موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ٩

موسوعة عبد الله بن عبّاس0%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 496

موسوعة عبد الله بن عبّاس

مؤلف: السيد حسن الموسوي الخرسان
تصنيف:

الصفحات: 496
المشاهدات: 87785
تحميل: 4043


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 496 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 87785 / تحميل: 4043
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء 9

مؤلف:
العربية

فلقد قارب وجنح إلى السلم ).

قال ابن أعثم في ( الفتوح ) : ( فلمّا وصل الكتاب والشعر إلى عمرو فأتى به معاوية فأقرأه إياه ، ثمّ قال : ما كان أغناني وإياك عن بني عبد المطلب.

فقال معاوية : صدقت أبا عبد الله ، ولكنك قد علمت ما مرّ علينا بالأمس من القتل والهلاك ، وأظن عليّاً سيباكرنا الحرب غداً ويعمل على المناجزة ، وقد رأيت أن أشغله أنا غداً عن الحرب بكتاب أكتبه إلى ابن عباس ، فإن هو أجابني إلى ما أريد فذلك ، وإلاّ كتبت إلى عليّ وتحمّلت عليه بجميع مَن في عسكره فإن أجاب ، وإلاّ صادمته وجعلتها واحدة لي أم عليَّ ، فهذا رأيي وإنّما أريد بذلك أن أجمّ الحرب أياماً ، فقد تعلم ما نزل بنا في هذه الأيام وإن كان عندك رأي غير هذا فهاته؟

فقال عمرو : أمّا أنا فأقول إنّ رجاءك لا يقوم رجاءه ، ولست بمثله ، وهو رجل يقاتلك على أمر وأنت تقاتله على غيره ، وهو يريد الفناء وأنت تريد البقاء ، وليس يخاف أهل الشام من عليّ إن ظفر بهم ما يخاف أهل العراق إن ظفرت بهم ، وأظنك تريد مخادعة عليّ ، وأين أنت من خديعته.

فقال معاوية : فكيف ذلك؟ ألسنا ببني عبد مناف؟

فضحك عمرو ، ثمّ قال : بلى لعمري أنت وهو من بني عبد مناف كما تقول ولكن لهم النبوة من دونك ، فإن شئت فاكتب )(1) .

____________________

(1) الفتوح 3 / 254 ـ 255.

٤٤١

كتاب معاوية إلى ابن عباس :

قال نصر : ( وإنّ معاوية كان يكاتب ابن عباس ، وكان يجيبه بقول ليّن ، وذلك قبل أن يعظم الحرب )(1) .

أقول : ولم أقف على شيء من تلك المكاتبات سوى ما ذكره ابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) ونقله المتقي الهندي ، قال :

( عن عبد الملك بن حميد ، قال : كنّا مع عبد الملك بن صالح بدمشق فأصاب كتاباً في ديوان دمشق :

بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله بن عباس إلى معاوية بن أبي سفيان ، سلام عليك ، فإنّي أحمد الله إليك الذي لا إله إلاّ هو ، عصمنا الله وإياك بالتقوى ، أمّا بعد فقد جاءني كتابك فلم أسمع منه إلاّ خيراً ، وذكرت شأن المودة بيننا ، وإنّك لعمر الله لودود في صدري من أهل المودة الخالصة والخاصة ، وإنّي للخلّة التي بيننا لراع ، ولصالحها لحافظ ولا قوّة إلاّ بالله.

أمّا بعد فإنّك من ذوي النهى من قريش وأهل الحلم والخلق الجميل منها ، فليصدر رأيك بما فيه النظر لنفسك والتقية ( البقية ظ ) على دينك ، والشفقة على الإسلام وأهله ، فإنّه خير لك وأوفر لحظك في دنياك وآخرتك ، وقد سمعتك تذكر شأن عثمان بن عفان ، فاعلم إنّ انبعاثك في

____________________

(1) وقعة صفين / 471.

٤٤٢

الطلب بدمه فرقة وسفك للدماء ، وانتهاك للمحارم ، وهذا لعمر الله ضرر على الإسلام وأهله ، وإنّ الله سيكفيك أمر سافكي دم عثمان ، فتأنّ في أمرك ، واتق الله ربّك ، فقد يقال لك : إنّك تريد الإمارة ، وتقول : إنّ معك وصية من النبيّ صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم بذلك ، فقول نبيّ الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم الحقّ ، فتأن في أمرك ، ولقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم يقول للعباس : ( إنّ الله يستعمل من ولدك اثني عشر رجلاً منهم السفاح والمنصور والمهدي والأمين والمؤتمن وأمير العصب ) ، أفتراني استعجل الوقت أو أنتظر قول رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم؟ وقوله الحقّ ، وما يرد الله من أمر يكن ولو كره العالم ذلك ، وأيم الله لو أشاء لوجدت متقدماً وأعواناً وأنصاراً ولكني أكره لنفسي ما أنهاك عنه فراقب الله ربّك ، وأخلف محمداً في أمته خلافة صالحة ، فأمّا شأن ابن عمك عليّ بن أبي طالب فقد استقامت له عشيرته وله سابقته وحقه ، وبحوله على الحقّ أعوان ونصحاء لك وله ولجماعة المسلمين ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

وكتب عكرمة ليلة البدر من صفر سنة ست وثلاثين اهـ )(1) .

فهذا الكتاب نموذج من تلك الأجوبة الليّنة والتي لم تجد الأرض الصالحة لتثمر نفعاً وقد استمر معاوية في خداعه ، وهو الآخر لم يجد الأذن الصاغية لاستماعه ، حتى إذا عظم الخطب ، واشتعلت نار الحرب ، تغيّرت اللهجة ، وتقارعت

____________________

(1) كنز العمال 11 / 333 ـ 335 ط حيدر آباد الثانية برقم 1326.

٤٤٣

الحجة بالحجة وصار إلى المخادعة والمخاتلة بطريقة إيقاع الفرقة بين الهاشميين ، وإغراء بعضهم على بعض ، وليس ذلك ببدع منه فقد كان ـ على حدّ قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ـ : ( يودّ ما ترك من بني هاشم نافخ ضرمة إلاّ طعن في نيطه )(1) .

وهل في الهاشميين بعد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام مثل ابن عباس في فهمه وعلمه ، وعقله وفضله ، فليجهد معاوية نفسه فيما يفرّق به بين المرء وإمامه ، وذلك بخديعة ابن عباس وإنّه الرأس بعد الإمام عليه السلام.

وهذه الفكرة لم تبارح معاوية طيلة حكمه ، فسيأتي من الشواهد عليها بعد موت الإمام الحسن عليه السلام وقوله لابن عباس : ( أصبحت سيّد أهلك ) ، ولكن ابن عباس الذكي الألمعي لا ينخدع بزبرج الألفاظ فرد عليه قائلاً : ( أمّا ما بقي أبو عبد الله الحسين بن عليّ فلا ).

والآن إلى حديثه في صفين برواية نصر بن مزاحم :

قال نصر بن مزاحم : ( فلمّا قتل أهل الشام ، قال معاوية : إنّ ابن عباس رجل من قريش ، وأنا كاتب إليه في عداوة بني هاشم لنا ، وأخوّفه عواقب هذه الحرب لعله يكف عنّا. فكتب إليه :

أمّا بعد فإنّكم يا معشر بني هاشم لستم إلى أحد أسرع بالمساءة منكم إلى أنصار عثمان بن عفان ، حتى أنّكم قتلتم طلحة والزبير لطلبهما بدمه ، واستعظامهما ما نيل منه ، فإن يكن ذلك لسلطان بني أمية فقد وليها عدي

____________________

(1) الفائق للزمخشري ( نيط ).

٤٤٤

وتيم ( قبل بني أمية ) فلم تنافسوهم وأظهرتم لهم الطاعة ، وقد وقع من الأمر ما قد ترى ( وأدالت هذه الحروب منا ومنكم ) ، وأكلت هذه الحرب بعضها من بعض حتى استوينا فيها ، فما أطمعكم فينا أطمعنا فيكم ، وما آيسكم منّا آيسنا منكم ، وقد رجونا غير الذي كان وخشينا دون ما وقع ، ولستم بملاقينا اليوم بأحدّ من حدّ أمس ، ولا غداً بأحد من حدّ اليوم ، وقد قنعنا بما كان في أيدينا من ملك الشام ، فاقنعوا بما في أيديكم من ملك العراق ، وأبقوا على قريش ( واتقوا الله ربكم ) فإنّما بقي من رجالها ستة : رجلان بالشام ورجلان بالعراق ورجلان بالحجاز ، فأمّا اللذان بالشام فأنا وعمرو ، وأمّا اللذان بالعراق فأنت وعليّ ، وأمّا اللذان بالحجاز فسعد وابن عمر ، واثنان من الستة ناصبان لك ( ولابن عمك ) ، واثنان واقفان فيك ، وأنت رأس هذا الجمع اليوم ، ولو بايع لك الناس بعد عثمان لكنّا إليك ( إلى طاعتك ) أسرع منّا إلى عليّ ( فرأيك فيما كتبت إليك )(1) .

قال نصر في كلام كثير كتب إليه : ( فلمّا انتهى الكتاب إلى ابن عباس ( تبسم ضاحكاً ) أسخطه ، ثمّ قال : حتى متى يخطب ابن هند إليّ عقلي؟ وحتى متى أجمجم على ما في نفسي؟

فكتب إليه :

بسم الله الرحمن الرحيم ، أمّا بعد فقد أتاني كتابك وقرأته ( وفهمت ما سطرت فيه ) ، فأمّا ما ذكرت من سُرعتنا إليك بالمساءة في أنصار ابن عفان ،

____________________

(1) وقعة صفين / 471.

٤٤٥

وكراهيتنا لسلطان بني أمية ، فلعمري لقد أدركت في عثمان حاجتك حين استنصرك فلم تنصره ، حتى صرتَ إلى ما صرتَ إليه ، وبيني وبينك في ذلك ابن عمك وأخو عثمان الوليد بن عُقبة.

وأمّا طلحة والزبير فإنّهما أجلبا عليه وضيّقا خناقه ، ثمّ خرجا ينقضان البيعة ويطلبان الملك ، فقاتلناهما على النكث ، وقاتلناك على البغي.

وأمّا قولك : إنّه لم يبق من قريش غير ستة ، فما أكثر رجالها وأحسن بقيتها ، وقد قاتلك من خيارها مَن قاتلك ، ولم يخذلنا إلاّ من خذلك.

وأمّا إغراؤك إيانا بعديّ وتيم ، فأبو بكر وعمر خير من عثمان ، كما أنّ عثمان خير منك ( وأمّا ذكرك الحرب ) فقد بقي لك منا يوم ينسيك ما ( كان ) قبله ، وتخاف ما ( يكون ) بعده.

وأمّا قولك : إنّه لو بايع الناس لي لاستقاموا لي ( لأسرعت إلى طاعتي ) ، فقد بايع الناس عليّاً ( وهو أخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن عمه ووصيه ووزيره ) وهو خير مني فلم تستقيموا له ، وإنّما الخلافة لمن كانت له في المشورة ، ( وأمّا أنت فليس لك فيها حق ) ، وما أنت يا معاوية والخلافة ، وأنت طليق وابن طليق ( رأس الأحزاب وابن آكلة الأكباد ) ، والخلافة للمهاجرين الأولين ، وليس الطلقاء منها في شيء )(1) .

قال نصر في روايته : ( فلمّا انتهى الكتاب إلى معاوية ، قال : هذا عملي بنفسي ، لا والله لا أكتب إليه كتاباً سنة كاملة.

____________________

(1) نفس المصدر / 272.

٤٤٦

وقال معاوية في ذلك :

دعوت ابن عباس إلى حدّ خِطة

وكان امرَأً أهدي إليه رسائلي

فأخلف ظنّي والحوادثُ جمّةٌ

ولم يك فيما قال مني بواصلي

وما كان فيما جاء ما يستحقه

وما زادَ أن أغلى عليه مراجلي

فقل لابن عباس تراك مفرّقا

بقولك مَن حولي وأنّك آكلي

وقل لابن عباس تُراك مخوّفا

بجهلك حلمي إنّني غير غافل

فأبرق وأرعد ما استطعت فإنّني

إليك بما يشجيك سبط الأنامل(1)

( وصفين داري ما حييت وليس ما

تربّص من ذاك الوعيد بقاتلي

قال نصر في روايته : ( فلمّا قرأ ابن عباس الشعر ، قال : لن أشتمك بعدها )(2) .

وقال الفضل بن عباس :

ألا يا بن هند إنّني غير غافل

وإنّك ما تسعى له غير نائل

لأنّ الذي إجتبّت إلى الحرب نابها

عليك وألقت بركها بالكلاكل(3)

فأصبح أهل الشام ( صرعى فكلّهم )

كفقعةُ قاع أو كشحمة آكل(4)

____________________

(1) سبط اليدين ، وسبط الأنامل هو السخي.

(2) وقعة صفين / 473 ، الفتوح 3 / 59 ، والبيت ما بين القوسين منه.

(3) الكلاكل : جمع كلكل. ـ الصدر ـ ( الصحاح : كلل ).

(4) الفقعة : الكمآة البيضاء الرخوة ، ويقال للذليل وهو اذل من فقع بقرقرة لأنّه لا يمتنع على من اجتناه ، أو لأنّه يوطأ بالأرجل.

٤٤٧

وأيقنتَ أنا أهل حق وإنّما

دعوتَ لأمر كان أبطل باطل

دعوت ابن عباس إلى السلم خُدعة

وليس لها حتى تدينَ بقابل

فلا سلم حتى تشجر الخيل بالقنا

وتُضرب هامات الرجال الأماثل

وآليتَ : لا تهدي إليه رسالةٌ

إلى أن يحول الحول من رأس قابل

أردتَ به قطع الجواب وإنّما

رماك فلم يخطئ بنانَ المقاتل

وقلتَ له لو بايعوك تبعتهم

فهذا عليّ خير حافٍ وناعل

وصي رسول الله من دون أهله

وفارسه إن قيل هل من منازل

فدونكه إن كنت تبغي مُهاجراً

أشمَّ كنعل السيف غير حُلاحل(1)

فعرض شعره على عليّ فقال : ( أنت أشعر قريش ) ، فضرب بها الناس إلى معاوية )(2) .

قال ابن أعثم : ( فوصل الكتاب إلى معاوية فقرأه وفهم الشعر فلم يرد على ذلك إلى أن كتب إلى عليّ )(3) .

أقول : في صحة نسبة هذه الأبيات إلى الفضل بن عباس عندي توقف! لأنّ ابن شهر اشوب المتوفى سنة ( 588 هـ ) ذكر منها البيت الخامس منسوباً إلى عبد الله ابن عباس بتغيير في القافية من ( بقائل ) إلى ( بخادع ) ،

____________________

(1) نعل السيف : حديدة في أسفل غمد السيف ، غير حُلاحل ، غير سيّد شجاع أي فدونكه وأنت كنعل السيف غير حُلاحل. وفي الفتوح ( أشم بنصل السيف ليس بناكل ).

(2) وقعة صفين / 474.

(3) الفتوح 3 / 259.

٤٤٨

وإحتمال وهم النساخ جارٍ في المقام ، خصوصاً وقد ذكر ابن أبي الحديد في ( شرح النهج )(1) البيتين الأخيرين مصرّحاً بنسبتهما إلى عبد الله بن عباس ، وتابعه السيّد شرف الدين في ( المراجعات )(2) على ذلك ، وأيضاً خلو ما ذكر من أشعار الفضل بن العباس اللهبي من الأبيات المذكورة ، ولا يبعد أن تكون جميعها لعبد الله بن عباس ووهم الراوي أو الناسخ فنسبها إلى الفضل بن عباس لقرب ذكره فيما تقدم له من الشعر في المقام.

ومهما كان الصحيح في نسبة الشعر فإنّه شعر صادق في التعبير عما كان أدخله كتاب ابن عباس ، والشعر الأوّل في نفس معاوية من إنهيار معنوي حتى حلف أن لا يكتب إلى ابن عباس كتاباً سنة كاملة. وأبياته المذكورة تنبئ عن فشله وندامته ولكنه على عادته في المكابرة ختمها بقوله :

فأبرق وأرعد ما استطعت فإنّني

إليك بما يشجيك سبط الأنامل

أي سخيّ بما يشجيك ، ولم يكن يتوقع أن يأتيه من قبل ابن عباس ما يشجيه هو أيضاً ، ولقد صدقت فراسة عمر بن الخطاب في ابن عباس ومعاوية وعمرو بن العاص حين ذكر نفر عنده معاوية وابن العاص ، فقال لهم : ( أين أنتم عن عبد الله بن عباس؟ فقالوا : والله انّه ـ أي كما ذكرت ـ ولكنهما أذكى سنّاً وأطول تجربة. فقال عمر : إنّ هذا

____________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحيد 1 / 50.

(2) المراجعات / 282.

٤٤٩

لهما عليه ، ولئن بقي يجري في عنانهما ليبرحنّ بهما تبريح الأشقر مقراً وشيحاً )(1) .

نعم لقد برّح بهما أيّما تبريح ، حتى قال معاوية بعد وصول الجواب إليه : ( هذا عملي بنفسي ، لا أكتب والله إليه كتاباً سنة كاملة ).

ومرّ بنا قول عمرو بن العاص معانياً ومعاتباً معاوية على حمله أن يكتب إلى ابن عباس وجاءه الجواب المليء تقريعاً وتسفيهاً ، فقال : ( أنت دعوتني إلى هذا ، ما كان أغناني وإياك عن بني عبد المطلب ).

ولم يرتدع ابن النابغة عن غيّه بل كان متمادياً في عناده ، وأزداد عتواً ونفوراً بعد أن أخذ مصر طعمة من معاوية ، فكان يرى لنفسه ما يشمخ به ، إلاّ أنّه ما أن يرى ابن عباس إلاّ وتتصاغر نفسه ، ويهبط من عليا كبريائه ، فيحمله الحسد على المراوغة والمداجاة ، وأخيراً إلى المراضاة تخفيفاً لغلوائه ، أنّى يجديه ذلك وفي كلّ مشهد ومقام يرى من ابن عباس ما يزري به ، ويغضّ من قدره.

ولنقرأ بعض المحاورات التي جرت بين ابن العباس وابن العاص. وكلّ منهما على سجيّته وجبَلَته :

____________________

(1) أنباء نجباء الأبناء لابن ظفر المكي / 80 ط مصر. والمعنى برّح به الأمر تبريحاً أي جهده ، والأشقر مَن الخجل حمرته صافية يحمّر معها العرف والذنب ، والمقر ـ ساكن ـ دقّ العنق ، والشيح ـ في لغة هذيل ـ الجادّ في الأمور.

٤٥٠

( لأنّك من اللئام الفجرة )

روى ابن عبد ربه الأندلسي في ( العقد الفريد ) :

( قال أبو مخنف. قال حج عمرو بن العاص. فمرّ بعبد الله بن عباس فحسده مكانه وما رأى من هيبة الناس له. وموقعه من قلوبهم.

فقال له : يا بن عباس ، مالك إذا رأيتني وليتني القصرة ، وكأن بين عينيك دبرة ، وإذا كنت في ملأ من الناس كنتّ الهوهات الهمزة.

فقال ابن عباس : لأنّك من اللئام الفجرة ، وقريش الكرام البررة ، لا ينطقون بباطل جهلوه ، ولا يكتمون حقاً علموه ، وهم أعظم الناس أحلاماً ، وأرفع الناس أعلاماً ، دخلتَ في قريش ولستَ منها ، فأنت الساقط بين الحيين ، لا في بني هاشم رحلك ولا في بني عبد شمس راحلتك ؛ فأنت الأثيم الزنيم الضال المضلّ ، حملك معاوية على رقاب الناس ، فأنت تسطو بحلمه ، وتسمو بكرمه.

فقال عمرو : أما والله أنّي لمسرور بك فهل ينفعني ذلك عندك؟

قال ابن عباس : حيث مال الحق ملنا ، وحيث سلك قصدنا )(1) .

( إنّ قريشاً تزعم أنّك أعلمها )

أخرج ابن النجار في تاريخه عن ابن عباس :

( أنّه دخل على معاوية وعنده عمرو بن العاص.

____________________

(1) العقد الفريد 2 / 318.

٤٥١

فقال عمرو : إن قريشاً تزعم أنّك أعلمها ، فلم سُميّت قريش قريشاً؟

فقال : بأمر بيّن.

فقال : ففسّره لنا ، ففسّره.

فقال : هل قال فيهم أحد شعراً؟

قال : نعم سميّت قريش قريشاً بدابة في البحر ، وقد قال الشمرخ بن عمرو الحميري :

وقريش هي التي تسكن البحر

بها سميّت قريش قريشاً

تأكل الغث والسمين ولا تترك

فيه لذي الجناحين ريشاً

هكذا في البلاد حيّ قريش

يأكلون البلاد أكلاً كميشا(1)

ولهم آخر الزمان نبيًّ

يكثر القتل فيهموا والخموشا(2)

يملأ الأرض خيله ورجال

يحشرون المطيّ حشراً كشيشا

هكذا رواه الزرقاني في ( شرح المواهب اللدنية )(3) ، وأخرجه ابن عساكر أيضاً إلاّ أنّه ذكر أنّ السائل كان معاوية ، ووصف ابن عباس الدابة بأنّها أعظم دواب البحر ، وعزا هذه الأبيات للجمحي.

____________________

(1) كميشاً : سريعاً.

(2) الخموش : الخدوش.

(3) شرح المواهب اللدنية 1 / 76 ط الأولى الأزهرية 1325 هـ.

٤٥٢

( فليت شعري بأيّ قدر تتعرض للرجال )

( حضر عبد الله بن جعفر مجلس معاوية ، فقال عمرو بن العاص : قد جاءكم رجل كثير الخلوات بالتمني ، والطربات بالتغني ، محبّ للقيان ، كثير مزاحه ، شديد طماحه ، صدود عن السنان ، ظاهر الطيش ، رخيّ العيش ، أخّاذ بالسلف ، منفاق بالسرف.

فقال له ابن عباس : كذبت والله أنت ، وليس كما ذكرت ، ولكنه لله ذكور ، ولنعمائه شكور ، وعن الخنا زجور ، جواد كريم ، سيد حليم ، إذا رمى أصاب ، وإذا سئل أجاب ، غير حصر ولا هيّاب ولا عيّابة مغتاب ، حلّ من قريش في كريم النصاب ، كالهزبر الضرغام ، الجريّ المقدام ، في الحسب القمقام ، ليس بدعيّ ولا دنيّ ، ولا كمن أختصم فيه من قريش شرارها ؛ فغلب عليه جزّارها ، فأصبح الأمها حسباً ، وأدناها منصباً ، ينوء منها بالذليل ، ويأذى منها إلى القليل ، مذبذب بين الحييّن ، كالساقط بين المهدين ، لا المضطر فيهم عرفوهُ ، ولا الظاعن عنهم فقدوه ؛ فليت شعري بأيّ قدر تتعرض للرجال ، وبأيُ حَسَب تعتد به تبارز عند النضال ، أبنفسك وأنت الوغد اللئيم ، والنكد الذميم ، والوضيع الزنيم ، أم بمن تنتمى إليهم ، وهم أهل السفه والطيش ، والدناء في قريش ، لا بشرف في الجاهلية شهروا ، ولا بقديم في الإسلام ذكروا ، جعلت تتكلم بغير لسانك ، وتنطق بالزور في غير أقرانك ، والله لكان أبين للفضل ، وأبعد للعدوان ، أن ينزلك معاوية منزلة البعيد السحيق ، فإنّه طالما سلسل داؤك ، وطمح بك رجاؤك ،

٤٥٣

إلى الغاية القصوى التي لم يخضرّ فيها رعيك ، ولم يورق فيها غصنك.

فقال عبد الله بن جعفر : أقسمت عليك لمّا أمسكت فإنّك ناضلت ولي قارضت.

فقال ابن عباس : دعني والعبد ، فإنّه قد كان يهدر خالياً ، ولا يجد ملاحياً ، وقد أتيح له ضيغم شرس ، للأقران مفترس ، وللأرواح مختلس.

فقال ابن العاص : دعني يا أمير المؤمنين أنتصف منه فوالله ما ترك لي شيئاً.

قال ابن عباس : دعه فلا يبقي المبقي إلاّ على نفسه ، فوالله إنّ قلبي لشديدٌ ، وإنّ جوابي لعتيد ، وأني لكما قال نابغة بني ذبيان :

وقَدِماً قد قرّعَتُ وقارعوني

فما نَزرُ الكلام ولا شجاني

يصدّ الشاعر العرآف عني

صدود البكر عن قرم هِجانِّ(1)

( لك يدان ووجهان )

ذكر البلاذري وغيره :

( قال قام عمرو بن العاص بالموسم فأطرى معاوية وبني أمية وتناول بني هاشم ، ثم ذكر مشاهده بصفين ويوم أبي موسى.

فقام إليه عبد الله بن عباس ، فقال : يا عمرو إنّك بعتَ دينك من معاوية

____________________

(1) المحاسن والأضداد للجاحظ / 101 ، المحاسن والمساويء للبيهقي 1 / 68 ط السعادة بمصر 1325.

٤٥٤

فأعطيته ما في يدك ، ومنّاك ما في يد غيره ، فكان الذي أخذهُ منك فوق الذي أعطاك ، وكان الذي أخذتَ منه دون ما أعطيته ، وكلٌ راضٍ بما أخذ وأعطى ، فلمّا صارت مصر في يدك تتّبعك بالنقص عليك والتعقّب لأمرك ، ثم بالعزل لك ، حتى لو أنّ نفسك في يدك لأرسلتها ، وذكرتَ يومك مع أبي موسى ، فلا أراك فخرتَ إلا بالغدر ، ولا منّيت إلاّ بالفجور والغش ، وذكرت مشاهدك بصفين ، فو الله ما ثقلتَ علينا يومئذ وطأتك ، ولا نكأت فينا جرأتك ، وإن كنت فيها لطويل اللسان وقصير السنان ، آخر الحرب إذا أقبلت ، وأوّلها إذا أدبرت ، لك يدان ، يد لا تقبضها عن شرّ ، ويد لا تبسطها إلى خير ، ووجهان ، وجه مؤنس ، ووجه موحش ، ولعمري إنّ من باع دينه بدنيا غيره لحريً أن يطول حزنه على ما باع وأشترى. أما إنّ لك بياناً ولكن فيك خَطل ، وإنّ لك رأياً ولكن فيك فشل ، ولك قدر وفيك حسد وإنّ أصغر عيبك فيك لأعظم عيب في غيرك.

فقال عمرو : أما والله ما في قريش أحد أثقل وطأة عليّ منك ، ولا لأحد من قريش قدر عندي مثل قدرك )(1) .

أقول : إنّ قول ابن عباس لعمرو : ( إنّك بعت دينك من معاوية ) إلى آخر كلامه الذي تابع فيه مزاعم عمرو في إطرائه لمعاوية وبني أمية ، وتناوله بني هاشم ثم ذكر مشاهده بصفين ، ويوم أبي موسى ، لم يرد فيه الردّ على إطراء

____________________

(1) البيان والتبيان للجاحظ 2 / 239 ، العقد الفريد2 / 459 ، التذكرة الحمدونية 7 / 196 ، نثر الدر للآبي أيضاً.

٤٥٥

عمرو لمعاوية وبني أمية ، ولا على تناوله بني هاشم ، وإنّما ورد فقط الردّ على مشاهد عمرو يوم صفين ويوم أبي موسى ، فيا ترى من الذي ضاق ذرعاً فلم يذكر ما قاله عمرو في معاوية وبني أمية وما تناول به بني هاشم؟ وماذا كان رد ابن عباس عليه في ذلك؟ إنّها غمغمة الرواة ، وإزمة التاريخ.

ومهما يكن نص ذلك المحذوف ، فهو لا يخرج في معناه عما بقي ، وفيه الدلالة على سفاهة عمرو إذ باع دينه من معاوية بمصر ، ومع ذلك لم تكن الصفقة رابحة لكلّ منها ، إذ كان معاوية يكيد عمروا ، وهو يكيد معاوية ، وما أكثر الشواهد على ذلك ، وحديث الوهط(1) ، وحده يكفي شاهداً.

فقد ذكر البكري في ( معجم ما استعجم ) : ( حدّث سفيان بن عمرو ابن دينار ، عن مولى لعمرو بن العاص : أنّ عمرواً أدخل في تعريش الوهط ألف ألف عود قام كلّ عود بدرهم ، فقال معاوية لعمرو : من يأخذ مال مصرين يجعله في وهطين ويُصلى سعير نارين )(2) .

وقد روى البلاذري في ( أنساب الأشراف ) بإسناده عن ميمون بن مهران : ( أنّ معاوية قال لعمرو بن العاص : أحبّ أن تصفح لي عن الوهط ضيعتك.

فقال : يا أمير المؤمنين أحبّ أن تعرض لي عنها.

____________________

(1) الوهط : الموضع المطمئن المستوى من الأرض ، وبه سمي الوهط مال كان لعمرو بن العاص كذا في لسان العرب.

(2) معجم ما استعجم 4 / 1384.

٤٥٦

قال : لا ، فأبى عمرو أن يفعل.

فقال معاوية : مثلك يا عمرو كمثل ثور في روضة ، إن تُرك رتع ، وإن هيج نطح.

فقال عمرو : ومثلك يا أمير المؤمنين مثل بعير في روضة يصيب من أخلاط الشجر فيها ، فرأى شجرة على صخرة زلاّء فرغب عمّا هو فيه ، وتعاطى الشجرة فتكسّر )(1) .

وروي البلاذري أيضاً : ( قال الهيثم بن عدي : أراد معاوية أن يأخذ أرضاً لعمرو بن العاص ، فكتب إليه عمرو بشعر ( هجى به ) خفاف بن ندبة :

أبا خراشة إمّا كنت ذا نفر

فإن قومي لم تأكلهم الضبعُ

وكلّ قومك يخشى منك بائقة

فأنفر قليلاً وأبصرها بمن تقعُ

فالسلم تأخذ منها ما رضيتَ به

والحرب يكفيك من أنفاسها الجُرَعُ(2)

وهكذا هي صحبة أهل الدنيا فيما بينهم : يتصاحبون على غير تقيً ويكيد بعضهم بعضاً.

فكذلك كان صحبة عمرو بن العاص مع معاوية ، فهو قد باع دينه بولاية مصر ، فخسرت صفقة البايع حيث بدت بوادر الخلاف بينهما ، فكان يكيد أحدهما الآخر ، فكانت عاقبة عمرو بن العاص عند معاوية سيئة ، رغم أنّه خالف الله ورسوله في طاعته ، وحالف الشيطان في نصرته.

____________________

(1) أنساب الأشراف 1 / ق4 / 68. تح إحسان عباس.

(2) نفس المصدر 1 / ق4 / 70 برقم 240.

٤٥٧

فقد روى البلاذري في ( أنساب الأشراف ) ، قال : ( وفد عمرو بن العاص على معاوية ومعه قوم من أهل حمص ، فأمرهم إذا دخلوا أن يقفوا ولا يسلّموا بالخلافة ، فلمّا دخلوا ، قالوا : السلام عليك يا رسول الله ، وتتابعوا على ذلك ، فضحك معاوية ، وقال : أعزبوا وزجرهم؟

فلما خرجوا قال لهم عمرو : نهيتكم عن أن تسلّموا بالخلافة فسلّمتم بالنبوة ، عليكم لعنة الله )(1) .

وهذا ما رواه الطبري في تاريخه ، وابن الأثير في كامله ، وابن كثير في ( البداية والنهاية ) ، ولكن مع أهل مصر. إذ لم يقف عمرو بن العاص عند تلك التجرية الأولى موقف المتبصر المعتبر فيأخذ العبرة ، بل ازداد في كيده ، وإلى القارئ الخبر بلفظ الطبري ، قال : ( أخبرت أن عمرو بن العاص وفد إلى معاوية ومعه أهل مصر ، فقال لهم عمرو : أنظروا إذا دخلتم على ابن هند فلا تسلّموا عليه بالخلافة ، فإنّه أعظم لكم في عينه ، وصغّروه ما استطعتم.

فلمّا قدموا عليه ، قال معاوية لحجّابه : إنّي كأنّي أعرف ابن النابغة ، وقد صغّر أمري عند القوم ، فأنظروا إذا دخل الوفد فتعتعوهم أشد تعتعة تقدرون عليها ، فلا يبلغني رجل منهم إلاّ وقد همّته نفسه بالتلف ، فكان أوّل من دخل عليه رجل من أهل مصر يقال له ابن الخيّاط وقد تُعتع ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، فتتايع القوم على ذلك ، فلمّا خرجوا قال لهم عمرو : لعنكم الله ،

____________________

(1) نفس المصدر 1 / ق4 / 31.

٤٥٨

نهيتكم أن تسلّموا عليه بالإمارة فسلّمتم عليه بالنبوة )(1) .

وأطرف من هذا وذاك رؤيا عمرو للخلفاء الثلاثة ومعاوية فقصّها على معاوية ، فأجابه معاوية مستهزءاً به بما يأتي كما في ( معجم ما استعجم ) للبكري في مادة ( الحزورة(2) ، فليقرأها القارئ ليعرف مكايدة أحدهما للآخر :

( وقال عمرو بن العاص لمعاوية : رأيت في منامي أبا بكر حزيناً ، فسألته عن شأنه ، فقال : وُكّل بي هذان لمحاسبتي ، وإذا صحف يسير ورأيت عمر كذلك ، وإذا صحف مثل الحزورة ورأيت عثمان كذلك ، وإذا صحف مثل الخندمة(3) ورأيتك يا معاوية وصحفك مثل أحد(4) وثبير.

فقال له معاوية : أفرأيت ثَمَّ دنانير مصر ( برابي مصر )؟ )(5) .

فهذا الكلام هو رؤيا منام فإن صحت الأحلام ينبئ عن سوء عقيدة عمرو بن العاص بكلّ الخلفاء الذين ذكرهم ، فهو لم يقل عن واحد منهم لم يكن حزيناً ، وأن صحيفته خالية ممّا يؤاخذ ويحاسب عليه ، فقال عن أبي بكر رأيته حزيناً ، وقال عن عمر كذلك ، وعن عثمان كذلك ، وكلّ

____________________

(1) تاريخ الطبري 5 / 330 ط دار المعارف ، الكامل 4 / 7 ، البداية والنهاية ابن كثير 8 / 140 ط السعادة بمصر.

(2) الحزورة : موضع بمكة يلي البيت.

(3) الخندمة : اسم جبل بمكة.

(4) أحد : جبل تلقاء المدينة.

(5) معجم ما استعجم2 / 445 ، تحقيق مصطفى السقى ط القاهرة 1366 هـ.

٤٥٩

منهم لديه صحفاً منشّرة يحاسب عليها ، وقد تزايدت صحائف المتأخر على المتقدم ، حتى أضحت صحائف عثمان في حجم جبل الخندمة ، أما صحف معاوية فهي في حجم جبلي أحد وثبير.

واللافت للنظر أنّه لم يذكر عليّاً معهم ، إمّا لأنّه لا يراه خليفة ، مع إجماع المسلمين ـ إلاّ من شذّ ـ أنّه كان خليفة وإن عدّوه رابع الخلفاء ، ولعلّه إنّما لم يذكره لأنه لم ير فيه ما يشين سلوكه في سيرته أيام خلافته ، لأنّه كان مع الحق والحق معه ، وشعر ابن النابغة في القصيدة الجلجلية يشهد بذلك(1) .

( ما أرسلت كلمة إلا أرسلت نقيضها )

( دخل ابن عباس على عمرو بن العاص في مرضه فسلَم عليه ، وقال : كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟

قال : أصبحت وقد أصلحتُ من دنياي قليلاً ، وأفسدتُ من ديني كثيراً ، فلو كان الذي أصلحت هو الذي أفسدت ، والذي أفسدت هو الذي أصلحت لفزت ، ولو كان ينفعني أن أطلب لطلبت ، ولو كان ينجيني أن أهرب هربت ، فصرت كالمنجنيق بين السماء والأرض لا أرقى بيدين ولا أهبط برجلين(2) ، فعظني بعظة أنتفع بها يا بن أخي.

____________________

(1) أنظر الغدير 2 / 176 ط مركز الغدير.

2 ـ ذكر ابن أبي الحديد في شرح النهج 2 / 113 : ( أن ابن عباس قال له : يا ابا عبد الله كنت تقول أشتهي أن أرى عاقلاً يموت حتى أسأله كيف تجد؟

قال : أجد السماء كأنها مطبقة على الأرض وأنا بينها ، وأراني كأنما أتنفس من خرق إبرة ).

٤٦٠