وهدوا إلى صراط الحميد

وهدوا إلى صراط الحميد0%

وهدوا إلى صراط الحميد مؤلف:
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 331

وهدوا إلى صراط الحميد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مؤسسة الإمام الحسين (عليه السلام)
تصنيف: الصفحات: 331
المشاهدات: 71215
تحميل: 5208

توضيحات:

وهدوا إلى صراط الحميد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 331 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 71215 / تحميل: 5208
الحجم الحجم الحجم
وهدوا إلى صراط الحميد

وهدوا إلى صراط الحميد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وهدوا

إلى صراط الحميد

الإعداد

مؤسسة الإمام الحسين (عليه السلام)

١

٢

مقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

وأفضل الصّلاة والتسليم على المبعوث رحمة للعالمين سيّد الخلق والمرسلين أبي القاسم محمّد وعلى آله الأطهار الميامين.

منذ البداية، أي منذ أن صدع رسول الرحمة، المصطفى الأمجد (ص) بالدعوة إلى الإسلام، دين الحقّ والهدى، بأمر من ربّه، متدرِّعاً بعزّة الإيمان وقوته، ومعلياً راية الجهاد لإعلاء كلمة الله تعالى في الأرض، كان التأييد الإلهي له حاضراً وحاسماً يوجّه خطواته نحو الهدف المقدّر مسبقاً وهو النّصر المؤزر على أعداء الله والإنسانية وإقامة قواعد الإسلام وبنيانه الشامخ. وهذا ما تبيّنه بوضوح الآية الكريمة التالية:﴿ هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَى الدِّینِ کُلِّهِ وَلَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ ﴿33﴾ ﴾ . [التوبة: 33]

وبعد الفتح المبين لمكّة المكرّمة ودخول الناس في الإسلام أفواجاً، سرعان ما استطال نور الإسلام وعظُمت سطوته فانقادت له قبائل وشعوب ودول بأكملها عُرفت في التاريخ بقوتها وجبروتها، كما تقبّلته شعوب كثيرة في أرجاء المعمورة بترحيب كبير لأنها وجدت فيه مخلّصاً لها من نير العبوديّات والظلم. وكلّ الدلائل والمعطيات المستندة في استنتاجها إلى متانة عقيدة الإسلام وحيويّة شرائعه ونظمه وإلى قوّة تأثيره في النفوس وقدرته على الإستقطاب، تعطي الانطباع وتعزّز القناعة، بأن ظهور دين الإسلام على مختلف العقائد والأديان والنظم الاجتماعية السائدة، كان ينبغي أن يكون أكثر سطوعاً وبروزاً.

وأنّ انتشاره بين شعوب الأرض ومناطقها، كان ينبغي أنّ يكون أكثر اتساعاً. وأن تأثيره الإيجابي في ميادين الحياة العامّة وفي مجريات الأحداث العالمية وفي التطورات الحضارية، كان ينبغي أن يكون أكثر حضوراً وفعالية... لكنّ كأس الأسى والأسف قد تجرَّع المؤمنون المخلصون مرارته منذ العهود الأولى، أي منذ بداية ظهور الانحرافات الخطيرة التي أدّت إلى إقصاء أهل الحقّ والنهج القويم عن مراتبهم التي رتّبهم الله تعالى فيها أي ولاية أمر المسلمين، وظلّت مرارة هذا الكأس تلازم الأجيال اللاحقة مع توالي العهود وتعاقب الحكّام المنحرفين - إلّا ما ندر - الذين غالباً ما استغَلّوا سلطتهم المغتصبة لأجل منافع ومصالح دنيويّة لهم ولأتباعهم وحواشيهم، فتعمّقت الانحرافات وتفشّى الضعف

٣

والوهن في جسد الأمّة وبلاد المسلمين وصولاً إلى حالة الانحطاط الكبرى التي استغلّها الأعداء المتربّصون ليعمدوا إلى تمزيقها واستتباعها، لكن مكامن القوّة في الإسلام باقية أبداً وهي تتمثّل في عقيدته السمحاء وشريعته الغرّاء وسيرة رجاله الصادقين وفيما قدّمه علماء المسلمين من إنجازات فكرية وعلمية وحضارية فذّة، فرضت نفسها حتى على المسيطرين الغربيين، فصارت من أساسات نهضتهم العلمية والفكرية المستجدّة، وقد اعترف بذلك كثير من علماء الغرب ومفكّريه المنصفين، كما أبدى بعضهم من المشهورين الإعجاب الشديد بالإسلام ونبيه (ص) ونظمه وتشريعاته والتي تصلح برأيهم كلّ مشاكل الحضارة الغربيّة وسلبيّاتها.

وبفضل مساهمة هؤلاء المفكّرين وجهود الناشطين والمبلّغين في الجاليات الإسلامية في البلدان الغربية وغيرها، انطلقت في القرن الماضي مسيرة التحوّل نحو الإسلام بخطى سريعة وثابتة متخطية الحواجز المتمثّلة - أولاً - بالتأثيرات العميقة للحضارة الغربية المادية التي تمجّد التحلل الديني وتقدّس التفلّت السلوكي والأخلاقي باسم الحرية الفرديّة - وثانياً - بالحملات الإعلاميّة والثقافية والسياسية المستمرة لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، بقصد محاصرة ظاهرة التحوّل نحو الإسلام المتعاظمة في الغرب.

ومع ذلك ففي كل يوم تشهد المدن والبلاد الغربية على وجه الخصوص إقبال الكثير من الرجال والنساء من مختلف المناشئ الدينية والفكرية ومن شتّى المستويات الثقافية والاجتماعية على اعتناق الإسلام وإشهار إسلامهم، مستكملين بذلك رحلتهم في الاستكشاف والاطّلاع بحثاً عن الدين الصحيح الذي يرضي عقولهم وتطمئن معه نفوسهم. فهم يجدون في عقيدته الإجابات المقنعة عن تساؤلاتهم حول الوجود والخالق تعالى وعلاقة الإنسان به والتي تتماشى مع الفطرة الإنسانية السليمة، كما يتلمّسون معه الحلول الواقعية لكثير من المشاكل الاجتماعية والنفسية والروحية التي تعاني منها المجتمعات الغربية.

وتتحدّث الأرقام حول الأعداد الكبيرة لهؤلاء المتحوّلين إلى الإسلام. فهم في بعض الدول أصبحوا بعشرات الآلاف وفي بعضها بمئات الآلاف وقد يتخطّى عددهم المليون في إحدى الدول الكبرى. وجلّ هؤلاء يقومون بواجباتهم الدينية باندفاع وحرص كبير. وكثير منهم أصبحوا دعاة ومبلّغين يجيدون لغة التخاطب مع محيطهم ومجتمعاتهم فيؤثّرون فيها ويضيفون رصيداً مهمّاً لحضور الإسلام في بلدانهم.

٤

ومن أجل الإضاءة على هذه الظاهرة الإسلامية العالمية القيّمة، التي تؤكّد متانة هذا الدين وحضوره المشرق في كل الساحات، كما تؤشّر إلى استمرار الوعد الإلهي بظهوره على الأديان والعقائد كلها، إلى أن يأذن الله تعالى لوليه الأعظم «عج» بتحقيق هذا الظهور الكامل التّام ومن أجل التعريف بنماذج حيّة ومحدّدة من هؤلاء الأخوة والأخوات المقبلون عن رضا وقناعة إلى دين الله تعالى، أصرّت مجلة «نور الإسلام» الصادرة عن مؤسسة الإمام الحسين (ع) الخيريّة - الثقافيّة في بيروت منذ سنة 1988م، أن تفرد في كل عدد من أعدادها المستمرة في الصدور حتى تاريخه، زاوية ثابتة بعنوان«وهدوا إلى صراط الحميد» تقدّم ضمنها مقابلة خاصة أو قصّة لأحد المهتدين الجدد إلى الإسلام من الرجال والنساء ومن مختلف البلدان والقارات حيث يعرّف فيها عن شخصه ومحيطه وخلفيّته الدينية والفكرية، ويتحدّث فيها عن الأسباب والظروف التي قادته إلى الدين الجديد وعن تجربته في البحث عن الحقائق الكامنة فيه والتي شدّته إلى الاقتناع به واعتناقه. وغالباً ما يذكر الصعوبات التي اعترضته في طريقه وكيف ذللها بالاتكال على الله تعالى، ومن ثَمَّ يكشف عن مساهمته في التبليغ في محيطه ويدلي بآرائه وملاحظاته المفيدة في هذا الشأن.

وأخيراً، فقد رأت إدارة مؤسسة الإمام الحسين (ع) من أجل تعميم الفائدة واستجابة لتمنيات بعض الأخوة العاملين في مجال التبليغ أيدهم الله تعالى، أن تجمع ما تحصّل من هذه المقابلات والقصص الغنية والمؤثرة وأن تقدّمها بين دفتي كتاب، من شأنه أن يسهّل الاطّلاع عليها جميعاً، فينشرح بها قلب كل من يسعده رؤية هدى الإسلام ونوره ساطعاً في الأرجاء.

ويستعين بها كل متألم على المتساقطين من حوله في وهدة الضلال والانحراف، فهؤلاء القادمون إلى حضن الإسلام والإيمان بإرادتهم ووعيهم من مواقع مخالفة أو معادية هم حجة دامغة على المنحرفين من المسلمين وربما كان في قصصهم عبرة لهم ويقظة ضمير.

والله تعالى من وراء القصد وبه المستعان

مؤسسة الإمام الحسين (ع)

الأخ الإفريقي إسماعيل عبد الله

هذه قصّة إسلامي، الكاملة

٥

٦

فيما يلي نقدّم ترجمةً لنصٍ وصل إلينا باللغة الفرنسية، يروي فيه

الأخ الإفريقي إسماعيل عبد الله

قصة إسلامه كاملة:

وُلدتُ عام 1947 في موتاو في جمهورية إفريقيا الوسطى لأبوَين مسيحيين. كان أبي فيما مضى منصّراً كاثوليكياً. بعد إكمال دراستي الابتدائية والثانوية ذهبت إلى بانغي للتسجيل في مدرستها، وفي الوقت ذاته قدمت طلباً للدخول إلى المدرسة اللاهوتية المسيحية في ياوندا (الكاميرون) للسنة الدراسية التالية للدخول في سلك الرهبنة.

وبما أنه كان لي شقيق يعمل ككاتب أول في محكمة مدينة بوزوم فقد كان عليّ أن أذهب لزيارته من آنٍ لآخر. وخلال زيارتي له في العطلة الربيعية لعام 1972 عَنّ لي تمديد إقامتي لديه أياماً أخرى. وأثناء جولة قمتُ بها في الحي الإسلامي ذات يوم رأيت مشهداً كان كفيلاً بأن يستحوذ على اهتمام أي شخص يبحث مخلصاً عن الحقيقة والدِّين الحق: لقد كانت ساعة الغروب وكان المؤذن يرفع أذان صلاة المغرب. ورأيت الناس المتوجهين نحو المسجد وهم يقفون خاشعين بمَن فيهم رئيس الحي الذي يتمتع بمكانة اجتماعية رفيعة. أما أنا فقد توقفت إعجاباً بأولئك الأشخاص الذين كانت حركاتهم وسكناتهم تنم عن خشية الله.

وفيما مضى كنت أنعى على بني قومي من المسيحيين عدم تسليمهم وعدم خضوعهم الكامل لله (سبحانه وتعالى). وكنت يومها لا أعرف شيئاً عن الإسلام. ولم يخطر ببالي قط أنه كان في وسع مسيحي حقيقي أن يصبح مسلماً. ومع ذلك فقد عدتُ من جولتي هذه مقتنعاً بأني قد التقيت لتويّ بأناس يعرفون حقيقة إلهية، أنا على جهل تام بها.. وعلى هذا فهم يخشون الله أكثر من خشيتي إياه، وأكثر من المسيحيين الذين عرفتهم فيما مضى. وكان من المحزن لي ألّا يكون بوسعي أن أتّقي الله وأخشاه كالمؤمنين الأوائل الذين تتحدث عنهم الكتبُ السماوية.

أُعجبتُ بالإِسلام فأَسلمت

وفي مساء اليوم التالي قادتني قدماي إلى المسجد ذاته.. ووقفتُ عند الباب أراقب المؤمنين وهم يؤدون صلاتهم في خضوع تام لله تعالى. وفي هذه المرة لم يعد ثمة شك لديَّ في أن الإِسلام هو دين التقوى والخضوع لله.. وهو إذن، الدين الذي أبحث عنه. ثم انتظرت على أحر من الجمر انتهاء الصلاة وخروج إمام المسجد، حيث تبعته إلى منزله. وهناك طلبتُ منه أن يشرح لي الإِسلام وأن يوضح لي الشروط المطلوبة لاعتناقه.

٧

فأجابني بأن جوهر الإِسلام هو الاعتقاد والإِيمان بوحدانية الله تعالى ونبذ الشرك به، كما أنه يقوم على الإِيمان برسالة محمد (ص) خاتم الرسل والأنبياء. وبحضور إمام المسجد نطقت بالشهادتين.

وقد اتخذت لنفسي اسم إسماعيل بدلاً من اسمي الذي كنتُ أحمله رغماً عني، وكنت أجهل أصله ومعناه.

بسبب اعتناقي الإِسلام اضْطُهدتُ من أهلي ومجتمعي

وحين وصل خبر اعتناقي للإِسلام إلى أهلي، كان لهذا الخبر وقع الصاعقة عليهم! لقد لاحظت الحقد واضحاً على وجوههم وفي نظراتهم. وخلال عدة أيام لم يوجّه إليّ أي فرد من أفراد العائلة أي كلمة على الإِطلاق. وراح أخي يروّج ضدي صنوفاً عديدة من الاتهامات بين معارفي وأبناء بلدتي. وأخذ الجميع يعاملونني بخشونة واحتقار.. وصار النسوة والأطفال يتهكّمون بي كلما مررت في الطريق. وأخذ بعضهم يقول بأني قد تحولت في وطني من رجل ذي نسب نبيل إلى عبد تافه للعرب (إذ أن بعض الناس لا يستطيعون التمييز بين العرب وبين المسلمين). وتعالت أصوات تدعو إلى عزلي ونبذي من المجتمع. وفي مسقط رأسي أخذ أقربائي يشعرون بالعار، وذلك لأن الناس ليس لديهم سوى أفكار مغلوطة عن الإِسلام. ولم يخرج عن هذا الإجماع سوى أُمي.

وبسبب ذلك، كان عليّ أن أقطع دراستي للغة الفرنسية، وقررت الذهاب إلى بلد من البلدان الإِسلامية لكي أحافظ على إيماني، ولكي أتعرّف على ديني الجديد بشكل أفضل.

الرحلة الطويلة المضنية في سبيل التعرّف إلى الإِسلام

وبعد التشاور مع عدد من الإخوة ومع أحد العلماء نُصحت بالذهاب إلى مدينة كاولاك في السنغال. وحيث أني لم أكن أملك المبلغ الكافي للقيام بهذه الرحلة فقد تنادى بعض المؤمنين لجمع مبلغ يكفيني - على الأقل - للسفر من بانغي إلى الكاميرون بالطريق البرية. وحصلتُ على رسالة توصية لتسهيل سفري وتيسير أموري في حِلّي وترحالي. وكمرحلة أولى قمت بالسفر بالسيارة من بانغي إلى غارا مبولاهي، وهي مدينة كاميرونية تقع على الحدود. وكان بحوزتي رسالة توصية إلى شيخ في مدينة غيدر - وهي في الطرق الشمالي الأقصى من الكاميرون. وبعد رحلة استغرقت أربعة أيام وصلنا إلى مدينة غارامبولاهي، وهنا نزلت في ضيافة أحد العلماء حيث قضيت عنده ستة أيام - ثم جُمع لي مبلغ من المال يكفيني لمواصلة السفر حتى مدينة غاروا التي تبعد 600 كيلومتر.

٨

وفي الطريق توقفنا يوماً واحداً في مدينة نغاونديرة الواقعة في منتصف المسافة. وبعد مشقة استطعت العثور على مكان قضيت فيه ليلتي. ثم اضطررت أن أمكث في المدينة خمسة أيام لم أتناول خلالها سوى وجبتين من الطعام فقط. وكنت أتضوّر جوعاً. وفكرت في الحصول على أي عمل يتيح لي تأمين مبلغ يكفيني لكي أعود أدراجي من حيث أتيت! ولكني صرفتُ النظر عن هذه الفكرة لإدراكي بأن عودتي إلى بانغي هي أمر محزن لأني لم أحقق بعد رغبتي في التعرف إلى الإِسلام بصورة تؤهلني لإرشاد الآخرين وهدايتهم. وصرت أدعو المولى القدير أن يأخذ بيدي ويسدد خطاي ويسهّل أمري. وبقيت جائعاً ثلاثة أيام لأني لم أكن لأريد التصرف بالمبلغ البسيط الذي كان لا يزال في حوزتي. وفي مساء اليوم الثالث عثرتُ على سيارات تحمل عبارة «مدينة غيدر» فاتفقتُ مع أحد السوّاق على أن يقلّني إلى المدينة المذكورة لقاء جزء من الأجرة الكلية للسفرة واعداً إياه بدفع باقي المبلغ عند الوصول، حيث سيتولى الشيخ موديبو يحيى شيخ المدينة الذي سأنزل في ضيافته الوفاء بدَيْني هذا. ووافق الرجل سيما وأنه يعرف بأن الشيخ المذكور هو واحد من أفاضل العلماء في مدينة غيدر هذا فضلاً عن كونه ممن يتّصفون بالكرم والشهامة. وظُهْر اليوم التالي توجهنا إلى المدينة حيث وصلناها بعد رحلة استغرقت ساعتين.

وفي اليوم التالي ذهبتُ إلى مديرية الأمن للحصول على بطاقة إقامة. ولكني اصطدمتُ بعدوّ لدود للإِسلام، وهو ضابط الشرطة الذي يتولى منصب مدير الأمن. حيث ادعى بأن مجيء شخص أجنبي مثقف للاستقرار والإقامة في زاوية من زوايا الريف في الكاميرون بحجّة تعلّم القرآن ودراسته هو أمر مثير للريبة ثم صادر جميع أوراقي الشخصية ولم أتمكن من استعادتها حتى اليوم.

ومع ذلك فقد قضيتُ في هذه المدينة تسعة أشهر تسنّى لي خلالها - والحمد لله - أن أكتسب ثقافة إسلامية جيدة وكافية لمسلم متحمس للقيام بدوره من أجل نشر الإِسلام والدفاع عنه في العالم.

وخلال الشهر السادس من إقامتي في هذه المدينة الكاميرونية تعرفتُ إلى أحد علماء مدينة كاولاك السنغالية، وهو شيخ جليل فاضل. ومنذ تلك اللحظة صرت أطمح للذهاب إلى كاولاك لأواصل تعليمي الديني. وقد استأذنت من أستاذي لتنفيذ مشروعي هذا، فوافق ورسم لي طريق الرحلة التي تقتضي المرور بنيجيريا وتمضية بضعة أسابيع فيها.

٩

وفي يوم من أيام شهر أيار بدأت رحلتي بالسيارة باتجاه نيجيريا - بلا أوراق ولا جواز سفر -! ووصلت مساء اليوم ذاته إلى مدينة يولا في نيجيريا. وقرر الشيخ أن أواصل سفري برفقة شخص وقع عليه اختياره. على أن يساعدني هذا المرافق على جمع المبلغ اللازم لسفري. وبعد ثلاثة أيام ابتدأت السفر، حيث مررنا بعدّة مدن وقرى نيجيرية قبل وصولنا إلى كانو الواقعة في أقصى الشمال.

وقد استُقبلت هناك استقبالاً حافلاً. وفي اليوم التالي ساعدني أحد رجال الأعمال في الحصول على جواز سفر نيجيري. وقد مكثت هنا شهراً كاملاً ريثما يتمُّ جمع المبلغ اللازم لسفري. وبعد ذلك غادرت كانو، حيث بلغت مدينة باماكو عاصمة مالي.

وبعد ثلاثة أيام بدأت الرحلة بالقطار، حيث وصلتُ كاولاك في السنغال يوم الجمعة الموافق 3 آب 1973.

وخلال عام ونصف عكفت على دراسة الدين بشكلٍ عام، ودراسة التفسير بشكل خاص. بالإِضافة إلى الحديث النبويّ الشريف. وقد تتلمذت على يد واحد من أفاضل الشيوخ في المدينة.

وفي أثناء ذلك كنت أكتب الرسالة تلو الرسالة إلى أهلي في أفريقيا الوسطى أدعوهم فيها إلى الإِسلام. ولكني لم أكتفِ بذلك. فقد كان يحزنني احتمال موت أحد أفراد عائلتي وهو على ضلال، في حين كان بوسعي أن أرشده إلى الصراط المستقيم. وهكذا قررت العودة إلى بلدي لكي أمارس التبليغ. وكان ذلك على وجه الخصوص أملاً في إنقاذ أهلي ومواطنيّ ووقاية لهم من نارٍ وقودها الناس والحجارة. وبدلاً من أن أقبل عرضاً لعالم من علماء موريتانيا لأتتلمذّ على يديه في بلده عشرة أعوام فضّلت العودة إلى أفريقيا الوسطى حيث كان ينتظرني الواجب.

وعدتُ إلى موطني لأقوم بواجب التبليغ

وفي كانون الأول 1974، وبعد الاستئذان من أساتذتي سلكت طريقي عائداً من حيث أتيت. ووصلت وطني في نيسان 1975 بعد رحلة حافلة بالمعاناة لعدم توفر المال اللازم للسفر. وكانت أول عائلة أسلمت على يديّ هي عائلة أحد موظفي الجمارك على حدود تشاد، إذ اعتنق الإِسلام هو وزوجتاه وأطفاله الستة. وبعد وصولي إلى بانغي اهتدى إلى الإِسلام بواسطتي خلال شهر واحد أكثر من عشرة أشخاص.

١٠

والواقع أن وضع المسلمين الاجتماعي هو سيّء للغاية في أفريقيا الوسطى. فالمسلم يتعرض للاعتقال التعسفي.. وهو عرضة للإِهانة والإِذلال علناً وعلى رؤوس الأشهاد. إنه البقرة الحلوب للسلطات. وهو مادة للتندر والسخرية في المدرسة وفي الشارع وفي السيارة.. والمواطنون المسلمون مرغمون على الابتعاد عن المجتمع بسبب أسمائهم التي تنمّ عن انتسابهم للإِسلام. وكثير منهم يضطرون إلى أن يتخذوا لهم أسماء مسيحية، وأن يتنكروا تماماً لدينهم. وفي القرى والأحياء لا يتردد الأطفال في توجيه الشتائم والسّباب للمسلمين. وثمة من يقول عن مسلمي أفريقيا الوسطى بأنهم هم أولئك الذين خانوا وطنهم لحساب العرب وذلك باعتناقهم لدين العرب (أي الإِسلام)!

وأمام هذا الوضع، قررتُ في كانون الأول 1975 أن أقوم بتأسيس منظمة إسلامية وطنية تُعني بجمع شمل المسلمين في أفريقيا الوسطى، ونشر الإِسلام والإشراف على الشؤون الإِسلامية في البلد.

وقد عرضت مشروعي هذا على بعض الإِخوة المسلمين فرحّبوا به وأبدوا استعدادهم لمساعدتي بهذا الصدد. ثم ذهبنا سوية لمقابلة رئيس بلدية المدينة حيث شرحنا له الوضع بالتفصيل. وقد أحالنا هذا على رئيسة الوزراء في تلك الفترة. وحين قابلناها عرضنا عليها المشروع. وقد سَجّلت ملاحظات أثناء المقابلة ثم استدعتنا ذات يوم لكي تحيلنا بدورها على وزير التعليم الوطني. إلا أن الخوف من قيام المسلمين بتنظيم صفوفهم والإِشراف على شؤونهم بأنفسهم أدّى إلى وأد المشروع. ولكني لم أفقد الأمل ولا العزيمة. ففي شباط 1976 قررت الذهاب إلى مدينتي نولا، حيث تسكن والدتي وكذلك إخوتي وأخواتي، فضلاً عن أقرباء آخرين. وصلت المدينة بعد الظهر. ولم يلبث أن انتشر خبر عودتي في المدينة. فتدفق عدد غير قليل من الناس إلى البيت لكي يستمعوا مني إلى شرح مفصّل عن الإِسلام. ونظراً لكثرة الزوار وكثرة الأسئلة المطروحة فقد اضطررت إلى السهر حتى ساعة متأخرة من الليل.

وفي اليوم التالي، وفي تمام السابعة صباحاً، كان رئيس القرية أول من قرّر اعتناق الإِسلام، وتبعه أشقائي الأربعة وأُمّي وعشرة أشخاص مهمين بعضهم من قرية مجاورة.

١١

وطيلة أسبوعين كنت أنظّم دخول أقربائي ومواطنيّ إلى الإِسلام وأشرح لهم تعاليم الدين الإِسلامي. ثم أدركتُ أنه كان عليّ أن أتنقل من قرية إلى أخرى لكي ألتقي بأولئك الذين لا يستطيعون المجيء إليّ. وبصحبة مؤمنين جدد قمتُ بجولة استغرقت عدة أيام لكي أقوم بالتبليغ في القرى المجاورة.

مواجهتي لمكائد المنصِّرين وأتباعهم

وفي تلك الفترة قام الشيطان بلعبةٍ قذرة. فقد قام كاهن المنطقة - وهو فرنسي - يساعده لفيف من الكهنة بجمع كل المسيحيين في إحدى الكنائس وخاطبهم قائلاً: «ما الذي ينبغي أن يفعله جواهريّ يمتلك كمية من الماس إزاء حجر أسود ينتصب بشكل غامض وسط ماساته الجميلة لكي يدمّرها ويخرّبها؟». فأجابه الحاضرون بصوتٍ واحد: «يجب تحطيمه بالمطرقة ونبذه بعيداً».. فقال لهم أيضاً: «لقد ظهر الشيطان في دياركم وبين ظهرانيكم.. وما لم تتضامنوا بقوة لطرده فإن إيمانكم مهدد وستذهبون كلكم إلى الجحيم..».

وما لبثوا أن كتبوا رسالة إلى رئيس الجمهورية آنذاك جان بيدل بوكاسا.. وهي رسالة يتهمونني فيها بأني قلتُ للناس بأني قد رشوت بوكاسا بمبلغ كبير من المال فسمح لي بالقول بأن الدين الإِسلامي هو الدين الحق دون غيره من الأديان وأن المسيحية هي دين استعماري فاسد.

وقد علمتُ عن طريق أحد الأشخاص الذين حضروا هذا الاجتماع بما كان يُحاك ضدي. فأقمتُ دعوى قضائية ضد الكاهن.. وقد مورست ضغوط ضدي لكي أسحب شكواي هذه ولكني رفضتُ رفضاً قاطعاً. وقد صدر على إثر ذلك حكم قضائي على الكهنة الأفارقة بالسجن عدة سنوات ودفع تعويضٍ لي - ولكني رفضته - أما الكاهن الفرنسي فقد نجا من العقاب لأنه أجنبي!

إنجازاتٌ وُفِّقتُ لها

وقد خرجتُ من هذه التجربة أكثر ثقة بالله وأشد تصميماً على المضي في طريقي لخدمة الإِسلام. وقد رسمتُ خطة مع بعض الإِخوة المسلمين لوضع برنامج للتبليغ والدعوة ولبحث الطرق الكفيلة بهداية أكبر عدد ممكن من المثقفين إلى الإِسلام الذين سيضطلعون فيما بعد بتوجيه كل المجتمع وتنقيته.

١٢

وقد قدمتُ لاحقاً طلباً إلى وزارة الإِعلام لاستئناف إذاعة البرامج الإِسلامية التي كان قد حُظِرَ بثُّها. فتمّت الموافقة على طلبي هذا. بل وخُصّص وقتٌ معين لبرنامج إسلامي باللغة الفرنسية حظي باهتمام كثير من المثقفين. وكنت أتولى بنفسي إعداد هذه البرامج بالفرنسية حتى عام 1980. وفي الفترة ذاتها كنت أضطلع بمسؤولية الاهتمام بالمسلمين الجدد وبتعليمهم العبادات والصلاة.

ثم أخذت على عاتقي توزيع الكتب والمطبوعات الإِسلامية المترجمة إلى الفرنسية على سكان العاصمة والأقاليم. وكنت أنظّم ندوات ومحاضرات في المدارس والكليات.

وفي عام 1978، بلغ عدد الأشخاص الذين اعتنقوا الإِسلام عن طريقي حوالي 720.

وفي عام 1978 أدّيت فريضة الحج في الديار المقدسة. وكنت يومها قد وضعت مشروعاً وخطة لبناء مسجد كبير في منطقة يوجد فيها عدد كبير من المسلمين الجدد.

وعند عودتي إلى الوطن، كان عليّ مواجهة صعوبات كثيرة: الافتقار لوسائط النقل، ضعف الميزانية وصعوبة توفير الكتب الإِسلامية.

وفي عام 1985 وصل عدد معتنقي الإِسلام بواسطتي إلى حوالي 905 أشخاص من المؤمنين.

وأخيراً فأنا أشكر الله (عزّ وجل) الذي وفقني إلى تحقيق هذه النتائج رغم صعوبتين كبيرتين:

1 - نحن نعيش في عالم مادي، حيث يشكِّل المال سلطة وقوة ذات تأثير كبير على الناس. فالحقيقة وحدها لا تكفي: فلا بدَّ من توفير المستلزمات المادية الضرورية لإصلاح الخلل. وبسبب هذه الثغرة فقد مُني عدد من مشاريعي بالفشل ومنها:

أ - مشروع لإِنشاء قرية إسلامية نموذجية مع معهد ديني لإِرشاد وتعليم المسلمين الجدد. ويمكن تنفيذ المشروع في المنطقة الكائنة بين الكونغو والكاميرون، وهذا يكون كفيلاً بهداية مواطني هذين البلدين.

ب - مشروع إقامة علاقات تعاون وتنسيق في حقل الوعظ والإِرشاد مع الخطباء والعلماء في البلدان الإِسلامية عموماً وفي فرنسا بشكل خاص، لكي نبرهن للأفارقة أن ثمة مسلمين فرنسيين.

ج - مشروع إقامة مزارع كبيرة للقهوة والأرزّ والموز وقصب السكّر تعتمد على المسلمين الجدد. ويمكن لهذا المشروع أن يؤمّن موارد مالية مهمة يُستعان بها لنشر الإِسلام.

١٣

2 - أما الصعوبة الثانية - وهي الأخطر - فهي عدم معرفتي باللغة العربية، مما يحدّ من إمكاناتي في الخطابة والإِقناع. ولذا فأنا مصمم على الذهاب للإِقامة مع عائلتي في أي بلد عربي لكي أدرس في إحدى الجامعات الإِسلامية.

وأنا أرجو من جميع إخوتي المسلمين ألّا يترددوا في مدّ يد العون والمساعدة لي، لكي أقوم بواجبي في نشر الإِسلام.

والحمد لله الذي وفقني لمخاطبتكم ولإحاطتكم علماً بقصتي التي تُعتبر أنموذجاً حياً لوضع الإِسلام والمسلمين في أفريقيا الوسطى.

١٤

الأخت «فاضلة الفرنسية»

الإِسلام أعطى المرأة الوضع والقيمة المثاليين. جذبني إلى الإِسلام روح العدالة والمساواة فيه

الأخت «فاضلة» شابة فرنسية عاشت في خضمِّ مجتمع ماديٍّ ثقيل الوطأة.. يحوّل الإِنسان إلى رقم لا قيمة له بين الأرقام، ويسلبه روحه ويمسخ آدميته.. وكان أَنْ مَنّ الله عليها بنعمة الإِيمان وشرح صدرها للإِسلام.

وها هي تحدّث المجلة عن رحلة اعتناقها لدين الفطرة:

هل لكِ أن تعطينا فكرة عن حياتك السابقة؟ والمجتمع الذي كنت تعيشين فيه؟ وكذلك الجو العائلي؟

وُلدت في جنوب فرنسا، لكنني نشأت وترعرعت في شمال فرنسا، في منطقة تعجّ بالمهاجرين العرب، ضمن أسرة عمالية فقيرة. عائلتنا تتألف من 6 أشخاص: ولدين وبنتين وأمي وأبي طبعاً. والدي كان ملحداً أما والدتي فكانت لا تهتم بأمور الدين المسيحي الذي كنا ننتمي إليه. إلا ببعض الطقوس التي كانت تُفرض علينا من قِبَل المحيط العائلي الكاثوليكي المحافظ. إخوتي كانوا كغيرهم من الفرنسيين، يهتمّون بأمور دنياهم فقط. تعلّمت في مدرسة للراهبات حتى سن الرابعة عشرة ومن ثم تابعت في مدرسة رسمية (علمانية) حتى السادسة عشرة من عمري، حيث انتقلت للعمل في عدة مجالات، لأن وضعي الاجتماعي كان يفرض عليّ أن أعيل نفسي بنفسي.

درستِ في مدرسة مسيحية، فهل كان لها تأثير ما على معتقداتِك؟

أو بالأحرى ماذا كان تأثيرها على توجّهكِ الديني؟

عندما كنت في المدرسة الكاثوليكية هذه كان ما جذبني هو قصة السيد المسيح الذي عُذِّب واضَطُهِد لأنه بشّر بما يعتقد، كانت حياته تثير مشاعري، لذلك كنت أحب مادة الدين، كروايات وقصص لا كتطبيق، لأن ما كان يقوم به الجميع في هذه المدرسة من تمييز وتفرقة بين الطلبة تبعاً لانتمائهم الطبقي (فالغني كان يُحترم أما الفقير فكان يحتقر) ترك أثراً كبيراً لديَّ تجاه هؤلاء وتجاه ما يبشّرون به، كما ولّد لديّ نفوراً من الدين أو بالأحرى نفوراً من أن أكون كهؤلاء الراهبات خاصة. لذلك انتقلتُ إلى المدرسة العلمانية حيث لا وجود للدين، وهنا يشعر المرء بالراحة. لأن الكل تقريباً من نفس الطبقة الاجتماعية. إذن لم يكن لديّ توجّه ديني، لأن الدين لم يكن يعنيني في شيء.

١٥

هل كنتِ تسمعين بالديانة الإِسلامية؟

لقد تعرّفتُ على بعض «المسلمين» منذ كنت صغيرة، لأن المنطقة التي عشت فيها كانت تضمُّ الكثير من المهاجرين العرب. كنت أسمع منهم أنهم مسلمون... ولكن بما أنهم كانوا يقومون بكل ما يقوم به بقية سكان المنطقة من الفرنسيين (شرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، والسفور، والعلاقات غير الشرعية - الزنا - ) فلم أكن أميّزهم عن غيرهم. بل كنت أميّزهم بمعاملتهم السيئة لزوجاتهم، وأولادهم، وتصرفاتهم غير المناسبة اجتماعياً وهذه ليست نظرتي أنا فقط بل نظرة كل الفرنسيين هناك تقريباً، إذن أنا لم أسمع بالدين الإِسلامي من قبل كعقيدة وتعامل وحقوق وواجبات وأخلاق.

إذن كيف تعرَّفتِ على الإِسلام؟

كل شيء بدأ عندما أسلم أخي الذي كان يعمل في مصنع حيث يوجد الكثير من العمال العرب المسلمين، هناك تعرَّف إلى رجل تونسي في الأربعين من العمر، كان يؤدّي صلاته في المصنع، فلفت انتباهه وسأله عما يفعل كل يوم، وما هذا الذي يقوم به، ولماذا؟

فما كان من هذا الرجل إلا أن شرح له ذلك ودعاه إلى منزله، وأخذ يُسمعه آيات من القرآن الكريم بصوت أحد المقرئين فأعجب جداً بهذا الصوت المعبّر، وظل يتردَّد على هذا الرجل حتى أسلم (وقد أطلق على نفسه اسم مصطفى) طبعاً أخي لم يقف مكتوف اليدين أمامنا - أنا وأخي الأكبر، بل أخذ يحدّثنا عن الإِسلام وعن الرسول (ص) وعن الله (عزّ وجل) كنت أحب الاستماع إليه كثيراً، لكن في الرابعة عشرة هناك أمور دنيوية تشغلنا وتجذب عقولنا، لذلك لم أهتم بشكل جدي بالموضوع. بعكس أخي الأكبر الذي أسلم وأطلق على نفسه إسم حمزة، سافر شقيقاي مصطفى وحمزة إلى سوريا لدراسة العلوم الدينية لمدة سنة كاملة. طبعاً هذا البعد أنساني كل ما كانا حدثاني عنه. لكن لن أقول أن مناقشاتهما معي لم تجدِ نفعاً، بل بالعكس فقد أقنعاني بفكرة وجود الخالق الذي هو الله تعالى. وبعد عودتهما من سوريا كرّرا عليّ الكلام والمحادثات، وأخذا يحدّثاني عن الإِسلام وشرعته السمحاء التي تهدف إلى إقامة العدل والمساواة بين الناس. ثم ذهبت معهما إلى باريس حيث التقينا بعدد من الإخوة المؤمنين، وتعرّفت منهم على الكثير من مبادئ الإِسلام، وحصلت على أجوبة لكل الأسئلة التي كانت تدور في خاطري، وشعرت أنه من الضروري الدخول في هذا الدين القيّم الذي يحفظ حق الإنسان، ولا يقبل بأي شكل من أشكال الظلم والاستكبار، ويدعو للمساواة والعدالة.

١٦

وأسلمت لله (عزّ وجل) ، وبدأت بتطبيق تعاليم الدين تدريجياً: تعلمت الصلاة - باللغة العربية طبعاً - وبدأت بالصيام وأخذت أتعلَّم بعض أحكام الطهارة والنجاسة والتقليد وكل ما يتعلق بالحياة اليومية، كما أخذت أتردَّد إلى بعض المراكز الإِسلامية في باريس للاحتكاك أكثر بالأخوات المؤمنات.

هل تعلَّمتِ اللغة العربية؟

كلا، لم أتعلَّم اللغة العربية، إلا في الصلاة فقط، ولكن سأحاول ذلك بإذن الله.

ذكرتِ أن تؤدّين فريضة الصيام، فهل كان صعباً عليك أداء هذه الفريضة بادئ الأمر؟

عندما علمت أنه من الواجب أن نصوم شهر رمضان، حاولت الالتزام بهذا قدر المستطاع، طبعاً لا يخلو ذلك من الصعوبة، ولكن بعون الله وبالإرادة القوية، تمكّنت من أن أقوم بهذا الواجب العظيم.

بعد اعتناقكِ الإِسلام ماذا كانت ردة فعل أهلك ومجتمعكِ؟

«خُلقتِ مسيحية ويجب أن تبقي مسيحية» هذا ما كانت تردّده والدتي، وكانت تسألني: لماذا تغيّرين دينك؟ وما هذا الذي تقومين به؟ لكن ما أزعج الجميع هو التزامي بالحجاب. لم يقبلوا هذا أبداً، حتى أنه في بداية دخولي الإِسلام لم أضع الحجاب مباشرة بل وضعته بعد فترة قصيرة. وعندما كنت أذهب إلى قريتي حيث كان الأصدقاء السابقين والأقارب، كان صعباً عليّ أن أضعه في البداية لكن في النهاية كان لا بدّ أن أواجه الجميع وأفرض عليهم لباسي هذا، حتى ولو لم يعجبهم لأني كنت مقتنعة به. وكان لزواجي من شاب مؤمن أثر كبير في مساعدتي على مواجهة ردة فعل أهلي ومجتمعي، حيث كان يذهب دائماً معي لزيارتهم.

ماذا وجدتِ في الإِسلام من مميزات يختلف بها عن غيره من الأديان؟

ما جذبني في الإِسلام هو العدالة والمساواة، فكل الناس سواسية؛ الفقير منهم والغنيّ، السادة والعامة، كلهم متساوون. هذا التواضع لم أعرفه إلا في الإِسلام، كما تعرّفت في الإِسلام أيضاً على الاطمئنان الروحي لأنه ذلك الدين الذي يعالج كل شؤون الحياة: كلما طرحت سؤالاً أجد له جواباً... ولا يوجد فيه تناقضات أبداً. وكوني امرأة، أعتبر أنّ الوضع المثالي والقيمة المثالية للمرأة هو ما أعطاها إياها الإِسلام، فكرّمها أحسن تكريم، وأنا أعتبر الإِسلام الدين الكامل الذي يجب على كل إنسان أن يتّبعه، لأنه الحق بعينه.

١٧

كيف وجدتِ حياة المسلمين في لبنان.. من ناحية تطبيقهم لهذا الدين الحنيف (الإِسلام)؟

للأسف هنا أرى قسماً كبيراً من المسلمين يفتِّشون عن الدين لحل مشاكلهم ولكن لا يطبِّقونه في البداية حتى لا يقعوا في المشاكل! فهم هنا يخلطون بين التقاليد والدين، قد يفضِّلون بعض العادات والتقاليد على الأحكام الدينية طبعاً أنا لا أنفي وجود إخوة مؤمنين وأخوات مؤمنات، لكن هذا قليل جداً بالنسبة لطموحنا وآمالنا كمسلمين.. فما نريده هو الإيمان والأخلاق والعمل الصالح والإنسان المسلم النموذجي. كما أتمنى من المرأة المسلمة هنا أن تعي دورها وأهميته، وأن تطالب بحقوقها التي منحها إياها الإِسلام وأن لا تنسى واجباتها طبعاً. وعلى الرجل أن يوفِّر الوقت الكافي لزوجته حتى تنمّي نفسها ثقافياً، وتتطور وتتابع كل ما يجري حولها من أحداث، وألا يتركها للعمل المنزلي فقط الذي قد تصرف فيه كل وقتها من الصباح وحتى المساء، فالمرأة الواعية تستطيع أن تقوم بدور التربية لأولادها أفضل بكثير من المرأة العادية غير المثقفة. كما أطلب من نفسي ومن كل الأخوات الاقتداء بفاطمة الزهراء (عليها السلام) كما أطلب من الرجل الاقتداء بالرسول (ص) والحمد لله رب العالمين.

١٨

قصة إسلام الأخ الأميركي «ستريد سمارت»

تعلمت العربية لأقرأ القرآن بنفسي وبفضله إهتديت

لقد طُلب إليّ أن أحدّد الأسباب التي دفعتْني إلى تغيير ديني وإلى الدخول في الإِسلام. ويسعدني جداً أن أجيب طلب أولئك الذين أخذوا بيدي في هذا الطريق الصعب، وآمل أن يستمروا في ذلك.

إن الكلام بهذا الأسلوب في يومنا هذا، قد يبدو للبعض ضرباً من الرفض، أو من النكوص إلى الوراء.

ولكي أوضح موقفي بشكلٍ أفضل، اسمحوا لي أن أقول بأن مصطلحات «نكوص» «وتقدّم» المتناقضتَين كانت تسبِّب لي ضيقاً شديداً. وفي رأيي أن هذا التعبير - كما يُستخدم بالإِنكليزية - هو مشوّش وغير دقيق.

فأنا أستطيع أن أبنيَ شخصيتي بنفسي، كما أرغب، دون أن أحتاج إلى مساعدة الآخرين. وفضلاً عن ذلك، كنتُ قد نُشِّئْتُ على أساس إيمانٍ قديم يؤكد بأن الله تعالى يساعد أولئك الذين يبذلون جهداً لمساعدة أنفسهم (ساعد نفسك، تساعدْك السماء!).. ولذا فإنه لمن الصعب عليّ أن أبنيَ آرائي وقناعاتي الدينية على أساس قناعات الآخرين.

ومن البدهي أنه لكي أعرف الحقيقة بشكل أفضل، يتعين عليّ أن أقيم صِلاتٍ مع أناسٍ سبق لهم أن سلكوا هذا الطريق، وبالتالي فهم يعرفون عنه أكثر مما أعرف.. وذلك بغية الدخول معهم في نقاش.

فقبل أعوام عندما كنت أعمل، وفي ذات الوقت كنت أدرس في جامعة «الينويس»، تعرّفت على شاب مصري. وقد أهداني هذا - بمناسبة عيد ميلادي - نسخةً من القرآن الكريم بغلافٍ جلديٍ أنيق. وكان هذا المصحف مكتوباً باللغة العربية. وحيث أني كنت طالباً في قسم اللغات، وأعتقد أن على كل امرئٍ أن يعرف كيف يتكلّم الآخرون وماذا يقولون، فقد أعربتُ عن رغبتي في معرفة محتويات القرآن.

١٩

وعليه فقد قرّرت تعلّم اللغة العربية كيما أستطيع قراءة هذا الكتاب السماوي المقدَّس بنفسي.

لقد كنت دائماً أحترم وأقدِّس الكتب السماوية المقدّسة والدينية، بينما يفتقر المسيحيون إلى هذا الاحترام تجاه هذه الكتب المقدسة.

وأذكر أن مناقشات حامية الوطيس قد دارت بيني وبين أصدقائي المسيحيين حول هذا الأمر.

وكنت قد وضعت مصحفي بعناية بالغة في منديل ثم وضعته في حقيبتي. وهكذا كنت أحمله معي دائماً، مع أني لم أكن أفهم منه شيئاً على الإِطلاق (لجهلي بالعربية).

وكنت أرتاد من آنٍ لآخر الجمعية الإِسلامية في الجامعة، وكثيراً ما كان بعض أعضائها يدعونني لحضور لقاءاتها وندواتها. وما كانت هذه اللقاءات لتسعدني فحسب، بل أتاحت لي أيضاً - إلى حدٍّ ما - فهم ومعرفة المعتقدات والأفكار الإِسلامية.

إن المسيحية تدّعي الأخوّة والإِحسان والرأفة، ولكن بمقارنة هذه الأطروحة بسلوك مسلمي مدينة «الينويس»، وبتوادّهم وتراحمهم فيما بينهم، فإنّ الأطروحة المسيحية تبدو بلا محتوى. فذلك الشخص الذي كان يعرض خدماته لمرافقة صديقٍ من الأصدقاء خلال ليلةٍ عاصفة، كان مسلماً.. وذلك الذي كان يجمع التبرعات والمساعدات لصديقٍ بغية مساعدته على إنهاء السنة الأخيرة من الدكتوراه، كان مسلماً. نعم.. فحين فَقَدَ أحد المسلمين كلَّ ثروته أو مدّخراته وسقط في براثن الفاقة والعوز، بادر 18 مسلماً إلى مساعدته لكي يُقيلوا عثرته.

لقد كنتُ ألاحظ كلّ هذه الحقائق والمعطيات اليومية، وكنت أصغي إلى بعض الإِذاعات العربية.

وذات مساء، دُعيت إلى العشاء في دار أحد الأصدقاء. وفي تلك الأمسية، كان المدعوون يرتّلون آيات من القرآن الكريم، وكنت أشعر بالبهجة والطمأنينة وأنا أستمع إلى ترتيلهم. وكنت يومئذٍ أحد الأعضاء الأساسيين للمنظمة المسيحية الخيرية، وكنت أحضر القدّاس كل يوم أحد.

وعندما بدأتُ بالدراسة والاطّلاع، تبدّت لناظري ثغرات في العقيدة المسيحية، ولذا فقد توقفت عن المشاركة في جوقة المرتّلين في الكنيسة. وقد اتّخذت هذا القرار ذات يوم، عندما كنت أتأمّل فكرة التثليث المسيحية. فالكتب المسيحية لم تُفلح قط في إقناعي بشكل قوي.

٢٠