موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ١٠

موسوعة عبد الله بن عبّاس0%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 477

موسوعة عبد الله بن عبّاس

مؤلف: السيد حسن الموسوي الخرسان
تصنيف:

الصفحات: 477
المشاهدات: 50163
تحميل: 4883


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50163 / تحميل: 4883
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء 10

مؤلف:
العربية

أبغضنا أهل البيت فهو منافق )(1) ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ولا يبغضنا أهل البيت أحدٌ إلا أدخله الله النار )(2) ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحدٌ إلا أدخله الله النار )(3) .

أخرج أحمد بن حنبل في ( فضائل الصحابة ) وفي ( المسند ) بسنده عن عبد الله بن بريدة ، قال : ( حدثني أبي بريدة ، قال : أبغضتُ عليّاً بغضاً لم أبغضه أحداً قط.

قال : وأحببتُ رجلاً من قريش ـ هو خالد بن الوليد كما في بقية طرق الحديث ـ إلاّ على بغضه عليّاً.

قال : فبُعث ذلك الرجل على خيل فصحبته ، ما أصحبه إلاّ على بغضه عليّاً.

قال : فأصبنا سبياً ، قال : فكتب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إبعث إلينا من يخمّسه.

قال : فبعث إلينا عليّاً ، وفي السبي وصيفة هي من أفضل السبيّ ، فخمّس وقسّم ، فخرج ورأسُه يقطر.

فقلنا : يا أبا الحسن ما هذا؟

قال : ألم ترو إلى الوصيفة كانت في السبي ، فإنّي قسّمت وخمّست فصارت في الخمس ، ثم صارت في أهل بيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم صارت في آل عليّ ، فوقعتُ بها.

____________

1 ـ مسند أحمد بإسناده عن أبي سعيد الخدري.

2 ـ كشف الإسناد عن مسند البزار 4 / 122 ، حديث3348.

3 ـ مستدرك الحاكم 3 / 150.

١٢١

قال : وكتب الرجل إلى نبيّ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلت : أبعثني ، فبعثني مصدّقاً.

قال : فجعلت أقرأ الكتاب وأقول : صدق.

قال : فأمسك يدي والكتاب ، قال : ( أتبغض عليّاً؟ ).

قال : قلت : نعم.

قال : ( فلا تبغضه ، وإن كنت تحبّه فازدد له حبّاً ، فوالذي نفس محمّد بيده لنصيب آل عليّ في الخمس أفضل من وصيفة ).

قال : فما كان من الناس أحداً بعد قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبّ إليّ من عليّ )(1) .

____________

1 ـ فضائل أهل البيت من كتاب فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل / 203 ط الثانية بتحقيق محمد كاظم المحمودي.

١٢٢

ابن عباس وقريش النواصب

لقد قرأنا فيما مرّ في الحلقة الأولى من الموسوعة في الجزء الثاني بعض محاوارت ابن عباسرضي‌الله‌عنه مع بعض رموز القرشيين ممن ناصبوا الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام العداوة والشنئان ، وذلك في ( مظاهر الحبّ والبغض بين قريش وبين بني هاشم ) ، وقد كان أشدّ قريش عداوة هم بنو مخزوم وبنو أمية ، وفيهم نزل قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ) (1) .

راجع تاريخ البخاري ، وتفاسير ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والسيوطي في تفسير الآية الكريمة ، تجد قول عمر : ( هما الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو أمية ، فأمّا بنو المغيرة فقد كفيتموهم يوم بدر ، وأمّا بنو أمية فمتّعوا إلى حين )(2) .

وقد سأل ابن عباس من عمر عن هذه الآية لينتزع منه إعترافاً يحتج به ، أو أراد على نحو ما مرّ من سؤاله عن اللتين تظاهرتا فقال له : ( هما عائشة وحفصة ) ، وفي المقام أحسّ عمر بما في نفس ابن عباس ، فقال له : ( هما الأفجران : أخوالي وأعمامك ، فأمّا أخوالي فاستأصلهم الله يوم بدر ، وأمّا

____________

1 ـ إبراهيم / 28.

2 ـ أنظر تفسير الدر المنثور 4 / 84 تجد التصريح بالنقل عمن ذكرناهم في المتن.

١٢٣

أعمامك فأملى الله لهم إلى حين )(1) .

ولم أجد كلمة أبلغ في التصوير ، وأفصح في التعبير من قول عمر في محاورة له مع ابن عباس حول الخلافة وأنّ قريشاً كرهت أن تجتمع لكم النبوة والخلافة ، فقال : ( إنّهم لينظرون إليكم نظر الثور إلى جازره )(2) !!

لماذا هذا الحقد؟!

لأنّ رسالة الإسلام حملها نبيّ قرشي هاشمي ، وهذا هو الذي أثار حفائظ المشركين.

ألم يقل أبو جهل لهم وهو زعيم بني مخزوم ، فسأله أصحابه وهو يسير إلى بدر لحرب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أرأيت مسيرك إلى محمّد أتعلم أنّه نبيّ؟ قال : نعم ، ولكن متى كنّا تبعاً لعبد مناف(3) .

وأعطف عليه أبا سفيان شيخ الأمويين الذي لم يؤمن بالإسلام أبداً كما أفصح هو بنفسه عن عقيدته الكافرة. ألم يقل لبني أمية حين ولي عثمان الخلافة : ( تلقفوها تلقف الكرة ، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من جنّة ولا نار ولا بعث ولا قيامة )(4) !! فثمة نفثات أقلام حول أبي سفيان الغنوصي ، وهو الذي قاد المشركين يوم أحد ويوم الخندق ، وهو رأس المنافقين بعد فتح مكة ، فأورث حقده لابنه معاوية.

____________

1 ـ نفس المصدر.

2 ـ شرح النهج لابن أبي الحديد 1 / 63 ط مصر ( الأولى ).

3 ـ المصنف لابن أبي شيبة 14 / 373 ط دار القرآن والعلوم الإسلامية.

4 ـ راجع موسوعة عبد الله بن عباس / الحلقة الأولى 2 / 180 ، وكتاب علي إمام البررة 3 / 395.

١٢٤

لماذا هذا الحقد؟

والجواب : قول عثمان الذي رواه ابن عباس ، قال : ( وقع بين عثمان وعليّعليه‌السلام كلام ، فقال عثمان : ما أصنع إن كانت قريش لا تحبّكم ، وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين كأنّ وجوههم شنوف الذهب ، تكرع أنفُهم قبل شفاههم )(1) . فهذا هو السبب الحقيقي في كراهة قريش ، وهو الذي عناه عمر بقوله المتقدم.

ولقد كان الإمامعليه‌السلام وابن عباس وبنو هاشم يعرفون أسباب الحقد القرشي ، فكان الإمامعليه‌السلام يقول : ( مالي ولقريش ، والله لقد قاتلتهم كافرين ، ولأقتلنهم مفتونين ، وإنّي لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم.

أللهم إنّي أستعديك على قريش ومن أعانهم ، فإنّهم قطعوا رحمي وصغروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي )(2) .

وكان يقول :

تلكم قريش تمنّاني لتقتلني

فلا وربك ما برّوا وما ظفروا

فإن هلكت فرهن ذمتي لهمُ

بذات روقين ما يعفو لها أثر(3)

والآن إلى السؤال الذي يفرض نفسه عن تفجع عثمان لقتلى السبعين من قريش ببدر ، وبراعته في التصوير لوجوههم وآنافهم؟

____________

1 ـ معرفة الصحابة لأبي النعيم 1 / 300 ـ 301 ط الأولى.

2 ـ نهج البلاغة 2 / 103 ( عبدة ).

3 ـ الفائق للزمخشري ( روق ) راجع ج2 من الحلقة الأولى من الموسوعة.

١٢٥

إذا كانوا مستحقي القتل ، فما ذنب من قتلهم؟ فهم كفار مشركون ، جاءوا إلى الإسلام وهو في مهاجره ليحاربوه ، وشبت الحرب فقتلوا بسيف المسلمين ، ففيم التلهف والتأسف من عثمان وهو في مركزه القيادي في الإسلام؟!

إنّها الرواسب الأموية التي لم تفارق خليفتهم ، فهو دائم الحنين إليهم وعليهم ، وكأنّه لم يمحض الإسلام قلبه ، فيمحو رواسب أمويته المحمومة ، حتى كان يتمنى ( لو بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوا من عند آخرهم )(1) .

( معاوية وريث الحقد القرشي والكفر الأموي )

لئن تصاعدت حُمّى الحَميّة الجاهلية الكافرة في غليانها ، فأعلنت الكفر بالله تعالى من خلال إعلان معاوية سبّ الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام من على منابر المسلمين ، تشفيّاً لما أصاب سيف الإمامعليه‌السلام من إراقة دماء بني أمية في حرب بدر ، فلا بدع ولا غرابة ، فقد ورث البغض والشنئان ، والإحن والأضغان من أبيه أبي سفيان ، رأس الكفر والضلالة في الجاهلية والإسلام ، فمواقفه في أحد والأحزاب وغيرهما تنبئ عن حقده الدفين ، على النبيّ الأمينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبني هاشم الطيبين ، فهو الذي يطعن بشدق حمزة سيد الشهداء وهو شلو صريع ، وقال : ( ذق عقق )! ولم يدخل حظيرة المسلمين إلاّ بعد أن قال له العباس وقد جاء به

____________

1 ـ راحع مسند أحمد 1 / 217 ط محققة ( شاكر ) و 1 / 62 ط دار أفست عن المصرية الأولى.

١٢٦

مستأمناً قبل فتح مكة : ( أسلم قبل أن تضرب عنقك ). فقال كلمة الإسلام ليحقن بها دمه ، ولم يتخل عن كفره وزندقته ، فخرج مع المسلمين في حرب حنين ، ومعه الأزلام يستقسم بها ، وقولته التي سمعها منه ابن الزبير يوم اليرموك كشفت عن دخيلته المنافقة ، وقد رواها أهل السير والتاريخ وأهل الأدب ، وهي كما في ( التذكرة الحمدونية ) ، و ( الإستيعاب ) ، و ( أسد الغابة ) ، في ترجمته :

( قال عبد الله بن الزبير : فرأيت جماعة من الطلقاء فيهم أبو سفيان بن حرب ، فوقفت معهم ، فكانت الروم إذا هزَمت المسلمين ، قال أبو سفيان : إيه بني الأصفر ، فإذا كشفهم المسلمون ، قال أبو سفيان :

وبنو الأصفر الكرام ملوك الروم

لم يبق منهم مذكور

فلمّا فتح الله على المسلمين حدثت أبي ، قال : قاتله الله ، أبى إلاّ نفاقاً ، أفلسنا خيراً له من بني الأصفر؟

ثم كان يأخذ بيدي فيطوف بي على أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقول : حدّثهم ، فأحدّثهم فيعجبون من نفاقه )(1) .

أقول : وماذا قال أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد سمعوا بكلمته التي قالها لعثمان لمّا ولي الأمر : ( يا عثمان إنّ الأمر أمر عالمية ، والملك ملك جاهلية ، فاجعل أوتاد الأرض بني أمية ، إنّ الخلافة صارت في تيم وعدي حتى

____________

1 ـ التذكرة الحمدونية 9 / 170 ط صادر ، الإستيعاب 4 / 1679 ، اسد الغابة 5 / 216.

١٢٧

طمعت فيها ، وقد صارت إليكم ، تلقفوها تلقف الكرة ، فو الله ما من جنّة ولا نار ( فماذا بعد الكفر إلاّ الضلالة ).

وقد ذكر ابن حبيب البغدادي في كتابيه ( المحبّر ) و ( المنمّق ) أسماء الزنادقة من قريش ، فكان أبو سفيان ، وعقبة بن أبي معيط ، والوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، وأبيّ بن خلف ، والنضر بن الحارث ، وقال عنهم : ( تعلّموا الزندقة من نصارى الحيرة )(1) .

فهذا والد معاوية الطليق بن الطليق ، والزنديق بن الزنديق ، كما سيأتي التصريح بكفره من واليه وصهره المغيرة بن شعبة وغيره؟

أمّا أمّه ، فهي هند بنت عتبة ، قال ابن إسحاق : ( ووقعت هند بن عتبة ـ كما حدثني صالح بن كيسان ـ والنسوة اللاتي معها يمثّلن بالقتلى من أصحاب رسول الله ، يجدّعن الآذان والأنف ، حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنفهم خذماً وقلائد ، وأعطت خدمها وقلائدها وقرطها وحشياً غلام جبير بن مطعم ، وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها ، فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها )(2) .

فمعاوية ربيب هذين الكافرين ، وكان يعيّر بأمّه فهو ابن آكلة الأكباد.

ومالنا نشتط بعيداً للدلالة على كفره وأمامنا شهادة المغيرة بن شعبة وهو ممن لا يتهم في شهادته عليه بذلك ، لأنّه كان صهره على أخته ، وواليه على الكوفة ، فلنقرأ ماذا قال المغيرة في كفر معاوية وخبثه :

____________

1 ـ المحبّّر / 161 ، المنمّق / 487 ط حيدر آباد الهند.

2 ـ سيرة ابن اسحاق المسماة كتاب السير والمغازي / 333 تح الدكتور سهيل زكار ط دار الفكر بيروت 1398 هـ 1971 م.

١٢٨

( كفر معاوية بشهادة المغيرة بن شعبة وغيره )

ليعلم القارئ ـ أيّاً كان ـ إنّا لن نستفزّ مشاعره بالتجاوز عن حدود الأدب الإسلامي ، فما ذكرناه في العنوان إنّما ذلك هو دون ما قاله المغيرة بن شعبة في معاوية بن أبي سفيان ، وهو غير متهم عليه فيه ، فقد كان من رجاله المخلصين ، ثم هو واليه على الكوفة ، وفوق هذا وذاك كان مصاهراً له على أخته آمنة بنت أبي سفيان(1) ، وقد شهد بكفر معاوية وخبثه في حديثه مع ابنه المطرف بين المغيرة بعدما عاد من معاوية في ليلة مغتمّاً متبرّماً وهو يتأفف ، فسأله ابنه عن سبب تأففه وغمّه؟ فقال : ( يا بني جئت من أكفر الناس وأخبثهم ) ، ثم حدّثه بما سمعه من كلام معاوية ممّا ساءه سماعه وهو قول معاوية : ( وإنّ ابن أبي كبشة ليصاح به في كلّ يوم خمس مرات ( أشهد أنّ محمّد رسول الله ) فأيّ عمل يبقي؟ وأيّ ذكر يدوم بعد هذا. لا أباً لك؟ لا والله إلاّ دفناً دفناً )(2) .

وليس دون كلمة معاوية هذه فظاعة وكفراً ما قاله عند سماع المؤذن يقول : ( أشهد أنّ محمّد رسول الله ) ، فقال معاوية : ( لله أبوك يا بن عبد الله ، لقد كنت عالي الهمة ، ما رضيت لنفسك إلاّ أن تقرن اسمك باسم ربّ العالمين )(3) .

وثالثة الأثافي ما قاله لبني أمية : ( يا معشر بني أمية إنّ محمّداً لم يدع

____________

1 ـ جاء في أنساب الأشراف للبلاذري 1 / 6 بتحقيق إحسان عباس ، إنه خلف عليها بعد زوجين هما حويطب بن عبد العزّ ى في قريش ، ثم صفوان بن أمية الجُمحي.

2 ـ الموفقيات / 576 ط أوقاف بغداد ، مروج الذهب 4 / 40 في أوآخر ترجمة المأمون العباسي ، شرح نهج البلاغة 2 / 176ط مصر الأولى ، كشف الغمة 1 / 556.

3 ـ شرح نهج البلاغة 2 / 537 ط مصر الأولى و 10 / 101 ط محققة.

١٢٩

من المجد شيئاً إلاّ حازه لأهله وقد أعنتم عليهم بخلتين : في ألسنتهم ذَرَب ، وفي العرب أنف ، وهم محدودون ) ، ثم جعل يوصيهم فيما يفعلون بما يبلغوا به مرادهم وعنادهم(1) .

وقد أنكر عليه المخضرم الجاهلي الإسلامي المعمر أمد بن أبد الحضرمي الذي سأله هل رأيت أمية ، فأجابه بما أساءه ، وعن هاشم فأحسن وصفه ، فتميّز غيظاً ، فقال له : أفرأيت محمّداً؟ قال : ومن محمّد؟ قال : رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأنكر الرجل ذلك ، وقال له : ويحك أفلا فخمتَه كما فخّمه الله تعالى فقلت ( رسول الله )(2) .

وأنكر من ذلك كلّه ، أنّ بنيامين اليهود النضري تناول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوصفه بالغدر علانية بمحضره وفي مجلسه ولم ينكر عليه! فأغضب ذلك محمد بن مسلمة الأنصاري وكان حاضراً ، فقال : يا معاوية ، أتمسك عنه وقد نسب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الغدر ، فقال لليهودي : أخرج عنّا ، وطلبه محمد فلم يقدر عليه ، وقال لمعاوية : لا كلّمتك أبداً ، ولأقتلنّ اليهودي إن قدرت عليه(3) .

وقد تجاوز الحدّ حين سلّم عليه وفد أهل مصر ـ حمص ـ بالرسالة ، فلم

____________

1 ـ أنساب الأشراف 1 / 51 ق 4 تح الدكتور احسان عباس.

2 ـ كتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني / 109 تحقيق عبد المنعم عامر ط دار احياء الكتب العربية بمصر سنة 1961.

3 ـ أنساب الأشراف 1ق 4 / 160. وهذا ذكره الواقدي في مغازيه ، كما ذكره ابن تيمية في كتابه الصارم المسلول في كفر شاتم الرسول 2 / 285 ط الأولى دار ابن حزم بيروت 1417 هـ.

١٣٠

يردعهم. وأنكر عمرو بن العاص ذلك منهم ولعنهم(1) .

وحسب القارئ ما تقدم من شواهد كفر معاوية ، وقد أنكر عليه ذلك المغيرة ، ومحمد بن مسلمة ، وعمرو بن العاص ، وهؤلاء جميعاً من الصحابة ، كما أنّه ليس بدونهم في قبول قوله عند أموي الهوى في هذا الزمان ما قاله المحدثون

فبعد هذا لا لوم على الجاحظ ـ وهو في عثمانيته وغير متهم في إدانته ـ حيث يقول عن كفر معاوية في رسالته في بني أمية :

( استبدّ معاوية على الملك ، وأستبدّ على بقية الشورى وعلى جماعة المسلمين من الأنصار والمهاجرين في العام الذي سمّوه عام الجماعة ، وما كان عام جماعة ، بل كان عام فُرقة وقهر وجبرية وغلبة ، والعام الذي تحوّلت فيه الإمامة ملكاً كسروياً ، والخلافة منصباً قيصرياً ، ولم يعد ذلك أجمع الضلال والفسق ، ثم ما زالت معاصيه من جنس ما حكينا وعلى منازل ما رتبنا.

حتى ردّ قضية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ردّاً مكشوفاً ، وجحد حكمه جحداً ظاهراً في ولد الفراش ، وما يجب للعاهر ، مع إجماع الأمّة على أن سميّة لم تكن لأبي سفيان فراشاً ، وإنّه إنّما كان بها عاهراً ، فخرج بذلك من حكم الفجار إلى حكم الكفّار.

____________

1 ـ البلاذري في أنساب الأشراف 1 / 31 ق 4 ، تاريخ الطبري 5 / 230 ـ 231 ط دار المعارف ، ورواه ابن الأثير ابن كثير أيضاً في تاريخيهما بتفاوت يسير في الجميع.

١٣١

وليس قتل حجر بن عدي ، وإطعام عمرو بن العاص خراج مصر ، وبيعة يزيد الخليع ، والإستئثار بالفيء ، واختيار الولاة على الهوى ، وتعطيل الحدود بالشفاعة والقرابة ، من جنس جحد الكتاب وردّ السنّة ، إذ كانت السنّة في شهرة الكتاب وظهوره ، إلاّ أنّ أحدهما أعظم ، وعقاب الآخرة عليها أشدّ.

فهذه أوّل كفرة كانت من الأمّة ، ثم لم تكن إلاّ فيمن يدّعي إمامتها والخلافة عليها ، على أنّ كثيراً من أهل ذلك العصر قد كفروا بترك إكفاره ، وقد أربت عليهم نابتة عصرنا ، ومبتدعة دهرنا ، فقالوا : ( لا تسبّوه فإنّ له صحبة ) ، و ( سبّ معاوية بدعة ) ، و ( من يبغضه فقد خالف السنّة ) ، فزعمت من السنّة ترك البراءة ممن جحد السنّة إلى آخر ما ذكر من جرائم الأمويين.

إلى أن قال : فإن كان على ما وصفنا لا يعدو الفسق والضلال ، وذلك أدنى منازله ، فالفاسق ملعون ، ومن نهى عن شتم الملعون فملعون )(1) .

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : ( قال شيخنا أبو القاسم البلخي رحمه الله تعالى : قول عمرو : دعنا عنك ، كناية عن الإلحاد بل تصريح به ـ أي دع هذا الكلام لا أصل له ، فإنّ إعتقاد الآخرة وأنّها لا تُباع بعرض الدنيا من الخرافات ـ قال رحمه الله تعالى : وما زال عمرو بن العاص ملحداً ما تردد قط في الإلحاد والزندقة ، وكان معاوية مثله ، ويكفي من تلاعبهما بالإسلام حديث السرار المروي ، وأنّ معاوية عض أذن عمرو ، أين هذا من أخلاق

____________

1 ـ رسالة الجاحظ / 292 ـ 297 ، الرسالة الحادية عشر ، جمع ونشر حسن الطبعة الأولى بالمطبعة الرحمانية بمصر1352 هـ.

١٣٢

عليعليه‌السلام وشدّته في ذات الله ، وهما مع ذلك يعيبانه بالدعابة )(1) .

أقول : فهذه جملة من أقوال الذين قالوا بكفر معاوية بصراحة لا لبس فيها ، وهم بدءاً من المغيرة بن شعبة ، ومروراً بمن ذكرنا حتى الجاحظ ، كلّهم لا يتهمون عليه ، لأنّهم من رموز أهل السنة المبرّزين ، وقد قالوا فيه حقيقة ما عرفوه عنه ، وتأبى الحقيقة إلاّ أن تنتزع نفسها وإن رُغمت معاطسهم.

ويزداد الباحث إطمئناناً بصحة شهادات أولئك لأنّهم جميعاً ليسوا من الفئات التابعة للإمامعليه‌السلام ، وإنّما ذكرت أقوالهم للدلالة على كفر معاوية ، ولئلا يستفز العنوان مشاعر بعض الناس ممن لا يزال مخدوعاً بأكاذيب جعلت معاوية من كتّاب الوحي وهو خال المؤمنين وو إلى كثير من المفتريات التي ذكرت له ، لترفع بضبعه إلى مصاف الصحابة المهتدين.

ولعلّ كثيراً من المخدوعين لم يقرأوا ولم يعلموا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد لعن معاوية من قبل من ذكرناهم آنفاً. وقد يرى البعض في هذا إستفزازاً آخر وأكثر إيلاماً وإيغالاً في نسف بهرجة ما ذكروه لمعاوية برواية المتزلفة من شيوخ الفقه السلطاني.

أمّا نحن فعلينا أن نهدئ من رَوع القارئ فنذكر له موارد اللعن ومصادره ، ونحيله على كتاب ( النصائح الكافية لمن يتولى معاوية ) للسيد الشريف العلاّمة المتظلع ( السيد محمد بن عقيل العلوي الحسيني الشافعي ) المتوفى سنة ( 1350 هـ ) ، وهو كتاب قيّم ومن خيرة الكتب في بابه ، وقد طبع

____________

1 ـ شرح النهج 1 / 137 ط مصر الأولى.

١٣٣

مكرراً منذ سنة ( 1321 هـ ) في الهند ، ثم سنة ( 1366 هـ ) ببغداد ، ثم سنة ( 1386 ) بالنجف الأشرف ، ثم توالت طبعاته في إيران وبيروت فيما أحسب أيضاً ، ونرشده لقراءة ما ذكره ابن حجر الهيتمي المكي المتوفي سنة ( 974 هـ ) في كتابه ( تطهير الجنان واللسان عن الخطور والتفوّه بثلب سيدنا معاوية بن أبي سفيان ) ، فهو كتاب في الدفاع عن معاوية ، فليس المؤلف بمتهم في نقله ، فقد قال :

( وجاء بسند رجاله رجال الصحيح إلاّ واحداً فمختلف فيه ، لكن قوّاه الذهبي بقوله : ( إنّه أحد الأثبات وما علمت فيه جرحاً أصلاً ) : أن عمرو بن العاص صعد المنبر فوقع في عليّ ، ثم فعل مثله المغيرة بن شعبة. فقيل للحسن : إصعد المنبر لتردّ عليهما ، فامتنع إلاّ أن يعطوه عهداً أنّهم يصدّقونه إن قال حقاً ، ويكذّبونه إن قال باطلاً.

فأعطوه ذلك ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ( أشهدك الله يا عمرو ويا مغيرة أتعلمان أنّ رسول الله صلى الله عليه ( وآله ) وسلم لعن السائق والقائد ، هما أبو سفيان ومعاوية )؟

قالا : بلى.

ثم قال : ( أنشدك الله يا معاوية ويا مغيرة ألم تعلما أنّ النبيّ صلى الله عليه ( وآله ) وسلم لعن عمراً بكلّ قافية قالها لعنة )؟

قالا : اللهم بلى.

ثم قال : ( أنشدك الله يا عمرو ويا معاوية ألم تعلما أنّ النبيّ صلى الله عليه ( وآله ) وسلم لعن قوم هذا )؟

١٣٤

قالا : بلى.

قال الحسن : ( فإنّي أحمد الله الذي جعلكم فيمن تبرأ من هذا ـ يعني عليّاً ـ مع أنّه صلى الله عليه ( وآله ) وسلم لم يسبّه قط ، وإنّما كان يذكره بغاية الجلالة والعظمة )(1) .

( بدعة السبّ منتهى النُصب )

روى ابن عبد ربه الأندلسي في ( العقد الفريد ) في ( أصناف الإخوان ) في ( كتاب الياقوتة 2 / 307 ) : وفد رحيم الكلبي على أمير المؤمنينرضي‌الله‌عنه فما زال يذكر معاوية ويطريه في مجلسه ، فقال له عليّرضي‌الله‌عنه :

صديق عدّوي داخل في عداوتي

وإنّي لمن ودّ الصديق ودود

فلا تقربن مني وأنت صديقه

فإنّ الذي بين القلوب بعيد(2)

موقفٌ أمويٌ صارخ في التحدّي ، ولولا حلم أمير المؤمنينعليه‌السلام وسعة أخلاقة

____________

1 ـ تطهير الجنان واللسان عن الخطور والتفوّه بثلب سيدنا معاوية بن أبي سفيان ، بهامش الصواعق المحرقة / 120 ط الميمنية بمصر 1312 هـ. نقل هذا أيضاً السيد ابن عقيل في كتابه المشار إليه أعلاه / 11 ط الحيدرية بالنجف ، ومسألة لعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمعاوية وأبيه وأخيه ، روتها أم سلمة أم المؤمنين ، ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان جالساً فمرّ أبو سفيان على بعير ومعه معاوية وأخ له أحدهما يقود البعير والآخر يسوقه فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لعن الله الحامل والمحمول والقائد والسائق ) ، وهذا رواه البلاذري في أنساب الأشراف 4 / 129 ق 1 بتحقيق الدكتور إحسان عباس وذكر في الهامش تخريجه عن تاريخ الطبري 3 / 2170 ط أوربا وفيه يزيد وأبنه ، وشرح النهج 2 / 120 وفيه وأخوه عتبة.

2 ـ العقد الفريد 2 / 307 تح أحمد أمين وأحمد الزين وإبراهيم الابياري ط مصر سنة1359 هـ ـ 1940 م.

١٣٥

الفاضلة ، لأنزل بالكلبي عقوبة رادعة ، إلاّ أنّهعليه‌السلام اكتفى بقراءة البيتين في نهيه عن الاٍستمرار في غيّه.

وأستمرت سيرة أذناب معاوية في التحدي من بعد شهادة الإمامعليه‌السلام ، فكانت لهم في خصوص الحرمين الشريفين ( مكة والمدينة ) مواقف مخزية ، بعد أن رجع الإمام الحسنعليه‌السلام وأهل البيتعليهم‌السلام من العراق إلى مهابط الوحي والتنزيل، فكان الأمويون يسمعونهم شتم الإمامعليه‌السلام جهاراً نهاراً ، فيردّ عليهم الإمام الحسنعليه‌السلام ، كما في حديث علي بن أبي طلحة مولى بني أمية ، قال :

( حج معاوية ومعه معاوية بن حُديج وكان من أسبّ الناس لعليّ ، فمرّ في المدينة والحسن والحسين في جماعة من أصحابه ، فأتاه رسول فقال : أجب الحسن ، فأتاه فسلّم عليه ، فقال له : ( أنت معاوية بن حُديج )؟

قال : نعم.

قال : ( فأنت السابّ عليّاًرضي‌الله‌عنه

قال : فكأنه أستحيى.

فقال : ( أما والله لئن وردتَ عليه الحوض ـ وما أراك ترده ـ لتجده مشمّراً الإزار على ساق يذود عنه رايات المنافقين ذود غريبة الإبل ، قول الصادق المصدق ،( وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ) (1) )(2) .

____________

1 ـ طه / 61.

2 ـ رواه الذهبي في سير أعلام النبلاء 4 / 231 ط دار الفكر ، عن ابن عساكر بسنده وراجع المتن في مختصر في تاريخ مدينة دمشق 24 / 393 ط دار الفكر.

١٣٦

وما كان ابن حُديج يجرأ على السبّ لولا تعميم ابن هند أوامره الصارمة بفرض السبّ المقذع ، فكان يأمر الولاة بتشديد العقوبة بمن لا يرضى بالسبّ. وقد بدأ هو بنفسه تطبيق ذلك الإجراء الصارم حين أستلب الأمر من الإمام الحسنعليه‌السلام باسم الصلح ، فكأنّ المهادنة فرشت له المهاد ، فساس بظلمه العباد والبلاد.

قال الجاحظ في ( البيان والتبيين ) : ( وجلس معاوية بالكوفة يبايع الناس على البراءة من عليّ رحمة الله ، فجاء رجل من بني تميم فأراده على ذلك ، فقال يا أمير المؤمنين نطيع أحياءكم ولا نبرأ من موتاكم ، فالتفت إلى المغيرة ، فقال : إنْ هذا رجل ، فاستوص به خيراً )(1) .

وروى الطبري وغيره : ( أنّه قال للمغيرة لمّا ولاه الكوفة في جمادى الأولى سنة ( 41 هـ ) :

أما بعد : لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ، وقد قال المتلمس :

لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا

وما عُلمّ الإنسان إلاّ ليعلما

وقد يجزي عنك الحلم بغير التعلّم ، وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة ، فأنا تاركها إعتماداً على بصرك بما يرضيني ويسعد سلطاني ، ويصلح به رعيتي ، ولستُ تاركاً إيصاءك بخصلة : لا تتحمّ عن شتم عليّ وذمّه ، والترحّم على عثمان والإستغفار له ، والعيب على أصحاب عليّ والإقصاء لهم ، وترك الإستماع منهم ، وبإطراء شيعة عثمان رضوان الله عليه ، والإدناء لهم والإستماع منهم.

____________

1 ـ البيان والتبيين 2 / 105 تح هارون.

١٣٧

فقال المغيرة : قد جَرّبتُ ، وعملت قبلك لغيرك ، فلم يذمم بي دفع ولا رفع ولا وضع ، فستبلوا فتحمد أو تذم.

قال : بل نحمد إن شاء الله تعالى )(1) .

ولم يكتفي معاوية بهذه الوصية حتى كتب إليه من الشام : ( أظهر شتم عليّ وتنقّصه ).

ويبدو أن المغيرة ـ بالرغم من مشاركته في كفره ونفاقه ، وبالرغم من مصاهرته له على أخته آمنة بنت أبي سفيان ـ لم يستسغ الإيغال في السبّ فكتب إليه : ( ما أحبّ لك يا أمير المؤمنين أن كلّما عتبت تنقصت ، وكلّما غضبت ضربت ، ليس بينك وبين ذلك حاجز من حلمك ولا تجاوز من عفوك )(2) .

والمغيرة هو الذي كشف عن كفر معاوية لابنه كما مرّ عنه الخبر في ذلك.

قال الشعبي ـ وهو من شيعة الأمويين النواصب ـ : ( وأقام المغيرة على الكوفة عاملاً لمعاوية سبع سنين وأشهراً ، وهو من أحسن شيء سيرة ، وأشدّه حُبّاً للعافية ، غير أنّه لا يدع ذكر عليّ والوقوع فيه ، والعيب لقتلة عثمان واللعن لهم ، والدعاء لعثمان بالرحمة والإستغفار له ، والتزكية لأصحابه.

فكان حُجر بن عدي إذا سمع ذلك قال : بل إياكم فذمم الله ولعن ، ثم قام فقال : إنّ الله عزوجل يقول :( كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى

____________

1 ـ تاريخ الطبري 5 / 253 ـ 254 تح إبراهيم.

2 ـ انساب الأشراف 1 / 83 ق 4 تح أحسان.

١٣٨

أَنفُسِكُمْ ) (1) ، وأنا أشهد أنّ مَن تذمّون وتعيّرون لأحق بالفضل ، وأنّ مَن تزكّون وتطرون ، أولى بالذم

قال الشعبي في حديثه المشار إليه آنفاً : فلم يزل المغيرة حتى كان في آخر إمارته ، قام المغيرة فقال في عليّ وعثمان كما كان يقول فقام حُجر ابن عدي فنعر نعرة بالمغيرة سمعها كلّ من كان في المسجد وخارجاً منه ، وقال : إنّك لا تدري بمن تولع من هرمك أيها الإنسان ، مُر لنا بأرزاقنا وأعطياتنا ، فإنّك قد حبستها عنّا ، وليس ذلك لك ، ولم يكن يطمع في ذلك مَن كان قبلك ، وقد أصبحتَ مولعاً بذم أمير المؤمنين وتقريظ المجرمين.

قال الشعبي ـ راوي الخبر ـ فقام معه أكثر من ثلثي الناس يقولون : صدق والله حُجر وبرّ ، مر لنا بأرزاقنا وأعطياتنا فإنّا لا ننتفع بقولك هذا ، ولا يجدي علينا شيئاً ، وأكثروا في مثل هذا القول ونحوه )(2) .

ولمّا هلك المغيرة ضمّ معاوية ولاية الكوفة مع البصرة إلى زياد ، وفي أيامه عظم الخطب ، وظهر أفظع النُصب ، وهو الذي سعى في قتل حُجر بن عدي رحمة الله عند معاوية ، لأنّه أنكر السبّ ، وحمله ومن معه مقيّدين بالحديد إلى الشام ، فأمر معاوية بقتلهم بمرج عذراء ، وقد كان حُجر رحمة الله هو الذي أفتتح تلك الأرض وأوّل من سُمع منه الأذان فيها ، فكانت شهادتهم إحدى بوائق معاوية كما قال الحسن البصري : ( أربع خصال كنّ في معاوية لو لم

____________

1 ـ النساء / 135.

2 ـ تاريخ الطبري 5 / 254 ـ 255.

١٣٩

تكن فيه منهنّ إلاّ واحدة لكانت موبقة : أنتزاؤه على هذه الأمّة بالسفهاءَ بالسيف ـ حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منهم ، وفيهم بقايا الصحابة ، وذووا الفضيلة ، وإستخلافه ابنه بعده سكيراً خمّيراً ، يلبس الحرير ويضرب بالطنابير ، وإدعاؤه زياداً ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) ، وقتله حُجراً وأصحاب حُجر ، ويا ويلاً له من حُجر وأصحاب حُجر ، قالها مرتين )(1) .

وليتني أدري ما الذي جعل الحسن البصري لا يذكر من بوائق معاوية إلاّ هذه الأربع! مع أنّ أفعال معاوية كلّها بوائق ، بدءاً من أيام عثمان ومروّراً بأيام الإمامعليه‌السلام ، وحرب صفين تكفي في إدانته بإراقة دماء الآلاف من المسلمين ، وإنتهاءاً بأيام الإمام الحسنعليه‌السلام وغدره به في نكثه شروط الصلح ولم يف له بواحدة منها.

ومهما يكن فاستعظامه قتل حُجر حتى قال مرتين : ( ويلاً له من حُجر وأصحاب حُجر ) ، لأنّ حُجر كان من عباد الله الصالحين الذين أغضب اللهَ قتلُه وأهلَ السماء ، كما في حديث عائشة فيما روته عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد قالت لمعاوية حين دخل عليها بالمدينة : ( يا معاوية ، قتلت حُجر وأصحابه ، أنا والله لقد بلغني أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ) : ( أنّه سيقتل بعذراء سبعة رجال يغضب الله لهم وأهل السماء ) ، أخرجه يعقوب بن سفيان البسوي في ( المعرفة والتاريخ )(2) .

____________

1 ـ الطبري 5 / 279.

2 ـ المعرفة والتاريخ 3 / 320 ـ 321 ط أوقاف بغداد ، وأخرجها البيهقي في دلائل النبوة 6 / 457 بسنده إلى أبي الأسود عن عائشة0

١٤٠