موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٩

موسوعة عبد الله بن عبّاس16%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 496

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 93259 / تحميل: 4730
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٩

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

( بيان‏)

هذا هو الفصل الثاني من الآيات يعرّف الحاقّة ببعض أشراطها و نبذة ممّا يقع فيها.

قوله تعالى: ( فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ ) قد تقدّم أنّ النفخ في الصور كناية عن البعث و الإحضار لفصل القضاء، و في توصيف النفخة بالواحدة إشارة إلى مضيّ الأمر و نفوذ القدرة فلا وهن فيه حتّى يحتاج إلى تكرار النفخة، و الّذي يسبق إلى الفهم من سياق الآيات أنّها النفخة الثانية الّتي تحيي الموتى.

قوله تعالى: ( وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً ) الدكّ أشدّ الدقّ و هو كسر الشي‏ء و تبديله إلى أجزاء صغار، و حمل الأرض و الجبال إحاطة القدرة بها، و توصيف الدكّة بالواحدة للإشارة إلى سرعة تفتّتهما بحيث لا يفتقر إلى دكّة ثانية.

قوله تعالى: ( فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ ) أي قامت القيامة.

قوله تعالى: ( وَ انْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ ) انشقاق الشي‏ء انفصال شطر منه من شطر آخر، و واهية من الوهي بمعنى الضعف، و قيل: من الوهي بمعنى شقّ الأديم و الثوب و نحوهما.

و يمكن أن تكون الآية أعني قوله:( وَ انْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ وَ الْمَلَكُ عَلى‏ أَرْجائِها ) في معنى قوله:( وَ يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَ نُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا ) الفرقان: 25.

قوله تعالى: ( وَ الْمَلَكُ عَلى‏ أَرْجائِها وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ ) قال الراغب: رجا البئر و السماء و غيرهما جانبها و الجمع أرجاء قال تعالى:( وَ الْمَلَكُ عَلى‏ أَرْجائِها ) انتهى، و الملك - كما قيل - يطلق على الواحد و الجمع و المراد به في

٦١

الآية الجمع.

و قوله:( وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ ) ضمير( فَوْقَهُمْ ) على ظاهر ما يقتضيه السياق للملائكة، و قيل: الضمير للخلائق.

و ظاهر كلامه أنّ للعرش اليوم حملة من الملائكة قال تعالى:( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ) المؤمن: 7 و قد وردت الروايات أنّهم أربعة، و ظاهر الآية أعني قوله:( وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ ) أنّ الحملة يوم القيامة ثمانية و هل هم من الملائكة أو من غيرهم؟ الآية ساكتة عن ذلك و إن كان لا يخلو السياق من إشعار ما بأنّهم من الملائكة.

و من الممكن - كما تقدّمت الإشارة إليه - أن يكون الغرض من ذكر انشقاق السماء و كون الملائكة على أرجائها و كون حملة العرش يومئذ ثمانية بيان ظهور الملائكة و السماء و العرش للإنسان يومئذ، قال تعالى:( وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) الزمر: 75.

قوله تعالى: ( يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى‏ مِنْكُمْ خافِيَةٌ ) الظاهر أنّ المراد به العرض على الله كما قال تعالى:( وعُرِضُوا عَلى‏ رَبِّكَ صَفًّا ) الكهف: 48، و العرض إراءة البائع سلعته للمشتري ببسطها بين يديه، فالعرض يومئذ على الله و هو يوم القضاء إبراز ما عند الإنسان من اعتقاد و عمل إبرازاً لا يخفى معه عقيدة خافية و لا فعلة خافية و ذلك بتبدّل الغيب شهادة و السرّ علناً قال:( يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ ) الطارق: 9، و قال:( يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى‏ عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْ‏ءٌ ) المؤمن: 16.

و قد تقدّم في أبحاثنا السابقة أنّ ما عدّ في كلامه تعالى من خصائص يوم القيامة كاختصاص الملك بالله، و كون الأمر له، و أن لا عاصم منه، و بروز الخلق له و عدم خفاء شي‏ء منهم عليه و غير ذلك، كلّ ذلك دائميّة الثبوت له تعالى، و إنّما المراد ظهور هذه الحقائق يومئذ ظهوراً لا ستر عليه و لا مرية فيه.

٦٢

فالمعنى: يومئذ يظهر أنّكم في معرض على علم الله و يظهر كلّ فعلة خافية من أفعالكم.

قوله تعالى: ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ ) قال في المجمع، هاؤم أمر للجماعة بمنزلة هاكم، تقول للواحد: هاء يا رجل، و للاثنين: هاؤما يا رجلان، و للجماعة: هاؤم يا رجال، و للمرأة: هاء يا امرأة بكسر الهمزة و ليس بعدها ياء، و للمرأتين: هاؤما، و للنساء: هاؤنّ. هذه لغة أهل الحجاز.

و تميم و قيس يقولون: هاء يا رجل مثل قول أهل الحجاز، و للاثنين: هاءا، و للجماعة: هاؤا، و للمرأة: هائي، و للنساء هاؤنّ.

و بعض العرب يجعل مكان الهمزة كافاً فيقول: هاك هاكما هاكم هاك هاكما هاكنّ، و معناه: خذ و تناول، و يؤمر بها و لا ينهى. انتهى.

و الآية و ما بعدها إلى قوله:( الْخاطِؤُنَ ) بيان تفصيليّ لاختلاف حال الناس يومئذ من حيث السعادة و الشقاء، و قد تقدّم في تفسير قوله تعالى:( فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ) إسراء: 71 كلام في معنى إعطاء الكتاب باليمين، و الظاهر أنّ قوله:( هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ ) خطاب للملائكة، و الهاء في( كِتابِيَهْ ) و كذا في أواخر الآيات التالية للوقف و تسمّى هاء الاستراحة.

و المعنى: فأمّا من اُوتي كتابه بيمينه فيقول للملائكة: خذوا و اقرأوا كتابيه أي إنّها كتاب يقضي بسعادتي.

قوله تعالى: ( إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ ) الظنّ بمعنى اليقين، و الآية تعليل لما يتحصّل من الآية السابقة و محصّل التعليل إنّما كان كتابي كتاب اليمين و قاضياً بسعادتي لأنّي أيقنت في الدنيا أنّي ساُلاقي حسابي فآمنت بربّي و أصلحت عملي.

قوله تعالى: ( فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ ) أي يعيش عيشة يرضاها فنسبة الرضا إلى العيشة من المجاز العقليّ.

٦٣

قوله تعالى: ( فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ - إلى قوله -الْخالِيَةِ ) أي هو في جنّة عالية قدراً فيها ما لا عين رأت و لا اُذن سمعت و لا خطر على قلب بشر.

و قوله:( قُطُوفُها دانِيَةٌ ) القطوف جمع قطف بالكسر فالسكون و هو ما يجتنى من الثمر و المعنى: أثمارها قريبة منه يتناوله كيف يشاء.

و قوله:( كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ ) أي يقال لهم: كلوا و اشربوا من جميع ما يؤكل فيها و ما يشرب حال كونه هنيئاً لكم بما قدّمتم من الإيمان و العمل الصالح في الدنيا الّتي تقضّت أيّامها.

قوله تعالى: ( وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَ لَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ ) و هؤلاء هم الطائفة الثانية و هم الأشقياء المجرمون يؤتون صحيفة أعمالهم بشمالهم و قد مرّ الكلام في معناه في سورة الإسراء، و هؤلاء يتمنّون أن لو لم يكونوا يؤتون كتابهم و يدرون ما حسابهم يتمنّون ذلك لما يشاهدون من أليم العذاب المعدّ لهم.

قوله تعالى: ( يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ ) ذكروا أنّ ضمير( لَيْتَها ) للموتة الاُولى الّتي ذاقها الإنسان في الدنيا.

و المعنى: يا ليت الموتة الاُولى الّتي ذقتها كانت قاضية عليّ تقضي بعدمي فكنت انعدمت و لم اُبعث حيّاً فأقع في ورطة العذاب الخالد و اُشاهد ما اُشاهد.

قوله تعالى: ( ما أَغْنى‏ عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ ) كلمتا تحسّر يقولهما حيث يرى خيبة سعيه في الدنيا فإنّه كان يحسب أنّ مفتاح سعادته في الحياة هو المال و السلطان يدفعان عنه كلّ مكروه و يسلّطانه على كلّ ما يحبّ و يرضى فبذل كلّ جهده في تحصيلهما و أعرض عن ربّه و عن كلّ حقّ يدعى إليه و كذّب داعيه فلمّا شاهد تقطّع الأسباب و أنّه في يوم لا ينفع فيه مال و لا بنون ذكر عدم نفع ماله و بطلان سلطانه تحسّراً و توجّعاً و ما ذا ينفع التحسّر.؟

قوله تعالى: ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ - إلى قوله -فَاسْلُكُوهُ ) حكاية أمره تعالى الملائكة بأخذه و إدخاله النار، و التقدير يقال للملائكة خذوه إلخ، و( فَغُلُّوهُ ) أمر من الغلّ بالفتح

٦٤

و هو الشدّ بالغلّ الّذي يجمع بين اليد و الرجل و العنق.

و قوله:( ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ) أي أدخلوه النار العظيمة و ألزموه إيّاها.

و قوله:( ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ ) السلسلة القيد، و الذرع الطول، و الذراع بُعد ما بين المرفق و رأس الأصابع و هو واحد الطول و سلوكه فيه جعله فيه، و المحصّل ثمّ اجعلوه في قيد طوله سبعون ذراعاً.

قوله تعالى: ( إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ وَ لا يَحُضُّ عَلى‏ طَعامِ الْمِسْكِينِ ) الحضّ التحريض و الترغيب، و الآيتان في مقام التعليل للأمر بالأخذ و الإدخال في النار أي إنّ الأخذ ثمّ التصلية في الجحيم و السلوك في السلسلة لأجل أنّه كان لا يؤمن بالله العظيم و لا يحرّض على طعام المسكين أي يساهل في أمر المساكين و لا يبالي بما يقاسونه.

قوله تعالى: ( فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ - إلى قوله -الْخاطِؤُنَ ) الحميم الصديق و الآية تفريع على قوله:( إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ ) إلخ، و المحصّل: أنّه لمّا كان لا يؤمن بالله العظيم فليس له اليوم ههنا صديق ينفعه أي شفيع يشفع له إذ لا مغفرة لكافر فلا شفاعة.

و قوله:( وَ لا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ ) الغسلين الغسالة و كأنّ المراد به ما يسيل من أبدان أهل النار من قيح و نحوه و الآية عطف على قوله في الآية السابقة:( حَمِيمٌ ) و متفرّع على قوله:( وَ لا يَحُضُّ ) إلخ، و المحصّل: أنّه لمّا كان لا يحرّض على طعام المسكين فليس له اليوم ههنا طعام إلّا من غسلين أهل النار.

و قوله:( لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ ) وصف لغسلين و الخاطؤن المتلبّسون بالخطيئة و الإثم.

٦٥

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور، في قوله تعالى:( وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ ) أخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يحمله اليوم أربعة و يوم القيامة ثمانية.

أقول: و في تقييد الحاملين في الآية بقوله:( يَوْمَئِذٍ ) إشعار بل ظهور في اختصاص العدد بالقيامة.

و في تفسير القمّيّ، و في حديث آخر قال: حمله ثمانية أربعة من الأوّلين و أربعة من الآخرين فأمّا الأربعة من الأوّلين فنوح و إبراهيم و موسى و عيسى، و أمّا الأربعة من الآخرين فمحمّد و عليّ و الحسن و الحسينعليهم‌السلام .

أقول: و في غير واحد من الروايات أنّ الثمانية مخصوصة بيوم القيامة، و في بعضها أنّ حملة العرش - و العرش العلم - أربعة منّا و أربعة ممّن شاء الله.

و في تفسير العيّاشيّ، عن أبي بصير عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إنّه إذا كان يوم القيامة يدعى كلّ اُناس بإمامه الّذي مات في عصره فإن أثبته اُعطي كتابه بيمينه لقوله:( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ‏ ) فمن اُوتي كتابه بيمينه فاُولئك يقرؤن كتابهم، و اليمين إثبات الإمام لأنه كتابه يقرؤه - إلى أن قال - و من أنكر كان من أصحاب الشمال الّذين قال الله:( وَ أَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ فِي سَمُومٍ وَ حَمِيمٍ وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ) إلخ.

أقول: و في عدّة من الروايات تطبيق قوله:( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ) إلخ، على عليّعليه‌السلام ، و في بعضها عليه و على شيعته، و كذا تطبيق قوله:( وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ ) إلخ، على أعدائه، و هي من الجري دون التفسير.

و في الدرّ المنثور، أخرج الحاكم و صحّحه عن أبي سعيد الخدريّ عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لو أنّ دلوا من غسلين يهراق في الدنيا لأنتن بأهل الدنيا.

و فيه، أخرج البيهقيّ في شعب الإيمان عن صعصعة بن صوحان قال: جاء أعرابي

٦٦

إلى عليّ بن أبي طالب فقال: كيف هذا الحرف: لا يأكله إلّا الخاطون؟ كلّ و الله يخطو. فتبسّم عليّ و قال: يا أعرابيّ( لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ ) قال: صدقت و الله يا أميرالمؤمنين ما كان الله ليسلم عبده.

ثمّ التفت عليّ إلى أبي الأسود فقال: إنّ الأعاجم قد دخلت في الدين كافّة فضع للناس شيئاً يستدلّون به على صلاح ألسنتهم فرسم لهم الرفع و النصب و الخفض.

و في تفسير البرهان، عن ابن بابويه في الدروع الواقية في حديث عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : و لو أنّ ذراعاً من السلسلة الّتي ذكرها الله في كتابه وضع على جميع جبال الدنيا لذابت عن حرّها.

٦٧

( سورة الحاقّة الآيات 38 - 52)

فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ ( 38 ) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ( 39 ) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ( 40 ) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ ( 41 ) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ( 42 ) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ( 43 ) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ( 44 ) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ( 45 ) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ( 46 ) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ( 47 ) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ( 48 ) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ ( 49 ) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ ( 50 ) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ ( 51 ) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ( 52 )

( بيان‏)

هذا هو الفصل الثالث من آيات السورة يؤكّد ما تقدّم من أمر الحاقّة بلسان تصديق القرآن الكريم ليثبت بذلك حقّيّة ما أنبأ به من أمر القيامة.

قوله تعالى: ( فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَ ما لا تُبْصِرُونَ ) ظاهر الآية أنّه إقسام بما هو مشهود لهم و ما لا يشاهدون أي الغيب و الشهادة فهو إقسام بمجموع الخليقة و لا يشمل ذاته المتعالية فإنّ من البعيد من أدب القرآن أن يجمع الخالق و الخلق في صفّ واحد و يعظّمه تعالى و ما صنع تعظيماً مشتركاً في عرض واحد.

و في الإقسام نوع تعظيم و تجليل للمقسم به و خلقه تعالى بما أنّه خلقه جليل جميل لأنّه تعالى جميل لا يصدر منه إلّا الجميل و قد استحسن تعالى فعل نفسه و أثنى

٦٨

على نفسه بخلقه في قوله:( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ ) الم السجدة: 7، و قوله:( فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) المؤمنون: 14 فليس للموجودات منه تعالى إلّا الحسن و ما دون ذلك من مساءة فمن أنفسها و بقياس بعضها إلى بعض.

و في اختيار ما يبصرون و ما لا يبصرون للأقسام به على حقّيّة القرآن ما لا يخفى من المناسبة فإنّ النظام الواحد المتشابك أجزاؤه الجاري في مجموع العالم يقضي بتوحّده تعالى و مصير الكلّ إليه و ما يترتّب عليه من بعث الرسل و إنزال الكتب و القرآن خير كتاب سماويّ يهدي إلى الحقّ في جميع ذلك و إلى طريق مستقيم.

و ممّا تقدّم يظهر عدم استقامة ما قيل: إنّ المراد بما تبصرون و ما لا تبصرون الخلق و الخالق فإنّ السياق لا يساعد عليه، و كذا ما قيل: إنّ المراد النعم الظاهرة و الباطنة، و ما قيل: إنّ المراد الجنّ و الإنس و الملائكة أو الأجسام و الأرواح أو الدنيا و الآخرة أو ما يشاهد من آثار القدرة و ما لا يشاهد من أسرارها فاللفظ أعمّ مدلولاً من جميع ذلك.

قوله تعالى: ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ) الضمير للقرآن، و المستفاد من السياق أنّ المراد برسول كريم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو تصديق لرسالته قبال ما كانوا يقولون إنّه شاعر أو كاهن.

و لا ضير في نسبة القرآن إلى قوله فإنّه إنّما ينسب إليه بما أنّه رسول و الرسول بما أنّه رسول لا يأتي إلّا بقول مرسلة، و قد بيّن ذلك فضل بيان بقوله بعد:( تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ) .

و قيل: المراد برسول كريم جبريل، و السياق لا يؤيّده إذ لو كان هو المراد لكان الأنسب نفي كونه ممّا نزلت به الشياطين كما فعل في سورة الشعراء.

على أنّ قوله بعد:( وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ ) و ما يتلوه إنّما يناسب كونهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو المراد برسول كريم.

قوله تعالى: ( وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ ) نفي أن يكون القرآن

٦٩

نظماً ألّفه شاعر و لم يقل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شعراً و لم يكن شاعراً.

و قوله:( قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ ) توبيخ لمجتمعهم حيث إنّ الأكثرين منهم لم يؤمنوا و ما آمن به إلّا قليل منهم.

قوله تعالى: ( وَ لا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ ) نفي أن يكون القرآن كهانة و النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كاهنا يأخذ القرآن من الجنّ و هم يُلقونه إليه.

و قوله:( قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ ) توبيخ أيضاً لمجتمعهم.

قوله تعالى: ( تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ) أي منزل من ربّ العالمين و ليس من صنع الرسول نسبه إلى الله كما تقدّمت الإشارة إليه.

قوله تعالى: ( وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ - إلى قوله -حاجِزِينَ ) يقال: تقوّل على فلان أي اختلق قولاً من نفسه و نسبه إليه، و الوتين - على ما ذكره الراغب - عرق يسقي الكبد و إذا انقطع مات صاحبه، و قيل: هو رباط القلب.

و المعنى:( وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا ) هذا الرسول الكريم الّذي حمّلناه رسالتنا و أرسلناه إليكم بقرآن نزّلناه عليه و اختلق( بَعْضَ الْأَقاوِيلِ ) و نسبه إلينا( لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ) كما يقبض على المجرم فيؤخذ بيده أو المراد قطعنا منه يده اليمنى أو المراد لانتقمنا منه بالقوّة كما في رواية القمّيّ( ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ ) و قتلناه لتقوّله علينا( فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ‏ ) تحجبونه عنّا و تنجونه من عقوبتنا و إهلاكنا.

و هذا تهديد للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على تقدير أن يفتري على الله كذباً و ينسب إليه شيئاً لم يقله و هو رسول من عنده أكرمه بنبوّته و اختاره لرسالته.

فالآيات في معنى قوله:( لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً ) إسراء: 75، و كذا قوله في الأنبياء بعد ذكر نعمه العظمى عليهم:( وَ لَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ) الأنعام: 88.

فلا يرد أنّ مقتضى الآيات أنّ كلّ من ادّعى النبوّة و افترى على الله الكذب أهلكه الله و عاقبه في الدنيا أشدّ العقاب و هو منقوض ببعض مدّعي النبوّة من الكذّابين.

٧٠

و ذلك أنّ التهديد في الآية متوجّه إلى الرسول الصادق في رسالته لو تقوّل على الله و نسب إليه بعض ما ليس منه لا مطلق مدّعي النبوّة المفتري على الله في دعواه النبوّة و إخباره عن الله تعالى.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ) يذكّرهم كرامة تقواهم و معارف المبدأ و المعاد بحقائقها، و يعرّفهم درجاتهم عند الله و مقاماتهم في الآخرة و الجنّة و ما هذا شأنه لا يكون تقوّلاً و افتراء فالآية مسوقة حجّة على كون القرآن منزّهاً عن التقوّل و الفرية.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ وَ إِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ ) ستظهر لهم يوم الحسرة.

قوله تعالى: ( وَ إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ) قد تقدّم كلام في نظيرتي الآيتين في آخر سورة الواقعة، و السورتان متّحدتان في الغرض و هو وصف يوم القيامة و متّحدتان في سياق خاتمتهما و هي الإقسام على حقّيّة القرآن المنبئ عن يوم القيامة، و قد ختمت السورتان بكون القرآن و ما أنبأ به عن وقوع الواقعة حقّ اليقين ثمّ الأمر بتسبيح اسم الربّ العظيم المنزّه عن خلق العالم باطلاً لا معاد فيه و عن أن يبطل المعارف الحقّة الّتي يعطيها القرآن في أمر المبدأ و المعاد.

٧١

( سورة المعارج مكّيّة و هي أربع و أربعون آية)

( سورة المعارج الآيات 1 - 18)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ( 1 ) لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ( 2 ) مِّنَ اللهِ ذِي الْمَعَارِجِ ( 3 ) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ( 4 ) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ( 5 ) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ( 6 ) وَنَرَاهُ قَرِيبًا ( 7 ) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ ( 8 ) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ ( 9 ) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا ( 10 ) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ( 11 ) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ( 12 ) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ ( 13 ) وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ ( 14 ) كَلَّا إِنَّهَا لَظَىٰ ( 15 ) نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ ( 16 ) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ ( 17 ) وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ ( 18 )

( بيان‏)

الّذي يعطيه سياق السورة أنّها تصف يوم القيامة بما اُعدّ فيه من أليم العذاب للكافرين. تبتدئ السورة فتذكر سؤال سائل سأل عذاباً من الله للكافرين فتشير إلى أنّه واقع ليس له دافع قريب غير بعيد كما يحسبونه ثمّ تصف اليوم الّذي يقع فيه و العذاب الّذي اُعدّ لهم فيه و تستثني المؤمنين الّذين قاموا بوظائف الاعتقاد الحقّ و العمل الصالح.

٧٢

و هذا السياق يشبه سياق السور المكّيّة غير أنّ المنقول عن بعضهم أنّ قوله:( وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ) مدني و الاعتبار يؤيّده لأنّ ظاهره الزكاة و قد شرّعت بالمدينة بعد الهجرة، و كون هذه الآية مدنيّة يستتبع كون الآيات الحافّة بها الواقعة تحت الاستثناء و هي أربع عشرة آية (قوله:إِلَّا الْمُصَلِّينَ - إلى قوله -فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ‏ ) مدنيّة لما في سياقها من الاتّحاد و استلزام البعض للبعض.

و مدنيّة هذه الآيات الواقعة تحت الاستثناء تستدعي ما استثنيت منه و هو على الأقل ثلاث آيات (قوله:إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً - إلى قوله -مَنُوعاً ).

على أنّ قوله:( فَما لِلَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ) متفرّع على ما قبله تفرّعاً ظاهراً و هو ما بعده إلى آخر السورة ذو سياق واحد فتكون هذه الآيات أيضاً مدنيّة.

و من جهة اُخرى مضامين هذا الفصل من الآيات تناسب حال المنافقين الحافّين حول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن اليمين و عن الشمال عزين و هم الرادّون لبعض ما أنزل الله من الحكم و خاصّة قوله:( أَ يَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ ) إلخ، و قوله:( عَلى‏ أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ ) إلخ على ما سيجي‏ء، و موطن ظهور هذا النفاق المدينة لا مكّة، و لا ضير في التعبير عن هؤلاء بالّذين كفروا فنظير ذلك موجود في سورة التوبة و غيرها.

على أنّهم رووا أنّ السورة نزلت في قول القائل:( اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) الأنفال: 32 و قد تقدّم في تفسير الآية أنّ سياقها و الّتي بعدها سياق مدنيّ لا مكّي. لكنّ المرويّ عن الصادقعليه‌السلام أنّ المراد بالحقّ المعلوم في الآية حق يسمّيه صاحب المال في ماله غير الزكاة المفروضة.

و لا عبرة بما نسب إلى اتّفاق المفسّرين أنّ السورة مكّيّة على أنّ الخلاف ظاهر و كذا ما نسب إلى ابن عبّاس أنّها نزلت بعد سورة الحاقّة.

قوله تعالى: ( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) السؤال بمعنى الطلب و الدعاء، و لذا عدّي بالباء كما في قوله:( يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ ) الدخان: 55 و قيل: الفعل مضمّن معنى الاهتمام و الاعتناء و لذا عدّي بالباء، و قيل: الباء زائدة للتأكيد،

٧٣

و مآل الوجوه واحد و هو طلب العذاب من الله كفراً و عتوّاً.

و قيل: الباء بمعنى عن كما في قوله:( فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً ) الفرقان: 59، و فيه أنّ كونها في الآية المستشهد بها بمعنى عن ممنوع. على أنّ سياق الآيات التالية و خاصّة قوله:( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا ) لا يلائم كون السؤال بمعنى الاستفسار و الاستخبار.

فالآية تحكي سؤال العذاب و طلبه عن بعض من كفر طغياناً و كفراً، و قد وصف العذاب المسؤل من الأوصاف بما يدلّ على إجابة الدعاء بنوع من التهكّم و التحقير و هو قوله:( واقِعٍ ) و قوله:( لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) .

و المعنى سأل سائل من الكفّار عذاباً للكافرين من الله سيصيبهم و يقع عليهم لا محالة و لا دافع له أي إنّه واقع عليهم سأل أو لم يسأل ففيه جواب تحقيريّ و إجابة لمسؤله تهكّماً.

قوله تعالى: ( لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) للكافرين متعلّق بعذاب و صفة له، و كذا قوله:( لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) و قد مرّت الإشارة إلى معنى الآية.

قوله تعالى: ( مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ ) الجارّ و المجرور متعلّق بقوله:( دافِعٌ ) أي ليس له دافع من جانب الله و من المعلوم أنّه لو اندفع لم يندفع إلّا من جانب الله سبحانه، و من المحتمل أن يتعلّق بقوله:( بِعَذابٍ ) .

و المعارج جمع معرج و فسّروه بالمصاعد و هي الدرجات و هي مقامات الملكوت الّتي يعرج إليها الملائكة عند رجوعهم إلى الله سبحانه على ما يفسّره قوله بعد:( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ ) إلخ فله سبحانه معارج الملكوت و مقاماتها المترتّبة علوّاً و شرفاً الّتي تعرج فيها الملائكة و الروح بحسب قربهم من الله و ليست بمقامات وهميّة اعتباريّة.

و قيل: المراد بالمعارج الدرجات الّتي يصعد فيها الاعتقاد الحقّ و العمل الصالح قال تعالى:( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) الفاطر 10، و قال:( وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى‏ مِنْكُمْ ) الحجّ: 37.

و قيل: المراد به مقامات القرب الّتي يعرج إليها المؤمنون بالإيمان و العمل

٧٤

الصالح قال تعالى:( هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ وَ اللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ ) آل عمران: 163 و قال:( لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ ) الأنفال: 4 و قال:( رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ ) المؤمن: 15.

و الحقّ أنّ مآل الوجهين إلى الوجه الأوّل، و الدرجات المذكورة حقيقيّة ليست بالوهميّة الاعتباريّة.

قوله تعالى: ( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) المراد بهذا اليوم يوم القيامة على ما يفيده سياق الآيات التالية.

و المراد بكون مقدار هذا اليوم خمسين ألف سنة على ما ذكروا أنّه بحيث لو وقع في الدنيا و انطبق على الزمان الجاري فيها كان مقداره من الزمان خمسين ألف سنة من سني الدنيا.

و المراد بعروج الملائكة و الروح إليه يومئذ رجوعهم إليه تعالى عند رجوع الكلّ إليه فإنّ يوم القيامة يوم بروز سقوط الوسائط و تقطّع الأسباب و ارتفاع الروابط بينها و بين مسبّباتها و الملائكة وسائط موكّلة على اُمور العالم و حوادث الكون فإذا تقطّعت الأسباب عن مسبّباتها و زيّل الله بينهم و رجع الكلّ إلى الله عزّ اسمه رجعوا إليه و عرجوا معارجهم فحفّوا من حول عرش ربّهم و صفّوا قال تعالى:( وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ) الزمر 75، و قال:( يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا ) النبأ: 38.

و الظاهر أنّ المراد بالروح الروح الّذي هو من أمره تعالى كما قال:( قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) إسراء: 85 و هو غير الملائكة كما هو ظاهر قوله تعالى:( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ ) النحل: 2.

فلا يعبأ بما قيل: إنّ المراد بالروح جبرئيل و إن اُطلق عليه الروح الأمين و روح القدس في قوله:( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى‏ قَلْبِكَ ) الشعراء: 194 و قوله:( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ ) النحل: 103 فإنّ المقيّد غير المطلق.

قوله تعالى: ( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا ) لمّا كان سؤال السائل للعذاب عن تعنّت

٧٥

و استكبار و هو ممّا يشقّ تحمّله أمر نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصبر و وصفه بالجميل - و الجميل من الصبر ما ليس فيه شائبة الجزع و الشكوى - و علّله بأنّ اليوم بما فيه من العذاب قريب.

قوله تعالى: ( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَ نَراهُ قَرِيباً ) ضميراً( يَرَوْنَهُ ) و( نَراهُ ) للعذاب أو ليوم القيامة بما فيه من العذاب الواقع و يؤيّد الأوّل قوله فيما بعد:( يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ ) إلخ.

و المراد بالرؤية الاعتقاد بنوع من العناية المجازيّة و رؤيتهم ذلك بعيداً ظنّهم أنّه بعيد من الإمكان فإنّ سؤال العذاب من الله سبحانه استكباراً عن دينه و ردّاً لحكمه لا يجامع الإيمان بالمعاد و إن تفوّه به السائل، و رؤيته تعالى ذلك قريباً علمه بتحقّقه و كلّ ما هو آت قريب.

و في الآيتين تعليل أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصبر الجميل فإنّ تحمّل الأذى و الصبر على المكاره يهون على الإنسان إذا استيقن أنّ الفرج قريب و تذكّر ذلك فالكلام في معنى قولنا فاصبر على تعنّتهم و استكبارهم في سؤالهم العذاب صبراً جميلاً لا يشوبه جزع و شكوى فإنّا نعلم أنّ العذاب قريب على خلاف ما يستبعدونه، و علمنا لا يتخلّف عن الواقع بل هو نفس الواقع.

قوله تعالى: ( يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ ) المهل المذاب من المعدنيّات كالنحاس و الذهب و غيرهما، و قيل: درديّ الزيت، و قيل: عكر القطران(1) .

و الظرف متعلّق بقوله:( واقِعٍ ) على ما يفيده السياق.

قوله تعالى: ( وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ ) العهن مطلق الصوف، و لعلّ المراد المنفوش منه كما في قوله تعالى:( وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ) القارعة: 5.

و قيل: هو الصوف الأحمر، و قيل: المصبوغ ألواناً لأنّ الجبال ذات ألوان مختلفة فمنها جدد بيض و حمر و غرابيب سود(2) .

____________________

(1) أي ردية و خبيثه‏.

(2) كما في الآية من سورة فاطر.

٧٦

قوله تعالى: ( وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً ) الحميم القريب الّذي تهتمّ بأمره و تشفق عليه.

إشارة إلى شدّة اليوم فالإنسان يومئذ تشغله نفسه عن غيره حتّى أنّ الحميم لا يسأل حميمه عن حاله لاشتغاله بنفسه.

قوله تعالى: ( يُبَصَّرُونَهُمْ ) الضميران للأحماء المعلوم من السياق و التبصير الإراءة و الإيضاح أي يُرى و يوضح الأحماء للأحماء فلا يسألونهم عن حالهم اشتغالاً بأنفسهم.

و الجملة مستأنفة في معنى الجواب عن سؤال مقدّر كأنّه لمّا قيل: لا يسأل حميم حميماً سئل فقيل: هل يرى الأحماء يومئذ أحماءهم؟ فاُجيب: يبصّرونهم و يمكن أن يكون( يُبَصَّرُونَهُمْ ) صفة( حَمِيماً ) .

و من ردي‏ءً التفسير قول بعضهم: إنّ معنى قوله:( يُبَصَّرُونَهُمْ ) يبصّر الملائكة الكفّار، و ما قيل: إنّ المعنى يبصّر المؤمنون أعداءهم من الكفّار و ما هم فيه من العذاب فيشمتون بهم، و ما قيل: إنّ المعنى يبصّر أتباع الضلالة رؤساءهم. و هي جميعاً وجوه لا دليل عليها.

قوله تعالى: ( يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَ صاحِبَتِهِ وَ أَخِيهِ وَ فَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ ) قال في المجمع: المودّة مشتركة بين التمنّي و بين المحبّة يقال: وددت الشي‏ء أي تمنّيته و وددته أي أحببته أودّ فيهما جميعاً. انتهى، و يمكن أن يكون استعماله بمعنى التمنّي من باب التضمين.

و قال: و الافتداء الضرر عن الشي‏ء ببدل منه انتهى، و قال: الفصيلة الجماعة المنقطعة عن جملة القبيلة برجوعها إلى اُبوّة خاصّة عن اُبوّة عامّة. انتهى، و ذكر بعضهم أنّ الفصيلة عشيرته الأقربين الّذين فصل عنهم كالآباء الأدنين.

و سياق هذه الآيات سياق الإضراب و الترقّي بالنسبة إلى قوله:( وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً ) فيفيد أنّ المجرم يبلغ به شدّة العذاب إلى أن يتمنّى أن يفتدي من العذاب بأحبّ أقاربه و أكرمهم عليه بنيه و صاحبته و أخيه و فصيلته و جميع من في الأرض ثمّ ينجيه الافتداء فيودّ ذلك فضلاً عن عدم سؤاله عن حال حميمه.

٧٧

و المعنى( يَوَدُّ ) و يتمنّى( الْمُجْرِمُ ) و هو المتلبّس بالأجرام أعمّ من الكافر( لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ ) و هذا هو الّذي يتمنّاه، و الجملة قائمة مقام مفعول يودّ.( بِبَنِيهِ ) الّذين هم أحبّ الناس عنده( وَ صاحِبَتِهِ ) الّتي كانت سكنا له و كان يحبّها و ربّما قدّمها على أبويه( وَ أَخِيهِ ) الّذي كان شقيقه و ناصره( وَ فَصِيلَتِهِ ) من عشيرته الأقربين( الَّتِي تُؤْوِيهِ ) و تضمّه إليها( وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) من اُولي العقل( ثُمَّ يُنْجِيهِ ) هذا الافتداء.

قوله تعالى: ( كَلَّا إِنَّها لَظى‏ نَزَّاعَةً لِلشَّوى‏ تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلَّى وَ جَمَعَ فَأَوْعى) كلّا للردع، و ضمير( إِنَّها ) لجهنّم أو للنار و سمّيت لظى لكونها تتلظّى و تشتعل، و النزّاعة اسم مبالغة من النزع بمعنى الاقتلاع، و الشوى الأطراف كاليد و الرجل يقال: رماه فأشواه أي أصاب شواه كذا قال الراغب، و إيعاء المال إمساكه في وعاء.

فقوله:( كَلَّا ) ردع لتمنّيه النجاة من العذاب بالافتداء و قد علّل الردع بقوله:( إِنَّها لَظى) إلخ و محصّله أنّ جهنّم نار مشتعلة محرقة للأطراف شأنها أنّها تطلب المجرمين لتعذّبهم فلا تصرف عنهم بافتداء كائناً ما كان.

فقوله:( إِنَّها لَظى‏ ) أي نار صفتها الاشتعال لا تنعزل عن شأنها و لا تخمد، و قوله:( نَزَّاعَةً لِلشَّوى‏ ) أي صفتها إحراق الأطراف و اقتلاعها لا يبطل ما لها من الأثر فيمن تعذّبه.

و قوله:( تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلَّى وَ جَمَعَ فَأَوْعى‏ ) أي تطلب من أدبر عن الدعوة الإلهيّة إلى الإيمان بالله و أعرض عن عبادته تعالى و جمع المال فأمسكه في وعائه و لم ينفق منه للسائل و المحروم.

و هذا المعنى هو المناسب لسياق الاستثناء الآتي و ذكر الصلاة و الإنفاق فيه.

٧٨

( بحث روائي‏)

في المجمع، حدّثنا السيّد أبوالحمد قال: حدّثنا الحاكم أبوالقاسم الحسكاني و ساق السند عن جعفر بن محمّد الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال: لما نصب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا و قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، طار ذلك في البلاد فقدم على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النعمان بن الحارث الفهريّ.

فقال: أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلّا الله و أنّك رسول الله و أمرتنا بالجهاد و الحجّ و الصوم و الصلاة و الزكاة فقبلناها ثمّ لم ترض حتّى نصبت هذا الغلام فقلت: من كنت مولاه فعليّ مولاه، فهذا شي‏ء منك أو أمر من عند الله؟ فقال: و الله الّذي لا إله إلّا هو إنّ هذا من الله.

فولى النعمان بن الحارث و هو يقول: اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء فرماه الله بحجر على رأسه فقتله و أنزل الله تعالى:( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) .

أقول: و هذا المعنى مروي بغير طريق من طرق الشيعة، و قد ردّ الحديث بعضهم بأنّه موضوع لكون سورة المعارج مكّيّة، و قد عرفت الكلام في مكّيّة السورة.

و في الدرّ المنثور، أخرج الفاريابيّ و عبد بن حميد و النسائيّ و ابن أبي حاتم و الحاكم و صحّحه و ابن مردويه عن ابن عبّاس في قوله:( سَأَلَ سائِلٌ ) قال هو النضر بن الحارث قال: اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء.

و فيه، أخرج ابن أبي حاتم عن السدّيّ: في قوله:( سَأَلَ سائِلٌ ) قال. نزلت بمكّة في النضر بن الحارث و قد قال:( اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ) الآية و كان عذابه يوم بدر.

أقول: و هذا المعنى مرويّ أيضاً عن غير السدّيّ، و في بعض رواياتهم أنّ

٧٩

القائل:( اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ) الآية هو الحارث بن علقمة رجل من عبد الدار، و في بعضها أنّ سائل العذاب هو أبوجهل بن هشام سأله يوم بدر و لازمه مدنيّة السورة و المعتمد على أيّ حال نزول السورة بعد قول القائل:( اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ) الآية و قد تقدّم كلام في سياق الآية.

و في أمالي الشيخ، بإسناده إلى أبي عبداللهعليه‌السلام في حديث: ألا فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا فإنّ في القيامة خمسين موقفاً كلّ موقف مثل ألف سنة ممّا تعدّون ثمّ تلا هذه الآية( فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) .

أقول: و روي هذا المعنى في روضة الكافي، عن حفص بن غياث عنهعليه‌السلام .

و في المجمع، روى أبوسعيد الخدريّ قال: قيل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أطول هذا اليوم فقال: و الّذي نفس محمّد بيده إنّه ليخفّ على المؤمن حتّى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة يصلّيها في الدنيا.

أقول: و رواه في الدرّ المنثور، عن عدّة من الجوامع عن أبي سعيد عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

و في تفسير القمّيّ في قوله تعالى:( يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ ) قال: الرصاص الذائب و النحاس كذلك تذوب السماء.

و فيه، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قوله تعالى:( يُبَصَّرُونَهُمْ ) يقول: يعرّفونهم ثمّ لا يتساءلون.

و فيه في قوله تعالى:( نَزَّاعَةً لِلشَّوى‏ ) قال: تنزع عينه و تسودّ وجهه.

و فيه في قوله تعالى:( تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلَّى ) قال: تجرّه إليها.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

فقال عثمان : قد والله علمتُ ، ليقولُنّ الذي قلتَ ، أما والله لو كنتَ مكاني ما عنفتك ولا أسلمتك ، ولا عبت عليك ، ولا جئت مُنكراً أن وصلتَ رحماً ، وسددت خلّة ، وآويت ضائعاً ، ووليت شبيهاً بمن كان عمر يولّي.

أنشدك الله يا عليّ هل تعلم أن المغيرة بن شعبة ليس هناك؟

قال : نعم.

قال : فتعلم أنّ عمر ولاّه؟

قال : نعم.

قال : فلم تلومني أن ولّيت ابن عامر في رحمه وقرابته؟

قال عليّ : سأخبرك ، إنّ عمر بن الخطاب كان كلّ من ولّى فإنّما يطأ على صماخه ، إن بلغه عنه حرف جلبه ثمّ بلغ به أقصى الغاية ، وأنت لا تفعل ، ضعفتَ ورقـَقتَ على أقربائك.

قال عثمان : هم أقرباؤك أيضاً.

فقال عليّ : لعمري إنّ رحمهم مني لقريبة ، ولكن الفضل في غيرهم.

قال عثمان : هل تعلم إنّ عمر ولّى معاوية خلافته كلّها؟ فقد وليته.

فقال عليّ : أنشدك الله هل تعلم أنّ معاوية كان أخوف من عمر من يرفأ غلام عمر منه؟

قال : نعم.

قال عليّ : فإنّ معاوية يقتطع الأمور دونك وأنت لا تعلمها ، فيقول للناس : هذا أمر عثمان فيبلغك فلا تغيّر على معاوية.

٣٢١

ثمّ خرج عليّ من عنده ، وخرج عثمان على أثره ، فجلس على المنبر فقال : أمّا بعد ، فإنّ لكلّ شيء آفة ، ولكلّ أمر عاهة ، وإنّ آفة هذه الأمة وعاهة هذه النعمة عيّابون طعّانون ، يُرونكم ما تحبون ، ويُسرّون ما تكرهون ، يقولون لكم وتقولون ، أمثال النعام يتبعون أوّل ناعق ، أحبّ مواردها إليها البعيد ، لا يشربون إلاّ نَغَصاً ، ولا يردون إلاّ عكَراً ، لا يقوم لهم رائد ، وقد أعيتهم الأمور ، وتعذّرت عليهم المكاسب.

ألا فقد والله عبتم عليّ بما أقررتم لابن الخطاب بمثله ، ولكنه وطأكم برجله ، وضربكم بيده ، وقمعكم بلسانه ، فدنتم له على ما أحببتم أو كرهتم ، ولنتُ لكم ، وأوطأت لكم كنفي ، وكففت يدي ولساني عنكم ، فأجترأتم عليَّ.

أما والله لأنا أعزّ نفراً ، وأقرب ناصراً ، وأكثر عدداً ، وأقمن إن قلت هلمّ أُتي إليّ ، ولقد أعددت لكم أقرانكم ، وأفضلت عليكم فضولها ، وكشّرت لكم عن نابي ، وأخرجتم مني خُلُقاً لم أكن أحسِنَه ، ومنطقاً لم أنطق به ، فكفّوا عليكم ألسنتكم وطعنكم وعيبكم على ولاتكم ، فانّي قد كففت عنكم مَن لو كان هو الذي يكلمكم لرضيتم منه بدون منطقي هذا.

ألا فما تفقدون من حقّكم؟ والله ما قصّرت في بلوغ ما كان يبلغ مَن كان قبلي ، ومن لم تكونوا تختلفون عليه. فَضَل فضلٌ من مال ، فما لي لا أصنع في الفضل ما أريد! فلمَ كنت إماماً؟!

فقام مروان بن الحكم ، فقال : إن شئتم حكّمنا والله بيننا وبينكم السيف

٣٢٢

نحن وأنتم كما قال الشاعر :

فرشنا لكم أعراضَنا فنبت بكم

مغارسُكم تبنون في دمن الثرى

فقال عثمان : أسكت لا سكتّ ، دعني وأصحابي ، ما منطقك في هذا؟ ألم أتقدّم إليك ألاّ تنطق!

فسكت مروان ونزل عثمان )(١) .

هكذا كان موقف الإمام عليه السلام في نصحه ، ولكن عثمان وبني أمية لا يحبون الناصحين.

وختاماً كانت لابن عباس مواقف مع الشانئين من قريش الذين تولوا السلطة فاتخذوا سيرة الشيخين حجة في استبعاد بني هاشم ، فكانت له أحاديث مرفوعة تحض على مودة أهل البيت عليهم السلام ، فكان يرويها للمسلمين حرصاً على هدايتهم أن يخدعهم الإعلام الكاذب من حكام قريش.

فمن الأحاديث ، ما رواه مرفوعاً عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( يا بني عبد المطلب إنّي سألت الله لكم أن يعلّم جاهلكم ، وأن يثبّت قائمكم ، وأن يهدي ضالكم ، وأن يجعلكم نجداء جوداء رحماء ، أما والله لو أنّ رجلاً صفّ قدميه بين الركن والمقام مصلياً ، ولقي الله وهو يبغضكم أهل البيت لدخل النار )(٢) .

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤ / ٣٣٧ ـ ٣٣٩ ط دار المعارف. وأنظر أنساب الأشراف ١ ق ٤ / ٥٤٩ تحـ احسان عباس ، تاريخ الكامل ٣ / ٦٢ ـ ٦٤ ط بولاق ، والبداية والنهاية ٧ / ١٦٨ ط السعادة ، ونهاية الإرب ١٩ / ٤٧٠.

(٢) أمالي المفيد / ١٣٤ ط الحيدرية سنة ١٣٦٧.

٣٢٣

ومن بعض المواقف مع الشانئين ما رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج نقلاً عن الزبير بن بكار بسنده : عن عثمان بن عبد الرحمن ، قال : ( قال عبد الله بن عباس : والله لقد علمت قريش أنّ أوّل من أخذ الإيلاف وأجاز لها العيرات لهاشم. والله ما شدّت قريش رحالاً ولا حبلاً بسفر ، ولا أناخت بعيراً لحضر إلاّ بهاشم. والله انّ أوّل من سقى بمكة ماءً عذباً وجعل باب الكعبة ذهباً لعبد المطلب )(١) .

كبرياء معاوية في عتابه واعتداد ابن عباس في جوابه :

روى ابن قتيبة في ( الإمامة والسياسة ) قال :

( وقدم معاوية بن أبي سفيان على أثر ذلك ـ يعني النقمة على عثمان ـ من الشام ، فأتى مجلساً فيه عليّ بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وعمار بن ياسر ، فقال لهم : يا معشر الصحابة أوصيكم بشيخي هذا خيراً ، فوالله لئن قتل بين أظهركم لأملأنها عليكم خيلاً ورجالاً.

ثمّ أقبل على عمّار بن ياسر ، فقال : يا عمّار إنّ بالشام مائة ألف فارس كلّ يأخذ العطاء مع مثلهم من أبنائهم وعبدانهم لا يعرفون عليّاً ولا قرابته ، ولا عمّاراً ولا سابقته ، ولا الزبير ولا صحابته ، ولا طلحة ولا هجرته ، ولا يهابون ابن عوف ولا ماله ، ولا يتقون سعداً ولا دعوته ، فإياك يا عمّار أن

____________________

(١) شرح النهج لابن أبي الحديد ٣ / ٤٥٨.

٣٢٤

تقع غداً في فتنة تنجلي ، فيقال هذا قاتل عثمان ، وهذا قاتل عليّ.

ثمّ أقبل على ابن عباس ، فقال : يا ابن عباس إنّا كنا وإياكم في زمان لا نرجوا فيه ثواباً ولا نخاف عقاباً ، وكنّا أكثر منكم فوالله ما ظلمناكم ولا قهرناكم ولا أخرناكم عن مقام تقدّمناه ، حتى بعث الله رسوله منكم فسبق إليه صاحبكم فوالله ما زال يكره شركنا ويتغافل به عنا ، حتى ولي الأمر علينا وعليكم ، ثمّ صار الأمر إلينا وإليكم ، فأخذ صاحبنا على صاحبكم لسنّه ، ثمّ غيّر فَنَطق ونُطقَ على لسانه ، فقد أوقدتم ناراً لا تطفأ بالماء.

فقال ابن عباس : كنا كما ذكرت حتى بعث الله رسوله منّا ومنكم ، ثمّ ولي الأمر علينا وعليكم ، ثمّ صار الأمر إلينا وإليكم ، فأخذ صاحبكم على صاحبنا لسنّه ولما هو أفضل من سنّه ، فوالله ما قلنا إلاّ ما قال غيرنا ، ولا نطقنا إلاّ بما نطق به سوانا ، فتركتم الناس جانباً وصيّرتمونا بين إن أقمنا متهمّين ، أو نزعنا مُعتَبن ، وصاحبنا من قد علمتم والله لا يهجهج مهجهج إلاّ ركبه ، ولا يرد حوضاً إلاّ أفرطه ، وقد أصبحتُ أحبُ منك ما أحببت وأكره ما كرهت ، ولعلّي لا ألقاك إلاّ في خير )(١) .

وكانت بين معاوية وابن عباس في تلك الفترة قصة :

( حَكَماً من أهله وحَكَماً من أهلها )

( كان عقيل بن أبي طالب قد تزوج فاطمة بنت عتبة بن ربيعة ـ برغبة

____________________

(١) أنظر الإمامة والسياسة ١ / ٢٧ مط الأمة سنة ١٩٢٨ م ، مسند أحمد ١ / ٥٧ وهو أوّل حديث فيه من مسند عثمان ، فراجع ، ومرة أخرى ١ / ٦٩.

٣٢٥

منها فيه ـ فقالت له : تصير لي وأنفق عليك. فكان إذا دخل عليها ، قالت : أين عتبة بن ربيعة؟ وشيبة بن ربيعة؟ ـ وكانا من المقتولين ببدر ـ فيسكت عنها ، حتى إذا دخل عليها يوماً وهو بَرِم ، قالت : أين عتبة بن ربيعة وشيبة ابن ربيعة؟ قال : عن يسارك في النار إذا دخلتِ ، فشدّت عليها ثيابها ، فجاءت عثمان فذكرت ذلك له ، فضحك فأرسل إلى ابن عباس ومعاوية ـ وكان يومئذ بالمدينة ـ فقال ابن عباس : لأفرقنّ بينهما ، وقال معاوية : ما كنت لأفرّق بين شيخين من بني عبد مناف ، فأتيا فوجداهما قد أغلقا عليهما أبوابهما وأصلحا أمرهما فرجعا )(١) .

فهكذا بدايات مؤسفة لابدّ أن تأتي بنتائج سيئة ، ونهايات محزنة ، وتبقى نار العداوات بين الأجداد تورث في الأولاد والأحفاد ، فإنّ تخبو حيناً فإنّها أحياناً تستعر حين توافيها الظروف وينفخ فيها هوى الأهواء ، فإن بدت منذ أيام عثمان وقدتها ، فقد توقدت في أيام معاوية جمرتها ، فكانت أيام سوء على المسلمين عامّة وعلى بني هاشم خاصة ، وقد طالت أربعين عاماً ـ عشرين منها والياً على الشام وعشرين منها ملكاً على المسلمين ـ وجرت في أيامه أنهار الدماء من شيعة الإمام عليه السلام إذ عمّهم بالبلاء ، وكان يتربص بأهل البيت عليهم السلام فأضمر لهم كلّ مكروه ، وجرّعهم الغصص بما لا يوفّي حقّه القَصَص.

وكان ابن عباس مستهدفاً لمعاوية منذ حين ، ومرّ بنا مخادعته

____________________

(١) المصنف لعبد الرزاق ٦ / ٥١٢ / ٥١٣ ، وقارن تفسير الطبري ٥ / ٤٥ باختصار.

٣٢٦

ومخاتلته في حرب صفين ، وتراكمت التداعيات من بعد إستشهاد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وكلّما امتد الزمن بهما كثرت المحاورات بينهما ، ولمّا هادن الإمام الحسن عليه السلام حقناً للدماء ، بعد أن رأى خَوَر الكثير من أصحابه ، ونفاق بعضهم ممن استمالهم معاوية ، فكانوا له عيوناً في العراق ، فاستقامت لمعاوية بسياسة الخداع الحكومة ، وصار أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم في ضنك وضيق ، فكانوا يفدون عليه بالشام لأخذ عطائهم ممّا يفوّقهم فيه تفويقاً ، ضغطاً عليهم وتضييقاً.

وكان ابن عباس أكثرهم جدالاً وجلاداً مع معاوية ، فهو حين يدمغه بالحجة ، يتركه مراوغاً بالمودة والنسب ، تفادياً من غرب لسانه.

فكان يتقيه ، وكان ابن عباس يتعمّد إساءته ويتطلب مناظرته ، لكن معاوية يتهرّب ما وسعه الهرب ، ويقول : ( ما باحثت أحداً في عقله أشد علماً من ابن عباس )(١) .

فقد روى الراغب الإصفهاني في كتابه ( محاضرات الأدباء ) في باب ذم المراء في المناظرة : أنّ ابن عباس قال لمعاوية : هل لك في مناظرتي فيما زعمت؟

قال : وما تصنع في ذلك فأشعب بك وتشعب لي ، فيبقى في قلبك ما لا ينفعك ، ويبقى في قلبي ما يضرك(٢) .

____________________

(١) المقفى الكبير للمقريزي ٤ / ٥١٨ ط دار الغرب الإسلامية بيروت.

(٢) مخطوط المكتبة الرضوية برقم ( ٤٤٠٣ ) وفي المطبوعة بمصر ١ / ٣٤ ، والتذكرة الحمدونية ٢ / ١٤٤ ، وبهجة المجالس ١ / ٤٢٧ ـ ٤٢٨.

٣٢٧

وقال له معاوية : أخبرني عن بني هاشم وبني أميّة؟

قال : أنت أعلم بهم.

قال : أقسمت عليك لتخبرني.

قال : نحن أفصح وأصبح وأسمح ، وأنتم أمكر وأنكر وأغدر(١) .

فكان يحتمل منه قوارع الكلم وقوارص الشتم ، بما هو فيه ما لم ينقل عنه أنّه تحمّله من غيره ، وأحسب أنّ السبب هو معرفته بابن عباس وبما أشتملت عليه جوانحه من أوليات معاوية وفيها فضائحه ، وقد مرّت بعض الشواهد على هذا في الجزء الخامس من الحلقة الأولى ، رغم ما أحيط به شخص معاوية من أسطورة الحلم يبقى ابن عباس كالصقر مع فريسته.

ومن أوّل محاورة جرت بينهما سواء كانت بالشام أو كانت بالمدينة في المسجد الشريف على ملأ من السملمين ، نجد غلبة ابن عباس ، ومنها نعرف مغزى كلمة من قال عن ابن عباس : ( وكان ابن عباس حقّاراً له ). وسنأتي على معناها قريباً تحت عنوان : ( ذلك أدحض لحجتك ).

وكم مرّة أراد معاوية الوقيعة بابن عباس من طريق إحراجه ببعض المسائل ذات الحساسية العالية في نفوس العامّة ، كسؤاله عن الخلفاء واحداً واحداً ، فكان ابن عباس في جوابه مخيباً لظن معاوية في الوقيعة به ، وإسقاطه في أنظار الدهماء.

فقال له مرّة : أنت على ملّة عليّ؟

____________________

(١) نثر الدر ١ / ٢٨٣ ط دار الكتب العلمية بيروت.

٣٢٨

فقال ابن عباس : ولا على ملّة عثمان ، أنا على ملّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(١) .

فسكت معاوية وانقطع مخصوماً ، إذ كان ابن عباس في جوابه موفقاً في التخلص من شرّ أريد به ، فهو لم يخرج من صدق إيمانه في موالاته للإمام عليه السلام إذ كان عليّ عليه السلام على ملّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كما لم يغفل عن التعريض بعثمان بأنّه ليس على ملّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وأحسب أنّ السؤال والجواب كانا في الشام أمام أولئك الطغام ، الذين أشربوا حبّ العجل وأنشؤا على بغض الإمام عليه السلام وسبّه ، وهذا منه من الأجوبة المسكتة ، التي يبلغ بها حاجته ويدفع بها خصمه.

ولنبدأ بقراءة ما تيسر لي الإطلاع عليه من محاورات عقائدية مع معاوية وأشياعه ، ففيها من فنون الكلام ما تنفع معرفته في أصول الجدل والخصام :

( المحاورة الأولى )

هذه المحاورة ليست هي أوّل لقاء بين ابن عباس وبين معاوية ، بل سبق قبلها لقاء في الشام ، وقد مرّ تحقيق ذلك في الحلقة الأولى في الجزء الخامس ، وقد أخرجها من الفريقين ، جماعة لا يتطرق الريب إلى رواياتهم.

فممن رواها من العامّة :

____________________

(١) حلية الأولياء ١ / ٣٢٩.

٣٢٩

١ ـ الزبير بن بكار ( ت ٢٥٦ هـ ) في كتابه ( الموفقيات ) ، وهذا ممّا لم يوجد في المطبوع منه ، لكن قد روى النص عنه الأربلي في ( كشف الغمة ) ، وهذا من النصوص الضائعة كغيره ممّا استدركته على المحقق ، وقد بلغ خمسة عشر مورداً. وسيأتي نص رواية الموفقيات في الصورة المنقولة عنها كما في ( كشف الغمة )(١) .

٢ ـ الحافظ أحمد بن موسى الأصبهاني المعروف بابن مردويه ( ت ٣٥٦ هـ ) في مناقبه كما في ( كشف الغمة ) للأربلي. وسيأتي نص روايته كما في الصورة السابقة في وجودها في كشف الغمة.

٣ ـ أبو هلال العسكري ، من علماء القرن الرابع في كتابه ( الدلائل ). وسيأتي نص روايته في الصورة التي نقلها عنه السيوطي.

٤ ـ الحاكم النيسابوري المتوفى ( ت ٤٠٥ هـ ) في كتابه ( المستدرك على الصحيحين ). وسيأتي نص روايته في الصورة الأولى.

٥ ـ أبو حفص عمر بن عيسى الخطيب الدهلقي ، من أعلام القرن السادس في كتابه ( فضائل الخلفاء )(٢) . وسيأتي نص روايته في الصورة الثانية.

٦ ـ الحافظ السيوطي ( ت ٩١١ هـ ) في كتابه ( تاريخ الخلفاء ). وسيأتي نص روايته في الصورة الثالثة.

وحسبنا بهؤلاء الحفاظ من العامّة ، فإنّهم أخرجوا الجزء الأوّل من

____________________

(١) كشف الغمة ١ / ٤٠٦ منشورات الشريف الرضي.

(٢) مخطوطة مكتبة آيا صوفيا بتركيا برقم ( ٣٣٤٣ ) تاريخها ٩١٩ هـ.

٣٣٠

المحاورة.

أمّا من رواها من الخاصة فحسبنا منهم :

١ ـ التابعي الجليل سليم بن قيس الهلالي. وسيأتي نص روايته في الصورة الرابعة.

٢ ـ الوزير سعد بن منصور الآبي ( ت ٤٢١ هـ ) في كتابه ( نثر الدر )(١) . سيأتي نص روايته في الصورة الخامسة.

٣ ـ أبو منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي ، من علماء القرن السادس في كتابه ( الإحتجاج ). وسيأتي نص روايته في الصورة السادسة والتنبيه على أنّه ليس في المطبوع منه أثر.

٤ ـ أبو المعالي كافي الكفاة محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن حمدون ( ت ٥٦٢ هـ ) في كتابه ( التذكرة الحمدونية ). وسيأتي نص روايته في الصورة السابعة.

٥ ـ بهاء الدين علي بن عيسى الأربلي ، من أعلام القرن السابع الهجري في كتابه ( كشف الغمة ). وسيأتي نص روايته في الصورة الثامنة والتاسعة.

وحسبنا بمن ذكرناه من علماء الفريقين.

والآن إلى قراءة النص في الصور المتفاوتة في بعض ألفاظها ممّالم يغيّرمن جوهرها شيئاً :

____________________

(١) نثر الدر ١ / ٢٨٤.

٣٣١

( الصورة الأولى ) :

برواية الحاكم في ( المستدرك على الصحيحين ) بسنده : عن معروف ابن خربوذ المكي ، قال : ( بينا عبد الله بن عباس جالس ونحن بين يديه إذ أقبل معاوية فجلس إليه ، فأعرض عنه ابن عباس.

فقال له معاوية : مالي أراك معرضاً؟ ألست تعلم أنّي أحق بهذا الأمر من ابن عمك؟

قال : لمَ؟ لأنّه كان مسلماً وكنت كافراً؟

قال : ولكني ابن عم عثمان.

قال : فابن عمي خير من ابن عمك.

قال : إنّ عثمان قتل مظلوماً.

قال : ـ وعندهما ابن عمر ـ فقال ابن عباس : فإنّ هذا أحق بالأمر منك.

فقال معاوية : إنّ عمر قتله كافر وعثمان قتله مسلم.

فقال ابن عباس : ذاك والله أدحض لحجتك )(١) .

وقد مرّ في الجزء الخامس الحلقة الأولى تحقيق حول زمان ومكان المحاورة فراجع(٢) .

( الصورة الثانية ) :

روى الخطيبي الدهلقي في ( فضائل الخلفاء ).

____________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ / ٤٦٧.

(٢) موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى ٥ / ٣٣ فما بعدها.

٣٣٢

( قال معاوية : أنا كنت أولى بالأمر من ابن عمك ، لأنّي ابن عم الخليفة المقتول ظلماً ـ وكان ابن عمر إلى جنبه ـ

قال ابن عباس : هذا أولى بالأمر منك ، لأنّ أباه قُتل قبل ابن عمك )(١) .

أقول : ولا يخفى التخفيف والتلطيف في السياق ، ولا أقول أنّه التحريف في هذه الصورة!

( الصورة الثالثة ) :

ما رواه السيوطي في ( تاريخ الخلفاء ) ، قال :

( وأخرج العسكري في كتاب الأوائل عن سليمان بن عبد الله بن معمر ، قال : قدم معاوية مكة أو المدينة فأتى المسجد فقعد في حلقة فيها ابن عمر وابن عباس وعبد الرحمن بن أبي بكر ، فأقبلوا عليه ، وأعرض عنه ابن عباس.

فقال : وأنا أحق بهذا الأمر من هذا المعرض وابن عمه.

فقال ابن عباس : ولم؟ ألتقدم في الإسلام؟ أم مع سابقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ أو قرابة منه؟

قال : لا ولكني ابن عم المقتول.

قال : فهذا أحق به ـ يريد ابن أبي بكر ـ.

قال : إّن أباه مات موتاً.

قال : فهذا أحق به ـ يريد ابن عمر ـ.

____________________

(١) مخطوطة الكتاب في مكتبة أياصوفيا بتركيا برقم ( ٣٣٤٣ ) وتاريخ النسخة ٩١٩ هـ.

٣٣٣

قال : إنّ أباه قتله كافر.

قال : فذاك أدحض لحجتك إن كان المسلمون عتبوا على ابن عمك فقتلوه )(١) .

( الصورة الرابعة ) :

ما رواه التابعي سليم بن قيس في كتابه.

( قال سليم وعمر بن أبي سلمة : قدم معاوية حاجاً في خلافته المدينة بعد ما قتل أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وصالح الحسن عليه السلام مرّ بحلقة من قريش ، فلمّا رأوه قاموا له غير عبد الله بن عباس.

فقال له : يا بن عباس ما منعك من القيام كما قام أصحابك إلاّ ما وجدت في نفسك علي بقتالي أياكم يوم صفين ، يا بن عباس إنّ ابن عمي قتل مظلوماً.

فقال له ابن عباس : فعمر بن الخطاب قد قتل مظلوماً ، فسلّم الأمر إلى ولده وهذا ابنه.

فقال : إنّ عمر قتله مشرك.

قال ابن عباس : فمن قتل عثمان؟

قال : قتله المسلمون.

قال : فذلك أدحض لحجتك وأحلّ لدمه ، إن كان المسلمون قتلوه

____________________

(١) تاريخ الخلفاء / ١٣٤.

٣٣٤

وخذلوه فليس إلا بحق.

قال معاوية : فإنّا قد كتبنا في الآفاق ننهي عن ذكر مناقب عليّ وأهل بيته ، فكفّ لسانك يا بن عباس ، وأربع على نفسك.

فقال له ابن عباس : أتنهانا عن قراءة القرآن؟

قال : لا.

قال : أفتنهانا عن تأويله؟

قال : نعم.

قال : فنقرأه ولا نسأل عما عنى الله به؟

قال : نعم.

قال : فأيّما أوجب علينا قراءته أو العمل به؟

قال معاوية : العمل به.

قال : فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا؟

قال : سل عن ذلك من يتأوله على غير ما تتأوله أنت وأهل بيتك.

قال : إنّما أنزل القرآن على أهل بيتي ، فأسأل عنه آل أبي سفيان وأسأل عنه آل أبي معيط؟ أو اليهود والنصارى والمجوس؟

قال معاوية : فقد عدلتنا بهم وصيّرتنا منهم.

فقال له ابن عباس : لعمري ما أعدلك بهم ، غير أنّك نهيتنا أن نعبد الله بالقرآن وبما فيه من أمر ونهي أو حلال أو حرام أو ناسخ أو منسوخ ، أو

٣٣٥

عام أو خاص ، أو محكم أو متشابه ، وإن لم تسأل الأمة عن ذلك هلكوا واختلفوا وتاهوا.

قال معاوية : فأقرؤا القرآن وتأولوه ، ولا ترووا شيئاً ممّا أنزل الله فيكم من تفسيره ، وما قاله رسول الله فيكم ، وأرووا ما سوى ذلك.

قال ابن عباس : قال الله في القرآن :( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (١) .

قال معاوية : يا بن عباس إكفني نفسك وكفّ عنّي لسانك ، وإن كنت لابدّ فاعلاً ، فليكن ذلك سراً ، ولا يسمعه أحدّ منك علانية.

ثم رجع إلى منزله فبعث إليه بخمسين ألف درهم )(٢) .

أقول : وقد مرّ بنا في الجزء الخامس من الحلقة الأولى تعقيب على هذه المحاورة في شرعية أخذ المال من الحاكمين الظالمين ، فراجع.

( الصورة الخامسة ) :

رواها الوزير سعد بن منصور الآبي في كتابه ( نثر الدر ) ، قال :

( مرّ معاوية بقوم من قريش ، فلمّا رأوه قاموا غير عبد الله بن عباس.

فقال : يا بن عباس ما منعك من القيام كما قام أصحابك؟ ما ذاك إلاّ لموجدة أنّي قاتلتكم بصفين ، فلا تجد ، فإنّ عثمان ابن عمي قُتل مظلوماً.

قال ابن عباس : فعمر بن الخطاب قُتل مظلوماً.

____________________

(١) التوبة / ٣٢.

(٢) كتاب سليم بن قيس٢ / ٧٧٧ و ٧٨٢ و ٧٨٤ ط الهادي بتحقيق الأنصاري.

٣٣٦

قال : إنّ عمر قتله كافر.

قال ابن عباس : فمن قتل عثمان؟

قال : المسلمون.

قال : فذلك أدحض لحجتك )(١) .

( الصورة السادسة ) :

رواها الطبرسي في ( الإحتجاج ) ـ ولا توجد في المطبوع منه بل رواها عنه صاحب ( القمقام الزخار )(٢) ، وهذا يدلّ على نقصان المطبوع من ( الإحتجاج ) ـ قال : وجاء في الاحتجاج وغيره :

( ومرّ معاوية في اليوم الثاني ، فكان كلّما مرّ بملأ من قريش ترجلوا له وقام الجالس منهم ، إلاّ ابن عباس فلم يفعل ذلك ، فاغتاظ معاوية منه ووجَه خطابه إليه قائلا : ما لك لم تسلك مسلك أصحابك؟ أنا على يقين من أنّ غصة صفين ما زالت تعتادك في باطنك ، ولست أرى غمك نافعك شيئاً ، فإنّي طلبت بثأر ابن عمي عثمان الذي قتل مظلوماً ونهضتُ طالباً بدمه.

فأجابه ابن عباس : إن كنت تطلب بدم المظلوم فإنّ عمر قتل مظلوماً أيضاً.

فقال معاوية : كلا فإنّ عمر قتله كافر.

فقال ابن عباس : فمن قتل عثمان؟

____________________

(١) نثر الدر ١ / ٢٨٤.

(٢) القمقام الزخار ١ / ٣٥ ط قم.

٣٣٧

فقال معاوية : قتله المسلمون.

فقال عبد الله : ذلك أدحض لحجتك.

فقال معاوية : يا بن عباس إنّي قد بعثت إلى الآفاق أن لا يذكر أحد من الناس شيئاً من فضل عليّ بن أبي طالب.

فقال ابن عباس : أتمنعنا من تلاوة كتاب الله؟

فقال معاوية : كلا.

فقال ابن عباس : أتمنعنا من تأويله؟

قال معاوية : نعم.

فقال ابن عباس : يا للعجب أفنقرأ كتاب الله ثم لا نفقه معناه؟ قل لي يا معاوية : هل العمل بكتاب الله أوجب أم تلاوته؟

فقال معاوية : بل العمل به.

قال : كيف نعمل به إذا جهلنا معناه؟

قال معاوية : سل غيرك ممن لا يذهب في تأويله مذهبكم أهل البيت.

فقال ابن عباس : إنّ القرآن في بيتنا نزل ، ونحن العالمون به ، أفنسأل آل معاوية وآل أبي سفيان عن معناه؟ أتريد بهذا أن تحول بيننا وبين بيان أحكامه للناس من الحلال والحرام؟

قال معاوية : كلا ، لا أفعل ذلك سجيس الليالي ، بل أقول أعملوا بمعناه وأكتموا ما نزل فيكم منه عن الناس.

٣٣٨

قال ابن عباس : إنّك إن تفعل هذا فإنّ الله يقول :( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (١) .

قال معاوية : إنّي اليوم أنهاك عن هذا ، وإن أبيت إلاّ عناداً فاحكِ ذلك في السرّ وأياك والعلن.

ولما عاد إلى الشام أرسل إلى ابن عباس بدرة فيها مأة ألف درهم )(٢) .

( الصورة السابعة ) :

رواها الحمدوني في ( التذكرة ) ، قال :

( مرّ معاوية بقوم من قريش ، فلمّا رأوه قاموا غير عبد الله بن عباس.

فقال : يا بن عباس ما منعك من القيام كما قام أصحابك؟ ما ذاك إلاّ لموجدة أنّي قاتلتكم بصفين ، فلا تجد ، فإنّ عثمان بن عفان قتل مظلوماً.

قال ابن عباس : فعمر بن الخطاب قتل مظلوماً.

قال : إنّ عمر قتله كافر.

قال ابن عباس : فمن قتل عثمان؟

قال : المسلمون.

قال : فذالك أدحض لحجتك )(٣) .

____________________

(١) التوبة / ٣٢.

(٢) القمقام الزخار ١ / ٣٥.

(٣) التذكرة الحمدونية ٧ / ١٨٥ تح إحسان عباس وبكر عباس ، ط دار صادر بيروت / ٨٥٦.

٣٣٩

( الصورة الثامنة ) :

رواها الأربلي في ( كشف الغمة ) ، نقلاً عن كتاب ( الموفقيات ) للزبير ابن بكار ، قال :

( حج معاوية فجلس إلى ابن عباس ، فأعرض عنه ابن عباس.

فقال معاوية : لم تعرض عني ، فو الله إنّك لتعلم أنّي أحق بالخلافة من ابن عمك.

قال ابن عباس : لم ذاك لأنّه كان مسلماً وكنت كافراً؟

قال : لا ، ولكن ابن عمي عثمان قتل مظلوماً.

قال ابن عباس : وعمر رحمه الله قتل مظلوماً.

قال : إنّ عمر قتله كافر ، وإنّ عثمان قتله المسلمون.

قال ابن عباس : ذاك أدحض لحجتك.

فأسكت معاوية )(١) .

( الصورة التاسعة ) :

رواها الأربلي أيضاً في ( كشف الغمة ) نقلاً عن مناقب ابن مردويه ، قال : ومنه عن عبيد الله بن عبد الله الكندي ، قال :

( حج معاوية فأتى المدينة وأصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم متوافرون ، فجلس في حلقة بين عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر ، فضرب بيده على فخذ ابن

____________________

(١) كشف الغمة ١ / ٤٠٦ ، منشورات الشريف الرضي.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496