موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء ١٠

موسوعة عبد الله بن عبّاس0%

موسوعة عبد الله بن عبّاس مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 477

موسوعة عبد الله بن عبّاس

مؤلف: السيد حسن الموسوي الخرسان
تصنيف:

الصفحات: 477
المشاهدات: 50200
تحميل: 4883


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 477 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50200 / تحميل: 4883
الحجم الحجم الحجم
موسوعة عبد الله بن عبّاس

موسوعة عبد الله بن عبّاس الجزء 10

مؤلف:
العربية

للتنديد بابن الزبير يبث فيه ما وعى وحوى من العلم النافع ، وكثر عكوف الناس عليه ، فصار يخطب فيهم مندداً بابن الزبير من غير أن يسمّيه ، ويكنّي عنه كناية أبلغ من التصريح ، وبلغ خبره ابن الزبير فغاضه ذلك.

وقد حدّث المدائني عن جانب من ذلك ، فقال :

( كان يحمد الله ويذكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والخلفاء بعده ويقول : ذهبوا فلم يدعوا أمثالهم ولا أشباههم ولا من يدانيهم ، ولكن بقي أقوام يطلبون الدنيا بعمل الآخرة ، ويلبسون جلود الضأن تحتها قلوب الذئاب والنمور ، ليظن الناس أنّهم من الزاهدين في الدنيا ، ويراؤون الناس بأعمالهم ، ويسخطون الله بسرائرهم ، فادعوا الله أن يقضي لهذه الأمّة بالخير والإحسان ، فيولّي أمرها خيارها وأبرارها ، ويهلك فجّارها وأشرارها. ارفعوا أيديكم إلى ربّكم وسلوه ذلك )(1) . فيفعل ذلك أهل الطائف ذلك ويؤمّنون على دعائه.

وتطايرت الأخبار إلى ابن الزبير بواسطة رجاله عن نشاط ابن عباس في الطائف وحاله ، ومدى تأثيره في الناس واستجابتهم لمقاله ، فأقلقه ذلك وتميّز غيظاً وغضباً ، فكتب إليه كتاباً يفيض بالحقد والشنآن والإحن والأضغان ، يقول فيه :

( أمّا بعد ، فقد بلغني أنّك تجلس بالطائف العصرين ، فتفتيهم بالجهل ، وتعيب أهل العقل والعلم ، وإنّ حلمي عليك ، واستدامتي فيأك جرأك عليَّ ، فاكفف لا أباً لغيرك من غربك ، وأربع على ضلعك ، واعقل إن كان لك

____________

1 ـ شرح نهج البلاغة 20 / 125.

٣٢١

معقول ، وأكرم نفسك ، فإنّك إن تهنها تجدها على الناس أعظم هواناً ، ألم تسمع قول الشاعر :

فنفسك أكرمها فإنّك إن تهَن

عليك فلن تلق لها الدهر مكرماً

وإنّي أقسم بالله لئن لم تنته عمّا بلغني عنك لتجدنّ جانبي خَشِناً ، ولتجدنني إلى ما يردعك عني عجلا ، فرأيك ، فإن أشفى بك شقاؤك على الردى فلا تلم إلاّ نفسك )(1) .

فهذا كتاب ابن الزبير فيه تنديد وفيه تهديد ووعيد.

فلنقرأ ماذا عن ابن عباس في جوابه ، قالوا :

فأجابه ابن عباس : ( أمّا بعد ، فقد بلغني كتابك ، قلت إنّي أفتي الناس بالجهل ، وإنّما يفتي بالجهل من لم يعرف من العلم شيئاً ، وقد أتاني الله من العلم ما لم يؤتك.

وذكرت أنّ حلمك عني واستدامتك فيئي جرأني عليك ، ثمّ قلت أكفف من غربك ، وأربع على ظلعك ، وضربت لي الأمثال ، أحاديث الضبع ، متى رأيتني لعرامك هائباً ، ومن حدك ناكلاً.

وقلت : لئن لم تكفف لتجدنّ جانبي خشناً ، فلا أبقى الله عليك إن أبقيت ، ولا أرعى إليك إن أرعيت ، فوالله لا أنتهي عن قول الحقّ ، وصفة أهل العدل والفضل ، وذم الأخسرين أعمالاً( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ

____________

1 ـ نفس المصدر.

٣٢٢

الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (1) والسلام )(2) .

وهذا جواب فيه تقريع وزراية ، وفيه إهانة وإستهانة نافت على الغاية. وأيّ غايةٍ بعد قوله : ( فلا أبقى الله عليك إن أبقيت ، ولا أرعى إليك إن أرعيت )؟

ولعلّ ابن عباس إنّما أجابه على كتابه لأنّه كان يقول : ( إنّي لأرى ردّ جواب الكتاب حقاً عليَّ كردّ السلام )(3) ، ولئلا يظن به الجبن والإنهزامية أمام تهديد ووعيد ابن الزبير ، وهو هو لا يزال في صلابة موقفه المتماسك ، وقوة شخصيته المتعالية.

وقد روى البلاذري في أنسابه خبر ذلك بسنده عن أبي مخنف بتفاوت يسير ، قال :

( لمّا نزل ابن عباس الطائف حين نافره ابن الزبير ، كان صلحاء الطائف يجتمعون إليه ، ويأتيه أبناء السبيل يسألونه ويستفتونه ، فكان يتكلم في كلّ يوم بكلام لا يدعه وهو :

الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، وعلّمنا القرآن ، وأكرمنا بمحمّدعليه‌السلام ، فانتاشلنا به من الهلكة ، وأنقذنا به من الضلالة ، فأفضل الأئمة أحسنها لسنّته إتّباعاً ، وأعلمهم بما في كتاب الله إحتساباً ، وقد عمل بكتاب الله ربّكم وسنّة نبيّكم قوم صالحون ، على الله جزاؤهم ، وهلكوا فلم يدعوا بعدهم أمثالهم ،

____________

1 ـ الكهف / 104.

2 ـ شرح نهج البلاغة 20 / 125 ، ونثر الدر 3 / 143 ـ 124.

3 ـ الطبقات الكبري لابن سعد / 166 تحـ السُلمي.

٣٢٣

ولا موازياً لهم ، وبقي قوم يريغون الدنيا بعمل الآخرة ، يلبسون جلود الضأن لتحسبوهم من الزاهدين ، يرضونكم بظاهرهم ، ويسخطون الله بسرائرهم ، إذا عاهدوا لم يوفوا ، وإذا حكموا لم يعدلوا ، يرون الغدر حزماً ، ونقض العهد مكيدة ، ويمنعون الحقوق أهلها ، فنسأل الله أن يهلك شرار هذه الأمّة ويولّي أمورَها خيارَها.

فبلغ ذلك ابن الزبير فكتب إليه : إنّك تجلس العصرين فتفتي بالجهل ، وتعيب أهل البرّ والفضل ، وأظنّ حلمي عنك واستدامتي إياك جرّءاك عليَّ ، فأكفف عنّي من غربك ، وأربع على ظلعك ، وأربح على نفسك.

فكتب إليه ابن عباس : فهمت كتابك ، وإنّما يفتي بالجهل من لم يؤت من العلم شيئاً ، وقد أتاني الله منه ما لم يؤته إياك ، وزعمت أنّ حلمك عنّي جرأني عليك ، فهذه أحاديث الضبع أستها ، متى كنت لعرامك هائباً ، وعن حدّك ناكلاً.

ثمّ تقول : إنّي إن لم أنته وجدت جانبك خشناً ، ووجدتك إلى مكروهي عجلاً ، فما أكثر ما طرت إليَّ بشقّة من الجهل ، وتعهدتني بفاقرة من المكروه ، فلم تضرر إلاّ نفسك ، فلا أبقى الله عليك إن أبقيت ، ولا أرعى إن رعيت ، فوالله لا انتهيت عن ارضاء الله بإسخاطك )(1) .

____________

1 ـ أنساب الأشراف ( في ترجمة ابن عباس ) نسخة بخط يدي.

٣٢٤

المبحث الثالث

في رسائله إلى المجبّرة والخوارج وقيصر الروم

في رسائله إلى المجبّرة والخوارج وقيصر الروم

٣٢٥
٣٢٦

قال المعلّم بطرس البستاني في ( دائرة المعارف ) : ( قال ابن مسعود : نعم ترجمان القرآن ابن عباس ، وعاش ابن عباس بعد ابن مسعود نحو( 35 ) سنة تُشدّ إليه الرحال ، ويُقصد من جميع الأقطار ، ومشهور في الصحيحين تعظيم عمر بن الخطاب لابن عباس وإعتداده به ، وتقديمه مع حداثة سنّه ، وعاش بعده ابن عباس نحو( 47 ) سنة يُقصد ويُفتي ويُعتمد وممّا يحكى عن فطنة ابن عباس أن ملك الروم كتب إلى معاوية وساق الخبر الذي سوف يأتي )(1) .

ولا شك في أنّ ابن عباسرضي‌الله‌عنه احتلت مكانة الصدارة بين بقايا الصحابة في عهد معاوية ، فمن بعد من الحاكمين الغاشمين ، لكونه أكبر الهاشميين سنّاً وكذلك شأناً من بعد الحسنينعليهما‌السلام ، فكان المبرّز في المجتمع الإسلامي والمنظور إليه في رأس المعارضين للسلطة ، وله من علمه ما يسمو به إلى أوج العظمة ، حيث كان يحتاج إليه حتى الظلَمة ، وما مسائل قيصر الروم من معاوية ، وعجزه عن الجواب وإستغاثته بابن عباسرضي‌الله‌عنه إلاّ شاهد عدل وقول فصل في المقام ، ولمّا كان ابن عباسرضي‌الله‌عنه يرى لإجابة السائل فرضاً ولجواب الكتاب حقاً ، فهو يجيب مَن سأله ، ويكتب جواب من كتب إليه.

____________

1 ـ دائرة المعارف 1 / 583 ط دار المعرفة بيروت.

٣٢٧

فقد أخرج البخاري في ( الأدب المفرد ) بسنده عنه قال : ( إنّي لأرى لجواب الكتاب حقاً كرد السلام )(1) .

وعلى ضوء ما روى البخاري عنه تقدمت الشواهد عليه ، فقد سبق منّا ذكر موقف ابن عباس مع المجبرة(2) ، وأشرنا إلى أنّه كتب إليهم كتاباً وهم في معقلهم الذي يتحصنون فيه بحماية السلطة إذ كانوا من أنصارها ، ومن هناك كانت أقاويلهم الباطلة ينشرونها بين الوافدين على معاوية من سائر البلاد

____________

1 ـ الأدب المفرد / 211 ط عثمانية سنة ( 1309 هـ ).

2 ـ حكى السيد ابن طاووس في كتاب الطرائف 2 / 7 ، 13 ط الأولى نشر الأعلمي بيروت سنة ( 1420 هـ ) بعض عقائدهم ثم نقل عن الخوارزمي فقال : وهو من أعيان علماء الإسلام في كتاب الفائق قوله : فأما المجبّرة فإن شيوخنا كفّروهم ، وأن قاضي القضاة حكى عن الشيخ أبي علي أنه قال : المجبّّر كافر ، ومن شك في كفّرهم فهو كافر ، ثم شرح تصديق ذلك القول وتحقيقه. وللسيد في هذا كلام دقيق وتحقيق رشيق تحسن مراجعته ، ثم حكى مستحسناً قول ابن الحجاج ( الشاعر ) حيث يقول :

المجبّرون يجادلون بباطل

وخلاف ما يجدون في القرآن

كلّ مقالتها إلآله أضلني

وارادني ما كان عنه نهاني

أيقول ربّك للخلائق آمنوا

جهرا ويجبرهم على العصيان

إن صحّ ذا فتعوذوا من ربّكم

وذروا تعوذكم من الشيطان

وأحسن من هذا في الرد على المجبّرة مقالتهم الفاسدة ما قاله إلإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام ، كما رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام 1 / 114 ط الحيدرية من خبر أبي حنيفة مع الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام حيث قال له ممن المعصية؟ فقال الإمام عليه‌السلام : لا تخلو من ثلاث : إما أن تكون من الله تعالى ـ وليست منه ـ ولا ينبغي للكريم أن يعذب عبده بما لا يكتسبه ، وإما أن تكن من الله عزوجل ومن العبد ، فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف ، وإما أن تكون من العبد ـ وهي منه ـ فإن عاقبه الله فبذنبه ، وإن عفا عنه فبكرمه وجوده.

٣٢٨

الإسلامية ، تبريراً لما يقوم به معاوية من جرائم وموبقات ، وهم كانوا أعوانه.

قال الشيخ محمد أبو زهرة في كتاب ( المذاهب الإسلامية ) : ( ولقد أدرك ابن عباس أنّ مصدر هذا الإنحراف الفكري هو السلطة وأنصارها ، فخاطبهم خطاباً عنيفاً قال فيه : أتأمرون الناس بالتقوى ، وبكم ضلّ المتقون ) ، يشير إلى كتابه الذي كتبه إليهم.

وإلى القارئ نص ما كتب نقلاً عن ( جمهرة رسائل العرب ) ، نقلاً عن ( المنية والأمل ) لابن المرتضى ، وكذلك نقله العلامة التقي التستري في ( بهج الصباحة ) ، كما وقد ذكره ابن تيمية في ( تاريخ الجدل ) ، وعنه في كتاب ( ابن تيمية حياته وعصره ، آراؤه وفقهه ) لمحمد أبو زهرة :

( أما بعد ، أتأمرون الناس بالتقوى ، وبكم ضلّ المتقون ، وتنهون الناس عن المعاصي وبكم ظهر العاصون ، يا أبناء سَلَفِ المقاتلين ، وأعوان الظالمين ، وخزّان مساجد الفاسقين ، وعُمّار سَلف الشياطين ، هل منكم إلاّ مفتر على الله يحمل إجرامه عليه ، وينسبها علانية إليه ، وهل منكم إلاّ من السيف قلادته ، والزور على الله شهادته ، أعلى هذا تواليتم؟ أم عليه قاليتم حظكم منه الأوفر ، ونصيبكم منه الأكثر ، عمدتم إلى موالاة من لم يدع لله مالاً إلاّ أخذه ، ولا مناراً إلاّ هدمه ، ولا مالاً ليتيم إلاّ سرقه أو خانه ، فأوجبتم لأخبث خلق الله أعظم حق الله ، وتخاذلتم عن أهل الحق حتى ذلّوا وقلّوا ، وأعنتم أهل الباطل حتى عزّوا وكثروا ، فأنيبوا إلى الله وتوبوا ، تاب الله على من تاب ، وقَبَلَ من أناب )(1) .

____________

1 ـ جمهرة رسائل العرب 2 / 25 ، المنية والأمل / 9 ، بهج الصباحة 8 / 282 ، تاريخ الجدل كما في ابن تيمية حياته وعصره ، آراؤه وفقهه لأبي زهرة / 176.

٣٢٩

كتبه إلى الخوارج

كانت مواقف ابن عباس مع الخوارج منذ عهد الإمامعليه‌السلام معلومة ومتصفة باللين في محاوراته معهم ، غير أنّها من بعد شهادة الإمامعليه‌السلام تبدلت ، ولقد مرّت بنا في صفحات إحتجاجاته ما كان يعانيه من رؤساء الخوارج الذين يواجهونه بفظاظة أيضاً في مسائلهم ، ولعلّ ألينهم عريكة هو نجدة بن عامر ، فكان يسأله عن بعض المسائل الشرعية ممّا يجهل أحكامها ، وكان ابن عباسرضي‌الله‌عنه يتبرّم من ذلك للحرج السياسي الذي كان يعانيه من بني أمية ومن ابن الزبير ، فكان يقول : ( إنّ ناساً يقولون إنّ ابن عباس يكاتب الحرورية ، ولولا أنّي أخاف أن أكتم علماً لم أكتب إليه ـ إلى نجدة ـ ) ، وقال مرّة : ( لولا أردّه عن شرّ يقع فيه ما كتبت إليه ولا نعمة عين ) ، وقال مرّة ثالثة : ( لولا أن تأتيني منه أحموقة ما كتبت إليه ).

وهذه كلّها مرّت في أوّل هذا الجزء ، كما مرّت نماذج من مسائل نجدة التي كان يسألها من ابن عباسرضي‌الله‌عنه ، وعمدة ما كان يسأله عنه هو ما كان مبتلى به ، حيث كانت المقالات في العقائد قد تفشّت في فرق الخوارج ، وصاروا يكفّر بعضهم بعضاً ، فضلاً عن تكفيرهم لسائر المسلمين ، ومن المسائل التي أشكل حكمها عند نجدة الخارجي :

1 ـ هل كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغزو بالنساء وهل كان يقسم لهنّ شيئاً؟

٣٣٠

2 ـ وعن موضع الخمس؟

3 ـ وعن اليتيم متى ينقطع يتمه؟

4 ـ وعن قتل الذراري؟

وقد أجاب ابن عباسرضي‌الله‌عنه على كلّ مسائله ، وأمر يزيد بن هرمز مولاه أن يكتب إليه الجواب ، وهو الذي روى لنا ذلك كما في كتاب ( الخراج ) لأبي يوسف ، و ( الأموال ) لأبي عبيد القاسم بن سلام ، ومصادر غيرها ، وقد اختلفت المصادر الحديثية في رواية الجواب عن سهم ذوي القربى ، فراجع مسند أحمد وغيره ، تجد أنّ نجدة حج في فتنة ابن الزبير وأرسل إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذوي القربى لمن تراه؟ قال : ( هو لنا لقربى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسمه الله لهم ، وقد كان عمر عرض علينا شيئاً رأيناه دون حقنا فأبينا أن نقبله )(1) إلى آخر ما مرّ في إحتجاجه على الخوارج.

لقد كانت كتب نجدة بن عامر الخارجي ترد على ابن عباس يسأله عن مسائل شرعية دلّ عليها القرآن بوضوح ، إلاّ أنّ السياسة الخاطئة الخانقة أشاعت مفاهيم مزيّفة ، غيبّت عن الأذهان حقيقة الأمر ، فأضحى حقيقة مغيبّة ، ومن ذلك مسألة وجوب الخمس لذوي القربى ، فقد كتب فيها نجدة يسأل ابن عباس.

فعن عطاء ، عن ابن عباس : ( أنّ نجدة كتب إليه يسأله عن ذوي القربى؟ فكتب إليه كتاباً : نزعم أنّا نحن هم ، فأبى ذلك علينا قومنا )(2) .

____________

1 ـ الخراج / 24 ، الأموال / 333 ، مسند أحمد 1 / 221 ط1 ، سنن أبي داود 7 / 107 ، سنن النسائي 2 / 176.

2 ـ تفسير القرطبي 10 / 025

٣٣١

وفي لفظ سعيد المقبري ، قال : ( كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن ذي القربى؟ قال : فكتب إليه ابن عباس : قد كنّا نقول : إنّا لَهم ، فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا : قريش كلّها ذوو قربى ).

وهذه المسألة أشرت إليها في الحلقة الأولى وفي هذه الحلقة ، وسوف نذكرها في مسائل الفقه عنه بتفصيل أوفى.

وكان ابن عباسرضي‌الله‌عنه يندّد بالحرورية ، فيقول : ( ليس الحرورية بأشد إجتهاداً من اليهود والنصارى ، وهم يضلّون )(1) .

وقد ذكر ابن الأثير في تاريخه : أنّ نجدة لمّا رجع إلى البحرين قطع الميرة عن أهل الحرمين منها ومن اليمامة ، فكتب إليه ابن عباس :

( أما بعد إنّ ثمامة بن أثال لمّا أسلم قطع الميرة عن أهل مكة وهم مشركون ، فكتب إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ أهل مكة أهل الله فلا تمنعهم الميرة ، فجعلها لهم ، وإنّك قطعت الميرة عنّا ونحن مسلمون ).

فلما قرأ كتاب ابن عباس ، جعلها لهم ولم يقطعها عنهم(2) .

وهكذا رفع ابن عباسرضي‌الله‌عنه عن أهل الحرمين ذلك الحصار الإقتصادي الذي فرضه نجدة الخارجي ، إنتقاماً من السلطات المستولية على الحرمين ـ بني أمية وابن الزبير ـ.

____________

1 ـ التنبيه والرد للملطي / 174.

2 ـ تاريخ ابن الأثير 4 / 8.

٣٣٢

جواب كتاب رجل من الخوارج

رواه العاصمي ـ من أعلام القرن الرابع الهجري ـ في كتابه ( زين الفتى ) بتحقيق المرحوم الشيخ المحمودي ، ومن المتأخرين البستاني المسيحي في ( دائرة المعارف ) بأخصر منه ، واللفظ للأوّل ، قال :

( ـ برقم / 214 ـ ونظير هذا الحديث ما روي عن أبي الحسن المدائني ، قال : كتب رجل من الخوارج إلى ابن عباس يسأله عن أشياء ، فكان فيما سأله أن قال : أخبرني عن رجل دخل الجنّة ونهى الله عزوجل محمّداًعليه‌السلام أن يعمل بعمله؟

وعن شيء تكلّم ليس له لحم ولا دم؟

وعن لحم ودم لم يلده ذكر ولا أنثى؟

وعن شيء تنفّس ليس له لحم ولا دم؟

وعن رجل كان جالساً وامرأته حلال [ عليه ] فلمّا أستوى قائماً حرمت [ عليه ] امرأته ، فلمّا جلس عادت حلالاً؟

وعن اسم كلّ طائر في القرآن؟

وعن منذر ليس من الملائكة ولا من الإنس ولا من الجنّ؟

وعن امرأة أوحي إليها؟

وعن الشيء الذي قليله حلال وكثيره حرام؟

وعن رجل صاد صيداً ومعه آخر ، فأحلّ لأحدهما وحرّم على الآخر؟

وعن رجلين أحدهما بالكوفة والآخر بالبصرة ولهما امرأتان فمات الذي بالكوفة فحرمت على الذي بالبصرة امرأته؟

٣٣٣

وعن شيء مشى [ وأكل ] ليس له لحم ولا دم؟

وعن نفس خرجت من نفس وليس بينهما رحم ولا نسب؟

وعن اثنين تكلما ليس لهما لحم ولا دم؟

وعن الرجل الذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها من هو؟

وعن شيء إن فعلته كان حراماً وإن لم تفعله كان حراماً؟

وعن مكان يصلّى فيه حيث شئت؟

وعن موسىعليه‌السلام كم أرضعته أمّهُ قبل أن تقذفه في البحر؟

وفي أيّ بحر قذفته؟

وعن اثنين مؤمنين كانا في بيت فرعون حين لطم موسى فرعون وأخذ بلحيته؟

وعن موسى في أيّ يوم كلّمه الله؟

ومن حمل التوارة إليه؟

وكم عدّة من حملها من الملائكة؟

وكيف خلق الله تعالى آدم؟ ومن أيّ شيء خلقه؟ وكم كان طوله؟ وكم عاش؟ ومن وصيّه؟

ومن كان بعد إدريس؟

ومن كان بعد هود؟

وعن الأنبياء كم كانوا؟

وكم كان المرسلون منهم؟

وعن السنّة كم هي؟

وعن أرض لم تصبها الشمس إلاّ مرّة واحدة؟

٣٣٤

وعن طائر لم يبض ولم يحضن عليه طائر؟

وعن اثنين متباغضين أبداً؟

وعن مكان ليس فيه قبلة؟

وعن نفس ماتت وأحيت غيرها؟

وعن أثنين قائمين أبداً؟

وعن اثنين ساعيين أبداً؟

وعن [ أثنين ] مشتركين أبداً؟

فكتب إليه ابن عبّاس :

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، من عبد الله بن عباس إلى الرجل السائل الذي سأل تعنّتاً ولم يسأل تفقّهاً ، الذي أضلّه هواه ، وأرداه عماه.

أمّا بعد ، فإنّي مفسّر لك جميع ما سألت ولا قوّة إلاّ بالله.

أمّا الرجل الذي دخل الجنّة ونهى الله عزوجل محمّداًعليه‌السلام أن يعمل بعمله ، فهو يونسعليه‌السلام ، قال الله تعالى :( وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ ) (1) ، أي مأخوذ بمجرى نفسه.

أمّا الشيء الذي يتكلّم [ و ] ليس له لحم ، فهو النّار ، قال تعالى :( يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ) (2) .

وأمّا اللّحم والدم الذي لم يلده ذكر ولا أنثى ، فهو آدمعليه‌السلام خلقه الله

____________

1 ـ القلم / 48.

2 ـ قّ / 30.

٣٣٥

بيديه ونفخ فيه من روحه.

وأمّا النفس التي تنفّس [ و ] ليس لها لحم ولا دم ، فالصبح ، قال الله تعالى :( وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ) (1) .

وأمّا الرجل الذي كان جالساً وعنده امرأته وهي حلال [ له ] فقام فحرمت عليه امرأته قبل أن يجلس ، فلمّا جلس حلّت له بعد ما جلس ، فإنّ هذا رجل قام من عند امرأته فظاهر منها ثمّ أحلّ يمينه بعتق رقبة قبل أن يجلس ، فحلّت له امرأته بعد الظهار.

وأمّا عدّة الطير التي في القرآن ، فطير أبابيل ، ومنها طير عيسىعليه‌السلام ، وطير إبراهيمعليه‌السلام ، والذباب ، والهدهد ، والغراب ، والبعوض.

وأمّا المنذر الذي ليس من الإنس ولا من الجنّ ولا من الملائكة ، فهو النملة [ كما ذكر الله تعالى في قوله ] :( حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) (2) .

وأمّا المرأة التي أوحى الله إليها ، فهي أمّ موسى ، إذ يقول :( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ) (3) .

وأمّا الشيء الذي كان قليله حلالاً وكثيره حراماً ، فهو ( نهر طالوت ) الذي ابتلاه الله به فقال :( فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي

____________

1 ـ التكوير / 18.

2 ـ النمل / 18.

3 ـ القصص / 7.

٣٣٦

إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ) (1) .

وأمّا الرجل الذي صاد صيداً ومعه آخر [ فـ ] أحلّ [ الصيد ] لأحدهما وحرم على الآخر ، فذلك الرجل المحرَّم عليه هو رجل مُحرِم ، والآخر المحلَّل له هو الحلال.

وأمّا الرجلان اللّذان أحدهما بالكوفة والآخر بالبصرة فهلك الذي بالكوفة فحرمت على الذي بالبصرة أمرأته ، فإنّ المرأة هي أمّ الكوفي وكانت أمرأة البصري وهو غلام للكوفي ، فلمّا مات الكوفي ورثت زوجها من ابنها فحرم عليها وحرمت عليه.

وأمّا الشيء الذي مشى فأكل [ و ] ليس له لحم ولا دم ، فهو عصا موسى ، والنار أيضاً.

وأمّا النفس التي خرجت من نفس وليس بينهما رحم ولا نسب ، فهو يونس خرج من بطن الحوت.

وأمّا الإثنان اللذان تكلّما [ و ] ليس لهما لحم ولا دم ، فهما السماء والأرض إذ قال الله جلّ ثناؤه لهما :( ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) (2) .

وأمّا الرجل الذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها ، فهو عزير.

وأمّا الشيء الذي إن فعلته كان حراماً وإن لم تفعله كان حراماً ، فهو صلاة السكران إن صلّاها كان قد أتى ما نهي عنه ولم يقبل منه ، قال الله تعالى :( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ) (3) ، وإن تركها كتب عليه وزرها.

____________

1 ـ البقرة / 249.

2 ـ فصلت / 11.

3 ـ النساء / 43.

٣٣٧

وأمّا الموضع الذي يصلّى فيه إلى أيّ ناحية ، فهو داخل البيت الحرام.

وأمّا رضاع أمّ موسى قبل أن تقذفه في البحر ، فهو ثلاثة أشهر ، ثمّ القته بعد ذلك في بحر القلزم ، وقد قيل : النيل.

وأمّا خبر المؤمنَين الّذين كانا في بيت فرعون ، فهما آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، والرجل المؤمن الذي كان يكتم إيمانه.

وأمّا اليوم الذي كلّم الله فيه موسى ، فهو يوم الجمعة.

وأمّا عدّة من حمل التوراة ، فقد حملتها الملائكة ، ويقال : كانوا سبعين ألف ملك.

وأمّا خلق آدم ، فإنّ الله تعالى خلقه بيده من طين من أدمة الأرض فسمّاه آدم ، وهو أوّل الأنبياء ، ثمّ سوّاه ونفخ فيه من روحه ، وكتب التوراة بيده ، وخلق جنّة عدن بيده.

وأمّا طول آدم ، فبلغنا ـ والله أعلم ـ أنّ طوله كان سبعين ذراعاً ، بذراع ذلك القرن بعد أن حطّ وقد كان يحاب رأسه؟ وعاش فيما بلغنا ـ والله العالم­ ـ ألف سنة إلّا سبعين عاماً ثمّ قبضه الله تعالى إليه.

وأمّا وصيّه ، فبلغنا ـ والله العالم ـ بأنّه أوصى إلى شيث بن آدم أن ينقل جسده إلى الشام إذا كان الطوفان [ و ] يوصي بذلك ولده.

وأمّا من كان بعد شيث بن آدم ، فهو إدريس وهو أخنوخ ، قال الله تعالى :( وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً ) (1) ، ثمّ كان بعده نوح وهو أوّل الرسل ، ثمّ كان

____________

1 ـ مريم / 57.

٣٣٨

بعد نوح هود ، ثمّ كان بعد هود صالح ، ثمّ كان من بعد صالح إبراهيم ، ثمّ كان من بعد إبراهيم إسحاق ، ثم يعقوب ، ثمّ يوسف ، ثمّ يونس ـ ثم موسى­ ـ ثمّ عيسى ، ثمّ محمّد ( صلى الله عليه وعليهم أجمعين ).

أمّا [ عدد ] الأنبياء ، فبلغنا أنّ عددهم مائة ألف وأربع وعشرون ألف نبيّ ، المرسلون منهم ثلاث مائة وثلاثة عشر ، ومن سمّى منهم فهم في القرآن.

وأمّا السنّة ، فكثيرة هي سنن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والسنن التي نحتاج إلى معرفتها عشرة : خمس منها في الرأس ، وخمس في الجسد. وأمّا التي في الرأس فالمضمضة ، والإستنشاق ، والسواك ، والفرق ، وحلق الشارب. وأمّا اللّواتي في الجسد : فالإستنجاء ، وحلق العانة ، والختان ، ونتف الإبط ، وتقليم الأظفار. ومن السنن ما يكثر تفسيره في الصلاة والزكاة والصيام والمناسك والجهاد ، وغير ذلك.

وأمّا الأرض التي لم تصبها الشمس إلاّ مرّة واحدة ، فهو الموضع الذي فلقه الله في البحر لبني إسرائيل بموسى ثمّ أطبقه بعد ذلك.

وأمّا الطائر الذي لم يبض ولم يحضن عليه طائر ، فهو الطائر الذي خلقه عيسى بن مريم بإذن الله.

وأمّا الإثنان المتباغضان أبداً ، فالموت والحياة.

وأمّا المكان الذي ليس فيه قبلة ، فهو ظهر الكعبة.

وأمّا الذي قليله حرام وكثيره حرام ، فالخمر قليلها وكثيرها حرام.

وأمّا الشيء الذي أحلّ بعضه وحرّم بعضه ، فهو الشحم الذي حرّمه الله

٣٣٩

على اليهود فقال :( حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا ) (1) .

وأمّا النفس التي ماتت وأحيت غيرها ، فهي البقرة التي ذكرها الله سبحانه في كتابه :( فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى ) (2) .

وأمّا الإثنان القائمان أبداً ، فالسماء والأرض.

وأمّا الإثنان الساعيان أبداً ، فالشمس والقمر.

وأمّا الإثنان المشتركان أبداً ، فهما الليل والنهار ). تم الحديث.

قال العاصمي : ( وهذان الحديثان وإن كانا من مناقب ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه وفضله وبراعته في العلوم وعقله ، وكنّا في ذكر المرتضى ( رضوان الله عليه ) ورجوع الأئمة إليه ، فإنّ فيهما تأييداً لما ذكرناه على الوجهين المذكورين فيه وفي ذكر الشواهد إثبات الحجج والفوائد )(3) .

قياصرة الروم يكيدون المسلمين

لقد مرّ في الجزء الخامس من الحلقة الأولى شواهد على ما في العنوان ، وذلك في إرسالهم مسائل تعجيزية يسألون بها الحاكم القائم يومئذ ، فيعجز عن الجواب عليها ، ويلجأ إلى من يفرّج عنه من أهل البيتعليهم‌السلام لأنّهم السادة والقادة ، والهداة الذين يردون عادية الكفار والمنافقين عن المسلمين ، وإن تولى الأمور غيرهم من المستولين.

____________

1 ـ الإنعام / 146.

2 ـ البقرة / 73.

3 ـ زين الفتى 1 / 296 ـ 301 ، دائرة المعارف 1 / 583.

٣٤٠