موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٩

موسوعة عبد الله بن عبّاس0%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 496

موسوعة عبد الله بن عبّاس

مؤلف: السيد حسن الموسوي الخرسان
تصنيف:

الصفحات: 496
المشاهدات: 87813
تحميل: 4043


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 87813 / تحميل: 4043
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء 9

مؤلف:
العربية

فقال عثمان : قد والله علمتُ ، ليقولُنّ الذي قلتَ ، أما والله لو كنتَ مكاني ما عنفتك ولا أسلمتك ، ولا عبت عليك ، ولا جئت مُنكراً أن وصلتَ رحماً ، وسددت خلّة ، وآويت ضائعاً ، ووليت شبيهاً بمن كان عمر يولّي.

أنشدك الله يا عليّ هل تعلم أن المغيرة بن شعبة ليس هناك؟

قال : نعم.

قال : فتعلم أنّ عمر ولاّه؟

قال : نعم.

قال : فلم تلومني أن ولّيت ابن عامر في رحمه وقرابته؟

قال عليّ : سأخبرك ، إنّ عمر بن الخطاب كان كلّ من ولّى فإنّما يطأ على صماخه ، إن بلغه عنه حرف جلبه ثمّ بلغ به أقصى الغاية ، وأنت لا تفعل ، ضعفتَ ورقـَقتَ على أقربائك.

قال عثمان : هم أقرباؤك أيضاً.

فقال عليّ : لعمري إنّ رحمهم مني لقريبة ، ولكن الفضل في غيرهم.

قال عثمان : هل تعلم إنّ عمر ولّى معاوية خلافته كلّها؟ فقد وليته.

فقال عليّ : أنشدك الله هل تعلم أنّ معاوية كان أخوف من عمر من يرفأ غلام عمر منه؟

قال : نعم.

قال عليّ : فإنّ معاوية يقتطع الأمور دونك وأنت لا تعلمها ، فيقول للناس : هذا أمر عثمان فيبلغك فلا تغيّر على معاوية.

٣٢١

ثمّ خرج عليّ من عنده ، وخرج عثمان على أثره ، فجلس على المنبر فقال : أمّا بعد ، فإنّ لكلّ شيء آفة ، ولكلّ أمر عاهة ، وإنّ آفة هذه الأمة وعاهة هذه النعمة عيّابون طعّانون ، يُرونكم ما تحبون ، ويُسرّون ما تكرهون ، يقولون لكم وتقولون ، أمثال النعام يتبعون أوّل ناعق ، أحبّ مواردها إليها البعيد ، لا يشربون إلاّ نَغَصاً ، ولا يردون إلاّ عكَراً ، لا يقوم لهم رائد ، وقد أعيتهم الأمور ، وتعذّرت عليهم المكاسب.

ألا فقد والله عبتم عليّ بما أقررتم لابن الخطاب بمثله ، ولكنه وطأكم برجله ، وضربكم بيده ، وقمعكم بلسانه ، فدنتم له على ما أحببتم أو كرهتم ، ولنتُ لكم ، وأوطأت لكم كنفي ، وكففت يدي ولساني عنكم ، فأجترأتم عليَّ.

أما والله لأنا أعزّ نفراً ، وأقرب ناصراً ، وأكثر عدداً ، وأقمن إن قلت هلمّ أُتي إليّ ، ولقد أعددت لكم أقرانكم ، وأفضلت عليكم فضولها ، وكشّرت لكم عن نابي ، وأخرجتم مني خُلُقاً لم أكن أحسِنَه ، ومنطقاً لم أنطق به ، فكفّوا عليكم ألسنتكم وطعنكم وعيبكم على ولاتكم ، فانّي قد كففت عنكم مَن لو كان هو الذي يكلمكم لرضيتم منه بدون منطقي هذا.

ألا فما تفقدون من حقّكم؟ والله ما قصّرت في بلوغ ما كان يبلغ مَن كان قبلي ، ومن لم تكونوا تختلفون عليه. فَضَل فضلٌ من مال ، فما لي لا أصنع في الفضل ما أريد! فلمَ كنت إماماً؟!

فقام مروان بن الحكم ، فقال : إن شئتم حكّمنا والله بيننا وبينكم السيف

٣٢٢

نحن وأنتم كما قال الشاعر :

فرشنا لكم أعراضَنا فنبت بكم

مغارسُكم تبنون في دمن الثرى

فقال عثمان : أسكت لا سكتّ ، دعني وأصحابي ، ما منطقك في هذا؟ ألم أتقدّم إليك ألاّ تنطق!

فسكت مروان ونزل عثمان )(1) .

هكذا كان موقف الإمام عليه السلام في نصحه ، ولكن عثمان وبني أمية لا يحبون الناصحين.

وختاماً كانت لابن عباس مواقف مع الشانئين من قريش الذين تولوا السلطة فاتخذوا سيرة الشيخين حجة في استبعاد بني هاشم ، فكانت له أحاديث مرفوعة تحض على مودة أهل البيت عليهم السلام ، فكان يرويها للمسلمين حرصاً على هدايتهم أن يخدعهم الإعلام الكاذب من حكام قريش.

فمن الأحاديث ، ما رواه مرفوعاً عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( يا بني عبد المطلب إنّي سألت الله لكم أن يعلّم جاهلكم ، وأن يثبّت قائمكم ، وأن يهدي ضالكم ، وأن يجعلكم نجداء جوداء رحماء ، أما والله لو أنّ رجلاً صفّ قدميه بين الركن والمقام مصلياً ، ولقي الله وهو يبغضكم أهل البيت لدخل النار )(2) .

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 337 ـ 339 ط دار المعارف. وأنظر أنساب الأشراف 1 ق 4 / 549 تحـ احسان عباس ، تاريخ الكامل 3 / 62 ـ 64 ط بولاق ، والبداية والنهاية 7 / 168 ط السعادة ، ونهاية الإرب 19 / 470.

(2) أمالي المفيد / 134 ط الحيدرية سنة 1367.

٣٢٣

ومن بعض المواقف مع الشانئين ما رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج نقلاً عن الزبير بن بكار بسنده : عن عثمان بن عبد الرحمن ، قال : ( قال عبد الله بن عباس : والله لقد علمت قريش أنّ أوّل من أخذ الإيلاف وأجاز لها العيرات لهاشم. والله ما شدّت قريش رحالاً ولا حبلاً بسفر ، ولا أناخت بعيراً لحضر إلاّ بهاشم. والله انّ أوّل من سقى بمكة ماءً عذباً وجعل باب الكعبة ذهباً لعبد المطلب )(1) .

كبرياء معاوية في عتابه واعتداد ابن عباس في جوابه :

روى ابن قتيبة في ( الإمامة والسياسة ) قال :

( وقدم معاوية بن أبي سفيان على أثر ذلك ـ يعني النقمة على عثمان ـ من الشام ، فأتى مجلساً فيه عليّ بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وعمار بن ياسر ، فقال لهم : يا معشر الصحابة أوصيكم بشيخي هذا خيراً ، فوالله لئن قتل بين أظهركم لأملأنها عليكم خيلاً ورجالاً.

ثمّ أقبل على عمّار بن ياسر ، فقال : يا عمّار إنّ بالشام مائة ألف فارس كلّ يأخذ العطاء مع مثلهم من أبنائهم وعبدانهم لا يعرفون عليّاً ولا قرابته ، ولا عمّاراً ولا سابقته ، ولا الزبير ولا صحابته ، ولا طلحة ولا هجرته ، ولا يهابون ابن عوف ولا ماله ، ولا يتقون سعداً ولا دعوته ، فإياك يا عمّار أن

____________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 3 / 458.

٣٢٤

تقع غداً في فتنة تنجلي ، فيقال هذا قاتل عثمان ، وهذا قاتل عليّ.

ثمّ أقبل على ابن عباس ، فقال : يا ابن عباس إنّا كنا وإياكم في زمان لا نرجوا فيه ثواباً ولا نخاف عقاباً ، وكنّا أكثر منكم فوالله ما ظلمناكم ولا قهرناكم ولا أخرناكم عن مقام تقدّمناه ، حتى بعث الله رسوله منكم فسبق إليه صاحبكم فوالله ما زال يكره شركنا ويتغافل به عنا ، حتى ولي الأمر علينا وعليكم ، ثمّ صار الأمر إلينا وإليكم ، فأخذ صاحبنا على صاحبكم لسنّه ، ثمّ غيّر فَنَطق ونُطقَ على لسانه ، فقد أوقدتم ناراً لا تطفأ بالماء.

فقال ابن عباس : كنا كما ذكرت حتى بعث الله رسوله منّا ومنكم ، ثمّ ولي الأمر علينا وعليكم ، ثمّ صار الأمر إلينا وإليكم ، فأخذ صاحبكم على صاحبنا لسنّه ولما هو أفضل من سنّه ، فوالله ما قلنا إلاّ ما قال غيرنا ، ولا نطقنا إلاّ بما نطق به سوانا ، فتركتم الناس جانباً وصيّرتمونا بين إن أقمنا متهمّين ، أو نزعنا مُعتَبن ، وصاحبنا من قد علمتم والله لا يهجهج مهجهج إلاّ ركبه ، ولا يرد حوضاً إلاّ أفرطه ، وقد أصبحتُ أحبُ منك ما أحببت وأكره ما كرهت ، ولعلّي لا ألقاك إلاّ في خير )(1) .

وكانت بين معاوية وابن عباس في تلك الفترة قصة :

( حَكَماً من أهله وحَكَماً من أهلها )

( كان عقيل بن أبي طالب قد تزوج فاطمة بنت عتبة بن ربيعة ـ برغبة

____________________

(1) أنظر الإمامة والسياسة 1 / 27 مط الأمة سنة 1928 م ، مسند أحمد 1 / 57 وهو أوّل حديث فيه من مسند عثمان ، فراجع ، ومرة أخرى 1 / 69.

٣٢٥

منها فيه ـ فقالت له : تصير لي وأنفق عليك. فكان إذا دخل عليها ، قالت : أين عتبة بن ربيعة؟ وشيبة بن ربيعة؟ ـ وكانا من المقتولين ببدر ـ فيسكت عنها ، حتى إذا دخل عليها يوماً وهو بَرِم ، قالت : أين عتبة بن ربيعة وشيبة ابن ربيعة؟ قال : عن يسارك في النار إذا دخلتِ ، فشدّت عليها ثيابها ، فجاءت عثمان فذكرت ذلك له ، فضحك فأرسل إلى ابن عباس ومعاوية ـ وكان يومئذ بالمدينة ـ فقال ابن عباس : لأفرقنّ بينهما ، وقال معاوية : ما كنت لأفرّق بين شيخين من بني عبد مناف ، فأتيا فوجداهما قد أغلقا عليهما أبوابهما وأصلحا أمرهما فرجعا )(1) .

فهكذا بدايات مؤسفة لابدّ أن تأتي بنتائج سيئة ، ونهايات محزنة ، وتبقى نار العداوات بين الأجداد تورث في الأولاد والأحفاد ، فإنّ تخبو حيناً فإنّها أحياناً تستعر حين توافيها الظروف وينفخ فيها هوى الأهواء ، فإن بدت منذ أيام عثمان وقدتها ، فقد توقدت في أيام معاوية جمرتها ، فكانت أيام سوء على المسلمين عامّة وعلى بني هاشم خاصة ، وقد طالت أربعين عاماً ـ عشرين منها والياً على الشام وعشرين منها ملكاً على المسلمين ـ وجرت في أيامه أنهار الدماء من شيعة الإمام عليه السلام إذ عمّهم بالبلاء ، وكان يتربص بأهل البيت عليهم السلام فأضمر لهم كلّ مكروه ، وجرّعهم الغصص بما لا يوفّي حقّه القَصَص.

وكان ابن عباس مستهدفاً لمعاوية منذ حين ، ومرّ بنا مخادعته

____________________

(1) المصنف لعبد الرزاق 6 / 512 / 513 ، وقارن تفسير الطبري 5 / 45 باختصار.

٣٢٦

ومخاتلته في حرب صفين ، وتراكمت التداعيات من بعد إستشهاد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وكلّما امتد الزمن بهما كثرت المحاورات بينهما ، ولمّا هادن الإمام الحسن عليه السلام حقناً للدماء ، بعد أن رأى خَوَر الكثير من أصحابه ، ونفاق بعضهم ممن استمالهم معاوية ، فكانوا له عيوناً في العراق ، فاستقامت لمعاوية بسياسة الخداع الحكومة ، وصار أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم في ضنك وضيق ، فكانوا يفدون عليه بالشام لأخذ عطائهم ممّا يفوّقهم فيه تفويقاً ، ضغطاً عليهم وتضييقاً.

وكان ابن عباس أكثرهم جدالاً وجلاداً مع معاوية ، فهو حين يدمغه بالحجة ، يتركه مراوغاً بالمودة والنسب ، تفادياً من غرب لسانه.

فكان يتقيه ، وكان ابن عباس يتعمّد إساءته ويتطلب مناظرته ، لكن معاوية يتهرّب ما وسعه الهرب ، ويقول : ( ما باحثت أحداً في عقله أشد علماً من ابن عباس )(1) .

فقد روى الراغب الإصفهاني في كتابه ( محاضرات الأدباء ) في باب ذم المراء في المناظرة : أنّ ابن عباس قال لمعاوية : هل لك في مناظرتي فيما زعمت؟

قال : وما تصنع في ذلك فأشعب بك وتشعب لي ، فيبقى في قلبك ما لا ينفعك ، ويبقى في قلبي ما يضرك(2) .

____________________

(1) المقفى الكبير للمقريزي 4 / 518 ط دار الغرب الإسلامية بيروت.

(2) مخطوط المكتبة الرضوية برقم ( 4403 ) وفي المطبوعة بمصر 1 / 34 ، والتذكرة الحمدونية 2 / 144 ، وبهجة المجالس 1 / 427 ـ 428.

٣٢٧

وقال له معاوية : أخبرني عن بني هاشم وبني أميّة؟

قال : أنت أعلم بهم.

قال : أقسمت عليك لتخبرني.

قال : نحن أفصح وأصبح وأسمح ، وأنتم أمكر وأنكر وأغدر(1) .

فكان يحتمل منه قوارع الكلم وقوارص الشتم ، بما هو فيه ما لم ينقل عنه أنّه تحمّله من غيره ، وأحسب أنّ السبب هو معرفته بابن عباس وبما أشتملت عليه جوانحه من أوليات معاوية وفيها فضائحه ، وقد مرّت بعض الشواهد على هذا في الجزء الخامس من الحلقة الأولى ، رغم ما أحيط به شخص معاوية من أسطورة الحلم يبقى ابن عباس كالصقر مع فريسته.

ومن أوّل محاورة جرت بينهما سواء كانت بالشام أو كانت بالمدينة في المسجد الشريف على ملأ من السملمين ، نجد غلبة ابن عباس ، ومنها نعرف مغزى كلمة من قال عن ابن عباس : ( وكان ابن عباس حقّاراً له ). وسنأتي على معناها قريباً تحت عنوان : ( ذلك أدحض لحجتك ).

وكم مرّة أراد معاوية الوقيعة بابن عباس من طريق إحراجه ببعض المسائل ذات الحساسية العالية في نفوس العامّة ، كسؤاله عن الخلفاء واحداً واحداً ، فكان ابن عباس في جوابه مخيباً لظن معاوية في الوقيعة به ، وإسقاطه في أنظار الدهماء.

فقال له مرّة : أنت على ملّة عليّ؟

____________________

(1) نثر الدر 1 / 283 ط دار الكتب العلمية بيروت.

٣٢٨

فقال ابن عباس : ولا على ملّة عثمان ، أنا على ملّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(1) .

فسكت معاوية وانقطع مخصوماً ، إذ كان ابن عباس في جوابه موفقاً في التخلص من شرّ أريد به ، فهو لم يخرج من صدق إيمانه في موالاته للإمام عليه السلام إذ كان عليّ عليه السلام على ملّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كما لم يغفل عن التعريض بعثمان بأنّه ليس على ملّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وأحسب أنّ السؤال والجواب كانا في الشام أمام أولئك الطغام ، الذين أشربوا حبّ العجل وأنشؤا على بغض الإمام عليه السلام وسبّه ، وهذا منه من الأجوبة المسكتة ، التي يبلغ بها حاجته ويدفع بها خصمه.

ولنبدأ بقراءة ما تيسر لي الإطلاع عليه من محاورات عقائدية مع معاوية وأشياعه ، ففيها من فنون الكلام ما تنفع معرفته في أصول الجدل والخصام :

( المحاورة الأولى )

هذه المحاورة ليست هي أوّل لقاء بين ابن عباس وبين معاوية ، بل سبق قبلها لقاء في الشام ، وقد مرّ تحقيق ذلك في الحلقة الأولى في الجزء الخامس ، وقد أخرجها من الفريقين ، جماعة لا يتطرق الريب إلى رواياتهم.

فممن رواها من العامّة :

____________________

(1) حلية الأولياء 1 / 329.

٣٢٩

1 ـ الزبير بن بكار ( ت 256 هـ ) في كتابه ( الموفقيات ) ، وهذا ممّا لم يوجد في المطبوع منه ، لكن قد روى النص عنه الأربلي في ( كشف الغمة ) ، وهذا من النصوص الضائعة كغيره ممّا استدركته على المحقق ، وقد بلغ خمسة عشر مورداً. وسيأتي نص رواية الموفقيات في الصورة المنقولة عنها كما في ( كشف الغمة )(1) .

2 ـ الحافظ أحمد بن موسى الأصبهاني المعروف بابن مردويه ( ت 356 هـ ) في مناقبه كما في ( كشف الغمة ) للأربلي. وسيأتي نص روايته كما في الصورة السابقة في وجودها في كشف الغمة.

3 ـ أبو هلال العسكري ، من علماء القرن الرابع في كتابه ( الدلائل ). وسيأتي نص روايته في الصورة التي نقلها عنه السيوطي.

4 ـ الحاكم النيسابوري المتوفى ( ت 405 هـ ) في كتابه ( المستدرك على الصحيحين ). وسيأتي نص روايته في الصورة الأولى.

5 ـ أبو حفص عمر بن عيسى الخطيب الدهلقي ، من أعلام القرن السادس في كتابه ( فضائل الخلفاء )(2) . وسيأتي نص روايته في الصورة الثانية.

6 ـ الحافظ السيوطي ( ت 911 هـ ) في كتابه ( تاريخ الخلفاء ). وسيأتي نص روايته في الصورة الثالثة.

وحسبنا بهؤلاء الحفاظ من العامّة ، فإنّهم أخرجوا الجزء الأوّل من

____________________

(1) كشف الغمة 1 / 406 منشورات الشريف الرضي.

(2) مخطوطة مكتبة آيا صوفيا بتركيا برقم ( 3343 ) تاريخها 919 هـ.

٣٣٠

المحاورة.

أمّا من رواها من الخاصة فحسبنا منهم :

1 ـ التابعي الجليل سليم بن قيس الهلالي. وسيأتي نص روايته في الصورة الرابعة.

2 ـ الوزير سعد بن منصور الآبي ( ت 421 هـ ) في كتابه ( نثر الدر )(1) . سيأتي نص روايته في الصورة الخامسة.

3 ـ أبو منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي ، من علماء القرن السادس في كتابه ( الإحتجاج ). وسيأتي نص روايته في الصورة السادسة والتنبيه على أنّه ليس في المطبوع منه أثر.

4 ـ أبو المعالي كافي الكفاة محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن حمدون ( ت 562 هـ ) في كتابه ( التذكرة الحمدونية ). وسيأتي نص روايته في الصورة السابعة.

5 ـ بهاء الدين علي بن عيسى الأربلي ، من أعلام القرن السابع الهجري في كتابه ( كشف الغمة ). وسيأتي نص روايته في الصورة الثامنة والتاسعة.

وحسبنا بمن ذكرناه من علماء الفريقين.

والآن إلى قراءة النص في الصور المتفاوتة في بعض ألفاظها ممّالم يغيّرمن جوهرها شيئاً :

____________________

(1) نثر الدر 1 / 284.

٣٣١

( الصورة الأولى ) :

برواية الحاكم في ( المستدرك على الصحيحين ) بسنده : عن معروف ابن خربوذ المكي ، قال : ( بينا عبد الله بن عباس جالس ونحن بين يديه إذ أقبل معاوية فجلس إليه ، فأعرض عنه ابن عباس.

فقال له معاوية : مالي أراك معرضاً؟ ألست تعلم أنّي أحق بهذا الأمر من ابن عمك؟

قال : لمَ؟ لأنّه كان مسلماً وكنت كافراً؟

قال : ولكني ابن عم عثمان.

قال : فابن عمي خير من ابن عمك.

قال : إنّ عثمان قتل مظلوماً.

قال : ـ وعندهما ابن عمر ـ فقال ابن عباس : فإنّ هذا أحق بالأمر منك.

فقال معاوية : إنّ عمر قتله كافر وعثمان قتله مسلم.

فقال ابن عباس : ذاك والله أدحض لحجتك )(1) .

وقد مرّ في الجزء الخامس الحلقة الأولى تحقيق حول زمان ومكان المحاورة فراجع(2) .

( الصورة الثانية ) :

روى الخطيبي الدهلقي في ( فضائل الخلفاء ).

____________________

(1) المستدرك على الصحيحين 3 / 467.

(2) موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى 5 / 33 فما بعدها.

٣٣٢

( قال معاوية : أنا كنت أولى بالأمر من ابن عمك ، لأنّي ابن عم الخليفة المقتول ظلماً ـ وكان ابن عمر إلى جنبه ـ

قال ابن عباس : هذا أولى بالأمر منك ، لأنّ أباه قُتل قبل ابن عمك )(1) .

أقول : ولا يخفى التخفيف والتلطيف في السياق ، ولا أقول أنّه التحريف في هذه الصورة!

( الصورة الثالثة ) :

ما رواه السيوطي في ( تاريخ الخلفاء ) ، قال :

( وأخرج العسكري في كتاب الأوائل عن سليمان بن عبد الله بن معمر ، قال : قدم معاوية مكة أو المدينة فأتى المسجد فقعد في حلقة فيها ابن عمر وابن عباس وعبد الرحمن بن أبي بكر ، فأقبلوا عليه ، وأعرض عنه ابن عباس.

فقال : وأنا أحق بهذا الأمر من هذا المعرض وابن عمه.

فقال ابن عباس : ولم؟ ألتقدم في الإسلام؟ أم مع سابقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ أو قرابة منه؟

قال : لا ولكني ابن عم المقتول.

قال : فهذا أحق به ـ يريد ابن أبي بكر ـ.

قال : إّن أباه مات موتاً.

قال : فهذا أحق به ـ يريد ابن عمر ـ.

____________________

(1) مخطوطة الكتاب في مكتبة أياصوفيا بتركيا برقم ( 3343 ) وتاريخ النسخة 919 هـ.

٣٣٣

قال : إنّ أباه قتله كافر.

قال : فذاك أدحض لحجتك إن كان المسلمون عتبوا على ابن عمك فقتلوه )(1) .

( الصورة الرابعة ) :

ما رواه التابعي سليم بن قيس في كتابه.

( قال سليم وعمر بن أبي سلمة : قدم معاوية حاجاً في خلافته المدينة بعد ما قتل أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وصالح الحسن عليه السلام مرّ بحلقة من قريش ، فلمّا رأوه قاموا له غير عبد الله بن عباس.

فقال له : يا بن عباس ما منعك من القيام كما قام أصحابك إلاّ ما وجدت في نفسك علي بقتالي أياكم يوم صفين ، يا بن عباس إنّ ابن عمي قتل مظلوماً.

فقال له ابن عباس : فعمر بن الخطاب قد قتل مظلوماً ، فسلّم الأمر إلى ولده وهذا ابنه.

فقال : إنّ عمر قتله مشرك.

قال ابن عباس : فمن قتل عثمان؟

قال : قتله المسلمون.

قال : فذلك أدحض لحجتك وأحلّ لدمه ، إن كان المسلمون قتلوه

____________________

(1) تاريخ الخلفاء / 134.

٣٣٤

وخذلوه فليس إلا بحق.

قال معاوية : فإنّا قد كتبنا في الآفاق ننهي عن ذكر مناقب عليّ وأهل بيته ، فكفّ لسانك يا بن عباس ، وأربع على نفسك.

فقال له ابن عباس : أتنهانا عن قراءة القرآن؟

قال : لا.

قال : أفتنهانا عن تأويله؟

قال : نعم.

قال : فنقرأه ولا نسأل عما عنى الله به؟

قال : نعم.

قال : فأيّما أوجب علينا قراءته أو العمل به؟

قال معاوية : العمل به.

قال : فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا؟

قال : سل عن ذلك من يتأوله على غير ما تتأوله أنت وأهل بيتك.

قال : إنّما أنزل القرآن على أهل بيتي ، فأسأل عنه آل أبي سفيان وأسأل عنه آل أبي معيط؟ أو اليهود والنصارى والمجوس؟

قال معاوية : فقد عدلتنا بهم وصيّرتنا منهم.

فقال له ابن عباس : لعمري ما أعدلك بهم ، غير أنّك نهيتنا أن نعبد الله بالقرآن وبما فيه من أمر ونهي أو حلال أو حرام أو ناسخ أو منسوخ ، أو

٣٣٥

عام أو خاص ، أو محكم أو متشابه ، وإن لم تسأل الأمة عن ذلك هلكوا واختلفوا وتاهوا.

قال معاوية : فأقرؤا القرآن وتأولوه ، ولا ترووا شيئاً ممّا أنزل الله فيكم من تفسيره ، وما قاله رسول الله فيكم ، وأرووا ما سوى ذلك.

قال ابن عباس : قال الله في القرآن :( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (1) .

قال معاوية : يا بن عباس إكفني نفسك وكفّ عنّي لسانك ، وإن كنت لابدّ فاعلاً ، فليكن ذلك سراً ، ولا يسمعه أحدّ منك علانية.

ثم رجع إلى منزله فبعث إليه بخمسين ألف درهم )(2) .

أقول : وقد مرّ بنا في الجزء الخامس من الحلقة الأولى تعقيب على هذه المحاورة في شرعية أخذ المال من الحاكمين الظالمين ، فراجع.

( الصورة الخامسة ) :

رواها الوزير سعد بن منصور الآبي في كتابه ( نثر الدر ) ، قال :

( مرّ معاوية بقوم من قريش ، فلمّا رأوه قاموا غير عبد الله بن عباس.

فقال : يا بن عباس ما منعك من القيام كما قام أصحابك؟ ما ذاك إلاّ لموجدة أنّي قاتلتكم بصفين ، فلا تجد ، فإنّ عثمان ابن عمي قُتل مظلوماً.

قال ابن عباس : فعمر بن الخطاب قُتل مظلوماً.

____________________

(1) التوبة / 32.

(2) كتاب سليم بن قيس2 / 777 و 782 و 784 ط الهادي بتحقيق الأنصاري.

٣٣٦

قال : إنّ عمر قتله كافر.

قال ابن عباس : فمن قتل عثمان؟

قال : المسلمون.

قال : فذلك أدحض لحجتك )(1) .

( الصورة السادسة ) :

رواها الطبرسي في ( الإحتجاج ) ـ ولا توجد في المطبوع منه بل رواها عنه صاحب ( القمقام الزخار )(2) ، وهذا يدلّ على نقصان المطبوع من ( الإحتجاج ) ـ قال : وجاء في الاحتجاج وغيره :

( ومرّ معاوية في اليوم الثاني ، فكان كلّما مرّ بملأ من قريش ترجلوا له وقام الجالس منهم ، إلاّ ابن عباس فلم يفعل ذلك ، فاغتاظ معاوية منه ووجَه خطابه إليه قائلا : ما لك لم تسلك مسلك أصحابك؟ أنا على يقين من أنّ غصة صفين ما زالت تعتادك في باطنك ، ولست أرى غمك نافعك شيئاً ، فإنّي طلبت بثأر ابن عمي عثمان الذي قتل مظلوماً ونهضتُ طالباً بدمه.

فأجابه ابن عباس : إن كنت تطلب بدم المظلوم فإنّ عمر قتل مظلوماً أيضاً.

فقال معاوية : كلا فإنّ عمر قتله كافر.

فقال ابن عباس : فمن قتل عثمان؟

____________________

(1) نثر الدر 1 / 284.

(2) القمقام الزخار 1 / 35 ط قم.

٣٣٧

فقال معاوية : قتله المسلمون.

فقال عبد الله : ذلك أدحض لحجتك.

فقال معاوية : يا بن عباس إنّي قد بعثت إلى الآفاق أن لا يذكر أحد من الناس شيئاً من فضل عليّ بن أبي طالب.

فقال ابن عباس : أتمنعنا من تلاوة كتاب الله؟

فقال معاوية : كلا.

فقال ابن عباس : أتمنعنا من تأويله؟

قال معاوية : نعم.

فقال ابن عباس : يا للعجب أفنقرأ كتاب الله ثم لا نفقه معناه؟ قل لي يا معاوية : هل العمل بكتاب الله أوجب أم تلاوته؟

فقال معاوية : بل العمل به.

قال : كيف نعمل به إذا جهلنا معناه؟

قال معاوية : سل غيرك ممن لا يذهب في تأويله مذهبكم أهل البيت.

فقال ابن عباس : إنّ القرآن في بيتنا نزل ، ونحن العالمون به ، أفنسأل آل معاوية وآل أبي سفيان عن معناه؟ أتريد بهذا أن تحول بيننا وبين بيان أحكامه للناس من الحلال والحرام؟

قال معاوية : كلا ، لا أفعل ذلك سجيس الليالي ، بل أقول أعملوا بمعناه وأكتموا ما نزل فيكم منه عن الناس.

٣٣٨

قال ابن عباس : إنّك إن تفعل هذا فإنّ الله يقول :( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (1) .

قال معاوية : إنّي اليوم أنهاك عن هذا ، وإن أبيت إلاّ عناداً فاحكِ ذلك في السرّ وأياك والعلن.

ولما عاد إلى الشام أرسل إلى ابن عباس بدرة فيها مأة ألف درهم )(2) .

( الصورة السابعة ) :

رواها الحمدوني في ( التذكرة ) ، قال :

( مرّ معاوية بقوم من قريش ، فلمّا رأوه قاموا غير عبد الله بن عباس.

فقال : يا بن عباس ما منعك من القيام كما قام أصحابك؟ ما ذاك إلاّ لموجدة أنّي قاتلتكم بصفين ، فلا تجد ، فإنّ عثمان بن عفان قتل مظلوماً.

قال ابن عباس : فعمر بن الخطاب قتل مظلوماً.

قال : إنّ عمر قتله كافر.

قال ابن عباس : فمن قتل عثمان؟

قال : المسلمون.

قال : فذالك أدحض لحجتك )(3) .

____________________

(1) التوبة / 32.

(2) القمقام الزخار 1 / 35.

(3) التذكرة الحمدونية 7 / 185 تح إحسان عباس وبكر عباس ، ط دار صادر بيروت / 856.

٣٣٩

( الصورة الثامنة ) :

رواها الأربلي في ( كشف الغمة ) ، نقلاً عن كتاب ( الموفقيات ) للزبير ابن بكار ، قال :

( حج معاوية فجلس إلى ابن عباس ، فأعرض عنه ابن عباس.

فقال معاوية : لم تعرض عني ، فو الله إنّك لتعلم أنّي أحق بالخلافة من ابن عمك.

قال ابن عباس : لم ذاك لأنّه كان مسلماً وكنت كافراً؟

قال : لا ، ولكن ابن عمي عثمان قتل مظلوماً.

قال ابن عباس : وعمر رحمه الله قتل مظلوماً.

قال : إنّ عمر قتله كافر ، وإنّ عثمان قتله المسلمون.

قال ابن عباس : ذاك أدحض لحجتك.

فأسكت معاوية )(1) .

( الصورة التاسعة ) :

رواها الأربلي أيضاً في ( كشف الغمة ) نقلاً عن مناقب ابن مردويه ، قال : ومنه عن عبيد الله بن عبد الله الكندي ، قال :

( حج معاوية فأتى المدينة وأصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم متوافرون ، فجلس في حلقة بين عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر ، فضرب بيده على فخذ ابن

____________________

(1) كشف الغمة 1 / 406 ، منشورات الشريف الرضي.

٣٤٠