وهدوا إلى صراط الحميد

وهدوا إلى صراط الحميد17%

وهدوا إلى صراط الحميد مؤلف:
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 331

وهدوا إلى صراط الحميد
  • البداية
  • السابق
  • 331 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75562 / تحميل: 6373
الحجم الحجم الحجم
وهدوا إلى صراط الحميد

وهدوا إلى صراط الحميد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

والمستفاد من خبر الحسين بن أبي حمزة الثمالي ثابت بن دينار عند ما قصد زيارة الحسين (عليه السّلام) قادماً من الكوفة لأواخر عهد الدولة الاُمويّة ذكر باب الحائر وكرّر لفظه، بينما ابن اُخته الحسين اقتصر على ذكر القبر دون إيراد لفظ الباب(1) .

ومن الممكن إن لم يكن يقصد بالباب حدود حومة الحائر وجود بناء على سبيل الإجمال على التربة الطاهرة، وكلاهما يصرّخان إنّهما كانا على خوف ووجل من القتل، وصرح ابن الثمالي بوجود المسلحة المطوّقة للحفرة الطاهرة من الجند الاُموي للحيلولة دون مَنْ يؤم قصده.

كان لحركة الشيعة في استعراضهم لجند الشام بعين الوردة بزعامة سليمان بن صرد الخزاعي واستماتتهم بطلب ثأر الحسين (عليه السّلام)، وإعادتهم الكرّة تحت لواء إبراهيم الأشتر، واستقصائهم للجندي الاُموي مع زعيمهم ابن زياد، مستهونين غير محتفين بكلّ ما سامهم معاوية من خطوب وخسف، وما أذاقهم من مرّ العذاب وصنوف التنكيل بغارات بسر بن أرطأة، وصلب وقتل وسمل في ولاية زياد بن أبيه وسمرة بن جندب وابن زياد، ممّا خلف أثراً عميقاً سيئاً في نفوس آل مروان ودويّاً هائلاً.

فبعد أن تسنّى لعبد الملك بن مروان وصل حلقات فترة الحكم الذي دهم دور حكم آل أمية بموت يزيد بإقصائه آل الزبير عن منصّة الحكم والإمرة، أراد أن يستأصل الثورة من جذورها؛ لذلك اتّبع سياسة القسوة والشدّة تجاه أهل العراق، وضغط ما لا مزيد عليه لمستزيد، خصوصاً في ولاية الحجاج بن يوسف.

ونهج خلفاؤه عين خططه دون أيّ شذوذ مع تصلّب بالغ؛ كابن هبيرة،

____________________

(1) يقول في خبر طويل بعد أن نزل الغاضرية وقد أدركه الليل، وهدأت العيون ونامت، أقبل بعد أن اغتسل يريد القبر الشريف يقول: حتّى إذا كنت على باب الحير... وساق في خبره وقد كرّر لفظ الباب حيث يقول بعد ذلك: فلمّا انتهيت إلى باب الحائر... (إقبال الأعمال - لابن طاووس / 28)، ومجلد المزار من بحار الأنوار 22 / 120.

٦١

وخالد بن عبد الله القسري، ويوسف بن عمر.

فترى ممّا تقدّم أنّ من المستحيل إفساحهم المجال بأن يُشيّد بناء على قبر الحسين (عليه السّلام)، ويكون موضعاً للتعظيم والتقدير؛ ممّا يتنافى وسياستهم المبنية على الكراهية لآل البيت (عليهم السّلام) والتنكيل بشيعتهم.

وإن سلّمنا بتحقق خبر الحسين بن أبي حمزة الثمالي على سبيل استدراك الورود لفظ الباب، من الممكن أن نقول: أي وجود بناء في الفترة بين سنة أربع وستين لإحدى وسبعين، ونلتزم بتغاضي المروانيين من التعرّض لهم، وبقائه ليوم ورود الحسين ابن بنت أبي حمزة الثمالي لزيارة الضريح الأقدس.

وورد خبر لا يوثق به ولا يعوّل عليه من أنّ المختار بن أبي عبيدة الثقفي بنى على القبر الشريف وأقام حوله قرية(2) .

وقيل: إنّ سكينة بنت الحسين (عليه السّلام) أقامت بناء على الرمس الأقدس أمد اقترانها بمصعب في ولايته للكوفة، ففي أمد الفترة لسنة ست وستين عندما أمَّ التوّابون (عند مسيرهم للتلاقي مع جند عين الوردة) التربة الزاكية، وازدحموا على القبر

____________________

(1) جاء في مزار بحار الأنوار - للمولى محمّد باقر المجلسي / 120 ما نصه: (عن الحسين ابن بنت أبي حمزة الثمالي قال: خرجت في آخر زمان بني مروان إلى قبر الحسين (عليه السّلام) مستخفياً من أهل الشام حتّى انتهيت إلى كربلاء، فاختفيت في ناحية القرية، حتّى إذا ذهب من الليل نصفه أقبلت نحو القبر، فلمّا دنوت منه... حتّى كاد يطلع الفجر أقبلت... فقلت له عافاك الله، وأنا أخاف أن أصبح فيقتلوني أهل الشام إن أدركوني ها هنا... وصلّيت الصبح وأقبلت مسرعاً مخافة أهل الشام.

(2) ذكر هذا القبر صاحب كنز المصائب دون إسناد، وفضلاً عن ذلك فإنّ هذا الكتاب لا يُعتمد عليه كثيراً؛ لِما حُشي متنه من الأخبار الغير واردة.

وقد ذكر هذا الخبر عند سرده لما دار بين المختار ومصعب بن الزبير، وعدد المواقع التي دارت بينهم والتي انتصر في جميعها المختار، =

٦٢

كازدحام الناس على الحجر الأسود(1) .

لم يكن حينذاك ما يظلل قبره الشريف أيّ ساتر، واستقصوا أمد البقية من الفترة، المختار بن أبي عبيدة الثقفي، ومصعب، وابن أخيه حمزة؛ فالأخبار الواردة في زيارة الحسين (عليه السّلام) عن السجّاد علي، والباقر(2) محمّد بن علي (عليه السّلام) (لكونهما قضيا حياتهما في الدولة المروانية) يشفان عن خوف ووجل.

وممّا يؤيد وجود بناء بسيط (بل له بعض الشأن) على القبر الشريف في زمن ورود الحسين ابن بنت أبي حمزة للزيارة، ما جاء من الألفاظ في الزيارات الواردة عن الصادق (سلام الله عليه) لجدّه الحسين (عليه السّلام)(3) ، حيث يقول في خبر: «... بعد الغسل بحيال قبره الشريف في الفرات، فتتوجه إلى القبر حتّى تدخل الحير من جانبه الشرقي، وتقول:...، ثمّ إذا استقبلت القبر...، ثمّ اجلس عند رأسه الشريف...، ثمّ تحوّل عند رجليه...، ثمّ تحوّل عند رأس علي بن الحسين...، ثمّ تأتي قبور الشهداء»(4) .

وفي خبر المفضل بن عمر عن الصادق (سلام الله عليه): «إذا أتيت باب الحير

____________________

= وهزيمة مصعب، إلى أن تمكّن مصعب من المختار آخر الأمر.

وإذ لم ترد مثل هذه الأخبار في الكتب التأريخية - والمعروف بل المحقّق أنّه لم يكن بين المختار ومصعب من مواقف سوى ما كان بالمذار، ثمّ تحصّن المختار بقصر إمارة الكوفة إلى أن قُتل -؛ لذا قلّ الاعتماد على ما ورد في هذا الكتاب من قيام المختار بتشييد قبر الحسين (عليه السّلام)، وإن كان المحلّ مناسب لإعطاء مثل هذه النسبة له.

كيف لا وقد قام المختار بأخذ ثأر الحسين (عليه السّلام)، وقتل قاتليه وصلبهم، وأحرق بعضهم بالنار؟ فلا يبعد من أن يقوم بتشييد قبره الشريف، إلاّ أنّنا نحكم بوقوع مثل هذا الأمر وجداناً لا استناداً على ما ورد في هذا الكتاب؛ للأسباب السالفة.

(1) تاريخ الطبري 7 / 70، وكان ذلك سنة 65 هـ.

(2) مجلد المزار 22 / 110.

(3) فقد توفي الصادق (عليه السّلام) سنة 148، والثمالي توفي في زمن المنصور.

(4) مجلد المزار / 145.

٦٣

فكبر الله أربعاً، وقل:...»(1) .

وفي خبر ابن مروان عن الثمالي عند آخر فصول الزيارة يقول: ثمّ تخرج من السقيفة وتقف بحذاء قبور الشهداء وتومئ إليهم، وتقول:...(2) .

وفي خبر صفوان الجمّال عن الصادق (عليه السّلام) يقول: «فإذا أتيت باب الحائر فقف... وقل:... ثمّ تأتي باب القبة وقف من حيث يلي الرأس، وقل:...، ثمّ اخرج من الباب الذي عند رجلي علي بن الحسين (عليه السّلام) وقل:...، ثمّ توجه إلى الشهداء وقل:...»(3) .

وفي خبر آخر عن صفوان يقول: «فإذا أتيت الباب فقف خارج القبة وارم بطرفك نحو القبر وقل:...، ثمّ ادخل رجلك اليمنى القبر وأخّر اليسرى، ثم ادخل الحائر وقم بحذائه وقل:...»(4) . وهذا ما يدلّك على أنّ له باباً شرقيّاً وغربيّاً.

فخلاصة القول: إنّ المستفاد من هذه الزيارات هو وجود بناء ذو شأن على قبره في عصر الصادق (سلام الله عليه).

ومع هذا فقد كان الاُمويّون يقيمون على قبره المسالح لمنع الوافدين إليه من زيارته، ولم يزل القبر بعد سقوط بني اُميّة وهو بعيد عن كلّ انتهاك؛ وذلك لانشغال الخلفاء العباسيِّين بإدارة شؤون الملك، ولظهورهم بادئ الأمر مظهر القائم بإرجاع سلطة الهاشميِّين، وهو غير خفي أنّ القائمين بالدعوة كانوا من أهل خراسان، وأكثر هؤلاء إن لم نقل كلّهم كانوا من أنصار آل البيت (عليهم السّلام).

ولمّا رسخت قدم العباسيِّين في البلاد، وقمعوا الثورات جاهروا بمعاداة شيعة علي (عليه السّلام)، ولكنّها كانت خفيفة الوطأة أيام السفّاح، فتوارد الزائرون

____________________

(1) المصدر نفسه / 148.

(2) المصدر نفسه / 105.

(3) المصدر نفسه / 159.

(4) المصدر نفسه / 179.

٦٤

لقبر الحسين (عليه السّلام) من شيعته عند سنوح هذه الفرصة جهاراً، واشتدّت الوطأة أيام المنصور بوقيعته بوجوه آل الحسن(1) ، وخفّت ثانية في أيام المهدي والهادي.

فلمّا كانت أيام الرشيد(2) ، وكانت قد استقرّت الأوضاع، وثبتت دعائم الحكم، وقضت على ثورات العلويِّين بما دبّرته من طرق الغدر والخيانة، فأرغمت أنوفهم الحمية، وأخمدت نفوسهم الطاهرة، فأرادت القضاء عليهم في محو قبور أسلافهم، فسلكوا سلوك بني اُميّة؛ إذ أمر الرشيد بهدم قبره الشريف ومحو أثره، فأخذت الشيعة الوسائط بالاهتداء إلى تعيين موضع القبر، وتعيين محلّ الحفرة منها السدرة، فبلغ الرشيد ذلك فأمر بقطعها(3) ، ثمّ وضع المسالح على حدوده إلى أن انتقل إلى طوس ومات فيها.

فلم يتتبع الأمين ذلك لِما كان منشغلاً باللهو والطرب وصنوف المجون والبذل، فاغتنموا الحال وبادروا إلى تشييد قبره الشريف، وقد اتخذوا عليه بناءً عالياً.

ولمّا جاء دور المأمون وتمكّن من سرير الخلافة تنفس الشيعة الصعداء، واستنشقوا ريح الحرية، ولم يتعرّض لذلك، وكان المأمون يتظاهر بحبّه لآل البيت (عليهم السّلام) حبّاً جمّاً حتّى إنّه استعاض بلبس السواد - وهو شعار العباسيِّين - بلبس الخضرة - وهو شعار العلويِّين -، وأوصى بالخلافة من بعده لعلي الرضا

____________________

(1) مروج الذهب - للمسعودي 2 / 171.

(2) الظاهر إنّ الرشيد لم يتعرّض لقبر الحسين (عليه السّلام) إلاّ في اُخريات أيامه، ولعل سبب ذلك غضبه ممّا كان يشاهد من إقبال الناس لزيارة الحسين (عليه السّلام) وتعظيمه والسكنى بجواره، وكان قبل ذلك يجري ما أجرته أمّ موسى من الأموال على الذين يخدمون قبر الحسين في الحير. انظر الطبري 10 / 118. (عادل)

(3) روى ذلك محمّد بن الحسن الطوسي في أماليه / 206 طبع إيران، بسنده إلى جرير بن عبد الحميد، وذكر أنّه عندما سمع جرير بالخبر رفع يديه قائلاً: الله أكبر! جاءنا فيه حديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: «لعن الله قاطع السدرة» ثلاثاً. فلم نقف على معناه حتّى الآن.

٦٥

ابن موسى الكاظم (عليه السّلام)، ولعل ذلك كيد منه، وكان هذا الوقوع بعد قتل أخيه الأمين، واسترضاء لمناصريه الخراسانيين.

وقد زعم البعض أنّه هو الذي شيّد قبره الشريف، وبنى عليه لهذه الفترة(1) ، وفي ورود أبي السرايا بن السري بن المنصور إلى قبر الحسين (عليه السّلام) أيام المأمون عام تسعة وتسعين بعد المئة حين قام ببيعة محمّد بن إبراهيم بن إسماعيل طباطبا بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن السبط، دليل على تشييد قبر الحسين(2) بعد مضي الرشيد إلى طوس.

وبقي الحال على هذا المنوال والشيعة في حالة حسنة حتّى قام حول قبره الشريف سوقاً، واتخذت دوراً حوله، وأخذ الشيعة بالتوافد إلى قبره للسكنى بجواره، إلى أن كان من المغنّية الشهيرة التي قصدت من سامراء في شعبان زيارة قبره الشريف، وكانت تبعث بجواريها إلى المتوكّل قبل أن يلي الخلافة يغنين له إذا شرب، وقد بعث إليها بعد استخلافه فأخبر بغيبتها، فأسرعت بالرجوع عندما أبلغها الخبر بطلب المتوكّل لها، فبعثت إليه بجارية وكان يألفها، فقال لها: أين كنتم؟

قالت: خرجت مولاتي إلى الحج وأخرجتنا معها.

فقال: إلى أين حججتم في شعبان؟

قالت: إلى قبر الحسين (عليه السّلام).

فاستطير غضباً(3) ، وفيه من بغض آل أبي طالب ما هو غني عن البيان، فبعث بالديزج بعد أن استصفى أملاك المغنّية - وكان الديزج يهودياً قد أسلم - إلى قبر الحسين (عليه السّلام)، وأمره بحرث قبره الشريف ومحوه، وهدم كلّ ما حوله من الدور والأسواق، فمضى لذلك وعمل بما أمر به، وقد حرث نحو مئتي جريب من جهات القبر، فلمّا بلغ الحفرة لم يتقدّم

____________________

(1) نزهة الحرمين - للعلاّمة السيد حسن الصدر (مخطوط) نقلاً عن تسلية المجالس.

(2) انظر مقاتل الطالبيِّين - لأبي الفرج الإصبهاني / 341 ط النجف.

(3) المصدر نفسه / 386.

٦٦

إليه أحد، فأحضر قوماً من اليهود فكربوه، وأجرى الماء عليه(1) ، فحار الماء عند حدود قبره الشريف(2) ، ثمّ وكّل به المسالح بين كلّ مسلحتين ميل، ولا يزوره أحد إلاّ وأخذوه ووجهوا به إلى المتوكّل(3) ، فحصل للشيعة من ذلك كرب عظيم لِما طرأ على قبره من الجور، ولم يعهد مثله إلى هذا الحد.

فضاق بمحمد بن الحسين الأشناني بعد طول عهده بالزيارة، فوطّن نفسه على المخاطر، وساعده رجل من العطّارين، فخرجا يمكثان النهار ويسيران الليل حتّى بلغا الغاضرية، وخرجا منها نصف الليل، فسارا بين مسلحتين وقد ناموا حتّى دنا من القبر الشريف، فخفى عليهما موضعه، فجعلا يتحرّيان موضع القبر حتّى أتياه وقد قُلع الصندوق الذي كان عليه واُحرق، وفي الموضع اللبن قد خُسف وصار الخندق، فزاراه وانكبّا عليه، وقد شمّا من القبر رائحة ما شمّا مثلها قطّ من الطيب.

فقال الأشناني للعطّار: أي رائحة هذه؟

فقال: والله ما شممت مثلها بشيء من العطر.

فودّعاه وجعلا حوله علامات في عدّة مواضع، وبعد قتل المتوكّل حضر مع بعض الطالبيِّين والشيعة فأخرجوا العلامات وأعادوا القبر إلى ما كان عليه أوّلاً.

وقد نالت الشيعة شيء من الحرية على عهد المنتصر، وكان هذا محبّاً لآل البيت (عليهم السّلام)، مقرّباً لهم، رافعاً مكانتهم، معظّماً قدرهم، ومن حسناته إليهم أنّه شيّد قبر الحسين (عليه السّلام)، ووضع ميلاً عالياً يرشد الناس إليه(4) ، وذلك في عام السابع والأربعين بعد المئتين.

ولم يُهدم بناء المنتصر ظلماً؛ لعدم تعرّض أخلافه له؛ لِما ظهر من الوهن في دولتهم، وانحلال أمرهم، وتسلّط الأتراك عليهم، وانشغالهم بأنفسهم.

وفي خلافة المسترشد ضاقت الأرض على رحبها على الشيعة؛ وذلك عندما أمر بأخذ جميع ما اجتمع من هدايا

____________________

(1) المصدر نفسه / 386.

(2) المصدر نفسه / 386.

(3) المصدر نفسه / 387.

(4) فرحة الغري - لعبد الكريم بن طاووس.

٦٧

الملوك والأمراء والوزراء والأشراف من وجوه الشيعة من الأموال والمجوهرات في خزانة الروضة المطهّرة، وأنفقه على العسكر، واعتذر بأنّ القبر لا يحتاج إلى الخزانة(1) ، إلاّ أنّه لم يتعرّض للبناء ولم يمسّه؛ لقصور يده، وضعف شأنه لا لشيء آخر.

وكان البناء الذي شيّد في عهد المنتصر قد سقط في ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين ومئتين(2) ، فقام إلى تجديده محمّد بن زيد القائم بطبرستان في خلافة المعتضد بالله العباسي(3) لسنة ثلاث وثمانين ومئتين(4) ، وقد أخذ حال القبر الشريف منذ تشييد المنتصر إيّاه بالعروج إلى مدارج العمران يوماً بعد يوم حيث أمن الناس من إتيانه واتخاذ الدور عند رمسه.

وقد زار القبر عضد الدولة بن بويه سنة (370 هـ) بعد أن بالغ في تشييد الأبنية حول الضريح وزخرفتها(5) ، وكان آل بويه يناصرون الشيعة.

وقد استحفل التشيّع على عهدهم حتّى إنّ معزّ الدولة أمر سنة 352 بإقامة المآتم في عاشوراء، وكان ذلك أوّل مأتم أُقيم في بغداد.

____________________

(1) المناقب - لابن شهر آشوب، وكان ذلك سنة 511 هـ.

(2) فرحة الغري / 61.

(3) جاء في بحر الأنساب (العائد لخزانة المرحوم الشيخ عبد الحسين شيخ العراقيين الطهراني) عند ذكره لنسب المعتضد بالله العباسي بقوله: وأمر بعمارة مشهد الغري بالكوفة ومشهد كربلاء، وافتقد الخزائن بدار الخلافة، فأخرج منها ما وجده من نهب الواثق من مال مشهد الحسين بن علي (عليه السّلام) وأعاده إليه.

(4) فرحة الغري، وكان محمّد بن زيد هذا دائم التصدّق على العلويِّين في المشاهد؛ فقد بعث في خلافة المعتضد بالله اثنين وثلاثين ألف دينار لمحمد بن ورد ليفرّقها على العلويِّين. (انظر الكامل 6 / 80، والطبري 12 / 346).

(5) تسلية المجالس - لمحمد المجدي (بالفارسية)، طبع حجر.

٦٨

(وعندما عفا عضد الدولة عن عمران بن شاهين البطائحي بنى الرواق المشهور برواق عمران بن شاهين في المشهدين الشريفين الغروي والحائري (على مشرفهما السّلام»(1) .

وفي سنة سبع وأربعمئة هجـ احترق الحرم الشريف إثر اندلاع حريق عظيم كان سببه إشعال شمعتين كبيرتين سقطتا في الليل على التأزير واحترق، وتعدّت النار بعد الحرق القبة إلى الأروقة(2) ، فكان البناء على القبر الشريف بعد وقوع هذا الحريق ما وصفه الطنجي في رحلته، إلاّ أنّي لم أقف على خبر مَنْ شيّد هذا البناء، وفي أيّ تاريخ كان ذلك(3) ، ولعله كان قد تبقى شيء من البناء الذي

____________________

(1) فرحة الغري / 67.

(2) الكامل - لابن الأثير 9 / 110 ط ليدن، و7 / 295 من ط القاهرة، والمنتظم - لابن الجوزي 7 / 283، البداية - لابن كثير 12 / 4، والنجوم الزاهرة - لابن تغري بردى 4 / 241.

(3) ذكر كلّ من العلاّمة السيد حسن الصدر الكاظمي في نزهة الحرمين / 35، والعلامة السيد محسن الأمين العاملي في أعيان الشيعة 4 / 302، ومن أخذ عنهما، أنّ أبا محمّد الحسن بن الفضل بن سهلان وزير سلطان الدولة البويهي هو الذي جدّد بناء الحائر بعد وقوع هذا الحريق، لكن المصادر التي عوّلوا عليها لم تنسب إلى ابن سهلان هذا سوى بناء سور الحائر وليس تجديد بنائه، كما في المنتظم 7 / 283، والبداية والنهاية 12 / 16، ومجالس المؤمنين / 211، والنجوم الزاهرة 4 / 259.

هذا فضلاً عن أنّ ابن سهلان بدأ ببناء سور الحائر في سنة 400 هـ، أيّ قبل وقوع الحريق بسبعة أعوام، وهي نفس السنة التي أمر ببناء سور على مشهد أمير المؤمنين(عليه السّلام). (الكامل 7 / 249. ط القاهرة).

فقد ورد في المنتظم 7 / 246: وفي جمادى الأولى (سنة 400 هجـ) بدأ ببناء السور على المشهد بالحائر، وكان أبو محمّد الحسن بن الفضل بن سهلان قد زار هذا المشهد، وأحبّ أن يؤثر فيه مؤثراً، ثمّ ما نذر لأجله أن يعمل عليه سوراً حصيناً مانعاً؛ لكثرة مَنْ يطرق الموضع من العرب، وشرع في قضاء هذا النذر، ففعل وعمل السور، وأحكم وعرض، ونصبت عليه أبواب وثيقة وبعضها حديد، وتمّم وفرغ منه، وتحسّن المشهد به، وحسن الأثر فيه. (عادل).

٦٩

شيّده عضد الدولة، إلى أن شيّد عليه البناء الموجود اليوم على القبر الشريف، أو إنّه قد جدّده بعد الحريق أخلاف عضد الدولة؛ إذ كانت دولتهم قائمة عند وقوع الحريق.

هذا وكان إكمال بناء الحرم في سنة سبع وستين وسبعمئة، وقد أمر بتشييده السلطان أويس الإيلكاني، وأتمّه وأكمله ولده السلطان حسين(1) .

____________________

(1) زينة المجالس - لمحمد المجدي (مخطوط) باللغة الفارسية / 84، والمجدي من معاصري الشيخ البهائي، وقد صنّف كتابه هذا سنة 1004 هجـ، فقد جاء فيه: إلى أن أمر السلطان أويس الإيلكاني، وابنه السلطان حسين ببناء عمارة عالية.

وللسيد المؤلّف (عبد الحسين) ملاحظة مهمة في هذا الخصوص، خطر لي أن أثبتها هنا، يقول: ذكر سماحة السيد محسن الأمين العاملي في المجلد 3 / 593، من أعيان الشيعة، قال فضيلته عن آخر كتاب الأماقي في شرح الإيلاقي لعبد الرحمن العتايقي الحلّي المجاور بالنجف الأشرف، في نسخته المخطوطة في خزانة العلوية الذي تمّت كتابته في محرّم سنة 755 هجـ، قال: (في هذه السنة احترقت الحضرة الغروية (صلوات الله على مشرّفها)، وعادت العمارة وأحسن منها في سنة 760 سبعمئة وستون). انتهى.

أقول: هذا الحريق هو الذي ذكره ابن مهنا الداودي في العمدة / 5، ولكنّه لم يذكر اسم المجدّد للبناء الذي شيّد على الروضة المطهّرة الحيدرية، حيث المدّة تقارب زمن البناء الذي قام به السلطان أويس، وولده السلطان حسين الإيلكانية في سنة (767) على قبر الحسين (سلام الله عليه) الموجود اليوم على الروضة الطاهرة.

من المقتضي أن يكون السلطان حسين الإيلكاني هو منفرداً أقام البناء على الروضة الطاهرة الحيدرية، وبالخاصة لموقع قبورهم التي ظهرت في سنة الخامس عشر بعد الثلاثمئة والألف هـ وسط الصحن الشريف ما يلي باب الطوسي، أحد أبواب الصحن الشريف، في القسم الشمالي من الروضة الزاكية؛ إذ ظهر سرب فيه ثلاثة قبور على أحدهم في القاشاني مرقوم (توفي الشاهزاده الأعظم معزّ الدين عبد الواسع في 15 جمادى الأوّل سنة 790)، وعلى لوح القبر الثاني (هذا ضريح الطفل الصغير سلالة السلاطين الشاهزادة ابن الشيخ أويس (طاب ثراه). توفي يوم الأربعاء حادي عشر محرّم الحرام سنة إحدى وثلاثين وثمانمئة).

وعلى لوح القبر الثالث (هذا قبر الشاهزادة سلطان بايزيد (طاب ثراه). توفي في جمادى الأولى سنة إحدى وثلاثين وثمانمئة هلالية)، وعلى قبر آخر (هذا قبر المرحومة السعيدة بايندة السلطان).

وقد ابتدأ حكم الأسرة الإيلكانية الجلائرية في بغداد وآذربايجان بعد موت أبي سعيد بن أولجياتو محمّد خدابنده بقليل بالشيخ حسن الكبير، تقريباً بين سنة تسع وثلاثين وسبعمئة، أو سنة الأربعون، وكانت وفاته سنة 757 هـ، ثمّ تلاه في الحكم ولده السلطان أويس سنة 757 هـ، وتوفي سنة 776 هـ، ثمّ تلاه ولده السلطان حسين من سنة 776 هـ، إلى أن توفي في سنة 784 هـ، ثمّ تلا السلطان حسين أخوه السلطان أحمد الجلائري ابن أويس، إلى أن قُتل في تبريز بين سنة ثلاث عشرة وثمانمئة وأربع عشرة، وبه تقريباً انتهت أيامهم.

٧٠

وكان تاريخ هذا البناء موجوداً فوق المحراب الذي موضعه اليوم الرخام المنعوت بنخل مريم(1) فيما يلي الرأس الشريف، وقد شاهد ذلك التأريخ بنفسه محمّد بن سليمان بن زوير السليماني، وذكره في كتابه المسمّى بـ (الكشكول).

وقد كان إنزال هذا التاريخ سنة السادس عشر بعد المئتين والألف (1216)، ومن موضعه، عند عمل المرايا والتزيينات للحرم الشريف بأمر محمّد علي خان القواينلو كما تشير إلى ذلك الكتابة

____________________

(1) جاء في كتاب (دلائل الدين) تأليف عبد الله ابن الحاج هادي ما ترجمته: روى عن السجّاد (عليه السّلام): أنّ الله تعالى ذكر في القرآن أنّ السيدة مريم (عليها السّلام) عندما أرادت أن تلد ابنها المسيح ابتعدت عن قومها، وذهبت إلى كربلاء - بصورة معجزة - بجنب نهر الفرات، وقد ولد المسيح قرب مكان ضريح الحسين (عليه السّلام)، وفي نفس الليلة عادت السيدة مريم إلى دمشق.

ومصداق هذا الخبر ما ورد عن الباقر (عليه السّلام) - على ما أتذكر - أنّ صخرة على مقربة من قبر الحسين نُصبت في الحائط قد أجمع ساكنوا هذا المقام على أنّ الرأس الشريف قد حزّ على هذه الصخرة، ويقولون أنّ المسيح قد ولد على نفس تلك الصخرة أيضاً.

٧١

الموجودة في أعلى الباب الثالث من أبواب الحرّم المقابل للشبكة المباركة: (واقفه محمّد علي خان القواينلو سنة 1216) هـ.

وكذلك هذا التأريخ موجود بعينه في الكُتيبة القرآنية داخل القبّة على الضريح المقدّس، وفي سنة 920 هـ أهدى الشاه إسماعيل الصفوي صندوقاً(1) إلى القبر الشريف،

____________________

(1) عندما دخل الشاه إسماعيل الصفوي الأوّل - مؤسس الدولة الصفوية في إيران والذي يرتقي نسبه إلى الإمام السابع موسى بن جعفر (عليه السّلام) - بغداد فاتحاً سنة 914 هـ كان همّه الأول هو التبرّك بزيارة أجداده الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام)، فقصد زيارة مرقد الحسين (عليه السّلام)، وعمل ثوباً حريرياً لقبره الشريف، وعلّق اثنى عشر قنديلاً من الذهب أطراف القبر، وفرش تلك الحضيرة القدسية بالبسط، وجلّله بأنواع الحرير والإستبرق، وبذل الأموال الكثيرة لللائذين بقبره الشريف، ثمّ خرج قاصداً النجف الأشرف. (وقد ترجم النص المتقدّم العلاّمة المؤلّف عن (حبيب السير) لخواند مير بالفارسية - مخطوط في 3 مجلدات في مكتبة المؤلّف سنة 1008 هـ).

وقد جاء أيضاً في (عالم آراى عباسي) لإسكندر منشي جـ 2 عن زيارة هذا الشاه ما ترجمته: توجه الشاه من بغداد إلى تربة كربلاء بعد إخلاص النيّة، وتشرّف بزيارة مرقد الحسين المنوّر وشهداء كربلاء، وقد زيّن الروضة وأنعم على المجاورين، ثمّ توجه من هناك إلى زيارة علي المرتضى (عليه السّلام) عن طريق الحلّة. راجع أيضاً فارسنامه ناصري 1 / 93.

وزار كربلاء أيضاً الشاه عباس الأول الصفوي، فقد جاء في فارسنامه ناصري ما ترجمته: غادر الشاه عباس الأول الصفوي أصفهان في سنة 1033 هجري متجهاً نحو بغداد، وفي غرّة ربيع الأوّل من نفس السنة دخل بغداد فاتحاً...، ثمّ توجه إلى النجف الأشرف في محرّم الحرام، وعلى بعد (30) كيلو متر ترجّل عن فرسه وخلع نعله، وأنعم على كافة سكنة النجف، وتوجه بعد ذلك مسروراً فرحاً إلى زيارة كربلاء وطاف بالبقعة الطاهرة، ثمّ أقفل راجعاً إلى بغداد وزار الإمامين الكاظمين وسامراء.

وفي ربيع هذه السنة أعاد الكرّة لزيارة كربلاء والنجف الأشرف، وقبل أعتاب هاتين الحضرتين أدّى لوازم الزيارة، وأهدى من الصناديق القيمة والطنافس الحريرية المطرّزة والديباج الشيء الكثير، ورجع مقفلاً إلى بغداد، وأعاد الزيارة مرّة أخرى إلى الروضة الحسينيّة.

وانظر أيضاً =

٧٢

ولم يرد ما يهمّ خبره من أخلافه الصفوية إلاّ الإقدام بأمور طفيفة لا مجال لذكرها، إلاّ أنّه بلغني - ولم أتثبّت من ذلك أنّ الشاه سليمان الصفوي قام ببناء القسم الشمالي من الصحن المطهّر، والإيوان الكبير الذي فيه المسمّى (بصافي صفا) نسبة إلى الصفويِّين، وليس اليوم في هذا الإيوان دليل على ذلك سوى إنّ الكاشي المعرّق الموجود في سقف هذا الإيوان، والزخارف المعمولة من البورق فيه يستدل منها أنّ بناء هذه الجهة أقدم بناء من الجهات الثلاث للصحن الشريف، فضلاً عن أنّ نقوش الكاشي المعرّق وصنعتها تشبه إلى حدّ كبير نقوش الكاشي المعرّق الموجود في روضة الجوادين (سلام الله عليهما)، وحرم حضرة الرضا (عليه السّلام)، ومقبرة خواجه ربيع، والقدم كاه.

وقد كان في حواشي الكاشي المعرّق الموجود في جنبتي هذا الإيوان - الشرقي والغربي - كُتيبة تنص على اسم الباني وتأريخ بنائه، ولكن مع مرور الزمن تلف واندرس أثره، ومع شديد الأسف لم يسعَ أحد بعد

____________________

= عالم آراي عباسي، وهناك مصدر لا بدّ من الإشارة إليه في هذا الخصوص هو (تاريخ دهامر الألماني) الذي تُرجم من اللغة الفرنسية إلى الفارسية باسم: سلطان التواريخ، في تاريخ سلاطين آل عثمان، يقع في ثلاث مجلدات ضخام، تحتوي على 72 باباً، ينتهي به مؤلفه إلى آخر عهد عبد الحميد الأول العثماني، بعد حرب الروس والأتراك وعقد معاهدة (كنارجة).

وفي سنة 1034 هـ أعاد السلطان مراد الرابع العثماني العراق إلى حوزة دولته، وفي 27 جمادى الأولى سنة 1039 هـ احتل بغداد مرّة أخرى الشاه صفي حفيد الشاه عباس الأول، وزار كربلاء في سنة 1048 هـ في يوم عيد، فقبّل أعتاب ضريح سيد الشهداء وأخيه العباس بعد أن أنذر النذور، وأكرم ذوي الحاجة. (روضة الصفاي ناصري المجلد الثامن).

وفي سنة 1156 هـ توجه نادر شاه من النجف الأشرف إلى تقبيل أعتاب الحسين (عليه السّلام) الذي حرمه مطاف ملائكة الرحمن، وقدّمت زوجته رضية سلطان بيكم كريمة الشاه سلطان حسين الصفوي عشرين ألف نادري لتعمير جامع الحرم الشريف (التاريخ النادري).

٧٣

ذلك لإرجاع هذا النص التأريخي المهم إلى موضعه.

وعندما أرادوا دفن ميرزا موسى الوزير فيه(1) عملوا موضعية الكُتيبة

____________________

(1) وقد شيّد هذا الإيوان الكبير في سنة 1281 هـ من قبل المرحوم ميرزا موسى وزير طهران، لتكون مقبرة له ولعائلته، وقد جدّد المرايا والكُتيبة القرآنية، وزوّق جدرانها الداخلية بالكاشي النفيس.

وقد نظم الشاعر (قلزم) الذي كان من الشعراء الشهيرين في تلك الفترة، هذه القصيدة بالمناسبة:

اي نمودار حريمت حرم عرش برين

ظـل دركـاهت خـركه زده بر عليين

قـدسيان بسته بفرمان تو از عرش كمر

آسمان سوده در ايوان تو بر فرش جبين

بـوده دارلـت شـاهنشه اقـليم شهود

بـيشكا رانـت فـرمان ده سرحد يقين

ظل خركاه تو را قبله كند روح القدس

خاك دركاه تو را سجده برد حور العين

از ازل تـاج شـهادة جه نهادي بر سر

شـد ترا ملك شفاعت همه در زير نكين

از بـهاي كـهر باك تو اين توده خاك

كعبه دين شود وشد سجده كه أهل زمين

إلى أن يقول:

قـصة طـور كـليم الله فاخلع نعليك

هـمه از خاك درت مظهر آيات مبين

عكس از شمسه ايوان تو شد شمس فلك

بر تو اوبر همه كون مكان كشت مكين

سـاكـنان حـرم وجـلال مـلكوت

هـه بـرخاك رهـت بايد خاك نشين

=

٧٤

الموجودة اليوم من المرايا، رُقمت بهذه الآية:( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً

____________________

=

بـهر فـراشي حجابت هر شام وسحر

قيصر أز روم كمر بندى وفقفور أز جين

إلى أن يقول:

اين هـمان وادى دوروا تـش شـوق

صـه جـه موسى باميد قبسي خاك نشين

انـدرين عـهد هـمايون از فـو ظـفر

رايـت دولـت اسـلام بر از جرخ برين

شـاه شـاهان جهان ظل خدا كهف زمان

خـسرو مـلك مـلل بـادشاه دولت ودين

شـهـر بـازيكه زأواز كـوي سـخطش

تـااب درشـده در جـحمه كـوه طـنين

مـير فـرخنده نـزادى زد راوكـه بـود

افـتـاب فـلك ورفـعت كـوه وتـمكين

داشـت جـون كوهري آراسته نور صفا

كـرد ايـن صـفه ايـوان صفارا ترين

دولت نـاصرى وسـعى امـام مـلت

أنـدرين عـهد بـود مـحيي آثار جنين

افـتـخار فـضلا قـبله أربـاب فـلاح

بـيشواى دو جـهان بـادشاه شرع مبين

انـكه از بـندكي صـاحب روضـه باك

شـده بـرخا جـكي علم ازل صدر تشين

جون زفيض كف موسى شد اين طور صفا

..........................................

كـلك قـلزم بي تاريخ سخنور شده وكفت

بـا كـف مـوسى آراسـته طـور سنين

٧٥

وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ... ) .

هذا وقام السلطان مراد الرابع العثماني سنة ثمان وأربعين وألف بتعمير وتجديد القبّة السامية، وجصّصها من الخارج(1) .

وفي سنة 1135 هـ نهضت زوجة نادر شاه وكريمة حسين الصفوي إلى تعمير المسجد المطهّر، وأنفقت على ذلك عشرين ألف نادري.

وقام أغا محمّد خان (الخصي) مؤسس الدولة القاجارية في إيران بتذهيب القبّة السامية للسنة السابعة بعد المئتين والألف الهجرية(2) .

وقد نظم بهذه المناسبة الميرزا سليمان خان المشهور بصباحي الشاعر، مؤرّخاً هذا التذهيب بقوله:

كلك صباحي از اين تاريخ أونوشت

در كبند حسين علي زيب بافت زر

1207 هـ

____________________

(1) لم نعثر على مصدر هذا الخبر، ولكنّه قد جاء في كلشن خلفاء (ص 102 وجه) لنظمي زاده بالتركية: أنّ الوالي علي باشا الوند زادة، بأمر من السلطان مراد الثالث العثماني قد جدّد بناء جامع الحسين وقبّته المنوّرة، وذلك سنة 984 هـ.

وقد أرّخ هذا البناء أحد الشعراء المشهورين بأبيات مطلعها:

بـحمد الله كه از عون الهي

نـموده خـدمت شاه شهيدان

شه كشور ستان خاقان اعظم

مـراد بن سليم ابن سليمان

وقد وهم الأستاذ حسن الكليدار في كتابه (مدينة الحسين / 38) إذ ذكر أنّ هذه الأبيات قد قيلت بمناسبة تشييد القبّة من قبل مراد الرابع العثماني، إلاّ أنّ الصحيح ما ذكرناه. (عادل)

(2) مجلد القاجارية من ناسخ التواريخ - للسان الملك سبيهر / 33 سنة 1206 هـ.

٧٦

وفي أوائل القرن التاسع عشر (1214هـ) أهدى فتح علي شاه القاجاري - أحد ملوك إيران - شبكة فضية(1) ، وهي إلى اليوم موجودة على القبر الشريف، وحوالي هذا التاريخ أمرت زوجته بتذهيب المأذنتين حتّى حدّ الحوض.

وفي سنة 1259 هـ قام محمّد علي شاه - ملك أود - سلطان الهند بتذهيب الإيوان الشريف وصياغة بابه بالفضة.

ويوجد اليوم على الفردة اليمنى من باب الفضة في إيوان الذهب: (هو الله الموفّق المستعان، قد أمر بصنع هذا الباب المفتوح لرحمة الملك المنان، وبإتمام تذهب هذا الإيوان الذي هو مختلف ملائكة الرحمن، وبحفر الحسينيّة وبناء قناطرها التي هي معبر أهل الجنان).

وعلى الفردة الثانية، الجانب الأيسر تتمته: (وتعمير بقعة قدوة الناس مولانا وسيدنا أبو الفضل العباس، السلطان ابن السلطان، والخاقان ابن الخاقان، السلطان الأعظم والخاقان الأكرم، سلطان الهند، محمّد على شاه (تغمّده الله بغفرانه، وأسكنه فسيح جناته)، وكان ذلك في سنة 1259 هـ ألف ومئتين وتسعة وخمسين).

وقام بعد ذلك أمراء الأكراد البختيارية إلى تزيين المسجد والأروقة، وقد وسع الضلع الغربي من الصحن الشريف، وجدّد بناءه المتغمّد برحمته المرحوم الشيخ عبد الحسين الطهراني(2) (شيخ العراقين) من قبل شاه

____________________

(1) مجلد القاجارية من ناسخ التواريخ / 63.

(2) جاء في مستدرك الوسائل - للعلاّمة النوري 3 / 397 في ترجمة الشيخ عبد الحسين الطهراني: (شيخي وأستاذي ومَنْ إليه في العلوم الشرعية استنادي، أفقه الفقهاء، وأفضل العلماء، العالم الرباني، الشيخ عبد الحسين الطهراني... حتّى يقول: وجاهد في الله في محو صولة المبتدعين، وأقام أعلام الشعائر في العتبات العاليات، وبالغ مجهوده في عمارة القباب الساميات).

وقد توفي في الكاظمية في 22 شهر رمضان سنة 1286 هـ، ونُقل إلى كربلاء، ودُفن في إحدى حجرات الصحن الحسيني.

٧٧

إيران ناصر الدين شاه القاجاري سنة 1275 هـ، وشيّد إيوانه الكبير وحجر جهتيه.

وقد أنشد الشيخ جابر الكاظمي الشاعر الكبير مؤرّخاً لهذا البناء بالفارسية يقول:

بـنائي ناصر الدين شاه بنا كرد

زخـاك أوست بائين كاخ خضرا

نه صحن وكنبدي جرخي مكوكب

زنـور أو مـنور روي غـبرا

بـراي كـشوار عـرش يـعني

حـسين بـن عـلي دلبند زهرا

بـناي سـال أو جابر همي كوي

أز ايوان شـكست كـسرى

بكو تأريخ ايوانش مؤرخ 1275 هـ

وله تأريخ بالعربية:

لـله إيوانٌ سما رفعةً

فطاول العرشَ به الفرشُ

قال لسانُ الغيب تأريخه

أنت لأملاك السما عرشُ

ولم يحدث بعد ذلك ما يهمّ ذكره سوى ما جدّدت إنشاءه إدارة الأوقاف في العهد الأخير، في القسم الغربي من الصحن؛ لظهور الصدع فيه.

وفي المشهد الحسيني عدّة نقوش وكتابات تدلّ على تواريخ إصلاحه والزيارات فيه؛ ففي أعلى عمود وسط الضلع الجنوبي من شبكة الفولاد المنصوبة على قبر الحسين (عليه السّلام) ما يقابل الوجه الشريف، هذه العبارة: (مَنْ بكى وتباكى على الحسين فله الجنّة صدق الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سنة 1185 هـ).

وما يقابل الزوايا الأربعة من القبر الشريف عبارة: (واقفه الموفّق بتوفيقات الدارين، ابن محمّد تقي خان اليزدي محمّد حسين سنة 1222 هـ).

٧٨

ويوجد في الإيوان الخارج من جدار الرواق الغربي المقابل للشبكة المباركة في الكاشي، فوق الشباك: (عمل أوسته أحمد المعمار سنة 1296 هـ).

ويستفاد من أبيات منظومة بالفارسية فوق شباك المقبرة الشمالية المقابلة للضريح أنّه بمباشرة الحاج عبد الله ابن القوام على نفقة الحاج محمّد صادق التاجر الشيرازي الأصفهاني الأصل، قد قام بتكميل تعمير سرداب الصحن الحسيني، وتطبيق الأروقة الثلاثة الشرقي والشمالي والغربي بالكاشي في سنة ألف وثلاثمئة الهجرية.

إيضاح ما يوجد في خارطة كربلاء من المواقع

أنهار كربلاء

(النهرين): فرعان يشتقان من عمود الفرات، ويتصلان ببعضهما في قرية نينوى في جوار الحاير الحسيني، ويتجهان إلى الشمال الشرقي إلى الكوفة معاً على سبيل توحيد وتفرد؛ وللفارق يعرفان بنهري كربلاء، يتوضّح على ضوء ما سرده أبو الفرج في المقاتل(1) ، ونورد بين قوسين ما تفرّد بإيراده صاحب الدرّ النظيم(2) :

قال أبو الفرج: لمّا قُتل زيد بن علي دفنه ابنه يحيى، تفرّق عنه الناس ولم يبقَ معه إلاّ عشرة نفر. قال سلمة بن ثابت: قلت له: أين تريد؟

قال: أريد النهرين. ومعه الصياد العبدي.

قلت: إن كنت تريد النهرين فقاتل ها هنا حتّى تُقتل.

قال: اُريد نهري كربلاء (وظننت أنّه يريد أن يتشطط الفرات)، فقلت له: النجاء قبل الصبح. فخرجنا فلمّا

____________________

(1) مقاتل الطالبيِّين / 61 ط القاهرة.

(2) الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم - لجمال الدين الشامي جـ 2 خط.

٧٩

جاوزنا الأبيات سمعنا الأذان، فخرجنا مسرعين، فكلّما استقبلني قوم استطعمتهم فيطعموني الأرغفة، فأطعمه إيّاها وأصحابي حتّى أتينا نينوى، فدعوت سابقاً فخرج من منزله ودخله يحيى، ومضى سابق إلى الفيوم فأقام به.

(فلمّا خرجنا من الكوفة سمعنا أذان المؤذنين فصلّينا الغداة بالنخيلة، ثمّ توجهنا سراعاً قبل نينوى، فقال: اُريد سابقاً مولى بشر بن عبد الملك. فأسرع السير إلى أن انتهينا إلى نينوى وقد أظلمتنا، فأتينا منزل سابق فاستخففت الباب فخرج إلينا).

وذكر ابن كثير في البداية(1) عن محمّد بن عمرو بن الحسن قال: كنّا مع الحسين بنهري كربلاء. وأورد ابن شهر آشوب في المناقب: مضى الحسين قتيلاً يوم عاشوراء بطفّ كربلاء بين نينوى والغاضرية من قرى النهرين(2) .

قال الطبري(3) بعد مهادنة أهل الحيرة لخالد بن الوليد في مفتتح الفتح، وخضوع الدهاقين لأداء جزية وضريبة، وزع بينهم العمال؛ ولتمهيد الأمن أقام مخافر عهد بعمالة النهرين إلى بشر بن الخصاصية، فاتخذ بشر الكويفة ببابنورا قاعدة لعمالته.

وذكر عند حوادث سنة 278 هـ(4) ابتداء أمر القرامطة: وردت الأخبار بحركة قوم يعرفون بالقرامطة بسواد الكوفة، فكان ابتداء أمرهم قدوم رجل من خوزستان، ومقامه بموضع يُقال له: النهرين، يظهر الزهد والتقشّف، ويسفّ الخوص ويأكل من كسبه، ويكثر الصلاة.

إذا قعد إليه إنسان ذكّره أمر الدين، وزهده في الدنيا، وأعلمه أنّ الصلاة المفروضة

____________________

(1) ج 8 / 188.

(2) المناقب 4 / 83، ط بمبي.

(3) ج 4 / 17، ط ليدن.

(4) ج 8 / 159، ط الاستقامة.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

س: كيف تواجهين أخطاء بعض المسلمين؟ وما يكون شعورك حينها؟

أذكرُ أنَّ هؤلاء يقومون بما يخالف أوامر الله وتعاليم دينهم وأبرِّىء الإِسلام مما يفعلون، وأحاول أن أعفو عمّن ظلمني إذا ما طالني ظلم كما أمرني الله (سبحانه وتعالى)

س: هل لديك وصية توصين بها إخوانك المسلمين؟

أحبّ أن أوصيهم بأن يتذكروا دوماً أنّ دينهم هو دين مكارم الأخلاق (وقد قال النبي محمد (ص) :«إنّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق» . وأرجو أن يلتفت كل مسلم إلى معاني الفرائض والمستحبّات التي يقوم بها وإلى دلالاتها الرمزيّة التي تجعل لها أثراً روحيّاً وسلوكياً أكبر. وأسألهم الدعاء.

٢٠١

الأخت الأسترالية المهتدية فاطمة (أنطوانيت سابقاً)

تقول:

· سبيلي إلى الإسلام كان محفوفاً بالمعاناة.

· أنا أشكر لله تعالى على نعمة الهداية إلى هذا الدين العظيم.

· هذه قصة أخرى لفتاة غربية الانتماء والثقافة وطريقة العيش، تستريح مطمئنة على شاطئ الإسلام وتنعم ببر أمانه بعد أن قادتها إلى أنواره سفينة البحث عن الدين الحق، الذي يجيب على أسئلة العقل المحيّرة، ويبعث الاطمئنان في النفس القلقة..

· وها هي تروي قصة اعتناقها للاسلام وما صادفها من معاناة وعقبات في سبيل ذلك، كما تعبّر عمّا تشعر به من رضى وسعادة بدينها الجديد من خلال الرسالة التالية التي بعثت بها إلى «نور الإسلام».

· وهي تبدأ حكاية حالها بقوله تعالى:

﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِی صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی هَدَانَا لِهَذَا وَمَا کُنَّا لِنَهْتَدِیَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْکُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٤٣﴾ ﴾ [الأعراف: ٤٣]

إن الحمد والشكر لله - سبحانه وتعالى - وحده الذي هداني إلى نوره من ديجور الظلمة. لقد ولدت من عائلة كاثوليكية حيث تعلمت الأخلاق والقيم العليا. وكنا أنا وإخوتي يفترض بنا أن نذهب إلى الكنيسة كل أحد. وكانت أمي توبخنا إن لم نفعل. كان الذهاب إلى الكنيسة يمنحني شعوراً بالسلام، كما تشعر عندما تقوم بعمل طيب. ومع أنني بالكاد كنت أركز انتباهي على ما يقال، كنت أشعر أنني أرضي الله وكان هذا يسعدني.

بما أنني ترعرعت في منطقة يختلط فيها المسلمون والمسيحيون، لم يكن الإسلام بالنسبة إليَّ غريباً كثيراً، وكان بعض الأصدقاء المسلمين قد شرحوا لي آراءهم في الله ويسوع واختلاف تلك الآراء عمَّا تعلمته. لم أفكر ملياً في تلك الأمور حنيئذ بما أنني كنت يافعة وأردت أن أعيش حياتي كيفما اتفق.

٢٠٢

ولكن ذات يوم أحد - وكان عمري حينها ١٢ عاماً - ذهبت إلى الكنيسة كالمعتاد. أتذكر كيفية جلوسي هناك عندما بدأت الأسئلة تنهال عليَّ. كيف أن الله ويسوع هما شخص واحد؟ وكيف في لحظة يكون يسوع هو الابن، وفي أخرى هو الله؟ كيف خلصني موت يسوع على الصليب من الجحيم فيما أنا لا زلت أذنب كل يوم؟ وفجأة، لم يبدُ أي من هذه الأمور معقولاً بالنسبة إليَّ. لِم لم أسأل نفسي هذه الأسئلة من قبل؟ وأدركت أنني طيلة حياتي كنت أقوم بما علموني من دون تفكير، وهذه ليست صفاتي. عندئذ تذكرت ما قاله لي أصدقائي المسلمون حول نظرة الإسلام إلى يسوع ومريم (عليهما السلام). وبدأت أفكر في سبب انقسام الدين إلى أديان مختلفة على الأرض. وما كان هدفه - تعالى؟ لماذ لم يجعلنا جميعاً متطابقين؟ عندئذ أدركت أنه عليَّ أن أستكشف الأديان الأخرى وأنظر أيها هو الدين الحق.

خلال عطلة منتصف الفصل في عامي الجامعي الأخير حصلت على عمل مؤقت كأمينة سر متفرغة لمدة ستة أشهر. لم تكن وظيفتي معقّدة، لذا أمضيت معظم اليوم أبحث عبر شبكة الأنترنت عن أجوبة لمسائلي. وقد استبعدت احتمال أن تكون اليهودية دين الحق لأنها لا تؤمن بيسوع ومريم (عليهما السلام) وكان صعباً عليَّ أن أفهم ذلك. وقد وجدت أن الدين الآخر الوحيد الذي يعترف بهما ويمتدحهما هو الإسلام.

وببطء بدأت أحصل على إجابات لأسئلتي وشرعتُ أشعر بالرضى والقناعة بمبادئ الإسلام. كان لكل شيء تفسيراً تاماً وإجابة منطقية. وأدركت أنه ما كان بمقدوري إنكار الحقيقة الموجودة أمامي فقررت اعتناق الإسلام.

في تلك الليلة، ذهبت إلى المنزل وتلفظت بالشهادة في غرفتي وكنت وحدي، كانت هذه بداية حياتي الخاصة كمسلمة. وازددت شغفاً بالإسلام حيث كنت أتعلم أشياءَ جديدة كل يوم. وقد أفضيت بسرّي إلى صديقة مسلمة واحدة إذ أنني كنت أعلم أنه إن علمت أسرتي بأمري فسأواجه متاعب جمة ولم يكن لدي القوة الكافية للتعامل مع ذلك بعد. كنت أصلي وأصوم في منزلي من دون علم أسرتي. ولولا عون لله وحمايته لما تمكنت من القيام بذلك طيلة ثلاثة أعوام. وخلال سعيي طلباً للمعرفة، بدأت أبحثُ عن مركز إسلامي بمقدوره أن يقدم لي المزيد.

٢٠٣

وقد علمت بوجود مركز الإمام الحسين (ع) الإسلامي في مدينة سيدني الذي بمقدوري أن أقول بحق أنه وضع أساساً حقيقياً في حياتي. وأنا مدينة بالكثير من الفضل لهذا المركز ومديره الشيخ منصور ليغائي الذي أصبح مرشدي الروحي، والذي ساعدني في غمرة الصراعات التي واجهتها في حياتي. وفي هذا المركز بدأت أدرك ما هو الإسلام حقيقة فيما تخطت معرفتي وإيماني كل توقعاتي.

بعد شهر رمضان الرابع الذي صمته، قررت أن أُطلع أمي على خبري، وكانت في ذلك الوقت قد بدأت ترتاب من التغيرات في لباسي وتصرفاتي. لم تعرف كيف تتقبل النبأ فلجأت إلى آخرين طلباً للمساعدة، وهذا تسبب في تدخل العائلة كلها مما جرّ عليّ ظروفاً سيئة. قالوا لي إنه عليَّ أن أكون كاثوليكية، وأنني قد تعرضت لغسيل دماغ. وأمروني أن أتخلص من كل الثياب ذات الأكمام الطويلة، وأنني إذا أردت الذهاب إلى أي مكان فيجب أن يتم ذلك بإشراف أحد أفراد العائلة. ونُزع القفل الذي كان على باب غرفتي. وعندئذ أدركت أنه لم يعد بمقدوري البقاء هناك بعد الآن حيث أنني لم أعد قادرة على ممارسة واجباتي الدينية.

في اليوم التالي، ذهبت إلى العمل كالمعتاد. اتصلت بوالدتي خلال النهار وقلت لها إنني أريد العودة إلى المنزل والعيش معها ولكن التدخلات من قبل الجميع تجعل من الصعوبة بمكان بالنسبة إليَّ أن أعيش كما أرغب. وشرحت لها أنني عشت كمسلمة تحت سقف منزلها خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وذلك لم يؤثر على أحد، فلماذا يجب أن أخضع لأي كان الآن؟ بَيْدَ أنني عرفت أن الأمور لا يمكن أن تعود كما كانت. يتمسك أفراد عائلتي بتقاليد تقرّب الواحد منهم للآخر، وبالنسبة إليهم بدا الأمر وكأنني قد خنتهم وذهبت إلى صفوف مخالفيهم.

وجدت مكاناً أقطن فيه، وكان أصعب الأمور عليَّ أن أعيش بمفردي. عرفت أن والدتي أرادت أن أعود للمنزل بشدة ولكن أخي ما كان ليسمح لي بذلك إلا إذا عملت بحسب شروطه. وعلمت أنني لن أستطيع التخلي عن الله أو السبيل الذي اختطّه لي، لذا كان عليَّ مقاومة أوامر عائلتي رغم أن ذلك كان يؤلمني. وقد قال لي مرشدي الروحي أمراً في ذلك اليوم الأول ظل يرافقني حتى اليوم. قال: «أمسكي بيد الله الراسخة وستفلحين وتستعيدين عائلتك أيضاً يوماً ما». ففعلت ذلك وناضلت في سبيل عقيدتي ومبادئي بمفردي طيلة عام تقريباً. وكنت أحياناً أرى أمي وشقيقاتي اللواتي كن يتحدثن إليَّ ولكنهن وجدن صعوبة في تقبّل وتفهّم تغييري لديني. وقد ازدادت الأمور تعقيداً عندما قررت ارتداء الحجاب.

٢٠٤

طالما كان الحجاب في بالي وكنت أشعر بالذنب في ذلك الحين لعدم ارتدائه. ولكن بما أنني كنت أعيش في المنزل مع عائلة كاثوليكية لم يكن لدي خيار، ولكن الآن غادرت المنزل، وقد علم الجميع أنني اعتنقت الإسلام وشعرت بأنه لم يعد لي عذر أمام ربي بعد ذلك. وهكذا وبمساعدة من مرشدي الروحي، قررت ارتداء الحجاب خلافاً لرغبة عائلتي.

تسبَّبت هذه الخطوة بموقف سلبي أكبر ضمن عائلتي. وفجأة لم يعودوا يهتمون بكوني مسلمة، وأرادوا فقط أن لا أظهر ذلك لأي كان. لم أر أحداً من عائلتي لمدة ثلاثة أشهر ولكنني كنت على اتصال دائم معهم عبر الهاتف. وغالباً ما كان أشخاص يتصلون بي ويسيئون إليَّ ويتهمونني بـ «الأنانية». ما كان بمقدور أحد أن يفهم أنني لا أؤذي أحداً إذا ما طبقت شريعة الله وأنه بمقدورنا أن نعيش جميعاً بسلام إذا ما سمحوا بذلك. إلا أن المشكلة الأساس بالنسبة إليهم كانت في التعامل مع المجتمع الكاثوليكي الأوسع والانتقادات التي كان على أسرتي مواجهتها منه.

رغم أن تلك الفترة كانت الأكثر كآبة ووحدة وصعوبة في حياتي، إلا أنني شعرت أنني قريبة جداً من الله تعالى. كنت على تواصل دائم معه. ووجدت الراحة المطلقة في كتاب أدعية الإمام زين العابدين (عليه السلام) «الصحيفة السجادية» (مزامير الإسلام). وكل ليلة كنت أقرأ دعاء من ذلك الكتاب وأدعو الله تعالى أن يساعدني في هذه الأوقات العصيبة وأن لا يجعلني أستسلم. وبسبب هذا أشعر بعلاقة خاصة مع الإمام زين العابدين (عليه السلام)، من كلماته وارشاداته الرائعة. كنت أحاور بالعقل والحكمة فيما لم يتغير الوضع مع عائلتي لفترة من الوقت.

ظل ذلك مستمراً إلى أن التقيتُ بزوجي وقررنا الزواج. عندها بدأت الأمور بالتحسن. حتى ذلك الحين كانت عائلتي تضغط على أمي باستمرار كي تحاول أن تغير رأيي بالنسبة للإسلام حيث أنني كنت لا أزال تحت «رعايتها» من وجهة نظرهم. وحالما تزوجت، تلاشى ذلك التوقع من تفكير أمي وهذا ولَّد في نفسها راحة كبرى.

أمي الآن من الذين يدعمونني بقوة، وهي تنظر إلى الإسلام بنور جديد. وأنا أرى شقيقاتي غالباً رغم أن شقيقيّ الأصغر سناً لا يزالان يرفضان التحدّث إليَّ ويرفضان رؤيتي محجّبة. وأتواصل مع عدد قليل من أقاربي حيث لا يزال معظمهم ساخطاً على تغييري لديني.

٢٠٥

أنا لم أخسر شيئاً حيث أنني حصلت على عائلة جديدة في مركز الإمام الحسين (عليه السلام) الإسلامي ومع زوجي وهذا ما يعوِّض عليَّ كل ذلك.

كما نصحني مرشدي الروحي، لقد تمسكت بيد الله الراسخة وفي النهاية لقد زاد إيماني بربي وهو قد كافأني على ذلك عندما أعود بالذاكرة إلى أعوام الشدّة، أشكر الله تعالى لأنه جعلني أخضع لذلك الاختبار، إذ إنه جعلني أقوى كإنسانة وزاد في إيماني به. فمن دون البلاء لا يكون هناك تمحيص وثواب، ومن دون الصعوبات لا نستطيع أن نرتقي روحياً.

٢٠٦

وارتون كرباسي (حسين إثنا عشري)

· كرامة الحسين (ع) ومطالعاتي حول الإِسلام دفعاني لاعتناقه.

· هذه قصة أخرى نوردها بإيجاز لإنسان غربي المولد والنشأة، صافحت قلبه وعقله أنوار الإِسلام فسارع إلى اعتناقه والعيش في أكنافه. معبِّراً عن فرحه وسعادته بهذا التحوّل الذي جعل لحياته قيمة ومعنى.

المولد والنشأة:

وُلد الأخ وارتون كرباسي بقرية (فونتنبلو) التي تبعد عن باريس قرابة الخمسين كيلومتراً في فرنسا. أكمل دراسته الأكاديمية في دار المعلمين. وفي عام (١٩٥١م) غادر فرنسا متوجهاً إلى بريطانيا لإكمال دراسته التخصصية في هندسة الراديو والكهرباء، وقد بقي في بريطانيا مدة أربع سنوات وبضعة أشهر، عاد بعدها إلى باريس.

سفر آخر:

لم يبق وارتون طويلاً في فرنسا، حيث وقّع عقداً عام (١٩٥٦م) مع إحدى شركات الطيران لمدة سنة واحدة في مطار (مهرآباد) الدولي في طهران عاصمة إيران قسم الشعبة الفنية.

وبعد انقضاء المدة رجّح البقاء في إيران. وهكذا قضى ثلاث سنين عمل فيها كمترجم في المعاهد التجارية المختلفة.

لله في خلقه شؤون!

اغتنم وارتون كرباسي أوقات فراغه في إيران بالمطالعة والدراسة حول الدين الإِسلامي عموماً والمذهب الشيعي على وجه الخصوص، كما قرأ القرآن عدة مرات ليرى ما فيه من كنوز وذخائر.

شاءت الحكمة الإلهية أن يصاب بمرض عضال، وبمرور الأيام أخذت شدة المرض وآلامه تزداد، وتزداد معها المعاناة. فقرر الأطباء ونتيجة الفحوصات التي أُجريت له إجراء عملية جراحية، ولكنه بالرغم من ذلك لم ييأس ولم يستسلم، وبقي متعلقاً بأمل الشفاء!

٢٠٧

نقطة التحول:

تزامنت شدة المعاناة مع حلول شهر محرم الحرام وذكرى عاشوراء الحسين (ع) الخالدة، يقول وارتون: «كانت بجواري دار واسعة أُعدت للتعزية بالمناسبة، وكانت المآتم تقام في الليالي وتُلقى فيها ذكريات المصائب.. فاتفق ذات ليلة أن قدّم له أحد خدمة المأتم كوب شاي، وقال: أيها السيد! تشتهي أن تشرب شاي الإمام الحسين (ع) فقبلت منه على اشتياق ورغبة تامة، وعندما لمست شفتاي ذلك الشاي، أحسّست أن نوراً خاطفاً أضاء فكري، فناجيت ربي: «إلهي بحرمة الإمام الحسين ومنزلته أرني معجزة خارقة لأستريح من هذه الآلام ومن شدة المرض».. وفي اليوم التالي وعند نهوضي من فراشي رأيت عجباً، إن المعجزة وقعت، وشفيتُ.. إن مطالعاتي السابقة حول الإِسلام، وهذه الواقعة العجيبة التي عشتها وشاهدتها عيناي، كان لها أبلغ الأثر في نفسي، فصممت على اعتناق الدين الإِسلامي والالتزام به.

واستجابت لنداء قلبها..

٢٠٨

رحلة السيدة كاملة روزيناتا البولندية إلى الإِسلام

بحرارة واندفاع ورغبة كي يعرف الجميع رحلة تحولها إلى الإِسلام العظيم، عند أول فرصة مكَنتها من التعرّف إليه، تروي السيدة البولندية «كاملة روزيناتا» قصة اعتناقها الإِسلام، مشيرة إلى ما كابدته من مشاقّ في هذا السبيل.

لقد خلق الله (سبحانه وتعالى) الإنسان متمتعاً بإرادة حرة، قادراً على اتخاذ قراراته واختيار المصير الذي سيؤول إليه، ولكنني أعتقد أن مسار حياتنا قد رسم لنا حتى قبل أن نولد، ونحن - من خلال خياراتنا - نستطيع أن نجعله أسوأ أو أفضل. كما أن كل إنسان يولد بالفطرة مسلماً وأبواه يختاران له دينه ويطبعان فيه تقاليدهما وعاداتهما.

لقد وُلدت لعائلة بولندية كاثوليكية ملتزمة. كنا نذهب إلى الكنيسة كل أحد، ونحتفل بالأعياد سوية. كنت أشارك في الصلاة كأمر إلزامي، أكثر مما كان نداءً صادراً من القلب، ورغم ذلك لم أتساءل أي أسئلة عن صحتها، أو أبحث في حقيقتها. كنت أعتقد أنه يكفي أن يتوفر لديَّ بعض المعرفة الأساسية، وأن أتمتع بعلاقة جيدة مع عائلتي وكنت أصرف أوقاتي في اللهو؛ لقد كنت فتاة سعيدة في الخامسة والعشرين من العمر. ثم غادرتُ بلادي وانتقلتُ إلى كنتيكت في الولايات المتحدة. وهناك سمعتُ لأول مرة عن الإِسلام. كان ذلك في العام ٢٠٠١م، وكنت أعمل وسط أشخاص مسلمين، وبدأنا نتحدث عن خلفياتنا الدينية، وقد فوجئتُ بأنني عثرتُ في الإِسلام على أمور كنت أعرفها من قبل - حول الخلق والأنبياء (عليهم السلام) ، وحتى مريم (عليها السلام) ، وولادة يسوع المسيح (ع) كنت أستمتع بتلك الحوارات. في البداية حاولت إقناعهم بأن ديني أفضل، ولكنني سرعان ما وجدت أنه لم يعد بمقدوري العثور على أي حجج. شعرتُ بحاجة إلى المعرفة كي أتمكن من العثور على الحقيقة، فقرأتُ الكثير حول المقارنة بين الدينين. في البداية شعرت بالخوف والحيرة. لم أعرف إلى أين أنتمي، فتخليتُ عن عباداتي السابقة، بما في ذلك الذهاب إلى الكنيسة، ولم أتمكن حينئذٍ من العثور على سعادتي في الإِسلام. كنت في حيرة، وتملكتني الرغبة في الوصول، لكنني لم أعرف كيف. وقالت لي صديقتي: «طهري قلبك واسألي الله بكلماتك أنت أن يوجهك ويريك الحقيقة، وقد منحني الله (سبحانه وتعالى) الجواب.

٢٠٩

فقد رأيتُ حلماً سمعتُ فيه أهم كلمات في الإِسلام: لا إله إلا الله. في ذلك الحين لم أعرف المعنى الدقيق لتلك الكلمات وعندما علمت معناها أدركت أنني أسير في اتجاه الصحيح.

* * *

لقد استغرق الأمر عاماً قبل أن أنطق بالشهادة، لأنه كان من الصعب عليّ قبول أو فهم بعض القواعد الإِسلامية، خصوصاً الحجاب، كنت راغبة في تغيير سلوكي، ولكنني كنت خائفة من ردات فعل والدي والآخرين. كما شعرتُ بأنني لا أمتلك ما يكفي من المعرفة، وأنه عليّ أن أعد نفسي لأصبح مسلمة. وهكذا تعلمت كيفية الصلاة وقول الكلمات الأساسية بالعربية، وكنت أصوم وعكفتُ على المطالعة كي أعرف أقصى ما يمكنني معرفته. عملياً كنت قد أصبحتُ مسلمة، وما كان عليّ سوى أن أقول: «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً (ص) رسول الله»، وقد فعلتُ ذلك بحمد الله. واخترتُ شهر رمضان المبارك، في كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٢م، كي أطهّر ما سلف من أعمالي أمام الله (سبحانه وتعالى) وأصلّي كمسلمة في ليلة القدر. ومنذ ذلك الحين شعرتُ أنني ولدت من جديد، وأصبح شهر رمضان شهر التغيير في النيّات والأعمال. وبعد عام ارتديت الحجاب، والحمد لله..

ونظراً لأنني كنت في بلد آخر وبعيدة عن عائلتي، استطعتُ أن أكون مسؤولة عن مستقبلي الخاص، وأن أبحث عن معنى الحياة بطريقتي الخاصة. أما بالنسبة لأهلي، فقد شكَّل ذلك صدمة لهم، فقد رأوا أن ابنتهم الوحيدة الصغيرة المحبة تبحث عن شيءٍ غريبٍ وصعبٍ فهمه. عندما بدأتُ القراءة عن الإِسلام كنت متحمّسة جداً حتى أنني أردت أن أشاطر أبواي بكل ما أمرّ به. ولسوء الحظ كانت تلك غلطة فادحة؛ فبالنسبة لهما، كان الإِسلام خطأً وخطيراً، ولا يحترم الإنسان، ورغم أنني حاولتُ أن أريهما المظاهر الإيجابية إلا أنهما رفضا أن يصغيا. كانا يستمعان إلى وسائل الإعلام فحسب، وكانا يظنان أنني في طائفة ما، وأن أحدهم يحرفني عن ديني، وكلما حاورتهم أكثر كلما ازدادت المتاعب التي واجهتها. لا أذكر كم من الاتصالات الهاتفية أجريت لإقناعهما أنني على حق، وأنه بمقدوري اختيار طريق حياتي بغض النظر عما يعتقده الآخرون. كانت تجربة مؤلمة للغاية؛ كنا نتجادل ونبكي ونعتذر ونتجادل مجدداً.

٢١٠

كان ذلك صعباً بالخصوص على والدتي. فقد قالت لي أنني أتسبب لها بألم كبير، كمن يضع سكيناً في قلبها وأنني أدير ظهري لكل ما علمتني إياه وللحليب الذي أرضعتنيه. وبعد أسبوعين من محاورتنا هذه، جاء والدي إلى الولايات المتحدة بهدف إقناعي، ولكنه لم يكن يعلم أنني كنت قد أصبحتُ مسلمة بالفعل. وبعد جدال طويل قررتُ أن ألتزم الهدوء إلى حين تحصيل بعض المعرفة والخبرة بالإِسلام لأحاول تبيان الحقيقة لهم، كان ذلك وقتاً عصيباً عليّ. لم أتمكن من الصلاة إلّا خفية، وقد أخذني والدي إلى الكنيسة لأتكلم مع الكاهن.. سبحان الله، هم لم يتمكنوا من الإجابة على أي من أسئلتي، وكانوا يقولون لي أنني لست بحاجة لفهم أي شيء «عليك أن تؤمني فحسب». حتى أن والدي نقلني إلى ولاية أخرى كي أبتعد عن أصدقائي المسلمين. وقد خطر لي أكثر من مرة أن أستسلم وأتوقف عن التسبب بالألم لوالداي، وأن أفعل ما يتوقعانه مني، ولكنني تذكرتُ عندئذٍ حياة النبي محمد (ص) وأصحابه، فبعد تذكّر كل الآلام والإهانات التي تعرضوا لها ليظلوا أحياء وينقلوا لنا الإِسلام، رأيت أن مشاكلي لا أهمية لها، وحمدتُ الله على نجاتي.

* * *

بعد عودتي إلى كنتيكت، في آذار (مارس) ٢٠٠٣م، تزوجتُ بأحد أصدقائي المسلمين. الأخ هشام من المغرب، وقد منحني زوجي الإرشاد والمعرفة حول الإِسلام، وقد أراني طرقاً مختلفة لعبادة الله (سبحانه وتعالى) ، كنا نصلّي ونذكر الله سويةً ونقرأ الأحاديث المختلفة والقرآن الكريم. ويوماً بعد يوم، كبر إيماني كزهرة جميلة وملأ كل كياني، وأدركتُ كم خسرت من حياتي قبل أن أتعرف على هذا الشعور بالسعادة. لقد أصبحت إنسانة هادئة وأكثر صبراً، وفي كل دقيقة أتفكر في خلق الله. ومع أن الوضع مع والديّ ازداد سوءاً، إلا أنني تمكنت من العثور على السلام والطمأنينة في الإِسلام، وكنت أدعو الله (سبحانه وتعالى) أن يفهما يوماً ما قراري ويتقبلانه.

٢١١

ومرَّت الأيام وسعدتُ لكوني صرتُ مسلمة، وبدأت أتذوق الحياة الجديدة، أصبح وجهي مضيئاً بابتسامة دائمة. وكل ما حولي بدا جميلاً. في هذه الفترة التقيتُ بالعديد من المسلمين الذين قدّموا لي النَّصح وبيّنوا حقيقة الإِسلام في كل مظهر من مظاهر الحياة، خصوصاً الأخوات اللواتي فتحن لي أبوابهن وقلوبهن، حتى عندما كنت ألتقيهنّ لأول مرة، أشعر كأنني أعرفهنّ منذ أجيال وأنني أنتمي إليهنّ. هذا جمال الإِسلام، ما شاء الله، وأنا أدعو الله أن يتمكن الجميع من التعرف على هذا الشعور.

* * *

وفي تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٤م وهبني الله (سبحانه وتعالى) هدية رائعة، طفلاً أسميته محمد كريم. وقد فتحت معجزة الحياة هذه الباب نحو علاقة أفضل مع والديّ. فقد أدركا والحمد لله أنني سعيدة وأن لديَّ زوجاً صالحاً وأنني أستمتع بالحياة بطريقتي الخاصة. وأن أحداً لا يدفعني لاتخاذ أي قرار. لقد حطمنا الجليد وبدأنا نتحدث بصدق حول المشاعر والتغيّرات في الحياة. وعلمت كم من الصعب أن يقبل والداي حياتي الجديدة. لقد شعرا بأنهما قد فقداني وأن عليهما أن يكتشفاني من جديد. بالنسبة لهما، كان كل شيء عربياً أو إسلامياً، لباس ابنتهما واسم حفيدهما، إنني أبذل جهدي لأُظهِر لهما أنني لا زلت ابنتهما الصغيرة وأنني أحبهما، وإذا تغيرت، فإنني قد تغيّرت لأصبح امرأة أفضل. إنني أتحدث إليهما كثيراً وأرسل لهما صوراً. حتى تلك التي لم يحبانها كثيراً وهي التي أرتدي فيها الحجاب. كي يكونا جزءاً من حياتنا ولاطلاعهما على كل شيء.

لقد تقبّلاني وعائلتي - والحمد لله - كمسلمين، رغم أنهما في باطن قلبيهما لا يزالان يدعوان الله أن أعود إلى طريقي القديم.

بحمد الله، اختار لي الله (سبحانه وتعالى) أن أكون مسلمة، وأنا سعيدة بكل القرارات التي اتخذتها ولن أعود عنها أبداً، أدعو الله أن يعصمني من الضلال وأن يمنحني القوة في سبيله.

أحاول في كل يوم أن أكون أمة صالحة لله (سبحانه وتعالى) وأن أقوّي إيماني. إنني أعبده وأتبع سُنَّة النبي محمد (ص) مؤخراً بدأت تعلم قراءة القرآن بالعربية. وكما كل إنسان لي حسناتي وسيئاتي، أقارع وسوسة الشيطان وضعف نفسي. هذا هو جهادي الذي يساعدني على تحسين نفسي ويذكِّرني بالمكان الذي أتيتُ منه وإلى أين سينتهي أمري.

٢١٢

الأمريكية المسلمة:

طاهرة كونانت (جنيفر) سابقاً

تقول:

· أحسست كأنني وجدت شيئاً ما يربطني بعالم المسلمين، حيث كنت أبحث عن معنى لهذه الحياة وقد وجدته في الإسلام.

· لا أستطيع أن أغض الطرف عن واقعنا نحن المسلمين.. إنني أرى مسافة بين الإسلام والكثير ممّن ينتسبون إليه.

إلتقينا بها في بيت متواضع في ضاحية بيروت، رحّبت بنا، واستقبلتنا في غرفة تنتشر في زواياها بعض الكتب والأوراق المتناثرة. توحي للمتأمل كما لو أن صاحبها مغرم بالبحث عن الحقيقة. مباشرة بادرنا بسؤالها عن بداية إسلامها ووضعها الاجتماعي والعائلي آنذاك، وعن تنقلاتها المتعدّدة في البلدان إلى أن اختارت لبنان محطة أخرى من محطاتها الاستكشافية. فأجابتنا بسرور قائلة:

كنت أقطن منطقة أوهايو، في الولايات المتحدة الأمريكية، في حضن عائلة لم تكن تعتنق أي دين أو مذهب، فوالداي لا ينتسبان إلى المسيحية أو غيرها من الطوائف أو الأديان الأخرى. بل كانا، إن صحت العبارة، على مذهب يدين بقيم إنسانية عامة، وعلى هذه القيم ربّتني عائلتي وعلّمتني الكثير من الأخلاق الفطرية.

لقد كانا صادقين في زواجهما، ويعملان بجد ومسؤولية لتأمين حياة كريمة لنا، فكانت تربيتنا تنبع من هذه الروح، والمسؤولية العائلية التي تعني أن يكون لكل فرد في الأُسرة دوراً في الحياة، وسيرة حسنة تجاه الآخرين، ولعل هذا الأسلوب في طريقة الحياة جعلنا غير ملتفتين إلى معنى الدين في سلوكنا. لهذا لم أنشأ مسيحية أو يهودية، ولم أكن معتنقة لأي دين آخر. وظاهرة اللاتدين ظاهرة مألوفة في أمريكا، فالكثير من الأمريكيين أيضاً يعيشون هذا السلوك من القيم الانسانية العامة، وأعتقد أن جدي كان خلاسياً، ومن هنا ربما اعتنق والدي هذه المبادئ. وقد بدأت تساؤلاتي الدينية عندما ذهبت مرة مع أصدقائي إلى الكنيسة، وكان ذلك بداعي الفضول، لكن تولّد لدي آنذاك شعور بالكثير من الأسئلة التي لم أجد لها جواباً مقنعاً لديهم، خصوصاً عندما تساءلت عن نبوة المسيح، ومسألة التجسّد والثالوث، فلم أدرك معنى كيف يحل إله مطلق في كائن محدود؟

٢١٣

حدثينا عن مراحل حياتك العلمية:

تلقيت دروسي الإبتدائية في المدرسة ثم الثانوية والجامعية، وكأية فتاة ناشئة كنت مثابرة وحريصة على قطع هذه المراحل كواجب عائلي واجتماعي لأحتلّ موقعاً في المجتمع. بعد أن أنهيت دراستي الجامعية، ألزمتني الجامعة بدروس تتعلق بالديانات ومقدمات في اللاهوت، وكانت هذه أول مرة أطل منها على تاريخ الأديان العامة، وقبل هذه الفترة كان جزء كبير من حياتي بعيداً عن الاهتمام بهذه العلوم، لكن رغم ذلك لم تدفعني هذه العلوم للبحث عن حقيقتها، ولعل ذلك لكونها نظرية بحتة ويغلب عليها الطابع الأكاديمي الباهت.

إذن، ما هي العوامل والظروف التي دفعتك لاعتناق الإسلام؟

في الواقع، كان لدي شعور منذ طفولتي بالميل إلى الوحدة والتأمل في ظواهر كونية لا أفهمها، وقد استيقظ هذا الشعور من جديد في مرحلة الشباب على شكل أسئلة واعية، فقد كنت أنظر إلى الأشياء وأستنتج أنها تأتي من بعضها بعضاً، وأن لها تناغم خاص، ينبع من سر واحد، ومصدرها يختلف عنها تماماً، لكن جهلنا بها يجعلنا ننظر إليها وكأنها صدفة آتية من فراغ ولا معنى لها، لذلك نهمل البحث فيها، وننغمس في حياتنا العبثية دون هدى. وأحياناً كنت أتساءل: ماذا لو كنّا في حلم كبير ثم نستيقظ لاحقاً على حقيقة ما، لكن بعد فوات الأوان؟! وهذا وما وجدته بعد ذلك في الأحاديث النبوية الشريفة التي تتحدث عن يوم فاصل يقف فيه الخلق أمام إله واحد له الحجة البالغة عليهم!

إن هذه الأسئلة المقلقة جاءت في سياق مشكلة خاصة عشت أحداثها في مدينتي، كانت قد حصلت بين صاحب مزرعة أمريكي سعى لوضع العقبات أمام جالية مسلمة أرادت أن تبني مسجداً لأتباعها سنة ٢٨٩١ - ٣٨٩١، وعلمت أن صاحب المزرعة يفتري على المسلمين بتدمير أملاكه الخاصة ليتهمهم فيما بعد بذلك. ولما تيقنت من فعلته اتصلت بالمحامي وشهدت ضده، وقدّمت له الأدلة، عند ذلك سألني المحامي قائلاً: هل أنت مسلمة فقلت: لا، فردَّ قائلاً: فما الذي يدفعك إلى تحمّل هذه المسؤولية؟ قلت: لم أقصد أن أفتعل معه مشكلة، لكنني أريد الحقيقة فقط! ثم انصرفت. وهكذا نال أفراد هذه الجالية المسلمة حقوقهم بفضل تضافر جهود بعض الأشخاص الطيبين.

٢١٤

وقد دعاني المسلمون لاحقاً لزيارتهم لتقديم امتنانهم وشكرهم لي. وعندما لبّيت الدعوة ودخلت إلى أحد بيوتهم لفت انتباهي شكل ملبسهم الغريب عمَّا اعتدت عليه، وسلوكهم الأخلاقي المختلف، من خلال طريقة استضافتهم ورغبتهم في إكرام الضيف، واحترام الصغير للكبير.

أذكر أنَّ أحدهم توجّه إليّ بالحديث قائلاً: لقد فعلت الكثير من أجلنا، فماذا يمكننا أن نفعل من أجلك؟ أجبته: أنا لم أفعل شيئاً، لكن هذا ما أملاه عليّ ضميري. ثم شعرت بأن الكلمات تتعثر في فمي، ولكنني اعتبرت ذلك تذكيراً لي، ولعلها الفطرة بداخلي، وأحسست وكأني وجدت شيئاً ما يربطني بعالم المسلمين حيث كنت أبحث عن معنى ما لهذه الحياة. وكنت متأكدة أنها موجودة في مكان ما، ثم استدركت قائلة: أريد أن أتعرف عليكم أكثر.

وفي اليوم التالي زاروني وقدّموا لي سجادة وكتاب تفسير للقرآن الكريم، فطالعته بشغف، وتأملت في معانيه لمدة شهرين ونصف، وفتحت بعض الكتب للبحث والدراسة والمقارنة، وكلي أمل أن أهتدي إلى الطريق القويم. كان اعتناقي للإسلام في مركز للمسلمين يوم الجمعة حين يجتمع المسلمون للصلاة ونطقت بالشهادتين أمامهم، أذكر في تلك اللحظات كيف انهمرت دموعي ولم أكن أدري لماذا؟ يا لها من هدية!

كيف كان رد فعل الوسط العائلي والاجتماعي تجاه اختيارك الإسلام؟

بعد اعتناقي الإسلام تغيّرت أخلاقي وسلوكي بشكل كامل. حيث قرّرت أن لا أصادق إلا المؤمنين، وأبتعد قدر الإمكان عن أهل الدنيا والعبث، عملاً بقول النبي (ص) في التنبيه على اختيار الصديق وكيف نخالط الناس، فمن خالط قوماً أربعين يوماً صارَ مثلهم.

٢١٥

وهكذا بدأت الهوة تتسع بيني وبين غير المسلمين، وتغيّر ملبسي وطريقة أكلي وأوقاتي بين الليل والنهار؛ فلم أعد ألبس الثياب للافتخار بل للستر، واقتصدت في الأكل والمعيشة لأتخلص من عادة التبذير، كما أن السهر ليلاً أقضيه في العبادة أو المطالعة، وقد كان هذا نوعاً من التطهير لما علق في نفسي من حب للدنيا وملذاتها الفانية. آنذاك كنت أعيش منفردة تفصلني عن أهلي مسافة ٢٠٠٠ كلم حيث يسكنون في ولاية أخرى. وكنت أفضِّل أن أخبرهم مباشرة بإسلامي عندما زرتهم هناك، لكن صديقتي بادرت بإعلامهم، وقد لاحظت الوجوم بادياً على وجوههم. فبادرت قائلة: ما الفرق بين تربيتنا وبين قيم هذا الدين، فأنا الآن أكمّل هذه القيم بالقرب من الله تعالى؟! وفهمت من جوابهم أنهم لم يقبلوا هذا التحوّل المفاجئ واعتبروا ذلك إساءة لهم! لذا ساءت العلاقة بيني وبين أهلي وانقطعت لعدّة سنوات، وأثناءها توفى والدي وحضرتُ جنازته، ثم توفيت والدتي دون أن تخبرني بأنها حرمتني من الميراث، وكان ذلك صدمة لي، وقد خفّف من غمي صديق مسلم عندما ذكّرني بأن ذلك كان امتحاناً لي من الله الذي هو الوارث الحقيقي لكل شيء.

كيف تفهمين دعوة الآخرين إلى الإسلام، وما هي الطرق المناسبة لإقناعهم بتعاليمه؟

عندما ارتديت الحجاب الشرعي (كان ذلك منذ ١٥ سنة) وتوثقت صلتي بمبادئه وتعاليمه شعرت بأني مسؤولة عمّن يجهلونه وهم يعيشون حولي في المجتمع، وقد بادرت بدعوة الكثير منهم، لكن الأسلوب الأنجع الذي استخلصته هو أن أدعو غير المسلمين إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة كما تشير إلى ذلك الآيات الشريفة، بمعنى أن نتحدث إليهم ونحاورهم ونشرح لهم شعائر الدين بشكل يرفع عنها الالتباس والغموض ويزيل الشبهات، ولا يتيسّر لنا ذلك إلا بأسلوب مدروس يعتمد على الترغيب والنصيحة والصبر على أذى من لا يريد الإنصياع لنداء الفطرة، ولعل هذا المنهج في الدعوة كان يميّز سلوك الأنبياء (عليهم السلام).

٢١٦

ما هي وجهة نظرك في من يقول إن الإسلام انتشر بالقوة وليس بالحكمة؟

حسب تتبعي لتاريخ الأديان، أعتقد أن الإسلام انتشر في جل البلاد التي دخلها عن طريق سلوك أتباعه وسيرتهم الحسنة تجاه تلك الشعوب، لأنه دين فطرة ونداء يلامس الروح، وأظن أن السيف كان هامشياً في معظم الفتوحات. وإن كان في بعض الأحيان ضرورياً للدفاع عن المسلمين في مواجهة من يصدّون عن سبيل الله، لذلك كانت القوة عبارة عن أسلوب دفاعي وحرب الإسلام حرب دفاعية، ولم يحدث أن كان الإسلام بادئاً بالحرب، ونحن في دعوتنا اليوم لسنا بحاجة مطلقاً إلى العنف، بل علينا أن نرفع الحجاب عن قلوب الناس، ونفتح بصيرتهم على سماحة الإسلام وسهولته بالسيرة الحسنة والخُلُق المتسامح.

واستدركت قائلة: أريد أن أضيف نقطة تتعلق بدعوة المسلمين أيضاً للإرتباط بالإسلام كمنهج حياة وسلوك فردي وجماعي، وليس كهوية طائفية يولدون عليها مقتدين بآبائهم في الإنتماء الشكلي! وأنا من جهتي أضع نفسي بين كل المسلمين للدعوة إلى تعلّم الإسلام. لقد سبق أن دعوت ابني، ووافقني على كثير من الأفكار لكنه مع الأسف لم يسلم. ونجحت في إقناع شابة أمريكية فأسلمت، ورجل يعمل محامياً كان يبحث عن طريقة حياة تعطي للحياة معنى أخلاقياً، فاجتهدت لأشرح له مبادئ الإسلام الأخلاقية ونظرته إلى الحياة الأخرى وأن الدنيا محطة عبور إليها، وبعد شهرين من الحوار والمقارنة اعتنق الإسلام هو وابنته، وقال لي: إن هذا ما كنت أبحث عنه!

كيف تقيّمين واقع المسلمين اليوم وعلاقتهم بالإسلام؟

في هذه النقطة بالذات لا أستطيع أن أكون متسامحة وأغض الطرف عن واقعنا نحن المسلمين، إنني أرى المسافة بعيدة بين الإسلام والكثير ممّن ينتسبون إليه ولعل الأحاديث النبوية الشريفة حذّرت من هذه النتيجة التي وصل إليها المسلمون، وأملي في الذين ما زالوا على هذا الطريق النبوي الخالص، وهم يذكّروني يومياً بالله ولا يمكنني مبادلتهم بجبل من ذهب. أقول لإخواني المسلمين: كونوا من المحبين لله ورسوله وأهل بيته الطاهرين، وتذكروا القبور ففي الموت ذكرى لمن كان له قلب سليم.

٢١٧

ما هي أهم صفة تحبينها في رسول الله (ص)؟

برقت من عينيها دموع الشوق وقالت: خُلُقه العظيم. لقد كان وما زال الأسوة الحسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، لقد ترك لنا أعظم هدية وهي القرآن وأهل بيته (عليهم السلام) وهذا الدين ليغيّر ما فينا من شرور ويبعث في أنفسنا الخير والسعادة.

٢١٨

هدايتي إلى الحق... حكاية اعتناق

لينيت ويهنر الإسلام

كيف وجدت مدرّسة أمريكية كاثوليكية، غير راضية عن مسارها الروحي، الطريق القويم من خلال عملها الجديد كمدرّسة في مدرسة إسلامية؟

ها هي لينيت ويهنر تروي بنفسها لقراء المجلة الكرام قصّة تحوّلها إلى دين الإسلام العظيم، معبّرة عن مدى السعادة التي تغمرها، بعدما أصبحت أكثر قرباً من الله تعالى ودينه المنقذ للبشرية.

يمكنني وصف رد فعل عائلتي المسيحية على عملي الجديد في المدرسة الإسلامية بأنه اتسم بالحماسة المتحفظة. فقد قال لي والد زوجي عندما علم بالأمر «تأكدي فحسب أنك لن تعتنقي الإسلام».

أما والدة زوجي فقد بدت متحيرة من أنني سأكون بجانب شيء «يتسم بالغرابة». وقد كنت أنا أيضاً محتارة وتساءلت هل أريد فعلاً العمل في تلك المدرسة. فمع أنني سأكون في صفي الخاص (وهو أمر رغبت فيه جداً) إلا أنني لن أعمل بدوام كامل، وسيكون عليّ أن أرتدي زياً إسلامياً (بل وحتى أن أغطي شعري). لقد كان هذا المفهوم غريباً جداً بالنسبة إليّ. وقد فكرت في الأمر لمدة يوم أو يومين إلى أن قررت أن أنطلق في مهمة التدريس الأولى لي في هذه المدرسة. كنت منفتحة ومصمّمة على أن هذه ستكون تجربة تثقيفية لي، ولا ريب أنها كانت كذلك.

في اليوم الأول، أُعطيت المدرسات الجديدات «غير المسلمات» درساً حول «الحجاب» من قِبَل إحدى الأخوات في غرفة المدرسين. وكنا نضحك فيما أخذنا نجرب أساليب مختلفة لارتدائه. ولا زلت أذكر أنني كنت سعيدة إلى حد بعيد، وخلال هذا الحدث أدركت أنني طالما اعتقدت خطأ أن المسلمين متجهمين وصارمين. إنه لمن الغرابة بمكان كيف أن أحدنا يحتفظ بصور نمطية عن أشخاص من دون أن يعرفهم. وبهذا غيّرت أحد المفاهيم الخاطئة في ذهني.

خلال عامي التدريسي الأول تعلمت أموراً عديدة. لقد تأثرت كثيراً بطريقة معرفة طلابي الواسعة بديني (المسيحية) أكثر مما كنت أعرفه. كيف كانوا يعرفون كل تلك القصص؟ لقد كان طلابي يسألونني دائماً عن معتقداتي، ودفعوني للتفكير. بماذا كنت أؤمن؟

٢١٩

لقد نشأت كاثوليكية، وعندما أصبحت راشدة بدأت أحيد عن ذلك السبيل. لم أكن أعرف ما الذي كان يجعلني أشعر بعدم الراحة، بَيْدَ أنني طالما شعرت بأن أمراً ما لم يكن صائباً. لقد غامرت في الخوض في مسيحية العصر الجديد، إلا أن شيئاً فيها لم يتناسب معي أيضاً. كنت أدرك أنني أريد أن أكون مرتبطة بالله لم أرد أن يصبح ديني شيئاً يشعرني بأنني مضطرة للقيام به كي أكون في نظر أقاربي «إنسانة صالحة» (كما كان حال زوجي). أردت أن أشعر بذلك في قلبي. وعندما أغوص في أحاسيسي في تلك الفترة أشعر أنني كنت تائهة ولكني لم أعرف ذلك حينئذٍ.

الأولاد يظلون أولاداً، وتلامذتي المسلمون لم يكونوا استثناءاً، لقد نسوا كتبهم في الصف بدل أخذها معهم إلى المنزل. وقد كانت هذه نعمة مخفية حيث أنني اغتنمت الفرص بقراءة هذه الكتب بعد انتهاء الحصة، وقد بدا الكثير مما ورد فيها معقولاً. وقد أسهم في مسير هدايتي في هذا الاتجاه أن أحد الأخوة وإحدى الأخوات كانا مسرورين بالإجابة عن أسئلتي الكثيرة. وقد تحاورنا حول الإسلام والدين طوال ساعات. وكان الأمر محفزاً نفسيا وفكرياً إلى حد بعيد. وقد كنت متحمسة كثيراً حيال ذلك. لقد شعرت بأنني قد عثرت على ما كنت أبحث عنه، وقد أخذ السلام يغمر قلبي شيئاً فشيئاً. في تلك الفترة بدأت بقراءة القرآن في المنزل. ولم يكن زوجي حينها معجباً باهتمامي بالإسلام ومنذ ذلك الحين طُلِّقت منه. وعندما كنت أقرأ القرآن كنت أفعل ذلك في مكان منعزل ومن دون معرفته. في البداية شعرت بأنني أقوم بشيء من الهرطقة. وأذكر أنني كنت خائفة للغاية من أن الله... سيكون مستاءاً مني.

كيف يمكن لأي كتاب آخر غير الكتاب المقدس أن يكون من عند الله...؟ حاولت الإصغاء إلى قلبي، كان يهمس لي أن أقرأ. وقد بدت بعض المقاطع في القرآن كما لو كانت كُتِبَت من أجلي خاصة. وألفيت نفسي أجلس وأبكي لمرات عديدة. وفجأة شعرت بسلام داخلي، إلا أنني ظللت محتارة. كان هناك شيء ما يحجزني عن قبول الأمر بشكل كامل.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331