موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٩

موسوعة عبد الله بن عبّاس0%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 496

موسوعة عبد الله بن عبّاس

مؤلف: السيد حسن الموسوي الخرسان
تصنيف:

الصفحات: 496
المشاهدات: 87871
تحميل: 4043


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 87871 / تحميل: 4043
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء 9

مؤلف:
العربية

فماذا كان ذلك الكلام الذي جرى بين عليّ وعثمان؟ إنّه بقي في عيابة الصدر وغيابة الجُب.

3 ـ قال الطبري في تاريخه : ( وأمّا الواقدي فإنّه ذكر في سبب مسير المصريين إلى عثمان ونزولهم ذا خشب أموراً كثيرة؟ منها ما تقدم ذكره ، ومنها ما أعرضت عن ذكره كراهة منّي لبشاعته )(1) (؟).

4 ـ وقال الطبري أيضاً : ( فقد ذكرنا كثيراً من الأسباب التي ذكر قاتلوه أنّهم جعلوا ذريعة إلى قتله ، فأعرضنا عن ذكر كثير منها لعلل دعت إلى الإعراض عنها )(2) (؟).

5 ـ وقال الطبري أيضاً : ( أنّ محمد بن أبي بكر كتب إلى معاوية بن أبي سفيان لمّا ولي ، فذكر مكاتبات جرت بينهما كرهت ذكرها ، لما فيه ممّا لا يحتمل سماعها العامة )(3) (؟)(4) .

وقد ذكر ابن الأثير في تاريخه هذا الذي ذكره الطبري فكأنّه تابعه في رأيه وروايته ، وإذا كان مثل الطبري وهو شيخ المؤرخين تكتّم على الكثير بحجة مقبولة أو مرذولة ، فما الظن بمن أتى بعده ، فأخذ ما عنده؟

6 ـ قال المسعودي في ( مروج الذهب ) في حديث أبي ذر مع عثمان

____________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 356.

(2) نفس المصدر 4 / 557.

(3) نفس المصدر.

(4) لقد ذكر البلاذري في ترجمة الإمام في كتابه أنساب الأشراف / 394 ـ 396 ما امتنع الطبري عما ذكره وكذلك ذكر الرسالتين ابن أبي الحديد في شرح النهج 3 / 88 ـ 90.

٢١

بعد أن أمر بجلبه من الشام على أصعب مركب : ( ثم دخل إليه فجلس على ركبتيه ، وتكلم بأشياء؟ وذكر الخبر في ولد أبي العاص إذا بلغوا ثلاثين رجلاً اتخذوا عباد الله خولاً ، ومرّ الخبر بطوله ، وتكلم بكلام كثير )(1) (؟).

7 ـ وقال المسعودي أيضاً في ذكر من تخلف عن بيعة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بعد مقتل عثمان : ( وأتاه ممن تخلّف عن بيعته من بني أمية ، منهم سعيد بن العاص ، ومروان بن الحكم ، والوليد بن عقبة بن أبي معيط ، فجرى بينه وبينهم خطب طويل (؟). وقال سعيد بن العاص كلاماً كثيراً )(2) (؟).

8 ـ وقال المسعودي أيضاً في سياق ما مرّ : ( وقد ذكر أبو مخنف لوط بن يحيى : أنّ حسان بن ثابت وكعب بن مالك والنعمان بن بشير ـ قبل نفوذه بالقميص ـ أتوا عليّاً في آخرين من العثمانية ، فقال كعب بن مالك : يا أمير المؤمنين ليس مسيئاً من اعتب ، وخير كفر ما محاه عذر في كلام كثير )(3) (؟).

إنّها بلية التاريخ حين تكتم الحقائق وتكمّ الأفواه ، أليس ممّا يثير الدهشة مدى تلاقي من ذكرت من المؤرخين على تغييب حقائق بتعمد ، فماذا كانت تلك الأشياء التي تكلم بها أبو ذر؟ وماذا كان الكلام الكثير منه؟ وماذا هو الخطب الطويل بين الإمام وبني أمية؟ وماذا كان كلام

____________________

(1) مروج الذهب 2 / 349 تح محمد محي الدين عبد الحميد.

(2) مروج الذهب 2 / 362.

(3) نفس المصدر.

٢٢

سعيد بن العاص من الكلام الكثير؟ وماذا كان بقية كلام كعب بن مالك في كلام كثير؟ كلّ هذا ذكره المسعودي في كتاب مروجه ، وله غير هذا أيضاً ممّا يدلّ على مروجه(1) وخروجه.

9 ـ وقال ابن كثير في ( السيرة النبوية ) في ذكر خطبة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بغدير خم فقال : ( فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عامئذ ، وكان اليوم الأحد بغدير خم تحت شجرة هناك فبيّن فيها أشياء كثيرة؟ وذكر من فضل عليّ وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس )(2) (؟).

فماذا هي تلك الأشياء الكثيرة التي غصّ ابن كثير بذكرها؟ ويكاد أن يكون هو الأكثر من غيره في تغييب الحقائق في كتبه ( تفسير القرآن العظيم ، والبداية والنهاية ، والسيرة النبوية )! ولست في مقام عرض تفصيل ذلك.

10 ـ وقال أبو الفرج الأصفهاني في كتابه ( الأغاني ) وقد ذكر محاورة جرت بين عمر وابن عباس ، فقال : ( قال ـ ابن عباس ـ ثم أنشأ يحدثني ، فقال : أنّ أوّل من راثكم(3) عن هذا الأمر أبو بكر ، إنّ قومكم كرهوا أن

____________________

(1) مرج وجرج اخوان في معنى القلق والاضطراب ، ومنه مرجت العهود والامانات إذا اضطربت وفسدت ، ( الفائق ) للزمخشري.

(2) السيرة النبوية 4 / 414.

(3) راثكم أي أبطأ بكم فأخركم ، يقال : أراثه إراثه جعله يبطئ والريث الإبطاء والمهلة ( فطر المحيط ) ريث.

٢٣

يجمعوا لكم الخلافة والنبوة ) ثم قال أبو الفرج : ( ثم ذكر قصة طويلة ليس من هذا الباب فكرهت ذكرها )(1) (؟).

ألا مسائل هذا الرجل : لماذا كره ذكر القصة الطويلة التي جرت بين عمر وبين ابن عباس؟ وكتابه ( الأغاني ) عيبة السفاسف ، ما ضاقت سطوره عن ذكر قصص الخلاعة والمجون ، وضاقت عن ذكر قصة ما جرى بين عمر وبين ابن عباس!

هذه عشرة نماذج لخمسة من أعلام المؤرخين ، فكم لهم من عشرات أمثالها ، وكم لغيرهم ممن لم نذكرهم انطوت صدورهم على مكنون علم غيبته الأهواء ، فضاعت على الباحثين دروب الإهتداء ، إنّ هذا البلاء ما فوقه من بلاء( وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (2) ،( وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ ) (3) .

أمّا عن إستغفال القراء من قبل الرواة والمحدثين بإستعمال الكناية عن الأسماء الصريحة ، والإشارة إليهم بفلان وفلان ، أو رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أو ، أو فذلك شيء كثير حتى استبشعه غير وا حد ، فصار يبحث عن أصحاب تلك الأسماء المغيّبة مثل الخطيب البغدادي الذي جمع مادّته فصارت كتاباً سمّاه ( الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة ) ، وهو كتاب جليل مفيد فخيم في علمه ، ضخيم في حجمه إذ بلغ ( 683 )

____________________

(1) الأغاني 9 / 39 ط السادسه بمصر.

(2) البقرة / 146.

(3) المائدة / 61.

٢٤

صفحة ، وسأشير إلى بعض موارد ذكر فيها ابن عباس.

ودونه جمعاً وصنعاً ما كتبه ابن حجر العسقلاني في ( هدي الساري مقدمة فتح الباري ) في الدفاع عن شيخ أصحاب الصحاح محمد بن إسماعيل البخاري ، فقد جعل الفصل السابع من كتابه ( هدي الساري ) في تعيين الأسماء المهملة التي يكثر اشتراكها ، وساق الأسماء على ترتيب الحروف الأبجدية ، ثم أعقبها بفصول ذكر فيها أصحاب الكنى ، وقد استغرق من ص ( 243 إلى 375 ) من الجزء الأوّل ، ثم بدأ الجزء الثاني بذكر ما ورد في صحيح البخاري ، بدءاً من بدء الوحي إلى آخر كتاب التوحيد ، وهو آخر كتاب البخاري في ( 205 ) صفحات. ولمّا كان لابن عباس في أحاديث البخاري المبهمة نصيباً غير منقوص ، فقد اقتصر على ذكر بعضها ، وبيّن ما استبهم منها ، ونيّف ما ذكره منها على ستين حديثاً ولا يجدينا ذكرها فعلاً.

٢٥

فماذا عن ابن عباس في كتاب

( الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة )؟

1 ـ في صفحة ( 110 ـ 111 ) برقم ( 60 ) بإسناد : ( عن طاووس ، عن ابن عباس قال : بلغ عمر بن الخطاب أنّ رجلاً باع خمراً ، قال : قاتل الله فلاناً باع الخمر! أما علم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( قاتل الله يهود ، حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها ).

قال الشيخ الخطيب أبو بكر : ( الرجل الذي بلغ عنه عمر بيعه الخمر هو سمرة بن جندب بن هلال الفزاري. الحجة في ذلك : ما أخبرنا ـ وساق السند إلى طاووس ـ قال : سمعت ابن عباس يقول : قال عمر بن الخطاب : قاتل الله سمرة! باع خمراً وقد قال رسول الله : ( لعن الله اليهود ، حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها ).

أقول : وحديث ابن عباس هذا رواه البخاري في صحيحه ، كتاب البيع ، باب لا يذاب شحم الميتة ولا يباع ودكه(1) ، وذكره ابن حجر في مبهماته في ( هدي الساري ) ، فقال : ( حديث ابن عباس : بلغ عمر بن الخطاب أنّ فلاناً باع خمراً. وهو سمرة بن جندب )(2) ، وكذلك ذكره البخاري مرة ثانية في كتاب

____________________

(1) صحيح البخاري 3 / 40.

(2) ( هدي الساري ) مقدمة فتح الباري / 277.

٢٦

الأنبياء ، باب ما ذكر عن بني اسرائيل(1) ، وهذا أيضاً ذكره ابن حجر فقال : ( حديث ابن عباس : سمعت عمر يقول : ( قاتل الله فلاناً ) يعني سمرة بن جندب )(2) .

ولمحقق كتاب الخطيب الدكتور عز الدين علي السيد تعليقه مفيدة ، ذكر فيها أنّ الحديث في صحيح مسلم بشرح النووي ( 7 / 11 ) ( عن ابن عباس : بلغ عمر أنّ سمرة باع خمراً فقال : قاتل الله سمرة ).

أقول : وهو كذلك في متن الصحيح طبعة محمد علي صبيح ( 5 / 41 ) ، فما أبهمه البخاري رواه مسلم صريحاً! فأيّ الصحيحين هو الأصح؟!

وأشار الدكتور المحقق إلى أنّ الحديث في ( المصنف ) ـ ويعني به مصنف عبد الرزاق ـ وهو كذلك فقد رواه في ( 6 / 75 ) وساقه بإسناده عن ابن عباس ، قال : ( بلغ عمر أنّ سمرة باع خمراً ، فقال : قاتل الله سمرة أما علم أنّ رسول الله قال : ( قاتل الله اليهود حرّمت عليهم الشحوم فجملوها ـ أي أذابوها ـ فباعوها ) ، ثم أعاد الحديث مرة ثانية بسنده عن ابن عباس ، قال : ( رأيت عمر يقلب كفه ويقول : قاتل الله سمرة عويملاً لنا بالعراق خلط في فيئ المسلمين ثمناً لنا بالخمر والخنزير فهي حرام وثمنها حرام ) ، وأعاد عبد الرزاق جميع ما مرّ عنه في ( 8 / 195 ـ 196 ) بعين ألفاظه.

أقول : وللحديث مصادر أخرى منها : مصنف ابن أبي شيبة ، عن ابن

____________________

(1) صحيح البخاري 4 / 145.

(2) ( هدي الساري ) مقدمة فتح الباري / 294.

٢٧

عمر : قال : ( قال عمر : لعن الله فلاناً )(1) ، وفيه أيضاً عن مسروق : ( قال عمر : لعن الله فلاناً )(2) .

وقد أغرب ابن عبد البر ، حين لم يذكر هذا الحديث في ترجمة سمرة في إستيعابه ، وأحسبه ستراً عليه لأنّه من الأصحاب المذكورين في كتاب ( الإستيعاب )! وكم فيه وفي غيره من تراجم الصحابة ذكر أُناس لا يؤبه بهم ، كالأشعث بن قيس وجرير اللذين قالا في المرتدين لعبد الله بن مسعود استتبهم وكفّلهم عشائرهم(3) ، وكان عدد المرتدين فيما ذكر ابن أبي شيبة من طريق قيس بن حازم مائة وسبعين رجلاً ، فيا ترى كم فيهم من الصحابة؟ وكان الأشعث بن قيس نفسه من المرتدين أيام أبي بكر ، وقد ندم أبو بكر عند موته أن لا يكون ضرب عنقه يومئذٍ لأنّه لا يرى شراً إلا أعان عليه(4) .

ومن حثالة الصحابة في فسقه وغدره المغيرة بن شعبة ، حتى وصف بأنّه أزنى ثقيف. وخلّ عنك معاوية وعمر وبن العاص وأضرابهم. وربيعة ابن أمية أخو صفوان بن أمية الذي ارتد وشرب الخمر أيام عمر ولحق بالشام فذهب إلى قيصر وتنصر(5) .

____________________

(1) المصنف 4 / 412 رقم 120.

(2) المصنف 7 / 271 برقم 36001.

(3) أنظر تاريخ الطبري 3 / 429 ـ 431 ، العقد الفريد 4 / 267 ومصادر غيرها ، راجع كتاب ( المحسن السبط مولود أم سقط / 202 ـ 212 ).

(4) أنظر صحيح البخاري كتاب الحواله والكفالة الوكالة بشرح فتح الباري 5 / 375.

(5) أنظر السيرة الحلبية 3 / 266.

٢٨

وكلّ من ذكرت لا يرقى إلى مرتبة ( قدامة بن مظعون ) ـ وهو خال حفصة وعبد الله بن عمر ـ فقد كان من المهاجرين الأولين ، وقد شرب الخمر ، كما في ترجمته من ( تاريخ البخاري الصغير )(1) وغيره من المصادر ، لكن للستر عليه لم يصرّح باسمه كما في موطأ مالك ، ولما كان حديثه فيه لابن عباس رضي الله عنه ذكر في التشديد عليه بإقامة الحدّ ، وفيه للإمام أمير المؤمنين عليه السلام مقام في تحديد مقدار الحدّ ، فلنقرأ الحديث كما في ( الموطأ ) لمالك بتوسط كتاب الإستذكار لابن عبد البر :

( 1561 ـ مالك ، عن ثور بن زيد الديلي : أنّ عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل ، فقال له عليّ بن أبي طالب : نرى أن تجلده ثمانين ، فإنّه إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذي(2) وإذا هذي افترى ، أو كما قال فجلد عمر في الخمر ثمانين.

قال أبو عمر : هذا حديث منقطع ، من رواية مالك ، وقد روي متصلاً من حديث ابن عباس.

ذكره الطحاوي ، في كتاب ( أحكام القرآن ) ، قال : حدثني بهز بن سلمان ، قال : حدثني سعيد بن كثير ، قال : حدثني محمد بن فليج ، عن ثور ابن زيد الديلي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أنّ الشُرّاب كانوا يضربون في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالأيدي ، وبالنعال ، وبالعصي حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكانوا في خلافة أبي بكر أكثر منهم في عهد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال أبو بكر : لو

____________________

(1) تاريخ البخاري 1 / 68.

(2) هذي : خلط وتكلم بما لا ينبغي.

٢٩

فرضنا لهم حدّاً ، يتوخى نحو ما كان يضربون عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان أبو بكر يجلدهم أربعين ، ثم كان عمر بعده يجلدهم كذلك أربعين ، حتى أتي برجل من المهاجرين الأولين وقد شرب ، فأمر به أن يجلد ، فقال له : لم تجلدني؟ بيني وبينك كتاب الله عزوجل ، فقال عمر : في أي كتاب الله عزوجل وجدت لا أجلدك؟ فقال : إنّ الله عزوجل يقول في كتابه :( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) (1) ، فأنا من الذين اتقوا ، وآمنوا ، وعملوا الصالحات ، ثم اتقوا وآمنوا ، ثم اتقوا وأحسنوا ، شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدراً ، وأحداً ، والخندق ، والمشاهد ، فقال عمر : ألا تردون عليه ما يقول؟ فقال ابن عباس : إنّ هؤلاء الآيات ( نزلن ) عذراً للماضين ، وحجة على الباقين ، فعذر الماضين بأنّهم لقوا الله عزوجل ، قبل أن يحرم عليهم الخمر ، وحجة على الباقين ، لأنّ الله عزوجل يقول :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (2) ، فإن كان من الذين آمنوا ، وعملوا الصالحات ، ثم اتقوا وآمنوا ، ثم اتقوا واحسنوا ، إنّ الله عزوجل قد نهى أن يشرب الخمر ، قال عمر : صدقت ، من اتقى اجتنب ما حرّم الله تعالى عليه ، قال عمر : فماذا ترون؟ قال عليّ رضي الله عنه : إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذي وإذا هذي افترى ، وعلى المفتري ثمانون جلدة ، فأمر به

____________________

(1) المائدة / 93.

(2) المائدة / 90.

٣٠

عمر ، فجلده ثمانين )(1) .

2 ـ ما أخرجه الخطيب في كتابه ( الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة ) وساق الحديث بسنده : ( عن محمد بن الحنفية ، عن عليّ بن أبي طالب ، قال : كان يقول لرجل يفتي بمتعة النساء : ( إنّك امرء تائه فانظر ماذا تفتي به في متعة النساء ، فنشهد والله لقد نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية ).

قال الشيخ الإمام أبو بكر رضي الله عنه : الرجل الذي كان يفتي بالمتعة وقال له عليّ هذا القول هو أبو العباس عبد الله بن العباس بن عبد المطلب.

الحجة في ذلك ما أخبرنا وساق بإسناده عن محمد بن الحنفية عن عليّ ، قال : تكلم عليّ وابن عباس في متعة النساء ، فقال عليّ لابن عباس : ( إنّك أمرؤ تائه إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المتعة )(2) .

أقول : وهذا الحديث مذكور في جملة من مصادر الحديث السني بدءاً من موطأ مالك ومصنف عبد الرزاق ، ومروراً بالصحيحين وسنن النسائي ، وغيرها.

وهو حديث مكذوب ، وقد ذكرته في فقه ابن عباس رضي الله عنه في مسألة ( فتواه بالمتعة ) فلا نطيل الوقوف عنده هنا.

وحسبنا بما ذكرناه مقدمة لتبصرة القارئ بما لحق ابن عباس رضي الله عنه في

____________________

(1) كتاب الاستذكار 8 / 6 ـ 7 ط دار الكتب العلمية بيروت.

(2) الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة / 173 برقم 90.

٣١

المأثور عنه من تهميش وتشويش. وكأنّ حرمة الصحابة تطغى على الحق المبين ، حتى ولو كان منهم من لعنه النبيّ الصادق الأمين.

ولا ينقضي العجب! من أولئك المدافعين عن المنافقين والفاسقين ، لماذا لم تشمل عندهم بركات الصحبة أمير المؤمنين عليه السلام ، أوّل القوم إسلاماً ، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة سبطا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وابن عباس حبر الأمّة ، حين أعلن معاوية بسبّهم بعد التحكيم في أمر صفّين. فهل كانوا دون أولئك الذين تقدمت أسماؤهم ممن لا تلتقي بذمهم الشفتان أزدراءً بهم؟ وهل ورد في واحد منهم من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كقوله لعليّ : ( من سبّك فقد سبّني )؟ كما سيأتي في محاورة ابن عباس مع الذين كانوا يجاهرون بسب الإمام عليه السلام.

ولماذا لم تشملهم فتوى الإمام السرخسي الحنفي في أصوله : ( فمن طعن فيهم ـ الصحابة ـ فهو ملحد منابذ للإسلام ، دواؤه السيف إن لم يتب )(1) .

إنّها الإزدواجية في المعايير ، وإلى الله المصير.

____________________

(1) كتاب الاصول 2 / 134.

٣٢

الفصل الرابع

آثار الأدبية شعراً

ونثراً ومحاججات كلامية

وفيه ثلاثة مباحث

٣٣

٣٤

المبحث الأوّل

ابن عباس وما ينسب إليه من شعر وشاعرية

٣٥
٣٦

لقد كان حبر الأمة من أبرز حفظة الشعر العربي ، إن لم يكن أعلمهم به على الإطلاق. فعن عكرمه ، قال : ( كان ابن عباس إذا سئل عن شيء من القرآن أنشد شعراً من أشعارهم )(1) . وكان هو من الدعاة إلى تعلمه وحفظه ، وهو القائل : ( الشعر ديوان العرب ، هو أوّل علم العرب ، فعليكم بشعر الجاهلية ، شعر أهل الحجاز )(2) .

ففي هذا التفضيل ما يكشف عن خبرة تامة وإحاطة بخصائص الشعر ، ولقد كان يرجع إليه في المفاضلة بين الشعراء كما سيأتي في إحتجاجاته مع عمر.

ورجوع عمر إليه في تعيين شاعر الشعراء مع كثرة المحيطين به ممن لهم إحاطة بالشعر وخبرة في المفاضلة ، كما يكشف عن تفضيله على من عنده ، يدلّ على خبرة ابن عباس بالشعر العربي خبرة مميّزة.

ومن نوادر أخباره الأدبية في ألمعيته الشاعرية.

____________________

(1) المصنف لابن أبي شيبة 6 / 177 تح اللحام.

(2) كنز العمال 3 / 862 ، مؤسسة الرسالة حلب.

٣٧

قال البلاذري في ترجمة ابن عباس في أنسابه : ( حدثني أبو مسعود الكوفي عمر بن عيسى ، قال : سمعت ابن كناسة يقول : لمّا قال عمر بن أبي ربيعة قصيدته التي أوّلها ( تشط غداً دار جيراننا ) أنشدها ابن عباس. فلما قال عمر : ( تشط غداً دار جيراننا ) ، قال ابن عباس : ( وللدار بعد غد أبعد ) ، فقال عمر : كذا والله قلت جعلت فداك ، فقال ابن عباس : الكلام مشترك ، فلما أنشده : ( تحمل للبين جيراننا ) ، قال ابن عباس : ( وقد كان قربهمُ يُحمد ) ، فقال عمر : كذا والله قلت ، وقبّل يده )(1) .

وقد كانت شواهد معرفته بالشعر الجاهلي التي يعترف له بها عمر وغير عمر ، جعلته يستخدم تلك المعرفة في كثرة استشهاده على غرايب المسائل ، بل ربما حتى في استكشاف الخبايا مع عمر وغيره ، كما في الخبر الذي رواه عمر بن شبّة في ( تاريخ المدينة ) ، قال : ( حدثنا أحمد بن معاوية بن بكر ، قال : حدثنا الوليد بن مسلمة ، عن عمر بن قيس ، عن عطاء ، عن ابن عباس رضي الله عنه ـ قال كنت عند عمر رضي الله عنه ـ وكنت له هيوباً ، وكان لي مكرّماً ، وكان يلحقني بعلّية الرجال ـ فتنفس تنفساً ظننت أنّ أضلاعه ستفصد ، فمنعتني هيبته من مسألته ، فقلت : يا أمير المؤمنين قاتل الله النابغة ما كان أشعره. قال : هيه ، قال : قلت خيراًً يقول :

وإن يرجع النعمان نفرح ونبتهج

ويأت معداً ملكها وربيعها

____________________

(1) أنساب الأشراف برقم 89 نسخته مخطوطة بقلمي.

٣٨

ويرجع إلى غسان ملك وسؤدد

وتلك المنى لو أننا نستطيعها

وإن يهلك النعمان تعر معية

ويلق إلى جنب الفناء قطوعها

وتنحط حصان آخر الليل نحطة

تقضقض منها أوتكاد ضلوعها

على إثر خير الناس إن كان هالك

وإن كان في جنب الفتاة ضجيعها

فقال : لعلك ترى صاحبك لها؟

فقلت : القربى في قرابته وصهره وسابقة أهلها. قال : بلى ، ولكنه أمرؤ فيه دعابة.

قلت : فطلحة بن عبيد الله؟ قال : ذو البأو بإصبعه مذ قطعت دون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قلت : فالزبير بن العوام؟ قال : وعقة لقس يلاطم في البقيع في صاع من تمر.

قلت : فعبد الرحمن بن عوف؟ فقال : رجل ضعيف لو صار الأمر إليه وضع خاتمه في يد أمرأته.

قلت : سعد بن أبي وقاص؟ قال : صاحب سلاح ورمح وفرس يجاهد في سبيل الله.

قلت : فعثمان بن عفان؟ فقال : أوه ـ ثلاث مرّات ـ والله لئن كان الأمر إليه. ليحملن بني أبي معيط على رقاب الناس ، ووالله لئن فعل ، لينهضن إليه فيقتلنه. والله لئن فعل ليفعلن ، والله لئن فعل ليفعلن.

يا بن عباس لا ينبغي لهذا الأمر إلاّ حصيف العقدة ، قليل الغرّة ، لا

٣٩

تأخذه في الله لومة لائم ، يكون شديداً في غير عنف ، ليّنا في غير ضعف ، جواداً في غير سرف ، بخيلاً في غير وكف )(1) .

ونعود إلى ابن عباس في شعره وشاعريته.

فهو مع ما كان عليه في هذا الجانب من التميّز والمعرفة ، لكنّه لم يكن في ممارسته لنظم الشعر كذلك ، كما سنقرأ بعض ما ينسب إليه من الشعر ، وليس بالضرورة أن نقطع بصحة جميع ما نسب إليه ، كما ليس من حجة لنفي ذلك عنه ، ولعلّ التفاوت بين قوة وضعف المنسوب إليه من الشعر خاصةٌ نابع من قوة وضعف المزاج ، وتابع لمدى إنفعالية النفس بالحدث أيضاً ، تبعاً لمراحل المرء في حياته وحالاته ، إذ لا يكون على حالة واحدة دائماً من النشاط الفكري في جميع أوقاته.

ثم إنّ ما نسب إليه من الشعر ، منه ما يمكن معرفة زمان نظمه تقريباً ، كما في أبياته التي قالها في رثاء الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وما قاله في زوجته فاطمة الزهراء عليها السلام ، وفي رثاء ابنه الإمام الحسن ، فتفاوت الزمان وما مرّ به من الحوادث ممّا يوهي القوى يوحي بالكآبة والحزن ، ولهما من التأثير البالغ على المرء مهما أوتي من صبر ، إلاّ أنّه حين تستشار عزيمته فهو أمضى عزماً وأقوى جناناً وسرعة بديهة ، كما في مناظرته مع ابن الزبير وهي في آخر سنيّ حياته.

____________________

(1) تاريخ المدينة للنميري 3 / 881.

وروى هذا ابن أبي الحديد في شرح النهج 6 / 326 نقلاً عن أمالي ثعلب ولم أجده في المطبوع من مجالسه.

٤٠