وهدوا إلى صراط الحميد

وهدوا إلى صراط الحميد0%

وهدوا إلى صراط الحميد مؤلف:
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 331

وهدوا إلى صراط الحميد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مؤسسة الإمام الحسين (عليه السلام)
تصنيف: الصفحات: 331
المشاهدات: 71277
تحميل: 5208

توضيحات:

وهدوا إلى صراط الحميد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 331 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 71277 / تحميل: 5208
الحجم الحجم الحجم
وهدوا إلى صراط الحميد

وهدوا إلى صراط الحميد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الأولى: المادة التي كانت تدرّس هي من الماضي، ولا علاقة لها بالحاضر ولا بالمستقبل، كما أنه لا مجال للاجتهاد فيها حتى تعيش العصر الذي أنت فيه.

الثانية: لماذا تحوّل المسلمون بعد عصر الرسول (ص) والصحابة والخلفاء الراشدين إلى نظام ملكي؟

وأسئلتي حول هاتين المشكلتين لم يجبني عليها أساتذتي أو مَنْ التقيت بهم ممن يسمّون بالعلماء.. كما لم أقتنع بالأجوبة التي أعطيت لي.

وبقي الأمر كذلك إلى أن التقيتُ بأحد الإخوة اللبنانيين من جنوب لبنان، وطرحتُ عليه أسئلتي، فأجابني بأسلوب هادئ ومنطقي ثم أعطاني فيما بعد كتباً مترجمة للشهيدين محمد باقر الصدر ومرتضى مطهري، فوجدتُ أسلوباً مختلفاً في الفكر والمنهج وطرح القضايا ومعالجتها، وكانت كلما وردت على ذهني أسئلة جديدة رجعتُ فيها إلى ذلك الأخ، فكان يعجبني حديثه ومنطقه وأسلوبه العلمي في إقناعي والردّ على أسئلتي، وأخيراً عرّفني بمكتبة أهل البيت في باريس، وكنت أزورها وأتردد إليها بين فترة وأخرى.

قرار المجيء إلى لبنان: التقيت أحد الإخوة المسؤولين في المكتبة، وعرضتُ عليه إمكانية الذهاب إلى قم والدراسة الحوزوية فيها، فعرض عليّ المجيء إلى لبنان والاهتمام بتعليم الأيتام الذين شرَّدتهم الحرب، ثم الاستفادة من الجو العام لتعلّم اللغة العربية، كما يمكن الانتساب إلى إحدى الحوزات العلمية الدينية. وراودتني فكرة المشاركة في المقاومة، كما حبّذت فكرة الزواج من فتاة لبنانية مسلمة، وقد تمّ لي ذلك، وأنا الآن متزوج من امرأة من بلدة عيناتا الجنوبية، ولي منها ثلاثة أولاد هم: مصطفى، ومريم، وحيدر، كما أني ما زلت أعمل في خدمة الأيتام في جمعية المبرات، والذي يجعلني أفكّر بعدم الرجوع إلى فرنسا في الوقت الحاضر هو رغبتي في المحافظة على دين أولادي في بيئة مسلمة تتكلَّم اللغة العربية.

١٢١

س: ما هو شعورك الآن بعد الإِسلام والاستقرار؟

على الصعيد الشخصي، إني أحسّ بالاطمئنان، وقد اخترتُ طريقي إلى آخر حياتي بمحض إرادتي ووعيي، وهدفي دائماً هو كيف أربح نفسي وأربح آخرتي من خلال قيامي بمسؤوليتي تجاه نفسي وعائلتي وعملي ومجتمعي.

وطبيعي أن تحمّل المسؤولية حينما تصير مسلماً يضع أمامك صعوبات لم تكن في المجتمع الغربي، الذي لا مسؤولية فيه للإنسان، فهو يعيش ليومه، وليس لديه همٌّ يحمله عن الآخرين، ولا تعنيه إلّا نفسه ومصلحته.

س: ما هي انطباعاتك عن المسلمين بعد أن صرت مسلماً؟

حينما أسلمتُ كان عندي انطباع أن جميع المسلمين أمّة واحدة، وأخوة يفكّرون ويشعرون بعقل وقلب واحد، ولكن حينما عشت بين المسلمين، وجدتُ أن الأمّة الإِسلامية هي أمر نظري، وقد مزقتها القوميات والكيانات السياسية المتعددة، كما عشت الواقعية وبدأت ألمس الفرق بين أن يكون الإنسان مسلماً بالهوية أو أن يكون مؤمناً ملتزماً بدينه، وهذا موجود بكل أسف لدى أفراد معدودين، بل إن بعض المنتسبين إلى الإِسلام إذا أردت أن تتعامل معهم بالإِسلام والالتزام قد ينسبونك إلى البلاهة.

س: هل هناك إمكانية للتبليغ في مجتمعك الأول؟

يمكن الانطلاق للتبليغ في أي مجتمع كان، من كلام منسوب إلى الإمام جعفر الصادق (ع) وهو: «كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم»، وفي اعتقادي أن الكلام والاجتماعات والكتب، وإن كان كل ذلك ضرورياً لأجل المعرفة، إلّا أن الأهم من ذلك كله هو التصديق بالتعاليم الإلهية والالتزام بالأخلاق الإِسلامية، والتعامل مع الآخرين بأدب واحترام.

وأضرب مثلاً على ذلك ما جرى معي شخصياً، فقد كنت أعمل في فترة الصيف في فرنسا في مختبر طبي، ولم يكن أحد يعرفني بأنني مسلم، وآخر يوم تركتُ فيه العمل جاءتني فتاة فرنسية كانت تعمل في المختبر نفسه، ويبدو أنها كانت تراقبني، وسألتني لماذا أرى تصرفاتك مختلفة عن بقية الموظفين؟ وجاوبتها فقط: إنني مسلم.

بعد فترة أشهر، وحين وجودي في لبنان، علمتُ أنّ هذه الفتاة قد صارت مسلمة بالفعل..

١٢٢

س: هل من كلمة أخيره؟

.. أتوجه إلى إخواني من المسلمين والمسلمات وأقول لنفسي ولهم: لا تصرفوا الكثير من الوقت والكثير من الكلام في نقد الآخرين، فكروا دائماً في إصلاح أنفسكم، وتصوروا دائماً أنكم أمام الله يوم القيامة، وسيسألكم، فماذا تعدّون من جواب عمّا سيسألكم عنه؟

اهتموا بعائلاتكم وأولادكم وحسن تربيتهم، والحمد لله رب العالمين.

١٢٣

الأخ المسلم الكندي موسى ف.

فوجئت بأن المسلمين لم يكونوا فقط غير عنيفين وغير عدائيين - كما هي الدعاية المغرضة عنهم - بل كانوا الأكثر دفئاً ومودة وترحيباً بالآخرين

في المؤسسة التربوية التي التحق بها حديثاً في لبنان، ليقوم بمهمة الإشراف على تعليم اللغة الإنكليزية فيها، التقت «نور الإِسلام» الشاب الكندي، الذي أطلق على نفسه إسم موسى، والذي بدا متحفظاً على ذكر اسمه الأصلي - مؤقتاً - لأسباب عائلية، كما سيتبين من حديثه.. ولا شك في أن قصته المشوقة التي آثر أن يرويها بنفسه لقرّاء المجلة بكل عفوية وحماسة، والتي يحكي فيها سير الرحلة التي قادته لاعتناق الإِسلام على مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، ستكون مثار الإعجاب بأمثال هؤلاء المهتدين الجدد للإِسلام، من الشبّان الغربيين الذين تشدّهم أنوار الإِسلام وتأسرهم، على الرغم من واقع حياتهم المختلف، وعلى الرغم من ضباب الدعايات الكثيفة المضللة، التي تثير روح العدائية ضد الإِسلام في أوساطهم ومجتمعاتهم..

في البداية أتوجه بالسلام إلى جميع إخواني وأخواتي في الإِسلام، راجياً أن تكون قصة إسلامي وما رافقها من تطورات ومراحل، والتي أرويها لقرّاء مجلة «نور الإِسلام»، ذات فائدة وعبرة لإخواني المسلمين الجدد، وللشبّان المسلمين الذين يعيشون في غربة مؤسفة عن دينهم العظيم ورسالتهم النبيلة.

لقد وُلدت في عائلة أوروبيّة تنتمي إلى الطبقة الموسطة، وحظيتُ بتربية عادية تخلو من أيّ مشاكل خاصة ما عدا المشاكل المعتادة التي تواجه أي عائلة غربيّة.

لقد بذل والداي جُلّ ما في وسعهما للتأكد من حصولي على تعليم جيد، وعلى كل ما كان يحصل عليه الأولاد في مثل سنّي من فرص الترفيه والتنزه والنشاط الرياضي.

كان الدين من الموضوعات التي نادراً ما تُناقش في عائلتي، وكان ذلك يقتصر على مناسبات الزواج والمعموديّة والجنازات. أما الإِسلام، فبالرغم من تأثيره المباشر والأساسي في تاريخ الإنسانية في الماضي - كما كانت تحدّثنا والدتي الواسعة الاطلاع والثقافة - إلّا أن عائلتي تنظر إليه اليوم كعائقٍ أمام التطوّر الحضاريّ، وكمنتقص لحقوق المرأة، وكمصدر لكلّ أعمال الإرهاب والتعصّب والمشاكل السياسية في العالم أجمع! والأسوأ من ذلك أنه بالنسبة إليهم، دينٌ غريب دخيل.

١٢٤

إنّ حادثة ذات علاقة بالدين جرت في عائلتي في وقت سابق، لم تدع لي مجالاً للشك في أنّ عائلتي لن تتقبّل فكرة اعتناقي الإِسلام إذا ما اطّلعت عليها، وأنّ اطلاعهم على الأمر لن يؤدي إلّا إلى الانقسامات داخل العائلة، لذا، بالرغم من كوني مسلماً منذ سنوات عدة، فإني لم أجرؤ حتى الآن على إعلام عائلتي بذلك، وقد ساعدني على هذا الأمر كوني أعيش بعيداً عنهم، ولإبقاء حسن العلاقة معهم، فإني أتصل بهم هاتفياً بشكلٍ منتظمٍ، كما أراسلهم في أغلب الأحيان، إلّا أنّ زيارتي لهم ستكون صعبة دون أن يكتشفوا أمري، وذلك بسبب الصلاة وعادات الطعام.. إلخ، وهذا أمر عليّ أن أتحمّله بالرغم من صعوبته عليّ.

كنت لا أزال مراهقاً عند وفاة جدي، وقد رحتُ حينها أحاول مناجاة الله، فسألته أولاً أن يساعد جدي ليكون مصيره الجنّة، وآمنتُ منذ ذلك الحين بالله دائماً، لكني لم أبدأ بالتساؤل حول احتمال ألا يكون الدين المسيحي هو الدين الحق من الله، إلّا بعد أن وجدتني أدرِّس في إحدى مدارس الهند منذ بضع سنوات.

كان أوّل سؤال طرحته على نفسي: «لِمَ أرسل الله الأنبياء لليهود وبعدهم للمسيحيين؟»، و«هل أنه حقاً ترك كلّ الهنود والإفريقيين وغيرهم من دون نبيّ خلال معظم فترات تاريخهم؟».

حصلتُ على جواب محدود عن هذه الأسئلة عبر عائلة ألمانية كان أفرادها من البهائيين، وقد قالوا لي إنّ كلّ أُمّة من الأُمم كان لها نبيّ مرسل خاص بها، لكنهم لم يخبروني - وأعتقد أنهم لم يكونوا على علم بذلك - أنّ مصدر هذه المعلومات القيمة هو القرآن الكريم، (راجع سورة يونس، الآية 47، وسورة إبراهيم، الآية 4).

كان لهذا الاكتشاف معنى معقولاً ومقبولاً لديّ، فبدأتُ بالبحث في معتقدات الأديان الأخرى، مع إظهار الاحترام الكبير لمعتقدات البهائيين في الوقت نفسه، وحين سألني صديق لي مسلم، بعد بضع سنوات، أيّ الأديان أفضِّل، أجبتُّه بأنّي أعتقد أنّ البهائيين لديهم الفكرة الأصحّ والأصوب عن الدين. فبدا صديقي المسلم مضطرباً بشدّة وهو يسألني عمّا يؤمن به هؤلاء البهائيون، فأخبرته أنّهم يؤمنون بالعديد من الأنبياء، بمن فيهم النبي محمّد (ص) قال إن كانوا يؤمنون بالنبيّ محمّد (ص) وبالقرآن، فيجب أن يكونوا مسلمين، وعندما سألته عن السبب، قال إنّ القرآن يؤكد أنّ النبي محمداً (ص) هو خاتم الأنبياء (سورة الأحزاب، الآية 4).

١٢٥

بدايةً لم تعجبني، على الإطلاق، فكرة أن أصبح مسلماً، لأن الإِسلام كان يعكس، حسب مفهومي السابق، العنف والتعصّب وعدم الديمقراطية. لكني قررتُ، كأيّ شخص يعتبر نفسه منفتحاً وموضوعياً، أنّ عليّ على الأقل، قراءة القرآن قبل اتخاذ أي قراراتٍ محددة، وعلمتُ عند قراءتي القرآن (مترجماً) أنّ المسلم لا يحق له الاعتداء على أحد إلّا إذا اعتدي عليه أولاً، وأن لا إكراه في الدين، وأنّ أفضل الرجال هم أولئك الذين يحسنون معاملة النساء، وأنّ المسلمين، رجالاً ونساءً، عليهم تحصيل العلم والمعرفة، وأنّ على المسلمين المكتفين مساعدة إخوانهم الفقراء المحتاجين، والعديد من الأمور الرائعة الأخرى التي بدت لي مختلفة عما كنتُ أظن خطأً أنه نهج الإِسلام وسلوك المسلمين وواقع حالهم أينما كانوا.

بعد تأجيل الموضوع لأطول فترة ممكنة، وبعد أن حملتُ صديقي المسلم وآخرين غيره على التأكّد من تفسير الآية المتعلِّقة بكون النبي محمد (ص) هو خاتم الأنبياء. كنت خائفاً من كوني لا أتّبع الدين والنبي اللذين أرادني الله أن أتبعهما. وحين أدركتُ أنّ محمداً (ص) هو ذلك النبي الخاتم، دفعني ذلك لمواجهة نفسي والتفكر في الأمر ومن ثم الإقرار عن إيمان وقناعة بأني مسلم حقاً، وبأنّ من الأفضل لي أن أبدأ بالاعتياد على هذه الفكرة.

مرّت بي السنتان الأوليان على اعتناقي الإِسلام بصعوبة، نظراً لسلوك الأوروبيين من حولي وموقفهم الرافض لكل ما يمتُّ إلى الإِسلام بِصِلة، لكنهما كانتا رائعتين لأني استطعتُ فيهما اكتشاف هذا الدين الشامل لكل نواحي الحياة، الذي وهبنا إيّاه الله تعالى، وفوجئتُ بأن المسلمين لم يكونوا فقط غير عنيفين وغير عدائيين، بل كانوا الأكثر دفئاً ومودّة، وهم يؤلفون بلا شكّ المجتمع الأكثر ودّاً وترحيباً. وحين كانوا ينادونني بـ «أخي» كنتُ أشعر بأن الفكرة الإِسلامية التي تدعو كلّ المسلمين إلى اعتبار أنفسهم أفراداً في عائلة واحدة، كانت تمنحني شعوراً قوياً يعجز عن استئصاله أو محوه الغرور والأنانية في العصر الحديث.

واكتشفتُ لاحقاً أن أولئك الذين أرهبهم واقع اعتناقي الإِسلام، لم يكونوا في الواقع ملتزمين في تأدية شعائر دينهم وتعاليمه، لكن، كان هناك رابط واضح وقويّ بين كل المسلمين، لا يقدّره حق قدره إلّا مَنْ لم يكن مسلماً من قبل.

١٢٦

وقد أقام معي أحد الإخوة صداقة مميّزة في فترة وجيزة، وكان أساس هذه الصداقة هو تعلُقنا بالإِسلام، غير أنّي شعرتُ أنّه يتجنّب الصلاة معي، وكان دائماً يقدّم الأعذار للامتناع عن القيام بذلك. خلال مناقشة فكرية - سياسية، ذكر لي أنه معجب بالنظام القائم في إيران، فقلتُ له: «لو سمحت لي بالسؤال، هل أنتَ شيعيّ؟».

أستطيع القول إنّ أخي في الإِسلام لم يكن مرتاحاً جداً لسؤالي، ولكي أكون صريحاً، فقد أخافني سماع الجواب، لأني كنتُ قد أحببتُ جداً هذا الصديق بالذات، ولكن، كانت تساورني شكوك كثيرة وجدية حول الشيعة. أليسوا هم مَنْ يعتقدون أن علياً (ع) هو النبيّ بدل محمد (ص) ؟ فقد أخبرني أوّل صديق لي مسلم أنّه لم يكن واثقاً من أنّ الشيعة مسلمون حقاً أم لا!

فأجابني أخي: «أفضّل القول إني مسلم».

لكن، عندما أصررتُ على هذه النقطة، قال نعم إنه مسلم شيعيّ، فسألته حينها عن حقيقة الشيعة ومذهبهم، وعن الفرق بينهم وبين سواهم من المذاهب الإِسلامية، كنتُ قد علمتُ بأنّ أمامي بضعة أسابيع إضافية، وربّما أشهر، من القراءة المكثّفة، لكنّي استمعتُ باهتمام لكل ما قاله، لأني كنتُ أحب هذا الأخ الصديق جداً، ولم يعجبني هذا الانقسام الجديد الذي طرأ بيننا.

منذ بدء هذا البحث الأخير، علمتُ أن السياسة بمنحاها القبيح قد أقحمت نفسها في ديننا، كما في سائر الأديان الأخرى عبر التاريخ، فأدّت إلى انقسام إخوتي في الإِسلام، لكني لم أعلم ما إذا كان الله يريدني أن أحاول إعادة أخي إلى الطريق القويم، أو أنّه في الواقع، كان يريدني أنا أن أعترف مرّة أخرى بأني لم أصل بعد إلى الطريق القويم.

ظننتُ في البدء أنّ الانقسام طرأ بعد عهد الخلفاء الراشدين، كما أدركتُ أني لا أستطيع الوثوق بالأحاديث الشيعية لإثبات حق الشيعة ودعاواهم، كما لا أستطيع الوثوق بالأحاديث السيِّئة لإثبات حق السُّنَّة، فقررتُ البدء بقراءة الكتب ذات المصدر السُنِّي التي تتحدث عن علي (ع) والخلفاء الآخرين.

١٢٧

كان الكتاب الأوّل الذي قرأته، كتاباً سُنِّياً عن حياة علي (ع) ، وبالرغم من أنه لم يذكر أيّاً من أحاديث الغدير التي تؤكد تعيين النبي (ص) علياً (ع) وصياً بعده. إلّا أنه ذكر أنّ علياً (ع) كان من محمّد (ص) بمنزلة «هارون من موسى». كما عرفت أنه قبل معركة صفّين، قال عليّ (ع) لرسول معاوية ما معناه: «كانت لي مشكلة مع الخلفاء قبلي، لأني كنتُ أؤمن بأنّ الخلافة من حقي أنا». وهو تصريح أدلى به أيضاً، وفقاً لكتاب سُنِّي آخر، وذلك بعد ستة أشهر من بدء حكم الخليفة الأول، وقبل ثلاثين سنة من معركة صفّين.

إنّ أي بحث في الأحاديث السُنِّية لن يكون كاملاً دون إلقاء نظرة على مجموعة أحاديث البخاري. وقد ساعدني إمام المسجد في المنطقة - وهو مسلم سُنِّي - عبر إرشادي إلى الجزء الذي يدور حول صفات أصحاب النبي (ص) ، بعد أن قرأتُ ثلاث صفحات عن الخليفة أبي بكر، وصفحتين عن الخليفة عمر، وصفحة عن الخليفة عثمان، وصفحة عن عائشة، وكيف أنها كانت زوجة النبيّ المفضّلة وأنّها أمّ المؤمنين، وصلتُ أخيراً إلى ثلاثة أحاديث عن الإمام علي (ع) كان الأول يتحدث عن كرهه لقباً كان الناس يطلقونه عليه، بينما كان الثاني قول النبي (ص) : «أنا مدينة العلم وعلي بابها».

وكان الحديث الثالث حول كون علي (ع) من محمّد (ص) بمنزلة هارون من موسى، وكان هناك ملاحظة في أسفل الصفحة، مفادها أنّ على المرء أن يشكّك في أي أحاديث حول علي (ع)

واكتشفتُ لاحقاً أحاديث سُنِّية مثل:

«علي وليّ المؤمنين جميعاً من بعدي»، [الترمذي، الجزء الخامس، ص 296].

«من كنتُ مولاه، فهذا عليّ مولاه، اللّهم والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه، وانصر مَن نصره، واخذل مَن خذله» [مسلم، الجزء الثاني ص 362].

١٢٨

فضلاً عن العديد من الأحاديث الكثيرة الأخرى، وعن آيات من القرآن الكريم، تتحدّث عن أهل البيت (عليهم السلام) وفضلهم ومنزلتهم، لكني أعترف بأني أحببتُ هذا الشخص المسمّى علياً (ع) منذ أن قرأت الكتاب الأول عنه. لقد أعجبتُ بالطريقة التي حاول بها، حتى النهاية، أن يقوم بما آمن بصوابيَّته، على الرغم من وقوف الأكثرية ضده. أنا أعلم أن الذين ينتصرون في السياسة، ليسوا هم الصلحاء غالباً، ولم أحبّ قطعاً تلك الشخصية المدعوة معاوية، وقد بدا لي أنه سعى وراء السلطة السياسية قبل كل شيء، كذلك. إن كان علي (ع) باب مدينة العلم، فكيف يجهل إن كان غيره هو أفضل الرجال للقيام بمهمة الخلافة بعد موت النبي (ص) ؟!.

أدركتُ مرة جديدة أنّ عليَّ تغيير طريقتي ونهجي في البحث، ومرة جديدة، قلقتُ من استياء الناس من حولي بسبب ذلك.

لكنّ مخاوفي لم تكن مرتكزة على أسباب حقيقية، حيث أنّ المسلمين السُنَّة في المجتمع الذي كنتُ أعيش فيه، والذين كانوا بمجملهم مسلمين مخلصين، تقبّلوا تبديل وجهة نظري وتوجّهي بأخويّة. حاولوا إقناعي بأني مخطئ في البدء (حتى أن إمام المسجد أمضى عشرة أسابيع وهو يتحدث عن صفات أصحاب النبي (ص) )، لكنهم حين رأوا أني قمتُ بالعديد من الأبحاث التي أرشدتني إلى وجهتي الجديدة، قالوا الحمد لله أنك مسلم. وبقيت مستمراً في الذهاب إلى المسجد نفسه، حتى غادرتُ ثانية للعمل في باكستان، وكان أخي المسلم الشيعي وأخي المسلم السُنِّي يعاملانني دائماً كما لو أنّي أخوهما الحقيقي.

أنوي إطلاع عائلتي على اعتناقي الإِسلام عندما أتزوّج، آملاً أن يكون من الأسهل عليهم تقبّل الأمر في مثل تلك المناسبة، أرجو أن تصلّوا لأجل عائلتي وأن تخصّوهم بالدعاء. هم وإخواني وأخواتي الجدد في الإِسلام..

١٢٩

الأخت الإسبانية: يولندا مارتن (زهراء)

إنها رحلة الشك إلى اليقين رحلة التساؤلات والبحث دوماً عن الحقيقة التي طالما كانت ضالة الإنسان العاقل، يبحث عنها أينما حل وكيفما ارتحل.

وأنّى لذي الفطرة السليمة والعقل المسائل أن يضلّ، وها هي الأخت يولندا ترابيو مارتن (زهراء) تقودها تساؤلاتها ورحلتها المكثفة إلى برِّ الإِسلام، تاركة الأهل والديار لتنعم في ظل عائلتها المسلمة في وطن زوجها.. في لبنان.

· مع الإِسلام تخلّصت من الاضطرابات الفكرية والنفسية التي كانت تعصف بي..

· عندما اهتديت التزمت بالحجاب في بيئة معادية ولم أبال بالثرثرة والتعليقات الجارحة..

س: قبل الحديث عن الأسباب التي دفعتك إلى اعتناق الإِسلام، نرجو بداية إعطاءنا لمحة سرعية عن نشأتك وعن المحيط الذي نشأتِ فيه؟

ج: وُلدت في غرناطة (إسبانيا). أنا الإبنة الثانية لعائلة متواضعة من أصل كاثوليكي. إيمان عائلتي فطري، لا تعني لهم الكنيسة الكاثوليكية شيئاً، ولا يبالون بتعاليمها، إلّا أنهم متمسكون بالقيم والأخلاق السامية، وهذا ربما كان عاملاً غير مباشر في توجّهي نحو الدين الإِسلامي الذي يؤكد دائماً على الأخلاق الحميدة والسلوك السويّ.

س: ماذا عن المجتمع الإسباني اليوم؟

ج: بالنسبة إلى المجتمع الإسباني الذي عشتُ فيه، فإنه مجتمع تتحكم فيه قيم التحلل الأخلاقي والعبثية التي تدفع الشباب خاصة إلى حياة اللهووالطيش، فيقضون أوقاتهم في المراقص الليلية وفي تعاطي الكحول والمخدرات، وإقامة العلاقات الجنسية غير المشروعة، بما فيها العلاقات الشاذة، كل ذلك تحت عنوان الحرية الشخصية التي تدعو إليها الحضارة الغربية المادية. وهذا أيضاً يدفع الشباب إلى عدم الاهتمام بمؤسسة الزواج باعتبارها قيداً وتضييقاً على الحريات. إلّا أن تلك الأجواء في بلدي الأم لم تؤثر فيّ نظراً للتربية الرصينة التي تلقيتها عند عائلتي.

١٣٠

س: هل كان للمناخ الفكري في المدرسة أو الجامعة أثر في توجّهك نحو الإِسلام؟

ج: لقد درستُ في مدارس كاثوليكية من سن الثالثة حتى السابعة عشر كان المستوى التعليمي لتلك المدارس جيداً، حيث يحظى الطالب باهتمام المعلمين والإدارة، أمّا التعاليم الدينية فيها فكانت تقتصر على أناشيد للسيدة مريم (عليها السلام) والذهاب أيام الآحاد إلى الكنيسة للاستماع إلى مجموعة من المواعظ يطلقها الخوري عند كل قدّاس. إلّا أن تلك المواعظ كانت سطحية ورتيبة لا تثير اهتمام أحد، ولم نتلقّ معرفة معمّقة حول تعاليم الإنجيل، الأمر الذي كان يثير الشكوك عندي بالنسبة إلى المعتقدات المسيحية.

عندما أصبحتُ في الرابعة عشر من عمري تركتُ الذهاب إلى الكنيسة أيام الآحاد، نظراً لعدم جدوى ذلك في نظري، وقبل انتسابي إلى الجامعة بسنتين طرح أستاذ الدين في المدرسة السؤال التالي: «ما الفرق بين المسيح (ع) وباقي الأنبياء؟» استنتجت أن لا فرق بينه وبينهم، وأن المسيح (ع) هو نبي كباقي الأنبياء، وإنه ليس ابن الله.. وهذه التساؤلات والاستنتاجات كانت بدايات اهتمامي الفعلي بقضية الدين واليوم الآخر.

س: متى اعتنقت الإِسلام، وما كان ردّ فعل الأهل والناس حولك؟

ج: في سن السابعة عشرة تعرفت إلى مسلمين من جنسيات مختلفة، من المغرب ولبنان وإيران، وذلك من خلال ترددي إلى المقاهي التي لا تبيع الكحول، حيث كان يجتمع فيها الطلاب المسلمون، وكانت تدور في تلك المقاهي نقاشات جدّية حول الأديان السماوية، في تلك المرحلة قرأت الإنجيل بالتفصيل وعدداً من الكتب الإِسلامية التي تتحدّث عن الإِسلام وتعاليمه، فكنت أطرح كل ما يدور في رأسي من تساؤلات حول الإِسلام وأتناقش فيها مع أولئك الشبّان المسلمين الذين تعرّفت إليهم.

١٣١

وفي هذا الوقت بدأ اهتمامي أيضاً بتاريخ مدينتي التي كان لها شهرة واسعة أيام الدولة الإِسلامية في الأندلس، وعلمت أن معظم أهلها كانوا من المسلمين قبل أن يسيطر عليها الملوك الكاثوليك من جديد عام 1492م، حيث أباد هؤلاء الملوك المسلمين وأجبروا من بقي منهم على اعتناق المسيحية، ومع مرور الوقت والاطلاع والتأمل، تيقنتُ أن الإِسلام هو خاتم الرسالات السماوية، وأن تعاليمه السمحة تتماشى مع الفطرة الإنسانية، كما أنها صالحة لكل زمان ومكان، لأن الإِسلام جاء للدنيا والآخرة معاً، فوجدت نفسي مسلمة مقتنعة أن الله تعالى هو الذي أرشدني وهداني إلى الدين الحق.

بدأتُ بعد ذلك بالتردد إلى المركز الإِسلامي في غرناطة (Granada ) حيث تُلقى محاضرات ودروس عن الإِسلام، وهناك تعرّفت إلى زوجي الذي كان يعطي دروساً في الأخلاق والفِقه، علماً أنه كان طالباً في كلية الطب.

س: موقف الأهل والمجتمع؟

ج: في البداية لم أُعلِم أهلي بإسلامي، لكنهم لاحظوا أن شيئاً ما في داخلي قد تغيّر، ولم أجرؤ على ارتداء الحجاب في بادئ الأمر خوفاً من رد فعلهم، فكنت أضعه عندما أذهب إلى المركز الإِسلامي أو لزيارة أصدقائي المسلمين في بيوتهم، ثم بدأتُ أبقيه على رأسي في كل الأماكن عدا الحي الذي أقطن فيه. إلا أن أهلي علموا بذلك من دردشات أهل الحي، لم يعترض والدي على إسلامي قائلاً إن لي الحق والحرية باختيار الدين الذي أريد، وكذلك والدتي، إلّا أنها كانت تعترض في البداية على ارتدائي الحجاب ولا سيما أن ضغوطات الناس عليها كانت كبيرة، إذ إن الإعلام المرئي والمسموع يحارب الإِسلام بشكلٍ عنيفٍ، والمجتمع الإسباني يقبل كل شيء حتى أقبح الأفعال والأعمال على مستوى الأخلاق، أما أن تكون مسلماً فهذا يعني أنك إرهابي ورجعي وإلى آخر النعوت التي تُطلَق على المسلمين تجنياً وحقداً.

أما أختي فقد غضبت كثيراً وكانت تخجل من مرافقتي لارتدائي الزي الإِسلامي، إلّاُ أنها باتت تتفهمني اليوم وتحترم قراري بالنسبة إلى إسلامي.

وأما عامة الناس في الحي والمنطقة فإنهم ثرثروا كثيراً، وكان تعليقهم جارحاً، لكني لم أهتم ولم أبالِ. في الجامعة حيث درستُ التمريض، لم أجد أي مشكلة مع الطلاب والإدارة، إذ احترموا إرادتي فيما أقدمتُ عليه. ثم عملتُ في حقل التمريض في المستشفيات العامة لمدة عشر سنوات بدون مشاكل تذكر.

١٣٢

س: ما هي الأمور الإيجابية التي شعرت بها بعد اعتناقك الإِسلام على المستوى الشخصي وعلى مستوى العلاقات مع الناس؟

ج: على المستوى الشخصي أشعر بارتياح كبير، فأفكاري باتت واضحة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى هدفي في الحياة، تخلصت من الاضطرابات الفكرية والنفسية التي كانت تعصف بي قبل الإِسلام، ورست سفينة روحي ونفسي على برّ أمان الإِسلام، وأشكر الله أن عائلتي تقبّلت إسلامي.

أمّا بالنسبة إلى علاقتي بالناس في وطني الأم فإنها محدودة، أتواصل مع مَن يحترم إسلامي، أما الحاقدون على الإِسلام فلا أعيرهم اهتماماً.

س: ما رأيك في الحجاب وبما يثار حوله من لغطٍ ومحاربة؟

ج: ينظر بعض الناس إلى الحجاب على أنه قضية ثانوية ويجب ألا نعيره كل هذا الاهتمام والتمسّك، ولكن في الحقيقة إن الحجاب حماية للمرأة المسلمة، إنه خط دفاع للمرأة، فهو يحتم على المسلمة التنبه لأفعالها وحركاتها وحسن اختيار الأماكن التي ترتادها، وكذلك حسن اختيار الأصدقاء، ولهذا فهو يمنعها من الذوبان في أجواء بعيدة عن التديّن والأخلاق.

س: ما هي أفضل طريقة بنظرك لدعوة الناس إلى الإِسلام؟

ج: أفضل وسيلة لذلك هي العمل وليس القول، إذ إنّ على المسلم أن يكون نموذجاً للإنسان الصالح في بلده ومجتمعه، وأن يكون إسلامه مرآة لأعماله الصالحة.

س: ماذا تفعلين الآن؟ وهل تشجعين غير المسلمين على اعتناق الإِسلام؟

ج: حالياً أعيش في لبنان مع زوجي وأطفالي، إذ إنه من الصعب تنشئة الأولاد في مجتمع غير إسلامي لأنهم يقضون وقتاً طويلاً خارج المنزل، الأمر الذي يعرِّضهم للذوبان في المجتمع الإسباني المعادي للإِسلام، فالإنسان يحاول دائماً أن يكون على وفاق وانسجام مع المجموعة التي يحيا ضمنها كي يتقبلوه.

أما بالنسبة إلى دعوة الناس إلى الإِسلام، فهذا واجب على كل مسلم ومسلمة، وأعيد وأكرر أن أفضل طريق لهذا هو أفعالنا لا أقوالنا.

١٣٣

س: هل من فرصة لدعوة الناس إلى الإِسلام في وطنك الأم؟

ج: الفرص ممكنة ولكن هناك صعوبات كبيرة في ذلك نظراً لقوة الإعلام المعادي للإِسلام، وهذا يتطلب جهداً مضاعفاً من العاملين، لكن الأهم من ذلك أن يحافظ المسلمون في إسبانيا على إسلامهم وإسلام أولادهم ومنعهم من الذوبان في المجتمع الإسباني، وذلك لا يكون إلّا بفتح مدارس ومراكز إسلامية ليتلقوا إلى جانب المواد الدراسية، تعاليم الإِسلام والقيم الإِسلامية.

١٣٤

الأخت الروسية المهتدية

«داغينا كيركوز»

إسلامي انعكس على حياتي استقراراً نفسياً، عرفته بعد تواصلي مع الله، الشيء الذي لم أكن أنعم به من قبل.

على المرأة المسلمة أن تكون واعية يقظة، كي لا تجعلها وسائل الإعلام أداة للاستهلاك.

أرجو من كل المسلمين أن يظهروا صورة الإِسلام الناصعة. فالإِسلام يحارَب بشدّة من قِبَل أعدائه.

تلمس الشفافية والصدق والطمأنينة وهي تتحدث عن إسلامها..

«داغينا كيركوز» المولودة في لاتفيا، واحدة من اللواتي التحقن بقافلة النور الإلهي، مطمئنة، راضية، شاكرة الله تعالى الذي هداها إلى الإِسلام.

لم تقنع بدبلوم في التمريض من جامعة لاتفيا، بل أحسّت بضرورة تعلّم اللغة العربية، لأنها لغة القرآن ولغة الإِسلام، ولم يمنعها من ذلك كونها أماً لابنتين.. فهي تشعر برغبة عارمة في معرفة أصول دينها ومعرفة أحكامه، فالتزمت بالذهاب إلى أحد معاهد اللغة العربية في بيروت من أجل ذلك.. معها كانت هذه المقابلة:

س: ما هو عدد أفراد أسرتك، وكيف كانت طبيعة علاقتك بها قبل اعتناقك الإِسلام؟

ج: تتألف أسرتي من أبي وأمي وأخت تكبرني سناً. كان أبي وأمي يعملان طوال النهار، وأحياناً في الليل، الأمر الذي جعلني أتحمل مسؤوليات المنزل بالاشتراك مع أختي. ولقد سبّب غياب والديّ مدة طويلة عن المنزل فتوراً في علاقتنا ومع ذلك كانت أمي تحاول أن تكون بقربنا وتحثنا على الدراسة والثقافة والنشاطات المدرسية.

س: هل من قيم معينة صبغت مدينتك؟

ج: ترعرعنا في مدينة صغيرة «مادونا» - «لاتفيا»، وعلى الرغم من صغرها، فإن الفردية تتحكم في حياة الناس، فكل فرد يعيش شبه منعزل عن الآخرين. وفي مدينتي هذه تكثر المشاكل الأسرية، وأكبر أسبابها، هو تعاطي الوالدين الكحول وما ينتج عن ذلك من مشاكل لا يُحمد عقباها يكون آخر مطافها الطلاق وتشتت الأسرة.

١٣٥

س: من المعروف أن النظام الشيوعي ترك بصماته على مجمل الحياة الفكرية والثقافية في «الاتحاد السوفياتي سابقاً».. فإلى أي مدى ترك تأثيره في بيئتك التعليمية؟

ج: صحيح ما أشرتم إليه، فقد انعكس النظام الشيوعي بأيديولوجيته على الحياة الفكرية والثقافية، بما في ذلك النظام التعليمي، وكان للنظام نشاطاته في كل المدارس والجامعات، وكان لا بدّ من الدخول في الفرقة الكشفية التابعة للحزب، وإلا نُظر إلينا بريبة وحذر. لكن أمي كانت تدين بالمسيحية، وكانت تصطحبنا إلى الكنيسة، وكنّا نشعر بخطر من قِبَل النظام لترددنا إليها، إلّا أن الأفكار الشيوعية تسربت إلى أختي التي كانت تشاكس أمي في إيمانها وأفكارها، فأمي كانت تستمع سراً إلى الإذاعات التي تناهض الاتحاد السوفياتي.

س: ما هي الظروف التي دفعتك إلى اعتناق الإِسلام؟

ج: التهذيب وحسن الخُلق سيدا الموقف، كما أنَّ المسلمين كانوا جادّين في دراستهم ويتحملون مسؤوليات غربتهم وتعليمهم بكل جد ونشاط، بخلاف الشبّان الآخرين في الجامعة الذين انغمسوا في ملذات الحياة.

ولفت نظري أيضاً عدم تعاطيهم الكحول، وعدم ذهابهم إلى النوادي الليلية السيئة الذكر، وكان زوجي واحداً منهم، وازداد إعجابي بالإِسلام وأنا أرى - وكذلك عائلتي - كيف يعاملني ويعامل مَن حوله بالأخلاق الإِسلامية. فكان زوجي الباب الواسع لدخولي إلى الإِسلام، فمن خلال إجاباته على كل تساؤلاتي حول هذا الدين الجديد أقنعني فكراً وعقلاً، وليس فقط عاطفة ووجداناً.

س: ما كانت ردود فعل محيطك بعد إسلامك؟

ج: بعد معرفة أقاربي أني اقترنت بمسلم، أشفقوا عليّ ظناً منهم أني ذاهبة إلى مصير مشؤوم، ومنهم من احترم قراري، أمّا والديّ فإنّهما ارتاحا لهذا الزواج، لأنهما كانا يرفضان فكرة الإلحاد، فإنّ إيماني بالله تعالى يساوي عندهما كثيراً، لأنهما كانا يرفضان الشيوعية بأيديولوجيتها، وازدادا إعجاباً بالإِسلام من خلال زوجي الذي يعاملني بما أمره الله، من حسن الخُلُق والرفق والعشرة الحسنة. أما أصدقائي فقد اعتقدوا أني مرغمة على اعتناق الإِسلام وارتداء الحجاب، فهم يعتقدون أن الحجاب هو انحطاط للمرأة، ويجعلها خادمة وأسيرة لزوجها، ولم يصدّقوا أن زوجي لم يجبرني على كل ذلك، وأن تصرفاتي كانت تنبع من قناعتي بما أقدمتُ عليه.

١٣٦

الشيء الأساس الذي انعكس على حياتي بعد إسلامي هو الاستقرار النفسي الذي عرفته بعد تواصلي مع الله تعالى من خلال واجباتي الدينية، فأنا أشعر براحة كبرى أثناء أداء الصلاة والصيام، ووجدت نفسي منخرطة في حياة اجتماعية بعيدة عن الفردية، فالإِسلام يدعونا إلى زيارة الأقارب والجيران، وإلى السؤال عنهم في السرّاء والضرّاء.

س: هل تقترحين اعتماد أساليب معيّنة لدعوة غير المسلمين إلى الإِسلام على ضوء تجربتك؟

ج: أعداء الإِسلام يبذلون كل طاقاتهم من أجل تشويه صورة الإِسلام، ولذلك نجد غير المسلمين من الناس العاديين يتوجسون خيفة من الإِسلام، لذلك على العاملين في نشر هذا الدين الحنيف أن يظهروا حقيقته وجلاء صورته عبر القنوات الفضائية وعبر الإنترنت باللغات الأجنبية مهما أمكن.

س: بعد مجيئك إلى لبنان، هل عدت ثانية إلى لاتفيا؟

ج: قمت بزيارة إلى وطني الأم، وكم كانت دهشة الأقرباء والأصدقاء كبيرة لأنهم لمسوا أني سعيدة بإسلامي وفي وطني الجديد، وقد تحدثتُ كثيراً عن تعاليم هذا الدين وركّزت على الناحية الاجتماعية فيه، لأن ذلك مفقود في مدينتي، ولأن مَنْ أتواصل معهم هناك لا يملكون حظاً كبيراً من الفكر والثقافة، لذلك فضّلت أن أحدثهم بما يطيقون فهمه واستيعابه.

س: هل يمكن الدعوة إلى الإِسلام في لاتفيا؟

ج: لقد سمحت الدولة في لاتفيا للأقليات الإِسلامية ببناء أول مسجد لهم. وهذا المسجد بحاجة إلى دعاة وأئمة لهداية الناس، فالمسلمون في لاتفيا لا يفقهون من أمور دينهم إلّا الشيء اليسير، فمن الصعوبة أن يقوم هؤلاء بمهمة تبليغ الإِسلام إلى غير المسلمين، ففاقد الشيء لا يعطيه، كما يقول المَثَل، ومن هنا فواجب علماء الدين في أنحاء العالم الإِسلامي أن يبادروا إلى إعداد الدعاة في لاتفيا، وفي غيرها من المناطق في العالم. فالأوروبيون أشرقيين كانوا أم غربيين ينظرون إلى الإِسلام باحتقار وازدراء، والساسة منهم يشعرون بخطورته، لأنه يحمل رسالة عالمية. فعلى كل المسلمين أن يحملوا همّ الدعوة إلى الإِسلام، بالعمل والقول والسيرة الحسنة.

١٣٧

س: ما هي نظرتك إلى المرأة المسلمة في وطنك الجديد لبنان؟

ج: أرى أن معظم النساء هنا يستغرقن في تفاصيل الأعمال المنزلية، غير مهتمات بما يجري في المجتمع، علماً أن الإِسلام سمح لهن بالخروج من المنزل والعمل وإكمال الدراسة على نحو لا يتعارض مع واجباتهن الزوجية أو واجبات الأمومة.

فعلى المرأة المسلمة أن تكون واعية، يقظة، لا تشدها وسائل الإعلام التي تحاول أن تجعل منها أداة للاستهلاك، وعليها أن تتثقف بثقافة الإِسلام، وأن تتابع دراستها، فالأم المتعلّمة خير من الأم الجاهلة، لأن وجه الأم هو وجه الوطن، وعليها الاتكال في إعداد الأجيال وتوجيه الناشئة إلى ما يرضي الله تعالى.

س: هل من كلمة أخيرة تودين توجيهها إلى المسلمين عبر مجلة «نور الإِسلام»؟

ج: أرجو من كل المسلمين أن يظهروا صورة الإِسلام الناصعة، فالإِسلام يُحارَب بشدة من قبل أعدائه، وأرجو من الله تعالى أن يصلح سريرة المسلمين وعلانيتهم، ليطابق قولَهم عمَلُهم، والحمد لله رب العالمين.

١٣٨

الأخت الأميركية المسلمة

آن ماري (زينب شريف)

· أشعرني الإِسلام بسكينة وسلام داخلي.. وهذا ما يصبو إليه كل فرد في مجتمعي الأميركي.

· واجهت مع الأسف مشاكل مع مسلمين غير ملتزمين يشوهون صورة الإِسلام، ولم يدركوا جماله.

قادها الإِسلام إلى السكينة والطمأنينة بعد صراع مرير مع الذات.. أبحرت إلى شاطئ هذا الدين الحنيف.. شراعها.. تساؤلات حول طبيعة الإله واليوم الآخر ومنهاج الحياة.. حتى وصلت إلى برّ اليقين..

إنها الأميركية المسلمة زينب شريف (آن ماري سابقاً) المولودة عام 1958 في بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأميركية..

تسعى حالياً لنيل شهادة الماجستير في علم النفس والإشراف على الجماعات. حائزة على إجازة في العلوم.

س: لماذا اعتنقت الإِسلام؟

ج: ترعرعت في بيئة كاثوليكية متدينة، لكني لم أتقبل فكرة أن المسيح (ع) هو الله، كما أني لم أتقبل كون الكاهن يمثل المسيح في الأرض. في الثامنة عشر من عمري تخلّيتُ عن الذهاب إلى الكنيسة، وعن ممارسة الشعائر الدينية فيها.

وأثناء عملي مع أطفال اللاجئين (وجلّهم من المسلمين) لمست التزام عائلاتهم الديني على مدى الأيام، ولم يقتصر ذلك على ساعات قليلة في الأسبوع، بل تغلغل ذلك الالتزام في حياتهم اليومية على مستوى العقيدة والسلوك. فدفعني ذلك إلى التعرف إلى هذا الدين الذي يجعل أتباعه ملتزمين بتعاليمه في كل شاردة وواردة، فاشتريت نسخة من القرآن الكريم باللغة الإنكليزية وقرأتُ سورة الرعد وتدبرت فيها، فأحسّست أن الله تعالى نوّر بصيرتي وفتح عيني على حقائق الدين الحنيف، فأسلمت لرب العالمين.

١٣٩

س: حبذا لو تحدثينا قليلاً عن محيطك الاجتماعي قبل اعتناقك الإِسلام؟

ج: نشأت في بيئة كاثوليكية متدينة كما أشرت، كما أن منزلنا يقع بجانب كنيسة، كنا نتردد إليها أيام الآحاد، كنت أعيش مع جدتي التي أقعدها المرض، فكنت أرعى شؤونها، ثم أذهب إلى مدرسة كاثوليكية مخصصة للفتيات، وإلى جانب التعليم والدراسة، تعلمنا أن نحترم أنفسنا وأن نهب حياتنا لله.

تزوجت، إلّا أن زواجي لم يدم طويلاً، وأثمر ابنتين، أقوم بتربيتهما بمفردي، ولم يكن عندي متسعاً من الوقت للعلاقات الاجتماعية، إذ كان وقتي مقسماً بين تربية ابنتيّ ومتابعة دروسي الجامعية ووظيفتي في حقل رعاية الأطفال.

س: ما هي الظروف التي رافقت اعتناقك الإِسلام؟

ج: لا يزال والداي يجدان صعوبة في تقبّل التحوّل الديني في حياتي، ويرفضون ارتدائي الحجاب، لكنهما لمسا عندي قوة الإرادة التي زرعها الإِسلام فيّ.

وبالنسبة إلى محيط العمل، فأنا والحمد لله لديّ وظيفة مرموقة، إذ إنني مديرة في مركز عناية بالأطفال تابع لجمعية الشبان المسيحين، ولديّ الحرية في ارتداء الحجاب وإقامة الشعائر الدينية الإِسلامية، وزملائي في العمل يحترمون عقيدتي والتزامي مع أنهم في البداية خافوا من تأثير التزامي بالإِسلام في بقية الموظفين، ولا سيما أن إسلامي أشعرني ولكني واجهتُ مشاكل مع مسلمين غير ملتزمين، إذ كانوا يدأبون على تشويه صورة الإِسلام بالأفكار المغلوطة حول هذا الدين الحنيف، ولطالما وجّهوا إليّ كلاماً قاسياً، فكنت أبحث وأسأل دوماً عن الحقيقة للتأكد من صحة ما يقولونه، حتى أيقنت أن هؤلاء لم يهتدوا إلى جمال الإِسلام على الرغم من كونهم مسلمين، ولم يهتدوا إلى حلاوة السير على نهج الأنبياء والأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، ذلك النهج الذي يدعونا إليه القرآن الكريم.

س: هذا بالنسبة إلى المسلمين غير الملتزمين، ماذا عن علاقتك بالملتزمين منهم؟

ج: لقد التقيت ببعض المؤمنين المخلصين الذين يسيرون في درب الإيمان والتقوى، وليت كل المسلمين الذين التقيتهم صالحون ومخلصون، لقد التقيت بالصالح منهم والطالح، وربما هذا أمر طبيعي كوننا بشراً، ولهذا دعا القرآن الكريم دائماً إلى تزكية النفس ومحاربة الهوى؛ وفيما يتعلق بغير المسلمين، فهم يحترمونني أكثر، وقد كان العديد منهم يدعمني ويشجعني على ما أقوم به.

وأتمنى أن ألتقي بمزيد من المسلمين الصالحين، لأن كثيراً من النماذج التي التقيت بها سيئة، لا تعرف من الإِسلام إلّا اسمه.

١٤٠