإثباتها فيما عدا ذلك أيضاً ».

وقال : « وقد أخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس أنّ

٤٢٦

يهودياً قال له : إنّكم تزعمون أنّ الله كان عزيزاً حكيماً فكيف هو اليوم؟ فقال : لأنّه كان في نفسه عزيزاً حكيماً.

« موضع آخر » توقف فيه ابن عباس.

قال أبو عبيد : حدثنا إسمعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، قال : سأل رجل ابن عباس عن( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ ) (١) ، وقوله :( فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) (٢) ، فقال ابن عباس : هما يومان ذكرهما الله تعالى في كتابه الله أعلم بهما.

وأخرجه ابن أبي حاتم من هذا الوجه وزاد : « ما أدري ما هي ، وأكره أن أقول فيهما ما لا أعلم ».

قال ابن أبي مليكة : فضربت البعير حتى دخلت على سعيد بن المسيب فسئل عن ذلك فلم يدر ما يقول ، فقلت له : ألا أخبرك بما حضرت من ابن عباس؟ فأخبرته ، فقال بن المسيب للسائل : هذا ابن عباس قد اتقى أن يقول فيها وهو أعلم منى.

وروى عن ابن عباس أيضاً : أنّ يوم الألف هو مقدار سير الأمر وعروجه إليه ، ويوم الألف في سورة الحج هو أحد الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات ، ويوم الخمسين ألف هو يوم القيامة.

فأخرج ابن أبي حاتم من طريق سماك ، عن عكرمة ، عن ابن

____________

(١) السجدة / ٥.

(٢) المعارج / ٤.

٤٢٧

عباس ، أنّ رجلاً قال له : حدثني ما هؤلاء الآيات :( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) (١) ، و( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) (٢) ، و( وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ ) (٣)؟

فقال : يوم القيامة حساب خمسين ألف سنة والسموات في ستة أيام ، كلّ يوم يكون ألف سنة ، و( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ) قال : ذلك مقدار السير »(٤) .

أخرج الطبري في تفسيره بسنده عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : «( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ) (٥) : « المحكمات : ناسخه ، وحلاله ، وحرامه ، وحدوده ، وفرائضه ، وما يؤمن به ويعمل به ، قال :( وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) (٦) والمتشابهات : منسوخه ، ومقدّمه ، ومؤخّره ، وأمثاله ، وإقسامه ، وما يؤمن به ولا يعمل به »(٧) .

« وأخرج ابن جرير ، ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة ، وابن أبي حاتم ،

____________

(١) المعارج / ٤.

(٢) السجدة / ٥.

(٣) الحج / ٤٧.

(٤) الإتقان ٢ / (٢٨) ـ ٢٩.

(٥) آل عمران / ٦.

(٦) آل عمران / ٦.

(٧) جامع البيان ٣ / ١٧٢ ط البابي الحلبي وأولاده.

٤٢٨

والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن مقسم قال : سأل عطية ابن الأسود ابن عباس ، فقال : انّه قد وقع في قلبي الشك قول الله :( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) (١) ، وقوله :( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (٢) ، وقوله :( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ) (٣) ، قد أنزل في شوال وذي القعدة وذي الحجة والمحرم وشهر ربيع الأول؟

فقال ابن عباس : في رمضان وفي ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة ، ثم أنزل بعد ذلك على مواقع النجوم رسلاً في الشهور والأيام »(٤) .

وأخرج أيضاً بسنده عن يزيد الأصم : « أنّ رجلاً من أهل الكتاب أتى ابن عباس فقال : تقولون :( وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ) (٥) فأين النار؟ فقال ابن عباس : أرأيت الليل إذا جاء أين يكون النهار ، وإذا جاء النهار أين يكون الليل؟ »(٦) .

وأخرج الطبراني في تفسيره : « إنّ مروان بن الحكم قال لبوابه رافع : يا رافع إذهب إلى ابن عباس فقل : إن كان كلّ امرئ منا فرح بما أتى ، وأحبّ أن يُحمد بما لم يفعل معذّباً ، لنعذبنّ جميعاً؟

فقال ابن عباس : ما لكم ولهذه الآية؟ إنّما أنزلت في أهل الكتاب ، ثم تلا ابن عباس :( وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ

____________

(١) البقرة / ١٨٥.

(٢) القدر / ١.

(٣) البقرة / ٣.

(٤) الدر المنثور ١ / ١٨٩ ، ط افست اسلامية.

(٥) آل عمران / ١٣٣.

(٦) جامع البيان للطبري ٤ / ٩٥.

٤٢٩

وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ * لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ ) (١) ، قال ابن عباس : سألهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن شيء فكتموه إياه ، وأخبروه بغيره ، فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما قد سألهم عنه ، فأستحمدوا بذلك إليه وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه » (٢).

وأخرج الخطيب في كتاب « الفقيه والمتفقه » بسنده عن سعيد بن جبير ، قال : « جاء رجل فقال : يا بن عباس إنّي أجد في القرآن أشياء تختلف عليَّ قد وقع ذلك في صدري؟

قال ابن عباس : أتكذيب؟ فقال الرجل ما هو بتكذيب ولكن إختلاف.

قال : فهلّم ما وقع في نفسك؟

فقال الرجل : أسمع الله تعالى يقول :( فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءلُونَ ) (٣) ، وقال في آية أخرى :( وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ ) (٤) .

وقال في آية أخرى :( وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً ) (٥) ، وقال في آية أخرى :( وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) (٦) فقد كتموا في هذه الآية.

____________

(١) آل عمران / (١٨٧) ـ ١٨٨.

(٢) تفسير الطبراني ٤ / ٢٠٧.

(٣) المؤمنون / ١٠١.

(٤) المؤمنون / ١٠١.

(٥) الصافات / ٢٧.

(٦) الأنعام / ٢٣.

٤٣٠

وفي قوله :( أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ) (١) ، فذكر في هذه الآية خلق السماء قبل الأرض ، وقال في الآية الأخرى :( أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ* ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) (٢) فذكر في هذه الآية خلق الأرض قبل السماء.

وقوله تعالى :( وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ) (٣) ،( وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً بَصِيراً ) (٤) ، فإنّه كان ثم أنقضى.

فقال ابن عباس : هات ما في نفسك من هذا؟ فقال السائل : إذا أنبأتني بهذا فحسبي.

قال ابن عباس : قوله تعالى :( فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءلُونَ ) (٥) ، فهذا في النفخةُ الأولى ينفخ في الصور فيصعق مَن في السماوات ومَن في الأرض إلاّ من شاء الله فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون ، ثم إذا كانت النفخة الأخرى قاموا فأقبل بعضهم على بعض يتسائلون.

____________

(١) النازعات / (٢٧) ـ ٣٠.

(٢) فصلت / (٩) ـ ١١.

(٣) النساء / ١٥٢.

(٤) النساء / ١٣٤.

(٥) المؤمنون / ١٠١.

٤٣١

وأمّا قول الله تعالى :( وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) (١) ، وقوله :( وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً ) (٢) ، فإنّ الله تعالى يغفر يوم القيامة لأهل الإخلاص ذنوبهم لا يعاظم عليه ذنب أن يغفره ، ولا يغفر شركاً ، فلمّا رأى المشركون ذلك قالوا : إنّ ربَنا يغفر الذنوب ولا يغفر الشرك ، تعالوا نقول : إنّا كنا أهل الذنوب ولم نكن مشركين ، فقال الله تعالى :( يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً ) (٣) .

وأمّا قوله :( أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ) (٤) ، فإنّه خلق الأرض في يومين قبل خلق السماء ، ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ، ثم نزل إلى الأرض فدحاها ـ ودحيها أن أخَرج منها الماء والمرعى وشق في الأنهار وجعل فيها السبل وخلق الجبال والرمال والأكوام وما فيها في يومين آخرين ، فذلك قوله تعالى :( وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ) (٥) ـ.

وقوله :( أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ) (٦) ، فجعلت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام وجعلت السموات في يومين.

____________

(١) الأنعام / ٣٢.

(٢) النساء / ٤٢.

(٣) النساء / ٤٢.

(٤) النازعات : (٢٧) ـ ٣٠.

(٥) النازعات / ٣٠.

(٦) فصلت / ٩– ١٠.

٤٣٢

وأمّا قوله تعالى :( وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ) (١) ،( وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ) (٢) ،( وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً بَصِيراً ) (٣) ، فإنّ الله تعالى جعل نفسه ذلك ، وسمى نفسه بذلك ، ولم ينحله أحداً غيره ،( وَكَانَ اللّهُ ) أي لم يزل كذلك.

ثم قال ابن عباس : إحفظ عني ما حدّثتك ، وأعلم أنّ ما أختلف عليك من القرآن أشباه ما حدثتك ، فإنّ الله لم يترك شيئاً إلاّ قد أصاب به الذي أراد ، ولكن الناس لا يعلمون ، فلا يختلفنّ عليك القرآن ، فإنّ كلاً من عند الله عزوجل »(٤) .

أقول : لقد أخرج البخاري هذا الخبر في صحيحه(٥) ، وذكر ابن حجر في شرحه ، فقال : « كان هذا الرجل هو نافع بن الأزرق الذي صار بعد ذلك رأس الأزارقة من الخوراج ، وكان يجالس ابن عباس بمكة ويسأله ويعارضه. ومن جملة ما وقع سؤاله عنه صريحاً ما أخرجه الحاكم في « المستدرك » عن طريق داود بن هند عن عكرمة ، قال : سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن قوله تعالى :( هَذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ ) (٦) ، و( لاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً ) (٧) »(٨) .

وأخرج الطبري في تفسيره عن شعبة مولى ابن عباس ، عن ابن

____________

(١) النساء / ١٥٢.

(٢) الفتح / ٧.

(٣) النساء / ١٣٤.

(٤) الفقيه والمتفقه ١ / ٦٠ ط دار إحياء السنة النبوية.

(٥) صحيح البخاري ٦ / ٣٥.

(٦) المرسلات / ٣٥.

(٧) طه / ١٠٨.

(٨) صحيح البخاري بشرح فتح الباري ١٠ / ١٧٧.

٤٣٣

عباس : « أنّه دخل على عثمان رضي الله عنه فقال : لم صار الأخوان يَردان الأم إلى سدس ، وإنّما قال الله :( فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ ) (١) والأخوان في لسان قومك وكلام قومك ليسا بإخوة؟ فقال عثمان : هل استطيع نقض أمر كان قبلي ، وتوارثه الناس ومضى في الأمصار؟ » (٢).

أخرج الحاكم في « المستدرك » في تفسير سورة الفرقان ، بسنده عن سعيد بن جبير قال : « أمرني عبد الرحمن بن ابزي أن أسأل ابن عباس عن هاتين الآيتين ما أمرهما؟ التي في سورة الفرقان :( وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ) (٣) ، والتي في سورة النساء :( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً ) (٤) ؟ قال : فسألت ابن عباس عن ذلك.

قال : لمّا أنزل التي في سورة الفرقان قال مشركوا أهل مكة قتلنا النفس التي حرم الله بغير الحق ، ودعونا مع الله آلهاً آخر وأتينا الفواحش. قال : فنزلت :( إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ) (٥) ، قال : فهؤلاء لأولئك.

____________

(١) النساء / ١١.

(٢) جامع البيان ٤ / ٢٧٨.

(٣) الفرقان / ٦٨.

(٤) النساء / ٩٣.

(٥) مريم / ٦٠.

٤٣٤

قال : وأمّا التي في سورة النساء :( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً ) (١) الآية ، فهو الرجل الذي قد عرف الإسلام وعَمِل عَمل الإسلام ثم قتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم ، لا توبة له.

قال : فذكرت ذلك لمجاهد ، فقال : إلاّ من ندم.

قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه »(٢) .

أقول : ومجاهد هذا من تلاميذ ابن عباس ، ومن عرض عليه القرآن مراراً ثلاثين مرّة ، وفي ثلاث منها يسأله عنه حرفاً حرفاً(٣) ، ففي قوله هذا يجعلنا في حيطة من الأخذ بتفسيره على أنّه أحد التفاسير عن أستاذه.

وأخرج الطبري في تفسيره عن سعيد بن جبير قال : « أتى رجل ابن عباس فقال : سمعت الله يقول :( وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) (٤) ، وقال أيضاً في آية أخرى :( وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً ) (٥) .

____________

(١) النساء / ٩٣.

(٢) المستدرك ٢ / ٤٠٣.

(٣) أخرج الطبري في تفسيره ٢ / ٣٩٥ ط البابي الحلبي وأولاده بمصر ١٣٧٣ هـ عن مجاهد قال : عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات ، من فاتحته إلى خاتمته ، أوقفه عند كل آية واسأله عنها ، حتى انتهى إلى هذه الآية :( نسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) ( البقرة / ٢٢٣ ) ، فقال ابن عباس : إن هذا الحي من قريش ، كانوا يشرحون النساء بمكة ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات ، فلما قدموا المدينة تزوجوا في الأنصار ، فذهبوا ليفعلوا بنهن كما كانوا يفعلون بالنساء بمكة ، فأنكرن ذلك ، وقلن : هذا شيء لم نكن نؤتى عليه ، فانتشر الحديث حتى أنتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله تعالى ذكره في ذلك :( نسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) إن شئت فمقبلة وأن شئت فمدبرة ، وأن شئت فباركة ، وإنما يعني بذلك موضع الحرث الولد يقول إئت الحرث من حيث شئت.

(٤) الانعام / ٢٣.

(٥) النساء / ٤٢.

٤٣٥

فقال ابن عباس : أمّا قوله :( وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) ، فإنّهم لمّا رأوا أنّه لا يدخل الجنّة إلاّ أهل الإسلام ، قالوا : تعالوا فلنجحد ، فقالوا :( وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) ، فختم الله على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم فلا يكتمون الله حديثاً »(١) .

وأخرج أيضاً عن سعيد بن جبير قال : « جاء رجل إلى ابن عباس فقال : أشياء تختلف علي في القرآن ، فقال : ما هو؟ أشك في القرآن؟ قال : ليس بالشك ولكنه اختلاف.

قال : فهات ما أختلف عليك ، قال : أسمع الله يقول :( ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) (٢) ، وقال :( وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً ) (٣) ، وقد كتموا.

فقال ابن عباس : أمّا قوله :( ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) (٤) ، فإنّهم لمّا رأوا يوم القيامة إنّ الله يغفر لأهل القيامة ، ويغفر الذنوب ولا يغفر شركاً ، ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره جحد المشركون فقالوا :( وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) (٥) رجاء أن يغفر لهم ، فختم على أفواههم ، وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ، فعند ذلك :

____________

(١) جامع البيان ٥ / ٩٤ ط٢ الباب الحلبي وأولاده بمصر ١٣٧٣ هـ.

(٢) الأنعام / ٢٣.

(٣) النساء / ٤٢.

(٤) الأنعام / ٢٣.

(٥) الأنعام / ٢٣.

٤٣٦

( يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً ) (١) » (٢).

وأخرج أيضاً بسنده عن الضحاك : « أنّ نافع بن الأزرق أتى ابن عباس فقال : يا ابن عباس قول الله تبارك وتعالى :( يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً ) (٣) ، وقوله :( وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) (٤) .

فقال ابن عباس : إنّي أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت : القي على ابن عباس متشابه القرآن ، فإذا رجعت إليهم ، فأخبرهم إنّ الله جامع الناس يوم القيامة في بقيع واحد ، فيقول المشركون : إنّ الله لا يقبل من أحد شيئاً إلاّ ممّن وحّده ، فيقولون : تعالوا نجحده ، فيسألهم ، فيقولون :( واللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) ، قال : فيختم على أفواههم ، ويستنطق جوارحهم ، فتشهد عليهم جوارحهم أنّهم كانوا مشركين ، فعند ذلك تمنّوا لو أنّ الارض سوّيت بهم ، ولا يكتمون الله حديثا »(٥) .

وأخرج الطبري في تفسيره بسنده عن سعيد بن جبير أنّه قال : « بينا أنا ومجاهد جالسان عند ابن عباس أتاه رجل ، فوقف على رأسه فقال : يا أبا

____________

(١) النساء / ٤٢.

(٢) جامع البيان ٥ / ٩٤ ط٢ البابي الحلبي وأولاده بمصر ١٣٧٣ هـ.

(٣) النساء / ٤٢.

(٤) الأنعام / ٢٣.

(٥) جامع البيان ٥ / ٩٤٠ ط الباب الحلبي وأولاده بمصر.

٤٣٧

العباس ـ أو يا أبا الفضل ـ ألا تشفيني عن آية المحيض؟ قال : بلى ، فقرأ :( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ) (١) حتى بلغ آخر الآية.

فقال ابن عباس : من حيث جاء الدم ، ثم أمرت أن تأتي.

فقال له الرجل : يا أبا الفضل ، كيف بالآية التي تتبعها( نسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) (٢) .

فقال : أي ويحك ، وفي الدبر من حرث؟ لو كان ما تقول حقاً لكان المحيض منسوخاً ، إذ أشتغل من هنا جئت من هاهنا ، ولكن أنّى شئتم من الليل والنهار »(٣) .

وأخرج الطبري في تفسيره بسنده عن عطاء ، قال : « سأل عمر الناس عن هذه الآية :( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ) (٤) ، فما وجد أحداً يشفيه حتى قال ابن عباس وهو خلفه : يا أمير المؤمنين إني أجد في نفسي منها شيئاً. قال : فتلفت إليه ، فقال : تحوّل ههنا لم تحقّر نفسك؟

قال : هذا مثال ضربه الله عزوجل ، فقال : أيودّ أحدكم أن يعمّر عمّره بعمل أهل السعادة ، حتى إذا كان أحوج ما يكون إلى أن يختمه بخير ، حين فني عمره ، اقترب أجله ، ختم ذلك بعمل من عمل أهل الشقاء ، فأفسده كلّه ، فحرّقه أحوج ما كان إليه »(٥) .

____________

(١) البقرة / ٢٢٢.

(٢) البقرة / ٢٢٣.

(٣) جامع البيان ١ / ٣٩٤.

(٤) البقرة / ٢٦٦.

(٥) جامع البيان ٣ / ٧٥.

٤٣٨

ومن النماذج التي فيها كشف ما أستبهم علمه من المتشابه في القرآن :

عن تفسير علي بن إبراهيم القمي كما في « مستدرك الوسائل » في باب نوادر ما يتعلق بأبواب زكاة الغلات بسنده : « عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أنّه قيل له : إنّ قوماً من هذه الأمة يزعمون أنّ العبد يذنب الذنب فيحرم به الرزق.

فقال ابن عباس : فو الذي لا إله غيره ، لهذا أنور في كتاب الله من الشمس الضاحية ، ذكر الله في سورة :( نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ) (١) ، إنّ شيخاً كانت له جنّة ، وكان لا يدخل لبيته ثمرة منها ولا إلى منزله ، حتى يؤتي كلّ ذي حق حقه ، فلمّا قبض الشيخ ورثه بنوه ـ وكان له خمسة من البنين ـ فحملت جنتهم تلك السنة التي هلك فيها أبوهم ، حملاً لم يكن حملته قبل ذلك ، فراحوا إلى جنتهم بعد صلاة العصر ، فأشرفوا على ثمرة ورزق فاضل ، لم يعاينوا مثله في حياة أبيهم ، فلمّا نظروا إلى الفضل طغوا وبغوا ، وقال بعضهم لبعض : إنّ أبانا كان شيخاً كبيراً قد ذهب عقله وخرف ، فهلّم فلنتعاهد عهداً فيما بيننا أن لا نعطي أحداً من فقراء المسلمين في عامنا هذا شيئاً ، حتى نستغني وتكثر أموالنا ، ثم نستأنف الصنيعة فيما يستقبل من السنين المقبلة ، فرضي بذلك منهم أربعة وسخط الخامس ، وهو الذي قال

____________

(١) القلم / ١.

٤٣٩

الله فيه :( قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ ) (١).

فقال الرجل : يا بن عباس كان أوسطهم في السن؟

فقال : لا بل كان أصغر القوم سناً ، وكان أكبرهم عقلاً ، وأوسط القوم خير القوم ، والدليل عليه في القرآن في قوله : إنّكم يا أمّة محمد أصغر القوم وخير الأمم ، قال الله :( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ) (٢) .

فقال أوسطهم : اتقوا الله وكونوا على منهاج أبيكم ، تسلموا وتغنموا ، فبطشوا به فضربوه ضرباً مبرحاً ، فلمّا أيقن الأخ أنّهم يريدون قتله ، دخل معهم في مشورتهم ، كارهاً لأمرهم غير طائع.

فراحوا إلى منازلهم ، ثم حلفوا بالله أن يصوموا إذا أصبحوا ، ولم يقولوا إن شاء الله تعالى ، فابتلاهم الله بذلك الذنب ، وحال بينهم وبين ذلك الرزق ، الذي كانوا أشرفوا عليه ، فأخبر عنهم في الكتاب وقال :( إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ) (٣) ، قال : كالمحترق.

فقال الرجل : يا بن عباس ما الصريم؟ قال : الليل المظلم ، ثم قال : لا ضوء له ولا نور.

فلمّا أصبح القوم :( فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ

____________

(١) القلم / ٢٨.

(٢) البقرة / ١٤٣.

(٣) القلم / (١٧) ـ ٢٠.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520