وهدوا إلى صراط الحميد

وهدوا إلى صراط الحميد0%

وهدوا إلى صراط الحميد مؤلف:
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 331

وهدوا إلى صراط الحميد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مؤسسة الإمام الحسين (عليه السلام)
تصنيف: الصفحات: 331
المشاهدات: 71257
تحميل: 5208

توضيحات:

وهدوا إلى صراط الحميد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 331 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 71257 / تحميل: 5208
الحجم الحجم الحجم
وهدوا إلى صراط الحميد

وهدوا إلى صراط الحميد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

كما كنت أستمع إلى أشرطة تتضمن محاضرات على شكل أسئلة وأجوبة، كما قرأتُ عدة كتب لمستشرقين منصفين باللغة الإنكليزية التي أجيدها تماماً؛ بعد قراءة كل كتاب، كنت أناقش زوجي بعدة طرق، فمرة كمسلم وأنا مسيحية، ومرة يكون العكس، أو كلانا كمسيحيين أو كمسلمين.

كل ذلك، كان بحثاً عن الحقيقة، حتى يكون إسلامي خالصاً لله ولرسوله، لا لزوجي وحبي له.

كلمة أو طرفة ذات دلالة حول تجربتها عن الإِسلام:

أجل، لقد اقترنت الفكرة بالواقع في تجربتي مع الدين الحنيف، فقد كان لزوجي صديق أميركي إسمه «جيم تايلور» يعمل معه في الشركة نفسها، وكان أحياناً يأتي لزيارتنا لقضاء بعض الوقت، وجيم هذا كان ممن لا يؤمنون بوجود الخالق، بل بالصدفة أو الطبيعة، وحدث أن حصل زوجي على إجازة من العمل لمدة أسبوعين، لذلك قررنا أن نقضي هذه الإجازة في السودان برفقة أحد الإخوة السودانيين، وأحبّ السيد تايلور أن يرافقنا أيضاً، وفعلاً سافرنا على متن إحدى الطائرات.

كنا نتحدث وكل شيء بدا ممتعاً وجميلاً، وفجأة انقلب الحال، وإذا برئيس المضيفين يتحدث بواسطة مكبّر الصوت، ويطلب من جميع الركاب العودة إلى أماكنهم وربط الأحزمة، والإقلاع عن التدخين، لقد بدا تصرف المضيفات غير طبيعي، فحركتهن كانت سريعة جداً، وابتساماتهن كانت كاذبة ومصطنعة، وهذا التصرف دائماً يدل على حدوث أمر غير طبيعي.

سيطر الاضطراب والخوف على جميع الركاب، نظرنا إلى جناح الطائرة، فإذا بالماء ينبعث منه بشدة، قالت لنا المضيفة: «إنها عملية تفريغ الوقود!» لقد بدت على جيم تايلور، صديق زوجي، علامات الخوف الشديد، وأنا ألاحظ تصرفاته. أخرج زوجي مصحفه الصغير الذي كان يحمله أثناء سفره، وبدأ بقراءة سورة يس. صرخ جيم بزوجي قائلاً:For God sake read faster, read faster , أي بحق الله اقرأ بسرعة، اقرأ بسرعة، اندهش زوجي وقال له:Read what ؟ أقرأ ماذا؟ فأجاب جيم:Read the Quran ثم تمتم قائلاً:Oh my God Save us آه يا ربي أنقذنا!

١٦١

كيف انتهت الحادثة، وما المغزى منها؟

لقد هبطت الطائرة بسلام ورحمة من الله وبحكمة الطيار القدير، إن غايتي من رواية هذه القصة هي أن أوضح كيف يلجأ الملحد الذي كان معنا في اللحظات الأخيرة إلى الله، طالباً إنقاذه؛ لم يتوسل بالإنجيل بل بالقرآن، إن فطرته السليمة، التي يحاول قتلها بالماديات برزت في تلك اللحظات، وأرغمته على أن يلجأ إلى الله... وحده لا شريك له.

ويصف القرآن هذا النوع من البشر قائلاً:﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَیَقُولَنَّ هَذَا لِی وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّی إِنَّ لِی عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِیقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِیظٍ ﴿50﴾ ﴾ [فصلت: 50].

كلمة أخيرة إلى القرّاء

إنني أريد أن أشير بالخصوص إلى صورة الأخوّة والمحبة والتسامح والأخلاق الحميدة التي يتصف بها الإِسلام، بل أستطيع أن أقول بدون مبالغة، أنه لا يوجد دين ينافس الإِسلام في كل ما ذكرتُ، لذلك أدعو كل من لم يهتدِ بعد لنور الإِسلام أن يعيش التجربة التي عشتها وأن يبحث عن الحقيقة، والتي سيصل إليها إذا صفّى نفسه من الشوائب وجاهد نفسه وقرأ وطالع، فسوف تنجلي بصيرته ويرى أن الدين الحنيف هو الطريق إلى خلاص البشرية من الشرور والآثام والوصول إلى شاطئ الطمأنينة والسعادة والأمان.

١٦٢

الأخ عبد الله شفيق ستورمن

أنا من جنوب أفريقيا. وهذه قصة إسلامي!

رآهم يسجدون لله.. فخشع قلبه وزاحمت الأفكار والتساؤلات عقله... وفي يوم ماطر لا ينساه أبداً... جلس باتجاه القبلة وتضرّع بكل إخلاص إلى الله تعالى أن يهديه الصراط المستقيم... ثم هوى ساجداً... وتواصلت رحلة البحث عن الحقيقة بإعلان إسلامه، بعد أن بدأها بمطالعات، ونقاشات مع زملائه في المدرسة والحي والمنطقة... وانفتح قلبه لحب الرسول (ص) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) ، فكانوا قدوة له في فكره وعقيدته وسلوكه...

إنه عبد الله شفيق ستورمن من جنوب أفريقيا، الذي تحدّث عن قصة إسلامه وعن حبه لأهل البيت (عليهم السلام) في هذا الحديث الخاص بمجلة «نور الإِسلام».

إسمي عبد الله شفيق ستورمن، وُلدت في العام 1972 في «كاب تاون» عاصمة جنوب أفريقيا، حين كان نظام التمييز العنصري في ذروته، وكنت أنتمي إلى فئة «المواطنين من الدرجة الثانية»، لأني من السكان «الملونين»، وكان السود - وهم الأكثرية - يُعتبرون مواطنين من الدرجة الثالثة، وبالتأكيد فإن المنحدرين من أصل أوروبي أي «البيض» كانوا مصنَّفين على أنهم مواطنون من الدرجة الأولى.

سأسرد لكم حادثة واحدة للدلالة على كيفية تغلغل العنصرية في النفوس والتي كان يغذيها نظام التمييز العنصري في بلدي آنذاك:

عندما كنت في الخامسة من عمري كنت ألهو مع أترابي قرب البيت أو المدرسة، وكان بجانب المدرسة حقل واسع شرعت إحدى شركات البناء بتشييد مجمع سكني فيه، وكان حارس الموقع من السكان السود، ولديه ابن في مثل سني تقريباً كان يلهو في ذلك الحقل، ولم يرغب أصدقائي في اللعب معه لأنه أسود. وقالت لي ابنة جيراننا لا تلعب مع ذاك الصبي الأسود لأنه هو وأمثاله في اللون ينتمون إلى فئة الشياطين، وبينما كنا نلهو قرب الحقل، اقترب الصبي منّا مبدياً رغبته في اللعب معنا، لكننا خفنا منه باعتباره شيطاناً وفررنا عائدين إلى المنزل، لأنه بحسب توهمنا سيلتهم لحومنا!

١٦٣

فهذه الحادثة وغيرها من المئات، تدلّنا على دأب النظام العنصري على تأصيل فكرة الفروقات العنصرية بين البشر بحسب ألوانهم، وما آلت إليه هذه الفكرة من نتائج فظيعة على المستوى الاقتصادي والثقافي والاجتماعي في جنوب أفريقيا.

البحث عن الحقيقة مبكراً

تلقيتُ علومي في مدرسة القديس كليمانس في «كاب تاون» وكنت متأثراً بجدتي التي كانت متدينة للغاية، وكان لها الأثر الكبير في تكويني الديني وفي ثقافتي المسيحية.

وبالرغم من كوني مسيحياً، فإن التساؤلات عن الأديان الأخرى، وتحديداً الإِسلام، الدين الشائع في جنوب أفريقيا، كانت تخطر ببالي دائماً وفي وقت مبكر من عمري، أي منذ الخامسة عشر، كنت أرغب بالتعرف إلى معتقدات المسلمين وعاداتهم وتقاليدهم، لأنني كنت أريد أن أكون بجانب الحق أينما كان هذا الحق.

النور الأول.. الذهاب إلى المسجد

في يوم جمعة، تسللتُ سراً إلى أحد مساجد «كاب تاون» لأرى كيف يصلّي المسلمون... وكانت طريقتهم في الصلاة ذات أثر بالغ في حياتي... رأيتهم يصلّون لله، مستسلمين بكل تواضع وخشوع، لا فرق بين أبيض وأسود، أو بين غني وفقير، وأكثر مشهد أثّر فيّ كان أثناء سجود المصلين لله، حتى بت أعتبر ذلك اليوم أسعد أيام حياتي.

في الطريق إلى الإِسلام

وطيلة الأسبوع الذي تلا هذه الواقعة، كنت أفكر في الله... في الدين.. في الحقيقة.. فخطر ببالي أن أصلّي كالمسلمين في المنزل، وصادف أن تغيَّبت عن المدرسة بسبب هطول الأمطار الغزيرة، فوضعت سجادة صغيرة كانت قد أعطتني إياها جدتي - باتجاه مكة - مع علمي أن الله موجود في كل مكان، وبدأت أتضرع إليه قائلاً: إلهي أنت خلقتني وأريد أن أكون عبداً لك، وأريد أن أكون مع الحق، وفيما كنت أردد تلك الكلمات سجدتُ لله كما يفعل المسلمون.. كما رأيتهم في المسجد.. وبكيت بإخلاص، أردت أن أقول لربي إني بحاجة إلى الهداية.. وللتعرف إلى الإِسلام خاتم الأديان السماوية.

١٦٤

الوصول إلى شاطىء الأمان

عليّ أن أقرّ بفضل الشخص الذي سهّل قبولي واعتناقي الإِسلام.. صديقتي وزميلتي في الدراسة «وسيلة أوغسطين». كنت مسيحياً وكانت مسلمة، وكنت أطرح عليها أسئلة كثيرة حول الإِسلام وكانت تجيب على عشرات الأسئلة، وأعطتني بعض الكتب للقراءة، وكلما زادت قراءاتي ازدادت أسئلتي، وفي وقت لاحق أعلنتُ إسلامي وكان مفاجأة بالنسبة إلى صديقتي التي كنت أهيل عليها الأسئلة كالمطر، وكان ذلك في العام 1989، ويجب أن أذكر عمي عبد الكريم ستورمن الذي اعتنق الإِسلام قبل 25 عاماً، فكنت أستزيد منه معرفة عن هذا الدين الحنيف.

في نادي الكاراتيه

انضمت صديقتي وسيلة إلى نادي كاراتيه في المنطقة، وألّحت عليّ أن ألتحق بذلك النادي أيضاً، وتحت إصرارها وافقت على مضض.

ولحسن حظي كان المسؤول عن ذلك النادي شاباً مؤمناً إسمه «فريد لويس» كان قد اعتنق الإِسلام أيضاً، ويعقد في منزله حلقات للفتيان، تدور فيها نقاشات حول الإِسلام، وكانت نقاشات كثيرة تدور حول أهل البيت (عليهم السلام) ، وقد أعطانا كتباً عديدة تتحدث عن الإِسلام وعن الرسول (ص) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) ، فوجدت نفسي مؤمناً أتَّبع تعاليم هذه المدرسة في الإِسلام، وتأكَّد لي أن الإمامية أو مذهب الإثني عشرية الجعفري، مذهب صحيح لا تشوبه الشوائب مهما حاول الآخرون تشويهه.

ولا أنسَى أيضاً جاري المرحوم أبراهام دايفدز الذي علّمني أموراً كثيرة عن الإِسلام وكان أحد الأوائل أيضاً الذين عرّفوني على تعاليم أهل البيت (عليهم السلام)

الأهل: الرفض ثم القبول

لم تتقبل أمي في البداية إسلامي، وعندما رأت أنه ليس بمقدورها منعي عن ذلك، تراجعت عن رفضها وقبلتني بمعتقدي الجديد، ولا سيما أن علاقتي بها ممتازة، أما والدي فقد عارض الأمر بشدة، ولكنه تراجع أيضاً عن محاربتي عندما رأى إصراري.

١٦٥

حرية الرأي والمعتقد

بعد إسلامي شعرتُ بأني حر في طرح الأسئلة وأن باستطاعتي طرح كل التساؤلات عن الإِسلام بكل حرية، وهو أمر يتميز به الإِسلام والمسلمون عن غيرهم، عندما ينبذ المرء الانحياز الأعمى الموروث، والمعتقدات التي يرثها من العائلة والمجتمع سيصل إلى المنطق والتفكير السليم الحر، بالإضافة إلى هذا فإن الإخلاص والصدق هما ما يحتاجه المرء لبلوغ الحقيقة.

والحمد لله فإنني ما زلت أنكبُّ على دراسة الإِسلام عقيدة وشريعة ومفاهيم، دراسة حوزوية معمقة وذلك في لبنان كي أستطيع القيام بواجب الدعوة والتبليغ في بلادي عندما أعود إن شاء الله، وفي الوقت نفسه أعمل على ترجمة بعض الكتب النافعة في هذا السبيل.

الإِسلام في جنوب أفريقيا

ينظر الناس إلى الإِسلام في جنوب أفريقيا بإيجابية، إلّا أن بعض الشكوك تحوم حوله بسبب جهلهم به، وبسبب الدعاية العالمية ضده، ويعتنق سنوياً عشرات الأشخاص الإِسلام وينتمون إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

ونشر الإِسلام بحاجة إلى جهود مكثفة من قبل العاملين للإِسلام ولا سيما أن جنوب أفريقيا رزحت تحت نظام عنصري ما زالت آثاره ماثلة إلى اليوم.

١٦٦

شهادات بعض المعتنقين الجدد للإِسلام

· «رحمة لوتز»:

«لقد عاينا عن كثب منهج الإِسلام، وروعة أولئك الذين يكافحون ليعيشوا حياة روحية».

· محمد أمين بوتمان ( Muhammad Amin Bootman ):

«إن الإِسلام دين عملي جداً، ومع هذا فهو عميق جداً».

· جنيفر مكلينن ( Jennifer Mclennan ):

«اعتنقت الإِسلام لأن قلبي أشار عليَّ بذلك».

يسرنا أن ننشر هذه الشهادات الثلاث لرجال ونساء أميركيين اعتنقوا الإِسلام حديثاً، لنعرف أن دين الفطرة والتسامح وبالرغم من كل التعقيدات، ما زال يأسر كثيراً من القلوب والعقول التي أتعبها السير في دروب تجانب الروح، وتؤدي إلى الضياع والقلق.

شهادة رحمة لوتز من نيو مكسيكو:

أول تعرّف لنا على تعاليم الإِسلام كان قبل عشرين عاماً عندما كنا زوجين شابين، ولدينا طفلان جميلان، كنا نسعى للوصول إلى طريقة روحية قبل فترة، وكنا قد التقينا بالعديد من الأشخاص الجيدين والمخلصين من مدارس مختلفة، ولكل سبيل وجدنا منافع استمتعنا بها، إلا أن أياً منها لم «يناسبنا» بشكلٍ مريحٍ. كنا نسعى إثر «الرهبنة الإلهية» لقدرنا الخاص.

نحن لم ندرس الإِسلام في الكتب فحسب، بل اختبرنا سبيل الإِسلام بشكلٍ مباشرٍ، كما اختبرنا جمال نفوس الذين يكافحون ليعيشوا حياة روحية والذين يقدمون للآخرين قسماً من علومهم ودخلهم وبركاتهم دون سؤال.

وهذا دفعنا لدراسة تعاليم الإِسلام، وبدأنا نكرر الكلمة الأساسية التي ما فتئت تظهر مرة تلو الأخرى: «الله» وقد التأم شملنا خلال شهر رمضان، بالرغم من أننا كنا لا نعرف بعد شروط الصوم، وقد قمنا بمحاولات بسيطة للصلاة بأفضل ما كان بوسعنا.

١٦٧

في ذلك الحين كنا منعزلين في بلدة صغيرة في جنوب كولورادو، ولم نكن قد التقينا بمسلمين قط، وفي صيف العام 1977، حضرت «نهاية الأسبوع النسائي» في «مؤسسة لاما» وهو مركز روحي يقع على قمة جبل جميل وناءٍ في شمالي نيو مكسيكو، ولأول مرة صليت مع نسوة مسلمات وطرحت أسئلة عن الإِسلام، وعدت إلى المنزل وأنا مقتنعة بأن الإِسلام هو «سبيل الأُسرة».

زوجي، عبد الرحيم، قام بعد ذلك بزيارة مؤسسة لاما، وقد دعينا لتمضية فصل الشتاء في دراسة نصوص إسلامية في مركز الدراسات المكثفة. وكان هناك نسخ متوفرة من القرآن الكريم ومجموعات الحديث الشريف، وقد قبل عبد الرحيم الدعوة، وعاد إلى المنزل، استقال من عمله، وحزمنا أمتعتنا ومضت الأُسرة كلها إلى الجبل.

وقد أرشدنا إلى بعض العائلات الأميركية المسلمة النشأة المقيمة في «سانتا في»، وعندما اكتشفوا أننا مهتمون بالإِسلام اصطحبونا إلى منازلهم كي نتمكن من الصلاة معهم وطرح الأسئلة، لم يشيروا ولو لمرة واحدة أننا قد نكون عبئاً عليهم بالرغم من أنهم كانوا يكافحون لإعالة أُسرهم بمدخول ضئيل جداً، ولم يشيروا قط إلى أن علينا أن ندفع ثمناً مقابل الإرشاد الروحي، كانوا مؤمنين بأن الله قد أرسلنا إلى بابهم، وهم قد فتحوا الباب على مصراعيه لاستقبالنا. نحن لم ندرس الإِسلام في الكتب فحسب، بل اختبرنا سبيل الإِسلام بشكل مباشر، كما اختبرنا جمال نفوس الذين يكافحون ليعيشوا حياة روحية والذين يقدمون للآخرين قسماً من علومهم ودخلهم وبركاتهم دون سؤال.

١٦٨

شهادة محمد أمين بوتمان - نائب رئيس بنك أوف أميركا:

اعتنقنا - زوجتي وأنا - الإِسلام قبل بضع سنوات، ومؤخراً انضم إلينا بعض أولادنا. وعليّ أن أعترف أن مسيرنا إلى هذا الدين كان بطيئاً، كنت قد درست أفكار «جورج غوردجيف» طيلة أكثر من 30 عاماً، كل فترة كهولتي.

وهنا في كاليفورنيا، حيث تزدهر أديان العصر الحديث والفلسفات الشرقية، كان هناك نقص متعمد في الاهتمام الشعبي بالإِسلام، والصحافة المغرضة تشكل بالتأكيد جزءاً من السبب. ولكن - على الصعيد الشخصي - بمقدوري القول إن الإِسلام كان ببساطة غير مرئي.

وفي خضم هذه الثقافة، حيث الجميع يحبون التسوق، والأسواق الجديدة والثقافات الفرعية وأنظمة الاعتقاد تبدو وكأنها تولد بين ليلة وضحاها. والعجيب أن أعداداً متزايدة من الناس المسجونين خلف قضبان الدولة العلمانية المطلقة يتسوقون أدياناً.

كمهتدٍ للدين الإِسلامي، أرى بحسرة كبرى أن هذا الدين لا يتصدَّر قائمة لائحة الشراء هذه لأنه - وبطريقة غريبة - يتضمن الإِسلام كل ما عدا ذلك. كقادم جديد إلى الإِسلام، مررت بما يشبه الصدمة خلال الأعوام القليلة الماضية عندما عاينت التقدير الواضح الذي يكنّه الإِسلام لجميع أنبياء التوراة والأناجيل. ويبدو أن القرآن يتحدث عن موسى وإبراهيم أكثر مما يتحدث عن النبي محمد نفسه (عليهم السلام أجمعين). وعندما يتمعَّن المرء في المسألة، فإن تقديراً وتواضعاً طبيعياً من هذا القبيل يلائم - في الواقع - حامل رسالة الله الخاتمة والكاملة لكل البشرية، إن ديناً كالإِسلام، يركّز بتصميم على الإله الذي لا تدركه الأبصار، يواجه معركة عسيرة كي يلاحظه الآخرون أصلاً.

أملي في هذه المرحلة - كزوج وأب - أن يقدم الإِسلام لعائلتي توازناً نحن بأمس الحاجة إليه. فالأولاد يتعلمون بالأمثلة، وهذا الدين يقدِّم معياراً للسلوك يتقدم على كل ما رأيته في ثقافتي. إن هذا الدين عملي جداً، ومع هذا فهو عميق، وفي الحقيقة يبدو الإِسلام مرتكزاً على خطوط وأنظمة من التوازنات، إنه مباشر ومتطور.

١٦٩

شهادة جنيفر مكلينن - مسؤولة تسويق سابقة - بريتش كولومبيا:

لقد حصل الأمر بشكل تدريجي، حتى أنني لم أعرف ماذا حدث، إلى أن جلستُ لأحكي هذه القصة. لقد اشتريتُ حاسوباً، ومعه مجاناً موسوعة على قرص مدمج، وكان أول ما فعلته أن بحثتُ فيها عن كلمة «إسلام»، وقد علم زميل لي عن بحثي، وسألني إذا كنت قد اطلعت على شيء متعلق بالصوفيين. كان من جنوبي المحيط الهادئ، ولكنه قرأ كثيراً عنهم. فمضيتُ إلى المكتبة وبحثتُ عن كل الكتب الصوفية. لم أتقدم كثيراً في هذا المسار، ولكنني انتسبت إلى دورة تعليمية عن الفن الإِسلامي.

لقد أحسّست أني قد دخلتُ عالماً فكرياً، كانت مقاربة الأستاذة تعليم عقائد الإِسلام قبل الغوص في الفن الإِسلامي بما أن كل شيء في الإِسلام يتم باسم الله - حسب ما علمت - وقد بدا الأمر معقولاً.

شعرتُ بأن كل ما اعتقدت به بمفردي - من خلال استكشافاتي الفردية غير الرسمية كمراهقة، وتعليمي المدرسي والجامعي الرسمي وتحليلاتي الشخصية - قد حُزم كرزمة صغيرة مرتبة وسُلِّم إليّ. لم أشعر من قبل قط إلى هذا الحد بأن ثمة شيئاً أنتمي إليه، وأن ذلك الشيء قد أعدّ لي. إن المفاهيم الإِسلامية حول الله والملائكة، واعتراف الإِسلام بكل الكتب المقدسة واحترامه الأديان الأخرى وتسامحه حيالها، وحقائق كثيرة أخرى بدت لي صحيحة.

وذهبت إلى أستاذتي بعد انتهاء الدورة وسألتها عما يجب عليّ القيام به، وفي اللحظة أصبحَت - وهي ما تزال حتى الآن - النور الهادي في حياتي.

لقد شكَّ كثيرون في اعتناقي الإِسلام واعتقدوا أنه كان متسرعاً ومرتجلاً، وأبدوا مخاوفهم - مهما كانت ملطَّفة - من الدين الإِسلامي، الغريب هو أنني لم أعرف عما كانوا يتحدثون. فبما أنني وُلدت في العام 1975، لم أعلم بالتشهير الإعلامي الذي تعرض له الإِسلام في التسعينيات من القرن الماضي، حتى حينئذٍ، لم أفهم بشكلٍ كافٍ ما كان يجري حتى ينمو لديّ تحيّز ضد الإِسلام. ما تعلمته، تعلمته بقلبي، وعندما اعتنقت الإِسلام كان ذلك لأن قلبي أشار عليّ بذلك، وليس لأن الأمر بدا معقولاً بطريقة أخرى لأنه - وبالمعنى الدنيوي - لم يبدو الأمر كذلك.

١٧٠

أعرف الآن أن ذلك كان أعظم قرار اتخذته في حياتي، أول قرار أتخذه من قلبي وروحي، وأعرف الآن أني كنت محقة في القيام بذلك لأن العقبات التي كان يمكن أن أتوقع حصولها في بدايات هذا الطريق لم تحصل.

عائلتي وأصدقائي كانوا أكثر من داعمين، وقد فتحت الجالية الإِسلامية ذراعيها مرحبة بي والحمد لله.

الأخت الفرنسية ماري تيريز (الحاجة مريم)

تقول:

· لقد كنت مولعة بالبحث عن المعرفة والحقيقة، وكنت أحسّ بأن أمامي هدفاً يجب أن أسعى إليه.

· عندما تعارض الحجاب مع الوظيفة فضلت الانسحاب منها وارتداء الحجاب انسجاماً مع مبدئي وعقيدتي.

ماري تريز شمبوردون (الحاجة مريم)، تلك السيدة المهتدية إلى الإِسلام، في إثر تعارف جرى في جامعة بواتييه الفرنسية مع طالب الحقوق الذي أصبح محامياً معروفاً فيما بعد.. هناك في بواتييه، تلك المدينة العريقة، وهي أولى المدن في بلاد الغال التي وصلها الفاتحون العرب بعد نزولهم الأندلس، حيث يذكر التاريخ أن معركة فاصلة جرت هناك بين العرب والفرنجة، الذين كان يقودهم شارل مارتل، وفيها موضع يقال له بلاط الشهداء Marbre des martyrs وقد ارتدّ العرب عن هذه المدينة. في هذه المدينة بالذات التي قاومت الفتح العربي، انفتح قلب ماري لدعوة الإِسلام، هذا الدين الذي لا إكراه فيه، ولئن استعصى على السيف أن يتوغل في جنبات تلك المدينة، فلقد استطاع المنطق الهادئ والجدال بالتي هي أحسن، أن يرتاد منافذ النفس والفكر والقلب، لدى آنسة فرنسية كانت طالبة في دار المعلمين. هناك في بيتها الزوجي، في حي هادىء من ضواحي بيروت، حيث تقيم مع زوجها المحامي الأستاذ سميح حمدان، التقتها مجلة نور الإِسلام، لتجري معها هذا الحوار:

١٧١

س: هل لك أن تحدثينا بإيجاز أولاً عن مولدك ونشأتك؟

ج: وُلدت في بواتييه Poitier وهي مدينة فرنسية تبعد حوالي 350 كلم إلى الجنوب الغربي من فرنسا، من أبوين فرنسيين يعتنقان الكاثوليكية.. وكان أبي موظفاً في أحد المصانع. وبعد أن أنهيتُ دراستي الأساسية، دخلتُ إلى دار المعلمين، حيث تخرّجتُ معلمة، وعملت في التدريس بضع سنوات في فرنسا قبل سفري إلى لبنان.

وكنت في نشأتي قد تلقيت تعليماً دينياً، وقد كان الطلاب في فرنسا آنذاك يتلقّون تربية دينية، إلا أن ذلك لم يكن إلزامياً، بل يعود إلى رغبة الأهل، وكان يعهد إلى قس أو كاهن بتعليم الأطفال بين سن السابعة والثانية عشرة.

وكنت أحب هذه الدروس، لا سيما دروس الأخلاق التي تحث على حسن السلوك والسيرة، تلك الدروس كانت تقود خطاي في حياتي، فمثلاً كنا نتعلم أن نتجنب الكذب، وأن تكون لطفاء ومتسامحين وألا نسيء إلى أحد، وهو ما تتضمنه الوصايا العشر من تحريم الزنا والقتل والسرقة.. الخ.

وعندما وصلتُ إلى سن البلوغ أحسست بأن مشاعري وأفكاري تنجذب إلى ما هو مطلق وحقيقة.

فلقد كنت مولعة بالبحث عن المعرفة والحقيقة، وكأني كنت أحس بأن شيئاً ما كان ينقصني وأن أمامي هدفاً يجب أن سعى إليه.

س: كيف اعتنقت الإِسلام؟

ج: قبل تعرفي على الإِسلام كنت أحسُّ أن الله موجود في كياني، في كل اللحظات، فإذا شعرت بالسعادة كنت أتوجه إليه بالشكر، وكأني كنت على موعد مع هذا التحول الذي ملأ كياني بنفحات الدين الحنيف.

١٧٢

بينما كنت جالسة في مطعم الجامعة، وكان الطالب الذي أصبح فيما بعد زوجاً لي وشريكاً لحياتي، يجلس قريباً مني، تشاء الصدف أن نلتقي في ذلك الجو العلمي المنفتح على الحوار والتساؤل.

وما أن قدّم النادل طبق الطعام المؤلف من لحم الخنزير حتى بادر الأستاذ سميح مشيراً إلى أنه يعتذر عن تناول هذا النوع من الطعام لأنه حرام في نظر الشريعة وفي عُرف الطب، طالباً لحماً شرعياً مذكى بدلاً منه أو طعاماً نباتياً خالياً من اللحم. ولما سُئل عن سبب ذلك أجاب بما يسع المقام.

وهنا تدخلتُ لأستوضح منه الأمر، فأجابني أن هذا اللحم غير صالح للأكل، طبقاً لتعاليم الشريعة ومعطيات الطب، لأن الله حينما حرّم أكله كان ذلك عن حكمة لطف بالعباد، فوقع جوابه من نفي موقع رضى وقبول، ولما جمعنا لقاء ثانٍ، طلبت طعاماً مؤلفاً، من لحم شرعي مذكى إن تيسّر، أو اكتفيتُ بطعام مؤلف من بعض النباتات.

وتوالت الأسئلة بعد ذلك من قِبلي عن حقائق هذا الدين الذي يحرّم لحم الخنزير.

(وهنا لفت مندوب مجلة «نور الإِسلام» نظر السيدة مريم التي تحاورها المجلة، إلى أن لحم الخنزير كما كان يقرأ في صغره، كان محرّماً عند المسيحيين، حيث كان الإمبراطور الروماني يجبر بعض النصارى على أكله ويهددهم بالقتل).

وبعد هذا اللقاء استطعتُ الحصول على نسخة من القرآن الكريم مترجمة إلى الفرنسية على يد مغربي وآخر فرنسي، وكانت الترجمة غير جيدة، أما الآن فلدي ترجمتان أخريان للقرآن واحدة سعودية والثانية إيرانية، وهما أفضل ترجمات معاني القرآن الكريم. لقد تعرفتُ على زوجي في فرنسا ولم أكن قد عرفتُ تماماً حقيقة الإِسلام، ولكنني حينما انتقلتُ إلى بيروت تعمّقت كثيراً في فهم الأمور، ولما رزقت بأولادي وعددهم خمسة، كان البكر منهم وهو شادي قد اختار دراسة علم الشريعة في الجامعة الإِسلامية، فأعانني على فهم مبادئ الإِسلام وتعاليمه، ثم بدأتُ منذ وصولي إلى بيروت بتأدية الفرائض من صلاة وصيام ووفقت للذهاب إلى الحج وارتضيتُ ارتداء الحجاب، الذي فضلته على متابعة التدريس في إحدى المدارس الفرنسية في لبنان، فما أن أنهيتُ عقدي مع الدولة الفرنسية حتى بادرتُ إلى الاستقالة من الكلية البروتستانية College Proptestante ، فعندما تَعارض الحجاب مع الوظيفة فضَّلت الانسحاب منها وارتداء الحجاب انسجاماً مع مبدأي وعقيدتي.

١٧٣

س: ما هي نظرتك إلى الإِسلام والمسلمين اليوم؟

ج: بالنسبة إلى المسلمين اليوم، إن كان يحق لي أن أصنِّف الآخرين، فلست بمزكّية نفسي لقوله تعالى:( فَلا تُزَکُّوا أَنْفُسَکُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) [النجم: 32]. ينقسم المسلمون بنظري إلى أربعة أصناف:

1 - المسلمون بالولادة دون العقيدة: وهم الذين يجهلون قواعد الدين الحنيف، بل لا يعرفون شيئاً عن الواجبات والفرائض، من هؤلاء النساء السافرات اللواتي يخرجن بلا حجاب، ولا يرتدين زياً محتشماً، كاسيات عاريات يتجولن في الطرقات وينزلن إلى الأسواق، يزاحمن الرجال وينشرن الفتنة بالإثارة والإغراء.

2 - المسلمون بالولادة والعقيدة دون الثقافة: وهم يحبون الله تعالى والنبي (ص) ، والأئمة (عليهم السلام) ، إلا أنهم قليلو الحظ من الثقافة الإِسلامية، لا يفرقون غالباً بين الدين وبين العادات والخرافات، كالتطيُّر من الرقم (13) ويحسبون ذلك من الدين، هناك أعمال واجبة يهملها هؤلاء الناس، بينما نجدهم يقومون بأعمال لا تمتّ إلى الإِسلام بصلة، متوهمين أنها من الدين.

3 - المسلمون بالولادة والعقيدة والثقافة: وهم الذين درسوا الإِسلام وعندهم القدرة على تعليمه للآخرين، ولديهم القدرة على الإقناع، إلا أنهم مقتنعون بالإِسلام بصورة نظرية، منهم من يكذب ويغش ويرائي ويهمز ويلمز ويغتاب، ويتكبر ويستعلي على الآخرين، ولا يظهر تسامحاً معهم.

4 - المسلمون في الولادة والعقيدة والثقافة والعمل: وهم موجودون - وإن كانوا قلة - ينشرون في الأرض ظلاً جميلاً ومحبباً، يهش لهم المرء ويرتاح في أكنافهم وهم الذين وصفهم النبي (ص) :«إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً، الموطؤون أكتافاً، الذين يألفون ويؤلفون» . وهم الذين يجهدون في أن يحيوا حياة الإِسلام الخالصة، في كل لحظة من حياتهم، إنهم متسامحون، متواضعون، لا يتأخرون عن تقديم خدمات للآخرين، وهم قدوة وأسوة لمن يعرفهم، لا يتكلمون بفضول الكلام، يعيشون كالغرباء في مجتمعهم.

١٧٤

س: ما هو رأيك بالمرأة عموماً وكيف تقيّمين الحجاب؟

ج: تدخل المرأة في تلك التصنيفات التي ذكرت آنفاً، إنها في الأغلب الأعم ترتكب أخطاء من حيث بروزها إلى المجتمع متبرجة لتصبح مثار فتنة وغواية وإغراء، وذلك يعود إلى نقص في التربية البيتية، وتأثير المحيط والمدرسة ووسائل الإعلام كالجريدة والمجلة والتلفزة والسينما، مما يقودها إلى تقليد أَعمى للغرب ونسيان قيم الدين الحنيف والتنكر لها.

إن الفتاة المؤمنة لا تؤمن ببعض الكتاب وتكفر ببعض، بل تلتزم بالقرآن وأوامره ونواهيه، وتتخذ من سورة النور وآية الحجاب موجهاً لها.

لقد التزمتُ بالحجاب وارتديته منذ اللحظة التي فهمت فيها أنه أمر إلهي، وماذا يعني أن أكون مؤمنة، غير أن أكون طائعة لأوامر الله؟!

وإذا لم أفعل، فمعنى ذلك أني أضع إرادتي ورغبتي فوق إرادة الباري.

س: ما هي حسنات الحجاب إذاً في نظرك؟

ج: إن الحجاب وقاية وصيانة للمرأة والرجل معاً، إنه يوحي للمرأة أن تكون مهذبة في حركاتها وفي كلامها، يجعلها بمأمن من ذكر الأشياء المتعلقة بجسدها أو ذكرها بالسوء في غيبتها، لأنه لا يتيح للنساء الأخريات أن يطلعن على تفاصيل جسدها ويجنبها ذلك الحجاب الحديث عن أمور الموضة والأزياء التي تضيع الوقت بلا طائل. والحجاب يجعلني أراقب نفسي وحركاتي وأن أحسن التصرف والتحدث مع الآخرين باحتشام يفرضه عليّ هذا الزي الذي يمثِّل الإِسلام. وعندما ارتديته شعرت بالامتنان للخالق الذي هداني لنعمة الدين الحنيف، وحينما ترتديه فتاة يوحي بأنها تعرف الشيء الكثير عن الإِسلام فهو موقف ورأي والتزام.

س: ما هي نظرتك إلى الغرب؟

ج: عندما أنظر إلى الغربيين بتجرد، أرى أن لديهم كثيراً من العيوب وأنواع الفساد والفسوق، ولكن لديهم أيضاً بعض الفضائل كالصدق والتعاون فيما بينهم، ويحترم بعضهم بعضاً، ويحترمون حرية الآخرين، ويتصفون بالدقة في التعامل.

أشعر بأسف شديد لجهل الغربيين بالإِسلام مع أنهم يحملون الكثير من الفضائل والخصال التي يمتدحها الإِسلام، ويحثّ أتباعه على الالتزام بها.

١٧٥

س: ما هي كلمتك للقرّاء؟

ج: ليس لديَّ ما أضيفه سوى التذكير بأن يشعر كل مسلم بواجبه تجاه أخيه المسلم، فلا يقصرنَّ في هداية أو نصيحة، كما أحث المسلمين على أن يضيقوا الشقة بين الفكر والممارسة، وبين النظرية والتطبيق.

المسلم البريطاني المرحوم الحاج عبد الله مالك «آرثر هنري بروركنج»

هكذا هداني الله إلى الإِسلام

هذه شهادة ساطعة أخرى وقصة أخرى من قصص الاهتداء للإِسلام، تظهر بوضوح جاذبية هذا الدين العظيم، وملامسته القلوب والنفوس الحيّة، وقدرته على إيقاظ العقول وشدّها إليه، مهما كانت بعيدة في مناشئها واهتماماتها، هذا ما نلمسه من قصة تحوّل المسلم البريطاني المرحوم الحاج عبد الله مالك. (آرثر هنري بروركنج)، إلى الإِسلام، والتي كتبها وطبعها على الآلة الكاتبة بنفسه، قبيل وفاته، عندما كان مقيماً مع أسرته في بيروت وقد حصلت عليها «نور الإِسلام» من عائلة أرملته السيدة سهيلة الصباغ، وهي تنشرها مع بعض الاختصار.

النشأة والتعليم

وُلدت في عام 1926م، في الحادي والثلاثين من تموز، في مدينة لندن - في بريطانيا، وكان والدي رجالد كانتون بريطاني الأصل، وكانت والدتي ماجدولينا برور هولندية الأصل، ولا يوجد لديَّ أي إخوة أو أخوات نظراً لوفاة والدتي وأنا ما زلت في الشهر الثامن عشر من عمري، وبقي والدي دون زواج بعد وفاتها.

كان والدي يعمل في الهند، فتولّى جدي وجدتي من جهة الأب رعايتي وتربيتي في بريطانيا، ولم أجتمع بوالدي إلّا في الإجازات، ولما بلغت الرابعة عشرة من العمر توفي والدي. تلقيت تعليمي في مدرسة حكومية إنكليزية، حتى بلغت سن التاسعة عشرة من العمر. ثم وقعت الحرب العالمية الثانية حين كانت لندن هدفاً للقصف من جانب القوات الألمانية. وخصصت جزءاً من الوقت للدفاع المدني كنشاط مدرسي إضافي، كما أصبحتُ من خلال وجودي في المدارس البريطانية بطلاً في المبارزة بالسيف.

١٧٦

الخلفْية العسكرية

التحقتُ بالجيش البريطاني عام 1946م عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفي أوائل عام 1947م رُقّيت إلى رتبة ضابط طوارئ في كتيبة المشاة في الجيش البريطاني، وكنت أحب الحياة العسكرية، لذا قررتُ أن أحصل على وظيفة دائمة في الجيش. وبعد أن اجتزتُ الاختبارات والتدريبات اللازمة، تعينّت بعد خدمة سنة، في هولندا، مدرباً للأغرار، ثم التحقتُ بعد ذلك بكتيبة في ألمانيا لمدة ثلاث سنوات.

في عام 1951م انتقلَت كتيبتي إلى الملايو في الشرق الأقصى، حيث كانت المنظمات الشيوعية الصينية تعتمد على حرب العصابات بشكل كبير، هادفة من وراء ذلك إلى السيطرة على هذا البلد وضمه تحت لواء الشيوعية.

بعد عام 1951م تلقت كتيبتي نبأ لتقديم ضابط للخدمة في هيئة أركان القيادة العامة لقوات منطقة الشرق الأقصى البرية في سنغافورة.. وحيث أنني كنت أقدم ملازم في كتيبتي عيّنت لهذه المهمة، وذهبتُ إلى سنغافورة برتبة جديدة، هي رتبة نقيب، ثم عدتُ إلى إنكلترا في نهاية عام 1953م، وعيّنت مساعداً لقائد الكتيبة برتبة نقيب في كتيبة المشاة الإقليمية.

أُرسلت كتيبتي في عام 1958م إلى ما وراء البحار مرة أخرى، حيث أُرسلت سرية للمشاة إلى البحرين في الخليج العربي، في مهمة خاصة في جزيرة المحرق حيث تدربنا على الحرب في الصحراء، ولم يمضِ على وجودي في البحرين سوى تسعة أشهر حتى سمعت أنه تمّ اختياري لحضور دورة 1960م الخاصة في كلية كميرلي للضباط، ورُقيت بعدها لرتبة رائد.

بعد انتهاء فترة تدريبي في كلية القيادة والأركان، عيّنت ضابط ركن إدارة خاصة لدى القوات المسلحة البريطانية في مسقط في عُمان. ولقد كانت تلك الفترة مفعمة بالمشاكل والاضطرابات الملكية، وكانت الحرب قائمة بين المتمردين والحكم السلطاني. ولقد تعرّفت من خلال تنقلي المستمر على عمان من حيث طبيعتها الجغرافية ومشاكلها، بالرغم من قصر المدة التي قضيتها فيها.

١٧٧

اعتناقي الإِسلام

وعندما أصبح عمري 35 عاماً، وصلتُ إلى نقطة التحول في حياتي، لحظة القرار. فقد كنت رائداً في القوات المسلحة البريطانية، وكانت فرص ترقيتي كبيرة جداً، فأنا تخرّجتُ من كلية الأركان والقيادة، ولكنني لم أكن أنام مرتاحاً ممتلئاً، وكان عقلي محتشداً بالأفكار والمخاوف، ولقد أصبحت أصارع هذه الأفكار إلى أن وصلتُ إلى القرار الصعب، وأصبحت مسلماً في عام 1963م، وعرفت عندها أنني قد أضطر إلى تقديم استقالتي من الجيش البريطاني، ولكنه كان طريقاً طويلاً من الكفاح والنضال مع نفسي حتى توصلت إلى هذا القرار.

وحقيقة، فإن اهتماماتي الدينية ترجع إلى أيام دراستي الأولى، فقد نشأتُ على المذهب البروتستانتي، وفي المدرسة دفعتني متطلباتي وخبراتي باتجاه الكنيسة الأسقفية البروتستانتية، ولقد ضعفَت اهتماماتي الدينية بعد انتهائي من الدراسة، وذلك بسبب مهنتي العسكرية الجديدة.

في أثناء خدمتي في الجيش البريطاني في الملايو، أخذت اهتماماتي الدينية بالانتعاش وأثناء عملي مع قوات الشرطة الملاوية، كنت وحيداً وبعيداً عن قيود الهيئة العسكرية، كنت على صلة جيدة ووثيقة بالمواطنين والمدنيين، وعندها اكتسبتُ خبرة من خلال مشاهدتي أربع ديانات تمارس شعائرها في الملايو: المسيحية بين الأوروبيين، والهندوسية بين الهنود، والبوذية بين الصينيين، والإِسلام بين المواطنين الملاويين.

في البداية، كان اهتمامي بجميع الديانات، وكنت أطرح أسئلة بسيطة، لكنها عميقة، لإشباع فضولي. وإذ ذاك شعرت بميلي نحو الإِسلام.

ولفتت الحياة الهادئة الآمنة التي كان يحياها المسلمون انتباهي، وباعتقادي فإن اهتمامي الفعلي بدأ عند معايشتي شهر رمضان لأول مرة، وتأثرتُ بالحماس الذي كان يبديه المسلمون الملاويون لهذا الشهر الكريم، وأصبحت لي رغبة في معرفة الكثير عن هذا الدين. ورغبت في إجراء مقارنة بين الإِسلام والمسيحية، ولهذا عكفتُ على دراسة كل منهما دراسة مستفيضة، وما دام يستطيع المسلمون صيام شهر رمضان دون تردد، لم لا أستطيع أنا أن أصوم الفصح؟ وحاولتُ أن أصوم الفصح في ذلك العام، ولكن بطريقة صيام المسلمين نفسها في شهر رمضان، فلم أستطع أن أكمل الصوم.

١٧٨

ومثل أي مسيحي كانت تساؤلاتي العادية حول الدين، ولقد كان لديّ العديد من الشكوك حول رجال الدين المسيحيين، وفي حياتي القصيرة نسبياً كان لدي الكثير من الفرص لملاحظة حياة عدد كبير من الكهان، وكنت مستاءً من تكتمهم في الإجابة على تساؤلاتي. ومع ذلك، أصروا جميعاً على أنهم قادرون على التوسّط بيني وبين الله، فهم يغفرون ويخففون أي خطيئة نيابة عن الله، وكنت أحس أن إيماني مسألة شخصية بيني وبين خالقي.

عندما زرت كوالالمبور، عاصمة الملايو، زرت المكتبات، واشتريتُ كل ما كنت أجده حول الدين، خصوصاً الإِسلام، كما أرسلَت إليّ كتب أخرى من إنكلترا، وأقبلتُ على تلك الكتب بنهم في كل لحظة فراغ ملكتها، وقضيت العديد من الأماسي التي لا حصر لها أتباحث في موضوع الإِسلام مع الأصدقاء، كما اشتريت نسخة مترجمة من القرآن كتاب الإِسلام المقدس.

أثناء قراءتي الأولى لهذه الترجمة الإنكليزية للقرآن، شعرتُ بأنها مرتبكة، وأنها تستعير من المسيحية واليهودية. وأدركتُ حالاً أنني جلبت ترجمة ركيكة جداً كتبها مناهض للإِسلام. وبالفعل أورد المترجم في مقدمته أن محمداً (ص) كان مصاباً بالصرع، واشتريت بعد ذلك ترجمة أخرى جديدة لمترجم مسلم. ومع ذلك بقيت مشوشاً إلى أن اتضح لي أمران:

1 - لا مجال للشك في وحدانية الله، إذ تكرر هذا الأمر في القرآن ورُكِّز عليه بوضوح مراراً وتكراراً. وشعرت أن ذلك أقرب إلى ما يمكنني الاقتناع به.

2 - وبدا لي أن هناك نسقاً كاملاً للحياة يطرحه هذا الدين، بحيث لا يكفي الإيمان وحده، إذ على المرء أن يعيشه في كل دقيقة من حياته وكل يوم.

في هذه اللحظة كنت لا أزال إنساناً مشتت الفكر، فقد تعلمتُ أشياء تهز إيماني، وليس هذا بالأمر السهل.

١٧٩

الهداية

متأملاً في هذا الأمر، فكرتُ في أنه إذا كان هناك إله، فإنه بالتأكيد سيهدي أي شخص يراه يجتهد سعياً وراء الحقيقة، وأنه لا بدّ من وجود قوة في الصلاة، لذا صلّيت بحماس شديد طالباً الهدى من الله إلى الحقيقة. ثم كان لي رؤياي أنا أيضاً، ورأيتُ في المنام الكعبة المشرّفة، وآلافاً من الناس يمشون ويهرولون حولها، وكان هذا الحلم قبل أن أعرف شيئاً عن شعائر الحج والطواف حول الكعبة بزمن طويل. وبعد هذا الحلم انقشعت شكوك كثيرة من فكري، وبينما تابعتُ قراءتي علمت أني أقترب أكثر وأكثر من الإِسلام، فقد كنت والحمد لله على هدى ونور.

عندما حان شهر رمضان التالي، فكرت أن من الخير أن أصومه، وكم كانت دهشتي عندما أتممت صيامه دون صعوبة كبيرة على عكس محاولتي صيام الفصح في العام السابق.

في نهاية عام 1953م حان وقت مغادرتي الملايو، وفي ذلك الوقت هداني الله إلى الإيمان، ومع ذلك بقي لديَّ شك إذ تساءلتُ فيما إذا كان إيماني بالإِسلام ناجماً عن ارتباطي بالبيئة الملاوية والأصدقاء الملاويين، كما خشيتُ مما سيقوله الناس إن أنا أسلمت، لذا قررت بدافع من ضعفي أن لا أخطو أي خطوات أخرى، بل أعود إلى إنكلترا وأنغمس في الحياة العسكرية، وأترك الأمور تأخذ مسارها الطبيعي.

مرت ثلاث سنوات على هذا الفتور الديني، ثم رأيت حلماً آخر كان تكراراً دقيقاً لحلمي السابق الذي رأيت فيه الكعبة المشرّفة والناس يطوفون حولها، فأيقظ الحلم ضميري، وأيقنتُ أني كنت موجهاً إلى أن أكون مسلماً حقيقياً عاملاً، ومع ذلك انتظرت معتقداً أني ما زلت صغيراً، وأن أمامي الكثير من الوقت كي أتخذ قراري بعد إنهاء خدمتي العسكرية.

هنا، لا بدّ لي من العودة بحكايتي إلى تلك الأيام التي كنت فيها ضابط ركن في القوات المسلحة السلطانية في مسقط، بينما كنت أعمل في مسقط حدث أن أحببت مرة أخرى الحياة الإِسلامية، واشتقت أثناء شهر رمضان إلى الانضمام إلى صفوف المؤمنين المسلمين (عرب وباكستانيين وبلوش) الذين كانوا يؤدون فرائضهم بتدين.

١٨٠