وهدوا إلى صراط الحميد

وهدوا إلى صراط الحميد17%

وهدوا إلى صراط الحميد مؤلف:
تصنيف: أديان وفرق
الصفحات: 331

وهدوا إلى صراط الحميد
  • البداية
  • السابق
  • 331 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 75546 / تحميل: 6367
الحجم الحجم الحجم
وهدوا إلى صراط الحميد

وهدوا إلى صراط الحميد

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وهدوا

إلى صراط الحميد

الإعداد

مؤسسة الإمام الحسين (عليه السلام)

١

٢

مقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

وأفضل الصّلاة والتسليم على المبعوث رحمة للعالمين سيّد الخلق والمرسلين أبي القاسم محمّد وعلى آله الأطهار الميامين.

منذ البداية، أي منذ أن صدع رسول الرحمة، المصطفى الأمجد (ص) بالدعوة إلى الإسلام، دين الحقّ والهدى، بأمر من ربّه، متدرِّعاً بعزّة الإيمان وقوته، ومعلياً راية الجهاد لإعلاء كلمة الله تعالى في الأرض، كان التأييد الإلهي له حاضراً وحاسماً يوجّه خطواته نحو الهدف المقدّر مسبقاً وهو النّصر المؤزر على أعداء الله والإنسانية وإقامة قواعد الإسلام وبنيانه الشامخ. وهذا ما تبيّنه بوضوح الآية الكريمة التالية:﴿ هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَى الدِّینِ کُلِّهِ وَلَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ ﴿٣٣﴾ ﴾ . [التوبة: ٣٣]

وبعد الفتح المبين لمكّة المكرّمة ودخول الناس في الإسلام أفواجاً، سرعان ما استطال نور الإسلام وعظُمت سطوته فانقادت له قبائل وشعوب ودول بأكملها عُرفت في التاريخ بقوتها وجبروتها، كما تقبّلته شعوب كثيرة في أرجاء المعمورة بترحيب كبير لأنها وجدت فيه مخلّصاً لها من نير العبوديّات والظلم. وكلّ الدلائل والمعطيات المستندة في استنتاجها إلى متانة عقيدة الإسلام وحيويّة شرائعه ونظمه وإلى قوّة تأثيره في النفوس وقدرته على الإستقطاب، تعطي الانطباع وتعزّز القناعة، بأن ظهور دين الإسلام على مختلف العقائد والأديان والنظم الاجتماعية السائدة، كان ينبغي أن يكون أكثر سطوعاً وبروزاً.

وأنّ انتشاره بين شعوب الأرض ومناطقها، كان ينبغي أنّ يكون أكثر اتساعاً. وأن تأثيره الإيجابي في ميادين الحياة العامّة وفي مجريات الأحداث العالمية وفي التطورات الحضارية، كان ينبغي أن يكون أكثر حضوراً وفعالية... لكنّ كأس الأسى والأسف قد تجرَّع المؤمنون المخلصون مرارته منذ العهود الأولى، أي منذ بداية ظهور الانحرافات الخطيرة التي أدّت إلى إقصاء أهل الحقّ والنهج القويم عن مراتبهم التي رتّبهم الله تعالى فيها أي ولاية أمر المسلمين، وظلّت مرارة هذا الكأس تلازم الأجيال اللاحقة مع توالي العهود وتعاقب الحكّام المنحرفين - إلّا ما ندر - الذين غالباً ما استغَلّوا سلطتهم المغتصبة لأجل منافع ومصالح دنيويّة لهم ولأتباعهم وحواشيهم، فتعمّقت الانحرافات وتفشّى الضعف

٣

والوهن في جسد الأمّة وبلاد المسلمين وصولاً إلى حالة الانحطاط الكبرى التي استغلّها الأعداء المتربّصون ليعمدوا إلى تمزيقها واستتباعها، لكن مكامن القوّة في الإسلام باقية أبداً وهي تتمثّل في عقيدته السمحاء وشريعته الغرّاء وسيرة رجاله الصادقين وفيما قدّمه علماء المسلمين من إنجازات فكرية وعلمية وحضارية فذّة، فرضت نفسها حتى على المسيطرين الغربيين، فصارت من أساسات نهضتهم العلمية والفكرية المستجدّة، وقد اعترف بذلك كثير من علماء الغرب ومفكّريه المنصفين، كما أبدى بعضهم من المشهورين الإعجاب الشديد بالإسلام ونبيه (ص) ونظمه وتشريعاته والتي تصلح برأيهم كلّ مشاكل الحضارة الغربيّة وسلبيّاتها.

وبفضل مساهمة هؤلاء المفكّرين وجهود الناشطين والمبلّغين في الجاليات الإسلامية في البلدان الغربية وغيرها، انطلقت في القرن الماضي مسيرة التحوّل نحو الإسلام بخطى سريعة وثابتة متخطية الحواجز المتمثّلة - أولاً - بالتأثيرات العميقة للحضارة الغربية المادية التي تمجّد التحلل الديني وتقدّس التفلّت السلوكي والأخلاقي باسم الحرية الفرديّة - وثانياً - بالحملات الإعلاميّة والثقافية والسياسية المستمرة لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، بقصد محاصرة ظاهرة التحوّل نحو الإسلام المتعاظمة في الغرب.

ومع ذلك ففي كل يوم تشهد المدن والبلاد الغربية على وجه الخصوص إقبال الكثير من الرجال والنساء من مختلف المناشئ الدينية والفكرية ومن شتّى المستويات الثقافية والاجتماعية على اعتناق الإسلام وإشهار إسلامهم، مستكملين بذلك رحلتهم في الاستكشاف والاطّلاع بحثاً عن الدين الصحيح الذي يرضي عقولهم وتطمئن معه نفوسهم. فهم يجدون في عقيدته الإجابات المقنعة عن تساؤلاتهم حول الوجود والخالق تعالى وعلاقة الإنسان به والتي تتماشى مع الفطرة الإنسانية السليمة، كما يتلمّسون معه الحلول الواقعية لكثير من المشاكل الاجتماعية والنفسية والروحية التي تعاني منها المجتمعات الغربية.

وتتحدّث الأرقام حول الأعداد الكبيرة لهؤلاء المتحوّلين إلى الإسلام. فهم في بعض الدول أصبحوا بعشرات الآلاف وفي بعضها بمئات الآلاف وقد يتخطّى عددهم المليون في إحدى الدول الكبرى. وجلّ هؤلاء يقومون بواجباتهم الدينية باندفاع وحرص كبير. وكثير منهم أصبحوا دعاة ومبلّغين يجيدون لغة التخاطب مع محيطهم ومجتمعاتهم فيؤثّرون فيها ويضيفون رصيداً مهمّاً لحضور الإسلام في بلدانهم.

٤

ومن أجل الإضاءة على هذه الظاهرة الإسلامية العالمية القيّمة، التي تؤكّد متانة هذا الدين وحضوره المشرق في كل الساحات، كما تؤشّر إلى استمرار الوعد الإلهي بظهوره على الأديان والعقائد كلها، إلى أن يأذن الله تعالى لوليه الأعظم «عج» بتحقيق هذا الظهور الكامل التّام ومن أجل التعريف بنماذج حيّة ومحدّدة من هؤلاء الأخوة والأخوات المقبلون عن رضا وقناعة إلى دين الله تعالى، أصرّت مجلة «نور الإسلام» الصادرة عن مؤسسة الإمام الحسين (ع) الخيريّة - الثقافيّة في بيروت منذ سنة ١٩٨٨م، أن تفرد في كل عدد من أعدادها المستمرة في الصدور حتى تاريخه، زاوية ثابتة بعنوان«وهدوا إلى صراط الحميد» تقدّم ضمنها مقابلة خاصة أو قصّة لأحد المهتدين الجدد إلى الإسلام من الرجال والنساء ومن مختلف البلدان والقارات حيث يعرّف فيها عن شخصه ومحيطه وخلفيّته الدينية والفكرية، ويتحدّث فيها عن الأسباب والظروف التي قادته إلى الدين الجديد وعن تجربته في البحث عن الحقائق الكامنة فيه والتي شدّته إلى الاقتناع به واعتناقه. وغالباً ما يذكر الصعوبات التي اعترضته في طريقه وكيف ذللها بالاتكال على الله تعالى، ومن ثَمَّ يكشف عن مساهمته في التبليغ في محيطه ويدلي بآرائه وملاحظاته المفيدة في هذا الشأن.

وأخيراً، فقد رأت إدارة مؤسسة الإمام الحسين (ع) من أجل تعميم الفائدة واستجابة لتمنيات بعض الأخوة العاملين في مجال التبليغ أيدهم الله تعالى، أن تجمع ما تحصّل من هذه المقابلات والقصص الغنية والمؤثرة وأن تقدّمها بين دفتي كتاب، من شأنه أن يسهّل الاطّلاع عليها جميعاً، فينشرح بها قلب كل من يسعده رؤية هدى الإسلام ونوره ساطعاً في الأرجاء.

ويستعين بها كل متألم على المتساقطين من حوله في وهدة الضلال والانحراف، فهؤلاء القادمون إلى حضن الإسلام والإيمان بإرادتهم ووعيهم من مواقع مخالفة أو معادية هم حجة دامغة على المنحرفين من المسلمين وربما كان في قصصهم عبرة لهم ويقظة ضمير.

والله تعالى من وراء القصد وبه المستعان

مؤسسة الإمام الحسين (ع)

الأخ الإفريقي إسماعيل عبد الله

هذه قصّة إسلامي، الكاملة

٥

٦

فيما يلي نقدّم ترجمةً لنصٍ وصل إلينا باللغة الفرنسية، يروي فيه

الأخ الإفريقي إسماعيل عبد الله

قصة إسلامه كاملة:

وُلدتُ عام ١٩٤٧ في موتاو في جمهورية إفريقيا الوسطى لأبوَين مسيحيين. كان أبي فيما مضى منصّراً كاثوليكياً. بعد إكمال دراستي الابتدائية والثانوية ذهبت إلى بانغي للتسجيل في مدرستها، وفي الوقت ذاته قدمت طلباً للدخول إلى المدرسة اللاهوتية المسيحية في ياوندا (الكاميرون) للسنة الدراسية التالية للدخول في سلك الرهبنة.

وبما أنه كان لي شقيق يعمل ككاتب أول في محكمة مدينة بوزوم فقد كان عليّ أن أذهب لزيارته من آنٍ لآخر. وخلال زيارتي له في العطلة الربيعية لعام ١٩٧٢ عَنّ لي تمديد إقامتي لديه أياماً أخرى. وأثناء جولة قمتُ بها في الحي الإسلامي ذات يوم رأيت مشهداً كان كفيلاً بأن يستحوذ على اهتمام أي شخص يبحث مخلصاً عن الحقيقة والدِّين الحق: لقد كانت ساعة الغروب وكان المؤذن يرفع أذان صلاة المغرب. ورأيت الناس المتوجهين نحو المسجد وهم يقفون خاشعين بمَن فيهم رئيس الحي الذي يتمتع بمكانة اجتماعية رفيعة. أما أنا فقد توقفت إعجاباً بأولئك الأشخاص الذين كانت حركاتهم وسكناتهم تنم عن خشية الله.

وفيما مضى كنت أنعى على بني قومي من المسيحيين عدم تسليمهم وعدم خضوعهم الكامل لله (سبحانه وتعالى). وكنت يومها لا أعرف شيئاً عن الإسلام. ولم يخطر ببالي قط أنه كان في وسع مسيحي حقيقي أن يصبح مسلماً. ومع ذلك فقد عدتُ من جولتي هذه مقتنعاً بأني قد التقيت لتويّ بأناس يعرفون حقيقة إلهية، أنا على جهل تام بها.. وعلى هذا فهم يخشون الله أكثر من خشيتي إياه، وأكثر من المسيحيين الذين عرفتهم فيما مضى. وكان من المحزن لي ألّا يكون بوسعي أن أتّقي الله وأخشاه كالمؤمنين الأوائل الذين تتحدث عنهم الكتبُ السماوية.

أُعجبتُ بالإِسلام فأَسلمت

وفي مساء اليوم التالي قادتني قدماي إلى المسجد ذاته.. ووقفتُ عند الباب أراقب المؤمنين وهم يؤدون صلاتهم في خضوع تام لله تعالى. وفي هذه المرة لم يعد ثمة شك لديَّ في أن الإِسلام هو دين التقوى والخضوع لله.. وهو إذن، الدين الذي أبحث عنه. ثم انتظرت على أحر من الجمر انتهاء الصلاة وخروج إمام المسجد، حيث تبعته إلى منزله. وهناك طلبتُ منه أن يشرح لي الإِسلام وأن يوضح لي الشروط المطلوبة لاعتناقه.

٧

فأجابني بأن جوهر الإِسلام هو الاعتقاد والإِيمان بوحدانية الله تعالى ونبذ الشرك به، كما أنه يقوم على الإِيمان برسالة محمد (ص) خاتم الرسل والأنبياء. وبحضور إمام المسجد نطقت بالشهادتين.

وقد اتخذت لنفسي اسم إسماعيل بدلاً من اسمي الذي كنتُ أحمله رغماً عني، وكنت أجهل أصله ومعناه.

بسبب اعتناقي الإِسلام اضْطُهدتُ من أهلي ومجتمعي

وحين وصل خبر اعتناقي للإِسلام إلى أهلي، كان لهذا الخبر وقع الصاعقة عليهم! لقد لاحظت الحقد واضحاً على وجوههم وفي نظراتهم. وخلال عدة أيام لم يوجّه إليّ أي فرد من أفراد العائلة أي كلمة على الإِطلاق. وراح أخي يروّج ضدي صنوفاً عديدة من الاتهامات بين معارفي وأبناء بلدتي. وأخذ الجميع يعاملونني بخشونة واحتقار.. وصار النسوة والأطفال يتهكّمون بي كلما مررت في الطريق. وأخذ بعضهم يقول بأني قد تحولت في وطني من رجل ذي نسب نبيل إلى عبد تافه للعرب (إذ أن بعض الناس لا يستطيعون التمييز بين العرب وبين المسلمين). وتعالت أصوات تدعو إلى عزلي ونبذي من المجتمع. وفي مسقط رأسي أخذ أقربائي يشعرون بالعار، وذلك لأن الناس ليس لديهم سوى أفكار مغلوطة عن الإِسلام. ولم يخرج عن هذا الإجماع سوى أُمي.

وبسبب ذلك، كان عليّ أن أقطع دراستي للغة الفرنسية، وقررت الذهاب إلى بلد من البلدان الإِسلامية لكي أحافظ على إيماني، ولكي أتعرّف على ديني الجديد بشكل أفضل.

الرحلة الطويلة المضنية في سبيل التعرّف إلى الإِسلام

وبعد التشاور مع عدد من الإخوة ومع أحد العلماء نُصحت بالذهاب إلى مدينة كاولاك في السنغال. وحيث أني لم أكن أملك المبلغ الكافي للقيام بهذه الرحلة فقد تنادى بعض المؤمنين لجمع مبلغ يكفيني - على الأقل - للسفر من بانغي إلى الكاميرون بالطريق البرية. وحصلتُ على رسالة توصية لتسهيل سفري وتيسير أموري في حِلّي وترحالي. وكمرحلة أولى قمت بالسفر بالسيارة من بانغي إلى غارا مبولاهي، وهي مدينة كاميرونية تقع على الحدود. وكان بحوزتي رسالة توصية إلى شيخ في مدينة غيدر - وهي في الطرق الشمالي الأقصى من الكاميرون. وبعد رحلة استغرقت أربعة أيام وصلنا إلى مدينة غارامبولاهي، وهنا نزلت في ضيافة أحد العلماء حيث قضيت عنده ستة أيام - ثم جُمع لي مبلغ من المال يكفيني لمواصلة السفر حتى مدينة غاروا التي تبعد ٦٠٠ كيلومتر.

٨

وفي الطريق توقفنا يوماً واحداً في مدينة نغاونديرة الواقعة في منتصف المسافة. وبعد مشقة استطعت العثور على مكان قضيت فيه ليلتي. ثم اضطررت أن أمكث في المدينة خمسة أيام لم أتناول خلالها سوى وجبتين من الطعام فقط. وكنت أتضوّر جوعاً. وفكرت في الحصول على أي عمل يتيح لي تأمين مبلغ يكفيني لكي أعود أدراجي من حيث أتيت! ولكني صرفتُ النظر عن هذه الفكرة لإدراكي بأن عودتي إلى بانغي هي أمر محزن لأني لم أحقق بعد رغبتي في التعرف إلى الإِسلام بصورة تؤهلني لإرشاد الآخرين وهدايتهم. وصرت أدعو المولى القدير أن يأخذ بيدي ويسدد خطاي ويسهّل أمري. وبقيت جائعاً ثلاثة أيام لأني لم أكن لأريد التصرف بالمبلغ البسيط الذي كان لا يزال في حوزتي. وفي مساء اليوم الثالث عثرتُ على سيارات تحمل عبارة «مدينة غيدر» فاتفقتُ مع أحد السوّاق على أن يقلّني إلى المدينة المذكورة لقاء جزء من الأجرة الكلية للسفرة واعداً إياه بدفع باقي المبلغ عند الوصول، حيث سيتولى الشيخ موديبو يحيى شيخ المدينة الذي سأنزل في ضيافته الوفاء بدَيْني هذا. ووافق الرجل سيما وأنه يعرف بأن الشيخ المذكور هو واحد من أفاضل العلماء في مدينة غيدر هذا فضلاً عن كونه ممن يتّصفون بالكرم والشهامة. وظُهْر اليوم التالي توجهنا إلى المدينة حيث وصلناها بعد رحلة استغرقت ساعتين.

وفي اليوم التالي ذهبتُ إلى مديرية الأمن للحصول على بطاقة إقامة. ولكني اصطدمتُ بعدوّ لدود للإِسلام، وهو ضابط الشرطة الذي يتولى منصب مدير الأمن. حيث ادعى بأن مجيء شخص أجنبي مثقف للاستقرار والإقامة في زاوية من زوايا الريف في الكاميرون بحجّة تعلّم القرآن ودراسته هو أمر مثير للريبة ثم صادر جميع أوراقي الشخصية ولم أتمكن من استعادتها حتى اليوم.

ومع ذلك فقد قضيتُ في هذه المدينة تسعة أشهر تسنّى لي خلالها - والحمد لله - أن أكتسب ثقافة إسلامية جيدة وكافية لمسلم متحمس للقيام بدوره من أجل نشر الإِسلام والدفاع عنه في العالم.

وخلال الشهر السادس من إقامتي في هذه المدينة الكاميرونية تعرفتُ إلى أحد علماء مدينة كاولاك السنغالية، وهو شيخ جليل فاضل. ومنذ تلك اللحظة صرت أطمح للذهاب إلى كاولاك لأواصل تعليمي الديني. وقد استأذنت من أستاذي لتنفيذ مشروعي هذا، فوافق ورسم لي طريق الرحلة التي تقتضي المرور بنيجيريا وتمضية بضعة أسابيع فيها.

٩

وفي يوم من أيام شهر أيار بدأت رحلتي بالسيارة باتجاه نيجيريا - بلا أوراق ولا جواز سفر -! ووصلت مساء اليوم ذاته إلى مدينة يولا في نيجيريا. وقرر الشيخ أن أواصل سفري برفقة شخص وقع عليه اختياره. على أن يساعدني هذا المرافق على جمع المبلغ اللازم لسفري. وبعد ثلاثة أيام ابتدأت السفر، حيث مررنا بعدّة مدن وقرى نيجيرية قبل وصولنا إلى كانو الواقعة في أقصى الشمال.

وقد استُقبلت هناك استقبالاً حافلاً. وفي اليوم التالي ساعدني أحد رجال الأعمال في الحصول على جواز سفر نيجيري. وقد مكثت هنا شهراً كاملاً ريثما يتمُّ جمع المبلغ اللازم لسفري. وبعد ذلك غادرت كانو، حيث بلغت مدينة باماكو عاصمة مالي.

وبعد ثلاثة أيام بدأت الرحلة بالقطار، حيث وصلتُ كاولاك في السنغال يوم الجمعة الموافق ٣ آب ١٩٧٣.

وخلال عام ونصف عكفت على دراسة الدين بشكلٍ عام، ودراسة التفسير بشكل خاص. بالإِضافة إلى الحديث النبويّ الشريف. وقد تتلمذت على يد واحد من أفاضل الشيوخ في المدينة.

وفي أثناء ذلك كنت أكتب الرسالة تلو الرسالة إلى أهلي في أفريقيا الوسطى أدعوهم فيها إلى الإِسلام. ولكني لم أكتفِ بذلك. فقد كان يحزنني احتمال موت أحد أفراد عائلتي وهو على ضلال، في حين كان بوسعي أن أرشده إلى الصراط المستقيم. وهكذا قررت العودة إلى بلدي لكي أمارس التبليغ. وكان ذلك على وجه الخصوص أملاً في إنقاذ أهلي ومواطنيّ ووقاية لهم من نارٍ وقودها الناس والحجارة. وبدلاً من أن أقبل عرضاً لعالم من علماء موريتانيا لأتتلمذّ على يديه في بلده عشرة أعوام فضّلت العودة إلى أفريقيا الوسطى حيث كان ينتظرني الواجب.

وعدتُ إلى موطني لأقوم بواجب التبليغ

وفي كانون الأول ١٩٧٤، وبعد الاستئذان من أساتذتي سلكت طريقي عائداً من حيث أتيت. ووصلت وطني في نيسان ١٩٧٥ بعد رحلة حافلة بالمعاناة لعدم توفر المال اللازم للسفر. وكانت أول عائلة أسلمت على يديّ هي عائلة أحد موظفي الجمارك على حدود تشاد، إذ اعتنق الإِسلام هو وزوجتاه وأطفاله الستة. وبعد وصولي إلى بانغي اهتدى إلى الإِسلام بواسطتي خلال شهر واحد أكثر من عشرة أشخاص.

١٠

والواقع أن وضع المسلمين الاجتماعي هو سيّء للغاية في أفريقيا الوسطى. فالمسلم يتعرض للاعتقال التعسفي.. وهو عرضة للإِهانة والإِذلال علناً وعلى رؤوس الأشهاد. إنه البقرة الحلوب للسلطات. وهو مادة للتندر والسخرية في المدرسة وفي الشارع وفي السيارة.. والمواطنون المسلمون مرغمون على الابتعاد عن المجتمع بسبب أسمائهم التي تنمّ عن انتسابهم للإِسلام. وكثير منهم يضطرون إلى أن يتخذوا لهم أسماء مسيحية، وأن يتنكروا تماماً لدينهم. وفي القرى والأحياء لا يتردد الأطفال في توجيه الشتائم والسّباب للمسلمين. وثمة من يقول عن مسلمي أفريقيا الوسطى بأنهم هم أولئك الذين خانوا وطنهم لحساب العرب وذلك باعتناقهم لدين العرب (أي الإِسلام)!

وأمام هذا الوضع، قررتُ في كانون الأول ١٩٧٥ أن أقوم بتأسيس منظمة إسلامية وطنية تُعني بجمع شمل المسلمين في أفريقيا الوسطى، ونشر الإِسلام والإشراف على الشؤون الإِسلامية في البلد.

وقد عرضت مشروعي هذا على بعض الإِخوة المسلمين فرحّبوا به وأبدوا استعدادهم لمساعدتي بهذا الصدد. ثم ذهبنا سوية لمقابلة رئيس بلدية المدينة حيث شرحنا له الوضع بالتفصيل. وقد أحالنا هذا على رئيسة الوزراء في تلك الفترة. وحين قابلناها عرضنا عليها المشروع. وقد سَجّلت ملاحظات أثناء المقابلة ثم استدعتنا ذات يوم لكي تحيلنا بدورها على وزير التعليم الوطني. إلا أن الخوف من قيام المسلمين بتنظيم صفوفهم والإِشراف على شؤونهم بأنفسهم أدّى إلى وأد المشروع. ولكني لم أفقد الأمل ولا العزيمة. ففي شباط ١٩٧٦ قررت الذهاب إلى مدينتي نولا، حيث تسكن والدتي وكذلك إخوتي وأخواتي، فضلاً عن أقرباء آخرين. وصلت المدينة بعد الظهر. ولم يلبث أن انتشر خبر عودتي في المدينة. فتدفق عدد غير قليل من الناس إلى البيت لكي يستمعوا مني إلى شرح مفصّل عن الإِسلام. ونظراً لكثرة الزوار وكثرة الأسئلة المطروحة فقد اضطررت إلى السهر حتى ساعة متأخرة من الليل.

وفي اليوم التالي، وفي تمام السابعة صباحاً، كان رئيس القرية أول من قرّر اعتناق الإِسلام، وتبعه أشقائي الأربعة وأُمّي وعشرة أشخاص مهمين بعضهم من قرية مجاورة.

١١

وطيلة أسبوعين كنت أنظّم دخول أقربائي ومواطنيّ إلى الإِسلام وأشرح لهم تعاليم الدين الإِسلامي. ثم أدركتُ أنه كان عليّ أن أتنقل من قرية إلى أخرى لكي ألتقي بأولئك الذين لا يستطيعون المجيء إليّ. وبصحبة مؤمنين جدد قمتُ بجولة استغرقت عدة أيام لكي أقوم بالتبليغ في القرى المجاورة.

مواجهتي لمكائد المنصِّرين وأتباعهم

وفي تلك الفترة قام الشيطان بلعبةٍ قذرة. فقد قام كاهن المنطقة - وهو فرنسي - يساعده لفيف من الكهنة بجمع كل المسيحيين في إحدى الكنائس وخاطبهم قائلاً: «ما الذي ينبغي أن يفعله جواهريّ يمتلك كمية من الماس إزاء حجر أسود ينتصب بشكل غامض وسط ماساته الجميلة لكي يدمّرها ويخرّبها؟». فأجابه الحاضرون بصوتٍ واحد: «يجب تحطيمه بالمطرقة ونبذه بعيداً».. فقال لهم أيضاً: «لقد ظهر الشيطان في دياركم وبين ظهرانيكم.. وما لم تتضامنوا بقوة لطرده فإن إيمانكم مهدد وستذهبون كلكم إلى الجحيم..».

وما لبثوا أن كتبوا رسالة إلى رئيس الجمهورية آنذاك جان بيدل بوكاسا.. وهي رسالة يتهمونني فيها بأني قلتُ للناس بأني قد رشوت بوكاسا بمبلغ كبير من المال فسمح لي بالقول بأن الدين الإِسلامي هو الدين الحق دون غيره من الأديان وأن المسيحية هي دين استعماري فاسد.

وقد علمتُ عن طريق أحد الأشخاص الذين حضروا هذا الاجتماع بما كان يُحاك ضدي. فأقمتُ دعوى قضائية ضد الكاهن.. وقد مورست ضغوط ضدي لكي أسحب شكواي هذه ولكني رفضتُ رفضاً قاطعاً. وقد صدر على إثر ذلك حكم قضائي على الكهنة الأفارقة بالسجن عدة سنوات ودفع تعويضٍ لي - ولكني رفضته - أما الكاهن الفرنسي فقد نجا من العقاب لأنه أجنبي!

إنجازاتٌ وُفِّقتُ لها

وقد خرجتُ من هذه التجربة أكثر ثقة بالله وأشد تصميماً على المضي في طريقي لخدمة الإِسلام. وقد رسمتُ خطة مع بعض الإِخوة المسلمين لوضع برنامج للتبليغ والدعوة ولبحث الطرق الكفيلة بهداية أكبر عدد ممكن من المثقفين إلى الإِسلام الذين سيضطلعون فيما بعد بتوجيه كل المجتمع وتنقيته.

١٢

وقد قدمتُ لاحقاً طلباً إلى وزارة الإِعلام لاستئناف إذاعة البرامج الإِسلامية التي كان قد حُظِرَ بثُّها. فتمّت الموافقة على طلبي هذا. بل وخُصّص وقتٌ معين لبرنامج إسلامي باللغة الفرنسية حظي باهتمام كثير من المثقفين. وكنت أتولى بنفسي إعداد هذه البرامج بالفرنسية حتى عام ١٩٨٠. وفي الفترة ذاتها كنت أضطلع بمسؤولية الاهتمام بالمسلمين الجدد وبتعليمهم العبادات والصلاة.

ثم أخذت على عاتقي توزيع الكتب والمطبوعات الإِسلامية المترجمة إلى الفرنسية على سكان العاصمة والأقاليم. وكنت أنظّم ندوات ومحاضرات في المدارس والكليات.

وفي عام ١٩٧٨، بلغ عدد الأشخاص الذين اعتنقوا الإِسلام عن طريقي حوالي ٧٢٠.

وفي عام ١٩٧٨ أدّيت فريضة الحج في الديار المقدسة. وكنت يومها قد وضعت مشروعاً وخطة لبناء مسجد كبير في منطقة يوجد فيها عدد كبير من المسلمين الجدد.

وعند عودتي إلى الوطن، كان عليّ مواجهة صعوبات كثيرة: الافتقار لوسائط النقل، ضعف الميزانية وصعوبة توفير الكتب الإِسلامية.

وفي عام ١٩٨٥ وصل عدد معتنقي الإِسلام بواسطتي إلى حوالي ٩٠٥ أشخاص من المؤمنين.

وأخيراً فأنا أشكر الله (عزّ وجل) الذي وفقني إلى تحقيق هذه النتائج رغم صعوبتين كبيرتين:

١ - نحن نعيش في عالم مادي، حيث يشكِّل المال سلطة وقوة ذات تأثير كبير على الناس. فالحقيقة وحدها لا تكفي: فلا بدَّ من توفير المستلزمات المادية الضرورية لإصلاح الخلل. وبسبب هذه الثغرة فقد مُني عدد من مشاريعي بالفشل ومنها:

أ - مشروع لإِنشاء قرية إسلامية نموذجية مع معهد ديني لإِرشاد وتعليم المسلمين الجدد. ويمكن تنفيذ المشروع في المنطقة الكائنة بين الكونغو والكاميرون، وهذا يكون كفيلاً بهداية مواطني هذين البلدين.

ب - مشروع إقامة علاقات تعاون وتنسيق في حقل الوعظ والإِرشاد مع الخطباء والعلماء في البلدان الإِسلامية عموماً وفي فرنسا بشكل خاص، لكي نبرهن للأفارقة أن ثمة مسلمين فرنسيين.

ج - مشروع إقامة مزارع كبيرة للقهوة والأرزّ والموز وقصب السكّر تعتمد على المسلمين الجدد. ويمكن لهذا المشروع أن يؤمّن موارد مالية مهمة يُستعان بها لنشر الإِسلام.

١٣

٢ - أما الصعوبة الثانية - وهي الأخطر - فهي عدم معرفتي باللغة العربية، مما يحدّ من إمكاناتي في الخطابة والإِقناع. ولذا فأنا مصمم على الذهاب للإِقامة مع عائلتي في أي بلد عربي لكي أدرس في إحدى الجامعات الإِسلامية.

وأنا أرجو من جميع إخوتي المسلمين ألّا يترددوا في مدّ يد العون والمساعدة لي، لكي أقوم بواجبي في نشر الإِسلام.

والحمد لله الذي وفقني لمخاطبتكم ولإحاطتكم علماً بقصتي التي تُعتبر أنموذجاً حياً لوضع الإِسلام والمسلمين في أفريقيا الوسطى.

١٤

الأخت «فاضلة الفرنسية»

الإِسلام أعطى المرأة الوضع والقيمة المثاليين. جذبني إلى الإِسلام روح العدالة والمساواة فيه

الأخت «فاضلة» شابة فرنسية عاشت في خضمِّ مجتمع ماديٍّ ثقيل الوطأة.. يحوّل الإِنسان إلى رقم لا قيمة له بين الأرقام، ويسلبه روحه ويمسخ آدميته.. وكان أَنْ مَنّ الله عليها بنعمة الإِيمان وشرح صدرها للإِسلام.

وها هي تحدّث المجلة عن رحلة اعتناقها لدين الفطرة:

هل لكِ أن تعطينا فكرة عن حياتك السابقة؟ والمجتمع الذي كنت تعيشين فيه؟ وكذلك الجو العائلي؟

وُلدت في جنوب فرنسا، لكنني نشأت وترعرعت في شمال فرنسا، في منطقة تعجّ بالمهاجرين العرب، ضمن أسرة عمالية فقيرة. عائلتنا تتألف من ٦ أشخاص: ولدين وبنتين وأمي وأبي طبعاً. والدي كان ملحداً أما والدتي فكانت لا تهتم بأمور الدين المسيحي الذي كنا ننتمي إليه. إلا ببعض الطقوس التي كانت تُفرض علينا من قِبَل المحيط العائلي الكاثوليكي المحافظ. إخوتي كانوا كغيرهم من الفرنسيين، يهتمّون بأمور دنياهم فقط. تعلّمت في مدرسة للراهبات حتى سن الرابعة عشرة ومن ثم تابعت في مدرسة رسمية (علمانية) حتى السادسة عشرة من عمري، حيث انتقلت للعمل في عدة مجالات، لأن وضعي الاجتماعي كان يفرض عليّ أن أعيل نفسي بنفسي.

درستِ في مدرسة مسيحية، فهل كان لها تأثير ما على معتقداتِك؟

أو بالأحرى ماذا كان تأثيرها على توجّهكِ الديني؟

عندما كنت في المدرسة الكاثوليكية هذه كان ما جذبني هو قصة السيد المسيح الذي عُذِّب واضَطُهِد لأنه بشّر بما يعتقد، كانت حياته تثير مشاعري، لذلك كنت أحب مادة الدين، كروايات وقصص لا كتطبيق، لأن ما كان يقوم به الجميع في هذه المدرسة من تمييز وتفرقة بين الطلبة تبعاً لانتمائهم الطبقي (فالغني كان يُحترم أما الفقير فكان يحتقر) ترك أثراً كبيراً لديَّ تجاه هؤلاء وتجاه ما يبشّرون به، كما ولّد لديّ نفوراً من الدين أو بالأحرى نفوراً من أن أكون كهؤلاء الراهبات خاصة. لذلك انتقلتُ إلى المدرسة العلمانية حيث لا وجود للدين، وهنا يشعر المرء بالراحة. لأن الكل تقريباً من نفس الطبقة الاجتماعية. إذن لم يكن لديّ توجّه ديني، لأن الدين لم يكن يعنيني في شيء.

١٥

هل كنتِ تسمعين بالديانة الإِسلامية؟

لقد تعرّفتُ على بعض «المسلمين» منذ كنت صغيرة، لأن المنطقة التي عشت فيها كانت تضمُّ الكثير من المهاجرين العرب. كنت أسمع منهم أنهم مسلمون... ولكن بما أنهم كانوا يقومون بكل ما يقوم به بقية سكان المنطقة من الفرنسيين (شرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، والسفور، والعلاقات غير الشرعية - الزنا - ) فلم أكن أميّزهم عن غيرهم. بل كنت أميّزهم بمعاملتهم السيئة لزوجاتهم، وأولادهم، وتصرفاتهم غير المناسبة اجتماعياً وهذه ليست نظرتي أنا فقط بل نظرة كل الفرنسيين هناك تقريباً، إذن أنا لم أسمع بالدين الإِسلامي من قبل كعقيدة وتعامل وحقوق وواجبات وأخلاق.

إذن كيف تعرَّفتِ على الإِسلام؟

كل شيء بدأ عندما أسلم أخي الذي كان يعمل في مصنع حيث يوجد الكثير من العمال العرب المسلمين، هناك تعرَّف إلى رجل تونسي في الأربعين من العمر، كان يؤدّي صلاته في المصنع، فلفت انتباهه وسأله عما يفعل كل يوم، وما هذا الذي يقوم به، ولماذا؟

فما كان من هذا الرجل إلا أن شرح له ذلك ودعاه إلى منزله، وأخذ يُسمعه آيات من القرآن الكريم بصوت أحد المقرئين فأعجب جداً بهذا الصوت المعبّر، وظل يتردَّد على هذا الرجل حتى أسلم (وقد أطلق على نفسه اسم مصطفى) طبعاً أخي لم يقف مكتوف اليدين أمامنا - أنا وأخي الأكبر، بل أخذ يحدّثنا عن الإِسلام وعن الرسول (ص) وعن الله (عزّ وجل) كنت أحب الاستماع إليه كثيراً، لكن في الرابعة عشرة هناك أمور دنيوية تشغلنا وتجذب عقولنا، لذلك لم أهتم بشكل جدي بالموضوع. بعكس أخي الأكبر الذي أسلم وأطلق على نفسه إسم حمزة، سافر شقيقاي مصطفى وحمزة إلى سوريا لدراسة العلوم الدينية لمدة سنة كاملة. طبعاً هذا البعد أنساني كل ما كانا حدثاني عنه. لكن لن أقول أن مناقشاتهما معي لم تجدِ نفعاً، بل بالعكس فقد أقنعاني بفكرة وجود الخالق الذي هو الله تعالى. وبعد عودتهما من سوريا كرّرا عليّ الكلام والمحادثات، وأخذا يحدّثاني عن الإِسلام وشرعته السمحاء التي تهدف إلى إقامة العدل والمساواة بين الناس. ثم ذهبت معهما إلى باريس حيث التقينا بعدد من الإخوة المؤمنين، وتعرّفت منهم على الكثير من مبادئ الإِسلام، وحصلت على أجوبة لكل الأسئلة التي كانت تدور في خاطري، وشعرت أنه من الضروري الدخول في هذا الدين القيّم الذي يحفظ حق الإنسان، ولا يقبل بأي شكل من أشكال الظلم والاستكبار، ويدعو للمساواة والعدالة.

١٦

وأسلمت لله (عزّ وجل) ، وبدأت بتطبيق تعاليم الدين تدريجياً: تعلمت الصلاة - باللغة العربية طبعاً - وبدأت بالصيام وأخذت أتعلَّم بعض أحكام الطهارة والنجاسة والتقليد وكل ما يتعلق بالحياة اليومية، كما أخذت أتردَّد إلى بعض المراكز الإِسلامية في باريس للاحتكاك أكثر بالأخوات المؤمنات.

هل تعلَّمتِ اللغة العربية؟

كلا، لم أتعلَّم اللغة العربية، إلا في الصلاة فقط، ولكن سأحاول ذلك بإذن الله.

ذكرتِ أن تؤدّين فريضة الصيام، فهل كان صعباً عليك أداء هذه الفريضة بادئ الأمر؟

عندما علمت أنه من الواجب أن نصوم شهر رمضان، حاولت الالتزام بهذا قدر المستطاع، طبعاً لا يخلو ذلك من الصعوبة، ولكن بعون الله وبالإرادة القوية، تمكّنت من أن أقوم بهذا الواجب العظيم.

بعد اعتناقكِ الإِسلام ماذا كانت ردة فعل أهلك ومجتمعكِ؟

«خُلقتِ مسيحية ويجب أن تبقي مسيحية» هذا ما كانت تردّده والدتي، وكانت تسألني: لماذا تغيّرين دينك؟ وما هذا الذي تقومين به؟ لكن ما أزعج الجميع هو التزامي بالحجاب. لم يقبلوا هذا أبداً، حتى أنه في بداية دخولي الإِسلام لم أضع الحجاب مباشرة بل وضعته بعد فترة قصيرة. وعندما كنت أذهب إلى قريتي حيث كان الأصدقاء السابقين والأقارب، كان صعباً عليّ أن أضعه في البداية لكن في النهاية كان لا بدّ أن أواجه الجميع وأفرض عليهم لباسي هذا، حتى ولو لم يعجبهم لأني كنت مقتنعة به. وكان لزواجي من شاب مؤمن أثر كبير في مساعدتي على مواجهة ردة فعل أهلي ومجتمعي، حيث كان يذهب دائماً معي لزيارتهم.

ماذا وجدتِ في الإِسلام من مميزات يختلف بها عن غيره من الأديان؟

ما جذبني في الإِسلام هو العدالة والمساواة، فكل الناس سواسية؛ الفقير منهم والغنيّ، السادة والعامة، كلهم متساوون. هذا التواضع لم أعرفه إلا في الإِسلام، كما تعرّفت في الإِسلام أيضاً على الاطمئنان الروحي لأنه ذلك الدين الذي يعالج كل شؤون الحياة: كلما طرحت سؤالاً أجد له جواباً... ولا يوجد فيه تناقضات أبداً. وكوني امرأة، أعتبر أنّ الوضع المثالي والقيمة المثالية للمرأة هو ما أعطاها إياها الإِسلام، فكرّمها أحسن تكريم، وأنا أعتبر الإِسلام الدين الكامل الذي يجب على كل إنسان أن يتّبعه، لأنه الحق بعينه.

١٧

كيف وجدتِ حياة المسلمين في لبنان.. من ناحية تطبيقهم لهذا الدين الحنيف (الإِسلام)؟

للأسف هنا أرى قسماً كبيراً من المسلمين يفتِّشون عن الدين لحل مشاكلهم ولكن لا يطبِّقونه في البداية حتى لا يقعوا في المشاكل! فهم هنا يخلطون بين التقاليد والدين، قد يفضِّلون بعض العادات والتقاليد على الأحكام الدينية طبعاً أنا لا أنفي وجود إخوة مؤمنين وأخوات مؤمنات، لكن هذا قليل جداً بالنسبة لطموحنا وآمالنا كمسلمين.. فما نريده هو الإيمان والأخلاق والعمل الصالح والإنسان المسلم النموذجي. كما أتمنى من المرأة المسلمة هنا أن تعي دورها وأهميته، وأن تطالب بحقوقها التي منحها إياها الإِسلام وأن لا تنسى واجباتها طبعاً. وعلى الرجل أن يوفِّر الوقت الكافي لزوجته حتى تنمّي نفسها ثقافياً، وتتطور وتتابع كل ما يجري حولها من أحداث، وألا يتركها للعمل المنزلي فقط الذي قد تصرف فيه كل وقتها من الصباح وحتى المساء، فالمرأة الواعية تستطيع أن تقوم بدور التربية لأولادها أفضل بكثير من المرأة العادية غير المثقفة. كما أطلب من نفسي ومن كل الأخوات الاقتداء بفاطمة الزهراء (عليها السلام) كما أطلب من الرجل الاقتداء بالرسول (ص) والحمد لله رب العالمين.

١٨

قصة إسلام الأخ الأميركي «ستريد سمارت»

تعلمت العربية لأقرأ القرآن بنفسي وبفضله إهتديت

لقد طُلب إليّ أن أحدّد الأسباب التي دفعتْني إلى تغيير ديني وإلى الدخول في الإِسلام. ويسعدني جداً أن أجيب طلب أولئك الذين أخذوا بيدي في هذا الطريق الصعب، وآمل أن يستمروا في ذلك.

إن الكلام بهذا الأسلوب في يومنا هذا، قد يبدو للبعض ضرباً من الرفض، أو من النكوص إلى الوراء.

ولكي أوضح موقفي بشكلٍ أفضل، اسمحوا لي أن أقول بأن مصطلحات «نكوص» «وتقدّم» المتناقضتَين كانت تسبِّب لي ضيقاً شديداً. وفي رأيي أن هذا التعبير - كما يُستخدم بالإِنكليزية - هو مشوّش وغير دقيق.

فأنا أستطيع أن أبنيَ شخصيتي بنفسي، كما أرغب، دون أن أحتاج إلى مساعدة الآخرين. وفضلاً عن ذلك، كنتُ قد نُشِّئْتُ على أساس إيمانٍ قديم يؤكد بأن الله تعالى يساعد أولئك الذين يبذلون جهداً لمساعدة أنفسهم (ساعد نفسك، تساعدْك السماء!).. ولذا فإنه لمن الصعب عليّ أن أبنيَ آرائي وقناعاتي الدينية على أساس قناعات الآخرين.

ومن البدهي أنه لكي أعرف الحقيقة بشكل أفضل، يتعين عليّ أن أقيم صِلاتٍ مع أناسٍ سبق لهم أن سلكوا هذا الطريق، وبالتالي فهم يعرفون عنه أكثر مما أعرف.. وذلك بغية الدخول معهم في نقاش.

فقبل أعوام عندما كنت أعمل، وفي ذات الوقت كنت أدرس في جامعة «الينويس»، تعرّفت على شاب مصري. وقد أهداني هذا - بمناسبة عيد ميلادي - نسخةً من القرآن الكريم بغلافٍ جلديٍ أنيق. وكان هذا المصحف مكتوباً باللغة العربية. وحيث أني كنت طالباً في قسم اللغات، وأعتقد أن على كل امرئٍ أن يعرف كيف يتكلّم الآخرون وماذا يقولون، فقد أعربتُ عن رغبتي في معرفة محتويات القرآن.

١٩

وعليه فقد قرّرت تعلّم اللغة العربية كيما أستطيع قراءة هذا الكتاب السماوي المقدَّس بنفسي.

لقد كنت دائماً أحترم وأقدِّس الكتب السماوية المقدّسة والدينية، بينما يفتقر المسيحيون إلى هذا الاحترام تجاه هذه الكتب المقدسة.

وأذكر أن مناقشات حامية الوطيس قد دارت بيني وبين أصدقائي المسيحيين حول هذا الأمر.

وكنت قد وضعت مصحفي بعناية بالغة في منديل ثم وضعته في حقيبتي. وهكذا كنت أحمله معي دائماً، مع أني لم أكن أفهم منه شيئاً على الإِطلاق (لجهلي بالعربية).

وكنت أرتاد من آنٍ لآخر الجمعية الإِسلامية في الجامعة، وكثيراً ما كان بعض أعضائها يدعونني لحضور لقاءاتها وندواتها. وما كانت هذه اللقاءات لتسعدني فحسب، بل أتاحت لي أيضاً - إلى حدٍّ ما - فهم ومعرفة المعتقدات والأفكار الإِسلامية.

إن المسيحية تدّعي الأخوّة والإِحسان والرأفة، ولكن بمقارنة هذه الأطروحة بسلوك مسلمي مدينة «الينويس»، وبتوادّهم وتراحمهم فيما بينهم، فإنّ الأطروحة المسيحية تبدو بلا محتوى. فذلك الشخص الذي كان يعرض خدماته لمرافقة صديقٍ من الأصدقاء خلال ليلةٍ عاصفة، كان مسلماً.. وذلك الذي كان يجمع التبرعات والمساعدات لصديقٍ بغية مساعدته على إنهاء السنة الأخيرة من الدكتوراه، كان مسلماً. نعم.. فحين فَقَدَ أحد المسلمين كلَّ ثروته أو مدّخراته وسقط في براثن الفاقة والعوز، بادر ١٨ مسلماً إلى مساعدته لكي يُقيلوا عثرته.

لقد كنتُ ألاحظ كلّ هذه الحقائق والمعطيات اليومية، وكنت أصغي إلى بعض الإِذاعات العربية.

وذات مساء، دُعيت إلى العشاء في دار أحد الأصدقاء. وفي تلك الأمسية، كان المدعوون يرتّلون آيات من القرآن الكريم، وكنت أشعر بالبهجة والطمأنينة وأنا أستمع إلى ترتيلهم. وكنت يومئذٍ أحد الأعضاء الأساسيين للمنظمة المسيحية الخيرية، وكنت أحضر القدّاس كل يوم أحد.

وعندما بدأتُ بالدراسة والاطّلاع، تبدّت لناظري ثغرات في العقيدة المسيحية، ولذا فقد توقفت عن المشاركة في جوقة المرتّلين في الكنيسة. وقد اتّخذت هذا القرار ذات يوم، عندما كنت أتأمّل فكرة التثليث المسيحية. فالكتب المسيحية لم تُفلح قط في إقناعي بشكل قوي.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

٥٧ ـ ثلاث فضائل للإمامعليه‌السلام لا تضاهى :

(المنتخب للطريحي ، ص ٢٥٨ ط ٢)

ذكر مسلم أن معاوية أمر سعدا بالسبّ فأبى. فقال : ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟. فقال : ثلاث قالهن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلن أسبّه ، ولئن تكن لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النّعم (أي الحمر الوحشية يضرب بها المثل لقيمتها وندرتها).(١) سمعته يقول لعليعليه‌السلام وقد خلّفه في بعض مغازيه ، فقال له عليعليه‌السلام :خلّفتني مع النساء والصبيان!. فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي. (٢) وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ، ويحبّ الله ورسوله. قال : فتطاولنا إليها.فقال : ادعوا إليّ عليا ، فأتاه وبه رمد ، فبصق في عينيه ، ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه. (٣) ولما نزلت( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ) [آل عمران : ٦١] دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة وعليا والحسن والحسينعليهم‌السلام ، فقال : الله م هؤلاء أهلي.

وقال عبد الله بن عمر : كان لعلي بن أبي طالب ثلاث ، لو كان لي واحدة منهن كانت أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس : تزويجه فاطمة ، وإعطاؤه الراية ، وآية النجوى (إذ لم يعمل بها أحد غيره).

٥٨ ـ أربع مناقب للإمام عليعليه‌السلام :

(النص والاجتهاد)

سئل الحسن البصري فيما يقوله عن فضل عليعليه‌السلام ؟

فقال : ما أقول فيمن جمع الخصال الأربع :

ـ ائتمانه على (براءة).

ـ وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له في غزوة تبوك وقد خلّفه على المدينة : يا علي ، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي.

ـ وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الثقلان كتاب الله وعترتي.

ـ وأنه لم يؤمّر عليه أمير قط ، وقد أمّرت الأمراء على غيره.

٥٩ ـ محبة علي بن أبي طالبعليه‌السلام دليل الإيمان وطهارة المولد :

قال الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٩٧ :

ونقل هذه الأحاديث سيد حكماء الإسلام المير داماد في كتابه (تصحيح الإيمان وتقويم الأديان) :

١٤١

في صحيح البخاري وأبي داود ومسند أحمد بن حنبل وفضائل السمعاني وحلية الحافظ أبي نعيم وغيرها من كتب العامة ، من طرائق مختلفات وطرق شتى ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليعليه‌السلام : «لا يحبّك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لو لا أنت لم يعرف حزب الله».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من زعم أنه آمن بما جئت به وهو يبغض عليا ، فهو كاذب ليس بمؤمن».

وعن أبي سعيد الخدري قال : كنا نعرف المنافقين على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببغضهم عليا.

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بوروا

(أي اختبروا) أولادكم بحب علي بن أبي طالب ، فمن أحبه فاعلموا أنه لرشده ، ومن أبغضه فاعلموا أنه لغيّه».

وروى البيهقي أن الأنصار كانت تقول : إنا كنا لنعرف الرجل لغير أبيه ، لبغضه علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

جملة من فضائل فاطمة الزهراءعليها‌السلام

٦٠ ـ فضائل فاطمةعليها‌السلام الخاصة :

(مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول لابن طلحة الشافعي)

من حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لفاطمةعليها‌السلام وهو في مرضه الأخير على مسمع من كل زوجاته : «يا فاطمة ، أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين ، أو سيدة نساء هذه الأمة؟!.».

(أورده البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي)

وقد ثبت بالأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة أن فاطمةعليها‌السلام كانت أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غيرها ، وأنها سيدة نساء أهل الجنّة.

٦١ ـ ابن الحنفية يعترف بفضل الحسينعليه‌السلام وفضل أمه الزهراءعليها‌السلام :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٤ ص ٦٦)

حدّث الصولي عن الإمام الصادقعليه‌السلام في خبر ، أنه جرى بين الحسينعليه‌السلام

١٤٢

وأخيه محمّد بن الحنفية كلام (أي خصومة). فكتب ابن الحنفية إلى الحسينعليه‌السلام : أما بعد يا أخي ، فإن أبي وأباك عليعليه‌السلام ، لا تفضلني فيه ولا أفضلك ، وأمك فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو كان ملء الأرض ذهبا ملك أمّي ما وفّت بأمّك. فإذا قرأت كتابي هذا فصر إليّ حتّى تترضّاني ، فإنك أحقّ بالفضل مني ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. ففعل الحسينعليه‌السلام ذلك ، فلم يجر بعد ذلك بينهما شيء.

٦٢ ـ حبّ فاطمةعليها‌السلام وبغضها ـ ويل لمن يظلم ذريتها :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٦ ط ٢)

عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لسلمان : يا سلمان ، من أحبّ فاطمة ابنتي فهو في الجنّة معي ، ومن أبغضها فهو في النار. يا سلمان حبّ فاطمة ينفع مائة موطن من المواطن ، أيسر تلك المواطن : الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة. فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه ، ومن رضيت عنه رضي الله عنه. ومن غضبت عليه غضبت عليه ، ومن غضبت عليه غضب الله عليه.

يا سلمان ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها ، وويل لمن يظلم ذريتها.

فضائل الخمسة أصحاب الكساءعليهم‌السلام

٦٣ ـ ثواب محبة الخمسة أصحاب الكساءعليهم‌السلام :

أخرج الإمام أحمد والترمذي عن عليعليه‌السلام أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ بيد الحسن والحسينعليه‌السلام وقال : «من أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما ، كان معي في الجنّة».

٦٤ ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعو لفاطمة وعليعليهما‌السلام بالبركة في نسلهما :

روى أبو حاتم عن أنس أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل على فاطمة وعليعليهما‌السلام بعد زواجهما ، فدعا بماء فتوضأ ، ثم أفرغه على علي وفاطمةعليهما‌السلام وقال : الله م بارك فيهما وبارك عليهما ، وبارك لهما في نسلهما. (وفي رواية) : وبارك لهما في شبليهما (الشبل : ولد الأسد). وهو من الإخبار بالمغيبات ، كما قال جلال الدين السيوطي في (ديوان الحيوان) لأن المراد بالشبلين الحسن والحسينعليهما‌السلام .

١٤٣

٦٥ ـ آدم يسأل الله بالخمسة أن يتوب عليه :

(المنتخب للطريحي ، ص ٧٧ ط ٢)

روى الفقيه المغازلي الشافعي ، بإسناده عن ابن عباس قال : سئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربه فتاب عليه؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سأله بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام إلا تبت عليّ ، فتاب عليه.

٦٦ ـ فضيلة الخمسةعليهم‌السلام على هذه الأمة :

(المصدر السابق ص ١١٠)

روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : بي أنذرتم ، ثم بعلي بن أبي طالب اهتديتم ، وقرأ قوله تعالى :( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) [الرعد : ٧]. وبالحسن أعطيتم الإحسان ، وبالحسين تسعدون وبه تشقون. ألا وإنما الحسين باب من أبواب الجنّة ، من عانده حرّم الله عليه رائحة الجنّة.

٦٧ ـ اقتدوا بالشمس والقمر والزهرة والفرقدين :

(شجرة طوبى للمازندراني ، ج ٢ ص ٤٢٦)

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقتدوا بالشمس ، فإذا غابت الشمس فاقتدوا بالقمر ، فإذا غاب القمر فاقتدوا بالزّهرة ، فإذا غابت الزهرة فاقتدوا بالفرقدين ، فإذا افتقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزاهرة.

فقالوا : يا رسول الله فما الشمس وما القمر ، وما الزّهرة وما الفرقدان؟ ...فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا الشمس ، وعليّ القمر ، وفاطمة الزّهرة ، والفرقدان : الحسن والحسين ، وأما النجوم الزاهرة فالأئمة التسعة من صلب الحسين ، والتاسع مهديّهم.

يقول الشيخ محمّد مهدي الحائري المازندراني معقبا على هذا الحديث :

أما الشمس التي هي (النبوة) فغابت بقلب مكمد محزون ، مما قاسىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أمته. وأما الزّهرة التي هي (فاطمة الزهراء) فقد أخمدوا ضوءها وزهرتها باللطم والعصر بين الحائط والباب. وأما القمر وهو (فلك الإمامة) فقد خسفوه بسيف عبد الرحمن بن ملجم. وأما الفرقدان وهما (الحسن والحسين) فغاب أحدهما بقلب مسموم وقد تقيّأ كبده ، وغاب الآخر بعد الظهر من يوم عاشوراء ، وانكسفت الشمس ، وأمطرت السماء دما.

١٤٤

٦٨ ـ المكتوب على باب الجنّة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٤ ط نجف)

عن ابن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنّة مكتوبا : لا إله إلا الله ، محمّد رسول الله ، علي حبيب الله ، الحسن والحسين صفوة الله ، فاطمة أمة الله ، على مبغضهم لعنة الله.

فضائل الأئمة الاثني عشر

مدخل :

يقصد بأهل البيتعليهم‌السلام أينما ذكروا مقرونين بأنهم الأمان من الضلال ، وأنهم سفينة نوح ، وأنهم باب حطّة من دخله كان آمنا الخ ، يقصد بهم الأئمة الاثنا عشر حصرا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمةعليها‌السلام ، أو ما نعبّر عنه

(بالمعصومين الأربعة عشر) ، لأنهم لولا العصمة لا تنطبق عليهم تلك الأوصاف وتلك المنزلة.

٦٩ ـ أهل البيتعليهم‌السلام أمان لأهل الأرض :

(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٣٠)

أخرج أبو عمرو الغفاري عن إياس بن سلمة عن أبيه ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأمتي».

وأخرج أحمد بن حنبل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء ، وإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض».

وفي رواية صحّحها الحاكم على شرط الشيخين ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الاختلاف».

وقد يشير إلى هذا المعنى قوله تعالى :( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) [الأنفال:٣٣] أقيم أهل بيته مقامه في الأمان ، لأنهم منه وهو منهم ، كما ورد في بعض الطرق.

٧٠ ـ أهل البيتعليهم‌السلام كسفينة نوح وباب حطّة :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٤٩)

أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري ، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

١٤٥

يقول : «إنما مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلفّ عنها غرق. وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطةّ في بني إسرائيل ، من دخله غفر له».

٧١ ـ أئمة أهل البيتعليهم‌السلام هم رجال الأعراف :

(المنتخب للطريحي ، ص ٣٠٧ ط ٢)

عن الإمام محمّد الباقر قال : سأل ابن الكواء أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال : ما معنى قوله تعالى :( وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ ) [الأعراف : ٤٦]؟.

فقالعليه‌السلام : نحن أصحاب الأعراف ، نعرف أصحابنا بسيماهم. نقف بين الجنّة والنار فلا يدخل الجنّة إلا من عرفنا وعرفناه ، ولا يدخل النار إلا من أنكرنا وأنكرناه.

٧٢ ـ أئمة أهل البيتعليهم‌السلام يحفظون الشريعة :

وأخرج المللا في سيرته عن عمر بن الخطاب (كما في الصواعق المحرقة لابن حجر ، ص ٩٠) أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «في كل خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي ، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى اللهعزوجل ، فانظروا من توفدون». صدق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٥ ـ محبة أهل البيتعليه‌السلام

٧٣ ـ محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرض :

(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ١٥)

إن محبة النبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واجبة على كل مسلم ، مصداقا لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين».

(رواه البخاري عن أنس بن مالك).

وهذا الحديث من جوامع الكلم التي أوتيها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد جمع فيه كل أنواع المحبة ، وهي ثلاثة : محبة الإجلال والإعظام كمحبة الولد للوالد ، ومحبة الشفقة والرحمة كمحبة الوالد لولده ، ومحبة المشاكلة والاستحسان كمحبة سائر الناس.فجمعصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصناف المحبة في محبته.

وروى الديلمي والطبراني وأبو الشيخ ابن حبّان والبيهقي مرفوعا ، أن

١٤٦

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لا يؤمن عبد حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه ، وتكون عترتي أحبّ إليه من عترته ، وأهلي أحبّ إليه من أهله ، وذاتي أحبّ إليه من ذاته».

وروى ابن مسعود : «حب آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما ، خير من عبادة سنة ، ومن مات عليه دخل الجنّة».

٧٤ ـ أحبّوا أهل بيتي لحبّي :

(إحياء الميت للسيوطي ، ص ٢٤٢)

أخرج الترمذي وحسّنه ، والطبراني عن ابن عباس (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«أحبّوا الله لما يغذوكم به من نعمه ، وأحبّوني لحب الله ، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي».

٧٥ ـ محبة أهل النبي جزء من محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٩)

وكان الصحابة الكرام يتمنّون لأقرباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر مما يتمنّونه لأقربائهم ، محبة منهم له وإيثارا له على أنفسهم.

منها قول أبي بكر حين أسلم والده أبو قحافة ، قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي بعثك بالحق ، لإسلام أبي طالب كان أقرّ لعيني من إسلام أبي قحافة ، وذلك أن إسلام أبي طالب كان أقرّ لعينك.

٧٦ ـ فضل محبة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(المصدر السابق)

ومن توقير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبرّه ، توقير آله وذريته وأمهات المؤمنين. وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «معرفة آل محمّد براءة من النار ، وحب آل محمّد جواز على الصراط ، والولاية لآل محمّد أمان من العذاب».

قال بعضهم :

(معرفتهم) تعني معرفة منزلتهم منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيعرف وجوب إكرامهم وحرمتهم بسببهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقال أبو بكر : راقبوا محمدا في آل بيته.

وأتى عبد الله بن حسن بن الحسينعليه‌السلام إلى عمر بن عبد العزيز في حاجة.فقال : يا أبا محمّد ، إذا كانت لك حاجة فأرسل إليّ أحضر إليك ، فإني أستحي من الله أن يراك على بابي.

١٤٧

ودخلت بنت أسامة بن زيد مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عمر بن عبد العزيز ، فجعل يدها بين يديه ، ومشى بها حتّى أجلسها في مجلسه ، وجلس بين يديها ، وما ترك لها حاجة إلا قضاها.

يقول الشبراوي في (الإتحاف) ص ١٧ : هذا مع بنت مولاهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما بالك بابن بضعته وذريته والمنتمين إلى الزهراء ابنته؟!.

وهذا كله لما وجب لآل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الشرف والمجد لنسبتهم إليه ، وسريان لحمه ودمه الكريمين فيهم. فهم بعضه ، وبعضه في وجوب الإجلال والتعظيم كجميعه ، وحرمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ميتا كحرمته حيّا.

٧٧ ـ تفسير آية المودة :

(المصدر السابق ، ص ١٧)

قال تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣]. قال ابن عباس : المعنى لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودّوني في نفسي لقرابتي منكم ، لأنه لم يكن بطن من قريش إلا بينهم وبينهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرابة. لكن الأنسب ما قاله غيره في تفسير الآية ، أن المعنى : قل يا محمّد لأمتك ، لا أطلب منكم على ما جئتكم به من الهدى ، والنجاة من الردى ، عوضا ولا أجرة ولا جزاء ، إلا أن تودّوا قرابتي وعترتي وتحبوهم ، وتعاملوهم بالمعروف والاحسان ، ويكون بينكم وبينهم غاية الودّ والمحبة والصلة.

روايات أخرى :

(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٠٤)

قال الله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣]. قال في (المواهب) : إن المراد بالقربى من ينتسب إلى جده الأقرب عبد المطلب.

وقال في (الصواعق) : المراد بأهل البيت والآل وذوي القربىعليهم‌السلام في كل ما جاء في فضلهم ، مؤمنو بني هاشم والمطلب.

وينافي هذا ما روى الطبراني وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس ، أن هذه الآية لما نزلت ، قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك الذين نزلت فيهم الآية؟.قال : علي وفاطمة وابناهماعليهم‌السلام .

١٤٨

٧٨ ـ محبة أهل البيتعليهم‌السلام هي أجر الرسالة المحمدية :

(الفصول المهمة في تأليف الأمة للسيد عبد الحسين شرف الدين ص ٤٠)

أخرج الحاكم (كما في تفسير آية المودة في القربى من مجمع البيان للطبرسي) بالإسناد إلى أبي ثمامة الباهلي ، (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله تعالى خلق الأنبياء من أشجار شتى ، وخلقت أنا وعليّ من شجرة واحدة. فأنا أصلها ، وعليّ فرعها ، وفاطمة لقاحها ، والحسن والحسين ثمارها ، وأشياعنا أوراقها. فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا ، ومن زاغ عنها هوى. ولو أن عبدا عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام حتّى يصير كالشن (أي الجلد اليابس) البالي ، ثم لم يدرك محبتنا ، أكبّه الله على منخريه في النار ، ثم تلاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٢٣) [الشورى : ٢٣].

٧٩ ـ اقتراف الحسنة هو مودّة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٣٩)

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى( وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً ) [الشورى : ٢٣] قال : المودة لآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨٠ ـ أربع يسأل عنها المؤمن يوم القيامة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٤٢ ط نجف)

أنبأني أبو المظفر عبد الملك بن علي الهمداني حدّثني أبو برزة الأسلمي ، (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن جلوس ذات يوم : والذي نفسي بيده ،

لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتّى يسأله الله تعالى عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما أبلاه ، وعن ماله مما كسبه وفيما أنفقه ، وعن حبّنا أهل البيت.

فقال عمر : فما آية حبّكم من بعدكم؟. قال : فوضع يده على رأس عليعليه‌السلام وهو إلى جانبه ، وقال : إن آية حبّي من بعدي حبّ هذا.

ومثل ذلك ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس.

١٤٩

٨١ ـ من أحبّ أهل البيتعليهم‌السلام فله الشفاعة :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٥٩)

أخرج الخطيب في تاريخه عن عليعليه‌السلام (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«شفاعتي لأمتي من أحب أهل بيتي».

٨٢ ـ من أحبّ أهل البيتعليهم‌السلام يثبّته الله على الصراط :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٦٣)

أخرج الديلمي عن عليعليه‌السلام ، (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال : حبّ نبيّكم ، وحب أهل بيته ، وعلى قراءة القرآن ، فإن حملة القرآن في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله ، مع أنبيائه وأصفيائه.

٨٣ ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسألنا عن اثنين : القرآن والعترة :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٦١)

أخرج الطبراني عن المطلب بن عبد الله عن أبيه ، قال : خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجحفة [غدير خم] فقال : ألست أولى بكم من أنفسكم؟. قالوا : بلى يا رسول الله. قال : فإني سائلكم عن اثنين : عن القرآن وعترتي.

٨٤ ـ لا يدخل الجنة من لم يعرف حق أهل البيتعليهم‌السلام :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٤٥)

وأخرج الطبراني في الأوسط ، ونقله السيوطي في (إحياء الميت) والنبهاني في أربعينه وابن حجر في صواعقه ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «الزموا مودتنا أهل البيت ، فإنه من لقي الله وهو يودّنا ، دخل الجنة بشفاعتنا. والذي نفسي بيده لا ينفع عبدا عمل عمله إلا بمعرفة حقنا».

٨٥ ـ مودة أهل البيتعليهم‌السلام تطيل العمر :

(قادتنا كيف نعرفهم ، ج ٦)

وروي بإسناده عن عبد الله بن بدر ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من أحبّ أن يبارك في أجله ، وأن يمتّع بما خوّله الله تعالى ، فليخلفني في أهلي خلافة حسنة. ومن لم يخلفني فيهم بتّك عمره (أي قطع) ، وورد عليّ يوم القيامة مسودا وجهه».

١٥٠

ـ وفي حديث مشابه : (المنتخب للطريحي ، ص ١٢ ط ٢)

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أحبّ أن ينسّأ في أجله (أي يطول عمره) ، وأن يمتّعه الله بما خوّله الله ، فليخلفني في أهلي خلافة حسنة. فمن لم يخلفني فيهم بتر الله عمره ، وورد عليّ يوم القيامة مسودّا وجهه».

ومضامين هذه الأحاديث الشريفة أن أهل البيتعليهم‌السلام

(الذين هم الأئمة الأطهار) هم حجج الله البالغة ، ومناهل شريعته السائغة ، والقائمون مقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده في أمره ونهيه ، والممثّلون له بأجلى مظاهر هديه. فالمحب لهم بسبب ذلك محبّ لله ولرسوله ، والمدافع عنهم كالمدافع عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمبغض لهم مبغض لهما.

٨٦ ـ ماذا كان جواب الأمة على طلب نبيّهم :

لقد طلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المسلمين أن يكون أجره على تبليغ الرسالة الإسلامية مودّة قرباه وذريته المختارة ، فماذا كان جوابهم على هذا الطلب ، وما ذا كان ردّهم على هذا الإحسان؟.

فمنذ أن أغمض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عينيه بعد جهاده الكبير ، قام الناس يجرّدون أهل البيتعليهم‌السلام من مكانتهم الرفيعة ومنزلتهم السامية ، ويحرمونهم حقوقهم الدينية والدنيوية ، حتّى بكت فاطمةعليها‌السلام حزنا على فراق أبيها ، وصبر عليعليه‌السلام على طول المدة وشدة المحنة.

ولقد كان في علم الله وعلم رسوله ما ستفعل الأمة بأهله وذريته ، فكان يؤكد الوصيّة بهم ، ولزوم التمسك بحبلهم ، وأنهم الأمان من الضلال ، والنجاة من الغرق وكأن هذه الوصية بهم كانت وصية عليهم. لأن المسلمين عملوا على نقيضها ، فكانت الحجة على الظالمين منهم حجة من أبلغ الحجج. ولا سيما ما فعلوه مع الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ورهطه في كربلاء يوم العاشر من المحرّم.

عقاب من يبغض أهل البيتعليهم‌السلام

٨٧ ـ مبغض أهل البيتعليهم‌السلام في النار :

(إحياء الميت ، ص ٢٤٢)

أخرج الطبراني والحاكم عن ابن عباس (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

١٥١

«يا بني عبد المطلب ، إني سألت الله لكم ثلاثا : أن يثّبت قلوبكم ، وأن يعلّم جاهلكم ، ويهدي ضالّكم ، وسألته أن يجعلكم جوداء ونجداء ورحماء. فلو أن رجلا صفن (أي صفّ قدميه) بين الركن والمقام ، فصلّى وصام ، ثم مات وهو مبغض لأهل بيت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، دخل النار».

٨٨ ـ مبغض أهل البيتعليهم‌السلام منافق :(إحياء الميت ، ص ٢٤٣)

أخرج ابن عدي في (الإكليل) عن أبي سعيد الخدري (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أبغضنا أهل البيت ، فهو منافق».

٨٩ ـ مبغض العترة أحد ثلاث :(إحياء الميت ، ص ٢٤٤)

أخرج ابن عدي والبيهقي في شعب الإيمان ، عن عليعليه‌السلام (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من لم يعرف حقّ عترتي والأنصار ، فهو لإحدى ثلاث : إما منافق ، وإما لدينه ، وإما لغير طهور». يعني حملته أمه على غير طهر.

٩٠ ـ مبغض أهل البيتعليهم‌السلام يحشر يهوديا :(إحياء الميت ، ص ٢٤٥)

أخرج الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله ، قال : خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعته يقول : «أيها الناس ، من أبغضنا أهل البيت ، حشره الله تعالى يوم القيامة يهوديا».

٩١ ـ غضب الله شديد على من آذى العترة :(إحياء الميت ص ٢٦٥)

أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اشتدّ غضب الله على من آذاني في عترتي».

٩٢ ـ عقوبة من يظلم أهل البيتعليهم‌السلام أو يسبّهم :

(عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق ، ج ٢ ص ٣٤ حديث ٦٥)

عن الإمام علي الرضاعليه‌السلام عن آبائه عن عليعليه‌السلام قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«حرّمت الجنة على من ظلم أهل بيتي ، وقاتلهم ، والمعين عليهم ، ومن سبّهم( لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (٧٧) [آل عمران : ٧٧].

١٥٢

موالاة أهل البيتعليهم‌السلام

(حديث الثّقلين وحديث الغدير)

٩٣ ـ معنى الموالاة :

ليست الموالاة لأهل البيتعليهم‌السلام مجرد محبتهم والتعاطف معهم ، إنما تعني إضافة لذلك التقيد بأقوالهم والسير على منهاجهم. وهذه الموالاة واجبة على كل مسلم حسب منطوق حديث الثقلين ، الّذي ينص على أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك بعد وفاته للأمة شيئين مهمّين غاليين ، إن تمسكوا بهما نجوا ، وإن تركوهما ضلوّا وغووا ، هما القرآن (وهو كتاب الله الصامت) وأئمة أهل البيت (وهم كتاب الله الناطق).

وإذا كانت الموالاة لأهل البيتعليهم‌السلام تعني متابعتهم والتمسك بهم ، فيجب على كل مسلم أن يتعلم فقه الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام ويسير عليه ، حتّى يكون مواليا لأهل البيتعليهم‌السلام . أما محبة أهل البيتعليهم‌السلام باللسان بدون السير على نهجهم ، فهذه لا تنفع شيئا ، عدا عن أنها نفاق ظاهري. فأهل الكوفة كلهم كانت قلوبهم مع الحسينعليه‌السلام ، ولكن أسيافهم كانت عليه. فالمحكّ الحقيقي للولاية هو نصرة أهل البيتعليهم‌السلام بالقول والعمل ، والدفاع عنهم ، والبراءة من أعدائهم.

ومن العجب العجاب أن بعض المسلمين كانوا يدّعون محبة أهل البيتعليهم‌السلام ، ثم كانوا يسبّونهم على المنابر ، لا بل إنهم كانوا يرضون عن أعمال الذين حاربوا الإمام علياعليه‌السلام والإمام الحسنعليه‌السلام والإمام الحسينعليه‌السلام ، أمثال معاوية ويزيد وأعوانهم. فما هذا التناقض الغريب ، وكيف يقبله ذو منطق وعقيدة؟.

وإليك بعض الأحاديث الشريفة التي تؤكد على لزوم موالاة أهل البيتعليهم‌السلام والتمسك بهم ومتابعتهم والسير على مذهبهم دون سواهم.

٩٤ ـ ثواب نصرة أهل البيتعليهم‌السلام ، والذين تنالهم شفاعة جدهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٥)

روى الناصر للحق عن آبائه رضوان الله عليهم ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة ، ولو أتوا بذنوب أهل الأرض : الضارب بسيفه أمام ذريتي ، والقاضي لهم حوائجهم ، والساعي لهم في حوائجهم ، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه».

١٥٣

جعلنا الله من محبيهم والموالين لهم ، ورزقنا شفاعة جدهم بمنّه وسعة رحمته.

٩٥ ـ ولاية عليعليه‌السلام نسوها :

(تاريخ الشيعة لمحمد حسين المظفر ، ص ٩)

قال أبو سعيد الخدري : أمر الناس بخمس ، فعملوا بأربع وتركوا واحدة. قيل له : وما الأربع؟. قال : الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج. قيل : فما الواحدة التي تركوها؟. قال : ولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام . قيل له : وإنها لمفروضة معهن؟. قال : نعم هي مفروضة معهن.

٩٦ ـ تمسّكوا بالأئمة من بعدي :

(المنتخب للطريحي ، ص ٢٤٤ ط ٢)

عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : خطب فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الجمعة خطبة بليغة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، إني راحل عن قريب ، ومنطلق للمغيب. وإني أوصيكم في عترتي خيرا ، فلا تخالفوهم ولا تخاصموهم ولا تنابذوهم. وإياكم والبدع ، فإن كل بدعة ضلالة ، والضلالة وأهلها بالنار.

معاشر الناس ، من افتقد منكم الشمس فليتمسّك بالقمر ، ومن افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين ، وإن افتقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزاهرة (يقصد الأئمة الاثني عشر). أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ، والحمد لله رب العالمين.

إلى أن قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنهم هم الأولياء والأوصياء والخلفاء من بعدي ، أئمة أبرار وأوصياء أطهار ، وهم بعدد أسباط يعقوبعليه‌السلام ، وعدد حواريي عيسىعليه‌السلام ، وعدد نقباء بني إسرائيل.

[وقد مرت رواية مشابهة ، في الفقرة رقم ٤٢ مروية عن سلمان أيضا فراجع]

٩٧ ـ منزلة أهل البيتعليهم‌السلام :

(إسعاف الراغبين لمحمد الصبان ص ١١١)

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد ، ومكان العينين من الرأس ، ولا يهتدي الرأس إلا بالعينين».

١٥٤

٩٨ ـ موالاة العترة :

وأخرج الطبراني في الكبير ، والرافعي في مسنده ، بالإسناد إلى ابن عباس (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربي ، فليوال عليا من بعدي ، وليوال وليّه ، وليقتد بأهل بيتي من بعدي ؛ فإنهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهمي وعلمي ، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي». وهذا الحديث بعين لفظه هو الحديث ٣٨١٩ من (كنز العمال) ج ٦ ص ٢١٧.

٩٩ ـ حديث الثقلين وحديث الغدير :

(المراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين ، ص ٥١ ط ٥)

الصحاح الحاكمة بوجوب التمسك بالثّقلين (وهما القرآن وأهل البيت) متواترة ، وطرقها عن بضع وعشرين صحابيا متضافرة. وقد صدع بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مواقف له شتى ؛ مرة على منبره في المدينة ، وتارة بعد انصرافه من الطائف ، وتارة يوم عرفة في حجة الوداع ، وتارة يوم غدير خم وهو راجع من حجة الوداع ، وأخرى في حجرته المباركة وهو في مرضه الأخير ، إذ قال : «إني أوشك أن أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثّقلين : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي. وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفونّي فيهما».

[أخرج هذا الحديث الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري من طريقين :أحدهما في آخر ص ١٧ ، والثاني في آخر ص ٢٦ من الجزء الثالث من مسنده.وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن سعد عن أبي سعيد ، وهو الحديث ٩٤٥ من أحاديث (كنز العمال) ج ١ ص ٤٧].

وأخرج جلال الدين السيوطي في (الدر المنثور) ج ٢ ص ٦٠ أحاديث عديدة ، منها ما خرّجه عن الطبراني عن زيد بن أرقم (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إني لكم فرط ، وإنكم واردون عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني في الثّقلين». قيل وما الثقلان يا رسول الله؟ قال :

«الأكبر كتاب اللهعزوجل ، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ، فتمسكوا به لن

١٥٥

تزلوّا ولا تضلوا. والأصغر عترتي ، وإنهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض ، وسألت لهما ذلك ربي. فلا تقدّموهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهما فإنهما أعلم منكم».[وذكره في (التعقبات) ج ١ ص ١٨٣ من حديث الثقلين].

وذكر الموفق بن أحمد الحنفي الخوارزمي في (المناقب) حديث الغدير بسنده المتصل عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال : لما رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم ، أمر بدوحات فقمّمن (أي نظّف ما تحت الشجرات من القمامة). ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كأني قد دعيت فأجبت ، إني قد تركت فيكم الثّقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفونّي فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض». ثم قال : «إن اللهعزوجل مولاي ، وأنا وليّ كل مؤمن ومؤمنة». ثم أخذ بيد عليعليه‌السلام فقال : «من كنت وليّه فهذا وليّه. الله م وال من والاه ، وعاد من عاداه».

تعليق : أحاديث الثقلين وحديث الغدير ، تقرّ بالإمامة لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالبعليه‌السلام نصا لا لبس فيه ، حيث نقل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولايته العامة على المسلمين إلى الإمام عليعليه‌السلام حيث قال لهم وهم مجتمعون في غدير خم :«ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟». قالوا : بلى ، الله ورسوله أولى بالمؤمنين من أنفسهم. قال : «من كنت مولاه ، فهذا علي مولاه ..." إلى آخر الحديث.

هذا وإن في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث الثقلين عن القرآن والعترة : «وإنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض». حقيقتين هما :

الأولى : أن أهل البيتعليهم‌السلام والقرآن متلازمان ، فكما أن القرآن لا يأتيه الباطل ، فهم منزّهون من الباطل ، ومعصومون من الخطأ والدنس.

والثانية : أنهم مستمرون في ولايتهم إلى يوم القيامة ، وأنهم موجودون دائما ، إما بشكل إمام ظاهر كالإمام عليعليه‌السلام والأئمة من أولاده ، أو بشكل إمام مستتر كالإمام المهديعليه‌السلام ، وهو الإمام الثاني عشر ، الّذي ولد سنة ٢٥٥ ه‍ ، ثم تولى الإمامة سنة ٢٦٠ ه‍ حين توفي والدهعليه‌السلام وغاب الغيبة الصغرى. ثم غاب الغيبة الكبرى وعمره ٧٥ عاما. وهو الآن باعتقادنا حي يرزق ، غائب عن الأنظار ، يظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا وعدلا ، بعد ما ملئت ظلما وجورا. ومن مهماته أن يقيم دولة القرآن ، وأن يأخذ بثأر جده الحسينعليه‌السلام من أعدائه.

١٥٦

١٠٠ ـ روايات أخرى لحديث الثقلين :

(إسعاف الراغبين للشيخ محمد الصبان ص ١١٠)

عن زيد بن أرقم (قال) قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أيها الناس ، إنما أنا بشر مثلكم ، يوشك أن يأتيني رسول ربيعزوجل فأجيبه. وإني تارك فيكم ثقلين : كتاب الله فيه الهدى والنور ، فتمسّكوا بكتاب اللهعزوجل وخذوا به ؛ وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي «(أي أحذّركم الله في شأن أهل بيتي). ورواه مسلم.

وأخرج الترمذي وحسّنه ، والحاكم عن زيد بن أرقم (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«إني تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفونّي فيهما».

١٠١ ـ تواتر حديث الثقلين من طرق السنّة :

(إحياء الميت للسيوطي ، ص ٢٤٠)

وقد ورد حديث الثقلين بصيغة [كتاب الله وعترتي] أيضا فيما أخرجه عيد بن حميد في مسنده عن زيد بن ثابت ، وبصيغة [الثقلين : كتاب الله وعترتي] فيما أخرجه أحمد وأبو يعلى عن أبي سعيد الخدري ، وبنفس الصيغة ما أخرجه الترمذي عن جابر. وبصيغة : [الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي] ، فيما أخرجه البزاز عن عليعليه‌السلام . وبصيغة [كتاب الله وعترتي أهل بيتي] ، وبصيغة [خليفتين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي] ما أخرجه أحمد والطبراني عن زيد بن ثابت ، وما أخرجه البارودي عن أبي سعيد الخدري.

١٠٢ ـ ما معنى الثّقلين؟ :

قال ابن حجر في (الصواعق) بعد ذكره لحديث الثقلين : سمّى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القرآن والعترة : ثقلين ، لأن الثّقل كل شيء نفيس خطير ، وهذان كذلك ، إذ كل واحد منهما معدن للعلوم الدينية والأسرار العقلية الشرعية ، ولهذا حثّ على الاقتداء والتمسك بهما. وقيل : سمّيا (ثقلين) لثقل وجوب رعاية حقوقهما.

١٠٣ ـ أحاديث في ولاية أهل البيتعليهم‌السلام :

جاء في (الصواعق المحرقة) لابن حجر في ولاية الإمام عليعليه‌السلام وأهل البيتعليهم‌السلام ووجوب الاقتداء بهم :

١٥٧

ـ في الصفحة ١٤ تفسير الآية :( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) (٨٢) [طه : ٨٢]. قال ثابت البناني :( ثُمَّ اهْتَدى ) [طه : ٨٢] يعني إلى ولاية أهل البيتعليهم‌السلام .

ـ وفي الصفحة ٩١ تفسير الآية :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (٢٤) [الصافات : ٢٤]. عن أبي سعيد الخدري أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (٢٤) [الصافات : ٢٤] عن ولاية علي وأهل بيتهعليهم‌السلام .

ـ وفي الصفحة ٩٩ تفسير الآية :( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (٧) [البينة : ٧]. أخرج الحافظ جمال الدين الذرندي عن ابن عباس ، أن هذه الآية لما نزلت ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام : «هو أنت وشيعتك ، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ، ويأتي أعداؤك غضابا مقمحين».

١٠٤ ـ تفسير سورة العصر :

(مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول للمجلسي ، ج ٣ ص ٢٥٥)

وفي عليعليه‌السلام نزلت سورة (العصر) وتفسيرها :( وَالْعَصْرِ ) (١) [العصر : ١] أي أقسم برب عصر القيامة( إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ) (٢) [العصر : ٢] يقصد أعداء آل محمّد( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ) [الشعراء : ٢٢٧] بولايتهم ،( وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) [الشعراء : ٢٢٧] بمواساة إخوانهم ،

( وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ ) [العصر : ٣] في فترة غيبة قائمهم (عج).

١٥٨

أشعار في موالاة أهل البيتعليهم‌السلام

(هامش الإتحاف بحب الأشراف ، ص ٢٩)

١٠٥ ـ أشعار في الموالاة :

قال الإمام الشافعي :

قالوا : ترفّضت ، قلت : كلا

ما الرفض ديني ولا اعتقادي

لكن تولّيت غير شكّ

خير إمام وخير هاد

إن كان حبّ الوليّ رفضا

فإنني أرفض العباد

وقالرحمه‌الله :

يا راكبا قف بالمحصّب من منى

واهتف بساكن خيفها والناهض

سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى

فيضا كملتطم الفرات الفائض

إني أحبّ بني النبيّ المصطفى

وأعدّه من واجبات فرائضي

إن كان رفضا حبّ آل محمّد

فليشهد الثقلان أني رافضي

وقال عن محبة أهل البيتعليهم‌السلام والصلاة عليهم :

يا آل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الفضل أنّكم

من لا يصلي عليكم لا صلاة له

ومما ينسب إلى الشافعي هذه الأبيات تعليقا على حديث النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تفترق أمّتي ثلاثا وسبعين فرقة ، الناجية منها واحدة». قال :

ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم

مذاهبهم في أبحر الغيّ والجهل

ركبت على اسم الله في سفن النّجا

وهم آل بيت المصطفى خاتم الرّسل

إذا افترقت في الدين سبعون فرقة

ونيف كما قد جاء في محكم النقل

ولم يك ناج منهم غير فرقة

فقل لي بها يا ذا الرجاحة والعقل

أفي الفرق الهلّاك آل محمّد

أم الفرقة اللائي نجت منهم قل لي

فإن قلت في الناجين فالقول واحد

وإن قلت في الهلّاك حفت عن العدل

إذا كان مولى القوم منهم ، فإنني

رضيت بهم ، لا زال في ظلّهم ظلّي

فخلّ عليّا لي إماما ونسله

وأنت من الباقين في أوسع الحلّ

وله في الولاية مدائح كثيرة ، منها قوله :

١٥٩

إذا في مجلس ذكروا عليّا

وشبليه وفاطمة الزّكيّة

يقال تجاوزوا يا قوم هذا

فهذا من حديث الرافضيّه

هربت من المهيمن من أناس

يرون الرّفض حبّ الفاطميّه

على آل الرسول صلاة ربي

ولعنته لتلك الجاهليه

وقال يرثي الحسينعليه‌السلام من قصيدة :

تأوّب همّي والفؤاد كئيب

وأرّق نومي والرقاد غريب

ومما نفى همّي وشيّب لمّتي

تصاريف أيام ، لهنّ خطوب

فمن مبلغ عني الحسين رسالة

وإن كرهتها أنفس وقلوب

يصلىّ على المبعوث من آل هاشم

ويغزى بنوه ، إنّ ذا لعجيب

لئن كان ذنبي حبّ آل محمّد

فذلك ذنب لست عنه أتوب

هم شفعائي يوم حشري وموقفي

إذا ما بدت للناظرين خطوب

وقالرحمه‌الله :

لقد كتموا آثار آل محمّد

محبّيهم خوفا ، وأعداؤهم بغضا

فأبرز من بين الفريقين نبذة

بها ملأ الله السموات والأرضا

وقال الشيخ أبو بكر بن عربي :

رأيت ولائي آل طه فريضة

على رغم أهل البعد يورثني القربا

فما طلب المبعوث أجرا على الهدى

بتبليغه ، إلا المودة في القربى

وقال أحدهم في موالاة أهل البيتعليهم‌السلام ومعاداة أعدائهم :

يا بني الزهراء والنور الّذي

ظنّ موسى أنه نار قبس

لا أوالي الدهر من عاداكم

إنه آخر آي من (عبس)

يشير بذلك إلى قوله تعالى :( أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ) (٤٢) [عبس : ٤٢].

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331