وهدوا إلى صراط الحميد

وهدوا إلى صراط الحميد0%

وهدوا إلى صراط الحميد مؤلف:
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 331

وهدوا إلى صراط الحميد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مؤسسة الإمام الحسين (عليه السلام)
تصنيف: الصفحات: 331
المشاهدات: 71267
تحميل: 5208

توضيحات:

وهدوا إلى صراط الحميد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 331 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 71267 / تحميل: 5208
الحجم الحجم الحجم
وهدوا إلى صراط الحميد

وهدوا إلى صراط الحميد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

س: كيف تواجهين أخطاء بعض المسلمين؟ وما يكون شعورك حينها؟

أذكرُ أنَّ هؤلاء يقومون بما يخالف أوامر الله وتعاليم دينهم وأبرِّىء الإِسلام مما يفعلون، وأحاول أن أعفو عمّن ظلمني إذا ما طالني ظلم كما أمرني الله (سبحانه وتعالى)

س: هل لديك وصية توصين بها إخوانك المسلمين؟

أحبّ أن أوصيهم بأن يتذكروا دوماً أنّ دينهم هو دين مكارم الأخلاق (وقد قال النبي محمد (ص) :«إنّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق» . وأرجو أن يلتفت كل مسلم إلى معاني الفرائض والمستحبّات التي يقوم بها وإلى دلالاتها الرمزيّة التي تجعل لها أثراً روحيّاً وسلوكياً أكبر. وأسألهم الدعاء.

٢٠١

الأخت الأسترالية المهتدية فاطمة (أنطوانيت سابقاً)

تقول:

· سبيلي إلى الإسلام كان محفوفاً بالمعاناة.

· أنا أشكر لله تعالى على نعمة الهداية إلى هذا الدين العظيم.

· هذه قصة أخرى لفتاة غربية الانتماء والثقافة وطريقة العيش، تستريح مطمئنة على شاطئ الإسلام وتنعم ببر أمانه بعد أن قادتها إلى أنواره سفينة البحث عن الدين الحق، الذي يجيب على أسئلة العقل المحيّرة، ويبعث الاطمئنان في النفس القلقة..

· وها هي تروي قصة اعتناقها للاسلام وما صادفها من معاناة وعقبات في سبيل ذلك، كما تعبّر عمّا تشعر به من رضى وسعادة بدينها الجديد من خلال الرسالة التالية التي بعثت بها إلى «نور الإسلام».

· وهي تبدأ حكاية حالها بقوله تعالى:

﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِی صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی هَدَانَا لِهَذَا وَمَا کُنَّا لِنَهْتَدِیَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْکُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿43﴾ ﴾ [الأعراف: 43]

إن الحمد والشكر لله - سبحانه وتعالى - وحده الذي هداني إلى نوره من ديجور الظلمة. لقد ولدت من عائلة كاثوليكية حيث تعلمت الأخلاق والقيم العليا. وكنا أنا وإخوتي يفترض بنا أن نذهب إلى الكنيسة كل أحد. وكانت أمي توبخنا إن لم نفعل. كان الذهاب إلى الكنيسة يمنحني شعوراً بالسلام، كما تشعر عندما تقوم بعمل طيب. ومع أنني بالكاد كنت أركز انتباهي على ما يقال، كنت أشعر أنني أرضي الله وكان هذا يسعدني.

بما أنني ترعرعت في منطقة يختلط فيها المسلمون والمسيحيون، لم يكن الإسلام بالنسبة إليَّ غريباً كثيراً، وكان بعض الأصدقاء المسلمين قد شرحوا لي آراءهم في الله ويسوع واختلاف تلك الآراء عمَّا تعلمته. لم أفكر ملياً في تلك الأمور حنيئذ بما أنني كنت يافعة وأردت أن أعيش حياتي كيفما اتفق.

٢٠٢

ولكن ذات يوم أحد - وكان عمري حينها 12 عاماً - ذهبت إلى الكنيسة كالمعتاد. أتذكر كيفية جلوسي هناك عندما بدأت الأسئلة تنهال عليَّ. كيف أن الله ويسوع هما شخص واحد؟ وكيف في لحظة يكون يسوع هو الابن، وفي أخرى هو الله؟ كيف خلصني موت يسوع على الصليب من الجحيم فيما أنا لا زلت أذنب كل يوم؟ وفجأة، لم يبدُ أي من هذه الأمور معقولاً بالنسبة إليَّ. لِم لم أسأل نفسي هذه الأسئلة من قبل؟ وأدركت أنني طيلة حياتي كنت أقوم بما علموني من دون تفكير، وهذه ليست صفاتي. عندئذ تذكرت ما قاله لي أصدقائي المسلمون حول نظرة الإسلام إلى يسوع ومريم (عليهما السلام). وبدأت أفكر في سبب انقسام الدين إلى أديان مختلفة على الأرض. وما كان هدفه - تعالى؟ لماذ لم يجعلنا جميعاً متطابقين؟ عندئذ أدركت أنه عليَّ أن أستكشف الأديان الأخرى وأنظر أيها هو الدين الحق.

خلال عطلة منتصف الفصل في عامي الجامعي الأخير حصلت على عمل مؤقت كأمينة سر متفرغة لمدة ستة أشهر. لم تكن وظيفتي معقّدة، لذا أمضيت معظم اليوم أبحث عبر شبكة الأنترنت عن أجوبة لمسائلي. وقد استبعدت احتمال أن تكون اليهودية دين الحق لأنها لا تؤمن بيسوع ومريم (عليهما السلام) وكان صعباً عليَّ أن أفهم ذلك. وقد وجدت أن الدين الآخر الوحيد الذي يعترف بهما ويمتدحهما هو الإسلام.

وببطء بدأت أحصل على إجابات لأسئلتي وشرعتُ أشعر بالرضى والقناعة بمبادئ الإسلام. كان لكل شيء تفسيراً تاماً وإجابة منطقية. وأدركت أنه ما كان بمقدوري إنكار الحقيقة الموجودة أمامي فقررت اعتناق الإسلام.

في تلك الليلة، ذهبت إلى المنزل وتلفظت بالشهادة في غرفتي وكنت وحدي، كانت هذه بداية حياتي الخاصة كمسلمة. وازددت شغفاً بالإسلام حيث كنت أتعلم أشياءَ جديدة كل يوم. وقد أفضيت بسرّي إلى صديقة مسلمة واحدة إذ أنني كنت أعلم أنه إن علمت أسرتي بأمري فسأواجه متاعب جمة ولم يكن لدي القوة الكافية للتعامل مع ذلك بعد. كنت أصلي وأصوم في منزلي من دون علم أسرتي. ولولا عون لله وحمايته لما تمكنت من القيام بذلك طيلة ثلاثة أعوام. وخلال سعيي طلباً للمعرفة، بدأت أبحثُ عن مركز إسلامي بمقدوره أن يقدم لي المزيد.

٢٠٣

وقد علمت بوجود مركز الإمام الحسين (ع) الإسلامي في مدينة سيدني الذي بمقدوري أن أقول بحق أنه وضع أساساً حقيقياً في حياتي. وأنا مدينة بالكثير من الفضل لهذا المركز ومديره الشيخ منصور ليغائي الذي أصبح مرشدي الروحي، والذي ساعدني في غمرة الصراعات التي واجهتها في حياتي. وفي هذا المركز بدأت أدرك ما هو الإسلام حقيقة فيما تخطت معرفتي وإيماني كل توقعاتي.

بعد شهر رمضان الرابع الذي صمته، قررت أن أُطلع أمي على خبري، وكانت في ذلك الوقت قد بدأت ترتاب من التغيرات في لباسي وتصرفاتي. لم تعرف كيف تتقبل النبأ فلجأت إلى آخرين طلباً للمساعدة، وهذا تسبب في تدخل العائلة كلها مما جرّ عليّ ظروفاً سيئة. قالوا لي إنه عليَّ أن أكون كاثوليكية، وأنني قد تعرضت لغسيل دماغ. وأمروني أن أتخلص من كل الثياب ذات الأكمام الطويلة، وأنني إذا أردت الذهاب إلى أي مكان فيجب أن يتم ذلك بإشراف أحد أفراد العائلة. ونُزع القفل الذي كان على باب غرفتي. وعندئذ أدركت أنه لم يعد بمقدوري البقاء هناك بعد الآن حيث أنني لم أعد قادرة على ممارسة واجباتي الدينية.

في اليوم التالي، ذهبت إلى العمل كالمعتاد. اتصلت بوالدتي خلال النهار وقلت لها إنني أريد العودة إلى المنزل والعيش معها ولكن التدخلات من قبل الجميع تجعل من الصعوبة بمكان بالنسبة إليَّ أن أعيش كما أرغب. وشرحت لها أنني عشت كمسلمة تحت سقف منزلها خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وذلك لم يؤثر على أحد، فلماذا يجب أن أخضع لأي كان الآن؟ بَيْدَ أنني عرفت أن الأمور لا يمكن أن تعود كما كانت. يتمسك أفراد عائلتي بتقاليد تقرّب الواحد منهم للآخر، وبالنسبة إليهم بدا الأمر وكأنني قد خنتهم وذهبت إلى صفوف مخالفيهم.

وجدت مكاناً أقطن فيه، وكان أصعب الأمور عليَّ أن أعيش بمفردي. عرفت أن والدتي أرادت أن أعود للمنزل بشدة ولكن أخي ما كان ليسمح لي بذلك إلا إذا عملت بحسب شروطه. وعلمت أنني لن أستطيع التخلي عن الله أو السبيل الذي اختطّه لي، لذا كان عليَّ مقاومة أوامر عائلتي رغم أن ذلك كان يؤلمني. وقد قال لي مرشدي الروحي أمراً في ذلك اليوم الأول ظل يرافقني حتى اليوم. قال: «أمسكي بيد الله الراسخة وستفلحين وتستعيدين عائلتك أيضاً يوماً ما». ففعلت ذلك وناضلت في سبيل عقيدتي ومبادئي بمفردي طيلة عام تقريباً. وكنت أحياناً أرى أمي وشقيقاتي اللواتي كن يتحدثن إليَّ ولكنهن وجدن صعوبة في تقبّل وتفهّم تغييري لديني. وقد ازدادت الأمور تعقيداً عندما قررت ارتداء الحجاب.

٢٠٤

طالما كان الحجاب في بالي وكنت أشعر بالذنب في ذلك الحين لعدم ارتدائه. ولكن بما أنني كنت أعيش في المنزل مع عائلة كاثوليكية لم يكن لدي خيار، ولكن الآن غادرت المنزل، وقد علم الجميع أنني اعتنقت الإسلام وشعرت بأنه لم يعد لي عذر أمام ربي بعد ذلك. وهكذا وبمساعدة من مرشدي الروحي، قررت ارتداء الحجاب خلافاً لرغبة عائلتي.

تسبَّبت هذه الخطوة بموقف سلبي أكبر ضمن عائلتي. وفجأة لم يعودوا يهتمون بكوني مسلمة، وأرادوا فقط أن لا أظهر ذلك لأي كان. لم أر أحداً من عائلتي لمدة ثلاثة أشهر ولكنني كنت على اتصال دائم معهم عبر الهاتف. وغالباً ما كان أشخاص يتصلون بي ويسيئون إليَّ ويتهمونني بـ «الأنانية». ما كان بمقدور أحد أن يفهم أنني لا أؤذي أحداً إذا ما طبقت شريعة الله وأنه بمقدورنا أن نعيش جميعاً بسلام إذا ما سمحوا بذلك. إلا أن المشكلة الأساس بالنسبة إليهم كانت في التعامل مع المجتمع الكاثوليكي الأوسع والانتقادات التي كان على أسرتي مواجهتها منه.

رغم أن تلك الفترة كانت الأكثر كآبة ووحدة وصعوبة في حياتي، إلا أنني شعرت أنني قريبة جداً من الله تعالى. كنت على تواصل دائم معه. ووجدت الراحة المطلقة في كتاب أدعية الإمام زين العابدين (عليه السلام) «الصحيفة السجادية» (مزامير الإسلام). وكل ليلة كنت أقرأ دعاء من ذلك الكتاب وأدعو الله تعالى أن يساعدني في هذه الأوقات العصيبة وأن لا يجعلني أستسلم. وبسبب هذا أشعر بعلاقة خاصة مع الإمام زين العابدين (عليه السلام)، من كلماته وارشاداته الرائعة. كنت أحاور بالعقل والحكمة فيما لم يتغير الوضع مع عائلتي لفترة من الوقت.

ظل ذلك مستمراً إلى أن التقيتُ بزوجي وقررنا الزواج. عندها بدأت الأمور بالتحسن. حتى ذلك الحين كانت عائلتي تضغط على أمي باستمرار كي تحاول أن تغير رأيي بالنسبة للإسلام حيث أنني كنت لا أزال تحت «رعايتها» من وجهة نظرهم. وحالما تزوجت، تلاشى ذلك التوقع من تفكير أمي وهذا ولَّد في نفسها راحة كبرى.

أمي الآن من الذين يدعمونني بقوة، وهي تنظر إلى الإسلام بنور جديد. وأنا أرى شقيقاتي غالباً رغم أن شقيقيّ الأصغر سناً لا يزالان يرفضان التحدّث إليَّ ويرفضان رؤيتي محجّبة. وأتواصل مع عدد قليل من أقاربي حيث لا يزال معظمهم ساخطاً على تغييري لديني.

٢٠٥

أنا لم أخسر شيئاً حيث أنني حصلت على عائلة جديدة في مركز الإمام الحسين (عليه السلام) الإسلامي ومع زوجي وهذا ما يعوِّض عليَّ كل ذلك.

كما نصحني مرشدي الروحي، لقد تمسكت بيد الله الراسخة وفي النهاية لقد زاد إيماني بربي وهو قد كافأني على ذلك عندما أعود بالذاكرة إلى أعوام الشدّة، أشكر الله تعالى لأنه جعلني أخضع لذلك الاختبار، إذ إنه جعلني أقوى كإنسانة وزاد في إيماني به. فمن دون البلاء لا يكون هناك تمحيص وثواب، ومن دون الصعوبات لا نستطيع أن نرتقي روحياً.

٢٠٦

وارتون كرباسي (حسين إثنا عشري)

· كرامة الحسين (ع) ومطالعاتي حول الإِسلام دفعاني لاعتناقه.

· هذه قصة أخرى نوردها بإيجاز لإنسان غربي المولد والنشأة، صافحت قلبه وعقله أنوار الإِسلام فسارع إلى اعتناقه والعيش في أكنافه. معبِّراً عن فرحه وسعادته بهذا التحوّل الذي جعل لحياته قيمة ومعنى.

المولد والنشأة:

وُلد الأخ وارتون كرباسي بقرية (فونتنبلو) التي تبعد عن باريس قرابة الخمسين كيلومتراً في فرنسا. أكمل دراسته الأكاديمية في دار المعلمين. وفي عام (1951م) غادر فرنسا متوجهاً إلى بريطانيا لإكمال دراسته التخصصية في هندسة الراديو والكهرباء، وقد بقي في بريطانيا مدة أربع سنوات وبضعة أشهر، عاد بعدها إلى باريس.

سفر آخر:

لم يبق وارتون طويلاً في فرنسا، حيث وقّع عقداً عام (1956م) مع إحدى شركات الطيران لمدة سنة واحدة في مطار (مهرآباد) الدولي في طهران عاصمة إيران قسم الشعبة الفنية.

وبعد انقضاء المدة رجّح البقاء في إيران. وهكذا قضى ثلاث سنين عمل فيها كمترجم في المعاهد التجارية المختلفة.

لله في خلقه شؤون!

اغتنم وارتون كرباسي أوقات فراغه في إيران بالمطالعة والدراسة حول الدين الإِسلامي عموماً والمذهب الشيعي على وجه الخصوص، كما قرأ القرآن عدة مرات ليرى ما فيه من كنوز وذخائر.

شاءت الحكمة الإلهية أن يصاب بمرض عضال، وبمرور الأيام أخذت شدة المرض وآلامه تزداد، وتزداد معها المعاناة. فقرر الأطباء ونتيجة الفحوصات التي أُجريت له إجراء عملية جراحية، ولكنه بالرغم من ذلك لم ييأس ولم يستسلم، وبقي متعلقاً بأمل الشفاء!

٢٠٧

نقطة التحول:

تزامنت شدة المعاناة مع حلول شهر محرم الحرام وذكرى عاشوراء الحسين (ع) الخالدة، يقول وارتون: «كانت بجواري دار واسعة أُعدت للتعزية بالمناسبة، وكانت المآتم تقام في الليالي وتُلقى فيها ذكريات المصائب.. فاتفق ذات ليلة أن قدّم له أحد خدمة المأتم كوب شاي، وقال: أيها السيد! تشتهي أن تشرب شاي الإمام الحسين (ع) فقبلت منه على اشتياق ورغبة تامة، وعندما لمست شفتاي ذلك الشاي، أحسّست أن نوراً خاطفاً أضاء فكري، فناجيت ربي: «إلهي بحرمة الإمام الحسين ومنزلته أرني معجزة خارقة لأستريح من هذه الآلام ومن شدة المرض».. وفي اليوم التالي وعند نهوضي من فراشي رأيت عجباً، إن المعجزة وقعت، وشفيتُ.. إن مطالعاتي السابقة حول الإِسلام، وهذه الواقعة العجيبة التي عشتها وشاهدتها عيناي، كان لها أبلغ الأثر في نفسي، فصممت على اعتناق الدين الإِسلامي والالتزام به.

واستجابت لنداء قلبها..

٢٠٨

رحلة السيدة كاملة روزيناتا البولندية إلى الإِسلام

بحرارة واندفاع ورغبة كي يعرف الجميع رحلة تحولها إلى الإِسلام العظيم، عند أول فرصة مكَنتها من التعرّف إليه، تروي السيدة البولندية «كاملة روزيناتا» قصة اعتناقها الإِسلام، مشيرة إلى ما كابدته من مشاقّ في هذا السبيل.

لقد خلق الله (سبحانه وتعالى) الإنسان متمتعاً بإرادة حرة، قادراً على اتخاذ قراراته واختيار المصير الذي سيؤول إليه، ولكنني أعتقد أن مسار حياتنا قد رسم لنا حتى قبل أن نولد، ونحن - من خلال خياراتنا - نستطيع أن نجعله أسوأ أو أفضل. كما أن كل إنسان يولد بالفطرة مسلماً وأبواه يختاران له دينه ويطبعان فيه تقاليدهما وعاداتهما.

لقد وُلدت لعائلة بولندية كاثوليكية ملتزمة. كنا نذهب إلى الكنيسة كل أحد، ونحتفل بالأعياد سوية. كنت أشارك في الصلاة كأمر إلزامي، أكثر مما كان نداءً صادراً من القلب، ورغم ذلك لم أتساءل أي أسئلة عن صحتها، أو أبحث في حقيقتها. كنت أعتقد أنه يكفي أن يتوفر لديَّ بعض المعرفة الأساسية، وأن أتمتع بعلاقة جيدة مع عائلتي وكنت أصرف أوقاتي في اللهو؛ لقد كنت فتاة سعيدة في الخامسة والعشرين من العمر. ثم غادرتُ بلادي وانتقلتُ إلى كنتيكت في الولايات المتحدة. وهناك سمعتُ لأول مرة عن الإِسلام. كان ذلك في العام 2001م، وكنت أعمل وسط أشخاص مسلمين، وبدأنا نتحدث عن خلفياتنا الدينية، وقد فوجئتُ بأنني عثرتُ في الإِسلام على أمور كنت أعرفها من قبل - حول الخلق والأنبياء (عليهم السلام) ، وحتى مريم (عليها السلام) ، وولادة يسوع المسيح (ع) كنت أستمتع بتلك الحوارات. في البداية حاولت إقناعهم بأن ديني أفضل، ولكنني سرعان ما وجدت أنه لم يعد بمقدوري العثور على أي حجج. شعرتُ بحاجة إلى المعرفة كي أتمكن من العثور على الحقيقة، فقرأتُ الكثير حول المقارنة بين الدينين. في البداية شعرت بالخوف والحيرة. لم أعرف إلى أين أنتمي، فتخليتُ عن عباداتي السابقة، بما في ذلك الذهاب إلى الكنيسة، ولم أتمكن حينئذٍ من العثور على سعادتي في الإِسلام. كنت في حيرة، وتملكتني الرغبة في الوصول، لكنني لم أعرف كيف. وقالت لي صديقتي: «طهري قلبك واسألي الله بكلماتك أنت أن يوجهك ويريك الحقيقة، وقد منحني الله (سبحانه وتعالى) الجواب.

٢٠٩

فقد رأيتُ حلماً سمعتُ فيه أهم كلمات في الإِسلام: لا إله إلا الله. في ذلك الحين لم أعرف المعنى الدقيق لتلك الكلمات وعندما علمت معناها أدركت أنني أسير في اتجاه الصحيح.

* * *

لقد استغرق الأمر عاماً قبل أن أنطق بالشهادة، لأنه كان من الصعب عليّ قبول أو فهم بعض القواعد الإِسلامية، خصوصاً الحجاب، كنت راغبة في تغيير سلوكي، ولكنني كنت خائفة من ردات فعل والدي والآخرين. كما شعرتُ بأنني لا أمتلك ما يكفي من المعرفة، وأنه عليّ أن أعد نفسي لأصبح مسلمة. وهكذا تعلمت كيفية الصلاة وقول الكلمات الأساسية بالعربية، وكنت أصوم وعكفتُ على المطالعة كي أعرف أقصى ما يمكنني معرفته. عملياً كنت قد أصبحتُ مسلمة، وما كان عليّ سوى أن أقول: «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً (ص) رسول الله»، وقد فعلتُ ذلك بحمد الله. واخترتُ شهر رمضان المبارك، في كانون الأول (ديسمبر) 2002م، كي أطهّر ما سلف من أعمالي أمام الله (سبحانه وتعالى) وأصلّي كمسلمة في ليلة القدر. ومنذ ذلك الحين شعرتُ أنني ولدت من جديد، وأصبح شهر رمضان شهر التغيير في النيّات والأعمال. وبعد عام ارتديت الحجاب، والحمد لله..

ونظراً لأنني كنت في بلد آخر وبعيدة عن عائلتي، استطعتُ أن أكون مسؤولة عن مستقبلي الخاص، وأن أبحث عن معنى الحياة بطريقتي الخاصة. أما بالنسبة لأهلي، فقد شكَّل ذلك صدمة لهم، فقد رأوا أن ابنتهم الوحيدة الصغيرة المحبة تبحث عن شيءٍ غريبٍ وصعبٍ فهمه. عندما بدأتُ القراءة عن الإِسلام كنت متحمّسة جداً حتى أنني أردت أن أشاطر أبواي بكل ما أمرّ به. ولسوء الحظ كانت تلك غلطة فادحة؛ فبالنسبة لهما، كان الإِسلام خطأً وخطيراً، ولا يحترم الإنسان، ورغم أنني حاولتُ أن أريهما المظاهر الإيجابية إلا أنهما رفضا أن يصغيا. كانا يستمعان إلى وسائل الإعلام فحسب، وكانا يظنان أنني في طائفة ما، وأن أحدهم يحرفني عن ديني، وكلما حاورتهم أكثر كلما ازدادت المتاعب التي واجهتها. لا أذكر كم من الاتصالات الهاتفية أجريت لإقناعهما أنني على حق، وأنه بمقدوري اختيار طريق حياتي بغض النظر عما يعتقده الآخرون. كانت تجربة مؤلمة للغاية؛ كنا نتجادل ونبكي ونعتذر ونتجادل مجدداً.

٢١٠

كان ذلك صعباً بالخصوص على والدتي. فقد قالت لي أنني أتسبب لها بألم كبير، كمن يضع سكيناً في قلبها وأنني أدير ظهري لكل ما علمتني إياه وللحليب الذي أرضعتنيه. وبعد أسبوعين من محاورتنا هذه، جاء والدي إلى الولايات المتحدة بهدف إقناعي، ولكنه لم يكن يعلم أنني كنت قد أصبحتُ مسلمة بالفعل. وبعد جدال طويل قررتُ أن ألتزم الهدوء إلى حين تحصيل بعض المعرفة والخبرة بالإِسلام لأحاول تبيان الحقيقة لهم، كان ذلك وقتاً عصيباً عليّ. لم أتمكن من الصلاة إلّا خفية، وقد أخذني والدي إلى الكنيسة لأتكلم مع الكاهن.. سبحان الله، هم لم يتمكنوا من الإجابة على أي من أسئلتي، وكانوا يقولون لي أنني لست بحاجة لفهم أي شيء «عليك أن تؤمني فحسب». حتى أن والدي نقلني إلى ولاية أخرى كي أبتعد عن أصدقائي المسلمين. وقد خطر لي أكثر من مرة أن أستسلم وأتوقف عن التسبب بالألم لوالداي، وأن أفعل ما يتوقعانه مني، ولكنني تذكرتُ عندئذٍ حياة النبي محمد (ص) وأصحابه، فبعد تذكّر كل الآلام والإهانات التي تعرضوا لها ليظلوا أحياء وينقلوا لنا الإِسلام، رأيت أن مشاكلي لا أهمية لها، وحمدتُ الله على نجاتي.

* * *

بعد عودتي إلى كنتيكت، في آذار (مارس) 2003م، تزوجتُ بأحد أصدقائي المسلمين. الأخ هشام من المغرب، وقد منحني زوجي الإرشاد والمعرفة حول الإِسلام، وقد أراني طرقاً مختلفة لعبادة الله (سبحانه وتعالى) ، كنا نصلّي ونذكر الله سويةً ونقرأ الأحاديث المختلفة والقرآن الكريم. ويوماً بعد يوم، كبر إيماني كزهرة جميلة وملأ كل كياني، وأدركتُ كم خسرت من حياتي قبل أن أتعرف على هذا الشعور بالسعادة. لقد أصبحت إنسانة هادئة وأكثر صبراً، وفي كل دقيقة أتفكر في خلق الله. ومع أن الوضع مع والديّ ازداد سوءاً، إلا أنني تمكنت من العثور على السلام والطمأنينة في الإِسلام، وكنت أدعو الله (سبحانه وتعالى) أن يفهما يوماً ما قراري ويتقبلانه.

٢١١

ومرَّت الأيام وسعدتُ لكوني صرتُ مسلمة، وبدأت أتذوق الحياة الجديدة، أصبح وجهي مضيئاً بابتسامة دائمة. وكل ما حولي بدا جميلاً. في هذه الفترة التقيتُ بالعديد من المسلمين الذين قدّموا لي النَّصح وبيّنوا حقيقة الإِسلام في كل مظهر من مظاهر الحياة، خصوصاً الأخوات اللواتي فتحن لي أبوابهن وقلوبهن، حتى عندما كنت ألتقيهنّ لأول مرة، أشعر كأنني أعرفهنّ منذ أجيال وأنني أنتمي إليهنّ. هذا جمال الإِسلام، ما شاء الله، وأنا أدعو الله أن يتمكن الجميع من التعرف على هذا الشعور.

* * *

وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2004م وهبني الله (سبحانه وتعالى) هدية رائعة، طفلاً أسميته محمد كريم. وقد فتحت معجزة الحياة هذه الباب نحو علاقة أفضل مع والديّ. فقد أدركا والحمد لله أنني سعيدة وأن لديَّ زوجاً صالحاً وأنني أستمتع بالحياة بطريقتي الخاصة. وأن أحداً لا يدفعني لاتخاذ أي قرار. لقد حطمنا الجليد وبدأنا نتحدث بصدق حول المشاعر والتغيّرات في الحياة. وعلمت كم من الصعب أن يقبل والداي حياتي الجديدة. لقد شعرا بأنهما قد فقداني وأن عليهما أن يكتشفاني من جديد. بالنسبة لهما، كان كل شيء عربياً أو إسلامياً، لباس ابنتهما واسم حفيدهما، إنني أبذل جهدي لأُظهِر لهما أنني لا زلت ابنتهما الصغيرة وأنني أحبهما، وإذا تغيرت، فإنني قد تغيّرت لأصبح امرأة أفضل. إنني أتحدث إليهما كثيراً وأرسل لهما صوراً. حتى تلك التي لم يحبانها كثيراً وهي التي أرتدي فيها الحجاب. كي يكونا جزءاً من حياتنا ولاطلاعهما على كل شيء.

لقد تقبّلاني وعائلتي - والحمد لله - كمسلمين، رغم أنهما في باطن قلبيهما لا يزالان يدعوان الله أن أعود إلى طريقي القديم.

بحمد الله، اختار لي الله (سبحانه وتعالى) أن أكون مسلمة، وأنا سعيدة بكل القرارات التي اتخذتها ولن أعود عنها أبداً، أدعو الله أن يعصمني من الضلال وأن يمنحني القوة في سبيله.

أحاول في كل يوم أن أكون أمة صالحة لله (سبحانه وتعالى) وأن أقوّي إيماني. إنني أعبده وأتبع سُنَّة النبي محمد (ص) مؤخراً بدأت تعلم قراءة القرآن بالعربية. وكما كل إنسان لي حسناتي وسيئاتي، أقارع وسوسة الشيطان وضعف نفسي. هذا هو جهادي الذي يساعدني على تحسين نفسي ويذكِّرني بالمكان الذي أتيتُ منه وإلى أين سينتهي أمري.

٢١٢

الأمريكية المسلمة:

طاهرة كونانت (جنيفر) سابقاً

تقول:

· أحسست كأنني وجدت شيئاً ما يربطني بعالم المسلمين، حيث كنت أبحث عن معنى لهذه الحياة وقد وجدته في الإسلام.

· لا أستطيع أن أغض الطرف عن واقعنا نحن المسلمين.. إنني أرى مسافة بين الإسلام والكثير ممّن ينتسبون إليه.

إلتقينا بها في بيت متواضع في ضاحية بيروت، رحّبت بنا، واستقبلتنا في غرفة تنتشر في زواياها بعض الكتب والأوراق المتناثرة. توحي للمتأمل كما لو أن صاحبها مغرم بالبحث عن الحقيقة. مباشرة بادرنا بسؤالها عن بداية إسلامها ووضعها الاجتماعي والعائلي آنذاك، وعن تنقلاتها المتعدّدة في البلدان إلى أن اختارت لبنان محطة أخرى من محطاتها الاستكشافية. فأجابتنا بسرور قائلة:

كنت أقطن منطقة أوهايو، في الولايات المتحدة الأمريكية، في حضن عائلة لم تكن تعتنق أي دين أو مذهب، فوالداي لا ينتسبان إلى المسيحية أو غيرها من الطوائف أو الأديان الأخرى. بل كانا، إن صحت العبارة، على مذهب يدين بقيم إنسانية عامة، وعلى هذه القيم ربّتني عائلتي وعلّمتني الكثير من الأخلاق الفطرية.

لقد كانا صادقين في زواجهما، ويعملان بجد ومسؤولية لتأمين حياة كريمة لنا، فكانت تربيتنا تنبع من هذه الروح، والمسؤولية العائلية التي تعني أن يكون لكل فرد في الأُسرة دوراً في الحياة، وسيرة حسنة تجاه الآخرين، ولعل هذا الأسلوب في طريقة الحياة جعلنا غير ملتفتين إلى معنى الدين في سلوكنا. لهذا لم أنشأ مسيحية أو يهودية، ولم أكن معتنقة لأي دين آخر. وظاهرة اللاتدين ظاهرة مألوفة في أمريكا، فالكثير من الأمريكيين أيضاً يعيشون هذا السلوك من القيم الانسانية العامة، وأعتقد أن جدي كان خلاسياً، ومن هنا ربما اعتنق والدي هذه المبادئ. وقد بدأت تساؤلاتي الدينية عندما ذهبت مرة مع أصدقائي إلى الكنيسة، وكان ذلك بداعي الفضول، لكن تولّد لدي آنذاك شعور بالكثير من الأسئلة التي لم أجد لها جواباً مقنعاً لديهم، خصوصاً عندما تساءلت عن نبوة المسيح، ومسألة التجسّد والثالوث، فلم أدرك معنى كيف يحل إله مطلق في كائن محدود؟

٢١٣

حدثينا عن مراحل حياتك العلمية:

تلقيت دروسي الإبتدائية في المدرسة ثم الثانوية والجامعية، وكأية فتاة ناشئة كنت مثابرة وحريصة على قطع هذه المراحل كواجب عائلي واجتماعي لأحتلّ موقعاً في المجتمع. بعد أن أنهيت دراستي الجامعية، ألزمتني الجامعة بدروس تتعلق بالديانات ومقدمات في اللاهوت، وكانت هذه أول مرة أطل منها على تاريخ الأديان العامة، وقبل هذه الفترة كان جزء كبير من حياتي بعيداً عن الاهتمام بهذه العلوم، لكن رغم ذلك لم تدفعني هذه العلوم للبحث عن حقيقتها، ولعل ذلك لكونها نظرية بحتة ويغلب عليها الطابع الأكاديمي الباهت.

إذن، ما هي العوامل والظروف التي دفعتك لاعتناق الإسلام؟

في الواقع، كان لدي شعور منذ طفولتي بالميل إلى الوحدة والتأمل في ظواهر كونية لا أفهمها، وقد استيقظ هذا الشعور من جديد في مرحلة الشباب على شكل أسئلة واعية، فقد كنت أنظر إلى الأشياء وأستنتج أنها تأتي من بعضها بعضاً، وأن لها تناغم خاص، ينبع من سر واحد، ومصدرها يختلف عنها تماماً، لكن جهلنا بها يجعلنا ننظر إليها وكأنها صدفة آتية من فراغ ولا معنى لها، لذلك نهمل البحث فيها، وننغمس في حياتنا العبثية دون هدى. وأحياناً كنت أتساءل: ماذا لو كنّا في حلم كبير ثم نستيقظ لاحقاً على حقيقة ما، لكن بعد فوات الأوان؟! وهذا وما وجدته بعد ذلك في الأحاديث النبوية الشريفة التي تتحدث عن يوم فاصل يقف فيه الخلق أمام إله واحد له الحجة البالغة عليهم!

إن هذه الأسئلة المقلقة جاءت في سياق مشكلة خاصة عشت أحداثها في مدينتي، كانت قد حصلت بين صاحب مزرعة أمريكي سعى لوضع العقبات أمام جالية مسلمة أرادت أن تبني مسجداً لأتباعها سنة 2891 - 3891، وعلمت أن صاحب المزرعة يفتري على المسلمين بتدمير أملاكه الخاصة ليتهمهم فيما بعد بذلك. ولما تيقنت من فعلته اتصلت بالمحامي وشهدت ضده، وقدّمت له الأدلة، عند ذلك سألني المحامي قائلاً: هل أنت مسلمة فقلت: لا، فردَّ قائلاً: فما الذي يدفعك إلى تحمّل هذه المسؤولية؟ قلت: لم أقصد أن أفتعل معه مشكلة، لكنني أريد الحقيقة فقط! ثم انصرفت. وهكذا نال أفراد هذه الجالية المسلمة حقوقهم بفضل تضافر جهود بعض الأشخاص الطيبين.

٢١٤

وقد دعاني المسلمون لاحقاً لزيارتهم لتقديم امتنانهم وشكرهم لي. وعندما لبّيت الدعوة ودخلت إلى أحد بيوتهم لفت انتباهي شكل ملبسهم الغريب عمَّا اعتدت عليه، وسلوكهم الأخلاقي المختلف، من خلال طريقة استضافتهم ورغبتهم في إكرام الضيف، واحترام الصغير للكبير.

أذكر أنَّ أحدهم توجّه إليّ بالحديث قائلاً: لقد فعلت الكثير من أجلنا، فماذا يمكننا أن نفعل من أجلك؟ أجبته: أنا لم أفعل شيئاً، لكن هذا ما أملاه عليّ ضميري. ثم شعرت بأن الكلمات تتعثر في فمي، ولكنني اعتبرت ذلك تذكيراً لي، ولعلها الفطرة بداخلي، وأحسست وكأني وجدت شيئاً ما يربطني بعالم المسلمين حيث كنت أبحث عن معنى ما لهذه الحياة. وكنت متأكدة أنها موجودة في مكان ما، ثم استدركت قائلة: أريد أن أتعرف عليكم أكثر.

وفي اليوم التالي زاروني وقدّموا لي سجادة وكتاب تفسير للقرآن الكريم، فطالعته بشغف، وتأملت في معانيه لمدة شهرين ونصف، وفتحت بعض الكتب للبحث والدراسة والمقارنة، وكلي أمل أن أهتدي إلى الطريق القويم. كان اعتناقي للإسلام في مركز للمسلمين يوم الجمعة حين يجتمع المسلمون للصلاة ونطقت بالشهادتين أمامهم، أذكر في تلك اللحظات كيف انهمرت دموعي ولم أكن أدري لماذا؟ يا لها من هدية!

كيف كان رد فعل الوسط العائلي والاجتماعي تجاه اختيارك الإسلام؟

بعد اعتناقي الإسلام تغيّرت أخلاقي وسلوكي بشكل كامل. حيث قرّرت أن لا أصادق إلا المؤمنين، وأبتعد قدر الإمكان عن أهل الدنيا والعبث، عملاً بقول النبي (ص) في التنبيه على اختيار الصديق وكيف نخالط الناس، فمن خالط قوماً أربعين يوماً صارَ مثلهم.

٢١٥

وهكذا بدأت الهوة تتسع بيني وبين غير المسلمين، وتغيّر ملبسي وطريقة أكلي وأوقاتي بين الليل والنهار؛ فلم أعد ألبس الثياب للافتخار بل للستر، واقتصدت في الأكل والمعيشة لأتخلص من عادة التبذير، كما أن السهر ليلاً أقضيه في العبادة أو المطالعة، وقد كان هذا نوعاً من التطهير لما علق في نفسي من حب للدنيا وملذاتها الفانية. آنذاك كنت أعيش منفردة تفصلني عن أهلي مسافة 2000 كلم حيث يسكنون في ولاية أخرى. وكنت أفضِّل أن أخبرهم مباشرة بإسلامي عندما زرتهم هناك، لكن صديقتي بادرت بإعلامهم، وقد لاحظت الوجوم بادياً على وجوههم. فبادرت قائلة: ما الفرق بين تربيتنا وبين قيم هذا الدين، فأنا الآن أكمّل هذه القيم بالقرب من الله تعالى؟! وفهمت من جوابهم أنهم لم يقبلوا هذا التحوّل المفاجئ واعتبروا ذلك إساءة لهم! لذا ساءت العلاقة بيني وبين أهلي وانقطعت لعدّة سنوات، وأثناءها توفى والدي وحضرتُ جنازته، ثم توفيت والدتي دون أن تخبرني بأنها حرمتني من الميراث، وكان ذلك صدمة لي، وقد خفّف من غمي صديق مسلم عندما ذكّرني بأن ذلك كان امتحاناً لي من الله الذي هو الوارث الحقيقي لكل شيء.

كيف تفهمين دعوة الآخرين إلى الإسلام، وما هي الطرق المناسبة لإقناعهم بتعاليمه؟

عندما ارتديت الحجاب الشرعي (كان ذلك منذ 15 سنة) وتوثقت صلتي بمبادئه وتعاليمه شعرت بأني مسؤولة عمّن يجهلونه وهم يعيشون حولي في المجتمع، وقد بادرت بدعوة الكثير منهم، لكن الأسلوب الأنجع الذي استخلصته هو أن أدعو غير المسلمين إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة كما تشير إلى ذلك الآيات الشريفة، بمعنى أن نتحدث إليهم ونحاورهم ونشرح لهم شعائر الدين بشكل يرفع عنها الالتباس والغموض ويزيل الشبهات، ولا يتيسّر لنا ذلك إلا بأسلوب مدروس يعتمد على الترغيب والنصيحة والصبر على أذى من لا يريد الإنصياع لنداء الفطرة، ولعل هذا المنهج في الدعوة كان يميّز سلوك الأنبياء (عليهم السلام).

٢١٦

ما هي وجهة نظرك في من يقول إن الإسلام انتشر بالقوة وليس بالحكمة؟

حسب تتبعي لتاريخ الأديان، أعتقد أن الإسلام انتشر في جل البلاد التي دخلها عن طريق سلوك أتباعه وسيرتهم الحسنة تجاه تلك الشعوب، لأنه دين فطرة ونداء يلامس الروح، وأظن أن السيف كان هامشياً في معظم الفتوحات. وإن كان في بعض الأحيان ضرورياً للدفاع عن المسلمين في مواجهة من يصدّون عن سبيل الله، لذلك كانت القوة عبارة عن أسلوب دفاعي وحرب الإسلام حرب دفاعية، ولم يحدث أن كان الإسلام بادئاً بالحرب، ونحن في دعوتنا اليوم لسنا بحاجة مطلقاً إلى العنف، بل علينا أن نرفع الحجاب عن قلوب الناس، ونفتح بصيرتهم على سماحة الإسلام وسهولته بالسيرة الحسنة والخُلُق المتسامح.

واستدركت قائلة: أريد أن أضيف نقطة تتعلق بدعوة المسلمين أيضاً للإرتباط بالإسلام كمنهج حياة وسلوك فردي وجماعي، وليس كهوية طائفية يولدون عليها مقتدين بآبائهم في الإنتماء الشكلي! وأنا من جهتي أضع نفسي بين كل المسلمين للدعوة إلى تعلّم الإسلام. لقد سبق أن دعوت ابني، ووافقني على كثير من الأفكار لكنه مع الأسف لم يسلم. ونجحت في إقناع شابة أمريكية فأسلمت، ورجل يعمل محامياً كان يبحث عن طريقة حياة تعطي للحياة معنى أخلاقياً، فاجتهدت لأشرح له مبادئ الإسلام الأخلاقية ونظرته إلى الحياة الأخرى وأن الدنيا محطة عبور إليها، وبعد شهرين من الحوار والمقارنة اعتنق الإسلام هو وابنته، وقال لي: إن هذا ما كنت أبحث عنه!

كيف تقيّمين واقع المسلمين اليوم وعلاقتهم بالإسلام؟

في هذه النقطة بالذات لا أستطيع أن أكون متسامحة وأغض الطرف عن واقعنا نحن المسلمين، إنني أرى المسافة بعيدة بين الإسلام والكثير ممّن ينتسبون إليه ولعل الأحاديث النبوية الشريفة حذّرت من هذه النتيجة التي وصل إليها المسلمون، وأملي في الذين ما زالوا على هذا الطريق النبوي الخالص، وهم يذكّروني يومياً بالله ولا يمكنني مبادلتهم بجبل من ذهب. أقول لإخواني المسلمين: كونوا من المحبين لله ورسوله وأهل بيته الطاهرين، وتذكروا القبور ففي الموت ذكرى لمن كان له قلب سليم.

٢١٧

ما هي أهم صفة تحبينها في رسول الله (ص)؟

برقت من عينيها دموع الشوق وقالت: خُلُقه العظيم. لقد كان وما زال الأسوة الحسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر، لقد ترك لنا أعظم هدية وهي القرآن وأهل بيته (عليهم السلام) وهذا الدين ليغيّر ما فينا من شرور ويبعث في أنفسنا الخير والسعادة.

٢١٨

هدايتي إلى الحق... حكاية اعتناق

لينيت ويهنر الإسلام

كيف وجدت مدرّسة أمريكية كاثوليكية، غير راضية عن مسارها الروحي، الطريق القويم من خلال عملها الجديد كمدرّسة في مدرسة إسلامية؟

ها هي لينيت ويهنر تروي بنفسها لقراء المجلة الكرام قصّة تحوّلها إلى دين الإسلام العظيم، معبّرة عن مدى السعادة التي تغمرها، بعدما أصبحت أكثر قرباً من الله تعالى ودينه المنقذ للبشرية.

يمكنني وصف رد فعل عائلتي المسيحية على عملي الجديد في المدرسة الإسلامية بأنه اتسم بالحماسة المتحفظة. فقد قال لي والد زوجي عندما علم بالأمر «تأكدي فحسب أنك لن تعتنقي الإسلام».

أما والدة زوجي فقد بدت متحيرة من أنني سأكون بجانب شيء «يتسم بالغرابة». وقد كنت أنا أيضاً محتارة وتساءلت هل أريد فعلاً العمل في تلك المدرسة. فمع أنني سأكون في صفي الخاص (وهو أمر رغبت فيه جداً) إلا أنني لن أعمل بدوام كامل، وسيكون عليّ أن أرتدي زياً إسلامياً (بل وحتى أن أغطي شعري). لقد كان هذا المفهوم غريباً جداً بالنسبة إليّ. وقد فكرت في الأمر لمدة يوم أو يومين إلى أن قررت أن أنطلق في مهمة التدريس الأولى لي في هذه المدرسة. كنت منفتحة ومصمّمة على أن هذه ستكون تجربة تثقيفية لي، ولا ريب أنها كانت كذلك.

في اليوم الأول، أُعطيت المدرسات الجديدات «غير المسلمات» درساً حول «الحجاب» من قِبَل إحدى الأخوات في غرفة المدرسين. وكنا نضحك فيما أخذنا نجرب أساليب مختلفة لارتدائه. ولا زلت أذكر أنني كنت سعيدة إلى حد بعيد، وخلال هذا الحدث أدركت أنني طالما اعتقدت خطأ أن المسلمين متجهمين وصارمين. إنه لمن الغرابة بمكان كيف أن أحدنا يحتفظ بصور نمطية عن أشخاص من دون أن يعرفهم. وبهذا غيّرت أحد المفاهيم الخاطئة في ذهني.

خلال عامي التدريسي الأول تعلمت أموراً عديدة. لقد تأثرت كثيراً بطريقة معرفة طلابي الواسعة بديني (المسيحية) أكثر مما كنت أعرفه. كيف كانوا يعرفون كل تلك القصص؟ لقد كان طلابي يسألونني دائماً عن معتقداتي، ودفعوني للتفكير. بماذا كنت أؤمن؟

٢١٩

لقد نشأت كاثوليكية، وعندما أصبحت راشدة بدأت أحيد عن ذلك السبيل. لم أكن أعرف ما الذي كان يجعلني أشعر بعدم الراحة، بَيْدَ أنني طالما شعرت بأن أمراً ما لم يكن صائباً. لقد غامرت في الخوض في مسيحية العصر الجديد، إلا أن شيئاً فيها لم يتناسب معي أيضاً. كنت أدرك أنني أريد أن أكون مرتبطة بالله لم أرد أن يصبح ديني شيئاً يشعرني بأنني مضطرة للقيام به كي أكون في نظر أقاربي «إنسانة صالحة» (كما كان حال زوجي). أردت أن أشعر بذلك في قلبي. وعندما أغوص في أحاسيسي في تلك الفترة أشعر أنني كنت تائهة ولكني لم أعرف ذلك حينئذٍ.

الأولاد يظلون أولاداً، وتلامذتي المسلمون لم يكونوا استثناءاً، لقد نسوا كتبهم في الصف بدل أخذها معهم إلى المنزل. وقد كانت هذه نعمة مخفية حيث أنني اغتنمت الفرص بقراءة هذه الكتب بعد انتهاء الحصة، وقد بدا الكثير مما ورد فيها معقولاً. وقد أسهم في مسير هدايتي في هذا الاتجاه أن أحد الأخوة وإحدى الأخوات كانا مسرورين بالإجابة عن أسئلتي الكثيرة. وقد تحاورنا حول الإسلام والدين طوال ساعات. وكان الأمر محفزاً نفسيا وفكرياً إلى حد بعيد. وقد كنت متحمسة كثيراً حيال ذلك. لقد شعرت بأنني قد عثرت على ما كنت أبحث عنه، وقد أخذ السلام يغمر قلبي شيئاً فشيئاً. في تلك الفترة بدأت بقراءة القرآن في المنزل. ولم يكن زوجي حينها معجباً باهتمامي بالإسلام ومنذ ذلك الحين طُلِّقت منه. وعندما كنت أقرأ القرآن كنت أفعل ذلك في مكان منعزل ومن دون معرفته. في البداية شعرت بأنني أقوم بشيء من الهرطقة. وأذكر أنني كنت خائفة للغاية من أن الله... سيكون مستاءاً مني.

كيف يمكن لأي كتاب آخر غير الكتاب المقدس أن يكون من عند الله...؟ حاولت الإصغاء إلى قلبي، كان يهمس لي أن أقرأ. وقد بدت بعض المقاطع في القرآن كما لو كانت كُتِبَت من أجلي خاصة. وألفيت نفسي أجلس وأبكي لمرات عديدة. وفجأة شعرت بسلام داخلي، إلا أنني ظللت محتارة. كان هناك شيء ما يحجزني عن قبول الأمر بشكل كامل.

٢٢٠