موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٨

موسوعة عبد الله بن عبّاس0%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 432

موسوعة عبد الله بن عبّاس

مؤلف: السيد حسن الموسوي الخرسان
تصنيف:

الصفحات: 432
المشاهدات: 22960
تحميل: 4515


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 22960 / تحميل: 4515
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء 8

مؤلف:
العربية

فأقول : لا شك أنّ ملوك بني العباس كانوا بسلوكهم وسيرتهم في سبيل تثبيت حكمهم قد أغدقوا العطاء وقرّبوا إليهم من وعاظ السلاطين من خفّ وزنه ورق دينه ، فكانوا طوع إرادتهم ، وقد مرّت بنا شواهد على هذا في مسألة كثرة أحاديث ابن عباس. وقرأنا عن الحاكمين مع علمائهم ما جعلنا في موقف الشك في نسبة تدخل العباسيين في تضخيم وتفخيم تراث جدّهم في الحديث ، وكذلك نحن الآن في مسألة آرائه الفقهية ، ولقد مرّت بنا كلمة المنصور الدوانيقي مع مالك بن أنس حول تعيينه منهجية كتابة الموطأ بقوله : ( تجنب شدائد ابن عمر ورخص ابن عباس وشواذّ ابن مسعود ) ، وهذا منهج ليس فيه إلزام أو حث على تبعية فقه ابن عباس.

بل روى ابن سعد في ( الطبقات الكبير ) عن مالك بن أنس ، قال : ( قال لي أبو جعفر أمير المؤمنين : كيف أخذتم قول ابن عمر من بين الأقاويل؟ فقلت له : بقي يا أمير المؤمنين ، وكان له فضل عند الناس ، ووجدنا من تقدّمنا أخذ به ، فأخذنا به ، قال : فخذ بقوله ، وإن خالف عليّاً وابن عباس )(1) .

فهذا الذي رواه ابن سعد ـ وهو من مؤرخي الدولة ـ عن مالك ـ وهو من مدوني فقه الدولة ـ فإنّ صح فيعني أنّ المنصور لم يجعل فقيه دولته في حرج إن لم يذكر رأي جدّه ، بل أباح له حرية ما يأخذ من قول ابن عمر ( وإن خالف عليّاً وابن عباس ).

____________________

(1) الطبقات الكبير1 / 108 ط أوربا ( أفست ).

٣٦١

ولكن مرّ بنا ما يثير علامة الإستفهام! ومناقشة هذا المنهج ، وإن وجدت بعض الأخبار تنبئ عن بعض الموافقات بين هوى الحاكم وبين فتاوى القاضي والعالم المسالم موافقة لفقه ابن عباس ، فلا يعني أنّها سيرة متبعة ، وإنّما هي حاجة صادفت هوى أملتها السياسة لوقتها ، ولم تكن بمثابة قاعدة ثابتة.

وإلى القارئ كشاهد على الموافقة أحياناً بين الحاكم والمفتي المتعالم :

قال الكتاني في ( التراتيب الإدارية ) : ( ( باب في ذكر من كان من الصحابة له أتباع يقلدونه في فتواهم ).

قال ابن المديني : انتهى علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ثلاثة ممن أخذ عنهم العلم ، وهم : عبد الله ابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، وابن عباس ، وإلى ذلك أشار الحافظ العراقي في الألفية ، فقال :

وهو زيد وابن عباس لهم

في الفقه اتباع يرون قولهم

فأمّا ابن عباس ، فذكر الشمس ابن عابدين الحنفي الدمشقي أوّل حواشيه في الدر المختار ص 40 ، أنّ ملوك الدولة العباسية كانوا على مذهب جدّهم عبد الله بن عباس ، قال : وإن كان أكثر قضاتهم ومشايخ إسلامها حنفية ، أنظره وانظر لِمَ لم يحملوا الناس على مذهبه ، مع أنّ مذهبه وفتاويه دونت قبل ابن حزم في سبع مجلدات كما سبق في الترجمة قبل والله أعلم.

٣٦٢

ثم قال : ثم وجدت ابن عابدين المذكور ذكر في باب العيدين أنّ مذهب ابن عباس في تكبير العيدين أن يكبّر الإمام في الأولى سبعاً وفي الثانية ستاً.

قال في الهداية : عليه عمل العامة اليوم لأمر الخلفاء من بني العباس به.

قال في الظهيرية : وهو تأويل ما روي عن أبي يوسف ومحمد فإنّهما فعلا ذلك ، لأنّ هارون أمرهما أن يكبرا بتكبير جدّه ففعلا ذلك إمتثالاً لأمره لا مذهباً واعتقاداً ، قال في المعراج : لأنّ طاعة الإمام فيما ليس بمعصية واجبة إهـ ص 583 ج1 )(1) انتهى ما حكاه الكتاني.

وقال أيضاً : ( ( تنبيه ) منتهى غالب سلاسل الفقه المالكي والفقه الحنبلي إلى عبد الله بن عمر ، ومنتهى غالب سلاسل الفقه الحنفي إلى عبد الله بن مسعود ، ومنتهى غالب سلاسل الفقه الشافعي إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنه إهـ )(2) .

أقول : فما أشار إليه من قول ابن حزم فهو في كتابه ( الإحكام في أصول الأحكام ) ، حيث قال : ( وقد جمع أبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب ابن أمير المؤمنين المأمون فتيا ابن عباس في عشرين كتاباً ، وأبو بكر هذا أحد أئمة الإسلام )(3) .

واللافت للنظر أنّ الكتاني ذكر أنّ جمع الفتاوى في سبع مجلدات بينما الموجود ( في عشرين كتاباً )! ولعلّ الإختلاف كان من ابن حزم

____________________

(1) التراتيب الإدارية 2 / 417.

(2) التراتيب الإدارية 2 / 419.

(3) الإحكام في أصول الأحكام 5 / 52.

٣٦٣

فذكر كلاً في كتاب من كتبه ، والإ فالكتاني ثبت في نقله وقد كرر ذلك في ( ج2 / 312 ) نقلاً عن ابن القيّم عن ابن حزم من أنّ فتاوى ابن عباس أفردت بسبع مجلدات.

وقال : ( وقال الحافظ ابن القيم في كتابه الوابل الصيّب : هذا عبد الله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن مقدار ما سمع من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يبلغ العشرين حديثاً الذي يقول فيه سمعت ورأيت(1) ، وسمع كثيراً من الصحابة ، وبورك له في فهمه واستنباطه ، حتى ملأ الدنيا علماً وفقهاً.

قال أبو محمد بن حزم : وجمعت فتاويه في سبعة أسفار كبار وهي بحسب ما بلغ جامعها ، وإلاّ فعلم ابن عباس كالبحر ، وفقهه واستنباطه وفهمه في القرآن بالموضع الذي فاق به الناس ، وقد سمع كما سمعوا ، وحفظ القرآن كما حفظوا ، ولكن كانت أرضه أخصب الأراضي وأمثلها للزرع فبذر فيها النصوص فأنبتت من كلّ زوج كريم ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم إهـ )(2) .

فتبين أنّ كثرة فتاواه إنّما هي نتيجة سعة علمه ، إذ اتسع علمه فاتسعت فتاواه ، وهذا ما ذهب إليه ابن القيم أيضاً ، حيث قال : ( ولهذا كان ابن عباس من أوسع الصحابة فتيا ، فقد جمع أبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب بن أمير المؤمنين المأمون فتيا ابن عباس في عشرين كتاباً ).

____________________

(1) لقد مر في الجزء الأول الفصل الأول من الباب الأول في بدء تعلمه ( وقفة مع الغزالي ) ذكر ما يزيد على ضعف ما ذكره ابن قيم الجوزية ، فراجع.

(2) التراتيب الإدارية 2 / 415.

٣٦٤

إذن ففي كثرة الفتاوى لا ريب فيها ولا غرابة ، فهو قد تفرَغ للعلم ما يزيد على نصف قرن عاكفاً عليه طيلة حياته ، باستثناء فترة خمس سنين على أكثر تقدير ، وهي التي مارس فيها العمل السياسي والإداري ، ومع ذلك لم يبتعد عن الجوّ العلمي كثيراً ، فهو كان في تلك السنين القليلة مع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في سلمه عاضداً ونصيراً ، وفي حروبه قائداً ومشيراً ، ومع زحمة أعمال ولايته على البصرة والياً وأميراً ، لقد كان يعلّم أهلها ، ومرّت الشواهد في تاريخه أيام ولايته. فكثرة فتاواه التي توجد مبثوثة في الجوامع الفقهية في التراث الشيعي والسني لا نقاش فيها من جهة الكثرة ، ومن راجع كتب الفقه المقارن والخلاف ، يجد أقوال ابن عباس مع أقوال المكثرين من أهل الفتيا من الصحابة ، وربما فاق في حضوره أكثر من غيره.

غير أنّ تلك الكثرة نجد بينها آراءً مختلفة وفتاوى متناقضة ، وهذه مسألة أخرى تحتاج إلى مزيد بحث لمعرفة أسباب ذلك التناقض وتمحيص تلك المرويات على ضوء الثوابت من مباني ابن عباس الفقهية ، ولا شك أنّ الرجل كان مستهدَفاً من قبل أعدائه من أمويين وزبيريين وخوارج. مضافاً إلى من كان يعادي أبناءه ، فيضعون على لسانه ما لم يقله ، وينسبون إليه ما لم يفعله ، وفي سوق المعارف تنفق مفتريات المخالف مع روايات المؤالف ، ولم يكن هو وحيد عصره في هذا الإبتلاء ، بل له الأسوة بخيرة معلِمَيه مدينة العلم وبابها ، صلى الله عليهما وآلهما الطيبين الطاهرين ، فكلاهما كُذِب عليهما في حياتهما

٣٦٥

ومن بعد وفاتهما ، وهو في هذا شبيه بهما.

مدرسة الوضع تنال ابن عباس بالكذب عليه في حياته :

لقد كان الكذّابة قد نالوا ابن عباس فكذبوا عليه في حياته فنسبوا إليه ما هو براء منه. وقد أشاعوا عنه مفتريات لم يقلها ، ولا غرابة في ذلك بعد أن كانوا قد كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حياته فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ).

فقال ابن الجوزي : ( وهذا الحديث قد رواه من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحد وستون نفساً. وساق الحديث حسب رواية كلّ واحد من الصحابة إلى أن روى بسنده عن ابن عباس ، قال : قال العباس لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لو أتخذنا لك عرشاً تكلّم الناس من فوقه ويسمعون ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا أزال هكذا يصيبني غبارهم ، ويطئون عقبي حتى يريحني الله منهم ، فمن كذب عليَّ فموعده النار ).

وروى ابن عباس أيضاً أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( اتقوا الحديث إلاّ ما قد علمتم ، فإنّه من كذب عليَّ فليتبوأ مقعده من النار )(1) .

كما أنّهم كذبوا على الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وبلغه ذلك ، فقال عليه السلام في خطبة له في ذمّ أهل العراق الذين زاغت قلوبهم فقالوا فيه ما قالوه : ( أمّا بعد يا أهل العراق فإنّما أنتم كالمرأة الحامل ، حملت فلمّا أتمّت أملصت ، ومات قيّمها ، وطال تأيّمها ، وورثها أبعدها ، أما والله ما أتيتكم إختياراً ، ولكن جئتُ

____________________

(1) الموضوعات 1 / 81 ـ 82.

٣٦٦

إليكم سَوقاً ، ولكني بلغني أنّكم تقولون : عليَّ يكذب! قاتلكم الله فعلى من الكذب؟ أعلى الله؟ فأنا أوّل من آمن به ، أم على نبيه؟ فأنا أوّل من صدّقه )(1) .

ولقد تفشى الكذب عليه حتى تعدى الرواية الشفهية إلى المدونات عنه ، فأخرج مسلم في صحيحه بسنده عن ابن أبي مليكة ، قال : ( كتبت إلى ابن عباس أسأله أن يكتب لي كتاباً ويخفي عني ، فقال : ولد ناصح ، أن أختار له الأمور اختياراً وأخفي عنه ، قال : فدعا بقضاء عليّ فجعل يكتب منه أشياء ويمرّ به الشيء فيقول : والله ما قضى بهذا عليّ إلاّ أن يكون ضلّ )(2) .

وروى أيضاً بسنده عن سفيان بن عيينة ، عن هشام بن حجير ، عن طاووس ، قال : ( أتي ابن عباس بكتاب فيه قضاء عليّ رضي الله عنه فمحاه الإقدر ـ وأشار سفيان بن عيينة بذراعه ـ. )(3) .

وأمّا الكذب على ابن عباس رضي الله عنه ، فحسب الباحث معرفة ذلك من كثرة تنافي الروايات عنه ، والتناقض بين الفتاوى المنسوبة إليه ، إذ لا يعقل أن تكون جميعها صحيحة النسبة قد صدرت منه ، اللهمَّ إلاّ أن يكون هو غير ابن عباس الذي عرفناه وقرأناه حبر الأمة وترجمان القرآن ، وأفقه الصحابة بعد إمامه ومعلّمه. ولا شك عندي في أنّها ـ لمخالفتها للكتاب وللسنة الثابتة ـ هي مكذوبة عليه ، وليس هذا مني تخرصاً بالباطل ، أو غلواً في الدفاع عنه.

ولنقرأ ما أخرجه الشيخ الطوسي في ( تهذيب الأحكام ) ، وفي كتاب ( الخلاف )

____________________

(1) شرح نهج البلاغة محمد عبده 1 / 115.

(2) صحيح مسلم 1 / 10 ، ط صبيح.

(3) نفس المصدر.

٣٦٧

بسنده عن أبي طالب الأنباري : ( قال : حدثنا محمد بن أحمد البربري ، قال : حدثنا بشر بن هارون ، قال : حدثنا الحميدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن قارية ـ حارثة ـ ابن مضرب ، قال : جلست عند ابن عباس وهو بمكة ، فقلت : يا بن عباس حديث يرويه أهل العراق عنك وطاووس مولاك يرويه : إنّما أبقت الفرائض فلأولي عصبة ذكر؟

قال : أمن أهل العراق أنت؟

قلت : نعم ، قال : أبلغ من وراءك إنّي أقول : إنّ قول الله عزوجل :( آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ ) (1) ، وقوله :( وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ ) (2) ، وهل هذه إلا فريضتان ، وهل أبقتا شيء؟ ما قلت هذا ولا طاووس يرويه علي.

قال قارية ( حارثة ) بن مضرب : فلقيت طاووساً ، فقال : لا والله ما رويت هذا على ابن عباس قط ، وإنّما الشيطان ألقاه على ألسنتهم.

قال سفيان : أراه من قبل ابنه عبد الله بن طاووس فإنّه كان على خاتم سليمان بن عبد الملك ، وكان يحمل على هؤلاء القوم حملاً شديداً ـ يعني بني هاشم ـ )(3) .

أقول : وقد أخرج هذا الحديث ابن حجر في ( تهذيب التهذيب ) ، في آخر ترجمة عبد الله بن طاووس ، نقلاً عن تهذيب الشيخ الطوسي بتفاوت يسير ، وفيه حارثة بن مضرب بدل قارب بن مضرب ، وفي آخره في قول سفيان : ( ولا أراه إلاّ من قبل ولده وكان على خاتم سليمان بن

____________________

(1) النساء / 11.

(2) الانفال 57.

(3) تهذيب الأحكام 9 / 263 ، الخلاف 4 / 67.

٣٦٨

عبد الملك وكان كثير الحمل على أهل البيت )(1) .

ولم يقتصر الكذب على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وعلى الإمام عليه السلام وعلى ابن عباس رضي الله عنه فحسب ، بل قرأنا نحو ذلك حتى على عبد الله بن جعفر وهو من أهل البيت عليهم السلام :

فقد أخرج ابن عبد البر في ( التمهيد ) بإسناده عن محمد بن لبيد ، قال : ( أمّرني يحيى بن الحكم على جرش فقدمتها ، فحدثوني أنّ عبد الله بن جعفر حدّثهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( أتقوا صاحب هذا الداء ـ يعني الجذام ـ كما يتقى السبع ، إذا هبط وادياً فاهبطوا غيره ).

فقلت : والله لئن كان ابن جعفر حدثكم هذا ما كذبكم. قال : فلمّا عزلني عن جرش قدمت المدينة فلقيت عبد الله بن جعفر ، فقلت له : يا أبا جعفر ما حديث حدثه عنك أهل جرش ثم حدثته الحديث؟ فقال : كذبوا والله ما حدثتهم ) وساق ابن عبد البر الحديث بطوله ثم تعقبه بقوله :

( قال أبو عمر : فهذا محمود بن لبيد يحكي عن جماعة أنّهم حدثوا عن عبد الله بن جعفر بما أنكره ابن جعفر ولم يعرفه ، بل عرف ضدّه ، وهذا في زمن فيه الصحابة ، فما ظنّك بمن بعدهم؟ وقد تقدم في هذا الباب عن ابن عباس في عصره نحو هذا المعنى )(2) .

ومن الشواهد على تطاول سماسرة الوضع على حريم مرويات ابن عباس المرفوعة والموقوفة ، هو التعتيم المكثّف على الحقائق التي كان يصحر بها لإدانة السلطات المناوئة لأهل البيت عليهم السلام.

____________________

(1) تهذيب التهذيب 5 / 268.

(2) التمهيد 1 / 66.

٣٦٩

فمن تلك الأساليب المشبوهة ، تعمّد حذف بعض النصوص في بعض الأحاديث ذات الأعداد المعينة إمعاناً في التضليل! نحو ما مرّ في حديث الكتف والدواة في الجزء الأوّل من الحلقة الأولى.

حيث جاء في آخر الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه : ( فأوصى ـ يعني النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عند موته بثلاث : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم به ، ونسيت الثالثة )! وهذا التناسي المتعمد أربك شراح الصحاح التي ذكرت الحديث كما تقدّم ذكره في محله.

وإلحاقاً بما مرّ نقرأ ما قاله الحافظ ابن حجر في ( هدى الساري ) ، في تبيين المبهات في أحاديث البخاري ، قال : ( حديث ابن عباس : فأوصى عند موته بثلاث فذكر اثنين ونسيت الثالثة :

القائل : ونسيت الثالثة هو ابن عيينة ، بيّنه الإسماعيلي في روايته هنا ، وقد بيّنه البخاري في الجزية ، وفي مسند الحميدي أنّه سليمان شيخ ابن عيينة ، والثالثة وقع في صحيح ابن حبّان ما يشير إلى أنّها الوصية بالأرحام )(1) ، وإلى هنا أنتهى ما قاله ابن حجر.

أرايتم كيف زاغ وراغ عن ذكر الحقيقة المغيبة؟! إنّما هي آية المودّة :( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (2) ، والتي قال عنها ابن عمر : آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( أخلفوني في أهل

____________________

(1) هدى الساري 2 / 49.

(2) الشورى / 23.

٣٧٠

بيتي )(1) ، وعبرّ عنها في صحيح ابن حبّان بالوصية بالأرحام.

وما كان حديث الرزية كلّ الرزية هو المتفرد بهذه البلية ، فقد أخرج عبد الرزاق في أوّل كتابه الجامع حديثاً بسنده عن قتادة ، قال : ( كان ابن عباس يقول : ( ثلاث آيات محكمات لا يعمل بهنّ اليوم تركهن الناس :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ) (2) .

وهذه الآية :( إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) (3) ، فأبيتم إلاّ فلان بن فلان وفلان بن فلان )(4) .

وإلى هنا انتهى الحديث في رواية عبد الرزاق ، ولم تذكر الآية الثالثة!! فيا ترى من الذي تولى كِبَر ابتلاعها إذ غصّ بذكرها؟ إنّها أيضاً آية الموّدة في القربى التي يأبى زوامل الأسفار ذكرها ، زلفى لهوى السلطات الحاكمة المناوئة لأهل البيتعليهم‌السلام .

من الحزم شهادة ابن حزم

ذكر في كتابه ( الإحكام في أصول الأحكام ) :

( قال أبو محمد : هذا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه لم ير حكم عمر ثم

____________________

(1) راجع الحلقة الأولى من هذه الموسوعة 1 / 448 ، نقلاً عن الصواعق المحرقة لابن حجر / 89 ـ 90 ، وسنجد أيضاً رواية ذلك عن ابن عباس وعن جابر بن عبد الله.

(2) النور / 58.

(3) الحجرات / 13.

(4) أنظر المصنف 10 / 379 ح19419.

٣٧١

حكم عثمان ـ المشتهر المنتشر الفاشي ـ والذي وافقهما هو عليه ـ إجماعاً ـ بل سارع إلى خلافه إذ أرآء اجتهاده الصواب في خلافه

ـ ثم ذكر خبراً عن الشعبي ـ قال : أحرم عقيل بن أبي طالب في موردتين ، فقال له عمر : خالفت الناس ، فقال له عليّ : دعنا منك ، فإنّه ليس لأحد أن يعلّمنا السنّة ، فقال له عمر : صدقت. فهذا عليّ وعقيل لم ينكرا خلاف الناس ، ورجع عمر عن قوله إلى ذلك ، إذ لم يكن ما أضافه إلى الناس سنّة يجب إتباعها ، بل السنّة خلافه.

وذكر أيضاً خبراً بسنده عن عطاء بن أبي رباح ، قال : قلت لابن عباس : إنّ الناس لا يأخذون بقولي ولا بقولك ، ولو متّ أنا أو أنت ما اقتسموا ميراثنا على ما نقول. قال ابن عباس : فليجتمعوا فلنضع أيدينا على الركن ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ، ما حكم الله بما قالوا.

ثم قال ابن حزم : فهذا ابن عباس بأصح أسناد عنه ، لا يلتفت إلى الناس ، ولا إلى ما أشتهر عندهم وانتشر من الحكم بينهم إذا كان خلافاً لحكم الله تعالى. في مثل هذا يدعي من لا يبالي بالكذب بالإجماع.

ثم روى أيضاً بسنده عن عبد الله بن أبي زيد أنّه سمع ابن عباس يقول في قول الله عزوجل :( لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) (1) ، قال ابن عباس : لم يؤمن بهذه الآية أكثر الناس وإني لآمر هذه أن تستأذن علي ، يعني جارية له.

قال أبو محمد ـ ابن حزم ـ وهذا كالذي قبله ثم ساق خبراً آخر بسنده عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، قال : أمر ليس في كتاب الله

____________________

(1) النور / 58.

٣٧٢

عز وجل ولا في قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وستجدونه في الناس كلّهم ـ ميراث الأخت مع البنت ـ فهذا ابن عباس لم ير الناس كلّهم حجة على نفسه في أن يحكم بما لم يجد في القرآن ولا في السنة )(1) .

ولولا عناية الله سبحانه وتعالى بأهل البيت عليهم السلام حين استخلص من عباده الصالحين من ينصر دينه ويذكر فضل نبيّه وأهل بيته الطاهرين ، مثل ابن عباس رضي الله عنه وقليل من النفر الصادقين في موالاتهم ، لضاعت الأخبار وطمست الآثار ، غير أنّ ابن عباس كان هو الفذّ المغوار في هذا المضمار ، فلا يشقّ له غبار في نشر فضائل الكرار وأهل بيته الأطهار ، وقد مرّت بعض مواقفه في الحلقة الأولى ، وسيأتي في هذه الحلقة ما يزيد على ما مرّ في صفحات إحتجاجاته.

ولم أجد له ندّاً بين جميع الصحابة من يشبهه في مواقفه الجريئة مع الخالفين ، فمن ذا غيره شجع أو تشجع فقال لعمر : ( فأردد إليه ظلامته ) ـ يعني عليّاً عليه السلام ـ؟ وبنحو ذلك ممّا مرّ ويأتي المزيد عنه في إحتجاجاته.

ومن ذا الذي كشف عن حقد عائشة حين أخفت اسم عليّ عليه السلام وكان أحد الرجلين اللذين خرج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم متوكئاً عليهما في آخر خرجة له حين علم بأنّ أبا بكر يصلي بالناس بغير أمر منه ، فخرج متوكئاً على عليّ عليه السلام وعلى الفضل بن العباس ، فروت عائشة ذلك فسمت الفضل ولم تسم عليّاً عليه السلام! وهذا آثار تساؤل الراوي! كيف تجهل

____________________

(1) الإحكام في أصول الأحكام 4 / 186 ـ 187 ط السعادة بمصر1430 هـ.

٣٧٣

عائشة اسم من توكّاً عليه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وقد خرج من بيتها؟! فسأل ابن عباس عنه : فقال له : إنّه عليّ عليه السلام ، ولكن عائشة لا تطيب له ذكراً.

إلى غير هذا من مواقف جهادية مع الناصبين العداوة لعليّ عليه السلام من أمويين حاقدين ، وزبيريين مناوئين ، وخوارج معاندين ضالين مضلّين ، كما سيأتي كلامه في تنزيه المسجد الحرام من صخب القدرية في أكاذيبهم ، والمجبّرة في تمويهاتهم ، والخوارج في ضلالاتهم ، وخطباء معاوية في افترءاتهم.

إذن فمن كان بهذا الموقع علماً وفهماً مع نسب وحسب دونهما سائر بطون قريش ، فضلاً عن غيرهم ، كيف لا يُستهدف بسهام الأعداء من سائر من ذكرت؟ على أنّه كان على إحتياط تام في تحديثه ، فلم يحدّث كلّ أحد إلاّ بما يقتضيه الحال ويسعه المجال ، ومرّت بنا كلمته في بحث معارفه القرآنية ، بأنّه كان يكتم ما لا يطيق السامع فهمه ، بل تجاوز حدّ الإحتياط فيما يعلم إلى السكوت فيما لا يعلم ، كما في قول تلميذه مجاهد ، قال : ( كان ابن عباس إذا سئل عن الشيء لم يجيئ فيه أثر ، يقول : هو من العفو ، ثم يقرأ هذه الآية :( وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ ) (1) )(2) . وهي لا تتجاوز عدد الأصابع.

ولمّا كانت تلك المسائل التي خالف فيها رأي الجمهور صارت مدعاة للتشهير به ، وهي لاشك تحتاج إلى وقفة تحقيق وتدقيق دقيق.

____________________

(1) المائدة 101.

(2) مجمع البيان 3 / 429.

٣٧٤

وقبل الخوض في عرضها ، علينا العود إلى إستذكار عنصر واحد من عناصر التضبيب على آرائه ، فهو من ألدّ أعدائه وإن عدَّوه من مواليه. وذلك هو مولاه عكرمة الخارجي البربري ، الذي كان يكذب عليه ، واشتهر بهذا حتى صار مضرب المثل في كذب الموالي على مواليهم.

فقد قال ابن عمر لمولاه نافع : ( اتق الله ويحك يا نافع لا تكذب عليَّ كما كذب عكرمة على ابن عباس )(1) .

وقال سعيد بن المسيب لغلامه برد : ( يا برد لا تكذب عليَّ كما يكذب عكرمة على ابن عباس )(2) .

ولكثرة كذبه بعد موت مولاه قيّده علي بن عبد الله بن عباس على باب الحشّ ـ الكنيف ـ فسأله يزيد بن أبي زياد ما لهذا؟ قال : إنّه يكذب على أبي(3) .

وقد مرّ هذا ونحوه في ترجمته في تلاميذه في الجزء الأوّل من هذه الحلقة ، وسوف يأتي في الحلقة الرابعة عنه من أكاذيبه على مولاه ما يسقطه عن أيّ اعتبار.

فهذا الخبيث ـ كما سماه ابن عباس ـ لقد أساء كثيراً إلى مولاه ، حتى زعم فيه أنّه كان من الخوارج ، ومنه تسرّبت تلك الفرية إلى بعض كتبهم ، وقد ذكرت في ( الحلقة الأولى ) في ( محض هراء وافتراء بلا حياء ) شيئاً عن تلك الفرية(4) .

____________________

(1) تهذيب التهذيب 7 / 267.

(2) نفس المصدر 7 / 268.

(3) نفس المصدر.

(4) موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى 4 / 224.

٣٧٥

وفي مراجعة تلك الفتاوى المتناقضة نجد الكثير منها رواه عكرمة وأمثاله ممن لا خلاق لهم من أعداء ابن عباس رضي الله عنه.

والآن إلى قراءة مسألة واحدة من تلك التي اختلفت فيها الرواية عن ابن عباس ، فرواها عكرمة البربري الخارجي بما يشين ابن عباس رضي الله عنه وإمامه عليه السلام ، فضربهما بحجر واحد ، وهي مسألة عقوبة التحريق وما فيها من التلفيق ، فإلى قراءة ما قيل فيها :

عقوبة التحريق بين التصديق والتلفيق

لقد مرّت الإشارة إلى هذه المسألة في الحلقة الأولى في آخر خلافة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام(1) ، ضمن عدّة ( روايات تافهة ) وردت فيها مخالفات فقهية بين ابن عباس وبين الإمام عليه السلام ، فاشتط ابن كثير في رواية مسألة التحريق فصاغ منها عقداً حشاه حقداً ونقداً تجاوز حدّ الجدل والخلاف إلى حدّ الإسفاف ، كما سيأتي هذا بروايته.

ولتنوير القارئ نبسط ما قرأناه في مصادر الحديث والفقه والتاريخ عند العامة ، فهم الذين أولوا مسألة الخلاف في الرأي بين ابن عباس وبين الإمام عليه السلام بالغ الإهتمام ، فبنوا قباباً من الوهم على شفا جرف هار ، وذلك كما يلي :

قال الألباني في ( إرواء الغليل ) : ( باب حكم المرتد 2471 ( حديث ابن عباس مرفوعاً مَن بدّل دينه فاقتلوه ) رواه الجماعة إلاّ مسلماً ). صحيح من حديث ابن عباس وله عنه طريقان :

____________________

(1) موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى ج2.

٣٧٦

الأولى عن عكرمة : أنّ عليّاً عليه السلام أحرق ناساً ارتدوا عن الإسلام ، فبلغ ذلك ابن عباس ، فقال : لم أكن لأحرقهم بالنار ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( لا تعذّبوا بعذاب الله ) وكنت قاتلهم بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ـ فذكر الحديث ـ. فبلغ ذلك عليّاً عليه السلام ، فقال : ( ويح ابن عباس ).

أخرجه البخاري ( 2 / 251 و 4 / 329 ) وأبو داود ( 4351 ) والسياق له ، والنسائي ( 2 / 170 ) ، والترمذي ( 1 / 275 / 276 ) ، وابن ماجة ( 2535 ) ( 336 ) ، والدارقطني ( 336 ) ، والبيهقي ( 8 / 195 ) ، وأحمد ( 1 / 282 و 282 ـ 283 ) من طريق أيوب عنه ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.

والأخرى عن أنس : أنّ عليّاً أتي بناس من الزطّ يعبدون وثناً فأحرقهم. قال ابن عباس : إنّما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من بدّل دينه فأقتلوه ) ، أخرجه النسائي وأحمد ( 1 / 322 ـ 323 ) ، والطبراني في الكبير ( 3 / 9 / 2 ) ، والبيهقي ( 8 / 202 ) ، قلت ـ والقائل هو الألباني ـ : وإسناده صحيح على شرط الشيخين )(1) .

أقول : وقد ذكر في الصحيحة برقم ( 488 ) الحديث بلفظ أبي داود والدارقطني وأشار إلى تخريجه.

وهذا الذي ذكره الألباني إنّما هو إختصار لما في صحاح القوم ، ومن راجع المصادر المشار إليها يجد التفاوت بينها في المتون مع وحدة الراوي ( عكرمة )! فمن أين أتى التفاوت؟ هل هو من عكرمة الكذاب؟ وقدماً قيل ليس لكذوب حافظة ، فهو الذي غيرّ في روايته ، أم

____________________

(1) إرواء الغليل 8 / 124 ط2 المكتب الإسلامي بيروت 1405 هـ.

٣٧٧

من باقي الرواة في رجال الصحاح والمسانيد والسنن؟ وعرضاً عابراً ، لما عندهم سندرك ما أشرت إليه.

1 ـ روى البخاري في صحيحه كتاب الجهاد والسير في ( باب لا يعذّب بعذاب الله ) ، فقال : ( حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، عن أيوب ، عن عكرمة : أنّ عليّاً رضي الله عنه حرّق قوماً فبلغ ابن عباس ، فقال : لو كنتُ أنا لم أحرقهم ، لأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( لا تعذّبوا بعذاب الله ) ، ولقتلتهم كما قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : ( من بدّل دينه فأقتلوه ) )(1) .

2 ـ روى البخاري أيضاً في كتاب إستتابة المرتدين ( باب حكم المرتدين والمرتدة ) : ( حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضل ، حدثنا حماد ابن زيد ، عن أيوب ، عن عكرمة ، قال : أتي عليّاً رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم ، فبلغ ابن عباس ، فقال : لو كنتُ أنا لم أحرقهم ، لنهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من بدّل دينه فأقتلوه ) )(2) .

3 ـ روى أبو داود في ( السنن ) في كتاب الحدود بسنده : ( عن أيوب ، عن عكرمة : أنّ عليّاً عليه السلام أحرق ناساً ارتدوا عن الإسلام ، فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لم أكن لأحرقهم ، إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( لا تعذبوا بعذاب الله ) ، وكنت قاتلهم بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( من بدّل دينه فأقتلوه ) ، فبلغ ذلك عليّاً عليه السلام فقال : ويح ابن عباس )(3) .

____________________

(1) صحيح البخاري 4 / 61 ط بولاق.

(2) صحيح البخاري 9 / 15 ط بولاق.

(3) سنن أبي داود 4 / 126 محمد يحيى الدين عبد الحميد نشر دار إحياء السنة الشريفة.

٣٧٨

4 ـ روى الترمذي في سننه في كتاب الحدود ( باب ما جاء في المرتد ) بسنده : ( عن أيوب ، عن عكرمة : أنّ عليّاً رضي الله عنه حرّق قوماً ارتدوا عن الإسلام فبلغ ابن عباس ، فقال : لو كنتُ أنا لقتلتهم ، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( من بدّل دينه فأقتلوه ) ، ولم أكن لأحرقهم ، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا تعذّبوا بعذاب الله ) ، فبلغ ذلك عليّاً عليه السلام فقال : صدق ابن عباس.

قال أبو عيسى ـ الترمذي ـ : هذا حديث حسن ، والعمل على هذا عند أهل العلم في المرتد )(1) .

5 ـ روى النسائي في سننه في كتاب تحريم الدم ( باب الحكم في المرتد ) بشرح السيوطي والسندي بسنده : ( عن أيوب ، عن عكرمة : أنّ أناساً ارتدوا عن الإسلام فحرّقهم عليّ بالنار ، قال ابن عباس : لو كنت أنا لم أحرقهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا تعذبوا بعذاب الله أحداً ) ، ولو كنت أنا لقتلتهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من بدّل دينه فاقتلوه ) )(2) .

ثم روى النسائي حديث ( من بدّل دينه فاقتلوه ) بعدّة أسانيد عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، من دون ذكر التحريق ، وكذلك رواه عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس. وعن قتادة ، وعن أنس ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من بدّل دينه فاقتله )(3) .

وروى أيضاً بسنده : ( عن قتادة ، عن أنس : أنّ عليّاً أتي بناس من الزطّ

____________________

(1) سنن الترمذي 4 / 59.

(2) سنن النسائي 7 / 104 ط المصرية بالأزهر.

(3) نفس المصدر 7 / 104.

٣٧٩

يعبدون وثناً فأحرقهم ، قال ابن عباس : إنّما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من بدّل دينه فاقتلوه ) )(1) .

6 ـ روى ابن ماجة في سننه في الحدود بسنده : ( عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من بدّل دينه فاقتلوه ) )(2) . ولم يذكر عن قضية التحريق شيئاً.

7 ـ وأخيراً ما رواه أحمد في مسنده ، فقد ذكر الحديث مكرراً.

فأوّلاً : رواه بسنده : ( عن أيوب ، عن عكرمة : أنّ عليّاً حرّق ناساً ارتدوا عن الإسلام ، فبلغ ذلك ابن عباس ، فقال : لم أكن لأحرقهم بالنار ، وأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( لا تعذّبوا بعذاب الله ) ، وكنت قاتلهم لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من بدّل دينه فاقتلوه ) ، فبلغ ذلك عليّاً ( كرّم الله وجهه ) فقال : ( ويح ابن أم ابن عباس ) )(3) .

وثانياً : رواه بسنده : ( عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا تعذبوا بعذاب الله عزوجل ) )(4) .

وثالثاً : رواه بسنده : ( عن أيوب ، عن عكرمة : أنّ عليّاً أُتي بقوم من هؤلاء الزنادقة ومعهم كتب فأمر بنار فأججت ، ثم أحرقهم وكتبهم قال عكرمة : فبلغ ذلك ابن عباس ، فقال : لو كنت أنا لم أحرقهم بنهي

____________________

(1) نفس المصدر 7 / 105.

(2) سنن ابن ماجة رقم 2535. ط محمد فؤاد عبد الباقي.

(3) مسند أحمد 3 / 264 رقم 1817 تح شاكر.

(4) نفس المصدر 3 / 276 رقم 1901.

٣٨٠