وهدوا إلى صراط الحميد

وهدوا إلى صراط الحميد17%

وهدوا إلى صراط الحميد مؤلف:
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 331

وهدوا إلى صراط الحميد
  • البداية
  • السابق
  • 331 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75563 / تحميل: 6373
الحجم الحجم الحجم
وهدوا إلى صراط الحميد

وهدوا إلى صراط الحميد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

2 - حواره مع أصحاب الأديان

قال الحسن بن محمد النوفليّ: لمّا قدم علي بن موسى الرضاعليه‌السلام إلى المأمون أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق ورأس الجالوت ورؤساء الصابئين والهربذ الأكبر، وأصحاب زردهشت وقسطاس الرّومي والمتكلّمين ليسمع كلامه وكلامهم فجمعهم الفضل بن سهل، ثم أعلم المأمون باجتماعهم، فقال: أدخلهم عليّ، ففعل، فرحّب بهم المأمون.

ثم قال لهم: إني إنّما جمعتكم لخير، وأحببت أن تناظروا ابن عمّي هذا المدنيّ القادم عليّ، فإذا كان بكرة فاغدوا عليَّ ولا يتخلّف منكم أحد، فقالوا: السمع والطاعة يا أمير المؤمنين نحن مبكّرون إن شاء الله.

قال الحسن بن محمد النوفلي: فبينا نحن في حديث لنا عند أبي الحسن الرضاعليه‌السلام إذ دخل علينا ياسر الخادم وكان يتولّى أمر أبي الحسنعليه‌السلام فقال: يا سيدي إنّ أمير المؤمنين يقرئك السلام فيقول: فداك أخوك إنه اجتمع إليّ أصحاب المقالات وأهل الأديان والمتكلّمون من جميع الملل، فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم وإن كرهت كلامهم فلا تتجشّم وإن أحببت أن نصير إليك خفّ ذلك علينا.

فقال أبو الحسنعليه‌السلام : أبلغه السلام وقل له: قد علمت ما أردت وأنا صائر إليك

١٨١

بكرة إن شاء الله. قال الحسن بن محمّد النوفلي: فلمّا مضى ياسر التفت إلينا، ثم قال لي: يا نوفليّ أنت عراقي ورقّة العراقي غير غليظ فما عندك في جمع ابن عمّك علينا أهل الشرك وأصحاب المقالات؟ فقلت: جعلت فداك يريد الامتحان ويحبّ أن يعرف ما عندك، ولقد بنى على أساس غير وثيق البنيان وبئس - والله - ما بنى.

فقال لي: وما بناؤه في هذا الباب؟ قلت: إن أصحاب البدع والكلام خلاف العلماء وذلك أنّ العالم لا ينكر غير المنكر وأصحاب المقالات والمتكلّمون وأهل الشرك أصحاب إنكار ومباهتة، وإن احتججت عليهم بأن الله واحد قالوا: صحّح وحدانيّته وإن قلت: إن محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول الله قالوا: أثبت رسالته، ثم يباهتون الرجل وهو يبطل عليهم بحجّته، ويغالطونه حتى يترك قوله فاحذرهم جعلت فداك.

قال: فتبسّمعليه‌السلام ثم قال: يا نوفلي أتخاف أن يقطعوا عليّ حجّتي؟

قلت: لا والله ما خفت عليك قطّ وإنّي لأرجو أن يظفرك الله لهم إن شاء الله.

فقال لي: يا نوفلي تحبّ أن تعلم متى يندم المأمون؟ قلت: نعم.

قال: إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم، وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم، وعلى أهل الزّبور بزبورهم وعلى الصابئين بعبرانيتهم وعلى الهرابذة بفارسيتهم وعلى أهل الرّوم بروميتهم وعلى أصحاب المقالات بلغاتهم فإذا قطعت كلّ صنف ودحضت حجّته وترك مقالته ورجع إلي قولي علم المأمون أنّ الموضع الذي هو بسبيله ليس هو بمستحق له فعند ذلك تكون الندامة منه، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.

فلمّا أصبحنا أتانا الفضل بن سهل فقال له: جعلت فداك ابن عمّك ينتظرك، وقد اجتمع القوم فما رأيك في إتيانه؟

فقال الرضاعليه‌السلام : تقدمني فإنّي صائر إلى ناحيتكم إن شاء الله، ثم، توضأعليه‌السلام

١٨٢

وضوء الصلاة وشرب شربة سويق وسقانا منه، ثمّ خرج وخرجنا معه حتى دخلنا على المأمون، فإذا المجلس غاص بأهله ومحمّد بن جعفر في جماعة الطالبيين والهاشميين والقوّاد حضور.

فلما دخل الرضاعليه‌السلام قام المأمون وقام محمد بن جعفر وقام جميع بني هاشم فما زالوا وقوفاً والرضاعليه‌السلام جالس مع المأمون حتى أمرهم بالجلوس فجلسوا، فلم يزل المأمون مقبلاً عليه يحدّثه ساعة، ثم التفت إلى الجاثليق، فقال: يا جاثليق هذا ابن عمّي علي بن موسى بن جعفر، وهو من ولد فاطمة بنت نبينا وابن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام فأحب أن تكلّمه وتحاجّه وتنصفه.

فقال الجاثليق: يا أمير المؤمنين كيف أحاج رجلاً يحتجّ عليّ بكتاب أنا منكره ونبيّ لا أؤمن به؟

فقال له الإمام الرضاعليه‌السلام : يا نصرانيّ فإن احتججت عليك بإنجيلك أتقرّ به؟!

قال الجاثليق: وهل أقدر على دفع ما نطق به الإنجيل، نعم والله أقرّ به على رغم أنفي.

فقال له الرضاعليه‌السلام : سل عمّا بدا لك وافهم الجواب.

قال الجاثليق: ما تقول في نبوّة عيسىعليه‌السلام وكتابه هل تنكر منهما شيئاً؟

قال الرضاعليه‌السلام : أنا مقرّ بنبوّة عيسى وكتابه وما بشّر به أمته وأقرّ به الحواريون وكافر بنبوّة كل عيسي لم يقرَّ بنبوة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبكتابه ولم يبشّر به أمته.

قال الجاثليق: أليس إنّما تقطع الأحكام بشاهدي عدل؟

قال: بلى.

قال: فأقم شاهدين من غير أهل ملتك على نبوّة محمد ممّن لا تنكره النصرانية وسلنا مثل ذلك من غير أهل ملّتنا.

قال الرضاعليه‌السلام : الآن جئت بالنصفة يا نصراني، ألا تقبل منّي العدل المقدّم عند

١٨٣

المسيح عيسى بن مريم؟

قال الجاثليق: ومن هذا العدل؟ سمه لي؟

قال: ما تقول في يوحنا الدّيلمي.

قال: بخ بخ ذكرت أحبّ الناس إلى المسيح.

قال: فأقسمت عليك هل نطق الإنجيل أنّ يوحنا قال إن المسيح أخبرني بدين محمد العربي وبشّرني به إنه يكون من بعده، فبشّرت به الحواريين فآمنوا به؟!

قال الجاثليق: قد ذكر ذلك يوحنا عن المسيح وبشّر بنبوّة رجل وبأهل بيته ووصيّه ولم يلخّص متى يكون ذلك ولم يسمّ لنا القوم فنعرفهم.

قال الرضاعليه‌السلام : فإن جئناك بمن يقرأ الإنجيل فتلا عليك ذكر محمّد وأهل بيته وأمته أتؤمن به؟

قال: شديداً.

قال الرضاعليه‌السلام لقسطاس الرومي: كيف حفظك للسفر الثالث من الإنجيل؟

قال: ما أحفظني له.

ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال له: ألست تقرأ الإنجيل؟!

قال: بلى لعمري.

قال: فخذ على السفر الثالث، فإن كان فيه ذكر محمّد وأهل بيته وأمته سلام الله عليهم فاشهدوا لي، وإن لم يكن فيه ذكره فلا تشهدوا لي.

ثم قرأعليه‌السلام السّفر الثالث حتى إذا بلغ ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقف، ثم قال: يا نصراني، إني أسألك بحق المسيح وأمه أتعلم أني عالم بالإنجيل؟ قال: نعم، ثم تلا علينا ذكر محمّد وأهل بيته وأمته ثم قال: ما تقول يا نصرانيّ؟ هذا قول عيسى بن مريم فإن كذبت ما ينطق به الإنجيل فقد كذبت عيسى وموسىعليهما‌السلام ومتى أنكرت هذا الذّكر وجب عليك القتل لأنّك تكون قد كفرت بربّك وبنبيّك وبكتابك.

١٨٤

قال الجاثليق: لا أنكر ما قد بان لي في الإنجيل وإنّي لمقرّ به.

قال الرضاعليه‌السلام : اشهدوا على إقراره. ثم قال: يا جاثليق، سل عمّا بدا لك.

قال الجاثليق: أخبرني عن حواري عيسى بن مريم كم كان عدّتهم، وعن علماء الإنجيل كم كانوا.

قال الرضاعليه‌السلام : على الخبير سقطت، أمّا الحواريون فكانوا اثنى عشر رجلاً وكان أفضلهم وأعلمهم لوقا.

وأما علماء النصارى فكانوا ثلاثة رجال: يوحنّا الأكبر بأج، ويوحنّا بقرقيسيا، ويوحنّا الدّيلمي بزجان، وعنده كان ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر أهل بيته وأُمته وهو الذي بشر أُمة عيسى وبني إسرائيل به، ثم قالعليه‌السلام : يا نصراني، والله إنّا لنؤمن بعيسى الذي آمن بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما ننقم على عيساكم شيئاً إلاّ ضعفه وقلّة صيامه وصلاته.

قال الجاثليق: أفسدت والله علمك وضعّفت أمرك، وما كنت ظننت إلاّ أنّك أعلم أهل الإسلام.

قال الرضاعليه‌السلام : وكيف ذلك؟

قال الجاثليق: من قولك: إنّ عيساكم كان ضعيفاً قليل الصيام قليل الصلاة، وما أفطر عيسى يوماً قطّ، ولا نام بليل قطّ، ومازال صائم الدّهر، قائم الليل.

قال الرضاعليه‌السلام : فلمن كان يصوم ويصلي؟

قال: فخرس الجاثليق وانقطع.

قال الرضاعليه‌السلام : يا نصراني! إني أسألك عن مسألة.

قال: سل فإن كان عندي علمها أجبتك.

قال الرضاعليه‌السلام : ما أنكرت أنّ عيسى كان يحيي الموتى بإذن الله عَزَّ وجَلَّ؟

قال الجاثليق: أنكرت ذلك من قبل، إنّ من أحيا الموتى وأبرأ الأكمه

١٨٥

والأبرص فهو ربّ مستحق لأن يعبد.

قال الرضاعليه‌السلام : فإنّ اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسى مشى على الماء وأحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص، فلم يتّخذه أُمته رباً ولم يعبده أحد من دون الله عَزَّ وجَلَّ، ولقد صنع حزقيل النبيعليه‌السلام مثل ما صنع عيسى بن مريمعليه‌السلام فأحيا خمسة وثلاثين ألف رجل من بعد موتهم بستّين سنة.

ثم التفت إلى رأس الجالوت فقال له: يا رأس الجالوت، أتجد هؤلاء في شباب بني إسرائيل في التوراة أختارهم بخت نصر من سبي بني إسرائيل حين غزا بيت المقدّس ثم انصرف بهم إلى بابل فأرسله الله عَزَّ وجَلَّ إليهم فأحياهم، هذا في التوراة لا يدفعه إلاّ كافر منكم.

قال رأس الجالوت: قد سمعنا به وعرفناه.

قال: صدقت. ثم قالعليه‌السلام : يا يهوديّ، خذ على هذا السفر من التوراة فتلاعليه‌السلام علينا من التوراة آيات، فأقبل يهودي يترجّح لقراءته ويتعجّب.

ثم أقبل على النصراني فقال: يا نصراني أفهؤلاء كانوا قبل عيسى أم عيسى كان قبلهم؟

قال: بل كانوا قبله.

قال الرضاعليه‌السلام : لقد اجتمعت قريش إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فسألوه أن يحيي لهم موتاهم فوجّه معهم علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال له: اذهب إلى الجبانة فناد بأسماء هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك، يا فلان و يا فلان و يا فلان، يقول لكم محمد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قوموا بإذن الله عَزَّ وجَلَّ، فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم.

ثم أخبروهم أنّ محمّداً قد بعث نبيّاً، وقالوا: وددنا أنا أدركناه فنؤمن به ولقد ابرأ الأكمه والأبرص والمجانين وكلّمه البهائم، والطير والجن والشياطين ولم نتخذه ربّاً من دون

١٨٦

الله عَزَّ وجَلَّ ولم ننكر لأحد من هؤلاء فضلهم، فمتى اتّخذتم عيسى رباً جاء لكم أن تتخذوا اليسع وحزقيل ربّاً لأنهما قد صنعا مثل ما صنع عيسى من إحياء الموتى وغيره، أنّ قوماً من بني إسرائيل هربوا من بلادهم من الطاعون وهم ألوف حذر الموت.

فأماتهم الله في ساعة واحدة فعمد أهل تلك القرية فحظروا عليهم حظيرة فلم يزالوا فيها حتى نخرت عظامهم وصاروا رميماً، فمرّ بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل فتعجّب منهم ومن كثرة العظام البالية فأوحى الله إليه: أتحبّ أن أحييهم لك فتنذرهم؟ قال: نعم يا ربّ، فأوحى الله عَزَّ وجَلَّ إليه أن نادهم.

فقال: أيتها العظام البالية قومي بإذن الله عَزَّ وجَلَّ فقاموا أحياء أجمعون ينفضون التراب عن رؤوسهم ثم إبراهيمعليه‌السلام خليل الرحمن حين أخذ الطيور وقطعهنّ قطعاً ثمّ وضع على كل جبل منهنّ جزءً، ثم ناديهن فأقبلن سعياً إليه، ثم موسى بن عمران وأصحابه والسبعون الذين اختارهم صاروا معه إلى الجبل فقالوا له: إنّك قد رأيت الله سبحانه فأرناه كما رأيته.

فقال لهم: إني لم أره. فقالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا عن آخرهم وبقي موسى وحيداً، فقال: يا ربّ اخترت سبعين رجلاً من بني إسرائيل فجئت بهم وارجع وحدي فكيف يصدّقني قومي بما أخبرهم به، فلو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي أفتهلكنا بما فعل السفهاء منّا، فأحياهم الله عَزَّ وجَلَّ من بعد موتهم.

وكل شيء ذكرته لك من هذا لا تقدر على دفعه، لأنّ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان قد نطقت به، فإن كان كل من أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص والمجانين يتّخذ ربّاً من دون الله، فاتّخذ هؤلاء كلّهم أرباباً، ما تقول يا نصراني؟

قال الجاثليق: القول قولك ولا إله إلاّ الله.

ثم التفتعليه‌السلام إلى رأس الجالوت فقال: يا يهوديّ أقبل عليَّ أسألك بالعشر الآيات التي أنزلت على موسى بن عمرانعليه‌السلام ، هل تجد في التوراة مكتوباً نبأ محمّد وأُمته

١٨٧

إذا جاءت الأمة الأخيرة أتباع راكب البعير يسبّحون الربّ جداً جداً تسبيحاً جديداً في الكنائس الجدد، فليفرغ بنو إسرائيل إليهم وإلى ملكهم لتطمئنّ قلوبهم فإنّ بأيديهم سيوفاً ينتقمون بها من الأمم الكافرة في أقطار الأرض. هكذا هو في التوراة مكتوب؟!

قال رأس الجالوت: نعم إنّا لنجده كذلك.

ثم قال للجاثليق: يا نصراني كيف علمك بكتاب شعيا؟ قال: أعرفه حرفاً حرفاً.

قال الرضاعليه‌السلام لهما: أتعرفان هذا من كلامه: يا قوم إني رأيت صورة راكب الحمار لابساً جلابيب النور، ورأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوء القمر.

فقالا: قد قال ذلك شعيا.

قال الرضاعليه‌السلام : يا نصراني هل تعرف في الإنجيل قول عيسى: إني ذاهب إلى ربّي وربّكم والفار قليطا جاء هو الذي يشهد لي بالحق كما شهدت له وهو الذي يفسّر لكم كلّ شيء وهو الذي يبدي فضائح الأمم، وهو الذي يكسر عمود الكفر؟

فقال الجاثليق: ما ذكرت شيئاً ممّا في الإنجيل إلاّ ونحن مقرّون به.

فقال: أتجد هذا في الإنجيل ثابتاً يا جاثليق؟!

قال: نعم.

قال الرضاعليه‌السلام : يا جاثليق ألا تخبرني عن الإنجيل الأوّل حين افتقدتموه عند من وجدتموه ومن وضع لكم هذا الإنجيل؟

قال له ك ما افتقدنا الإنجيل إلاّ يوماً واحداً حتى وجدناه غضّاً طريّاً فأخرجه إلينا يوحنّا ومتي.

فقال له الرضاعليه‌السلام : ما أقلّ معرفتك بسرّ الإنجيل وعلمائه، فإن كان كما تزعم فلم اختلفتم في الإنجيل؟ إنّما وقع الاختلاف في هذا الإنجيل الذي في أيديكم اليوم فلو كان على العهد الأوّل لم تختلفوا فيه، ولكني مفيدك علم ذلك، اعلم أنّه لمّا افتقد الإنجيل الأوّل

١٨٨

اجتمعت النصارى إلى علمائهم فقالوا لهم: قتل عيسى بن مريمعليه‌السلام وافتقدنا الإنجيل وأنتم العلماء فما عندكم؟

فقال لهم لوقا ومرقابوس: إنّ الإنجيل في صدورنا، ونحن نخرجه إليكم سفراً سفراً في كل أحد، فلا تحزنوا عليه ولا تخلّوا الكنائس، فإنّا سنتلوه عليكم في كلّ أحد سفراً سفراً حتّى نجمعه لكم كلّه، فقعد لوقاء ومرقابوس ويوحنّا ومتي ووضعوا لهم هذا الإنجيل بعد ما افتقدتم الإنجيل الأوّل وإنّما كان هؤلاء الأربعة تلاميذ تلاميذ الأوّلين، أعلمت ذلك؟

قال الجاثليق: أما هذا فلم أعلمه وقد علمته الآن، وقد بان لي من فضل علمك بالإنجيل وسمعت أشياء ممّا علمته، شهد قلبي أنّها حقّ فاستزدت كثيراً من الفهم.

فقال له الرضاعليه‌السلام : فكيف شهادة هؤلاء عندك؟

قال: جائزة، هؤلاء علماء الإنجيل وكلّ ما شهدوا به فهو حقّ.

فقال الرضاعليه‌السلام للمأمون ومن حضره من أهل بيته ومن غيرهم: اشهدوا عليه، قالوا: قد شهدنا.

ثم قال للجاثليق: بحقّ الابن وأمه هل تعلم أنّ متي قال: إن المسيح هو ابن داود بن إبراهيم بن إسحاق بن يعقوب بن يهودا بن خضرون، وقال مرقابوس: في نسبة عيسى بن مريم: إنه كلمة الله أحلّها في جسد الآدمي فصارت إنساناً، وقال الوقا: إن عيسى بن مريم وأمه كانا إنسانين من لحم ودم فدخل فيهما روح القدس.

ثم إنّك تقول من شهادة عيسى على نفسه، حقّاً أقول لكم يا معشر الحواريين إنّه لا يصعد إلى السماء إلاّ ما نزل منها إلاّ راكب البعير خاتم الأنبياء، فإنّه يصعد إلى السماء وينزل، فما تقول في هذا القول؟

قال الجاثليق: هذا قول عيسى لا ننكره.

١٨٩

قال الرضاعليه‌السلام : فما تقول في شهادة الوقا، ومرقابوس ومتي على عيسى وما نسبوه إليه؟

قال الجاثليق: كذبوا على عيسى.

قال الرضاعليه‌السلام : يا قوم أليس قد زكّاهم وشهد أنهم علماء الإنجيل وقولهم حقّ؟

فقال الجاثليق: يا عالم المسلمين أحبّ أن تعفيني من أمر هؤلاء.

قال الرضاعليه‌السلام : فإنا قد فعلنا، سل يا نصراني، عمّا بدالك؟

قال الجاثليق: ليسألك غيري فلا وحق المسيح ما ظننت أن في علماء المسلمين مثلك.

فالتفت الرضاعليه‌السلام إلى رأس الجالوت فقال له: تسألني أو أسألك؟

قال: بل أسألك، ولست أقبل منك حجة إلاّ من التوراة أو من الإنجيل أو من زبور داود أو ممّا في صحف إبراهيم وموسى.

فقال الرضاعليه‌السلام : لا تقبل منّي حجة إلاّ بما تنطق به التوراة، على لسان موسى بن عمران، والإنجيل على لسان عيسى بن مريم، والزبور على لسان داود.

فقال رأس الجالوت: من أين تثبت نبوّة محمد؟

قال الرضاعليه‌السلام : شهد بنبوّته (صلّى الله عليه وآله) موسى بن عمران وعيسى بن مريم وداود خليفة الله عَزَّ وجَلَّ في الأرض.

فقال له: أثبت قول موسى بن عمران.

قال الرضاعليه‌السلام : هل تعلم يا يهوديّ أن موسى أوصى بني إسرائيل فقال لهم: إنّه سيأتيكم نبيّ هو من إخوتكم فيه فصدّقوا، ومنه فاسمعوا، فهل تعلم أن لبني إسرائيل إخوة غير ولد إسماعيل إن كنت تعرف قرابة إسرائيل من إسماعيل والنسب الذي بينهما من قبل إبراهيمعليه‌السلام ؟

فقال رأس الجالوت: هذا قول موسى لا ندفعه.

١٩٠

فقال له الرضاعليه‌السلام : هل جاءكم من إخوة بني إسرائيل نبي غير محمد (صلّى الله عليه وآله).

قال: لا.

قال الرضاعليه‌السلام : أوليس قد صحّ هذا عندكم؟!

قال: نعم ولكنّي أحب أن تصحّحه لي من التوراة.

فقال له الرضاعليه‌السلام : هل تنكر أن التوراة تقول لكم: جاء النور من جبل طور سيناء، وأضاء لنا من جبل ساعير واستعلن علينا من جبل فاران؟

قال رأس الجالوت: أعرف هذه الكلمات وما أعرف تفسيرها.

قال الرضاعليه‌السلام : أنا أخبرك به، أما قوله: جاء النّور من جبل طور سيناء فذلك وحي الله تبارك وتعالى الذي أنزله على موسىعليه‌السلام على جبل طور سيناء، وأما قوله: وأضاء لنا من جبل ساعير، فهو الجبل الذي أوحى الله عَزَّ وجَلَّ إلى عيسى بن مريمعليه‌السلام وهو عليه، وأما قوله: واستعلن علينا من جبل فاران، فذلك جبل من جبال مكّة بينه وبينها يوم.

وقال شعيا النبيعليه‌السلام فيما تقول أنت وأصحابك في التوراة: رأيت راكبين أضاء لهما الأرض أحدهما راكب على حمار، والآخر على جمل، فمن راكب الحمار ومن راكب الجمل؟!

قال رأس الجالوت: لا أعرفهما فخبّرني بهما.

قالعليه‌السلام : أما راكب الحمار فعيسى بن مريم، وأما راكب الجمل، فمحمد (صلّى الله عليه وآله) أتنكر؟ هذا من التوراة، قال لا، ما أنكره.

ثم قال الرضاعليه‌السلام : هل تعرف حيقوق النبي؟ قال: نعم إنّي به لعارف، قالعليه‌السلام فإنّه قال وكتابكم ينطق به: جاء الله بالبيان من جبل فاران، وامتلأت السماوات من تسبيح أحمد وأُمته، يحمل خيله في البحر كما يحمل في البرّ يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدّس - يعني بالكتاب القرآن - أتعرف هذا وتؤمن به؟

١٩١

قال رأس الجالوت: قد قال ذلك حيقوقعليه‌السلام ولا ننكر قوله.

قال الرضاعليه‌السلام : وقد قال داود في زبوره وأنت تقرأ: اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة، فهل تعرف نبياً أقام السنّة بعد الفترة غير محمد (صلّى الله عليه وآله)؟

قال رأس الجالوت: هذا قول داود نعرفه ولا ننكره، ولكن عنى بذلك عيسى، وأيّامه هي الفترة.

قال الرضاعليه‌السلام : جهلت أنّ عيسى لم يخالف السنّة وقد كان موافقاً لسنّة التوراة حتى رفعه الله إليه، وفي الإنجيل مكتوب: إن ابن البرّة ذاهب والفارقليطا جاء من بعده وهو الذي يخفّف الآصار، ويفسّر لكم كلّ شيء، ويشهد لي كما شهدت له، أنا جئتكم بالأمثال، وهو يأتيكم بالتأويل أتؤمن بهذا في الإنجيل؟

قال: نعم لا أنكره.

فقال الرضاعليه‌السلام : يا رأس الجالوت أسألك عن نبيّك موسى بن عمران؟

فقال: سل.

قال: ما الحجّة على أنّ موسى ثبتت نبوّته؟

قال اليهوديّ: إنّه جاء بما لم يجيء به أحد من الأنبياء قبله.

قال له: مثل ماذا؟

قال: مثل فلق البحر، وقلبه العصا حيّة تسعى وضربه الحجر فانفجرت منه العيون، وإخراجه يده بيضاء للناظرين وعلامات لا يقدر الخلق على مثلها.

قال له الرضاعليه‌السلام : صدقت إذا كانت حجة على نبوّته أنه جاء بما لا يقدر الخلق على مثله أفليس كلّ من ادّعى أنّه نبيّ ثم جاء بما لا يقدر الخلق على مثله وجب عليكم تصديقه؟

قال: لا؛ لأن موسى لم يكن له نظير لمكانته من ربّه، وقربه منه ولا يجب علينا الإقرار بنبوّة من ادّعاها حتى يأتي من الأعلام بمثل ما جاء به.

١٩٢

قال الرضاعليه‌السلام : فكيف أقررتم بالأنبياء الذين كانوا قبل موسىعليه‌السلام ولم يفلقوا البحر ولم يفجروا من الحجر اثنتي عشرة عيناً، ولم يخرجوا أيديهم بيضاء مثل إخراج موسى يده بيضاء ولم يقلب العصا حيّة تسعى؟!

قال له اليهودي: قد خبرتك أنه متى جاءوا على دعوى نبوّتهم من الآيات بما لا يقدر الخلق على مثله ولو جاءوا بما لم يجيء به موسى، أركان على غير ما جاء به موسى وجب تصديقهم.

قال الرضاعليه‌السلام : يا رأس الجالوت فما يمنعك من الإقرار بعيسى بن مريم، وقد كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص، ويخلق من الطين كهيئة الطير، ثم ينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله؟

قال رأس الجالوت: يقال إنّه فعل ذلك ولم نشهده.

قال له الرضاعليه‌السلام : أرأيت ما جاء به موسى من الآيات شاهدته؟! أليس إنّما جاء في الأخبار به من ثقات أصحاب موسى أنه فعل ذلك.

قال: بلى.

قال: فكذلك أتتكم الأخبار المتواترة بما فعل عيسى بن مريم فكيف صدقتم بموسى ولم تصدّقوا بعيسى.

فلم يحر جواباً.

قال الرضاعليه‌السلام : وكذلك أمر محمد (صلّى الله عليه وآله) وما جاء به وأمر كلّ نبي بعثه الله ومن آياته أنه كان يتيماً فقيراً راعياً أجيراً لم يتعلّم كتاباً ولم يختلف إلى معلّم، ثم جاء بالقرآن الذي فيه قصص الأنبياء وأخبارهم حرفاً حرفاً وأخبار من مضى ومن بقى إلى يوم القيامة.

ثم كان يخبرهم بأسرارهم وما يعملون في بيوتهم، وجاء بآيات كثيرة لا تحصى.

قال رأس الجالوت: لم يصحّ عندنا خبر عيسى ولا خبر محمّد ولا يجوز لنا أن نقرّ لهما بما لم يصحّ.

١٩٣

قال الرضاعليه‌السلام : فالشاهد الذي شهد لعيسى ولمحمد (صلّى الله عليه وآله) شاهد زور.

فلم يحر جواباً.

ثم دعاعليه‌السلام بالهربذ الأكبر فقال له الرضاعليه‌السلام : أخبرني عن زردهشت الذي تزعم أنه نبي ما حجّتك على نبوّته؟

قال: إنه أتى بما لم يأتنا به أحد قبله ولم نشهده، ولكن الأخبار من أسلافنا وردت علينا بأنه أحل لنا ما لم يحلّه غيره فاتّبعناه.

قالعليه‌السلام : أفليس إنّما أتتكم الأخبار فاتبعتموه؟!

قال: بلى.

قال: فكذلك سائر الأمم السالفة أتتهم الأخبار بما أتى به النبيّون، وأتى به موسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم فما عذركم في ترك الإقرار لهم، إذ كنتم أقررتم بزردهشت من قبل الأخبار المتواترة، بأنّه جاء بما لم يجيء به غيره؟!

فانقطع الهربذ مكانه.

فقال الرضاعليه‌السلام : يا قوم إن كان فيكم أحدٌ يخالف الإسلام وأراد أن يسأل فليسأل غير محتشم.

فقام إليه عمران الصابي وكان واحداً في المتكلمين فقال: يا عالم الناس لو لا أنّك دعوت إلى مسألتك لم أقدم عليك بالمسائل، ولقد دخلت الكوفة والبصرة والشام والجزيرة ولقيت المتكلمين فلم أقع على أحد يثبت لي واحداً ليس غيره قائماً بوحدانيّته أفتأذن لي أن أسألك؟

قال الرضاعليه‌السلام : إن كان في الجماعة عمران الصابي فأنت هو!

فقال: أنا هو.

فقالعليه‌السلام : سل يا عمران وعليك بالنصفة وإيّاك والخطل والجور!

قال: والله يا سيدي ما أريد إلاّ أن تثبت لي شيئاً أتعلّق به فلا أجوزه.

١٩٤

قالعليه‌السلام : سل عمّا بدا لك، فازدحم عليه الناس وانضمّ بعضهم إلى بعض.

فقال عمران الصابي: أخبرني عن الكائن الأوّل وعمّا خلق.

قالعليه‌السلام : سألت فافهم أما الواحد فلم يزل واحداً كائناً لا شيء معه بلا حدود ولا أعراض، ولا يزال كذلك ثمّ خلق خلقاً مبتدعاً مختلفاً بأعراض وحدود مختلفة لا في شيء أقامه ولا في شيء حدّه ولا على شيء حذاه ولا مثّله له.

فجعل من بعد ذلك الخلق صفوة وغير صفوة واختلافاً وائتلافاً وألواناً وذوقاً وطمعاً لا لحاجة كانت منه إلى ذلك ولا لفضل منزلة لم يبلغها إلاّ به، ولا رأى لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصاناً، تعقل هذا يا عمران؟

قال: نعم والله يا سيدي.

قالعليه‌السلام : واعلم يا عمران! أنه لو كان خلق ما خلق لحاجة لم يخلق إلاّ من يستعين به على حاجته ولكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق، لأنّ الأعوان كلّما كثروا كان صاحبهم أقوى، والحاجة يا عمران لا يسعها لأنّه لم يحدث من الخلق شيئاً إلاّ حدثت فيه حاجة أخرى ولذلك أقول: لم يخلق الخلق لحاجة، ولكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم إلى بعض وفضّل بعضهم على بعض بلا حاجة منه إلى من فضّل ولا نقمةٍ منه على من أذلّ، فلهذا خلق.

قال عمران: يا سيدي هل كان الكائن معلوماً في نفسه عند نفسه؟

قال الرضاعليه‌السلام : إنّما تكون المعلمة بالشيء لنفي خلافه وليكون الشيء نفسه بما نفي عنه موجوداً، ولم يكن هناك شيء يخالفه فتدعوه الحاجة إلى نفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد علم منها، أفهمت ياعمران؟

قال: نعم والله يا سيدي فأخبرني بأيّ شيء علم ما علم أبضمير أم بغير ذلك؟

قال الرضاعليه‌السلام : أرأيت إذا علم بضمير هل تجد بدّاً من أن تجعل لذلك الضمير حداً ينتهى إليه المعرفة؟!

١٩٥

قال عمران: لابدّ من ذلك.

قال الرضاعليه‌السلام : فما ذلك الضمير؟

فانقطع ولم يحر جواباً.

قال الرضاعليه‌السلام : لا بأس، إن سألتك عن الضّمير نفسه تُعرّفُه بضمير آخر؟!

ثم قال الرضاعليه‌السلام : أفسدت عليك قولك ودعواك يا عمران، أليس ينبغي أن تعلم أنّ الواحد ليس يوصف بضمير، وليس يقال له أكثر من فعل وعمل وصنع وليس يتوهّم منه مذاهب وتجزئة كمذاهب المخلوقين وتجزئتهم فاعقل ذلك وابن عليه ما علمت صواباً.

قال عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن حدود خلقه؟ كيف هي؟ وما معانيها؟ وعلى كم نوع يتكوّن؟

قالعليه‌السلام : قد سألت فافهم إنّ حدود خلقه على ستّة أنواع: ملموس وموزون ومنظور إليه، وما لا وزن له، وهو الروح ومنها منظور إليه وليس له وزن ولا لمس ولا حسّ ولا ذوق والتقدير، والأعراض، والصور والعرض والطول، ومنها العمل والحركات التي تصنع الأشياء وتعلمها وتغييرها من حال إلى حال وتزيدها وتنقصها.

وأما الأعمال والحركات فإنّها تنطلق لأنّها لا وقت لها أكثر من قدر ما يحتاج إليه، فإذا فرق من الشيء انطلق بالحركة وبقي الأثر ويجري مجرى الكلام الذي يذهب ويبقى أثره.

قال له عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن الخالق إذا كان واحداً لا شيء غيره ولا شيء معه، أليس قد تغيّر بخلقه الخلق.

قال الرضاعليه‌السلام : يتغير عَزَّ وجَلَّ بخلق الخلق، ولكن الخلق يتغير بتغييره.

قال عمران: فبأي شيء عرفناه.

قالعليه‌السلام : بغيره.

قال: فأي شيء غيره؟

١٩٦

قال الرضاعليه‌السلام : مشيّته واسمه وصفته وما أشبه ذلك، وكلّ ذلك محدث مخلوق مدبّر.

قال عمران: يا سيدي فأيّ شيء هو؟

قالعليه‌السلام : هو نور بمعنى أنه هاد لخلقه من أهل السماء وأهل الأرض، وليس لك عليَّ أكثر من توحيدي إيّاه.

قال عمران: يا سيدي أليس قد كان ساكتاً قبل الخلق لا ينطق ثم نطق؟

قال الرضاعليه‌السلام : لا يكون السكوت إلاّ عن نطق قبله، والمثل في ذلك أنّه لا يقال للسراج هو ساكت لا ينطق ولا يقال إنّ السراج ليضيء فيما يريد أن يفعل بنا، لأنّ الضوء من السراج ليس بفعل منه ولا كون وإنّما هو ليس شيء غيره، فلما استضاء لنا قلنا قد أضاء لنا حتى استضأنا به، فبهذا تستبصر أمرك.

قال عمران: يا سيدي فإنّ الذي كان عندي أن الكائن قد تغيّر في فعله عن حاله بخلقه الخلق.

قال الرضا: أحلت يا عمران في قولك: إن الكائن يتغيّر في وجه من الوجوه حتى يصيب الذات منه ما يغيره، يا عمران هل تجد النار تغير نفسها؟ أو هل تجد الحرارة تحرق نفسها؟ أو هل رأيت بصيراً قطّ رأى بصره؟

قال عمران: لم أرَ هذا، ألا تخبرني أهو في الخلق أم الخلق فيه.

قال الرضاعليه‌السلام : جلّ يا عمران عن ذلك ليس هو في الخلق ولا الخلق فيه، تعالى عن ذلك، وسأعلّمك وتعرفه به، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله، أخبرني عن المرآة أنت فيها أم هي فيك؟! فان كان ليس واحد منكما في صاحبه، فبأي شيء استدللت بها على نفسك؟

قال عمران: بضوء بيني وبينها.

فقال الرضاعليه‌السلام : هل ترى من ذلك الضوء في المرآة أكثر ممّا تراه في عينك؟

قال نعم.

١٩٧

قال الرضاعليه‌السلام : فأرناه؟ فلم يحر جواباً.

قال الرضاعليه‌السلام : فلا أرى النور إلاّ وقد دلّك ودلّ المرّاة على أنفسكما من غير أن يكون في واحد منكما، ولهذا أمثال كثيرة غير هذا لا يجد الجاهل فيها مقالاً ولله المثل الأعلى.

ثم التفتعليه‌السلام إلى المأمون قال: الصلاة قد حضرت.

فقال عمران: يا سيدي لا تقطع عليّ مسألتي فقد رقّ قلبي.

قال الرضاعليه‌السلام : نصلّي ونعود، فنهض ونهض المأمون، فصلّى الرضاعليه‌السلام داخلاً وصلّى الناس خارجاً خلف محمد بن جعفر، ثم خرجاً، فعاد الرضاعليه‌السلام إلى مجلسه ودعا بعمران فقال: سل يا عمران.

قال: يا سيدي ألا تخبرني عن الله عَزَّ وجَلَّ هل يوحد بحقيقة أم يوحد بوصف؟

قال الرضاعليه‌السلام : إنّ الله المبدئ الواحد الكائن الأوّل، لم يزل واحداً لا شيء معه، فرداً لا ثاني معه لا معلوماً ولا مجهولاً، ولا محكماً ولا متشابهاً، ولا مذكوراً ولا منسياً، ولا شيئاً يقع عليه اسم شيء من الأشياء غيره، ولا من وقت كان ولا إلى وقت يكون ولا بشيء قام ولا إلى شيء يقوم، ولا إلى شيء استند، ولا في شيء استكن، وذلك كلّه قبل الخلق إذ لا شيء وما أوقعت عليه من الكلّ فهي صفات محدثة وترجمة يفهم بها من فهم.

واعلم أنّ الإبداع والمشيّة والإرادة معناها واحد، وأسماؤها ثلاثة، وكان أوّل إبداعه وإرادته ومشيّته الحروف التي جعلها أصلاً لكل شيء ودليلاً على كلّ مدرك وفاصلاً لكلّ مشكل. وتلك الحروف تفريق كلّ شيء من اسم حقّ وباطل أو فعل أو مفعول أو معنى أو غير معنى، وعليها اجتمعت الأمور كلّها، ولم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى غير أنفسها يتناهي ولا وجود لأنها مبدعة بالإبداع، والنّور في هذا الموضع أوّل فعل الله الذي هو نور السماوات والأرض.

١٩٨

والحروف هي المفعول بذلك الفعل وهي الحروف التي عليها الكلام والعبارات كلّها من الله عَزَّ وجَلَّ، علّمها خلقه، وهي ثلاثة وثلاثون حرفاً، فمنها ثمانية وعشرون حرفاً تدل على اللغات السريانيّة، والعبرانيّة، ومنها خمسة أحرف متحرّفة في سائر اللغات من العجم لأقاليم اللغات كلّها وهي خمسة أحرف تحرّفت من الثمانية والعشرين الحرف من اللغات فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفاً.

فأمّا الخمسة المختلفة فتحجج لا يجوز ذكرها أكثر ممّا ذكرناه ثمّ جعل الحروف بعد إحصائها وإحكام عدّتها فعلاً منه كقوله عَزَّ وجَلَّ:( كُنْ فَيَكُونُ ) وكن منه صنع وما يكون به المصنوع، فالخلق الأوّل من الله عَزَّ وجَلَّ الإبداع لا وزن له ولا حركة ولا سمع ولا لون ولا حسّ.

والخلق الثاني الحروف لا وزن لها ولا لون، وهي مسموعة موصوفة غير منظور إليها، والخلق الثالث ما كان من الأنواع كلّها محسوساً ملموساً ذا ذوق منظوراً إليه والله تبارك وتعالى سابق للإبداع لأنّه ليس قبله عَزَّ وجَلَّ شيء، ولا كان معه شيء والإبداع سابق للحروف والحروف لا تدلّ على غير أنفسها.

قال المأمون: وكيف لا تدلّ على غير أنفسها؟ قال الرضاعليه‌السلام : لأن الله تبارك وتعالى لا يجمع منها شيئاً لغير معنى أبداً، فإذا ألّف منها أحرفاً أربعة أو خمسة أو ستة أو أكثر من ذلك أو أقلّ لم يؤلفها لغير معنى ولم يك إلاّ لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئاً.

قال عمران: فكيف لنا بمعرفة ذلك؟

قال الرضاعليه‌السلام : أمّا المعرفة فوجه ذلك وبابه أنّك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير أنفسها ذكرتها فرداً فقلت: ا ب ت ث ج ح خ حتى تأتي على آخرها، فلم تجد لها معنى غير أنفسها، فإذا ألفتها وجمعت منها أحرفاً وجعلتها اسماً وصفة لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت كانت دليلة على معانيها داعية إلى الموصوف بها، أفهمته؟ قال: نعم.

١٩٩

قال الرضاعليه‌السلام : واعلم أنّه لا يكون صفة لغير موصوف ولا اسم لغير معنى ولا حدّ لغير محدود، والصفات والأسماء كلّها تدلّ على الكمال والوجود ولا تدلّ على الإحاطة كما تدلّ على الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس، لأنّ الله عَزَّ وجَلَّ وتقدّس تدرك معرفته بالصفات والأسماء، ولا تدرك بالتحديد بالطول والعرض والقلّة والكثرة واللّون والوزن وما أشبه ذلك، وليس يحلّ بالله جلّ وتقدّس شيء من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا.

ولكن يدلّ على الله عَزَّ وجَلَّ بصفاته ويدرك بأسمائه ويستدلّ عليه بخلقه حتى لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين، ولا استماع أذن ولا لمس كفّ ولا إحاطة بقلب، فلو كانت صفاته جل ثناؤه لا تدلّ عليه وأسماؤه لا تدعو إليه والمعلمة من الخلق لا تدركه لمعناه كانت العبادة من الخلق لأسمائه وصفاته دون معناه، فلو لا أنّ ذلك كذلك لمكان المعبود الوحد غير الله تعالى، لأنّ صفاته وأسماءه غيره، أفهمت؟ قال: نعم يا سيدي زدني.

قال الرضاعليه‌السلام : إياك وقول الجهّال أهل العمى والضلال الذي يزعمون أن الله عَزَّ وجَلَّ وتقدّس موجود في الآخرة للحساب والثواب والعقاب، وليس بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء ولو كان في الوجود لله عَزَّ وجَلَّ نقص واهتضام لم يوجد في الآخرة أبداً، ولكنّ القوم تاهوا وعموا وصمّوا عن الحقّ من حيث لا يعلمون، وذلك قوله عَزَّ وجَلَّ:( وَمَن كَانَ فِي هذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلّ سَبِيلاً ) يعنى أعمى عن الحقائق الموجودة.

وقد علم ذوو الألباب أنّ الاستدلال على ما هناك لا يكون إلاّ بما ههنا، ومن أخذ علم ذلك برأيه وطلب وجوده وإدراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك إلاّ بعداً، لأنّ

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

بَيْدَ أن هذه الحقيقة لا تعني أن الديانة الكاثوليكية قوية حالياً في أستورياس؛ فتحالف الكنيسة الكاثوليكية مع التمرد العسكري الذي دبره فرانكو ضد الجمهورية الثانية ومع دكتاتوريته التي استمرت أربعين عاماً قد قوض بشكل خطير صدقية الكنيسة. كما أن انتشار الاشتراكية والشيوعية في أستورياس وفي إسبانيا شكل عاملاً رئيسياً آخر يفسر عملية العلمنة السريعة التي شهدها المجتمع الإسباني. في الوقت الحاضر لا تزيد نسبة الإسبان الكاثوليك الذين يمارسون طقوسهم الدينية على العشرين بالمئة، فيما يمارس مليون آخرون طقوس ديانات أخرى.

كانت عائلتي عائلة كاثوليكية تقليدية؛ وأحد أعمامي هو كاهن. وقد تلقيت تعاليم ذلك الدين في أولى سنوات عمري، إلا أن البيئة التي نشأت فيها (الأصدقاء والمدرسة وما شاكل) كانت علمانية للغاية.

عندما بلغت سن المراهقة المبكرة بدأت بالتخلي عن الممارسات الكاثوليكية التي صرت أعتبرها بشكل متزايد عبئاً لا يطاق. فقد أقلعت عن الذهاب إلى الكنيسة أيام الآحاد، وأصبح أسلوب حياتي أكثر علمانية. كما أنني انتسبت إلى الحزب الشيوعي وحركة الشباب الشيوعي.

اكتشاف الإسلام:

في الحزب الشيوعي، عملت في مجال العلاقات الدولية. وصرت أشارك في حملات التضامن مع الشعب الفلسطيني. في عام ٤٨٩١، أصبحت عضواً في «رابطة أصدقاء الشعب الفلسطيني»، التي يوجد مقرها في خيخون. بدأت في قراءة المزيد عن تاريخ المقاومة الفلسطينية ضد القمع الصهيوني، وازداد اهتمامي بهذه المسألة خصوصاً لأنني تألمت لرؤية المجتمع الدولي يسمح للصهاينة بالقيام بأعمالهم الإجرامية من دون أن يفعل أي شيء.

احتكاكي الأول مع العالمين العربي والإسلامي كان أيضاً لقائي الأول مع الإسلام. ففي عام ٩٧٩١، عندما كان عمري ٤١ عاماً فقط، شاهدت على شاشة التلفاز سقوط نظام الشاه وإنشاء الجمهورية الإسلامية في إيران تحت شعار «لا شرقية ولا غربية». لقد أثارت إيران إعجابي كبلد لم يخضع للضغوط أو التهديدات الغربية، بخلاف العديد من الدول الأخرى في العالم.

٢٤١

ومن خلال «رابطة أصدقاء الشعب الفلسطيني» تمكنت من الحصول على بعض الكتب عن قضايا المسلمين. ولقد راسلت سفارات دول إسلامية طالباً المزيد من المعلومات؛ وكانت سفارة جمهورية إيران الإسلامية واحدة من عدد قليل من السفارات التي أجابتني. وقد أرسل لي شخص مسلم إسباني يعمل هناك بعض الكتب ومعلومات عن جمعية إسلامية تتألف بشكل رئيسي من أشخاص إسبان اهتدوا إلى الإسلام.

من خلال قراءة هذه الكتب أدركت أن الإسلام هو ما كنت أنتظره منذ فترة طويلة. وبدا الإسلام في نظري نهج حياة واضح وقوي (وليس مجرد دين فحسب) لا يكتنفه غموض وأسرار. لقد مثل لي طريقة سهلة للوصول إلى الله، الذي لم أكن قادراً على التواصل معه خلال الفترة التي عشتها ككاثوليكي.

تحادثت هاتفياً مع أصدقائي الجدد المسلمين، فدعوني لزيارتهم في مدريد. وقد أمضيت معهم بضعة أيام اكتشفت خلالها نمط حياة جديد، فيه قيم مختلفة هي أكثر جاذبية بكثير: الكرم، وحياة سعيدة وصحية، والصبر، والصمود، والضيافة. وفي اليوم التالي، اتخذت قراري: لقد تغلغل حب الإسلام في قلبي. وفي يوم ١٢ حزيران/يونيو ٩٨٩١، بعد أسبوعين من وفاة الإمام الخميني، وهو شخصية ألهمتني كمثال وفكر، نطقت بالشهادتين في كافتيريا أمام اثنين من الإخوة الإسبان ومنفي عراقي.

منذ البداية، كنت أعرف أنني سوف أواجه بعض الصعوبات؛ فعلى سبيل المثال، ساءت علاقتي مع أصدقائي بسبب أسلوب حياتهم، وخاصة شرب الكحول كوسيلة للاختلاط الاجتماعي والذي كان غير مقبول بالنسبة لي، ناهيك عن أن اعتناقي الإسلام جعلني في عيونهم شخصاً جديداً أكثر غرابة، بل إن بعضهم اعتقد أنني قد انضممت إلى ديانة سرية ضارة.

أما عائلتي فقد احترمت قراري، ولا سيما أنهم شهدوا الكثير من التغيّرات الرائعة في حياتي الجديدة، فقد أقلعت عن تعاطي الكحول كما أن سلوكي ومواقفي أصبحت إيجابية للغاية. بَيْدَ أن بعض أقاربي لم يعجبهم أن يروا صورتي أو مقالاتي في الصحف التي تحدثت عن حياتي كمسلم أو عن الجمعيات الإسلامية التي أنشط فيها. في الوقت الراهن، أنا أمين سر اتحاد المسلمين في إسبانيا (ثاني أكبر اتحاد للمسلمين في هذا البلد).

٢٤٢

لقد غيَّر الإسلام حياتي إلى الأبد. قبل اعتناقي الإسلام، كنت شخصاً عصبياً لا يرى معنى لوجوده؛ وكانت لديَّ نظرة متشائمة بشأن الحياة والمستقبل. وقد أصبحت الآن إنساناً هادئاً وحيوياً وإيجابياً يحمل نظرة متفائلة للحياة، والتي ليست سوى قطعة صغيرة وقصيرة من الوجود والبوابة إلى الحياة الأبدية التي وعدنا الله تعالى بها. لقد أسهم الإسلام في زيادة سعادتي في أوقات الرخاء وحماني وأراحني، ومثّل لي درعاً لا يتزعزع في الأوقات العصيبة. كما أن الإسلام علّمني الشعور بقيمة الأشياء. أحياناً، عندما أرى أشخاصاً يغضبون بسبب أشياء بسيطة وغير مهمة، أرى بوضوح أن حياتهم فارغة وأنهم لم يجدوا بعد معنى وجودهم. وهم - بالتالي - يبقون أنفسهم بعيداً عن السعادة الحقيقية.

الدعوة إلى الإسلام:

بخصوص الدعوة إلى الإسلام، أعتقد أنه ينبغي على المسلمين أن يستخدموا التكنولوجيا الحديثة، وخاصة شبكة الأنترنت، للوصول إلى عامة السكان. فالكثير من الشباب في الوقت الحاضر يستخدمون الإنترنت كمصدر رئيسي للمعلومات. ويجب أن تكون هناك مواقع بلغات مختلفة ذات محتويات جذابة وشروحات واضحة. حتى الآن، الأشخاص الذين يعتنقون الإسلام في الغرب بحاجة إلى الانخراط في عملية طويلة وصعبة للحصول على معلومات دقيقة عن المسائل الإسلامية. ومعظمهم لا يجد سوى الأمور السلبية والخاطئة التي يواظب أعداء الإسلام على نشرها.

في عام ٢٠٠٣م. نظمت الرابطة الإسلامية التي أنتمي إليها أول مؤتمر للمسلمين الناطقين بالإسبانية، والذي حضره العديد من المسلمين من دول مثل المكسيك وتشيلي والبرازيل والأرجنتين وكولومبيا وبنما.

إن الأنشطة الدعوية في أمريكا اللاتينية أسهل بكثير مما هي عليه في أوروبا نظراً لطابع الانفتاح والعناصر التي تميز الشخصية لدى شعوب أمريكا اللاتينية، كما إن تلك الدول تزداد أهمية بشكل متواصل. وفي هذا الإطار، أقترح أن يتم دعم المواقع الإسلامية الناطقة باللغة الإسبانية وأن يتم إرسال المزيد من العاملين في مجال الدعوة إلى تلك القارة (أمريكا اللاتينية).

٢٤٣

في إسبانيا، آفاق الدعوة جيدة على الرغم من أن العمل في هذا المجال ليس كافياً. ومما يؤسف له أن بعض المسلمين لا يزال يتمسك بالمقاربة الخاطئة «للمساجد فقط» وهم غير مستعدين لتقديم أي دعم مالي إلا لبناء المساجد، في حين أنهم لا يدعمون الأدوات الأخرى والتي هي أكثر أهمية للوصول إلى السكان من غير المسلمين (كوسائل الإعلام والمراكز الثقافية، وغيرها). فحتى الآن، لا يوجد في إسبانيا صحيفة مكتوبة للمسلمين.

٢٤٤

المسلم الكندي

چريج سودين (علي مهدي)

يقول:

· رحلتي إلى الإسلام لم تكن سهلة ولكنني ممتن له سبحانه لأنني وجدت السبيل الحق.

كتب الأخ چريج سودين قصة تحوّله إلى الإسلام وأرسلها إلينا قائلاً:

اسمي چريج سودين. لقد اعتنقت الإسلام بعد أن كنت كاثوليكياً وذلك في ٥١ كانون أول (ديسمبر) ١٠٠٢ (٩٢ رمضان ٢٢٤١هـ)، أي عندما كنت في السادسة عشرة من عمري. وقد اخترت «علي مهدي» اسماً لي بعد أن أصبحت مسلماً. أنا الآن في الرابعة والعشرين من العمر (ولدت في ٥٨٩١م). وقد درست التاريخ في جامعة ويلفريد لورييه بواترلو، أونتاريو، كندا، وآمل أن أدرس في الحوزة (المدرسة الدينية) في المستقبل القريب. وُلدت في ميناء دوفر، أونتاريو، كندا، ونشأتُ في مزرعة دواجن وبقر تبلغ مساحتها ٠٠٤ فدان. لقد تربيتُ على المذهب الكاثوليكي. وقبل أن أُسلم كنت أذهب إلى الكنيسة كل أسبوع، ولم أشك في معتقداتي قط. وأنا أعتبر أنني كنت كاثوليكياً ملتزماً عندما كنت أشب عن الطوق. وكنت كلما سمعتُ أحدهم ينال من الكاثوليكية أحاول تفنيد ما يقوله، على الرغم من أنني أدرك الآن أن معرفتي بالكاثوليكية كانت محدودة نوعاً ما.

أنا لم أكن أتفحص إمكانية التحول إلى الإسلام عندما بدأت بإجراء أبحاث عنه؛ لقد شرعتُ في القراءة عن الإسلام من منطلق أن الدين أثار اهتمامي فحسب. فمنذ كنت صغيراً طالما أثار اهتمامي أن أتعرف على أديان وثقافات الشعوب الأخرى. المجموعات الضخمة من مجلة «ناشيونال جيوجرافيك» التي كانت لدى جدتي لأبي كان من بينها أعداد تعود إلى العام ٠٣٩١، وتناول العديد منها الإسلام، وهو ما فتنني. كما أنني بدأت في قراءة الأطلس وهو ما جعلني مهتماً بالجغرافيا والأحداث المعاصرة. وبما إنني كنت أعيش في بلدة صغيرة، لم أكن أعرف أحداً ذا خلفية غير مسيحية، الأمر الذي أثار فضولي حيال العالم الخارجي.

٢٤٥

وفي العام ٠٠٠٢، بدأتُ أبحث عن أشخاص من دول أخرى لأتحدث معهم عبر الإنترنت بسبب افتتاني بالتعرف على عادات الشعوب الأخرى. وفي أحد مواقع شبكة الإنترنت تعرفتُ على يحيى، وهو فتى شيعي من الكويت. وبدأت أطرح عليه أسئلة عن دينه لأنني لم أكن أعرف الكثير عن ذلك. لم أفكر قط في التحول إلى الإسلام لأنني كنت أعتقد أنني كنت سعيداً لكوني كاثوليكياً. وعندما بدأتُ بدراسة مادة في المدرسة الثانوية تدعى «الديانات في العالم» ازداد اهتمامي. كان في كتابي المدرسي بعض المعلومات عن مكانة السيد المسيح (عليه السلام) في الإسلام كما يتضح من خلال القرآن الكريم. كنت أعرف أن الإسلام يعتبر المسيح (عليه السلام) نبياً، ولكنني لم أعرف مدى أهميته في الدين. كما أنني لم أكن أعلم أن الإسلام يعتبر والدته، مريم (عليها السلام)، واحدة من أعظم أربع نساء في التاريخ! بعد عودتي من المدرسة في أحد الأيام ذهبتُ إلى البيت وأجريت بحثاً عبر الإنترنت عن دور المسيح (عليه السلام) في الإسلام. كما أنني وجدتُ بعض الكتب في مكتبة المدرسة تتحدث عن الإسلام بشكل عام. لقد فتحت العقيدة الإسلامية عقلي على أمور لم يسبق أن فكرت فيها حول المسيح (عليه السلام) والمسيحية بصفة عامة. وكلما ازدادت معرفتي حول المسيح (عليه السلام) والمعتقدات الإسلامية ازدادت معها رغبتي في التحول إلى الإسلام. المعلومات التي قرأتها أقنعتني أن الإسلام هو الحقيقة. كانت الحجج بالغة، بل كان هناك دليل بشأن النبي محمد (ص) والإسلام في الكتاب المقدس.

عندما ازدادت معرفتي وانهمكتُ في دراسة الإسلام، أرسلتُ رسالة بالبريد الالكتروني إلى صديقي الكويتي أخبرته عن نتائج أبحاثي. وقلت له إنه «ربما ينبغي لي أن أتحول (إلى الإسلام) بعد أن أتعلم المزيد عن الدين». لم أكن أنوي القيام بذلك قريباً، لأنه لم يكن من السهل أن أطبق التعاليم الإسلامية من دون أن أكون في وسط مجتمع إسلامي. واعتقدت أنني سأعتنق الإسلام عندما ألتحق بالجامعة، لأنه لم يكن بمقدوري الوصول إلى مسجد حيث كنت أسكن. وقد قلت هذا لصديقي الكويتي، وقال إنني أستطيع التلفظ بالشهادتين. وهكذا، في يوم ٥١ كانون الأول (ديسمبر) (٩٢ رمضان ٢٢٤١هـ) نطقت بالشهادة: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله) عبر الـ«أم. أس. أن.». ولدى تلفظي بتلك الكلمات الرائعة أصبحت مسلماً، ولله الحمد.

٢٤٦

موقف عائلتي:

التحول إلى الإسلام سبّب لي بالكثير من المشاكل مع عائلتي، وخاصة مع والدتي، التي كانت الأكثر جهراً ضد اعتناقي للإسلام. وكانت تشعر بالقلق لأني لم أعد أتبع «الدين الحق». وكانت تفتقد ذهابي إلى الكنيسة مع بقية عائلتنا، وهذا أمر أتفهمه تماماً. وهي تقول لي باستمرار إنني كنت سعيداً بديني من قبل، ولذلك هي تتساءل: لماذا غيّرت ديني؟

عندما أكّدتُ لها أنني أصبحتُ مسلماً، استاءت استياءً بالغاً، واستمر غضبها حتى حوالي عام ٤٠٠٢، لكن منذ ذلك الحين قبلت بالأمر الواقع، رغم أنها ليست راضية عن اختياري. وعندما وصلتني بعض الكتب، بما في ذلك القرآن الكريم، بالبريد بعد اعتناقي للإسلام، اضطررت لإخفائها عنها. أمي استاءت للغاية أيضاً عندما رأتني أسجد، إذ إن ذلك شكل علامة بالغة الوضوح على أنني لم أعد كاثوليكياً. كثيرون من عائلتي الأوسع لم يعلقوا سلباً على تحولي، رغم أن جدي لأمي (توفي مؤخراً)، الذي كان معروفاً بعناده، لم يحب ذلك، وقد قال ذلك صراحة. جدتي لأمي المتدينة جداً، والتي كان شقيقها قساً متقاعداً في إنكلترا، نسبياً لم تتقبل الأمر. أنا لم أفقد أي أصدقاء لأنه لم يكن لديَّ العديد منهم في المقام الأول. فأنا لم أكن أتفق قط مع معظم من كانوا في عمري، وطالما شعرت بأنني لا أستطيع الانخراط معهم بالشكل الملائم.

من المؤسف أن عائلتي لا تعرف ما هو الإسلام، وأنا لا ألومهم مع كل تلك المعلومات المضللة التي يسمعونها في نشرات الأخبار. لقد حاولتُ أن أشرح لهم معتقداتي، ولكنهم لا يبدون أي اهتمام بالتعرف عليها ويرفضون قراءة أي من الكتب. قبل أن أغادر إلى الجامعة جعلتني أمي أذهب إلى الكنيسة كل أسبوع. واصلت الذهاب إلى الكنيسة حتى تشرين أول (أكتوبر) ٣٠٠٢، الذي تزامن مع شهر رمضان المبارك. كان من الصعب تجنب المناولة بسبب ضغط والدتي، ولكن بما أنني كنت صائماً أخفيت مناولتي (خبز القربان المقدس) في جيبي، ولكن أمي ضبطتني، ولم أذهب إلى الكنيسة بعد ذلك، إلا عندما شاركت في جنازة جدي.

٢٤٧

في رحاب المسجد:

لقد كان من دواعي سروري العثور على جالية مسلمة رائعة في كيتشنر، في واترلو، وهذه الجالية فتحت لي ذراعيها، وفي يوم الأربعاء ٠١ أيلول (سبتمبر) ٣٠٠٢، ذهبت إلى المسجد لأول مرة، وهو ما شكّل تجربة فتحت عيني على أمور جديدة، لا سيما وأنها كانت مختلفة للغاية عن الصلاة في الكنيسة. لقد كنت أذهب إلى الجامعة برفقة الأخ حسنين (الذي تعرفت عليه من خلال المنتديات الإسلامية). كنا طالبين جامعيين في واترلو في أونتاريو. هو كان في جامعة واترلو وأنا في جامعة ويلفريد لورييه، والمسافة بين الجامعتين حوالي ٥١ دقيقة سيراً على الأقدام. الحدث الذي حضرناه في المسجد كان احتفالاً بذكرى ولادة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ابن عم النبي محمد (ص) وصهره الحبيب على قلبه. وقد استقلينا الحافلة للوصول إلى المسجد، إلا أننا ضللنا الطريق تقريباً خلال السير في الشارع، لأن المسجد كان في وسط منطقة سكنية. ثم رأينا امرأة محجبة تدخل إلى المسجد فدخلناه. لقد وصلنا متأخرين ولكن استمعنا إلى معظم المحاضرة التي كان يلقيها الشيخ شفيق هدى. وبعد ذلك أدينا صلاتي المغرب والعشاء. وكانت تلك المرة الأولى التي أصلي فيها مع مسلمين آخرين، وكان تجربة رائعة. بعدها عرّفني حسنين على بعض الإخوة، وتحدثنا لبضع دقائق. ثم حان وقت العودة إلى الجامعة. وقد أوصلنا الشيخ سليم بهمجي بسيارته أنا وحسنين إلى المنزل ودلّنا على المطاعم التي تبيع لحماً على الطريقة الإسلامية والأماكن الإسلامية في المدينة.

وقد أصبحتُ عضواً نشطاً في الجالية، وأنا أشغل حالياً منصب سكرتير اللجنة الإسلامية للإغاثة، وهي مؤسسة خيرية مقرها في كيتشنر، وأنا أشكر الله تعالى على أن الجالية المسلمة في كيتشنر - واترلو قبلتني عضواً فيها، وبذلت الكثير من الجهد لمساعدتي.

رحلتي إلى الإسلام لم تكن سهلة دائماً، وقد كان عليّ أن أناضل وأبذل الكثير من التضحيات على الطريق. إنني كثيراً ما أخفقتُ في الارتقاء إلى واجباتي نحو الله تعالى، ولكنني ممتن له سبحانه لأنني وجدت السبيل الحق... الإسلام على مذهب أهل البيت (عليهم السلام). وأنا أعرف أن الخضوع لله من خلال الاقتداء بأهل بيت النبي محمد الأطهار (عليهم السلام) وتوحيد الله هو الهدف الأسمى في هذه الحياة.

٢٤٨

كيف وجدت طريق الحق؟

الأخت المسلمة الأميركية كاثي كوشيش (معصومة)

تحكي قصّة إسلامها:

· كيف يمكن للمرء أن ينظر إلى الوراء ليسترجع الحدث الأهم في حياته، ويضعه تحت المجهر؟

الحدث بالنسبة لي كان اكتشاف «طريق الحق»، أي الإسلام، والخضوع لله الواحد. هذا الحدث، أعني اعترافي بقوة الإسلام، وقراري الواعي بالخضوع لله سبحانه وتعالى هو الذي تسبب بأهم تغيير في حياتي.

ولكن عندما أعود إلى الوراء، أتساءل كيف وصلت إلى حيث أنا اليوم، أي كمسلمة؟ بالتأكيد، كوني ذات خلفية ريفية من ولاية أركنسو الأمريكية، وبما أنني لم أسمع عن الإسلام قبل أواخر سنوات مراهقتي، فإن هذين الأمرين لم يعدّاني لهذا التغيير الكبير. ولطالما تساءلت، ما الذي جعلني مختلفة عن سائر الآخرين الذين يسمعون عن الإسلام، ويرفضونه؟ أو الذين لا يدركون أنه يمثل الحقيقة؟ عادة ما أبدأ بالعودة إلى ماضٍ بعيد، قبل أن أعرف حتى كلمة الإسلام، لأشرح كيف انتهى بي الأمر إلى حيث أنا اليوم.

عندما كنت طفلة صغيرة، كانت أمي عليلة جداً، لقد وُلدت ولديها مشاكل في القلب، وقد أصيبت بالسكتة الدماغية لأول مرة عندما كان عمري ثلاثة أعوام. المشاكل الصحية التي عانت منها أمي جعلتني أدرك هشاشة الحياة، وأنها هبة عظيمة.

انفصل والداي بالطلاق عندما كنت في السابعة، وبقيت مع والدتي. في اعتقادي أن السنوات القليلة التي قضيناها معاً بعد ذلك ساعدت في تشكيل وقولبة الشخص الذي أنا عليه اليوم.

لم تكن والدتي مسلمة، لكنها كانت مسيحية صادقة. كانت تؤمن من كل قلبها أن هدفنا في الحياة هو عبادة الله، على الرغم من أننا لم نكن نتردد إلى الكنيسة بانتظام، إلا أن الإيمان شكَّل جزءاً هاماً من حياتنا. لقد اعتمدت كل منا على الأخرى، وقد كبرنا معاً خلال تلك السنوات القليلة. تعرضت والدتي في نهاية المطاف لسكتة دماغية أخرى، ما تسبب بإعاقتها، وأجبرني على الانتقال للعيش مع والدي وزوجته. في ذلك الوقت، كانت تلك بمثابة صدمة لي، لا سيما أنني لم أكن أرغب في التغيير، ولكنني أحب والدي كثيراً، وإذا نظرت إلى الوراء، فإنّني أمضيت فترة نَشأتُ خلالها في بيته.

٢٤٩

لم يكن والدي شخصاً متديناً، لكنه كان روحانياً. ولطالما كان عادلاً وأخلاقيّاً؛ وبين إيمان والدتي وأخلاق والدي، نَشأتُ ولديَّ إحساس قوي بالمسؤولية تجاه الله. لم أكن أواظب على الذهاب إلى الكنيسة، أو أشارك في نشاطات دينية منظمة، ولكنني كنت أشعر أنني في حالة سلام مع الله، وخاصة خلال التجول الذي كنت أقوم به في غابة تقع بالقرب من منزلنا. كنت أرى قوة وجلال الله في كل ما هو حولي، في الحيوانات والأشجار، وجمال خلقه. لم أشك قط في أن الله كان موجوداً وقوياً، ولكن لم أكن أعرف كيف أعبّر عن إيماني. لذلك بدأت بالتطلع إلى الكنيسة. حضرت مراسم لمختلف الطوائف، من «كنيسة المسيح» إلى «جمعية الله»، و«المعمدانية العامة». وقد قضيت معظم الوقت في الكنيسة المعمدانية العامة حيث تعرفت إلى العديد من الأصدقاء، وإن كنت أعتقد أن مصادقة الآخرين كانت السبب الرئيس الذي جعلني أتمسك بالحضور في الكنيسة.

أذكر أنه كان لديَّ العديد من الأسئلة التي لم أتمكن من الحصول على إجابة لها (مثل مفهوم الثالوث). وقد تصورت أن إيماني لم يكن قوياً بما فيه الكفاية، أو أنني لم أتمتع بما يكفي من الذكاء لفهم الأمر. لم يستطع أحد أن يشرح لي ذلك على نحوٍ كافٍ. وفي النهاية، تركت الحيرة والشك وراء ظهري، وقررت أن ذلك أمر سأفهمه إذا أراد الله. كنت أعرف بدون شك أن الله موجود. وكنت أعرف أيضاً أنني بحاجة إلى الإيمان لتحقيق الخلاص. ولكن بما أن المسيحية كانت الدين الوحيد الذي عرفته طوال حياتي، فإنه لم يخطر ببالي أن أنظر في أي مكان آخر.

الديانات الأخرى التي كنت قد سمعتُ عنها كانت تُمارَس من قِبَل أشخاص «هناك» في أنحاء أخرى من العالم، والأرواح المسكينة، كانت بحاجة إلى «الخلاص».. على الأقل وفقاً للمعلمين في كنيستي. ومع هذا، فلطالما شكَّل هذا الأمر مشكلة لي؛ أعني التخليص. فبالنسبة لي، يجب أن يكون الله عادلاً (والحمد لله، أجد اليوم أنه كذلك حقاً). لكن لم أستطع أن أفهم كيف يمكن أن يطرد الله أي شخص إلى الجحيم الأبدي، لأنه لم يعرف الحقيقة. كنت أعتقد بأن الله سيغفر أخطاءنا إذا كنا جاهلين (العدل، الذي أؤمن به الآن...). ولكن بما أنه لم يكن لديَّ أي معرفة بأيّ دين آخر، واصلت محاولة فهم المسيحية.

٢٥٠

لقد كنت دائماً، وما زلت، مهتمة بالتعرف على الثقافات الأخرى، فأنا أحب أن أعرف وأستكشف أديان وثقافات الآخرين. بَيْدَ أنني لم أظن قط أنني سأتقبّل في أي وقت الاختلافات الثقافية في حياتي الخاصة. عندما ينشأ الأطفال في أمريكا غالباً ما يتعلمون أن «الغرب هو الأفضل» وبقية العالم.. «العالم الثالث».. يحاول اللحاق بنا فحسب. لم أكن أؤمن بهذا بالضرورة، ولكن الموقف المعتقِد بالتفوق الإثني من طرف من كانوا حولي قد تلاشى في بعض المناطق. كان الخوف العارم لديَّ من نار جهنم يحول دون قبولي بأي رأي آخر لمجرد قراءتي عنه. كنت بحاجة إلى رؤية الإسلام على الأرض قبل أن أدرك جماله. وهذا لم يحدث إلا بعد وقت طويل.

عندما ازدادت سنوات عمري و(نوعاً ما) خبرتي، أدركت أن الإشكاليات التي واجهتها الكنيسة المسيحية لم تكن مجرد خلافات بين المذاهب. في تلك الفترة كنت أقفز من كنيسة إلى أخرى في أواخر سنوات مراهقتي (ومجدداً، معتقدة أنه ليس لديَّ بديل عن الكنيسة)، حتى وصلت إلى نقطة التحوّل عن الأمر برمته. لم أتمكن من فهم بعض الأفكار التي كانوا يدرسونها، وكان لديَّ الكثير من الأسئلة التي لم يتمكنوا من الإجابة عليها. فقررت أن أؤمن بالله فحسب، من دون أن أنتمي إلى أي ديانة معيّنة. كنت تواقة للـ «شعور» بالله حولي، ذلك الشعور الذي كنت أجده خلال المشي بمفردي في الغابة؛ والمسيحية لم تقدّم لي ذلك. ورأيت أن حالي سيكون أفضل إن مضيت لوحدي.

على هذه الكيفية قضيت الجزء الأكبر من فترة استمرت عامين. كنت لا أزال أعتبر نفسي مسيحية، ولكن في ذلك الوقت بالتأكيد لم أكن أعيش أي مظهر من مظاهر حياة أخلاقية. بحثي عن الفهم والطريق إلى الله أبعدني عن الكنيسة المسيحية، ولكن إلى ماذا؟ فأنا لم ألتقِ قط أي شخص غير مسيحي. لم يكن لديَّ أي فكرة إلى أين ينبغي أن أمضي، ولكنني همت في الظلام لبعض الوقت. وكلما همت أكثر، ازددت بعداً عن الله، واقتربت أكثر من الأمور التي طالما كرهتها. وبلغت حالة الضياع الكامل. أخيراً، مع علمي أن الكنيسة المسيحية لم توفر لي بغيتي، ولكن لعدم وجود أية بدائل أمامي، بدأت البحث بجدية ومحاولة التعرف على الأديان الأخرى.

لقد قمت ببعض الدراسات بمفردي، والتحقت بصف تدريس الدين المقارن. لا أستطيع القول بأنني كنت فعلاً أبحث عن عقيدة معيّنة في ذلك الوقت، لكنني كنت منفتحة على كل شيء. اخترت مادة الدراسات في مقارنة الثقافات والتي من شأنها في نهاية المطاف أن تغير حياتي.

٢٥١

خلال دراستي تلك المادة، تعرَّفت على الإسلام لأول مرة في حياتي. كان في المادة فصلٌ دراسيٌّ عن الإسلام، والأستاذ الذي تحدث إلى صفنا أحضر معه نسخة ضخمة من القرآن الكريم (بالعربية). وبعض الصور الجميلة لمساجد من مختلف أنحاء العالم. أذكر أنني فكرت حينها أن ثقافة الإسلام غنية بالتأكيد، وأنني رغبت في معرفة المزيد، ولكن كلما درست أكثر وشاركت في الصف، ازداد إدراكي أن هذا الدين ليس كما يصوَّر في وسائل الإعلام. فقد كان ديناً متسامحاً، وأخوياً، ويهتم بالآخرين، وليس متعصباً وقمعياً كما تدفعك وسائل الإعلام للاعتقاد.

أتذكر أنني فكرت أنه، وللمرة الأولى، أن باباً قد فُتِح لي للإجابة على بعض الأسئلة التي لديَّ. ولكن للأسف، فإن المادة انتهت، ووجدت نفسي مجدداً عالقة حيث كنت قد بدأت (وإن كان لديَّ معلومات أكثر).

أدركت أنني بحاجة إلى تغيير في حياتي، وإلى الابتعاد عن التأثيرات السيئة التي رافقتني. فانتقلت إلى منزل آخر، وكان هذا أفضل ما قمت به. ثم انتقلت إلى جامعة أخرى، وهناك التقيت الرجل الذي أصبح زوجي الآن. وهو بدوره عرّفني على مسلمين آخرين، وتطورت دراستي.

كان زوجي من إيران مسلماً شيعياً، لذلك فإن غالبية الذين التقيت بهم في ذلك الوقت كانوا من المسلمين الشيعة. وكانوا مثالاً للأمور التي كانوا يعلّمونني إياها. ففي كل الجوانب كانوا يطبقون ما يعلّمونه للآخرين. ولقد احترمت هذا الأمر قبل كل شيء، بسبب ما كنت قد شاهدته من نفاق في الكنائس التي كنت أتردد إليها. كان أمراً ينعش الأمل أن ترى أشخاصاً يؤمنون بهذا القدر من القوة بدينهم حتى أنهم كانوا يخافون أن يعصوا الله. ولم يكونوا مبالين برأي بقية العالم - لم يعنهم إلا الله.

لم يهتموا بتحويلي إلى التشيع، بل بتعليمي الإسلام، وتركي أتخذ قراراتي الخاصة. وأياً تكن الأسئلة التي تجول في خاطري، كانوا هناك جاهزين للرد. لقد ساعدوني أن أبدأ بإنشاء المكتبة الخاصة بي، واقتناء الكتب التي لم تكن معادية للشيعة، ولكن منطقية ومدروسة.

٢٥٢

كانت الحجج المنطقية مقنعة، ولكنني أردت أن أعرف المزيد عن الأيام الأولى للإسلام، لذلك بدأت بقراءة المزيد عن تاريخ الإسلام والمعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام)، فقرأت عن شخصيات مثل الإمام علي (عليه السلام)، والإمام الحسين (عليه السلام)، وأبي الفضل العباس (عليه السلام)، إلى جانب العديد من الآخرين في تاريخ الإسلام، الذين مضوا في طريق الكفاح العظيم في سبيل عقيدتهم. ومع الحجج المنطقية التي قرأتها لصالح الإسلام، ولدى رؤيتي الممارسة العملية لهذا الدين من قبل أصدقائي الجدد، أيقنت أن أولئك الأشخاص الذين كافحوا ببسالة في الأيام الأولى للإسلام، لا يمكن أن يكونوا على خطأ.

عندما قرأت نهج البلاغة وحِكَم الإمام علي (عليه السلام)، تيقنت أن هذا الرجل كان بشكل مؤكد أخا النبي محمد (ص)، والهادي الأفضل للناس من بعده، فشخصيته وأخلاقه وشجاعته وحكمته كلها كانت على نمط ما كان لدى النبي (ص)، وأيقنت أنه لا يمكن أن يكون على خطأ.

استغرقت الدراسة بعض الوقت، ولكن منذ البداية كنت أعرف أن هذا هو ما كنت أبحث عنه طيلة حياتي. تلفظت بالشهادة رسمياً في يوم زفافي، وقد شهد ذلك العديد من الأصدقاء، على الرغم من أنني في ذلك الوقت كنت أعيش بالفعل حياة المسلمين، حيث كنت أرتدي الحجاب وأتعلم الصلاة. بعد ذلك بوقت قصير، قررت أن لا آكل إلَّا اللحم الحلال.

كوني مسلمة شيعية، تعرضت لضغوط خلال بحثي عن الحقيقة. أولاً عائلتي لم تكن داعمة لبحثي، وثانياً من المحيط الذي أعيش فيه حتى من بعض المسلمين، فبلدتنا صغيرة، ونحن المسلمين الشيعة - حوالى سبع عائلات فقط. على الرغم من ذلك، الحمد لله، شكلت هذه الأسر السبع أمثلة حية رائعة للإسلام.

٢٥٣

شيئاً فشيئاً، على مدى قرابة الأعوام العشرة التي اهتديت خلالها إلى الإسلام، حاولت تطبيق تعاليم الإسلام في حياتي. لم يكن الأمر سهلاً دائماً، وأنا في صراع دائم في نفسي، وهذا هو حقاً «الجهاد الأكبر»، وأنا سأخوض هذا الصراع في ما تبقى من حياتي. علينا نحن المهتدين أن نتذكر أن الإسلام نزل بالوحي على الناس على مدى ٣٢ عاماً؛ وليس بين عشية وضحاها. نحن في اندفاعنا لـ «التقاط الأمر بشكل صائب» غالباً ما نريد أن نفعل كل شيء «الآن». من الأفضل أن نتقدم رويداً رويداً، وأن نتعلم أهمية كل عمل عبادي خلال تقدمنا. عندها نكون أكثر قدرة على الفهم وأقل ميلاً للعودة إلى الوراء عندما تصعب الأمور.

أحمد الله يوميّاً على أنه أظهر لي الإسلام، صحيحاً ونقياً، وعلى أنني قد أُعطِيت هذه الفرصة لعبادة ربي بأفضل طريقة ممكنة. أدعو الله أن أرقى إلى مستوى المسؤولية الكبيرة التي منحني الله إياها، وأن أكون من بين أول من سيناصرون إمام الزمان (عج) عند ظهوره.

٢٥٤

الشابّ كريج روبرتسون الكاثوليكي السابق من كندا:

.. هكذا كانت رحلتي من الظلام إلى النور

بعد أن تربى في أسرة كاثوليكية وأمضى معظم طفولته المبكرة مواظباً على الحضور في كنيسة، «كريج» ينتقل إلى «الحياة على الخط السريع». كما يحلو له أن يقول وهو يحكي للقراء قصّة تحوّله إلى الإسلام الذي اقتنع به وأحبه بعد طول معاناة وضياع!

اسمي الآن عبد الله. وقد وُلدت في فانكوفر، في كندا. والداي من الروم الكاثوليك، وقد ربياني كاثوليكياً حتى أصبح عمري ٢١ عاماً. وأنا الآن مسلم منذ ما يقرب من ست سنوات، وأود أن أروي لكم قصة رحلتي إلى الإسلام:

أثناء طفولتي كنت تلميذاً في إحدى المدارس الدينية الكاثوليكية، وكانوا يدرسونني مادة الدين مع غيرها من المواد، ولطالما كانت مادة الدين هي المفضلة عندي. ولكن كلما تعلمت عن ديني أكثر، ازدادت شكوكي حوله! أذكر هذا الحوار الذي جرى في طفولتي: فقد سألتُ والدتي خلال القداس: «هل ديننا هو دين الحق؟» ولا تزال إجابة أمي تدوي في أذني حتى يومنا هذا: «يا كريغ، كلها (الأديان) واحدة وهي جميعاً جيدة!» بالنسبة لي لم يبد هذا أمراً صائباً. فما الفائدة لي في تعلم ديانتي إذا كانت الأديان جميعاً جيدة بقدر مساو!؟

عندما كنت في سن الثانية عشرة، أصيبت جدتي لأمي بسرطان القولون، وتوفيت بعد بضعة أشهر بعد صراع مؤلم مع المرض. لم أدرك عمق أثر وفاتها فيّ إلا بعد فترة طويلة من الزمن. ففي عمر الثانية عشرة الغض، قررت أن أصبح ملحداً. كنت فتى صغيراً غاضباً، لقد صببت جام غضبي على العالم، وعلى نفسي والأسوأ، على الله. لقد تعثرت خلال سنوات المراهقة المبكرة فانطويت على نفسي، وانكفأت إلى ما يسمى «الصَدَفة العاطفية».

٢٥٥

كانت مراهقتي مليئة بالبؤس والشعور بالوحدة. وقد حاول والداي المسكينان التحدث معي، لكني كنت معادياً ومتعالياً جداً تجاهما. تخرجت من المدرسة الثانوية في صيف عام ٦٩٩١، وشعرت أن الأمور يجب أن تتغير نحو الأفضل، تم قبولي في إحدى المدارس المهنية المحلية، وقررت أنه ينبغي عليَّ مواصلة دراستي، وربما كسب مال وفير، كي أكون سعيداً. وحصلت على وظيفة في مطعم للوجبات السريعة قريب من بيتي لأتمكن من المساهمة في دفع تكاليف المدرسة.

قبل بدء العام الدراسي ببضعة أسابيع، دعيت للانتقال والعيش مع بعض أصدقائي في العمل. بدا هذا لي وكأنه الحل لمشاكلي! فسأنسى عائلتي وأكون مع أصدقائي طيلة الوقت. لقد أشعرتني حريتي الجديدة بالجرأة، وأحسست كمن أطلق سراحه، وأن بمقدوري اتباع رغباتي كما أشاء. انتقلت للعيش مع أصدقائي ولم أتحدث إلى والديّ لوقت طويل بعد ذلك.

كنت أعمل وأذهب إلى المدرسة عندما عرّفني من يعيشون معي في الشقة على الماريجوانا. وبدأت أدخن منها قليلاً عندما أعود إلى المنزل للراحة والاسترخاء. ولكنني صرت أدخن أكثر فأكثر دون أن أشعر، ولم أعد إلى المدرسة بعد ذلك قط. وأدركت أن وضعي الممتاز هو ذلك الطعام السريع الذي أتمكن من سرقته، وكل المخدرات التي أتمكن من تدخينها، فما الحاجة بعد ذلك إلى المدرسة؟!

كنت أعيش حياة رائعة، أو هكذا ظننت؛ أصبحت الولد الشرير «المقيم» في العمل. والغريب هو أنني عندما لا أكون في حالة سكر عالية كنت أشعر بالبؤس، وبأنني عديم الجدوى ولا قيمة لي إطلاقاً. كنت أسرق من العمل والأصدقاء لتأمين المخدرات. وأصبت بحال من الرهاب ممن هم حولي، بحيث أصبحت على وشك الانهيار، وبحاجة إلى حل، وحسبت أن الدين من شأنه أن يساعدني من جديد.

٢٥٦

خلال كل هذا، كان هناك صديق واحد ظل بجانبي. كان مسيحياً «وُلد من جديد» وكان دائماً يعظني، رغم أنني كنت أسخر من إيمانه كلما سنحت الفرصة؛ كان الصديق الوحيد لي في ذلك الوقت الذي لم يحكم عليَّ. لذلك عندما دعاني للذهاب إلى مخيم للشباب في عطلة نهاية الأسبوع، قررت الذهاب معه ولم يكن لديَّ أي توقعات. اعتقدت أنني سأضحك ملياً وأسخر من كل أولئك «الواعظين بالكتاب المقدس». وخلال الأمسية الثانية، أقاموا صلاة حاشدة في إحدى القاعات. وعزفوا جميع أنواع الموسيقى التي تمجِّد الله. وأخذت أراقبهم صغاراً وكباراً، ذكوراً وإناثاً يصرخون مستغفرين وهم يذرفون الدموع على كل شيء. لقد تأثرت فعلاً، وتلوت صلاة صامتة على غرار «اللهم، أنا أعلم أنني كنت شخصاً رهيباً، أرجوك ساعدني، واغفر لي واجعلني أبدأ بداية جديدة».

وشعرت بموجة من العاطفة تجتاحني، وأحسست بالدموع تجري على خدي. وقررت في تلك اللحظة أن أحتضن يسوع المسيح «كربي» ومخلصي الشخصي.

عدت إلى بيتي وتجنبت جميع المخدرات والمسكرات، والفتيات. وبدأت على الفور أدعو أصدقائي للالتزام بالمسيحية كي ينجوا. لقد انتهى بي الأمر بأن عدت للسكن مع والداي بعد غياب طويل، وقررت الانتقال من المنزل مرة أخرى، ولكن هذه المرة بشروط أفضل.

وبدأت أتردد إلى «بيت شباب» مسيحي كان معدّاً للمراهقين للابتعاد عن الضغوط العائلية ومناقشة مسائل مسيحية. كنت أكبر سناً من معظم الأولاد، ولذلك أصبحت أحد الذين يتحدثون أكثر من الآخرين ويحاولون جعل الأولاد يشعرون أنهم محل ترحيب. على الرغم من ذلك، شعرت وكأنني محتال، فقد عدت لتعاطي الكحول. وخلال كل هذا، كان صديقي المسيحي الوحيد يحاول أن ينصحني ويبقيني على جادة الصواب.

٢٥٧

ولا زلت أذكر إلى يومنا هذا أول لقاء لي مع مسلم. أحد الفتية أحضر صديقه إلى بيت الشباب. وكان فتى مسلماً وقد نسيت اسمه. ما أتذكره فعلاً هو أن الصبي قال: «لقد أحضرت صديقي «فلان»؛ إنه مسلم وأريد أن أساعده ليصبح مسيحياً». لقد أدهشني كثيراً هذا الطفل الذي يبلغ من العمر ٤١ سنة، فقد كان هادئاً وودوداً! صدِّق أو لا تصدق، لقد دافع عن نفسه وعن الإسلام مقابل اثني عشر مسيحياً يقصفونه والإسلام بالإساءات! وفيما كنا جالسين هناك نتصفح دون جدوى أناجيلنا ونستشيط غضباً، جلس بهدوء وهو يبتسم ويحكي لنا عن عبادة الله، وكيف أنه يوجد حُب في الإسلام. كان مثل غزال محاصر من قبل عشرات الضباع، ولكنه كان طوال الوقت هادئاً وودوداً ومحترماً، وهذا ما كاد أن يفقدني صوابي!

ترك الفتى المسلم نسخة من القرآن على الرف، إما أنه نسيها أو تركها عمداً، أنا لا أعرف، لكني بدأت قراءتها. وسرعان ما أثار هذا الكتاب غضبي عندما رأيت أنه منطقي أكثر من «الكتاب المقدس»، فألقيته على الأريكة، ومشيت مبتعداً وأنا غاضب جداً، ومع ذلك أصبح في داخلي شك متواصل. لقد بذلت قصارى جهدي لنسيان أمر الفتى المسلم والاستمتاع بوقتي مع أصدقائي في بيت الشباب. وكانت مجموعة الشباب تذهب إلى كنائس مختلفة في عطلة نهاية الأسبوع لإقامة صلوات، كما كانوا يمضون ليالي السبت في كنيسة ضخمة بدلاً من الحانة. أتذكر أنه في أحد تلك الاحتفالات وكان يطلق عليه اسم «الخير» شعرت بأنني قريب جداً من الله وأردت أن أتواضع أمامه وأبيّن لخالقي حبي له، ففعلت ما شعرت أنه طبيعي: لقد سجدت، مثل ما يفعل المسلمون في الصلوات اليومية، ولكنني لم أكن أعرف ما الذي كنت أفعله، كل ما عرفته هو شعور رائع غمرني... أحسست أنني أقوم بما هو صائب أكثر من أي شيء آخر كنت قد فعلته في أي وقت مضى. شعرت بالورع والروحية واستمريت في طريقي، ولكن، كالعادة، بدأت أشعر أن الأمور تسوء.

كان القس يعلمنا دائماً أننا يجب أن نُخضع مشيئتنا أمام مشيئة الله، وأنا لم أرد أي شيء أكثر من القيام بذلك، ولكنني لم أكن أعرف كيف أفعل! كنت دائماً أصلي وأقول «أرجوك يا الله، اجعل إرادتي إرادتك، اجعلني أتبع إرادتك» وهلم جراً؛ ولكن لم يحدث أي شيء على الإطلاق. وأحسست بنفسي تنزلق ببطء بعيداً عن الكنيسة فيما انحسر إيماني.

٢٥٨

لقد تحطم عالمي! وأصبحت فارغاً من جديد. وأخذت أمشي كما مشيت من قبل، كأعمى يسير على غير هدى، أعمل وأنام وأذهب إلى الحفلات الصاخبة. لقد لف الشعور بالذنب، والغضب والحزن كياني كله. كيف سمح خالقي أن يحدث لي ذلك؟ كم كنت أنانياً!

بعد فترة وجيزة، قال لي مديري في العمل إن «مسلماً» سيعمل معنا، وكان متديناً حقاً، وعلينا أن نحاول أن نكون لائقين أمامه. حالما جاء هذا «المسلم» شرع يخبرنا كل شيء عن الإسلام والجميع قالوا له إنهم لا يريدون سماع أي شيء عن الإسلام، إلا أنا!

كانت روحي تصرخ وحتى عنادي لم يتمكن من إسكات تلك الصرخات، وبدأنا العمل سوياً وأخذنا نناقش عقائدنا. كنت قد يئست من المسيحية تماماً، ولكن عندما بدأ يسألني أسئلة، هبّ إيماني وشعرت كأنني من «المقاتلين الصليبيين» أدافع عن العقيدة أمام هذا «المسلم» الشرير!

حقيقة الأمر هي أن هذا «المسلم» على وجه التحديد لم يكن شريراً مثل ما قيل لي. في الواقع، كان أفضل مني. هو لم يكن يشتم، ولم يغضب قط، وكان دائم الهدوء، ولطيفاً ومحترماً. لقد أعجبني حقيقة، وقررت أن من شأنه أن يكون مسيحياً ممتازاً. وواصلنا طرح الأسئلة، كل منا يسأل أموراً عن دين الآخر، ولكن بعد فترة، شعرت أنني أصبح أكثر فأكثر في وضعية دفاعية. وفي مرحلة معينة، استشطت غضباً... كنت أحاول إقناعه بحقيقية المسيحية ولكنني شعرت أنه هو الذي كان يؤمن بالحق! وازدادت حيرتي أكثر فأكثر ولم أعرف ماذا أفعل.

كل ما عرفته هو أن عليَّ أن أقوي إيماني، فاتجهت إلى سيارتي ومضيت مسرعاً إلى احتفال «الخير». كنت مقتنعاً بأنه إذا ما تمكنت فقط أن أصلي هناك مرة أخرى، فإنني سأستعيد ذلك الشعور والإيمان القويين، وعندئذ يمكنني أن أقنع ذلك المسلم. وصلت وبدأت أدرك أنني كمن يتم دفعه في اتجاه معين، لذلك دعوت مراراً وتكراراً خالقي أن يجعل إرادتي مطابقة لإرادته. وشعرت أن دعائي يُستجاب؛ ذهبت إلى البيت وتمددت على السرير، وفي تلك اللحظة أدركت أنني بحاجة إلى الصلاة أكثر من أي وقت مضى. جلست على السرير وصرخت: «يا يسوع، يا الله، يا بوذا، كائناً من كنت، أرجوك، أرجوك أرشدني، أنا بحاجة إليك! لقد ارتكبت الكثير من الأعمال الشريرة في حياتي، وأنا بحاجة إلى مساعدتك. إذا كانت المسيحية هي الطريق الصحيح امنحني القوة، وإذا كان الإسلام كذلك، اجذبني إليه!

٢٥٩

وتوقفت عن الدعاء وكفكفت دموعي، وفي أعماق نفسي شعرت بالسكينة، وعرفت ماذا كان الجواب. ذهبت للعمل في اليوم التالي وقلت للأخ المسلم «كيف يمكنني أن أقول لك مرحباً»؟ سألني عما قصدته فقلت له: «أريد أن أصبح مسلماً». فنظر إليَّ وقال «الله أكبر!» وتعانقنا لبرهة وشكرته على كل شيء، وبدأت رحلتي إلى الإسلام.

أعود بذاكرتي مسترجعاً كل الأحداث التي وقعت في حياتي مع مرور الوقت، لأدرك أنه كان يجري إعدادي لأصبح مسلماً. لقد ظهر لي الكثير من رحمة الله. في كل ما حدث في حياتي، كان ثمة أمور لأتعلمها. لقد تعرفت إلى جمال التحريم الإسلامي للمسكرات، وحظر ممارسة الجنس غير المشروع، والحاجة إلى الحجاب. أخيراً، ها أنا أعيش حالاً من الاستقرار، لم أعد أعيش الأمور بإسراف، بل أعيش حياة معتدلة، وأبذل قصارى جهدي لأكون مسلماً لائقاً.

هناك دائماً تحديات، ولكن من خلال هذه التحديات، ومن خلال هذه الآلام العاطفية، نصبح أقوى، ونتعلم ونتجّه إلى الله تعالى وللذين قبلوا الإسلام في مرحلة ما في حياتهم أقول نحن محظوظون ومباركون حقاً. لقد أُعطينا الفرصة، وهي فرصة لنيل الرحمة العظمى! هي رحمة لا نستأهلها، ولكن - مع ذلك بإذن الله - سنعطاها يوم القيامة. لقد تصالحت مع عائلتي، وبدأت أبحث لإنشاء عائلتي الخاصة إن شاء الله. الإسلام هو فعلاً طريقة للحياة، وحتى لو عانينا سوء المعاملة من قبل إخواننا المسلمين أو غير المسلمين، يجب علينا أن نتحلّى دائما بالصبر ونتجه إلى الله وحده.

كل الحمد والتمجيد لله تعالى وصلوات الله ورحمته وبركاته على النبي الأكرم محمد (ص).

أدعو الله أن يزيدنا إيماناً وأن يوفقنا لما يحب ويرضى وأن يرزقنا جنته، آمين.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331