وهدوا إلى صراط الحميد

وهدوا إلى صراط الحميد0%

وهدوا إلى صراط الحميد مؤلف:
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 331

وهدوا إلى صراط الحميد

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مؤسسة الإمام الحسين (عليه السلام)
تصنيف: الصفحات: 331
المشاهدات: 71234
تحميل: 5208

توضيحات:

وهدوا إلى صراط الحميد
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 331 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 71234 / تحميل: 5208
الحجم الحجم الحجم
وهدوا إلى صراط الحميد

وهدوا إلى صراط الحميد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ولقد جذبني القرآن الكريم بشكلٍ خاص وبدأت بقراءة ترجمته باللغة الإسبانية. ولقد أحببت كثيراً ودائماً الذهاب إلى المركز لتلقِّي الدروس الإِسلامية. فبدأ ينمو في صدري نور جديد ويدخل في أعماقي وقد ارتحت له كثيراً وسررت جداً بهذا الإيمان الجديد.

ولكن صراعاً بدأ ينشأ في داخلي، فمن جهة أحببتُ اعتناق الدين الإِسلامي ومن جهة أخرى خفتُ من مواجهة أهلي ومجتمعي. فكنت خائفة وفرحة في آنٍ، فقد أصبحتُ أريد هذا الدين بكل قواي. ولكن كان من الصعب عليّ أن أجاهر بالالتزام به، على أنني عزمت على اعتناقه سراً بدونه معرفة أهلي، وبدأت أطبِّق الكثير من شرائعه كالامتناع عن أكل اللحوم غير الشرعية، مما دفع والدتي إلى سؤالي عن السبب وكان التبرير بأنني لا أرغب في أكله دون أن أزيد.. فكان أهلي يفاجأون دون أن يفهموا شيئاً مما طرأ لي.

وبعد فترة غير طويلة لم أعد أقدر على إخفاء اعتناقي للإِسلام لأسباب كثيرة منها: عملية النجاسة والطهارة في المأكل والملبس، الوضوء، القيام بالصلاة في أماكن غير طاهرة. فاعترفت عندها لأهلي بأنني اعتنقت الدين الإِسلامي ولكنهم في أول الأمر لم يفهموا شيئاً لأنهم ما كانوا يعلمون بماهية الدين الإِسلامي وما يتطلَّبه من أتباعه. وبعد ذلك مررت بفترة عصيبة مع أهلي لأنهم وقفوا في وجهي يعارضون قضية إسلامي خاصة ارتدائي للحجاب، حيث اعتبروني خارجة على المدنية.

ثم ما لبثتُ أن تعرَّفتُ على زوجي (الدكتور محمد بشير) في المركز الإِسلامي حيث كان يعطي دروساً في الفِقه والتجويد واللغة العربية. ومررنا بفترة طويلة دون أن يكون هناك علاقة غير عادية بيننا.. بعدها فاجأني بطلبه الزواج مني في الوقت الذي كان يكمل فيه دراسته للطبّ. ولما عرف أهلي بالقصّة سرعان ما وافقوا عليه، ذلك لأنهم كانوا يعرفونه وكانوا يُعجبون بأخلاقه وبعلمه. حصل هذا بعدما خفّت حدّة المشاكل بيني وبين أهلي وأصبحوا يتفهَّمون وضعي بحكم الواقع، فباركوا زواجي منه، وهذا وفّر لي جواً مريحاً كي أمارس التزامي بالإِسلام كما هو المطلوب.

وما لبثنا أن انتقلنا إلى لبنان بعد أن أنهى زوجي دراسته لنستقر فيه نهائياً.

٤١

س: ما الشيء الذي لفت نظرك كمسيحية سابقاً في الدين الإِسلامي؟

ج: الروحانية الإلهية الصافية والوضوح والسهولة في فهم عقيدة الإِسلام وتشريعاته الواقعية هي الأمور التي أشعلت قلبي بهذا الدين، وهذا ما لم أكن أحسّ به قبل الإِسلام.. والصلاة خاصة بمعناها ومغزاها، حيث الحضور والاتصال المباشر بالله تعالى بدون وسطاء، قد جذبتني وجعلتني أحسّ معنى الدين وضرورته. كنت أقارن ذلك بما كان يحدث لنا ونحن صغار حيث كنت طفلة في الثامنة من عمري وكان الأب في الكنيسة يقابلنا ويطلب منا الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبناها. فما هي يا ترى الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها ابن الثامنة؟! والتساؤل كان لماذا علينا الاعتراف له هو؟ فكنا نرتعب ونخاف منه الشيء الذي كان يبعدنا عن هذا الدين.

س: من هي الشخصية الإِسلامية التاريخية التي أثارت انتباهك؟

ج: كلّ الشخصيات الإِسلامية الرائدة النقية تأثرت بها: بدءاً من الرسول الأعظم (ص) إلى فاطمة الزهراء (عليها السلام) والإمام علي (ع) وإلى جميع أهل البيت (عليهم السلام) والصحابة الطيبين، حيث كان لكل واحد منهم دور كبير في نشر الإِسلام، خاصة فاطمة الزهراء (عليها السلام) سيدة نساء العالمين التي كان لها دور كبير في المسيرة الإِسلامية بالنسبة للمرأة. ولشدّ ما تأثرت بمأساة «عاشوراء» (وواقعة كربلاء) حيث دخلت هذه الثورة إلى أعماق روحي، وزادتني تعلّقاً بهذا الدين وبآل البيت (عليهم السلام) وخاصة أبي عبد الله الحسين (ع) ذاك الرجل العظيم الذي ذُبح وعُذّب مع آل بيته فداءً للدين الإِسلامي.

س: إلى أي مدى أحسست بالطمأنينة والراحة الداخلية بعد اعتناقك الإِسلام؟

ج: عرفت الكثير من المشاكل في حياتي، وكلّها اختفت تدريجياً بعد معرفتي بالإِسلام والالتزام به وإحساسي القوي بالتسليم لأمر الله ومشيئته.

٤٢

س: على صعيد العلاقات الاجتماعية هل تشعرين بالفارق لدى ملاحظتك لعلاقة المسلمين ببعضهم مقارنة مع العلاقات الاجتماعية القائمة في الغرب؟

ج: نعم، خاصة على صعيد المرأة، حيث أن نظرة المجتمع الغربي للمرأة فيها تمييز وتجاهل لدورها الإنساني، إذ تفضّل المرأة الجميلة على مَن عداها، حيث تتاح أمامها كافة المجالات، بينما تُهمَل المرأة إذا لم تكن تملك حظاً من الجمال. وهذه نظرة غير إنسانية تُشعِر الكثيرات بالكآبة. بينما نجد الإِسلام قد أعطى المرأة حقّها كاملاً في كل شيء إذ يعظِّم المرأة ويحترمها ويقرّ المساواة بين جميع النساء مع إعطائهنَّ حرية مدروسة ومنطقية.

س: على ضوء تجربتك ما هي الطريقة الأفضل التي يمكن للداعية المسلم أن يتَّبعها عندما يريد أن يدعو للإِسلام في الغرب؟

ج: لا بدّ أن يضع الداعية في حسابه أولاً صعوبة الدعوة في الغرب بسبب الإشاعات والدعايات المضادة التي تصل دائماً إلى بلادنا عبر وسائل الإعلام عن الدين الإِسلامي، وهي في غالبها مشبوهة وباطلة، ولكنها تجعل حاجزاً بين الإنسان الغربي والإِسلام، فالبصبر والقدوة الصالحة وقوة الإقناع يمكن أن ينال الداعية حظاً من النجاح، وهنا عليه أن يفهم عقلية الإنسان الغربي حتى يستطيع أن يأتيه من الباب الصالح ليحصل على نتيجة طيبة. ومن الواجب أن توجد في كل بلد أجنبي غير مسلم مراكز إسلامية ثقافية مفتوحة تساعد وتمهّد للناس سبل التعرف على الإِسلام.

س: كيف تقيّمين وضع المرأة المسلمة اليوم؟

ج: المرأة هي ركن أساسي في المجتمع الإِسلامي، فالمرأة أساس البيت الصالح والمجتمع الصالح، فمن واجباتها تربية أطفالها تربية حسنة، وأن تشيع في البيت جوّاً إسلامياً سليماً يحصِّن العائلة من العوامل المضادة.

وأعتقد أن المرأة المسلمة أصبحت واعية جداً اليوم لهذا الدور التربوي الإِسلامي الملقى على عاتقها، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن ما يدعو للأسف أن نجد كثيراً من النساء المسلمات قد غرّتهن الحياة الغربية الفاسدة المفسدة فأصبحن يقلدن المرأة الغربية في كل شيء.. وهذا يتطلَّب عملاً مضاعفاً من الجميع كي يعاد هؤلاء إلى طريق الصواب الذي رسمه لهن الإِسلام.

٤٣

س: هل من كلمة أخيرة تحبّين توجيهها؟

ج: أدعو الله تعالى كي يفتح عقول وقلوب الناس هنا وهناك على طريق الإِسلام لأنه الوحيد الذي ينتشل الإنسانية مما بها من مشاكل ومصائب وأمراض ويفتح أمامها درب السعادة في الدنيا والآخرة، كما أدعو العاملين للإِسلام كي يضاعفوا جهودهم لنصرة هذا الدين ونشره في الآفاق وأن يبقوا معتصمين بالوحدة والأخوَّة الإِسلامية.

٤٤

الأخت الإنكليزية المهتدية «خديجة»

بحثت في كل الأديان.. وفي كل الأفكار.. لم أجد أية ردود منطقية يتقبَّلها عقل الإنسان وفطرته إلا في الإِسلام.. وعندما وجدت هذه الحقيقة اعتنقتها.. وجهرت بها.

عصفورة من الغرب.. تأتي كما الوعد.. ترتدي عباءتها وطهرها.. تتساقط عند قدميها تلك الشرقيات اللاتي فقدن الهوية.. وحلمن بالغرب..

العمر.. كما الزهور.. عشرون ربيعاً.. وأربعة عشر قرناً من الزمان هي عمر الإِسلام تحملهنَّ (خديجة).. وتخرج من بين صفوف عجزنا وتخاذلنا.. وبين ركام حضارة مهزومة.. تأتي إلينا من قلب بلاد الإنكليز. رافعة يدها في وجه الكفر والضلال.. شاهدة على المدِّ الإِسلامي الذي راح يهزُّ الأرض من تحت أقدامهم.. احترنا من أين نبدأ.. وآثرنا أن نترك لها.. حق البدء.

هكذا أدركتُ الحقيقة

كما خرج جيلي وكبر.. كبرتُ بين عائلة رغم تعدُّد المذاهب المسيحية فيها.. إلّا أنها آثرت أن تتنحّى عن الدين بكل مذاهبه.. وهكذا رباني والداي على عدم الانتماء إلى أيّ ديانة على الإطلاق.. بل في انقطاع دائم وكامل عن كل ما هو (دين).. وكان يبدو لي دائماً وكأنَّ الله (عزّ وجل) موجود من أجل أناس آخرين..

دفعتني هذه التربية وهذا المناخ الذي نشأت فيه إلى البحث عن (الحقيقة).. وتنامت رغبتي الشديدة في (المعرفة).. ورغم أن والديَّ تفرقا بالطلاق إلّا أنني وجدت أنه من المستحيل أن أحتفظ بكل هذه الانفعالات والتساؤلات داخل نفسي.. ومن ثم عمدتُ إلى كتابة رسالة مطوّلة إلى والدي.. حدّثته فيها بإسهاب عن كل ما يدور في نفسي.. وكان كل أملي أن يسمح له وقت فراغه بقراءة رسالتي ومناقشتي فيما جاء فيها على أمل أن يساعدني فيما أعانيه.. إلّا أن وقتاً طويلاً قد انقضى دون أن أتلقّى رده الموعود.. ربما لأن هذا الأمر.. أقصد أمر الدين لا يهم والدي مطلقاً.. ومن جهة أخرى.. كانت أمي في انشغال دائم في علاقاتها مع معارفها وصديقاتها.. ولم تكن تدرك عمق تأثري بهذه الأفكار التي راحت تتنامى في ذهني.. بحثاً عن الحق وعن أصل الحياة.. وعن الغاية من الوجود وعن الجنة والنار.. وعن حقيقة وجود إله واحد يحكم هذه الحياة.. ويصرِّفها كيف يشاء.. بحثتُ في كل الأديان..

٤٥

وفي كل الأفكار.. لم أجد غايتي.. لم أجد أية ردود منطقية يتقبلها عقل الإنسان وفطرته.. غير الإِسلام.. وعندما أدركت هذه الحقيقة.. اعتنقتها.. وجهرت بها.. إلّا أن ذلك كان معناه شنّ حرب ضروس عليَّ ومحاصرتي من جميع من هم حولي سواء أكانوا أهلاً أو أصدقاء أو زملائي العاملين معي في المكتب الرئيسي لإحدى الشركات القومية الكبرى.

مواجهة.. صمود ونجاح

وزاد من شدة هذه الحرب المعلنة ضدي.. إيماني بأن ربنا (عزّ وجل) أمرنا بالإيمان بالكتاب كله.. وألا نأخذ منه ما يتوافق مع أفكارنا وتصوّراتنا فقط.. بل الإيمان هو الالتزام بالكتاب كله ومن ثم فقد ارتديت الحجاب فور إسلامي استجابة للأمر الصريح في القرآن.. ومن ثم فقد حوصرت من الجميع بحملة شرسة من الاستهزاء والسخرية!

وكان والدي أشدّ من صُدِم بهذا التحوُّل الرهيب في حياتي.. وكان محرجاً للغاية من ملابسي الجديدة.. أقصد من حجابي.. وحاول أن يثنيني عن طريقي بكل السبل.. لكنّه أدرك في النهاية أنني أرفض أن أكون من (المنافقين).. وأنني قد اقتنعتُ واعتنقتُ هذا الدين تماماً.. وأنني أبذل ما أستطيع لكي تسير حياتي وفق التصورات والتعاليم الإِسلامية.. ومن ثم فقد رضخ في النهاية وقبلني على ما أنا عليه.. بل أيقن أن الإِسلام شيء آخر يختلف كثيراً عن سلوك وأفكار الكثيرين من المنتسبين إليه.. ورغم عدم إيمانه بالله العظيم إلّا أنه أصبح أكثر إعجاباً بالإِسلام.. بل صار يدافع عني بكل قوة ضد كل من ينتقدني..

أما أمي فرغم انشغالها الدائم إلا أنها كانت تتمنى أن أعتنق أيَّ دين أوروبي!!.

لأنها كانت توقن بأنني سأواجه صعاباً وتحديات باعتناقي هذا الدين.. وعلى الجانب الآخر فإن زملائي في العمل وأصدقائي.. أشاعوا بأنني قد سقطتُ في هوّة بين الشرقيين والغربيين.. ونصحوني بأن أهجر بريطانيا نهائياً.. إلى أي بلد آخر.. وأغيّر من عباداتي وطباعي لعل ذلك يعيدني إلى رشدي!.. كانوا مدفوعين في ذلك بتصوراتهم وأفكارهم عن الإِسلام.. وعن المسلمين بأنهم هم هؤلاء الأجانب الذين يرتدون العباءات البيضاء ويجبرون نساءهم على ارتداء تلك الملابس الطويلة.. وأنهم أناس خياليون إلى أبعد حد في أفكارهم وتصوراتهم.. وأنهم يقلدون الآخرين بدون إبصار، لقد عاملني زملائي في المكتب كما لو كنت آتية (بحجابي) من العصور الوسطى..

٤٦

وكنت أشعر بالهمسات والتعليقات والنكات عليّ.. وكنت أدعو الله كثيراً وأسأله الثبات والاستقامة.. واستجاب الله العظيم لدعواتي.. وبدأ الكثيرون بتغيير موقفهم نحوي.. بل ونحو الإِسلام كله.. وأصبح الجميع أقلّ حدَّة وكراهية وتعصباً.. وأغرب ما خرجت به من تجربتي في الحجاب أنني بهذا الحجاب اكتسبت احتراماً شديداً وخاصة بين الرجال بعد الحملة الشرسة التي واجهتها في البداية.. كذلك لا بد وأن نبدي الاحترام والعطف في كل الأوقات وأن نتخلَّص من أشياء تنفّر الناس منا مثل الغضب والنميمة والكراهية والانتقام.. وفي المقابل نشارك الآخرين.. حتى ولو بكلمة لطيفة.. بنصيحة.. بأي شكل من أشكال المساعدة وهذا الأمر ليس له حدود عند المسلم..

أمانة الدين وأمانة الأجيال

يجب ألا نقع في تصرفاتنا وعلاقاتنا وسلوكنا وتصوراتنا تحت تأثير عاداتنا الشخصية أو الوطنية أو أي موروثات أخرى.. وإنما يجب أن يكون المصدر الوحيد هو القرآن والسُنَّة.

أمر آخر هو هذه الأجيال الجديدة من أطفالنا.. يجب أن يُربّوا على الإِسلام الحق.. ويجب أن نتأكد من تمسُّكهم وتربيتهم على النهج الإِسلامي وبذلك تكون مجتمعاتنا الإِسلامية قوية.. فقوة الأسرة تدفع إلى قوة المجتمع..

على ذكر المجتمع المسلم.. كيف ترين دور المرأة المسلمة في المجتمع؟

إنني أضع أمامي دائماً هذا القول العظيم (الجنة تحت أقدام الأمهات).. إن أكبر وأفضل مسؤولية للمرأة هي مسؤولية صياغة أجيال جديدة.. ومن ثم وكما ذكرت آنفاً فأي مسؤولية أعظم من مسؤولية أن ينشأ أولادنا أقوياء سعداء عبّاداً لله؟ إنهم مسلمو المستقبل في هذه الدنيا.. ومسؤوليتنا كنساء أن نعلّم الحق لأولادنا حتى يقيموا به الحضارة الإِسلامية الحقة.. ومن هنا فعلى المرأة أن تتعلّم دينها تماماً كما يحتاج الرجل لذلك.. عليها أن تكون مثالاً طيّباً لأولادها.. وأن تمتلك الإجابات المقنعة لكل تساؤلاتهم.. على الأمهات أن يتذرعن بالصبر.. وأن يوقنّ بأن الله يراهنّ وهو شهيد عليهنّ، ومن جهة أخرى فعلى النساء اللاتي يجدن بعض الأعمال أن يمارسنها.. مثل التدريس في المساجد لفصول الأطفال..

٤٧

كذلك لا بدّ من تحقيق روح الإخاء بين الأخوات عن طريق التلاقي الدائم بينهن.. وعلى الأمهات أيضاً أن يسلكن مسلك العدل بين أولادهن الأولاد والبنات.. وأن يعوّدن أنفسهن على غض البصر ويتصرفن بحكمة ومسؤولية في كل الأوقات ويقمن بواجبهن نحو الله ونحو الأولاد والزوج..

ودعوني أقول في النهاية.. إنني بعد رحلة معاناتي أدركت وآمنت بعظمة هذا الدين.. ومن ثَمَّ فإن واجب إبلاغه إلى الناس يظل مسؤولية عظيمة في رقابنا.. إنَّ الإِسلام هو الهبة الحقيقية من الله فدعونا نقتسم هذه المنحة مع الآخرين.

لندعُ إلى الإِسلام بسلوكنا الإِسلامي.. لا بالخطابة

وأيقنت بأن الحق هو في الاستقامة في هذا الدين الذي وهبنا الله إياه.. وبأداء كل ما أمرنا الله به.. وألا نحيد عن هذا الطريق لكي نعيش بسلام مع هذا المجتمع الذي يخالف عقائدنا وأفكارنا.. بل علينا أن نتبّع سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسَّلام.. إنهم لم يكتفوا بالخطابة والدعوة بالكلمة.. ولكنهم مارسوا الإِسلام جهاداً وصبراً حتى علت كلمة الله.. وكانت حركتهم اليومية متوافقة تماماً مع كل ما ينادون به.. ولنأخذ الحجاب مثلاً.. فإذا ارتدت الفتاة المسلمة الحجاب ولم تطبِّق ما يفرضه الإِسلام عليها فسوف تُلام من الكافرين.. وهم في ذلك محقّون.. ومن ثَمّ فعلينا أن نتحمَّل المسؤولية.. ونسأل الله أن يثبِّتنا على دينه..

كانت الكلمات تنساب قوية.. تؤكد على إيمان صاحبتها بها.. ومن ثم واصلنا الحديث وسألنا (خديجة): الحديث عن ردود فعل المجتمع الذي تعيشين فيه على إسلامك يدفعنا أن نتساءل.. كيف يمكن لنا أن نقدِّم الإِسلام للغرب؟؟.

نحن الآن نعيش في عصر سريع التغيّر وذي تقدم تكنولوجي رهيب في كافة المجالات.. وليس لديه أي إحساس بوجودنا بالفعل هنا.. الكثير من الناس هنا في الغرب لم يفكروا بالفعل في وجود إله واحد يحكم هذا الكون.. وهم يعيشون في فراغ روحي فظيع.. ويشبعون كل رغباتهم المادية.. يقول الله (عزّ وجل) في سورة البقرة الآية 44﴿ أَتَأْمُرُ‌ونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ‌ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ .. أكرر وأؤكد أننا يجب أن نحيل ما ندعو إليه سلوكاً يومياً في حياتنا وتصرفاتنا مع الناس.. فإذا فعلنا الخير وأخلصنا لله العليّ العظيم فإننا سننفذ بدعوتنا إلى قلوب هؤلاء الناس.

٤٨

لا بدّ وأن نُظهِر سماحة ويسر وبساطة هذا الإِسلام العظيم.. لا بدّ وأن يبدو في سلوكنا أننا رحماء..

لا بدّ أن نُري الناس كم نحن سعداء بإيماننا وكيف أن هذا الإيمان يتحكَّم في كل تحرُّكاتنا.. يجب أن نقدِّم الإِسلام للناس باللغة المقبولة لديهم (خاطبوا الناس على قدر عقولهم).

.. وأدركتُ أنا الآخر أننا ما زلنا في حاجة لأن نستوعب سر هذا الدين العظيم الذي راح يهز أوتار القلوب ويمتلك العقول.. لتخرج مثل هذه الفتاة.. في مثل هذا العمر.. من مثل هذا المجتمع.. لتناشد المجتمعات الإِسلامية أن تحيل القرآن والسُنَّة سلوكاً يومياً.. وأن تنفذ بهذه الدعوة الطاهرة إلى أهلها في الغرب.. حتى يقتسم الجميع.. الإِسلام.. منحة الله الحقيقة..!!

٤٩

أستاذ التاريخ في جامعة أنديانا الأميركية

ستيف جونسون (فاروق عبد الله)

يقول بعد إسلامه:

لقد تحقق لديَّ أن الطريق الصحيح هو الإِسلام..

أشعر بالسعادة عندما أرى الآخرين الذين يبحثون فينتهي بحثهم باعتناق ديننا الحنيف.

يا سيدي يا رسول الله.. يخترق صدى صوتك.. حجاب الزمن.. وكل أستار التاريخ.. ينفذ من أربعة عشر قرناً من الزمان أو أكثر.. ويأتينا عذباً.. جلياً.. (واشوقاه إلى إخواني.. وددت لو أني رأيت إخواني..) ويسألك صحابتك.. أولسنا إخوانك!؟.. وتجيب عليك الصلاة والسَّلام.. (أنتم أصحابي.. أما إخواني فقوم يأتون من بعدكم.. يؤمنون بي ولم يروني.. أجر الواحد منهم بخمسين منكم).. يعاودون السؤال: بل منهم يا رسول الله.. وتجيب.. (بل منكم.. إنكم تجدون على الخير أعواناً.. وهم لا يجدون..).

وهذا يا رسول الله واحد نحسب أنه من إخوانك.. الزمن غير الزمن.. والأرض غير الأرض.. والخير في وطنه مات.. لا يجد العون إلّا على الشر.. لكنه - بإيمانه الفذ - يولد من جديد.. ويسعى إليك.. إنه ستيف جونسون أستاذ في جامعة أنديانا.. أمريكي الجنسية.. مسلم العقيدة.. ينطق الشهادتين.. ويطلق على نفسه إسم (فاروق عبد الله).. وندعه يقص بنفسه حكايته:

إعداد: أسعد طه

كان من ذكرياتي الأولى الأولى.. الجلوس تحت شجرة كبيرة في الجزء الخلفي لمزرعة والدي.. فقد كنت أجلس متطلعاً إلى السحب؛ تطاردني فكرة حتمية وجود إله قوي مدبِّر لهذا الوجود.. ومنذ ذلك الحين وأنا عاقدٌ العزمَ على أن أعيش من أجل هذا الإله.. وعليه فقد عشت خلال الإثنين والعشرين عاماً التالية عدداً من التحوُّلات التي كانت تقرِّبني شيئاً فشيئاً من الإِسلام.. كنت تلميذاً مجتهداً في مدرستي أقضي معظم أوقات فراغي في الدراسة.. وكان لديَّ نهم شديد لمعرفة كل شيء.. وساعدني على ذلك أنني كنت غير اجتماعي.. أميل للعزلة.. حيث أقضي ساعات طويلة في القراءة.. وعندما كنت في الصف الثامن وأثناء سفري لحضور جنازة جدتي تعرَّضت لحادث سيارة..

٥٠

وفي ثوانٍ معدودة.. تغيَّرت حياتي تماماً.. صرت أرقد في المستشفى عاجزاً عن الحركة، فقد أُصبتُ في رأسي!!.. وكنت فاقد الشعور بأي إحساس في النصف الأيسر من جسدي وفقدتُ السمع أيضاً في أذني اليمنى..

في المستشفى كان معلَّقاً فوق سريري صليب عليه رَجُل.. كان حسب عقيدتي الكاثوليكية هو الله.. كنت أَعتقد أنه يحبني وسوف يرحم آلامي.. بكيتُ له ووعدته أنني سأهب له حياتي كاملة..

وأصبحتُ بسبب هذا الحادث لا أستطيع ممارسة أي نشاط رياضي.. فصرفت طاقتي كلها نحو القراءة والدراسة...

كنت أعلم أن الكنيسة لن تسمح لي بالزواج، ولكني كنت على يقين أنه لا بدّ من التضحية في سبيل خدمة الله كراهب. في هذه الأثناء كانت الكنيسة في حاجة إلى أطباء، فالتحقتُ بالجامعة ودرست للحصول على درجة علمية في الكيمياء وعلم النفس؛ وذلك كتمهيد لدراسة الطب.. وعملت بجد، وفي نهاية السنة الأولى في الكلية كنت الأول على قسمي، وفزتُ بجائزة في مسابقة الكيمياء.

وقسمت وقتي بين الدراسة العلمية وحبي للفلسفة واللاهوت.. وتدريجياً بدأت تخبو لديَّ الرغبة في دراسة الطب، وتمنَّيت ألا أُقبل في مدرسة الطب.. ولكني رُشِّحت للقبول في مدارس الطب، فوجدت أن هذه علامة من الله للاستمرار ففعلتُ.. وعشتُ في دراسة التشريح والكيمياء العضوية والميكروبات والأنسجة والطب النفسي، وأعددت أبحاثاً في الأجنّة والغدد والكيمياء، وكان لديّ وقت ضئيل للفلسفة واللاهوت، ولكني كنت أقضي يومياً عدة ساعات في الصلاة والمناجاة.. عدا ذلك فقد كنت أخدم يومياً في الكنيسة المحلية.. ولكن تدريجياً بدأت أشعر بالاكتئاب.. وبدأ الشك يتسرَّب إلى إيماني.. فكرهت الدراسة..

٥١

دفعني ذلك إلى تعاطي المخدرات والكحول.. فقد كنت لا أريد أن أفكِّر أو أن أشعر بأي شيء.. وبمجرد استيقاظي في الصباح كنت أبتلع الأقراص مع الخمر.. صارت حياتي مظلمة.. وفشل ديني في مساعدتي.. ذات يوم قرَّرت ترك دراسة الطب.. وأخبرت الكنيسة أنني أريد أن أتفرَّغ للرهبنة والفلسفة، فقد كان حلمي أن أدرس الفلسفة وأحصل على درجة فيها، وكان أملي أن تساعدني الفلسفة في الإيمان بما يقوله الدين بأن الله هو الإنسان وأن كل البشر عصاة منذ اللحظة الأولى لولادتهم.

وبعد ذلك ولمدة عامين عملت في (أبرشية) كمعلِّم للدين مع قيامي ببعض الأعمال في السجون مع دراسة الفلسفة واللاهوت.. وعلى كل حال فقد كنت أريد أن أقوّي صلتي بالكنيسة.

وكنت أقضي نهاري في صوم عن الكلام وفي صلاة لله ليجعلني بصدق أحد أوليائه. وخلال ذلك كله كنت ما زلت مستمراً في تعاطي المخدرات وشرب الكحول!! وطلبتْ مني الكنيسة بعد ذلك أن أحدِّد في أي مدرسة لاهوتية أريد أن أعمل.. فسافرت إلى أوروبا ليساعدني ذلك على اتخاذ قراري.. عدت من أوروبا وقد اتخذت قراري الذي كان من روما. فأُرسلت إلى (تورنتو) وطلبت أربع سنوات تفرغاً كي أحصل على درجة في الفلسفة قبل دراسة اللاهوت.. وأُرسلت في النهاية إلى جامعة (أنديانا) للحصول على درجة في الفلسفة والدراسات الدينية والتربية.

وفي جامعة (أنديانا) صارت روحي فجأة فارغة تماماً.. لقد قُضي عليّ روحياً فالتحقتُ بالكنيسة وتفرغتُ.. وقد كنت أدرس لأؤمن.. ولكنني صرت لا أعتقد بشيء..

خضعت ذات ليلة للإغراء.. وغرقتُ لمدة عامين في الشك واليأس اللانهائي.. وما زاد الأمر سوءاً.. أنني بدأت أتلقّى مكافآت ومنحاً أكاديمية ودرجات زمالة. فحصلت من جامعة (جون هوبكنز) على أعلى درجة تكريم تُمنح لطالب متخرج من جامعة أنديانا.. ولكنني كنت لا أشعر بقيمة هذا التكريم كله.. بل إنني أحسست أن ذنوبي تقابَل بالتكريم.. فشملني شعور بأنني منافق.. وبعد ذلك أنعم الله عليّ بلقاء شاب من (أبو ظبي) يدعى (إسماعيل) فتحدَّثنا وشرح لي قليلاً عن الإِسلام.. ففكرت في أن أزور المسجد في اليوم التالي. ذهبنا معاً في إجازة إلى (دنفر وكولورادو)، وصرنا أصدقاء وشركاء في السكن أيضاً. لقد كان (إسماعيل) على علم بأصول الدعوة.. فطوال هذه الفترة لم يدعُني للإِسلام قط.. بل كان عندما يحين وقت الصلاة يصلّي هو.. وعندما كنت أسأله عن الإِسلام كان يجيبني على السؤال فقط..

٥٢

في عام 1981 التحقتُ بدورة دراسية لمستشرق عن الصوفية. وانتهت الدورة بكراهيتي للإِسلام رغم افتتاني به!!.. وبعد ثلاثة أشهر أعطاني صديقي كتاباً للأحاديث القدسية فقرأته، وشعرتُ وكأن أحداً ضربني بكرة من الثلج على رأسي.. لقد كنت محطماً.. ولازمتني رعشة شديدة بدون توقف وشعرتُ ببردٍ شديدٍ.. فوضع (إسماعيل) البطاطين فوقي.. ولكن رغم ذلك لازمتني الرعشة.. لقد امتدت إلى أعماقي وشملت روحي التي تأثرت بالجمال وبالقوة وبالحقيقة.. تأثرت بالشيء الذي كنت أبحث عنه لحياتي.. لقد تأكد لي يومها أنني أخيراً قد وصلت إلى الحقيقة التي كنت أكافح من أجلها.. ولكن الخوف لازمني.. فلم أستطع أن أنام أو آكل.. وتدريجياً بدأت الرعشة تخف، ولكن استمر شعوري بالبرد.. وكأنّ في رأسي ناقوساً يدق بكلمات الأحاديث..

وفي نوفمبر عام 1981 نطقتُ بالشهادتين.. بلغة عربية ركيكة وشعرت بعدها بسلام داخلي شملني.. ولشهور عديدة ظلت روحي تحلِّق وتحلِّق.. ويشملها مزيد من الهدوء والسلام.. بينما كنت أعيش الصلاة والأخوَّة الإِسلامية..

لقد تحقق لديّ أن الطريق الصحيح هو الإِسلام.. وأن القرآن هو طريق معرفة الإِسلام، لقد كانت منحة من الله (سبحانه وتعالى) ولا ينبغي لأحدٍ أبداً أن يضيّعها.

وقررتُ وقتذاك وبمشيئة الله أن أسلم نفسي لله مهما كانت الظروف.. وفي هذه الليلة تغيَّرت حياتي تماماً فلم أعد ذاك الشخص نفسه، وسخَّرت نفسي لمهمة واحدة هي الدعوة في الولايات المتحدة.. ولهذه الدعوة مرُّها وحلوها.. أصاب يومياً بالإحباط من بعض الإخوة والأخوات الذين يخافون من تقديم التضحيات التي يجب أن تقترن بالخضوع لله (سبحانه وتعالى)

وأُصاب بالإحباط أيضاً من هؤلاء الذين تنقصهم الرؤية الواضحة والرغبة في دفع خطط الدعوة والتي يمكن أن تضع الإِسلام أمام الشعب الأمريكي.. الذي يختفي خلف جدار من القسوة بينما هم في الحقيقة يبكون من أجل الوصول إلى الحق وتحديد معنى لحياتهم.. وفوق هذا كله يصيبني الإحباط من عجزي وجهلي.

٥٣

وأشعر بالسعادة عندما أرى الآخرين الذين يبحثون فينتهي بحثهم باعتناق ديننا الحنيف.. الجميل.. فيزيل ذلك كل هذه الإحباطات..

والآن عندما أعود بذاكرتي إلى تلك الأيام وأنا في مزرعة والدي.. أشكر الله (سبحانه وتعالى) لحلمه وحبه.. والذي أعادني بلطفه إلى الحقيقة التي كانت في داخلي.. وهي حقيقة الإِسلام وحقيقة القرآن.. فالحمد لله..

٥٤

الأخت الألمانية المسلمة

(كاترين ماير هوفر)

الأخت «كاترين ماير هوفر» الألمانية الجنسية، هي واحدة من آلاف النساء الغربيات، اللواتي هجرن جاهلية الحضارة الغربية بماديتها وتحلّلها وبريقها الخادع، لينعمن في أحضان الإِسلام ووارف ظله بسعادة الدنيا والآخرة إن شاء الله.

«نور الإِسلام» التقت الأخت «ماير هوفر» حيث تسكن مع زوجها الأخ هشام شمس الدين وأولادهما في منزلهم في بلدة عربصاليم الواقعة في جنوب لبنان.

أجابت على أسئلتنا، وتحدّثت عما شدّها إلى الإِسلام، وعن التزامها بأحكامه، هذا الالتزام الذي تمارسه عن إيمان وقناعة راسخة.

شعرت بنداء فطري داخلي يقول لي أن الحجاب أفضل من السفور... ولم أتحجَّب إكراماً لزوجي بل عن اقتناع وإرادة.

بعد الإِسلام أصبحتُ أكثر اطمئناناً وراحة، لأنني صرت أكثر ثقة بالخالق، وأصبح لدي هدف أعيش وأموت لأجله.

س: مع اعتزازنا باللقاء مع أمثالِكِ من الأخوات اللواتي استجبن لنداء الفطرة والحق ترجو أن تعرّفينا على نفسِكِ وعلى ظروف نشأتِكِ ومحيطِكِ قبل اعتناقِكِ الإِسلام؟

ج: إنني أدعى «كاترين ماير هوفر»، وُلدت سنة 1968 ونشأتُ في بلدة «شتوتغارت» الصغيرة في ألمانيا، حيث درست فيها حتى المرحلة الثانوية، بعدها تعرّفت على زوجي اللبناني وتمّ زواجنا في ألمانيا.

بالنسبة لبيئتي ومحيطي العائلي، فإنني نشأتُ في ظلّ عائلة مسيحية كاثوليكية محافظة نسبياً، فكلنا كنا نؤدي الطقوس الدينية نهار الأحد في الكنيسة. وقد كنت لفترة مساعدة للكاهن في الكنيسة، وما زالت والدتي كذلك تؤدي الصلاة والتراتيل الدينية فيها. روابطنا العائلية كانت جيدة في حياة جدّي وجدتي حيث كانت العائلة تلتقي عندهما، أما بعد وفاتهما فقد تغيّر الوضع لأن الدافع لم يكن المحافظة على صلة الرحم بل إرضاء الجدين. وهذه مشكلة قائمة في المجتمعات الغربية عموماً حيث تقلّ الروابط الإنسانية والاجتماعية بين الأقارب بعد فقدان العامل الجامع لهم.

٥٥

أمّا في المحيط العام فإن الدين كان له تأثير شكلي ومحدود في علاقات الناس بعضهم ببعض، وهو يكاد يكون معدوماً في تقرير المسائل الاقتصادية والتربوية، بينما تلعب الروابط السياسية والقومية والعنصرية الدور الأكبر في مسار المجتمع الألماني وغيره من المجتمعات الغربية.

س: هل بإمكانك أن تشرحي لنا الدوافع المبدئية والمباشرة لاعتناقك الإِسلام؟

ج: نعم عندما بلغت سن الرابعة عشر لم أعد أشعر بالرغبة في الذهاب إلى الكنيسة، لأنني وجدت بعد التأمل بأن ما يقوله الإنجيل المتداول بعيدٌ جيداً عن الواقع، ومن الصعب تطبيقه في حياتنا الحاضرة، بعكس ما كان عليه الوضع في زمن المسيح (ع) ، ومن ثمّ بدأت أشعر بعدم وجود دور ملموس للدين وللكنيسة في حياة الجيل الحاضر، فتخلّيتُ عن الذهاب إلى الكنيسة، علماً بأنه لم تكن لديّ بعد أدنى فكرة عن الدين الإِسلامي، وكانت الصدفة - وأنا في حالة الفراغ والتشكيك هذه - أن تعرّفت على زوجي الحالي الذي طلب مني الزواج، وأن يكون زواجنا وفق الشريعة الإِسلامية. وبالفعل ذهبنا إلى عالم دين مسلم ونطقت في البداية بشهادة أن لا إله إلّا الله وأن محمداً رسول الله (ص) حتى يصبح الزواج شرعياً، ولكن لم أشعر بأني أصبحتُ مسلمة حقيقية بمجرد هذا القول.

ومن ثمّ أتيت مع زوجي إلى لبنان لزيارة عائلته، ولفت نظري وجود محجّبات وسافرات في الوقت نفسه، ولكنّ المحجّبات كُنَّ يُلفِتْنَ نظري أكثر من السافرات. وشعرت بنداء فطري داخلي يقول لي إن الحجاب أفضل من السفور، فقرّرتُ بعد عودتي إلى ألمانيا ارتداء الحجاب بعد دراسة وتعمّق ومطالعة للعديد من الكتب الإِسلامية، وكنت أراقب عن كثب التصرّفات والعادات الإِسلامية، وأسأل عن الأحكام الشرعية، وأكثر ما لفت نظري الصلاة، فصممتُ أن أتعرّف إليها أكثر، ولكني لم أرغب بمعرفة ذلك والبدء بها إكراماً لزوجي أو لعائلته ومحيطه بل أردتُ الاطلاع الذاتي والاقتناع.

٥٦

س: هل تصفين لنا موقف ذويكِ من اعتناقِكِ للإِسلام، وخاصة بالنسبة لارتدائِكِ الحجاب؟

ج: كانت ردة الفعل لدى الأهل قاسية جداً حتى قبل أن أتحجّب، وذلك لأنني بدأتُ أمتنع عن أكل اللحوم غير الشرعية، وعن شرب الكحول في المناسبات العائلية، طبعاً كانوا لا يفهمون سبب هذا الامتناع، وكانوا يعتبرونه إهانة لهم، ولكني لم أتراجع عن قراري هذا. وبعد مرور فترة من الزمن، وبالتحديد بعد أن ارتديت الحجاب فعلاً كان ذلك بمثابة صدمة لوالدتي التي لم تقبل ذلك بأيّ وجه من الوجوه، وهدّدتني بمنعي من الكلام معها إن لم أتراجع عما فعلت.

عشت صراعاً قوياً وصعباً في الحقيقة بين اقتناعي بالدين والتزامي به وصراعي مع الأهل، وبما أن إيماني كان ما زال ضعيفاً فقد قررت عندها أن أتخلى عن الحجاب دون أن أتخلى عن أحكام الإِسلام الأخرى كالصلاة والصوم وغيرهما.

النداء الداخلي بدوره لم يتخلّ عني، وظلّ الشعور بالذنب وبالمعصية يلاحقني وبقي الصراع الداخلي عنيفاً والحافز الإيماني يحثّني على اتخاذ الموقف الصعب بالإرادة الصلبة والقوية، إلى أن صادفت بعد مرور عام على تركي الحجاب اثنتين من النساء الألمانيات المسلمات اللواتي كن يرتدين الحجاب فأعجبتني كثيراً جرأتهن فتقوَّيت بهما، وعادت الجرأة إليَّ لأعود وأرتدي الحجاب مهما كان موقف والدتي التي ما إن علمت بذلك حتى اضطرت للخضوع إلى الأمر الواقع، ولكنها حتى الآن - بحكم تربيتها وتقاليدها - لا تستطيع الاقتناع بصحة ما فعلته.

س: كيف تلمسين أثر الإِسلام على شخصيتك؟

ج: على الصعيد الشخصي طبعاً أشعر كثيراً بالراحة النفسية والاطمئنان وذلك لعدة أسباب رئيسية أهمها: معرفتي وإيماني بخالق هذه الكائنات وثقتي به وثقتي بأنه الخير المطلق الذي أرسل لنا الرسل والأنبياء والكتاب التشريعي السماوي لهدايتنا، والسبب الثاني هو أنه أصبح هناك هدف أعيش وأموت من أجله، دون أن أعيش للملذات والدنيا شأن أكثر الغربيين الذين يعيشون القلق الدائم في حياتهم.

٥٧

س: وعلى صعيد العلاقات الاجتماعية بين الناس؟

ج: على صعيد العلاقات هناك أيضاً فارق كبير بين المسلمين وغيرهم، فالمسلمون - الملتزمون طبعاً - أكثر انتباهاً وأكثر احتراماً لتعاملهم مع الآخرين، إذ الإِسلام يأمر بصلة الرحم وصلة القرابة وصلة الجوار، وبالعلاقات الأخوية والاجتماعية على قاعدة﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ‌ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَ‌فُوا إِنَّ أَكْرَ‌مَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ‌ ﴾ [الحجرات: 13] وأنهم كالجسد الواحد.

س: على ضوء تجربتك في التعرّف على الإِسلام هل تقترحين أساليب محددة للتبليغ والدعوة بين غير المسلمين وخاصة في الغرب؟

ج: من الأساليب التي أجدها جيدة لنشر الإِسلام هي كتابة وترجمة الكتب الجيدة وإصدار المجلات الداعية إلى ذلك، ومحاولة نشرها لدى أكبر عدد ممكن بين الشعوب غير المسلمة التي لا تعرف شيئاً عن الإِسلام سوى ما تنقله مشوّهاً وسائل الإعلام الغربية وما تصفه به من التخلّف والإرهاب والتعصّب. وما أراه الأفضل هنا هو الدعوة بالعمل والقدوة الحسنة، حيث أغلب الناس يتطلعون إلى ما تفعل لا إلى ما تقول.

س: هل إمكانيات الدعوة إلى الإِسلام متوفرة في ألمانيا برأيك؟

ج: إن إمكانيات الدعوة إلى الإِسلام في ألمانيا كثيرة، وذلك عبر الإعلام التلفزيوني والصحفي حيث الحرية الإعلامية، بالإضافة إلى إقامة الندوات والمعارض التي تبيّن التراث والعادات الإِسلامية، والتي أقيم بالفعل العديد منها في ألمانيا، وعبر نشر الكتب والمجلات التي توضّح وتبيِّن حقيقة الإِسلام وأحكامه ومبادئه ومفاهيمه.

س: كيف ترين وضع المسلمين العام بالمقارنة مع ما هو عليه الواقع الدولي؟

ج: إن المسلمين كانوا وما يزالون يتعرّضون للضغط والاضطهاد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وذلك لمنع تطوّرهم، لأن المجتمع العالمي بأكمله يعلم أهمية هذا الدين وخطورة انتشاره نظراً لما يحويه من علم ومعرفة وقوة وجهاد، وإذا لم يقدّر المسلمون خطورة هذا الأمر ويتحركوا بنشاط وحيوية لرفعه نظرياً وعملياً فإن الإِسلام سيبقى بعيداً عن التأثير الفعّال على الشعوب الأوروبية غير المسلمة.

٥٨

س: مقارنة مع ما عرفته عن مكانة المرأة في الإِسلام كيف ترين وضع المرأة المسلمة اليوم؟

ج: الدين الإِسلامي لم يحرم المرأة من حقوقها في أن تثبت وجودها في المجتمع وفي نطاق العمل والدراسة، وقد استطاعت هذه المرأة أن تمارس حقوقها وأن تثبت صحة وجودها كعضو فعال، وهي تستطيع التواجد في المجتمع وتفرض على الآخرين جميعاً - خصوصاً الرجال - احترامها وتقديرها والتعامل مع دورها وعملها بعيداً عن الجوانب الأخرى، وذلك من خلال حجابها وأخلاقياتها. ولكن هناك العديد من النساء اللواتي يعشن حسب التقاليد الاجتماعية وليس حسب المبادئ الإِسلامية، وهذا يحتاج إلى توعية أكثر للنساء المسلمات وإلى المزيد من الثقافة الإِسلامية لهن. وإنني أقدِّر عمل الأخوات اللواتي يقمن بعقد الندوات والمجالس الدينية لتوعية النساء اللواتي أصبح همهن مع الأسف تقليد النساء الغربيات.

س: هل لديك كلمة تريدين توجيهها عبر «نور الإِسلام»؟

ج: أحب أن أوجّه إلى جميع الإخوة المسلمين كلمة ونداء بأن يحبّوا بعضهم بعضاً، ويتعاونوا ويتكاتفوا لأن في ذلك قوتهم وغلبتهم على أعدائهم، وكلما كانوا أقوياء كلما شعر الغرب بالهيبة والاحترام والتقدير لهم، وزالت النظرة الدونية التي ينظرون بها إلى المسلمين بسبب حملة التشويه التي ذكرتها، وبسبب الإهمال والتقصير والنزاعات بين المسلمين.

٥٩

الأخ الأميركي:

محمد علي (وليام ليستر)

الأخ الجديد في الله (وليسام ليستر) الذي اتخذ بعد اعتناقه للإِسلام إسماً محبّباً لديه هو محمد علي، هو رجل أميركي آخر من بين الكثيرين من الرجال والنساء الذين استجابوا لنداء الفطرة التي غرسها الله تعالى في قلوب وعقول عباده، ولم يمنعه كونه ابن ذلك المجتمع المغرِق في ماديته وفساده الخلقي، أن يستجلي جمال الإِسلام وروائعه فيعتنقه ويلتزم بشريعته، بعدما تهيّأت له بعض الظروف المساعدة.

مندوب «نور الإِسلام» التقاه في مدينة ديربورن، التابعة لولاية ميتشيغين الأميركية، حيث يعيش مع عائلته، وأجرى معه هذا الحديث القصير الشيّق.

هناك الكثير من الجمال الروحي الذي يتدفّق من الإِسلام.. ويصعب وصفه بكلمات أو شرحه بمجلدات.

أمنيتي الخاصة أن يحفظ أولادي القرآن عن ظهر قلب وأن يفهموا ويعوا حقائقه الرائعة ليعملوا بمقتضاها.

س: هل لديك مانع من تعريف قرّاء مجلة «نور الإِسلام» على تجربتك التي قادتك إلى اعتناق الإِسلام، وعلى وضعك وتطلعاتك بعد الهداية؟

ج: أبداً.. فأنا شاكر لكم زيارتكم ومرحب بمسعاكم في التبليغ والتعريف بدين الله تعالى، كما أنني فخور جداً بالحديث عن تجربتي والخطوات التي قادتني للتعرّف على هذا الدين العظيم والاقتناع والإيمان به والالتزام بأحكامه وتشريعاته، فإنني أعتبر هذا الأمر جزءاً من واجبي الديني الذي يدعوني إلى المساهمة في تعريف الناس بالإِسلام والكشف عن حقائقه، كما يدعوني لنقل تجربتي إلى أبناء مجتمعي ومحيطي الغارقين علّهم يستنيرون فيزيلوا الغشاوة الموجودة أمام أعينهم كما هداني الله تعالى وأعانني عليه.

٦٠