موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٩

موسوعة عبد الله بن عبّاس0%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 496

موسوعة عبد الله بن عبّاس

مؤلف: السيد حسن الموسوي الخرسان
تصنيف:

الصفحات: 496
المشاهدات: 87858
تحميل: 4043


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 87858 / تحميل: 4043
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء 9

مؤلف:
العربية

قال : ثمّ ذكر عبد الرحمن بن أبي بكر ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، والحسين بن عليّ ، وقال : والله لئن لم يبايعوا ليزيد لأفعلن ولأفعلن ثمّ ذكر إجتماعه مع عائشة وما جرى بينهما ممّا لا يعنينا ذكره

قال : وأرسل معاوية إلى عبد الرحمن بن أبي بكر ، وابن عمر ، وابن الزبير ، فأخبر أنّهم قد مضوا إلى مكة ـ.

وذكر غيره أنّ الحسين أيضاً ممّن خرج إلى مكة ـ قال ابن اعثم : فسكت ساعة يفكر في أمرهم ، ثمّ أرسل إلى عبد الله بن عباس فدعاه ، فلمّا دخل عليه قرّب مجلسه ، ثمّ قال : يا بن عباس أنتم بنو هاشم وأنتم أحق الناس بنا ، وأولاهم بمودتنا ، لأننا بنو عبد مناف ، وإنّما باعد بيننا وبينكم هذا الملك ، وقد كان هذا الأمر في تيم وعدي فلم تعترضوا عليهم ، ولم تظهروا لهم من المباعدة ثمّ قتل عثمان بين أظهركم فلم تغيّروا ، ثمّ وليت هذا الأمر فوالله لقد قرّبتكم وأعطيتكم ورفعت مقداركم ( أقداركم ) فما تزدادون منّي إلاّ بُعداً ، وهذا الحسين بن عليّ قد بلغني عنه هنات غيرها خير له منها ، فاذكروا عليّ بن أبي طالب ومحاربته إياي ومعه المهاجرون والأنصار ، فأبى الله تبارك وتعالى إلاّ ما قد علمتم ، أفترجون بعد عليّ مثله؟ أم بعد الحسن مثله؟

قال : فقطع عليه ابن عباس الكلام ، ثمّ قال : صدقت يا معاوية نحن بنو عبد مناف ، وأنتم أحق الناس بمودتنا وأولاهم بنا ، وقد مضى أوّل الأمر بما فيه فأصلح آخره فإنّك صائر إلى ما تريد ، وأمّا ما ذكرت من عطيّتك علينا

٤٢١

فلعمري ما عليك في جود من عيب.

وأمّا قولك : ذهب عليّ أفترجون مثله؟ فمهلاً يا معاوية رويداً لا تعجل ، فهذا الحسين بن عليّ وهو حيّ وهو ابن أبيه ، واحذر أن تؤذيه يا معاوية ، فيؤذيك أهل الأرض ، فليس على ظهرها اليوم ابن بنت نبيّ سواه.

فقال معاوية : إنّي قد قبلت منك يا بن عباس.

قال : ثمّ رحل معاوية إلى مكة ورحل معه كافة أصحابه وعامّة أهل المدينة وفيهم عبد الله بن عباس )(1) .

وأظنّ نحو إيهام في العبارة : ( ورحل معه كافة وفيهم عبد الله بن عباس )! إذ لا يعني أنّ عبد الله بن عباس ممّن خرج مع معاوية في ركابه كما قد يتوهم ذلك. بل كان خرج منفصلاً عن معاوية ، فقد كان له موكب كما كان لمعاوية موكب.

فقد أخرج ابن عبد البر في ( الإستيعاب ) ، وابن حجر في ( الصواعق ) عن يزيد ابن الأصم ، قال : ( خرج معاوية حاجاً معه ابن عباس ، فكان لمعاوية موكب ولابن عباس موكب ممّن يطلب العلم ـ فالمعيّة معه إنّما هي معيّة الطريق بدلالة تعدّد الموكبين ـ كما أنّهما إجتمعا في الطواف ، فكان معاوية يستلم الأركان كلّها فأنكر عليه ابن عباس ذلك )(2) .

____________________

(1) الفتوح لابن أعثم الكوفي 4 / 235 ـ 239.

(2) الإستيعاب 2 / 352 ، الصواعق المحرقة / 107.

٤٢٢

وحديثه كما رواه أحمد في مسنده بسنده ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : ( أنّه طاف مع معاوية بالبيت فجعل معاوية يستلم الأركان كلّها ، فقال له ابن عباس : لم تستلم هذين الركنين ولم يكن رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم يستلمهما؟

فقال معاوية : ليس شيء من البيت مهجوراً.

فقال ابن عباس :( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (1) .

فقال معاوية : صدقت ).

قال محقق الكتاب شاكر : إسناده صحيح ، وروى الترمذي معناه مختصراً باسناد آخر عن ابن عباس(2) .

وقد تلاعبت الأهواء بهذا الخبر فقلبت المسألة وجعلت ابن عباس الفاعل ومعاوية هو المنكر! وسيأتي مزيد بيان عن ذلك في الحلقة الثالثة إن شاء الله تعالى.

تضليل وأحابيل :

قال المؤرخون : ( ولمّا قرب من مكة خرج الناس يستقبلونه وفيهم النفر الذين توعّدهم وهدّد بقتلهم. فلمّا رأى الحسين ، قال : مرحباً بابن رسول الله وسيّد شباب المسلمين ، قرّبوا لأبي عبد الله دابة. وقال لعبد الله بن الزبير : مرحباً بابن حواري رسول الله وابن عمته هاتوا له دابة. وقال لابن

____________________

(1) الأحزاب / 21.

(2) مسند أحمد 3 / 266 برقم 1877 تحـ أحمد محمّد شاكر ، وأنظر صحيح الترمذي 2 / 92.

٤٢٣

عمر : مرحباً بصاحب رسول الله وابن الفاروق ، هاتوا له دابة. وقال لعبد الرحمن بن أبي بكر : مرحباً بشيخ قريش وسيدها وابن الصدّيق هاتوا له دابة.

وجعلت ألطافه تدخل عليهم ظاهرة يراها الناس ، ويحسن إذنهم وشفاعتهم ، وحملهم على الدواب ، وخرج حتى أتى مكة فقضى حجه ، ولمّا أراد الشخوص أمر بأثقاله فقدّمت ، وأمر بالمنبر فقرّب من الكعبة ، ثمّ أرسل إلى النفر الخمسة وهم الحسين بن عليّ وابن عباس وابن الزبير وابن عمر وابن أبي بكر فأحضرهم ، وقال لهم : قد علمتم نظري لكم وتعطفي عليكم ، وصلتي أرحامكم ، ويزيد أخوكم وابن عمكم ، وإنّما أردت أن أقدّمه باسم الخلافة وتكونوا أنتم تأمرون وتنهون. فسكتوا.

فقال : أجيبوا.

فابتدر ابن الزبير ، فقال : نخيّرك بعدُ إحدى ثلاث أيّها أخذت فهي لك رغبة وفيها خيار :

إن شئت فاصنع فينا ما صنعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبضه الله ولم يستخلف أحداً ، فرأى المسلمون أن يستخلفوا أبا بكر فدع هذا الأمر حتى يختار الناس لأنفسهم.

وإن شئت فما صنع أبو بكر عهد إلى رجل من قاصية قريش وترك من ولده ومن رهطه الأدنين من كان لها أهلاً.

وإن شئت فما صنع عمر جعلها شورى في ستة نفر من قريش

٤٢٤

يختارون رجلاً منهم ، وترك ولده وأهل بيته ، وفيهم مَن لو وليها لكان لها أهلاً.

فقال معاوية : هل غير هذا؟

قال : لا.

ثمّ قال للآخرين : ما عندكم؟

قالوا : نحن على ما قال ابن الزبير.

فقال معاوية : إنّي أتقدم اليكم وقد أعذر من أنذر ، إنّي قائم فقائل مقالة ، فأقسم بالله لئن ردّ عليَّ رجل منكم كلمة في مقامي هذا لا ترجع إليه كلمته ، حتى يضرب رأسه ، فلا ينظر أمرؤ منكم إلاّ إلى نفسه ، ولا يبقي إلاّ عليها.

وأمر أن يقوم على رأس كلّ واحد منهم رجلان بسيفيهما ، فإن تكلم بكلمة يرد بهما عليه قوله قتلاه )(1) .

قال ابن قتيبة في ( الإمامة والسياسة ) : ( وأمر معاوية من حرسه وشرطته قوماً أن يحضروا هؤلاء النفر الذين أبوا البيعة ، وهم الحسين بن عليّ ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الرحمن بن أبي بكر ، وأوصاهم معاوية ، قال : إنّي خارج العشيّة إلى أهل الشام فأخبرهم أنّ هؤلاء النفر قد بايعوا وسلّموا ، فإن تكلم أحد منهم بكلام يصدّقني أو يكذبني فيه فلا ينقضي كلامه حتى يطير رأسه ، فحذّر القوم ذلك.

____________________

(1) أنظر الكامل في التاريخ 3 / 510.

٤٢٥

فلمّا كان العشي خرج معاوية وخرج معه هؤلاء النفر وهو يضاحكهم ويحدّثهم ، وقد ألبسهم الحلل ، فألبس ابن عمر حلّة حمراء ، وألبس الحسين حلّة صفراء ، وألبس عبد الله بن عباس حلّة خضراء وألبس ابن الزبير حلّة يمانية ـ ولم يذكر عن حلّة ابن أبي بكر شيئاً ـ ثمّ خرج بينهم ، وأظهر لأهل الشام الرضا عنهم وأنّهم بايعوا ، فقال : يا أهل الشام إنّ هؤلاء النفر دعاهم أمير المؤمنين فوجدهم واصلين مطيعين وقد بايعوا وسلّموا. قال ذلك والقوم سكوت لم يتكلموا شيئاً حذر القتل ، فوثب أناس من أهل الشام فقالوا : يا أمير المؤمنين إن كان رابك منهم ريب فخلّ بيننا وبينهم حتى نضرب أعناقهم.

فقال معاوية : سبحان الله ما أحلّ دماء قريش عندكم ، يا أهل الشام ، لا أسمع لهم ذكراً بسوء ، فإنّهم قد بايعوا وسلّموا وارتضوني فرضيت عنهم رضي الله عنهم )(1) .

( المحاورة الثالثة والعشرون )

( والله لأتركنّهم عليك خوارج )

( قالوا : ثمّ ارتحل معاوية راجعاً وقد أعطى الناس أعطياتهم وأجزل العطاء ، وأخرج إلى كلّ قبيلة جوائزها وأعطياتها ، ولم يخرج لبني هاشم جائزة ولا عطاء ، وذلك فيما تخيّله سيحمل بني هاشم على الضغط على الحسين عليه السلام ليبايع ، ولكنه فشل في تصوره ، فقد خرج عبد الله بن عباس في أثره حتى لحقه

____________________

(1) الإمامة والسياسة 1 / 157.

٤٢٦

بالروحاء ـ من الفُرع على نحو أربعين ميلاً من المدينة(1) ـ.

فجلس ببابه ، فجعل معاوية يقول : مَن بالباب؟ فيقال : عبد الله بن عباس ، فلم يأذن لأحد ، فلمّا استيقظ ، قال : من بالباب؟ فقيل : عبد الله بن عباس ، فدعا بدابته فأدخلت إليه ثمّ خرج راكباً ، فوثب إليه عبد الله بن عباس فأخذ بلجام البغلة ، ثمّ قال : أين تذهب؟

قال : إلى الشام.

قال : فأين جوائزنا كما أجزت غيرنا؟

فأومأ إليه معاوية ، فقال : والله ما لكم عندي جائزة ولا عطاء حتى يبايع صاحبكم.

قال ابن عباس : فقد أبى ابن الزبير فأخرجت جائزة بني أسد ، وأبى عبد الله بن عمر فأخرجت جائزة بني عدي. فمالنا إن أبى صاحبنا وقد أبى صاحب غيرنا؟

فقال معاوية : لستم كغيركم لا والله لا أعطيكم درهماً حتى يبايع صاحبكم.

فقال ابن عباس : أما والله لئن لم تفعل لألحقن بساحل من سواحل الشام ثمّ لأقولنّ ما تعلم ، والله لأتركنّهم عليك خوارج.

فقال معاوية : لا بل أعطيكم جوائزكم. فبعث بها من الروحاء ومضى راجعاً إلى الشام )(2) .

____________________

(1) مراصد الإطلاع2 / 637.

(2) الإمامة والسياسة 1 / 157.

٤٢٧

وقد فشل في سياسته من الضغط على الحسين عليه السلام عن طريق منع الهاشميين جوائزهم ، ولم يزدهم إلاّ تضامناً مع الإمام الحسين عليه السلام في رفضهم بيعة يزيد ، وقد أخذها لهم ابن عباس لسانهم المعبّر عنهم وكبير شأنهم ، فأرغم معاوية على الإنصياع خاسئاً وهو حسير.

قال ابن أعثم في الفتوح ـ وقد ذكر نحو ما تقدم ـ ثمّ قال : ( فتبسم معاوية وقال : بل تعطون وتكرمون وتزادون أبا محمّد.

قال : ثمّ أمر معاوية لبني هاشم بجوائز سنية ، فكلٌ قبل جائزته إلاّ الحسين بن عليّ فإنّه لم يقبل من ذلك شيئاً )(1) .

والذي يلفت النظر تكنية معاوية لابن عباس بأبي محمّد ، ولم يذكر ذلك أحد في كناه ، فقد كان يكنى أبا العباس باسم ابنه العباس وهو أكبر ولده(2) ، على أنّه كان له ولد اسمه محمّد ذكره ابن الكلبي في ( جمهرة النسب ) وقال : ( لا بقية له )(3) ، فلعلّه كانت ولادته في تلك الأيام فكنّاه معاوية باسمه إستلطافاً وإستدراجاً ، والله العالم بحقائق الأمور.

وبهذه المحاورة أنتهت محاوراته مع معاوية ولم يلتقيا بعدها. فكانت محاورات ابن عباس مع معاوية تميّزت كمّاً وكيّفاً على بقية الآخرين ممن حاورهم محتجاً وناصحاً وهادياً ، وإذا سلّطت الأضواء على الجانب الأدبي

____________________

(1) الفتوح 4 / 244 ـ 245.

(2) مرّّ بالجزء الأوّل ما يتعلق بهذا فراجع.

(3) جمهرة النسب / 140.

٤٢٨

من محاوراته ، يستطيع الباحث أن يستخرج منها فكراً حيّاً ، وأدباً بارعاً ، وشجاعة متمـيّزة ، وتبقى أبرز النواحي البارزة هي العقيدة الصـامدة على الولاء لعليّ أمير المؤمنين عليه السلام ، فكان هو المدافع عن حقه في كلّ مرّة وجد غمطاً لحقه من أرباب الحكم ، سواء في أيام أبي بكر أو أيام عمر أو أيام عثمان ، إلاّ أنّه قد طفح الكيل وما أعتدل الميل في أيام معاوية ، حيث كانت ناره حامية ، أحرقت اليابس والأخضر ، ومع ذلك فقد رأينا محاورات ابن عباس معه كيف صارت ارتداداتها مشؤمة على معاوية ، فهو يذعن مغلوباً ، ويستعمل الحيلة بالتحلّم في إمتصاص نقمة ابن عباس ، إذ لم يسعه الجواب على نصاعة إحتجاجاته ، للفوارق في قيم الأخلاق بين الرجلين ، فالقواعد الدينية والأخلاقية المستمدة من تعاليم القرآن وسنة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كانت ثابتة عند ابن عباس ، وبالمقابل فقدانها لدى الطرف الآخر الضارب بعَرقَهِ وعروقه إلى جذره الجاهلي ، وتاريخه يغني عن التدليل على ذلك ، فهو ابن أبي سفيان المنادي ( أعل هبل ) وهو ابن هند آكلة الأكباد :

أتاه الكفر من هنّا وهنّا

فكان له بمجتمع السيول

لشيخ الكفر صخر حين ينمى

وهند أمه ذات البعول

وإنّ هذا كلّه يدعونا إلى الحقيقة التي كانت تعكس الناحية الأخلاقية لدى كلّ من الرجليَن المتحاوريَن.

ومن الغريب المدهش أن نجد من يقول : ( كان جدّ العباسيين

٤٢٩

المحدث التقي عبد الله بن عباس وهو ابن عم النبيّ محمد ( u ) وعليّ بن أبي طالب ، وبما أنّه استجاز أن يبيع نفسه لمعاوية فقد ظل على صِلات حسنة بالأمويين مذمذماً عليهم في الستر )(1) !!

وهذه بعض جنايات المستشرقين سيأتي الكلام عليها في الحلقة الرابعة في ( ابن عباس في الميزان ).

نصائح ابن عباس لمعاوية

بالرغم ممّا كان يجد ابن عباس في نفسه على معاوية ، لم يكن يمنعه ذلك من إسداء النصائح الكافية ، فالدين النصيحة ، وحبر الأمة من حماة الدين ، ومعاوية خارج على الشرعية بكلّ معنى الكلمة ، وما أكثر موبقاته ، وهو مع ذلك ينافق فيتظاهر بالخوف من النار.

وإلى القارئ شواهد على نصائح ابن عباس له :

روى الغزالي في كتابه ( مقامات العلماء بين يدي الخلفاء والأمراء ) : ( قال معاوية ذات يوم وعنده عبد الله بن عباس : أمّا إنّ نبيّ الله صلى الله عليه وآله وسلم لم تخلق الدنيا له ، ولم يخلق لها ، وأمّا أبو بكر فلم يردها ولم ترده ، وأمّا عمر فأرادته ولم يردها ، وأمّا عثمان فنالت منه ونال منها ، وأمّا أنا فمالت بي وملت بها ، وتلطمت في أمواجها ، فأي أمر تعلمون غداً إذا لم يكن المصير

____________________

(1) الدولة العربية وسقوطها ، ولهاوزن ترجمة الدكتور يوسف العش / 396 الهامش ط الجامعة السورية.

٤٣٠

إلى النار ، فما تقول يا ابن عباس؟

قال : أقول خيراً ، إذا أردتَ الدنيا فقد أمكنتك من قيادها ، وصار في يديك ضرعها ، فإن أردت الآخرة فهي لك ممكنة وفي يدك أسبابها ، فإن أردت الدنيا فارتضع ، وإن أردت الآخرة فارتدع ، وأعلم أنّ ما زادك في الآخرة ونقصك من الدنيا خير لك ممّا زادك في الدنيا ونقصك من الآخرة ، فلا يسرّنك من الدنيا سارّ ، ولا يغرنّك عن الآخرة غار ، فلعمري لقد حلبتَ الدهر أشطره ، وشربتَ صفوه ، ورعيتَ عفوه ، فانظر أيّ أمر يكون غداً إن لم يكن المصير إلاّ إلى النار فاحذر الآخرة )(1) .

أقول : ولهذه النصيحة صورة أخرى رواها البلاذري بأخصر ممّا مر. فقد روى في ( أنساب الأشراف ) عن المدائني عن عوانة وابن جعدبة قالا : ( قال معاوية لابن عباس : إنّ عثمان أصاب من هذه الدنيا وأصابت منه ، وإنّها قد مالت بي وملت بها فما ترى يا أبا عباس؟

فقال : إنّ الدنيا قد أمكنتك فهي في يدك ولك درّها ، وإنّ الآخرة ممكنة لك إن أردتها ، ولمّا نقصك من دنياك وزادك في آخرتك خير لك ممّا نقصك من آخرتك وزادك في دنياك )(2) .

____________________

(1) مقامات العلماء بين يدي الخلفاء والأمراء / 205 ، تحقيق محمد جاسم الحديثي.

(2) أنساب الأشراف1 / ق4 / 47.

٤٣١

محاوراته مع عمرو بن العاص

لقد كان ابن عباس ينظر إلى عمرو بن العاص بأنّه شريك معاوية في آثامه بدءاً من إعلان المطالبة بدم عثمان ، ومروراً بخدعة التحكيم ، وانتهاءاً بحضوره المحاورات التي جرت في مجلس معاوية مع الإمامين الحسنين عليهما السلام وابن عباس وابن جعفر وبقية رجال ونساء الشيعة الذين اضطرتهم الظروف القاسية إلى الوفود على معاوية ، وكان ابن النابغة حاضراً فكان ابن عباس هو ذلك الرجل الكفوء الذي قد اختاره الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ليكون حَكَمَ أهل العراق ، ولكن أبى ذلك الأشعث ومن معه ممن باعوا دينهم لمعاوية بثمن بخس ، ولو تمّ ذلك الإختيار الموفّق للرجل المناسب في المحل المناسب ، لما بلغ معاوية حاجته من خدعة ابن النابغة لأبي موسى الأشعري ، ولما أثار شجون الإمام عليه السلام فنفث في خطبة له في شأن الحكمين وذم أهل الشام ، فقال :

( جفاة طغام ، عبيد أقزام ، جُمعوا من كلّ أوب ، وتُلُقّطوا من كلّ شوب ، ممن ينبغي أن يُفقّه ويُؤدّب ، ويُعلّم ويَدرّب ، ويُولى عليه ، ويؤخذ على يديه ، ليسوا من المهاجرين والأنصار ، ولا من الذين تبوّؤا الدار.

ألا وإنّ القوم أختاروا لأنفسهم أقرب القوم ممّا تحبّون ، وأخترتم

٤٣٢

لأنفسكم أقرب القوم ممّا تكرهون ، وإنّما عهدكم بعبد الله بن قيس بالأمس يقول : إنّها فتنة فقطّعوا أوتاركم ، وشيموا سيوفكم ، فإن كان صادقاً فقد أخطأ بمسيره غير مستكره ، وإن كان كاذباً فقد لزمته التهمة.

فادفعوا في صدر عمرو بن العاص بعبد الله بن العبّاس ، وخذوا مهل الأيام ، وحوطوا قواصي الإسلام ألا ترون بلادكم تُغزى ، وإلى صفاتكم ترمى )(1) .

ولكن أنّى لأهل العراق أن يسعدوا بنصائح الإمام عليه السلام ، وقد أستحوذ عليهم الشيطان فمرق منهم من مرق ، وطفق منهم مع معاوية من وصلته صرار الرشوة ، وهكذا تمت الخدعة ، ولئن تمت فقد أبقت عارها وشنارها على الثلاثة الذين باؤا بأثمها معاوية وعمرو وأبي موسى الأشعري.

فكان ابن عباس يصفع تلك الوجوه بحججه الدامغة ، فيما جرت له من محاورات تكشفت فيها مخازيهم خصوصاً مع معاوية وابن العاص اللذين كان الناس يصفونهما بالدهاء ، وقد مرّت بنا محاوراته مع معاوية وقرأنا كيف أعجزه عن الجواب حتى أزعجه فتبرم منه وقال له : ( أرحني من شخصك شهراً ) ، وأنتهت الحال بالقطيعة بينهما. وأمّا عمر وبن العاص ، فقد كان يعترف ويقول : ( ما اتقيت جواب أحد من الناس غير جواب ابن عباس رضي الله عنه لبداهته )(2) .

ولقد مرّ بنا في الحلقة الأولى في الجزء الرابع ( حديث الخديعة ) ،

____________________

(1) نهج البلاغة / 451 ـ 452.

(2) محاضرات الراغب 1 / 36 ط الشرفية بمصر.

٤٣٣

فلنقرأ الخبر ثانية كما مرّ ، لنعرف مدى تميّز الغيظ الذي لحق بمعاوية وعمرو بن العاص من جراء ما كتبا به إلى ابن عباس فلم يبلغا حاجتهما منه ، بل ألحق الندامة بهما :

حديث الخديعة :

قبل ذكر الحديث لابدّ من توثيقه ، لأنّ هشام بن عمّار الدمشقي كان يقول للبلاذري وهو من شيوخه : ( هذا الحديث ممّا صنعه ابن دأبكم لأنّ البلاذري رواه عن المدائني عن عيسى بن يزيد )(1) ـ وهو ابن دأب ـ.

وإذا رجعنا إلى الجاحظ وجدناه يقول : ( يزيد بن بكر بن دأب وكان عالماً ناسباً وراوية شاعراً ، وهو القائل :

الله يعلم في عليّ علمه

وكذاك علم الله في عثمان

ثمّ قال : وولد يزيد يحيى وعيسى ، فعيسى هو الذي يعرف في العامّة بابن دأب ، وكان من أحسن الناس حديثاً وبياناً ، وكان شاعراً راوية ، وكان صاحب رسائل وخطب ، وكان يجيدهما جداً.

ومن آل دأب حذيفة بن دأب ، وكان عالماً ناسباً. وفي الدأب علم بالنسب والخبر )(2) .

فهؤلاء بنو دأب ، ومنهم عيسى بن دأب الذي اتهمه هشام بن عمار

____________________

(1) أنساب الأشراف 2 / 310 تحـ المحمودي.

(2) كتاب البيان والتبيين 1 / 323 ـ 324 تحـ هارون.

٤٣٤

الدمشقي وهشام ، على ما ورد في ترجمته في ( تهذيب التهذيب ) من مدح ، فقد ورد فيه من القدح ما ينسف مدحه. ويكفي أنّه كان يُلقّن فيتلقّن ولا يفهم بما يحدّث.

ثمّ إنّ الحديث رواه غير ابن دأب ، فلاحظ سند نصر بن مزاحم ، فقد رواه عن محمّد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي يحيى ، عن عبد الرحمن ابن حاطب ، وهذا صحابي مولود على عهده صلى الله عليه وآله وسلم وتوفى سنة 68 هـ ، وقيل قتل يوم الحرّة كما في ( الإصابة ).

ولاحظ سند الجاحظ فقد رواه(1) عن محمّد بن سعيد ، عن إبراهيم بن حويطب ، إلاّ أنّه ذكره مقالة قالها عمرو بن العاص لابن عباس ، وليس ذلك بضائر.

وأمّا ابن أعثم فقد ذكر ما جرى من الكتب لمّا عضّهم سلاح أهل العراق وبدأها بلفظ ( قال ). وإذا رجعنا نلتمس القائل نجد الرجل قد ذكر في إبتداء خبر وقعة صفين عدّة أسانيد ليس بين أسماء رجالها عيسى بن دأب ، وقال بعد ذكرهم وغير هؤلاء ( وقد جمعت ما سمعت من رواياتهم على إختلاف لغاتهم فألّفته حديثاً واحداً على نسق واحد ) ، فعرفنا أنّه هو القائل.

( بين عمرو بن العاص وابن عباس )

والآن إلى رواية الحديث بلفظ نصر ، وإضافة ما عند البلاذري بين

____________________

(1) نفس المصدر 2 / 298.

٤٣٥

قوسين ، وكذا ما عند ابن أعثم من زيادة ، قال :

( وإنّ معاوية لمّا يئس من جهة الأشعث قال لعمرو بن العاص : إنّ رأس الناس بعد عليّ هو عبد الله بن عباس ، فلو ألقيت إليه كتاباً لعلك ترققه به ، فإنّه إن قال شيئاً لم يخرج عليّ منه ، وقد أكلتنا الحرب ، ولا أرانا نصل إلى العراق إلاّ بهلاك أهل الشام.

فقال له عمرو : إنّ ابن عباس ( أريب ) لا يُخدع ، ولو طمعت فيه لطمعت في عليّ.

فقال معاوية : صدقت إنّه لأريب ولكن على ذلك فاكتب إليه ( رقعة لطيفة وتنظر ما عنده فتعمل على حسب ذلك ).

( قال ) : فكتب إليه عمرو : ( من عمرو بن العاص إلى عبد الله بن العباس ) أمّا بعد ، فإنّ الذي نحن وأنتم فيه ليس بأوّل أمر قاده البلاء ، وساقه سفه العافية ، وأنت رأس هذا الأمر بعد عليّ ( ابن عمك ) ، فأنظر فيما بقي ودع ما مضى ، فوالله ما أبقت هذه الحرب لنا ولا لكم حياةً ولا صبراً ، واعلم أنّ الشام لا تملك إلاّ بهلاك العراق ، وإنّ العراق لا تملك إلاّ بهلاك الشام ، وما خيرنا بعد هلاك أعدادنا منكم ، وما خيركم بعد هلاك أعدادكم منّا ، ولسنا نقول ليت الحرب عادت ، ولكنّا نقول ليتها لم تكن ، وإنّ فينا من يكره القتال ، كما أنّ فيكم من يكرهه ، وإنّما هو أمير مطاع ( أو مأمور مطيع ) ، أو مؤتمن مشاور وهو أنت ، وأمّا الأشتر الغليظ الطبع القاسي القلب فليس بأهل أن يُدعى في الشورى ، ولا في خواص أهل النجوى ( وقد طال

٤٣٦

هذا بيننا حتى لقد ظننا أنّ فيه الفناء وفي ذلك أقول ).

وكتب في أسفل الكتاب :

طال البلاء وما يُرجى له آس

بعد الإله سوى رفق ابن عباس(1)

قولاً له قول مَن يرضى بحضوته

لا تنس حظّك إن الخاسر الناسي(2)

يا بن الذي زمزم سقيا الحجيج له

أعظم بذلك من فخرٍ على الناس

كلٌ لصاحبه قرنٌ يساوره

أسد العرين أسودٌ بين أخياس(3)

لو قيس بينهم في العرب لاعتدلوا

العجز بالعجز ثم الرأس بالرأس

فانظر فدىً لك نفسي قبل قاصمة

للظهر ليس لها راق ولا آسي

إنّ العراق وأهل الشام لن يدوا

طعم الحياة مع المستغلق القاسي(4)

بسرٌ وأصحاب بُسرٍ والذين هُم

داء العراق رجال أهل وسواس

قوم عراة من الخيرات كلهمُ

فما يساوي به خلق من الناس(5)

قالوا يرى الناس في ترك العراق لكم

والله يعلم ما بالشام من ناس

____________________

(1) أسا الجرح أسواً وأساً : داواه ، وأسا بينهم أصلح ، والآسي : الطبيب.

(2) الحُظُوة ، بالضم والكسر ، والحِظة كِعدة المكانة والحظ من الرزق ، وفي نسخة : قول من يرجو مودته ، وفي أنساب الأشراف والفتوح : قول مسرور بحظوته.

(3) في أنساب الأشراف ( قرنٌ يعادله ) وفي المصدر : يساوره أي يواثبه ، وهو أصح أيضاً ممّا يوجد في بعض المصادر : ( يشاوره ). والأخياس : جمع خيس ـ بالكسر ـ وهو الشجر الكثير الملتفّ. وفي أنساب الأشراف : ( أسُدٌ تلاقي أسوداً بين أخياس ).

(4) استغلقني في بيعته لم يجعل لي خياراً في رده واستغلقت عليّ بيعته صار كذلك ( لقاموس ) وفي أنساب الأشراف :

أهل العراق وأهل الشام لن يجدواطعم الحياة لحرب ذات أنفاس

(5) في طبعة صفين بمصر / 469 : فما يُساوي به أصحابه كاسي.

٤٣٧

إنّّي أرى الخير في سلم الشآم لكم

واللّه يعلم ما بالسلم من باس

أنت الشجاء شجاها في حلوقهم

مثل اللجام شجاه موضع الفاس(1)

( فاصدع بأمرك أمر القوم إنّهم )

خشاش طير رأت صقراً بحسحاس(2)

فيها التقى وأمور ليس يجهلها

إلاّ الجهول وما النوكى كأكياس(3)

قال : فلمّا فرغ من شعره عرضه على معاوية ، فقال معاوية : لا أرى كتابك على رقة شعرك.

فلمّا قرأ ابن عباس الكتاب ( والشعر ) أتى به عليّاً فأقرأه شعره فضحك ، وقال : ( قاتل الله ابن العاص ( ابن النابغة ) ما أغراه بك يا بن عباس ، أجبه وليردّ عليه شعره الفضل بن العبّاس فإنّه شاعر ).

فكتب ابن عباس إلى عمرو : أمّا بعد فإنّي لا أعلم رجلاً من العرب أقلَّ حياء منك ، إنّه مال بك معاوية إلى الهوى ، وبعته دينك بالثمن اليسير ، ثمّ خبطت بالناس في عشوة ( عشواء طخياء ) ( مظلمة ) طمعاً في الملك ، فلمّا لم تر شيئاً أعظمت الدنيا إعظام أهل الذنوب ( الدين ) ، وأظهرت فيها ( زهادة ) نزاهة أهل الورع ، فإن كنت ( أردت ) ( تريد أن ) ترضي الله عليه السلام بذلك فدع مصر وارجع إلى بيتك ( أهل بيت نبيّك محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ( فإنّ ) هذه

____________________

(1) اللجام ككتاب للدابة ويكون في حلق الدابة لذلك فهو الشجا ، وكلّ ما يعترض الحلق من عظم ونحوه فهو شجاً.

(2) كذا في أنساب الأشراف 2 / 308 ( ترجمة الإمام علي ) ، وخشاش الطير كالعصافير ونحوها ، والحساس : السيف المبير.

(3) النوكى : الحمقى ، والكيّس خلاف الحُمقى.

٤٣٨

الحرب ليس معاوية فيها كعليّ ، ابتدأها عليّ بالحقّ وانتهى فيها إلى العذر ، وبدأها معاوية بالبغي وانتهى فيها إلى السَرَف ، وليس أهل العراق فيها كأهل الشام ، بايع أهل العراق عليّاً وهو خير منهم ، وبايع أهل الشام معاوية وهم خير منه ، ولست أنا وأنت فيها بسواء ، أردتُ الله وأردتَ أنت مصر ، وقد عرفتُ الشيء الذي باعدك منّي ، ولا أرى الشيء الذي قرّبك من معاوية ، فإن ترد شراً لا نسبقك إليه ، وإن ترد خيراً لا تسبقنا إليه والسلام.

ثمّ دعا الفضل بن العباس ، فقال له : يا ابن أم(1) أجب ( عني ) عمرواً ( على شعره هذا ).

فقال الفضل :

يا عمرو حسبك من خدع ووسواس

فاذهب فليس لداء الجهل من آسي(2)

إلاّ تواتر طعن في نحوركم

يشجي النفوس ويشفي نخوة الرأس

____________________

(1) في قول ابن عباس يا ابن أم ـ على تقدير صحة النسخة ـ نحو تجوّز له ما يبرّره في الاستعمال والمخاطبات بين الناس لشدّ العزيمة وطلب المعونة. والا فمن المعلوم الثابت ان أخاه الفضل بن العباس بن عبد المطلب قد مات في طاعون عمواس سنة 17 ـ أو 18 ـ بالشام. وانما المخاطب في المقام هو الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب ، وهو ابن اخت عبد الله بن عباس ، فان أمه آمنة بنت العباس ، ويقال لها : أمينة ـ قال البلاذري : كانت عند العباس بن عتبة بن أبي لهب فولدت له الفضل الشاعر. ولما كان الاشتراك في الاسم واسم الأب بين الشاعر اللهبي وبين خاله ، فظن من لا خبرة له أن الشاعر هو الفضل بن عباس بن عبد المطلب ، غافلاً عن تقدم وفاته ومن تفطن إلى ذلك فقد احتمل تصحيف الندبة ( يا بن ام ) عن ( يا بن عم ) باعتبار الشاعر من ذرية أبي لهب وهو من أعمام عبد الله ابن عباس ، لكن الصواب في نظري ( يا بن اختي ) لأنّه هو ابن اخته كما تقدم.

(2) في الفتوح ( فاذهب فما لك في ترك الهدى آسي ).

٤٣٩

( بالسمهريّ وضرب في شواربكم

يردي الكماة ويذري قبة الرأس )

هذا الدواء الذي يشفي جماعتكم

حتى تطيعوا عليّاً

أمّا عليّ فإنّ اللّه فضّله

بفضل ذي شرف عالٍ على الناس

إن تعقلوا الحرب نعقلها مخيّسة

أو تبعثوها فإنا غير أنكاس(1)

قد كان منّا ومنكم في عجاجتها

مالا يردّ وكلٌّ عرضة البأس(2)

قتلى العراق بقتلى الشام ذابة

هذا بهذا وما بالحق من بأس

لا بارك الله في مصر لقد جلبت

شراً وحظك منها حسوة الكأس

يا عمرو إنّك عارٍ من مغارمها

والراقصات لأثواب الخنا كاسي

إن عادت الحرب عدنا فالتمس هربا

في الأرض أو سلماً في الأفق ياقاسي )(3)

ثمّ عرض الشعر والكتاب على عليّ ، فقال : ( أحسنت ) ولا أراه يجيبك بشيء بعدها إن كان يعقل ، ولعلّه يعود فتعود عليه ).

فلمّا انتهى الكتاب إلى عمرو أتى به معاوية ، فقال : أنت دعوتني إلى هذا ، ما كان أغناني وإياك عن بني عبد المطلب.

فقال : إنّ قلب ابن عباس وقلب عليّ قلب واحد ، كلاهما ولد عبد المطلب ، وإن كان قد خشن فلقد لان ، وإن كان قد تعظّم أو عظّم صاحبه

____________________

(1) المخَيّسة من الإبل : ـ بالفتح ـ التي لم تسرح ولكنها حُبست للنحر أو للقسم فشبه الحرب بالابل في اعتقالها ، وأنكاس جمع نِكس وهو المقصّر عن غاية الكرم.

(2) في الفتوح ( من لا يفرّ وليس الليث كالجاسي / كالخاسي ).

(3) الأبيات المقوسة من الفتوح لابن أعثم 3 / 253 – 254.

٤٤٠