موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٩

موسوعة عبد الله بن عبّاس0%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 496

موسوعة عبد الله بن عبّاس

مؤلف: السيد حسن الموسوي الخرسان
تصنيف:

الصفحات: 496
المشاهدات: 87805
تحميل: 4043


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 87805 / تحميل: 4043
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء 9

مؤلف:
العربية

الجواب ، بيننا وبينكم برزخ وحجاب ، أنتم الحثالة ونحن اللباب ، ولشتان ما بين العبيد والأرباب ، أتجعل أمية كهاشم؟ إنّ هاشماً كان صميماً كريماً ، ولم يكن لئيماً ولا زنيما ، أوّل من هشم الثريد وسنّ الرحلتين ، وله يقول القائل :

عمرو الذي هشم الثريد لقومه

ورجال مكة مسنتون عجاف

سفرين سنهما له ولقومه

سفر الشتاء ورحلة الأصياف )(1)

( المحاورة الحادية عشرة )

( لو ولينا أحسنا المواساة )

أخرج المعافى بن زكريا الجريري في كتاب ( الجليس الصالح ) ، وابن عساكر في ( تاريخ مدينة دمشق ) ، وابن عبد ربه الأندلسي في ( العقد الفريد ) ، واللفظ للأوّل ، بسنده عن هشام الكلبي ، عن أبيه ، قال :

( لم يكن أحد من بني هاشم أكثر غشياناً لمعاوية من عبد الله بن العباس ، فوفد إليه مرّة وعنده وفود العرب ، فأقعده عن يمينه ، ثم أقبل عليه ، فقال : نشدتك بالله يابن عباس أن لو وليتمونا أتيتم إلينا ما أتينا لكم من الترحيب والتقريب ، وإعطائكم الجزيل ، وإكرامكم عن القليل ، وصبرتم على ما صبرت عليه منكم ، إنّي لا أريد أمراً إلاّ أظمأتم صدره ، ولا آتي معروفاً إلاّ صغرتم قدره ، وأعطيكم العطية فيها قضاء حقوقكم ،

____________________

(1) أخبار الدولة العباسية / 47 ـ 50 تح الدكتور عبد العزيز الدوري والدكتور عبد الجبار المطلبي ط دار الطليعة بيروت 1971 م.

٣٨١

فتأخذوها متكارهين عليها ، تقولون : قد نقص الحق ، وليس هذا تأميلنا ، فأيّ أمل بعد ألف ألف أعطيها الرجل منكم ، أكون أسرّ بإعطائها منه بأخذها ، والله لئن انخدعت لكم في مالي ، وذللت لكم في عرضي ، أرى انخداعي تكرماً وذلي حلماً ، ولو وليتمونا رضينا منكم بالإنصاف ، ثم لا نسألكم أموالكم ، لعلمنا بحالنا وحالكم ، ويكون أبغض الأمور إلينا أحبّها إليكم أن نعفيكم ، قل يابن عباس؟

فقال ابن عباس : ولو ولينا منكم مثل الذي وليتم منّا أحسنا المواساة ، وامتننّا بالإثرة ، ثم لم نغشم الحي ، ولم نشتم الميت ، ولم ينبش الميت بعداوة الحي ، ولأعطينا كلّ ذي حق حقه ، فأمّا أعطاؤكم الرجل منّا ألف ألف ، فلستم بأجود منّا كفّاً ، ولا أكرم منّا أنفساً ، ولا أصون لأعراض المرؤات وأهداف الكرم ، ونحن والله أعطى للآخرة منكم للدنيا ، وأعطى في الحق منكم على الباطل ، وأعطى على التقوى منكم على الهوى ، والقسم بالسوية ، والعدل في الرعية ، يأتيان على المنى ، فأمّا رضاكم منّا بالكفاف ، فلو رضيتم منّا لم نرض بأنفسنا به لكم ، والكفاف رضا من لاحق له ، فلو رضيتم به منا اليوم ما قتلتمونا عليه أمس ، فلا تبخلونا حتى تسألونا ولا تلفضونا حتى تذوقونا(1) .

فقال الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب :

____________________

(1) العقد الفريد 2 / 317 ط مصر الأولى بن زكريا الحريري 3 / 198 ـ 199 4 / 8 ط مصر تحقيق أحمد أمين ورفيقيه. تاريخ مدينة دمشق 48 / 337 ـ 340 ط دار الفكر بيروت.

٣٨٢

وقال ابن حرب قولة أموية

يريد بما قد قال تفتيش هاشم

أجب يا بن عباس تراكم لو أنّكم

ملكتم رقاب الأكرمين الأكارم

أتيتم إلينا ما أتينا إليكم

من الكف عنكم واجتباء الدراهم

فقال ابن عباس مقالاً أمضّه

ولم يكن عن ردّ الجواب بنائم

نعم لو وليناكم عدلنا عليكم

ولم تشتكوا منا انتهاك المحارم

ولم يعتمد للحي والميت غمة

تحدّثها الركبان أهل المواسم

ولم نعطكم إلاّ الحقوق التي لكم

وليس الذي يعطي الحقوق بظالم

وما ألف ألف تستميل ابن جعفر

بها يابن حرب عند حزّ الغلاصم

فأصبح يرمي من رماكم ببعضه

عدو المعادي سالماً للمسالم

فأعظم بما أعطاك من نصح جيبه

ومن أمر عيب ليس فيه بنادم )(1)

( المحاورة الثانّية عشرة )

( بنا فتح الأمر وبنا يختم )

( قال يوماً معاوية وعنده ابن عباس : إذا جاءت هاشم بقديمها وحديثها ، وبنو أمية بأحلامها وسياستها ، وبنو أسد بن عبد العزي بوافدها ودياتها ، وبنو عبد الدار بحجابتها ولوائها ، وبنو مخزوم بأموالها وأفعالها ، وبنو تيم بصدّيقها وجوادها ، وبنو عدي بفاروقها ومتذكرها ، وبنو سهم

____________________

(1) الجليس الصالح 3 / 198 ـ 199 ، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 48 / 337 ـ 340 ط دار الفكر ، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 2 / 282 ـ 284 ، العقد الفريد 2 / 317 ط مصر الأولى 14 / 8 تحقيق أحمد امين ورفيقيه.

٣٨٣

بآرائها ودهائها ، وبنو جمح بشرفها وأنوفها ، وبنو عامر بن لوي بفارسها وقريعها ، فمن ذا يحمل مضمارها ، ويجري إلى غايتها. ما تقول يابن عباس؟

قال : أقول : ليس حي من قريش يفخرون بأمر إلاّ وإلى جنبهم مَن يشركوهم فيه إلاّ بني هاشم ، فإنّهم يفتخرون بالنبوة التي لا يشاركون فيها ، ولا يسُاوَون بها ، ولا يدفعون عنها ، وأشهد أن الله تعالى لم يجعل محمّداً من قريش إلاّ وقريش خير البرية ، ولم يجعله في بني هاشم إلاّ وهاشم خير قريش ، ولم يجعله في بني عبد المطلب إلاّ وهم خير بني هاشم ، ولسنا نريد أن نفخر عليكم إلاّ بما تفخرون به على العرب ، وهذه أمّة مرحومة ، فمنها نبيّها ومهديها ومهدي آخرها ، لأنّ بنا فتح الأمر وبنا يختم ، ولك ملك معجّل ، ولنا ملك مؤجّل ، فإن يكن ملككم قبل ملكنا ، فليس بعد ملكنا ملك ، لأنّا أهل العاقبة ، والعاقبة للمتقين )(1) .

( المحاورة الثالثة عشرة )

( أكفاك أم أزيدك )

أخرج البلاذري في ( أنساب الأشراف ) ، وابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) ، وابن منظور في ( مختصر تاريخ دمشق ) ، واللفظة منهم جميعاً بتلفيق :

( قال : معاوية يوماً وعنده عبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن عباس ،

____________________

(1) الملاحم والفتن للسيد ابن طاووس / 81 ـ 82 ، العقد الفريد 2 / 318 ط مصر الأولى تح أحمد أمين ورفيقيه.

٣٨٤

والفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب ، وذكروا أنّ معاوية أقبل على بني هاشم ، فقال : يا بني هاشم إنّ خيري لكم ممنوح ، وبابي مفتوح ، فلا تقطعوا خيري عنكم ، ولا تغلقوا بابي دونكم ، وقد رأيت أمري وأمركم متفاوتاً ، فرأيت أمراً مختلفاً ، إنّكم ترون أنّكم أحق بهذا الأمر منّي بما في يدي منّي ، وأنا أرى أنّي أحق به منكم ، فإذا أعطيتكم العطية فيها قضاء حقوقكم قلتم : أعطانا دون حقنا ، وقصر بنا عن قدرنا دون منزلتنا ، فصرت كالمسلوب لا يحمد على ما أخذ منه ، فبئست المنزلة نزلت بها منكم ، أعطي فلا أشُكر ، وأمنع فلا أعذر ، ونعمت المنزلة نزلتم بها منّي ، إنصاف قائلكم ، وإعطاء سائلكم.

فقال له عبد الله بن عباس : ما ههنا سلوب غيرنا ، إذ كان الحق حقنا دون الناس ، ووالله ما منحتنا شيئاً حتى سألناه خيرك حتى طلبناه ، ولا فتحت لنا بابك حتى قرعناه ، ولئن قطعت عنا خيرك فخير الله لنا أوسع منك إنّ الله عزّ وجلّ لأرحم بنا منك ، ولئن أغلقت دوننا بابك لنكفنّ أنفسنا عنك ، فوالله ما سألنا قط عن خلّة ولا أحفيناك في مسألة ، ولا سألناك باهظة ، وإنّ من ضعة الدين وعظيم الفتنة في المسلمين قرعنا بابك ، وطلبنا ما في يدك.

فأمّا هذا المال الفيئ فليس لك منه إلاّ ما لرجل من المسلمين ، ولنا في كتاب الله حقان : حق خمس الغنيمة وحق الفيئ ، فخمس الغنيمة ما غُلبنا عليه ، والفيئ ما اجتبيناه ، فعلى أيّ الوجوه خرج ذلك منك أخذنا ، وحمدنا

٣٨٥

الله عليه ، ثم لم نخلك من شكر خير جرى على يدك ، ولولا حقنا في هذا المال ما أتاك منّا زائر يحمله خفّ ولا حافر ، أكفاك أم أزيدك؟

فقال معاوية : حسبك يابن عباس كفاك كفاك فإنّك تكوي ولا تغوي.

فقال الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب :

ألا أبلغ معاوية بن صخر

فإنّ المرء يعلم ما يقول

لنا حقان حق الخمس وافٍ

وحق الفيئ جاء به الرسول

فكلّ عطية وصلت إلينا

وإن سحبت لخدعتها الذيول

ففي حكم القرآن لنا مزيد

على ما كان لا قال ولا قيل

أنأخذ حقنا وتريد حمدا

له هذاك تأباه العقول

فقال له ابن عباس مجيبا

فإنّ جوابه صدع أصيل

فأدركه الحياء فصدّ عنه

وخطبهما إذا ذكرا جليل )(1)

( المحاورة الرابعة عشرة )

( حسبك يرحمك الله )

أخرج البلاذري في ( أنساب الأشراف ) بسنده عن جويرية :

____________________

(1) أنساب الأشراف 1 / ق4 / 111 ـ 113 برقم 333 ط بيروت 1400 هـ بتحقيق الدكتور أحسان عباس ، العقد الفريد 2 / 317 ط مصر الأولى ، أمل الآمل للجاحظ / 28 ـ 29 تحقيق الدكتور رمضان شش ط دار الكتاب الجديد بيروت سة 1387 هـ ، المستطرف للإبشيهي 1 / 58 ، ثمرات الأوراق لابن حجة بهامش المستطرف 1 / 135 ، وأخبار العباس ـ الدولة العباسية ـ / 54 ـ 56 تحقيق الدكتور الدوري وعبد الجبار المطلبي بيروت سنة 1971 م.

٣٨٦

( أنّ عمرو بن العاص قال لعبد الله بن عباس : يا بني هاشم ، أما والله لقد تقلدتم من دم عثمان كفرم الإماء العوارك ، وأطعتم فُسآق أهل العراق في عيبه ، وأجزرتموه مراّق أهل مصر ، وآويتم قتلته ، وإنّما نظر الناس إلى قريش ، ونظرت قريش إلى بني عبد مناف ، ونظر بنو عبد مناف إلى بني هاشم.

فقال ابن عباس لمعاوية : ما تكلّم عمرو إلاّ عن رأيك ، وإنّ أحق الناس أن لا يتكلم في قتل عثمان لأنتما ، أمّا أنت يا معاوية فزيّنت له ما صنع ، حتى إذا حُصِر طلب نصرك ، فأبطأت عنه وتثاقلت وأحببت قتله ، وتربصت لتنال ما نلت. وأمّا أنت يا عمرو فأضرمتَ المدينة عليه ناراً ، ثم هربتَ إلى فلسطين ، فأقبلت تحرض عليه الوارد والصادر ، فلمّا بلغك قتله ، دعتك عداوة عليّ إلى أن لحقت بمعاوية ، فبعت دينك منه بمصر.

فقال معاوية : حسبك يرحمك الله ، عرّضني لك ونفسه فلا جزي خيراً )(1) .

( المحاورة الخامسة عشرة )

( فاتق الله يا معاوية )

روى صاحب كتاب ( نزهة السامع ) ، والديلمى في ( غرر الأخبار ودرر الآثار ) ، عن ابن عباس :

____________________

(1) أنساب الأشراف 1 / ق4 / 94 برقم 300 ، تاريخ الإسلام للذهبي 2 / 238 ، سير اعلام النبلاء للذهبي 3 / 252 ط دار الفكر بيروت ، مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر 13 / 263.

٣٨٧

( أنّه دخل على معاوية يوماً وكان مريضاً ، فرآه معاوية على تلك الحال فطمع فيه. فقال : يا بن عباس الله أعلم حيث يجعل رسالته.

فقال له ابن عباس : الحمد لله الذي أنطقك حقّنا ، وعرّفك فضلنا ، والحمد لله الذي جعل الخير منّا ، والنبّوة فينا ، وجعلنا أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

قال : وكان معاوية متكئاً فجلس ، وقال : كيف رأيتم الله حرمكم هذا الأمر الذي عرضتم له مناكبكم؟

فقال له ابن عباس : يا معاوية إنّ الله لم يزل يذود أولياءه عن الدنيا ذياد الراعي أبله عن موارد الهلكة ، وقد قال سبحانه :( قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ) (1) . وأيم الله لولا حق النبوّة وحرمة الإسلام ووصية النبيّ بهما عند عدم الناصر ، وغلبة العدو ، لعلمت أنّه يقصر باعك ويضيق منكبك أن تقذف دلواً في طوى(2) شدّ عليها هاشمي رشاءً(3) .

فقال له معاوية : يابن عباس لا أزال أمازحك ولم تحلم.

فقال ابن عباس : إنّ الحلم عمّن يرى له الفضل عليك صعب ، فاتق الله يا معاوية وأعرف الحق لأهله ، ولعمري إنّك لتعرفه ولكنك تنكره )(4) .

____________________

(1) إبراهيم / 30.

(2) الطوى : البئر المبنية بالحجارة.

(3) الرشاء : الحبل الذي يشدّ به الدلو.

(4) غرر الأخبار ودرر الآثار / 270 ، والصوارم المهرقة / 6 ط 1 بتحقيق جلال الدين الحسيني.

٣٨٨

( المحاورة السادسة عشرة )

( من عذيري من معاوية )

( كان معاوية بن أبي سفيان يلبس الحرير ، فدخل عليه ابن عباس فنهاه فلم ينته ، فقال له : إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( إنّه محرم على رجال أمتي ).

قال معاوية : وأنا لا أرى به بأساً.

فقال ابن عباس : من عذيري من معاوية بن أبي سفيان ، أنا أقول له : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو يقول : وأنا لا أرى به بأساً )(1) .

( المحاورة السابعة عشرة )

( أّيهاً يابن عباس حديثاً في غير هذا )

( استأذن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما على معاوية وعنده بطون قريش ، فلمّا نظر معاوية إلى ابن عباس مقبلاً التفت إلى سعيد بن العاص وكان جالساً عن يمينه ، وقال : لألقين على ابن عباس مسائل يعي بجوابها.

فقال له سعيد : ليس ابن عباس ممن يعي بجواب مسائلك.

فلمّا جلس ابن عباس ، قال له معاوية : يابن عباس إنّي أريد أن أسألك عن مسائل.

قال : سل عما بدا لك.

قال : ما تقول في أبي بكر؟

____________________

(1) كذا جاء في رسالة في ترجمة رقية وزينب وأم كلثوم المزوجتين من عثمان / 24 الملحقة بالطبع بكتاب مكارم الأخلاق للطبرسي وفرحة الغري لابن طاووس ط حجرية بإيران.

٣٨٩

قال : رحم الله أبا بكر ، كان والله للقرآن تالياً ، وعن المنكر ناهياً ، وبذنبه عارفاً ، ومن الله خائفاً ، وعن الشبهات زاجراً ، وبالمعروف آمراً ، وبالليل قائماً ، وبالنهار صائماً ، فاق أصحابه ورعاً وكفافاً(1) ، وسادهم زهداً وعفافاً ، فغضب الله على من أبغضه وطعن عليه.

قال معاوية : أيهاً(2) يابن عباس فما تقول في عمر بن الخطاب؟

قال : رحم الله عمر ، كان والله حليف الإسلام ، ومأوى الأيتام ، ومنتهى الإحسان ، ومنهل الإيمان ، وكهف(3) الضعفاء ، ومعقل الحنفاء(4) ، قام بحق الله عزّوجلّ صابراً محتسباً(5) ، حتى أوضح الدين وفتح البلاد ، وآمن العباد ، فأعقب الله على من ينقصه اللعنة إلى يوم الدين.

قال : فما تقول في عثمان؟

قال : رحم الله أبا عمرو كان والله أكرم الجعدة ، وأفضل البررة ، هجاداً بالأسحار ، كثير الدموع عند ذكر النار ، نهّاضاً عند كلّ مكرمة ، سبّاقاً إلى كلّ منحة ، حيّياً أبياً وفياً ، صاحب جيش العسرة ، وختن(6) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأعقب الله على من لعنه لعنة اللاعنين إلى يوم الدين.

____________________

(1) أي رضي بالكفاف ، والكفاف من الرزق ما كفّ عن الناس وأغنى.

(2) أي حسبك وهو أمر بالسكوت عن الإسترسال في الكلام.

(3) الكهف : اللجأ وكذلك المعقل.

(4) الحنفاء : جمع حنيف وهم النسآك.

(5) أحتسب أجراً عند الله بفعله كذا طلب الأجر منه تعالى.

(6) ختن الرجال ـ عند العامة ـ زوج ابنته.

٣٩٠

قال : فما تقول في عليّ؟

قال : صلوات الله على أبي الحسن ـ خ ل رضي الله عن أبي الحسن ـ كان والله علم الهدى ، وكهف التقى ، ومحل الحجى(1) ، وبحر غيث الندى ، وطود(2) النهى ، ومنتهى العلم للورى ، وكهف العلى ، ونوراً أسفر في الدجى ، وداعياً إلى المحجة العظمى(3) ، ومستمسكاً بالعروة الوثقى ، وعالماً بما في الصحف الأولى ، قائماً بالتأويل والذكرى ، متعلقاً بالأسباب الحسنى ، تاركاً الجور والأذى ، حايداً عن طرقات الردى ، خير من آمن وأتقى ، وأفضل ( سيد ـ خ ل ) من تقمصّ وارتدى ، وأبر ( أفضل ـ ح ل ـ ) من أنتعل وسعى ( حج وسعى ـ خ ل ـ ) ، وأكرم من شهد النجوى ، وأفصح من تنفس وقرأ ، وأكثر من شهد النجوى(4) ، وأخطب أهل الدنيا سوى

____________________

(1) بالكسر والقصر : العقل.

(2) الطود : الجبل. النهي : جمه النهيّة وهي العقل. مثل هدَية وقّدى أي جبل العقل.

(3) المحجة : السبيل والطريق الواضح.

(4) إشارة إلى قوله عليه السلام في حديث المناشدة يوم الشورى حين قال : ( فأنشدكم بالله هل فيكم أحد ناجى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشر مرات يقدم بين يدي نجواه صدقة قبلي؟ قالوا : اللهم لا ).

وانما استنشد مشيخة الشورى عن خصوص هذه الفضيلة لأن فيهم من كان له الثراء الطويل العريض ، وزعم له أشياعه أنه كان ينفق كذا ، أو أعطى كذا ( بينما أثبت الإمام عليه السلام انهم على خلاف ما يزعمون بتحدّيهم بآية النجوى في سورة المجادلة :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ( المجادلة / 12 ـ 13 ).

٣٩١

الأنبياء والنبيّ المصطفى ، صاحب القبلتين ، فهل يوازيه أحد في الورى ، الزاهد في الدنيا ، أنيس المصطفى ، وأبو السبطين(1) ، فهل يقارنه بشر ، وزوج خير النسوان(2) ، فهل يفوقه قاطن بلد ، للأسُوْد قتّال ، وفي الحروب ختّال ، لم تر عين مثله ، ولن ترى أحدٌ حتى القيامة ، ولم أسمع بمثله ، فعلى من أنتقصه لعنة الله ولعنة العباد إلى يوم القيامة والتناد(3) .

____________________

قال الطبري في تفسيره وساق حديثاً بإسناده عن مجاهد قال : نهوا عن مناجاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يصدّقوا فلم يناجي إلا علي بن أبي طالب قدّم ديناراً فتصدّق به ، ثم أنزلت الرخصة في ذلك ، ( تفسير الطبري 28 / 19 ).

وقال الحبري في تفسيره بسنده عن مجاهد قال : قال علي : آية من القرآن لم يعمل بها أحد قبلي ولم يعمل بها أحد بعدي : أنزلت آية النجوى فكان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم ، فكنت إذا أردتُ أن أناجي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم تصدقت بدرهم حتى فنيت ، ثم نسخته الآية التي بعدها.

وهذا الخبر رواه الطبري في تفسيره والنسائي في الخصائص ، والترمذي في صحيحه في أبواب تفسير القرآن والكنجي الشافعي في كفاية الطالب ، والنسفي الحنفي في تفسيره مدارك التنزيل بهامش تفسير الخازن ، والمتقي الهندي في منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد 2 / 21 ، نقلاً عن ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وأبي يعلى وابن المنذر والدورقي وابن حبان وابن مردويه والترمذي. وله مصادر أخرى كثيرة من التراث السني فضلاً عن التراث الشيعي ، وهذا وحده يكفي في تزييف مزاعم الكاذبين بأن في الصحابة من كان يوازي فضل علي عليه السلام ، فضلاً عن تفضيلهم عليه ، كما هو مذهب أصحاب المفاضلة. وجميع ما ذكره ابن عباس في فضل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فهو من مميزّاته التي لا يوازيه أحد فيها.

(1) هما الحسن والحسين عليهم السلام.

(2) هي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين عليها السلام.

(3) هو يوم القيامة.

٣٩٢

قال : أيهاً يابن عباس لقد أكثرتَ في ابن عمك ، فما تقول في أبيك العباس؟

قال : رحَم الله العباس ، أبا الفضل ، كان صنو(1) نبيّ الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقرة عين صفي الله ، سيد الأعمام ، له أخلاق آبائه الأجواد ، وأحلام أجداده الأمجاد ، تباعدت الأسباب في فضيلته ، صاحب البيت والسقاية والمشاعر(2) والتلاوة. ولم لا يكون كذلك وقد ساسه أكرم من دبّ.

فقال معاوية : أنا أعلم أنّك كلمانّي أهل بيتك.

قال : ولم لا أكون كذلك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( اللهمَّ فقهه في الدين وعلّمه التاويل ).

ثم قال : يا معاوية إنّ الله جلّ شأنه وتقدست أسماؤه ، خص نبيّه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بصحابة آثروه على الأنفس والأموال ، وبذلوا النفوس دونه في كلّ حال ، ووصفهم الله في كتابه فقال :( رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) (3) ، قاموا بمعالم الدين ،

____________________

(1) الصنو : هو النخلتان أو الثلاث من أصل واحد ، فكل واحدة منهن صنو. وفي الحديث ( عم الرجل صنو أبيه ) ( الصحاح ).

(2) المشاعر في الحج المواقف ، ومنها المشعر الحرام بالمزدلفة.

(3) الفتح / 29.

٣٩٣

وناصحوا الاجتهاد للمسلمين ، حتى تهذّبت طرقه ، وقويت أسبابه ، وظهرت آلآء الله واستقرّ دينه ووضحت أعلامه ، وأذلّ الله بهم الشرك ، وأزال رؤوسه ، ومحا دعائمه ، وصارت كلمة الله العليا وكلمة الذين كفروا السفلى ، فصلوات الله ورحمته وبركاته على تلك النفوس الزاكية ، والأرواح الطاهرة العالية ، فقد كانوا في الحياة لله أولياء ، وكانوا بعد الموت أحياء ، وكانوا لعباد الله نصحاء ، رحلوا إلى الآخرة قبل أن يصلوا إليها ، وخرجوا من الدنيا وهم بعدُ فيها.

فقطع عليه معاوية الكلام ، وقال : أيهاً يا بن عباس حديثاً في غير هذا ).

تنبيه : ذكر هذا الحديث بطوله أبو الحسن المسعودي في مروجه(1) ، ولكن المحب الطبري ذكر في ( ذخائر العقبى )(2) ما قاله حبر الأمة في صفة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقط ، ولم يذكر ما قاله في الخلفاء ولا ما قاله في أبيه العباس إلى آخر الحديث ، ويبدو أن تزّيداً طرأ على الخبر من قِبل رواة السوء الضالعين في ركاب الأمويين ، فذكروا أسماء الشيوخ الثلاثة!

ولو كان الخبر صحيحاً بجميع فصوله ، لأورده المحبّ الطبري في ذخائره ، وكان هو أولى بذكره من المسعودي لو صح الخبر. على أنّ ثمّة ما يشير إلى سطو غير مغتفر قد جرى على فصول من كلام ابن عباس في

____________________

(1) مروج الذهب للمسعودي 2 / 82.

(2) ذخائر العقبى / 78.

٣٩٤

حق الإمام عليه السلام فوزع منها على الشيوخ ، فقارن ما يأتي في رواية ابن جرير الطبري الإمامي مع ما مرّ في رواية المسعودي.

وقد ذكر أبو الحسن الفتوني في ( ضياء العالمين )(1) ما يتعلق بأمير المؤمنين عليه السلام نقلاً عن أبي بكر الجعابي ، وأبي علي الحداد ، وابن السري ، كلٌ بإسناده عن ربعي بن خراش ، وكذلك روى ابن معصوم المدني في ( الدرجات الرفيعة )(2) نقلاً عن ( نهاية الطلب ) للحنبلي ، وفي ( الدر النظيم ) أيضاً ، ولم يرووا سوى وصف الإمام عليه السلام.

على أنّ للحديث صورة أخرى ذكرها محمد بن جرير بن رستم الطبري الإمامي في كتابه ( المسترشد في الإمامة ) ، فكشف كذب ما مرّ في وصف الشيوخ وإليك لفظه ، قال محمد بن جرير :

( وقد وصفه ربّاني هذه الأمّة عبد الله بن عباس ، حيث سأله عنه معاوية ، فقال : كان والله للقرآن تالياً ، وللشر قالياً ، وعن المين نائياً ، وعن المنكرات ناهياً ، وعن الفحشاء ساهياً ، وبدينه عارفاً ، ومن الله خائفاً ، وعن الموبقات صارفاً ، وبالليل قائماً ، وبالنهار صائماً ، ومن دنياه سالماً ، وعلى عدل البرية عازماً ، وبالمعروف آمراً ، وعن المهلكات زاجراً ، وبنور الله ناظراً ، ولشهوته قاهراً ، فاق العالمين ورعاً وكفافاً ، وقناعة وعفافاً ، وسادهم زهداً وأمانة وبراً وحياطة.

كان والله حليف الإسلام ومأوى الأيتام ، ومحل الإيمان ، ومنتهى

____________________

(1) ضياء العالمين ج 2 ( مخطوط ).

(2) الدرجات الرفيعة / 123.

٣٩٥

الإحسان ، وملاذ الضعفاء ، ومعقل الحنفاء ، كان للحق حصناً حصيناً ، وللناس عزيزاً قوياً.

كان قايماً بحق الله ، صابراً محتسباً في عز الدين في الديار ، وعبد الله في الأقطار وفي الضواحي والبقاع والقلاع والرباع ، وقوراً في الرخاء ، شكوراً في اللأواء.

كان والله هجّاداً بالأسحار ، كثير الدموع عند ذكر النار ، دايم الفكرة بالليل والنهار ، نهّاضاً إلى كلّ مكرمة ، سعّاءاً إلى كلّ منجية ، فرّاراً من كلّ موبقة.

كان والله علم الهدى ، وكهف التقى ، ومحل الحجى ، وبحر الندى ، وطود النهى ، وكنف العلم للورى ، ونوراً أسفر في ظلم الدجى.

كان داعياً إلى المحجة العظمى ، ومستمسكاً بالعروة الوثقى ، وعالماً بما في الصحف الأولى ، وعلاّماً ( عاملاً ـ ظ ـ ) بطاعة الملك الأعلى ، وعارفاً بالتأويل والذكرى ، متعلقاً بأسباب الهدى ، وحايداً عن طرقات الردى ، وسامياً إلى المجد والعلى ، وقايما بالدين والتقوى ، وتاركاً للجور والردى ، وخير من آمن وأتقى ، وسيد من تقمّص وارتدى ، وأبرّ من انتعل وسعى ، وأصدق من تسربل واكتسى ، وأكرم من تنفّس وقرأ ، وأفضل من صام وصلى ، وأفخر من ضحك وبكى ، وأخطب من مشى على الثرى ، وأفصح من نطق في الورى بعد النبيّ المصطفى ، صلّى القبلتين ، فهل يساويه أحد ، وزوج خير النسوان ، فهل يوازيه أحدٌ ، وأبو السبطين ، فهل

٣٩٦

يدانيه مخلوق.

كان والله للأسد قتّالاً ، وفي الحرب شغّالاً ، وفي الهزاهز جبالاً ( ختالا ـ ظ ـ ) ، فعلى من لعنه وانتقصه وغصبه حقه لعنة الله والملائكة إلى يوم التناد )(1) .

( المحاورة الثامنة عشرة )

( وأنتم تصابون في بصائركم )

قال ابن قتيبة في ( المعارف ) :

( ثلاثة مكافيف في نسق : عبد الله بن عباس ، وأبوه العباس بن عبد المطلب ، وأبوه عبد المطلب بن هاشم.

قال : ولذلك قال معاوية لابن عباس : أنتم يا بني هاشم تصابون في أبصاركم.

فقال ابن عباس : وأنتم يابني أمية تصابون في بصائركم )(2) .

وهذه المُلحة ذكرها أيضاً جماعة من الأدباء في كتبهم ، أذكر منهم :

1 ـ ابن قتيبة أيضاً في كتابه ( عيون الأخبار )(3) .

2 ـ ابن رستة في ( الأعلاق النفيسة )(4) .

____________________

(1) المسترشد في الإمامة / 62 نسخة مخطوطة بمكتبة المرحوم السيد الوالد قد سره وبخطه.

(2) المعارف لابن قتيبة / 287 ط ليدن ، 589 ط بمصر بتحقيق عكاشة.

(3) عيون الأخبار 3 / 210 ط دار بمصر.

(4) الأعلاق النفيسة / 227 ط ليدن 1891.

٣٩٧

3 ـ أبو هلال العسكري في ( كتاب الصناعتين )(1) .

4 ـ القاضي التنوخي في ( المستجاد من فعلات الأجواد )(2) ، وفيه : ( أنّه قال له ذلك بعد ما عمي ).

5 ـ الخطيب التبريزي في ( شرح ديوان الحماسة )(3) .

6 ـ الزمخشري في ( ربيع الأبرار )(4) .

وممّا يلحق ممّا يستظرف ذكره من المزح الذي دار بينهما :

( قال معاوية : ما أبين الشبق في رجالكم؟

فقال ابن عباس : هو في نسائكم أبين )(5) .

( المحاورة التاسعة عشرة )

( كلّ ما قلت لنا يا معاوية من شر بين دفتيك )

قال اليعقوبي في تاريخه :

( وحج معاوية سنة ( 44 هـ ) ، وقدم معه من الشام بمنبر فوضعه عند البيت الحرام ، فكان أوّل من وضع المنبر في المسجد الحرام.

ولمّا صار إلى المدينة أتاه جماعة من بني هاشم وكلّموه في

____________________

(1) كتاب الصناعتين / 313 ط 2 محمد علي صبيح بمصر.

(2) المستجاد في فعلات الأجواد / 247.

(3) شرح ديوان الحماسة 2 / 263 مطبعة حجازي بالقاهرة.

(4) ربيع الأبرار 2 / 257.

(5) عيون الأخبار لابن قتيبة 3 / 210.

٣٩٨

أمورهم ، فقال : أما ترضون يا بني هاشم أن نقر عليكم دماءكم وقد قتلتم عثمان حتى تقولوا ما تقولون ، فو الله لأنتم أحلّ دماً من كذا وكذا ، وأعظم القول.

فقال له ابن عباس : كلّ ما قلت لنا يا معاوية من شرّ بين دفتيك ، وأنت والله أولى بذلك منّا ، أنت قتلتَ عثمان ، ثم قمتَ تغمض على الناس أنّك تطلب بدمه.

فانكسر معاوية.

فقال ابن عباس : والله ما رأيتك صدقتُ إلاّ فزعتَ وانكسرتَ.

قال : فضحك معاوية ، وقال : والله ما أحبّ أنّكم لم تكونوا كلمتموني )(1) .

أقول : يبدو ممّا ذكر المقدسي في ( البدء والتاريخ ) ، أنّ الجماعة الذين كلّموا معاوية هم الحسن والحسين وابن عباس.

فقد قال : ( فلمّا حج معاوية جاءه الحسن والحسين وابن عباس رضي الله عنه ) وسألوه أن يفي لهم بما ضمن.

فقال : أما ترضون يا بني هاشم أن نوفّر عليكم دماءكم وأنتم قتلتم عثمان ، ولم يعطهم ممّا في الصحيفة شيئاً )(2) .

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 198ط الغري.

(2) البدء والتاريخ 6 / 5.

٣٩٩

( المحاورة العشرون )

( بدايات قطيعة وهجران )

لقد بدأ تنمر معاوية ينمو ويتزايد ، كما توالت مواقف ابن عباس المغاضبة تتصاعد في حجتّها ، وتبدي للناس سيئات معاوية ، وبلغت الذروة حين توترت العلاقات بين ابن عباس ومعاوية من بعد إستشهاد الإمام الحسن عليه السلام وإظهار معاوية الشماتة بموته ، وقد مرّ في الجزء الخامس من الحلقة الأولى حول هذا الموضوع ما يُحسن مراجعته.

وإنّا في المقام نستعيد ما ذكره الزبير بن بكار ( ت 256 هـ ) في ( الموفقيات ) فيما حكاه عنه الأربلي ( ت 692 هـ ) في ( كشف الغمة ) ، قال :

( وحدّث الزبير ـ بن بكار ـ عن رجاله ، قال : قدم ابن عباس على معاوية ، وكان يلبس أدنى ثيابه ويخفض من شأنه ، لمعرفته أنّ معاوية كان يكره إظهاره لشأنه ، وجاء الخبر إلى معاوية بموت الحسن بن عليّ عليه السلام فسجد شكراً لله تعالى ، وبان السرور في وجهه ـ في حديث طويل ذكره الزبير وذكرت منه موضع الحاجة إليه ـ وأذن للناس وأذن لابن عباس بعدهم ، فدخل فاستدناه وكان قد عرف بسجدته.

فقال له : أتدري ما حدث بأهلك؟

قال : لا.

قال : فإنّ أبا محمّد توفي رحمه الله فعظّم الله لك الأجر.

٤٠٠