• البداية
  • السابق
  • 347 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 26958 / تحميل: 7821
الحجم الحجم الحجم
أدعية أهل البيت عليهم السلام في تعقيب الصلوات

أدعية أهل البيت عليهم السلام في تعقيب الصلوات

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

فدع عنك قول الشافعي ومالك

وأحمد والمروي عن كعب أحبارِ

ووال أناساً قولهم وحديثهم

روى جدنا عن جبرئيل عن الباري

وقال أيضاً بعض العلويين في هذا المعنى :

قل لمن حجّنا بقول سوانا

حيث فيه لم يأتنا بدليلِ

نحن نروي إذا روينا حديثاً

بعد آيات محكم التنزيلِ

عن أبينا عن جدّنا ذي المعالي

سيد المرسلين عن جبرئيلِ(١)

والقول بانحصار النجاة فيهم كما تقدم آنفاً في الشعر لا يعد غلواً كما قد يتصور ذلك بعض الناس! بل هو الحق المتعين على الأمة ، وذلك بعدما ورد في حقهم من طرق

__________________

(١) الجواهر السنية ، الحر العاملي : ٢٢٦ ، أعيان الشيعة ، السيد محسن الأمين : ٣ / ١٨٣ و ٤ / ٢٠٦.

٢١

السنة أنفسهم بما لا مزيد عليه في انحصار النجاة بهم صلوات الله عليهم أجمعين ، ولم يرد مثله في حق غيرهم ، مثل قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني تركت فيكم خليفتين كتاب الله وأهل بيتي وأنهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض. قال الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ١ ص ١٧٠ : رواه الطبراني في الكبير : (ج ٥ ص ١٥٣) ورجاله ثقات ، وكذلك رواه مسند أحمد بن حنبل : ج ٥ ص ١٨٢).

وفي رواية عن جابر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أيها الناس ، إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي(١) .

وكقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الآخر : مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح في قوم نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك ، ومثل باب حطة في بني إسرائيل. (رواه الطبراني في كتاب المعجم الكبير : ج ٣ ص ٤٦).

__________________

سنن الترمذي : ٥ / ٣٢٨ ح ٣٨٧٤ ، مجمع الزوائد ، الهيثمي : ٩ / ١٦٣ ، السنن الكبرى ، البيهقي : ١٠ / ١١٤.

٢٢

أدعية أهل البيتعليهم‌السلام كنزٌ ثمين

ومن التراث الإسلامي الذي وصل إلينا عبر العصور ، هو ما أثر عن النبي وآله البررةعليهم‌السلام من أدعية ومناجاة ملأت بطون الكتب الكثيرة ، وبحق أنها كنزٌ ثمين ، والتي منها أدعية مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكذلك الصحيفة السجادية لمولانا زين العابدينعليه‌السلام ، وما ورد عن سائر أئمة أهل البيتعليهم‌السلام من أدعية سواء في تعقيبات الصلوات أو في غيرها من المناسبات الأخرى.

ومما لا شك فيه نحن بأمس الحاجة في أن نتعهد قراءتها ، وأن نتدبر معانيها ، ونتبصر مفاهيمها ، فهي بحق ابتهالات روحية ، ودروس قيمة ، وإرشادات نافعة تعلمنا كيف نناجي الخالق تعالى ونتضرع إليه ، وكيف نخاطبه ونبتهل بين يديه.

فهذه أدعيتهم إن سلكت سبلها حلّقت بك تارة في معارف التوحيد والعقائد الحقة ، وتارة في آفاق آيات الله تعالى وعظيم قدرته ، وتارة توقفك على لزوم محاسبة النفس وزجرها عن ارتكاب الآثام والمعاصي ، ولومها على ما أتى

٢٣

عليها من تقصير وتهاون في طاعة الباري تعالى ، وتارة أخرى تذكرنا ما يجب علينا من واجبات وحقوق ، لا سيما حقوق الوالدين والأرحام وسائر المؤمنين ، فإن استرسلت في دعاء منها فسوف تجد نفسك مشغوفةً بإكماله وإتمامه ، وما ذلك إلا للهالة القدسية النورانية التي يضفيها دعاؤهم على النفس ، وتلك النفحات الروحية التي تمنح القلب الخشوع ، فتفيض العيون بعبراتها لتطهّر الجوارح والجوانح من كل درن وشائبة.

شهادات ناصعة في حق أدعية أهل البيتعليهم‌السلام

طفحت من هنا وهناك جملة من الشهادات القيمة من بعض المتشيعين وغيرهم ممن استهوتهم أدعية أهل البيتعليهم‌السلام فانجذبوا لها ليرتووا من معينها ، فأفصحوا عن بالغ تأثرهم ، وارتياحهم النفسي حين تلاوتها ، وتفاعلوا معها بشكل لم يسبق لهم مثله في غيرها.

نشرت امرأة من السنة كلاماً لها في موقع منتديات نور فاطمةعليها‌السلام باسم محبة أهل البيتعليهم‌السلام تحت عنوان (أريد أن أعرف ما هو التشيع) ومما ذكرته أنها سجلت في

٢٤

هذا الموقع لأسباب ثلاثة ، منها أنها تريد أن تتحاور معهم لتتعرف على حقيقة مذهب التشيع ، وأن أصدقاء ولدها كلهم شيعة من البحرين منذ سنة ، وأنهم نعم الأصدقاء وقالت : لم نر منهم أو نسمع شيئاً مما سمعناه عن الشيعة من غرائب حتى أنه أحب الشيعة بسببهم ، وأصبح ولدي يقول أنه سوف يتشيع من محبته لهم ، وأصبح دعاء كميل لا يفارق سمعه

أقول : وحدثني من أثق به عن بعض السادة المؤمنين تغمده الله برحمته أنه لما كان في المدينة المنورة أخذ يقرأ بعض الأدعية من كتاب يحوي أدعية وزيارات ، وكان إلى جانبه رجل من اليمن فأخذ ذلك اليماني يصغي باهتمام بالغ إلى الأدعية التي يسمعها منه فاستهوته جداً ، يقول : فلما أردت الإنصراف قال لي : من أين لكم هذه الأدعية فإنه لايوجد عندنا مثلها؟! فقال له : هذه أدعية مروية عن أهل بيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان الرجل اليماني عنده كتاب يحوي أدعية فقال : هلا أخذت مني كتابي هذا وأعطيتني كتابك هذا؟! يقول : فاستحييت منه فأعطيته كتابي فأخذه وأعطاني كتابه وانصرف.

٢٥

وأرخي هنا عنان القلم لأترك القول لبعض المستبصرين الذين حكوا انطباعهم الخاص حينما تعرفوا على أدعية أهل البيتعليهم‌السلام ، ولمسوا فيها ضالتهم المنشودة ، بينما لم يجدوا لغيرهم أثراً يستحق الذكر!

ومن ذلك ما حدّثني به بعض الثقات وخلاصة حديثه عن بعض أصحابه أنه لما كان في الحج مع حملة تضم جماعة من الحجاج وفي يوم من الأيام كانوا يصلّون صلاة الصبح جماعة ، ولما فرغوا من الصلاة أخذوا يقرأون بعض أدعية التوسل ، فسمعهم رجل سلفي فانهال عليهم بالكلام اللاذع ، وأخذ يرميهم بالشرك! ويوبخهم!

قال : ثم أخذنا في قراءة دعاء الصباح لأمير المؤمنينعليه‌السلام فظل الرجل السلفي واقفاً يستمع لنا حتى فرغنا من الدعاء.

قال : وبعد مضي فترة من الزمن رأيت الرجل نفسه في المدينة فدنا مني وأنا لم أعرفه حينها ، فقال : أتعرفني؟! قلت له : لا أعرفك ، قال : أتذكر لما كنتم في مكة وأخذتم تقرؤون

٢٦

بعض الأدعية في التوسل فهاجمتكم؟! قلت : نعم أتذكر ، قال : أنا ذلك الرجل الذي تهجم عليكم ، ولكني أخبرك أني قد تشيعت وذلك بفضل دعاء الصباح الذي قرأتموه في ذلك اليوم فقد استهواني ، إذ أني لأول مرة أسمع دعاءً بهذا النحو ، فقد سمعته منكم وأنا لا أعلم لمن هو ، فحفظت منه بعض العبارات ، فلما ذهبت إلى البيت بحثت عنه في الأنترنيت فوجدته لأمير المؤمنين عليعليه‌السلام ومن ذلك الحين وأنا من أتباعه ، والفضل يعود لهذا الدعاء الذي انجذبت له نفسي وتعلقت به ، فهو كلام فوق كلام البشر ودون كلام الخالق تعالى ولا زلت أتعهد قراءته

ومن شهادات بعض المستبصرين أيضاً في هذا المجال ما ذكره المستبصر الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني في كتابه (بنور فاطمة اهتديت : ص ٢١٠) قال : وقد سعى المفسدون في الأرض إلى تشويه صورة مذهب أهل البيتعليهم‌السلام وحاولوا ممارسة التضليل الإعلامي ، ومن جملة ذلك الطعن في نهج البلاغة الجامع لبعض خطب ورسائل وكلمات أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو هو بمتنه الذي

٢٧

أعجز البلغاء ، وإن ما جاء فيه كاف لبيان صحة النسبة لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، وعلى هؤلاء أن يأتونا بخطبة واحدة قالها أحد الخلفاء! أو كلمة قصيرة تشبه الخطب الواردة في نهج البلاغة.

قيل لأحد الإخوة أن نهج البلاغة وضعه الشريف الرضي فقال لهم : إذاً هو إمام مفترض الطاعة!!

ولأهل البيتعليهم‌السلام تراث عظيم كان من الممكن أن تستفيد منه الأمة ولكنها أبت إلا نفورا ، وإحدى معاجزهم التي بهرتني ، ذلك المنهج في الدعاء ، وكيفية التقرب إلى الله تعالى والأدب الرفيع في مخاطبة الرب سبحانه ، والقارئ للصحيفة السجادية وهي صحيفة كلها أدعية للإمام الرابع علي بن الحسين السجادعليه‌السلام أتعجب لماذا لم يهتم علماء السنة بهذه الصحيفة هل لأنها واردة عن أحد أئمة أهل البيت؟ أم ماذا!!

أحد الإخوة الذين استبصروا ، كان يميل للوهابية بعد أن عملوا على تزريقه أفكارهم ومعتقداتهم ، وقبل أن ينغمس

٢٨

معهم تماماً منّ الله عليه بأحد الأصدقاء والذي أعطاه بعض مؤلفات الشيعة ليقرأها ، ولقد سمع من قبل عن الشيعة وحذّر منهم ، فطلب مني ومن بعض الإخوة جلسة حوار حول التشيع وما إليه فرحبنا به وجلسنا فدار النقاش حول معتقدات الشيعة ، وبعد نقاش طويل تنفس قائلاً : هذا الكلام حق لا لبس فيه ولكن لماذا يقولون عن الشيعة كل هذه الأقاويل؟! قلت له : كما أن للحق أنصاراً يعملون على نصرته ، فإن للباطل جنوداً وشياطين يوحون إليهم ، ولا يمكن أن يعتمد الباطل إلا على باطل.

قال هذا الأخ وعلامات الأسف والتأثر واضحة عليه : لقد قالوا لنا إن الشيعة يخالفون المسلمين في كل شيء حتى الصلاة! كان وقت صلاة المغرب قد حان فقلت : الآن بإمكانك أن تصلي معنا لترى هل صلاتنا تختلف كما يدعون ، توضأنا وصلينا وكان اليوم يوم خميس وبعد الصلاة وكما هو معروف عند الشيعة يستحب قراءة دعاء كميل وهو دعاء علمه أمير المؤمنين عليعليه‌السلام لأحد أصحابه وهو كميل بن زياد النخعي والشيعة يواظبون على قراءته.

٢٩

قرأنا ذلك الدعاء وأحسست بانفعال هذا الأخ بالدعاء ، حينها تألمت لهذه الأمة المحرومة من هذه الكنوز التي لم يبخل بها أهل البيتعليهم‌السلام خصوصاً فيما يختص بالأدعية التي تجعل الإنسان في عالم آخر وهو يناجي ربه ، بعد الدعاء رأيت الدموع في عينيه وهو يقول بحرقة : خدعونا وقالوا لنا أن الشيعة لا يعرفون الصلاة! والله نحن ما عرفنا الصلاة ولم نفهم الصلاة.

ويقول الدكتور أسعد الفلسطيني أحد المستبصرين يحكي عما اختلج في نفسه وما لمسه في أدعية أهل البيتعليهم‌السلام : وأمَّا على صعيد الأخلاق والتربية الروحيّة فما عليك إلاَّ أن تنظر في مفاتيح الجنان ، والصحيفة السجّاديّة ، وغيرها من كتب الأدعية والزيارات المأثورة لترى سموَّ المستوى الذي أراد أهل البيتعليهم‌السلام أن يهذِّبوا به نفوس أتباعهم(١) .

ويقول الدكتور محمّد المغلي (النمسا) ـ وهو أستاذ علم الاجتماع في جامعة بروكسل في بلجيكا ، وقد تشيَّع وأخذ بمذهب أهل البيتعليهم‌السلام ـ : إن أحد الأسباب التي جعلته

__________________

(١) المتحوِّلون ، هشام آل قطيط : ٤٧٦.

٣٠

يتشيَّع هو تأثُّره البالغ بالأدعية المأثورة عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، وضرب أمثلة على ذلك وقال : مثل دعاء كميل ، ودعاء الافتتاح الذي يقرأ في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك ، ودعاء الصباح للإمام عليعليه‌السلام ، وأدعية الإمام زين العابدينعليه‌السلام في الصحيفة السجادية ، وغيرها من الأدعية التي لا مثيل لها عند المذاهب الإسلامية الأخرى(١) .

فهذه كلها تُعد شهادة حق فيما لمسوه من خصائص وسمات أدعية أهل البيتعليهم‌السلام ، حقاً إنها كنزٌ عظيم وتراث جليل حبانا الله تعالى به من نفحات عترة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين جعلهم خلفاءه على عباده ، وأمناءه في بلاده.

ونقول لكل من يجهل حقيقة أهل البيتعليهم‌السلام ومقامهم الشريف ما عليه فقط إلا أن يتلو شيئاً من هذه الأدعية الكريمة التي وردتنا عنهم ليرى صحة ما قدمناه في ذلك ، وأن هؤلاء المستبصرين لم يخطئوا في استنتاجاتهم ، وأنهم شهدوا بالحق ، والحق أحق أن يتبع.

__________________

(١) راجع كتاب المتحولون ، هشام آل قطيط : ٥٥٦ ـ ٥٥٧.

٣١

وإذا استطال الشيءُ قام بنفسه

وصفاتُ ضوء الشمسِ تذهبُ باطلاً

ويقول أبو فراس الحمداني في قصيدته الميمية البديعة ، وقد أجاد حيث يذكر تهجد وتلاوة أهل البيتعليهم‌السلام في بيوتهم بينما بيوت بني العباس تتعالى منها أصوات الطرب والغناء ، فأضاعوا الفرائض والسنن ، وتمردوا على الباري تعالى ، قالرحمه‌الله :

تنشى التلاوة في أبياتهم سحراً

وفي بيوتكم الأوتار والنغمُ

إذا تلوا سورةً غنّى إمامكم

قف بالطلول التي لم يعفها القدمُ

الركنُ والبيتُ والأستارُ منزلهم

وزمزم والصفا والحجر والحرمُ(١)

__________________

(١) راجع الغدير ، الشيخ الأميني : ج ٣ ص ٤٠١.

٣٢

من آداب التعقيب وفضله

قال الميرزا القمي رحمه الله تعالى في غنائم الأيام : ج ٣ ص ٩٣ : قيل : ويستحب أن يكون جلوسه في التعقيب كجلوسه في التشهد ، متوركاً ، مستقبل القبلة ، ملازماً لمصلاه ، مستديماً طهارته ، متجنباً كل ما يبطل الصلاة أو ينقص ثوابها ، فقد روي (أن ما يضر بالصلاة يضر بالتعقيب).

وقال الشيخ الحر العاملي رحمه الله تعالى : استحباب البقاء على طهارة في حال التعقيب ، وفي حال الانصراف لمن شغله عن التعقيب حاجة ، واستحباب ترك كل ما يضر بالصلاة حال التعقيب.

ومما أورده من الروايات في ذلك :

ما روي عن هشام قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إني أخرج في الحاجة وأحب أن أكون معقباً ، فقالعليه‌السلام : إن

٣٣

كنت على وضوء فأنت معقب.

قال : وقال الصادقعليه‌السلام : المؤمن معقب ما دام على وضوئه.

وروي عن حماد بن عثمان ـ في حديث ـ أنه قال لأبي عبد اللهعليه‌السلام : تكون للرجل الحاجة يخاف فوتها؟ فقالعليه‌السلام : يدلج ، وليذكر الله عزوجل فإنه في تعقيب مادام على وضوئه.

وقال الشيخ البهائى رحمه الله تعالى في مفتاح الفلاح : وروي أن ما يضر بالصلاة يضر بالتعقيب (وسائل الشيعة : ج ٦ ص ٤٥٧ ـ ٤٥٨ ح ١ ـ ٤).

التعقيب والدعاء عقيب الصلوات ، والأذكار المنقولة في ذلك كثيرة جداً ، ونذكر هنا جملة منها ، وهي قسمان :

القسم الأول : التعقيبات الخاصة للفرائض الخمس.

القسم الثاني : التعقيبات العامة للفرائض الخمس.

٣٤

القسم الأول

التعقيبات الخاصة بالفرائض الخمس

٣٥
٣٦

فضل تعقيب صلاة الفجر

قال السيد اليزدي عليه الرحمة في العروة الوثقى : ج ١ ص ٧٠٣ : مسألة ٢١ : يستحب في صلاة الصبح أن يجلس بعدها في مصلاه إلى طلوع الشمس مشتغلاً بذكر الله.

وقد ذكر الشيخ الحر العاملي رحمه الله تعالى في وسائل الشيعة : ج ٦ ص ٤٥٨ ، (باب تأكد استحباب الجلوس بعد الصبح حتى تطلع الشمس) ومن الروايات في ذلك ما يلي :

روى الشيخ الصدوق رحمه الله تعالى في الأمالي : ص ٦٧٢ ، بسنده عن عمير بن مأمون العطاري ، قال : رأيت الحسن بن عليعليه‌السلام يقعد في مجلسه حين يصلي الفجر حتى تطلع الشمس ، وسمعته يقول : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من صلى الفجر ثم جلس في مجلسه يذكر الله عزوجل حتى تطلع الشمس ، ستره الله عز وجل من النار ،

٣٧

ستره الله عزوجل من النار ، ستره الله عز وجل من النار.

وفي وسائل الشيعة : ج ٦ ص ٤٥٩ ـ ٤٦١ ح ٣ و ٦ و ١١ ، روي عن إمامنا الصادقعليه‌السلام قال : الجلوس بعد صلاة الغداة في التعقيب والدعاء حتى تطلع الشمس أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض.

وعن عبد الله بن أبي يعفور أنه قال للصادقعليه‌السلام : جعلت فداك يقال : ما استنزل الرزق بشيء مثل التعقيب فيما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس؟ فقالعليه‌السلام : أجل.

وعن حماد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : لجلوس الرجل في دبر صلاة الفجر إلى طلوع الشمس أنفذ في طلب الرزق من ركوب البحر الحديث.

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : من صلى الفجر ومكث حتى تطلع الشمس كان أنجح في طلب الرزق من الضرب في الأرض شهراً.

وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه كان يقول : والله إن ذكر الله بعد صلاة الغداة إلى طلوع الشمس أسرع في طلب

٣٨

الرزق من الضرب بالسيف في الأرض.

وعن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : إن إبليس إنما يبث جنوده جنود الليل من حين تغيب الشمس إلى وقت الشفق ، ويبث جنود النهار من حين طلوع الفجر إلى مطلع الشمس.

وذكر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول : أكثروا ذكر الله في هاتين الساعتين ، فإنهما ساعتا غفلة.

وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنه قال : نومة الغداة مشؤومة تطرد الرزق ، وتصفر اللون وتقبحه وتغيره ، وهو نوم كل مشؤوم ، إن الله تعالى يقسم الأرزاق مابين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، فإياكم وتلك النومة.

وفي بحار الأنوار ، للمجلسي : ج ٨٣ ص ١٢٩ ـ ١٣٠ ، روي عن الإمام الرضاعليه‌السلام أنه قال في قول الله عزوجل :( فالمقسمات أمرا ) (سورة الذاريات ، الآية : ٤). قال : الملائكة تقسم أرزاق بني آدم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، فمن نام فيما بينهما نام عن رزقه.

٣٩

وروى معمر بن خلاد قال : كان أبو الحسن الرضاعليه‌السلام وهو بخراسان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه إلى أن تطلع الشمس ، ثم يؤتى بخريطة فيها مساويك فيستاك بها واحداً بعد واحد ، ثم يؤتى بكندر فيمضغه ، ثم يدع ذلك ويؤتى بالمصحف فيقرأ فيه.

وفي (عيون أخبار الرضاعليه‌السلام الشيخ الصدوق : ج ١
ص ١٩٤) عن رجاء بن أبي الضحاك قال : كان الرضا عليه‌السلام
إذا أصبح صلى الغداة ، فإذا سلم جلس في مصلاه يسبح الله
ويحمده ويكبره ويهلله ويصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى تطلع الشمس الحديث.

وفي مسند زيد بن عليعليه‌السلام : ص ١٦٠ ، عن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن جده ، عن عليعليهم‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من قعد في مصلاه الذي صلى فيه الفجر يذكر الله سبحانه يسبحه ويحمده حتى تطلع الشس كان كالحاج إلى بيت الله وكالمجاهد في سبيل الله عزوجل.

٤٠

الصدق مَنجاة

ما أكثر الأفراد الذين التزموا الصدق، في المواقع الحرجة، والمآزق الشديدة؛ وكان ذلك سبب خلاصهم.

لا يجهل أحد، مدى الجرائم التي قام بها الحَجَّاج بن يوسف الثقفي، والدماء التي أراقها بغير حَقٍّ.

وفي يوم مِن الأيَّام، جيء بجماعة مِن أصحاب عبد الرحمان مأسورين، وكان قد صمَّم على قتلهم جميعاً، فقام أحدهم واستأذن الأمير في الكلام، ثمَّ قال:

إنَّ لي عليك حَقَّاً! فأنقذني وفاءً لذلك الحَقَّ.

قال الحَجَّاج: وما هو؟

قال: كان عبد الرحمان يسبُّك في بعض الأيَّام، فقمت ودافعت عنك.

قال الحَجَّاج: ألك شهود؟

فقام أحد الأُسارى وأيَّد دعوى الرجل، فأطلقه الحَجَّاج، ثمَّ التفت إلى الشاهد، وقال له: ولماذا لم تُدافع عنِّي في ذلك المجلس؟

أجاب الشاهد - في أتمِّ صراحة ـ: لأنِّي كنت أكرهك.

فقال الحَجَّاج: أطلقوا سراحه لصدقه (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٤١

احِفظ الله يَحفظك

خطب الحَجَّاج مَرَّة فأطال، فقام رجل فقال: الصلاة، فإنَّ الوقت لا ينتظرك، والرَّبَّ لا يعذرك، فأمر بحبسه، فأتاه قومه، وزعموا أنَّه مجنون، وسألوه أنْ يُخلِّي سبيله، فقال: إنْ أقرَّ بالجنون خلَّيت سبيله.

فقيل له، فقال: مَعاذ الله، لا أزعم أنَّ الله ابتلاني، وقد عافاني.

فبلغ ذلك الحَجَّاج فعفا عنه لصدقه (1) .

____________________

(1) الطفل، ج1.

٤٢

المَنطق السليم

بلغ المنصور الدوانيقي، أنَّ مَبْلغاً ضَخماً مِن أموال بني أُميَّة مُودعة عند رجل، فأمر الربيع بإحضاره.

يقول الربيع: فأحضرت الرجل، وأخذته إلى مجلس المنصور.

فقال له المنصور: بلغني أنَّ أموال بَني أُميَّة مودَعة عندك، ويجب أنْ تُسلِّمني إيَّاها بأجمعها.

فقال الرجل: هل الخليفة وارث الأُمويِّين؟!

فأجاب: كلاَّ.

فقال: هل الخليفة وصيُّ الأُمويِّين؟!

فقال المنصور: كلاَّ.

فقال الرجل: فكيف تُطالبني بأموال بَني أُميَّة؟!

فأطرق المنصور بُرهةً، ثمَّ قال: إنَّ الأُمويِّين ظلموا المسلمين، وانتهكوا حُقوقهم، وغصبوا أموال المسلمين وأودعوها في بيت المال.

فقال الرجل: إنَّ الأُمويِّين امتلكوا أموالاً كثيرة، كانت خاصَّة بهم، وعلى الخليفة أنْ يُقيم شاهداً عدلاً، على أنَّ الأموال التي في يدي لبَني أُميَّة، هي مِن الأموال التي غصبوها وابتزُّوها مِن غير حَقٍّ.

فكَّر المنصور ساعة، ثمَّ قال للربيع: إنَّ الرجل يصدق.

فابتسم بوجهه، وقال له: ألك حاجة؟!

قال الرجل: لي حاجتان:

٤٣

الأُولى: أنْ تأمر بإيصال هذه الرسالة إلى أهلي بأسرع وقت؛ حتَّى يهدأ اضطرابهم، ويذهب رَوعهم.

والثانية: أنْ تأمر بإحضار مَن أبلغك بهذا الخبر؛ فو الله، لا توجد عندي لبَني أُميَّة وديعة أصلاً، وعندما أُحضرت بين يدي الخليفة، وعلمت بالأمر، تصوَّرت أنِّي لو تكلَّمت بهذه الصورة كان خلاصي أسهل.

فأمر المنصور الربيع بإحضار المُخبِر.

وعندما حضر نظر إليه الرجل نظرة، ثمَّ قال: إنَّه عبدي سَرَق مِنِّي ثلاثة آلاف دينار وهرب.

فأغلظ المنصور في الحديث مع الغلام، وأيَّد الغلام كلام سيِّده في أتمِّ الخَجَل، وقال: إنِّي اختلقت هذه التُّهمة لأنجو مِن القَبض عليَّ.

هنا رَقَّ قلب المنصور لحال العبد، وطلب مِن سيِّده أنْ يعفو عنه، فقال الرجل: عفوت عنه، وسأُعطيه ثلاثة آلاف أُخرى، فتعجَّب المنصور مِن كرامة الرجل وعظمته.

وكلَّما ذُكِر اسمه كان يقول: لم أرَ مثل هذا الرجل (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٤٤

النبي أولى بالمسلمين مِن أنفسهم

وزَّع رسول الله غنائم حُنين - تبعاً لمصالح مُعيَّنة - على المُهاجرين فقط، ولم يُعط الأنصار سَهماً واحداً...

ولمَّا كان الأنصار قد بذلوا جهوداً عظيمة، في رُفعة لواء الإسلام، وخدمات جليلة في نُصرة هذا الدين؛ فقد غَضب بعضهم مِن هذا التصرُّف، وحملوه على التحقير والإهانة، فبلغ الخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأمر بأنْ يُجمع الأنصار في مكان ما، وأن لا يشترك معهم غيرهم في ذلك المجلس، ثمَّ حضر هو وعلي (عليهما السلام)، وجلسا في وسط الأنصار، ثمَّ قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم: (أُريد أنْ أسألكم عن بعض الأمور فأجيبوني عليها).

قال الأنصار: سَلْ، يا رسول الله.

قال لهم: (ألم تكونوا في ضَلال مُبين، وهداكم الله بيَّ؟).

قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: (ألم تكونوا على شَفا حُفرة مِن الهلاك والنار، والله أنقذكم بيَّ؟).

قالوا: بلى.

قال: (ألم يكن بعضكم عدوَّ بعض، فألَّف الله بين قلوبكم على يديَّ؟).

قالوا: بلى.

فسكت لحظة، ثمَّ قال لهم: (لماذا لا تُجيبونني بأعمالكم؟).

قالوا: ما نقول؟!

قال: (أما لو شِئتم لقُلتم: وأنت قد جئتنا طريداً فآويناك، وجئتنا خائفاً فآمنَّاك، وجئتنا مُكَذَّباً فصدَّقناك...).

هذه الكلمات الصادرة عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أفهمت الأنصار

٤٥

أنه لا يُنكَر فضلهم، ولا يُنسى جهودهم، ولم يكن ما صدر منه تِجاههم صادراً عن احتقار أو إهانة...

ولذلك فقد أثَّر فيهم هذا الكلام تأثيراً بالغاً، وارتفعت أصواتهم بالبُكاء، ثمَّ قالوا له: هذه أموالنا بين يديك، فإنَّ شِئت فاقسمها على قومك، وبهذا أظهروا ندمهم على غضبهم واستغفروه.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (اللَّهمَّ اغفر للأنصار، ولأبنا الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار) (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٤٦

الكريم يَسأل عن الكريم

في إحدى الغزوات، كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يُصلِّي في مُعسكره، فمَرَّ بالمُعسكر عِدَّة رجال مِن المسلمين، وتوقَّفوا ساعة، وسألوا بعض الصحابة عن حال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعوا له، ثمَّ اعتذروا مِن عدم تمكُّنهم مِن انتظار النبي حتَّى يفرغ مِن الصلاة فيُسلِّموا عليه؛ لأنَّهم كانوا على عَجلٍ، ومضوا إلى سبيلهم. فانفتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) مُغضباً، ثم قال لهم: (يقف عليكم الركب ويسألونكم عنِّي، ويُبلِّغوني السلام، ولا تعرضون عليهم الطعام!).

ثمَّ أخذ يتحدَّث عن جعفر الطيار، وعظمة نفسه، وكمال أدبه، واحترامه للآخرين... (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٤٧

مَن كانت أفعاله كريمة اتَّبعه الناس

ليست فضيلة احترام الناس، وتكريمهم في الشريعة الإسلاميَّة الغرَّاء، خاصَّة بالمسلمين فيما بينهم فقط، فإنَّ غير المسلمين أيضاً، كانوا ينالون هذا الاحترام والتكريم مِن المسلمين، فقد تصاحب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) مع رجل ذِمِّيٍّ خارج الكوفة، في أيَّام حكومته، وكان الذِمِّيُّ لا يعرف الإمام، فقال له: أين تُريد يا عبد الله؟

قال الإمام علي (عليه السلام): (أُريد الكوفة).

ولمَّا وصلا إلى مُفترق الطُّرق المؤدِّية إلى الكوفة، توجَّه الذِّمِّيِّ إلى الطريق الذي يُريده، وانفصل عن الإمام (عليه السلام)... ولكنَّه لم يَخطُ أكثر مِن بِضع خُطوات، حتَّى شاهد أمراً عَدَّه غريباً؛ فقد رأى أنَّ صاحبه الذي كان قاصداً الكوفة، ترك طريقه وشايعه قليلاً. فسأله ألست تقصد الكوفة؟

قال الإمام: (بلى؟).

قال الذِّمِّيُّ: (ذلك هو الطريق المؤدِّي إلى الكوفة).

قال الإمام: (أعلم ذلك).

سأل الذِّمِّيُّ باستغراب: ولماذا تركت طريقك؟

قال الإمام (عليه السلام): (هذا مِن تمام حُسن الصُّحبة، أنْ يُشيِّع الرجل صاحبه هُنيَّهة إذا فارقه، وكذلك أمرنا نبيِّنا).

قال الذِّمِّيُّ: هكذا أمر نبيُّكم؟!

قال الإمام: (أجلْ).

٤٨

قال الذِّمِّيُّ: لا جَرَمَ، أنَّما تبعه مَن تبعه لأفعاله الكريمة.

ثمَّ ترك طريقه الذي كان يقصده، وتوجَّه مع الإمام (عليه السلام) إلى الكوفة، وهما يتحدَّثان عن الإسلام وتعاليمه العظيمة، فأسلم الرجل (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٤٩

انزل عن مِنبر أبي!

زيد بن علي، عن أبيه: (إنَّ الحسين بن علي (عليهما السلام) أتى عمر بن الخطاب، وهو على المنبر يوم الجمعة، فقال: انزل عن مِنبر أبي، فبكى عمر، ثم قال: صدقت - يا بُني - مِنبر أبيك لا منبر أبي. وقام عليٌّ (عليه السلام).

وقال: ما هو - والله - عن رأيي.

قال: صدقت! والله، ما اتَّهمتك يا أبا الحسن).

هذا دليل على أنَّ عمر أيضاً، كان يعرف أنَّ الحسين ذو شخصيَّة مُمتازة، وله إرادة مُستقلَّة، وليس كلامه صادراً عن تلقين مِن أبيه، بل هو نِتاج فِكره (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٠

يَفرُّ مَن أخطأ!

قصد المأمون بغداد بعد وفاة الإمام الرضا (عليه السلام)، وخرج يوماً للصيد، فمَرَّ في أثناء الطريق برَهط مِن الأطفال يلعبون، ومحمد بن علي الجواد (عليه السلام) معهم، وكان عمره يومئذٍ إحدى عشرة سنة فما حوله... فلمَّا رآه الأطفال فرُّوا، بينما وقف الجواد (عليه السلام) في مكانه ولم يَفرَّ. مِمَّا أثار تَعجُّب المأمون؛ فسأله:

لماذا لم تلحق بالأطفال حين فرُّوا؟

ـ يا أمير المؤمنين، لم يكن بالطريق ضِيقٌ لأوسِّعه عليك بذهابي، ولم يكن لي جريمة فأخشاها، وظنِّي بك حَسنٌ أنَّك لا تضرب مَن لا ذنب له فوقفت.

تعجَّب المأمون مِن هذه الكلمات الحكيمة، والمنطق الموزون، والنبرات المُتَّزنة للطفل فسأله: ما اسمك؟

ـ محمد.

ـ محمد ابن مَن؟

ابن عليٍّ الرضا...

عند ذاك ترحَّم المأمون على الرضا (عليه السلام)، ثمَّ ذهب لشأنه (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥١

رِفقاً بالحسين!

روي عن أُمِّ الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب، مُرضعة الحسين (عليه السلام) أنَّها قالت: أخذ مِنِّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) حسيناً أيَّام رضاعه، فحمله فأراق شيئاً على ثوبه، فأخذتُه بعنف حتَّى بكى. فقال (صلى الله عليه وآله): (مَهلاً يا أُمَّ الفضل، إنَّ هذا مِمَّا يُطهِّره الماء، فأيُّ شيء يُزيل هذا الغبار عن قلب الحسين؟!) (1).

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٢

كرهت أنْ أُعجِّله!

دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى صلاة، والحسن مُتعلِّق، فوضعه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جانبه وصلَّى، فلمَّا سجد أطال السجود، فرفعت رأسي مِن بين القوم، فإذا الحسن على كتف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمَّا سلَّم قال له القوم: يا رسول الله، لقد سَجدت في صلاتك هذه سَجدةً ما كنت تسجدها! كأنَّما يوحى إليك؟!

فقال: (لم يوحَ إليَّ، ولكنَّ ابني كان على كتفي، فكرهت أنْ أُعجِّله حتَّى نزل).

هذا العمل مِن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تجاه ولده الصغير، أمام ملأٍ مِن الناس، نموذج بارز مِن سلوكه في تكريم الطفل.

إنَّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عمل أقصى ما يُمكن مِن احترام الطفل، في إطالته سجدته، وأرشد الناس ضمناً إلى كيفيَّة بناء الشخصيَّة عند الطفل (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٣

تكريم الطفل

عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنَّه قال: (صلَّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالناس الظهر، فخفَّف في الرَّكعتين الأخيرتين.

فلمَّا انصرف قال له الناس: هل حدث في الصلاة شيء؟!

قال: وما ذاك؟

قالوا: خفَّفت في الرَّكعتين الأخيرتين.

فقال لهم: أما سمعتم صُراخ الصبي؟!).

هكذا نجد النبي العظيم، يُطيل في سجدته تكريماً للطفل تارة، ويُخفِّف في صلاته تكريماً للطفل أيضاً تارة أُخرى، وهو في كلتا الحالتين، يُريد التأكيد في احترام شخصيَّة الصبي، وتعليم المسلمين طريق ذلك (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٤

هلاَّ ساويتَ بينهما؟!

نظر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى رجل له ابنان، فقبَّل أحدهما وترك الآخر.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله): (فهلاَّ ساويت بينهما!).

وفي حديث آخر: (اعدلوا بين أولادكم، كما تُحبُّون أنْ يعدلوا بينكم).

إنَّ الأمل الوحيد للطفل، ومبعث فرحه ونشاطه، هو عطف الوالدين وحنانهما، ولا يوجد عامل يُهدِّئ خاطر الطفل، ويبعث فيه الاطمئنان والسكينة، مِثل عَطف الوالدين، كما لا يوجد عامل يبعث فيه القَلق والاضطراب، مِثل فُقدان جزء مِن حَنان الوالدين أو جميعه.

إنَّ حسد الولد تِجاه أخيه الصغير، الذي وِلد حديثاً لا غرابة فيه؛ لأنَّه يشعر بأنَّ قِسماً مِن العناية، التي كانت مُخصَّصة له، قد سُلِبت منه، والآن لا يُستأثر باهتمام الوالدين. بلْ إنَّ الحُبَّ والحنان يجب أنْ يتوزَّع عليه وعلى أخيه الأصغر (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٥

التصابي مع الصبي

عن يعلى العامري: أنَّه خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى طعام دُعي إليه، فإذا هو بحسين (عليه السلام) يلعب مع الصبيان، فاستقبل النبي (صلى الله عليه وآله) أمام القوم، ثمَّ بسط يديه، فطفر الصبي ههنا مَرَّة وههنا مَرَّة أُخرى، وجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يُضاحكه حتَّى أخذه، فجعل إحدى يديه تحت ذِقنه، والأُخرى تحت قَفاه، ووضع فاه على فيه وقبَّله.

إنَّ نبيَّ الإسلام العظيم، يُعامل سِبطه بهذه المُعاملة أمام الناس؛ لكي يُرشد الناس إلى ضرورة إدخال السرور على قلوب الأطفال، وأهميَّة اللعب معهم، فضلاً عن قيامه بواجب تربوي عظيم (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٦

أو ما ترضى أنْ تحمل بدناً حمله الرسول؟!

عن أبي رافع، قال: كنت أُلاعب الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) وهو صبيٌّ بالمَداحي، فإذا أصابت مِدحاتي مِدحاته؛ قلت احملني فيقول: (ويحَك! أتركب ظهراً حمله رسول الله؟!)، فأتركه.

فإذا أصابت مُدحاته مُدحاتي قلت: لا أحملك كما لا تحملني!

فيقول: (أوَ ما ترضى أنْ تحمل بدناً حمله رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!)، فأحمله.

مِن هذا الحديث يظهر جليَّاً إباء الحسن (عليه السلام)، وعِزَّة نفسه، وعُظم شخصيَّته.

إنَّ الطفل الذي يُربيه الإسلام في حِجره، ويُحيي شخصيَّته النفسيَّة، يعتقد بسموِّ مقامه، ولا يرضى التكلُّم بذلَّة وحقارة (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٧

وا حيائي مِنك يا أمير المؤمنين!

رأى الإمام علي (عليه السلام) امرأة في بعض الطُّرقات، تحمل قِربة مِن الماء، فتقدَّم لمُساعدتها، وأخذ القِربة وأوصلها إلى حيث تُريد، وفي الطريق سألها عن حالها، فقالت: إنَّ عليَّاً أرسل زوجي إلى إحدى النواحي فقُتِل، وقد خلَّف لي عِدَّة أطفال، لا أقدر على إعالتهم؛ فاضطررت للخدمة في بعض البيوت. فرجع عليٌّ (عليه السلام) وأمضى تلك الليلة في مُنتهى الانكسار والاضطراب، وعند الصباح حمل جِراباً مَملوءاً بالطعام، واتَّجه إلى دار تلك المرأة. وفي الطريق كان بعض الأشخاص يطلبون منه أنْ يَحمل عنه الجراب فيقول لهم: (مَن يحمل عني أوزاري يوم القيامة؟).

وصل إلى الدار، وطرق الباب، فقالت المرأة: مَن الطارق؟

قال: (الرجل الذي أعانك في الأمس على حمل القِربة. لقد جئتك ببعض الطعام لأطفالك).

فتحت الباب وقالت: رضي الله عنك، وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب!

فقال لها: (أتخبزين أم تُسكِّتين الأطفال فأخبز؟).

قالت: أنا أقدر على الخبز، فقُم أنت بتسكيت الأطفال.

أخذتْ المرأة تعجن الدقيق، وأخذ عليٌّ (عليه السلام) يخلط اللَّحم بالتمر، ويُطعم الأطفال منه، وكلَّما ألقم طفلاً لقمة قال له برفق ولين: (يا بُني، اجعل علي بن أبي طالب في حِلٍّ).

ولمَّا اختمر العجين، أوقد عليٌّ (عليه السلام) التنور، وفي الأثناء دخلت امرأة تعرفه، وما أنْ رأته حتَّى صاحت بصاحبة الدار ويحَك! هذا أمير المؤمنين!

فبادرته المرأة، وهي تقول: وا حيائي منك يا أمير المؤمنين!

فقال: بلْ وا حيائي منكِ - يا أمة الله - فيما قصَّرت مِن أمرك (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٨

لو كنتم تؤمنون بالله ورسوله لرحمتم الصِّبيان

ورد في الحديث: أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان يُصلِّي يوماً في فِئة، والحسين صغير بالقُرب منه، فكان النبي إذا سجد جاء الحسين (عليه السلام) فركب ظهره، ثمَّ حرَّك رجليه فقال: (حَلٍ، حَلٍ!).

فإذا أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنْ يرفع رأسه، أخذه فوضعه إلى جانبه، فإذا سجد عاد إلى ظهره، وقال: (حَلٍ، حَلٍ!)، فلم يزل يفعل ذلك حتَّى فرغ النبي مِن صلاته.

فقال يهودي: يا محمد، إنَّكم لتفعلون بالصبيان شيئاً ما نفعله نحن.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (أما لو كنتم تؤمنون بالله ورسوله لرحمتم الصبيان).

قال: فإنِّي أؤمن بالله وبرسوله؛ فأسلم لمَّا رأى كرمه مع عظيم قدره (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٥٩

أين الدُّرُّ والذهب مِن سورة الفاتحة؟

كان عبد الرحمان السلمي، يُعلِّم وَلداً للإمام الحسين (عليه السلام) سورة الحمد، فعندما قرأ الطفل السورة كاملة أمام والده مَلأ الإمام فمَ مُعلِّمه دُّرَّاً، بعد أنْ أعطاه نقوداً وهدايا أُخَر. فقيل له في ذلك!

فقال (عليه السلام): (وأين يقع هذا مِن عطائه)، يعني: تعليمه (1) .

____________________

(1) الطفل، ج2.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347