رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور16%

رحلتي من الظلمات إلى النّور مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 466

رحلتي من الظلمات إلى النّور
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 233439 / تحميل: 7998
الحجم الحجم الحجم
رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

١
٢

٣

٤

لابدّ من هذه المقدّمة قبل قراءة الكتاب

الكتاب الذي بين ايديكم كتبته قبل عشرين سنة وصدر بعنوان« مناظرة بين الدكتور والشيخ » . وقد تلقّفه الشباب المسلم آنذاك بحيث طبع للمرّة التاسعة بعد فترة قصيرة من صدوره.

لكن وللأسف عُرِّض الكتاب لآفة في تلك الايام حالت دون طبعه من جديد ( بشكل علني علىٰ الاقل ). وتلك الآفة هي من خصوصيات دول معينة تنال المطبوعات والصحافة.

لكن اليوم وبعد مرور سنين حيث تغيرت الظروف لحد ما بالنسبة لمثل هذه الكتابات ، وبسبب اصرار بعض الأصدقاء حاولت طبعه من جديد ، لكن المشكلة هي ان كتاب« مناظرة بين الدكتور والشيخ » كتب قبل عشرين سنة وطبيعي فهو يحمل خصوصيات الكاتب الفكرية في تلك المرحلة ، كما أنه يجمل أيضاً أجواء تلك الفترة من حياة المجتمع الفكرية والسياسية ، التي تختلف كثيراً عن الظروف المعاصرة ، لذلك كان من الضروري اعادة نظر اساسية

٥

في مواضيع الكتاب لكي يكون منسجماً مع متطلبات ومستوىٰ وعي المجتمع حالياً.

ومن جهة أُخرىٰ فإن هذا الأمر يحتاج إلىٰ عمل وفرصة كبيرة ، لكي نقوم بتغيير جذري في المسائل التي يطرحها الكتاب ، وللأسف الشديد إن الوقت بالنسبة لي ضيق جداً والفرصة غير سانحة ، لذلك اخترت حلاً وسطاً لهذا الأمر واكتفيت في الوقت الحاضر بأعادة نظر عابرة وسريعة ، بأمل اتاحة فرصة مناسبة لي ـ ان شاء الله ـ لكي أقوم بطرح جميع مواضيع الكتاب علىٰ اساس جديد ، بشكل يتناسب والجو الفكري والسياسي الذي يحكمني ومجتمعي.

إذن ، علىٰ القارىء المحترم معرفة ان التغييرات التي اُجريت علىٰ الكتاب قليلة وسطحية وليست تغييرات اُصولية وجذرية. على أمل ان أوفق في المستقبل القريب ان أخطو خطوات أكثر فائدة لنشر تعاليم الاسلام ومعارفه الغنية والثورية وعلىٰ قدر استطاعتي. وبالله الاستعانة.

السيد عبد الكريم هاشمي نجاد

مشهد ـ ١٩ / ايار / ١٩٧٨ م

٦

بدأت الشمس بتسليط اشعتها علىٰ مدينة « بندر شاه » الصغيرة ، فيما بدأ الناس نشاطهم اليومي بهدوء ، والمسافرون الذين يريدون السفر بالقطار ، اخذوا يستعدون للحركة ، في حين ان صوتاً مزعجاً من عجلات العربات التي كانت مشغولة بحمل المسافرين في شارع المحطة كان يصل الىٰ الآذان ، وكانت ساعة حركة القطار تقترب شيئاً فشيئاً.

في تلك اللحظة نزل من احدىٰ العربات شيخ يضع علىٰ رأسه قبعة صوفية ويحمل بيده حقيبة ، له لحية بيضاء كثّة وشكل نوراني جذّاب ، كان يحفظ رقبته وجزءاً من وجهه بياقة معطفه خوفاً من النسيم البارد الذي كان يهب ، وقف في آخر الصف لأخذ بطاقة القطار ، حتىٰ جاء دوره في النهاية فاشترىٰ البطاقة ودخل الىٰ فناء المحطة ، ولأنه لم يبق لحركة القطار إلّا ربع ساعة فقد صعد القطار ، وكان مكتوباً في بطاقته : العربة ٤ المقعد رقم ٤٤.

كان الشيخ ينظر من خلف الزجاج الىٰ ارقام المقاعد عندما يمر بالغرف ، حتىٰ وجد مقعده في النهاية ، فتح باب الغرفة وبعد ابداء السلام للجالسين في الغرفة ، وضع حقيبته في محلها المخصص وجلس علىٰ مقعده.

٧

بداية الحديث :

نظر الشيخ الىٰ الاشخاص الجالسين في الغرفة فرآهم يتلصصون إليه النظر ، ويشيرون الىٰ بعضهم مستهزئين بقبعته ولحيته. فتغاضىٰ عن اشاراتهم لوقاره الخاص ووجّه نظره الىٰ الاسفل ، وانشغل بقراءة القرآن والدعاء.

لكن الجالسين معه في الغرفة ذهبوا الىٰ أبعد من مجرد الغمز لبعضهم وبدأوا بالكلام وأخذوا يستهزؤون بالشيخ بكلمات نابية ، والشيخ لا يزال ساكتاً ، وهو منشغل بالدعاء ، لكن جلساءه كانوا اكثر وقاحة من ان يتركوا الشيخ لصمته ووقاره. فأصبح الكلام ابعد من مجرد المزاح والاستهزاء الىٰ الجدِّية والضجر منه ، فتوجّه احدهم بصوت عنيف الىٰ الآخر ، وقال : دكتور ! اني اتنفر من هؤلاء الرجعيين اساساً ، وقال آخر : دكتور أنا أيضاً لا اُحبُّ هذه الأشكال.

فقال : الدكتور مجيباً إياهما : أنا أعارض الدين اساساً ، فكيف بهؤلاء القرويين الرجعيين الملتحين.

وقال الرابع : نحن لا حظَّ لنا في السفر أساساً ، اردنا بعد فترة ان نسافر الىٰ طهران ، فإذا بهذا المتعصّب معنا.

خلاصة القول ، لقد تجاوزت تلك الجماعة مجرد اهانة الشيخ والاستهزاء به ، إلى التجاسر على الدين والقضايا الدينية.

٨

الشيخ يتحدث :

وجد الشيخ ان الصمت بعد ذلك غير جائز ، فبدأ الحديث ، وقال : أيُّها السادة : علىٰ حدِّ قولكم أنا رجعي وممّن يضعون علىٰ رؤوسهم قبعة من الصوف ، لكنكم الذين يظهر من ملابسكم وهيئتكم أنكم متعلمون ومثقفون. اُقسم عليكم ، هل اسلوبكم هذا انساني ؟ وأنا رفيقكم في السفر الىٰ طهران فقط ، وقد سلّمت علىٰ الجميع عند دخولي بمنتهىٰ الأدب ، وجلست في مكاني دون ان اُؤذي احداً منكم ، لكنكم في قبال ذلك ، كلتم لي كل تلك الاهانات !! مع ذلك فأنا اغض النظر عما قلتموه بحقي ، فكيف تتجاسرون وتناولون من المقدسات الاسلاميّة.

سؤال الشيخ :

لكني اسألكم سؤالاً واحداً ، مع كل هذا التشاؤم وسوء الظن بالدين والمسائل الدينية ، هل انتم تعرفون الدين ( بالمعنىٰ الصحيح للكلمة ) ؟ أم إنّ إهانتكم للإسلام هي بدون أيّة معرفة صحيحة عنه ؟!

رفقاء السفر : ماذا تقصد بالمعرفة ، نحن لا نوافقك هذا الكلام من الاساس.

ثم أضاف أحدهم : أنا لا طاقة لي بقراءة الكتب الدينية ولست مستعداً للحديث مع واحد من المعمّمين.

٩

الشيخ : أيُّها السيد المحترم ! أنت الذي تعترف بعدم اطلاعك علىٰ اصول الدين ومبادئه ، ولم تتحدث في جميع عمرك مع أي مسلم واعٍ ، إذن كيف تجيز لنفسك اساءة الأدب بحق المقدسات الدينية إلىٰ هذا الحدّ ، وتتصور ان الدين والمتدينيين بشكل عام يقفون أمام سعادتك ؟!

أنتم الذين تعترفون بجهلكم لابسط المعلومات حول الاسلام ، كيف تسمحون لانفسكم بمثل هذه الاحكام المستعجلة والارتجاليّة البعيدة عن الواقع ، وتدينون الدين واتباعه في محكمتكم غير الصالحة الاهانة والاستهزاء والكلام الباطل ؟!

أيُّها السيد المحترم ! اتصور انّك وكما يقول المثل ذهبت للقاضي فقط(١) وحكمت بدون أية صلاحية في الحكم.

قضاء باطل

رفيق سفر آخر : أيُّها الشيخ دعك من ذلك ، هل هناك اصل أو اساس علمي للدين ، حتىٰ يحتاج الخوض فيه الىٰ صلاحية أو معرفة واسعة ؟! فكل شخص يمكنه الكلام حول الدين ، وابداء الرأي فيه ثم قبوله أو عدم قبوله.

الشيخ : كلامك هنا لا ينسجم والقواعد المنطقية والعلمية والعقلية ، لأن العقل يحكم برجوع الاشخاص الذين لا يلمون بموضوع ما الىٰ المختصين فيه ،

________________

(١) مثل ايراني معناه : أن الكلام لا يستند إلى دليل حقيقي. ( المترجم )

١٠

وليس لهم ابداء الرأي دون علم سابق والحكم فيه.

ففي جميع العصور وبين جميع الاشخاص والاقوام ، هناك اشخاص متخصّصون في كل فن ، يرجع اليهم باقي الناس في مجال تخصّصهم ، ولا نذكر ان أحداً من الناس استعان بجاهل في موضوع معين لحل معضلة ، او انهم سَعَوْا الىٰ حلِّ أمر جاهلين له.هل رأيتم مريضاً راجع حداداً ليعالجه من مرضه ؟ أو ان احداً عاد طبيباً ليسأله عن امور الزراعة ؟ حتىٰ لو ان احداً في غير المتخصصين ابدىٰ رأياً في أمر ، فإن رأيه لن يعار له أي اهتمام ، خاصة في عالمنا المعاصر ، وفي الدول المتقدمة ، لربّما يكون عرض نظريات باطلة وأحكام غير صحيحة من قبل اشخاص غير مختصين يعتبر ويستدعي ملاحقة قانونية.

قصّة حول الاحكام الباطلة

هنا نورد هذه القصة علىٰ سبيل المثال :

حكىٰ لي احد الاصدقاء : انني كنت اعبر بحر المانش بين فرنسا ( ميناء ديب ) وانجلترا ( ميناء نيوهيون ) بالباخرة. وكنت جالساً الىٰ جانب رجل انجليزي يظهر عليه الألم ، وبعد قليل من التردد سألته عما يؤلمه ، فأشتكى من الصداع ، فعرضت عليه تناول حبة « كالمين » جلبتها معي من فرنسا ، فوافق وتناولها ، وبعد فترة قصيرة ذهب عنه الصداع ، فشكرني وسأل : هل انت طبيب ؟ أجبته : لا. فسألني متعجباً : إذن كيف تجيز الدواء ؟!

علىٰ أيّة حال ، وبعد نزولنا من الباخرة سلّمني للشرطة ، بأن قال لهم اشكر هذا السيد الذي أذهب عني الصداع بأعطائي الدواء ، لكنه ارتكب مخالفة

١١

قانونية بتجويزه دواءً دون رخصة.

وهذا نموذج لرد فعل ايجابي ازاء الذين اعتادوا ابداء الرأي حول كل شيء دون علم ومعرفة به كافية ، وهو رد فعل مقابل عمل لربما تكون نتيجته الموت بالنسبة لعشرات المرضىٰ(١) .

أجل ، هذا هو الاسلوب الصحيح ، ففي كل أمر تجب مراجعة المختصين به ، وهو اصل ثابت في جميع انحاء العالم ، وبين جميع الشعوب الواعية ، لكني لا اعلم لماذا عندما يصل الأمر الىٰ موضوع الدين نشاهد اولئك الناس ـ انفسهم ـ يريدون ابداء الرأي فيه دون علم ومعرفة كافية ، ويحكمون فيه مثلما يتكلم فيه العالم الديني الواعي ؟! واذا لم يستطيعوا فهمه من زاوية نظرهم ، ينفونه بكل شدّة ويقولون اننا لن نرضخ لمثل هذا القانون !!

أليس من غير الانصاف ان يقوم المزارع الذي أفنىٰ عمره ـ وللأسف حسب رغبة المستعمر ـ مع الارض والماء والقمح فقط ، أو العطار الذي عاش حياته كلها في بيع وشراء السكر والرز والتبغ ، أو العامل الماهر المختص في انتاج القماش أو الطبيب الحاذق الذي يتعامل مع اعضاء الانسان وجوارحه بسكين الجراحة في بعض الأحيان ، ابداء الرأي في المسائل الدينية وكأنه عالم دين واعٍ وصل الىٰ من التخصّص تمكّنه من الحكم في الدين ؟!

اتصوّر أن الاُمّة التي تريد التدخل في أُمور ليست من صلاحيتها ، ولا

________________

(١) صحيفة اطلاعات : العدد ١٣٧١٥ ـ ٣ شباط ١٩٧٢.

١٢

ترتبط بها علمياً عليها أن تقرع طبول شقائِها.

اجل ، يجب ان ترد الاُمور الىٰ اصحابها ، فالبلد السعيد هو الذي يعرف اهله حدود وظائفهم ويحفظونها ، ولا يتعدّىٰ أحد فيهم حدوده العلمية.

رفاق السفر : ماالذي تقوله أيُّها الشيخ ، فدنيا اليوم هي دنيا العلم ، والجميع يستطيعون معرفة كل شيء.

الشيخ : نعم ـ يستطيع كل واحد ان يفهم « كل شيء » لكن هناك مشاكل عديدة يلزم تجاوزها لتطبيق ذلك الامكان ، بمعنىٰ لابدّ من تحمل متاعب جمّة للحصول علىٰ معلومات كافية فيما يتعلق بحقيقة معينة ، لكي يمكنه فهم القضايا المرتبطة بتلك الحقيقة مثل متخصص واعٍ ، ومن العجب ! كيف لا يستطيع الشخص الذي لم يدرس الطب فهم المسائل الطبية ولكن هذا الشخص نفسه يحق له ابداء الرأي في المسائل الدينية بدون أية معلومات عن الدين ؟!

لماذا لا يتسطيع الذي لم يدرس الطب وسائر المواضيع العلمية تعلم مسائلها دفعة واحدة ( مع ان الدنيا ، هي دنيا العلم ) ، ولكن حينما تطرح قضايا الدين يستطيع كل جاهل ان يبدي نظرياته فيها لمجرد ان دنيانا هي دنيا العلم ؟!

علىٰ انني لا اقصد بالمتخصّص في المسائل الدينية ، الذين يرتدون الزي الروحاني ( الجبّة والعمامة ) ، لان مجرد الملابس لا تأتي بالتخصّص ، بل الذي اقصده هو « التخصّص العلمي » امتلاك معرفة دينية كافية وصحيحة ، أمّا

١٣

ما تقولونه فهو يشبه الاعتراض علىٰ شخص يقول : يجب علىٰ البصير أن يأخذ بيد الأعمىٰ ويوصله الىٰ مقصده من بين الطرق الملتوية ، فماذا يعني ضوء النهار مع وجوب الآخذ بيد الأعمىٰ ، في حين ان الاعمىٰ يتساوىٰ لديه الليل والنهار وفي كلتا الحالتين يحتاج الىٰ شخص بصير يأخذ بيده.

أيُّها السادة ! صحيح ان دنيانا هي دنيا العلم ، لكنه وفي دنيا العلم هذه لا يستطيع احد ابداء نظريات في مجال اختصاصه والحكم في القضايا ، إلّا الذي يمتلك وعياً ومعرفة كافيين.

أمّا الذي تقولونه فهو « عطاء من خزانة الأمير »(١) ، وهو للأسف منطق المتفرجين من بعيد ، وهذا النوع من الناس ، إذا ما وجدوا احدىٰ المباحث الدينية لا تنسجم مع تفكيرهم القاصر ، يلوذون مباشرة بتطور الآخرين العلمي والتكنولوجي ، ويقولون فخورين !! : هو عصر العلم ، عصر الذرة ، العصر الذهبي البراق ، وفي مثل هذا العالم الذي نحيا فيه لا يمكن انت نترك موضوعاً دون فهم ! أليس من ضروري أن نقول لمثل هؤلاء الاشخاص : اعزاءنا في عصر العلم ايضاً لا يحق لأحد التنظير في قضية إلّا ان يكون عالماً ومتخصّصا فيها وهؤلاء هم الذين يلتذون بالمسائل العلمية.

اصدقائي الاعزاء !

أنا لا أقول انه لا يحق لغير المتخصّص البحث والاستقصاء في الدين والمسائل التي تتعلق به ، بل ما اقصده هوان لا يجلس الشخص

________________

(١) مثل ايراني ، يقال للشخص الذي يتبرع من مال ( أو علم ) غيره. ( المترجم )

١٤

الذي ليست له جدارة علمية في المسائل الدينية علىٰ كرسي القضاء ويصدر احكامه بهذه القطعية ، وكأنما جميع الحقائق الدينية تتلخص في دائرة فكره ، وفهمه فقط.

وعاء أحرّ من الأكل(١)

هنا تذكرت قصّة حدثت قبل سنوات ، خلاصتها :

كان أحد العلماء الغربيين قد كتب مقالاً يقول فيه : نأمل ان تحلّ في المستقبل القريب مشاكل السفر الىٰ سطح القمر وان يصل الانسان الىٰ امنيته هذه(٢) .

بعد نشر ذلك المقال ، كتب أحد الكتّاب الايرانيين مقالاً في احدىٰ الصحف حول السفر الىٰ سطح القمر علىٰ أساس مقال ذلك العالم الغربي ، لكن صاحبنا استرسل في مقالة للحد الذي قال فيه : سوف يقضي عرائسنا شهر عسلهم ـ بالقريب ـ علىٰ سطح القمر ، ولسوف يستأجر الاغنياء الفيلات المبنية علىٰ سطح القمر بأسعار باهضة لكي يفرّوا من حرارة شمس الصيف الىٰ هناك.

وقد وصل بالكاتب الحدّ لأن يقول : في المستقبل القريب ، سوف تشير الاجيال التي ستأتي بعدنا نحو الأرض وتقول ان آباءنا كانوا يسكنون تلك

________________

(١) مثل ايراني ، يقال للشخص الذي يتحمس إلى موضوع لا يرتبط به. ( المترجم )

(٢) اليوم ونحن نعد هذه الطبعة الجديدة من الكتاب ، تحقّق حلم الانسان في السفر الىٰ سطح القمر قبل سنوات.

١٥

الكرة!!

جميع تلك الخزعبلات صاغها الكاتب الايراني علىٰ اساس مقال ذلك العالم الغربي في حين ان العالم الغربي كان يتحدّث عن احتمال وامكان السفر الىٰ سطح القمر. ( وهنا ، ينفجر رفاق السفر ضاحكين ).

الشيخ : أيُّها السادة : أليس بعض مواطنينا يفكرون مثل ذلك الكاتب الايراني ، لأنهم يفتخرون بالتطور العلمي الذي أوجده الآخرون !

١٦

حقائق العالم وآراء العلماء

احد رفاق السفر : أيُّها الشيخ لقد تطرفت في كلامك ! لربّما يصحّ كلامك فيما يتعلق بغير المتعلمين ، لكنه مرفوض فيما يتعلّق بالعلماء والمتعلّمين ، لأنهم يحقُّ لهم ان يجعلوا آراءهم ملاكاً لصحّة وسقم أي موضوع ، ويمكنهم اصدار حكم قطعي في كلِّ شيء.

الشيخ : لا ، لم أتطرّف في كلامي ، كما انّ آراء العلماء أيضاً ليست معياراً كاملاً لصحّة أو خطأ موضوع ما في كل حال ، لان التاريخ يحدّثنا عن تكامل البشر علمياً.

فقد حدّث ان مجموعة من العلماء أقرت مسألة خاطئة علىٰ أنّها حقيقة علمية واستندت اليها عشرات السنين للحد الذي قدمت على اساسها عشرات النظريات والفرضيات الاُخرىٰ. ولكن ، ومع تطور العلوم ، ظهرت الحقيقة بالتدريج وبان خطأ « النظرية الاُم » ، وعلىٰ حدِّ قول عالم الاحياء الفرنسي المشهور الدكتور الكسيس كارل(١) :

« ليس من الضروري ان تكون الحقيقة بسيطة علىٰ الدوام وقابلة للفهم بالنسبة لنا»(٢) .

________________

(١) Dr. Alexis carrel

(٢) الانسان ذلك المجهول.

١٧

وفي تاريخ الحياة الانسانية نشاهد العديد من النظريات العلمية ظهرت علىٰ انّها قواعد علمية واقعية لفترة طويلة بين العلماء ، وكانت ملاكاً لصحّة وفساد المسائل الاُخرىٰ ، لكن ، وبمرور الايام ، ثبت بالتدريج مخالفتها للواقع ، ومن انها لم تكن سوىٰ نظرية.

أحد النماذج التامة فيما نتحدث عنه هو قصة الذرّة ، لقد كانت الذرّة لسنوات طويلة غير قابلة للتقسيم عند الفلاسفة والعلماء ، وكان « موقريطس »(١) أوّل من قال أنّ ظواهر العالم تتألف من أجزاء صغيرة غير قابلة للتجزئة والتقسيم ، ( وقد سمي فيما بعد ذلك الجزء غير القابل للتقسيم ذرّة ).

بقيت هذه النظرية مقبولة علىٰ مدىٰ قرون من قبل الكثير من الفلاسفة والعلماء ، وكان في عداد حقائق العالم العلمية ، ومع تطور العلم ، اصبح عصرنا ينظر الىٰ تلك النظرية كأسطورة لا اكثر ، بل تم عملياً شطر الذرة والاستفادة من طاقتها المتحررة ، للحد الذي ارعبت قدرتها التخريبية العالم.

وحقيقة ان الانسان جائز الخطأ وليس مصوناً منه يمكن تعميمها لتشمل العلماء ايضاً ، والاعترافات التي يبدونها حول امكان خطئهم طريفة جداً ، هنا ننقل بعض ذلك :

________________

(١) لابد من الاشارة الىٰ ان عالماً باسم « ليوسيبوس » طرح أصل نظرية الذرة وتكون جميع ظواهر العالم منها ، وذلك قبل دموقريطس ، لكن الاخير قام بأكمال تلك النظرية.

تاريخ التطورات الاجتماعية ، ص ١٧٦ ، تأليف : متروبوسكي.

١٨

يقول عالم الرياضيات المعروف ، البرت انشتاين :

« يندر ان نجد اليوم عالماً يعتبر المواضيع التي يصل اليها حقائق نهائية. بل العكس نجد اصحاب النظريات المهمة مثل نيوتن(١) يذعنون ان ما يرونه واضحاً اليوم لربّما يكون مبهماً وغير واضح بالنسبة للاجيال اللاحقة ، ولربّما سينظر اخلافنا الىٰ اعمالنا بنفس العين التي ننظر فيها نحن الى اسلافنا»(٢) .

ويقول احد الكتاب الفرنسيين :

« الجميع يمكن ان يخطأوا. ولربما يخطىء العالم الكبير في حكمه ، وقد رأينا خطأ جميع اعضاء مؤسسة علمية في مبحث تخصصي بالنسبة لهم لذلك يجب ان لا نعتبر فتاوىٰ العلماء والمفكرين حتىٰ تلك التي ضمن اختصاصاتهم حجة لا يمكن الزيغ عنها. ويبقىٰ الزمان هو المحك الاساس في اختبار هذه الموارد »(٣) .

مجهولات الانسان

الىٰ هنا من البحث تكلمنا عن امكان خطأ العلماء وعدم حصانتهم قباله ؛ أي أن بعض العلماء أو مجموعة منهم لربما تصوروا انهم توصلوا الىٰ حقيقة ما واستطاعوا كشفها ، لكن واقع الامر هو غير ذلك ، هنا نضيف الىٰ المسألة حقيقة

________________

(١) Newton

(٢) العالم وانشتاين : ١٣٠.

(٣) صحيفة اطلاعات ، العدد ١١٧٦٠ ، بتاريخ ٢١ / تموز / ١٩٦٥.

١٩

اخرىٰ ذات دائرة لشمولية أكبر ، وتلك الحقيقة هي المجهولات التي يواجهها العلماء ، ففي عالمنا العديد من الاسرار والحقائق لا تزال يد الفكر والكشف الانساني لم تَطَلْها.

أحد رفاق السفر : أيُّها العمّ العزيز ، لا تنظر الىٰ الاُمور التي نجهلها نحن ، لانّ كلامنا يدور حول كبار علماء العالم ، الذين لا يعرفون ابداً لفظة « لا علم » أو « أجهل ذلك » !

الشيخ : أيُّها السيد المحترم ، أنا مضطر لحمل كلامك هذا من باب التفاؤل غير المنطقي بعلماء العالم ، لان الظاهر انك تحدثت دون دراسة ودراية.

صديقي العزيز ! لو طالعت كتب العلماء ، ومؤلفاتهم لوجدتهم يعترفون بجهل الكثير من حقائق العالم ، وهذه حقيقة الىٰ جانب كل حقيقة علمية تكتشفها ، فعندما نصل الىٰ كشف معين نواجه عشرات الاسئلة ، والمجهولات الجديدة ، وبهذه الكيفية ليست هناك حقيقة موضوعية واحدة في عالم الوجود مكشوفة جميع قضاياها بشكل عام ، ومن أجل اثبات هذا الادعاء ، نورد بعض اعترافات اعظم علماء عصرنا حول مجاهيل العالم :

يقول عالم الفيزياء المعاصر البرت انشتاين(١) في احدىٰ مؤلفاته :

« وعلىٰ الرغم من المعلومات التجريبية التي حصلنا عليها فيما يتعلق بنواة الذرة ، لكننا لا نزال في ظلمة فيما يتعلق بالعديد من المسائل

________________

(١) A. Enshtien

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وإن لم تكن له قيمة لو قُطع ، أُجيب مَنْ يريد التبقية ؛ إذ لا فائدة لطالب القطع فيه(١) .

وإذا أبقوا الزرع بالاتّفاق أو بطلب بعضهم حيث لم تكن للمقطوع قيمة ، فالسقي وسائر الـمُؤن إن تطوّع بها الغرماء أو بعضهم أو أنفقوا عليها على قدر ديونهم ، فذاك.

وإن أنفق عليها بعضُهم ليرجع ، فلا بُدَّ من إذن الحاكم أو(٢) اتّفاق الغرماء والمفلس ، وإذا حصل الإذن ، قدّم المنفق بقدر النفقة ؛ لأنّه لإصلاح الزرع.

وكذا لو أنفقوا على قدر الديون ثمّ ظهر غريمٌ ، قدّم المنفقون في قدر النفقة عليه.

وهل يجوز الإنفاق عليه من مال المفلس؟ الوجه : الجواز ؛ لاشتماله على التنمية ، وهو أحد وجهي الشافعي.

والثاني : المنع ؛ لعدم اليقين بحصول الفائدة ، وإنّما هو موهوم(٣) .

النوع الثاني : الإجارة الواردة على الذمّة

مسألة ٣٤٥ : هذه الإجارة لا يكون حكمها حكم السَّلَم في وجوب قبض مال الإجارة في المجلس‌ كما يجب قبض رأس مال السَّلَم فيه ؛ للأصل الدالّ على عدم الوجوب ، السالم عن معارضة النصّ الوارد في السَّلَم ؛ لانفراد السَّلَم عن الإجارة ومغايرته لها ، فلا يجب اشتراكهما في‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٨.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « و» بدل « أو ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٦ - ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٨.

١٠١

الحكم ، وهو أحد قولي الشافعي.

والثاني : أنّهما متساويان في وجوب الإقباض في المجلس(١) .

فعلى الأوّل تكون كالإجارة الواردة على العين. وعلى الثاني لا أثر للإفلاس بعد التفرّق ؛ لصيرورة الأُجرة مقبوضةً قبل التفرّق.

تذنيب : لا يثبت خيار المجلس في الإجارة‌ ؛ لاختصاص النصّ بالبيع ، وعدم مشاركته للإجارة في الاسم ، والأصل عدم الخيار ، وهو أحد قولي الشافعي.

وفي الآخَر : يثبت الخيار. فإن أثبته ، كان فيه غنية عن هذا الخيار ، وإلّا فهي(٢) كما في إجارة العين(٣) .

القسم الثاني : في إفلاس المؤجر.

وفيه نوعان :

الأوّل : في إجارة العين.

فإذا آجر دابّةً من إنسان أو داراً ثمّ أفلس وحجر عليه الحاكم ، لم تنفسخ الإجارة ، ولم يكن للمستأجر ولا للغرماء فسخ الإجارة ؛ لأنّ ذلك عقد لازم عقده قبل الحجر ، والمنافع المستحقّة للمستأجر متعلّقة بعين ذلك المال ، فيقدّم بها كما تقدّم في حقّ المرتهن ، وكما لو أفلس بعد بيع شي‌ء معيّن ، فإنّ المشتري أحقّ بما اشتراه.

ثمّ الغرماء لهم الخيار بين الصبر حتى تنقضي مدّة الإجارة ثمّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٨.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فهو » بدل « فهي ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٨.

١٠٢

يبيعونها ، وبين البيع في الحال ، فإن اختاروا الصبر إلى انقضاء مدّة الإجارة فإن انقضت المدّة والدار بحالها ، فلا بحث. وإن انهدمت الدار في أثناء المدّة ، انفسخت الإجارة.

وإن اختار المؤجر الفسخ فيما بقي من المدّة ، فإن كانت الأُجرة لم تُقبض منه ، سقطت عنه فيما بقي من المدّة ، وإن كانت قد قُبضت منه ، رجع على المفلس بحصّة ما بقي من المدّة.

وهل يضرب بذلك مع الغرماء؟ يُنظر فإن كان ذلك قبل قسمة ماله ، فهل يرجع على الغرماء؟ وجهان مبنيّان على أنّ وجود السبب كوجود المسبّب ، أو لا؟

فإن قلنا بالأوّل ، رجع عليهم بما يخصّه ؛ لأنّ سبب وجوبه وُجد قبل الحجر ، ولو كان الاعتبار بحال وجوبه ، لكان إذا وجب قبل القسمة أن لا يشارك به.

وإن قلنا بالثاني ، لم يرجع ؛ لأنّ دَيْنه تجدّد بعد الحجر ، فلم يحاصّ به الغرماء.

والأوّل أقوى.

فإن طلب الغرماء البيعَ في الحال ، أُجيبوا إليه ؛ لأنّه يجوز عندنا بيع الأعيان المستأجرة - وهو أحد قولي الشافعي - لأنّه عقد على منفعة ، فلا يمنع من بيع أصل العين ، كالنكاح.

والثاني : لا يصحّ البيع ؛ لأنّ يد المستأجر حائلة دون التسليم ، فأشبه المغصوب(١) .‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٨ - ٣٨٩.

١٠٣

فعلى قولنا تُباع في الحال ، ويكون المستأجر أحقَّ بالمنافع واليد مدّة إجارته.

ولو اختلف الغرماء في البيع والصبر ، أُجيب الذي يطلب البيع ؛ لأنّه يتعجّل حقّه به ، ولا مبالاة بما ينقص من ثمنه بسبب الإجارة ؛ إذ لا يجب على الغرماء الصبر إلى أن يزداد مال المفلس.

النوع الثاني : الإجارة الواردة على الذمّة.

مسألة ٣٤٦ : إذا التزم المفلس نَقْلَ متاع من بلدٍ إلى آخَر أو عملَ شغلٍ ثمّ أفلس‌ ، فإن كان مال الإجارة باقياً في يده ، فله فسخ الإجارة والرجوع إلى عين ماله. وإن كانت تالفةً ، فلا فسخ ، كما لا فسخ والحال هذه عند إفلاس الـمُسْلَم إليه على الأصحّ - وبه قال الشافعي(١) - ويضارب المستأجرُ الغرماءَ بقيمة المنفعة المستحقّة ، وهي أُجرة المثل ، كما يضارب الـمُسْلِم بقيمة الـمُسْلَم فيه.

إذا عرفت هذا ، فإنّ هذا النوع من الإجارة ليس سَلَماً ، وهو أحد قولي الشافعي.

وفي الثاني : يكون سَلَماً.

فعلى قوله هذا ما يخصّه بالمضاربة من مال المفلس لا يجوز تسليمه إليه ؛ لامتناع الاعتياض عن الـمُسْلَم فيه ، بل يُنظر فإن كانت المنفعة المستحقّة قابلةً للتبعيض - كما لو استأجره لحمل مائة رطل - فينقل بالحصّة بعضها.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٩.

١٠٤

وإن لم يقبل التبعيض - كما إذا كان الملتزَم قصارةَ ثوبٍ ، أو رياضة دابّة ، أو(١) حمل المستأجر إلى بلدٍ ، ولو نقل إلى بعض الطريق ضاع - فوجهان للشافعي(٢) .

قال الجويني : للمستأجر الفسخ بهذا السبب ، والمضاربة بالأُجرة المبذولة(٣) .

وعلى ما اخترناه نحن يسقط عنّا هذا ، ويقبض الحصّة بعينها ؛ لجواز الاعتياض.

ويلزم على قوله إبطال مذهبه من منع جواز الاعتياض في السَّلَم فيما صوّرناه.

هذا إذا لم يسلّم المؤجر عيناً إلى المستأجر يستوفي المنفعة الملتزمة منها ، أمّا إذا التزم النقل إلى البلد في ذمّته ثمّ سلّمه دابّةً لينقل بها ، ثمّ أفلس ، فإن قلنا : إنّ الدابّة المسلّمة تتعيّن بالتعيين ، فلا فسخ ، ويقدّم المستأجر بمنفعتها ، كما لو كانت الدابّة معيّنةً في عقد الإجارة. وإن قلنا : لا تتعيّن ، فكما لو لم يسلّم الدابّة ، فيفسخ المستأجر ، ويضارب بمال الإجارة.

تذنيبان :

أ - لو استقرض مالاً ثمّ أفلس وهو باقٍ في يده ، فللمُقرض الرجوعُ إلى عين ماله‌ ، كالبائع في عين السلعة وإن ملكها المفلس بالشراء - وهو قول الشافعي(٤) أيضاً - سواء قلنا : إنّ القرض يُملك بالقبض أو بالتصرّف.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « و» بدل « أو ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٩.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٩.

١٠٥

أمّا إذا كان لا يُملك بالقبض : فلأنّه يقدر على الرجوع من غير إفلاس ولا حجر ، فمعهما أولى.

وأمّا إذا كان(١) يُملك بالقبض : فلأنّه مملوك ببدلٍ تعذّر تحصيله ، فأشبه البيع.

ب - لو باع شيئاً واستوفى ثمنه وامتنع من تسليم المبيع أو هرب ، لم يكن للمشتري الفسخ‌ ؛ لأنّ حقّه تعلّق بالعين ، ولا نقصان في نفس المبيع ، فإن تعذّر قبضه ، تخيّر حينئذٍ.

وللشافعيّة وجهان(٢) .

النظر الثالث : في المعوّض.

مسألة ٣٤٧ : يُشترط في المعوّض - وهو المبيع مثلاً - ليرجع إليه مع إفلاس المشتري شيئان‌: بقاؤه في ملك المفلس ، وعدم التغيّر(٣) .

فلو هلك المبيع ، لم يكن للبائع الرجوع ؛ لقولهعليه‌السلام : « فصاحب المتاع أحقّ بالمتاع إذا وجده بعينه »(٤) فقد جعلعليه‌السلام وجدانَ المتاع شرطاً في أحقّيّة الأخذ.

ولا فرق بين أن يكون الهلاك بآفة سماويّة ، أو بجناية جانٍ ، أو بفعل المشتري ، ولا بين أن تكون قيمته مثل الثمن أو أكثر.

وليس له إلّا مضاربة الغرماء بالثمن ؛ عملاً بالأصل ، واختصاص‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « كانت » بدل « كان ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٩.

(٣) يأتي الشرط الثاني - وهو عدم التغيّر - في ص ١٠٨ ، المسألة ٣٥٠.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٩٠ / ٢٣٦٠ ، سنن الدارقطني ٣ : ٢٩ / ١٠٦ و ١٠٧ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٥١.

١٠٦

المخالف له بالوجدان ، وهو أحد قولي الشافعي.

والثاني : أنّه إذا زادت القيمة ، ضارب بها دون الثمن ، واستفاد بها زيادة حصّته(١) .

مسألة ٣٤٨ : لو خرجت العين عن ملك المشتري ببيعٍ أو هبة أو عتق أو وقف ، فهو كما لو هلكت.

وليس له فسخ هذه التصرّفات ، بخلاف الشفيع ، فإنّ له ردّ ذلك كلّه ؛ لأنّ حقّ الشفعة كان ثابتاً حين تصرّف المشتري ، لأنّ الشفعة تثبت بنفس البيع ، وهنا حقّ الرجوع لم يكن ثابتاً حين التصرّف ؛ لأنّه إنّما يثبت بالإفلاس والحجر.

وكذا لا رجوع للبائع لو كاتب المشتري العبد المبيع أو استولد الجارية المبيعة. أما لو دبّر ، فإنّ له الرجوع.

ولو نذر عتقه مطلقاً أو نذره عند شرطٍ ، فكذلك لا يرجع إلّا أن يبطل ذلك الشرط ويعلم بطلان النذر.

ولو علّق العتق بصفة ، لم يصح عندنا. وعند الشافعي يصحّ ، وله الرجوع(٢) .

ولو آجر العين ، فلا رجوع له في المنافع ، بل في العين عندنا ؛ لأنّه يجوز بيع المستأجر ، وهو أحد قولي الشافعيّة إن جوّزوا بيع المستأجر ، وإن منعوه ، لم يكن له الرجوعُ في العين ، فإذا جوّزنا له الرجوع ، فإن شاء أخذه مسلوب المنفعة لحقّ المستأجر ، وإلّا ضارب بالثمن(٣) .

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٠ - ٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٠.

١٠٧

مسألة ٣٤٩ : لو رهن المشتري العين ، لم يكن للبائع الرجوع ؛ لتقدّم حقّ المرتهن.

وكذا لو جنى العبد المبيع ، فالمجنيّ عليه أحقّ ببيعه.

فإن قضي حقّ المرتهن أو المجنيّ عليه ببيع بعضه ، فالبائع واجد لباقي المبيع ، وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى.

وإن انفكّ الرهن أو برىء عن الجناية ، فله الرجوع.

ولو زوّج الجاريةَ ، لم يمنع البائع من الرجوع فيها. أمّا لو باع صيداً ثمّ أحرم وأفلس المشتري ، لم يكن للبائع الرجوعُ في العين ؛ لأنّ تملّكه للصيد حرام.

ولو نقل العين ببيعٍ وشبهه ثمّ حُجر عليه بعد ذلك ثمّ عادت العين ، فالوجه عندي : أنّه لا يرجع البائع فيها ؛ لأنّ ملك المشتري فيها الآن متلقّى من غير البائع ، ولأنّه قد تخلّلت حالة لو صادفها الإفلاس والحَجْر لما رجع ، فيُستصحب حكمها ، وهو أحد قولي الشافعي.

والثاني : أنّه إن عاد إليه بغير عوضٍ - كالهبة والإرث والوصيّة له - ففي الرجوع وجهان :

أحدهما : أنّه يرجع ؛ لأنّه وجد متاعه بعينه.

والثاني : لا يرجع ؛ لأنّ الملك قد تلقّاه من غير البائع(١) .

وهذان الوجهان مبنيّان عندهم على ما إذا قال لعبده : إذا جاء رأس الشهر فأنت حُرٌّ ، ثمّ باعه واشتراه وجاء رأس الشهر ، هل يُعتق؟(٢)

وإن عاد الملك إليه بعوضٍ كما لو اشتراه [ نُظر ](٣) إن وفّر الثمن على‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤١.

(٣) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

١٠٨

البائع الثاني ، فكما لو عاد بلا عوض ، فإن لم يوفّر وقلنا بثبوت الرجوع للبائع لو عاد بلا عوض ، فالأوّل أولى بالرجوع ؛ لسبق حقّه ، أو الثاني ؛ لقرب حقّه ، أو يستويان ويضارب كلّ واحدٍ منهما بنصف الثمن؟ فيه ثلاثة أوجُه.

تذنيب : لو كاتب العبد كتابةً مطلقة ، لم يكن للبائع الرجوعُ في العين‌ ؛ لأنّه كالعتق في زوال سلطنة السيّد عنه.

وإن كانت مشروطةً ، فإن كانت باقيةً ، لم يكن له الرجوع أيضاً ؛ لأنّها عقد لازم.

وإن عجز المكاتَب عن الأداء ، فللمفلس الصبر عليه ؛ لأنّه كالخيار.

ويُحتمل عدمه.

فإن ردّه في الرقّ ، فهل للبائع الرجوع فيه؟ الأقرب : ذلك ؛ لأنّه ليس بملك يتجدّد ، بل هو إزالة مانع.

وللشافعي طريقان :

أحدهما : أنّ رجوعه إلى الرقّ كانفكاك الرهن.

والثاني : أنّه يعود الملك بعد زواله لمشابهة الكتابة زوالَ الملك ، وإفادتها استقلالَ المكاتَب ، والتحاقه بالأحرار(١) .

مسألة ٣٥٠ : قد بيّنّا أنّه يشترط للرجوع في العين في المعوّض أمران : بقاء الملك ، وقد سلف(٢) ، وبقي الشرط الثاني ، وهو : عدم التغيّر.

فنقول : البائع إن وجد العين بحالها لم تتغيّر لا بالزيادة ولا بالنقصان ، فإنّ للبائع الرجوعَ لا محالة. وإن تغيّر(٣) ، فإمّا أن يكون بالنقصان أو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩١.

(٢) في ص ١٠٥ ، المسألة ٣٤٧.

(٣) تذكير الفعل باعتبار المبيع.

١٠٩

بالزيادة.

القسم الأوّل : أن يكون التغيّر بالنقصان ، وهو قسمان :

الأوّل : نقصان ما لا يتقسّط عليه الثمن ، ولا يُفرد بالعقد ، وهو المراد بالعيب ونقصان الصفة ، كتلف بعض أطراف العبد.

والثاني : نقصان بعض المبيع ممّا يتقسّط عليه الثمن ، ويصحّ إفراده بالعقد.

ونحن نذكر حكم هذه الأقسام بعون الله تعالى ، ثمّ نتبع ذلك بقسم الزيادة.

[ القسم ] الأوّل : نقصان الصفة.

مسألة ٣٥١ : إذا نقصت العين بالتعيّب ، فإن حصل بآفة سماويّة ، تخيّر البائع‌ بين الرجوع في العين ناقصةً بغير شي‌ء ، وبين أن يضارب بالثمن مع الغرماء ، كما لو تعيّب المبيع في يد البائع ، يتخيّر المشتري بين أخذه معيباً بجميع الثمن - عند بعض(١) أصحابنا - وبين الفسخ والرجوع بالثمن.

وعلى ما اخترناه نحن - من أنّ المشتري يرجع بالأرش - لا يتأتّى هذا ، وإنّما لم يكن للبائع هنا الرجوع بالأرش ، وكان للمشتري في صورة البيع الرجوع به ؛ لأنّ المبيع مضمون في يد البائع ، وكما يضمن جملته يضمن أجزاءه ، سواء كانت صفاتاً أو غيرها ؛ لأنّ الثمن في مقابلة الجميع ، وأمّا هنا فإنّ البائع لا حقّ له في العين إلاّ بالفسخ المتجدّد بعد العيب ، وإنّما حقّه قبل الفسخ في الثمن ، فلم تكن العين مضمونةً له ، فلم يكن له الرجوع بأرش المتجدّد ، بل يقال له : إمّا أن تأخذ العين مجّاناً ، أو تضارب‌

____________________

(١) الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٠٩ ، المسألة ١٧٨.

١١٠

بالثمن ، وهو أحد قولي الشافعي(١) .

وله قولٌ آخَر : إنّه يأخذ المعيب ويضارب مع الغرماء بما نقص ، كما يأتي(٢) في الضرب الثاني(٣) . وهو غريب عندهم(٤) .

إذا عرفت هذا ، فقد وافقنا مالك والشافعي على أنّ للبائع الرجوعَ وإن كانت معيبةً(٥) .

وقال أحمد : إذا تلف جزء من العين - كتغيّر أطراف العبد ، أو ذهاب عينه ، أو تلف بعض الثوب ، أو انهدم بعض الدار ، أو اشترى نخلاً مثمراً فتلف الثمرة ، ونحو هذا - لم يكن للبائع الرجوعُ ؛ لأنّه لم يدرك متاعه بعينه(٦) .

وهو غلط.

أمّا أوّلاً : فلأنّ العين باقية وإن تلف بعض صفاتها.

وأمّا ثانياً : فلأنّه إذا ثبت له الرجوع في جميع العين بالثمن ، فإثبات الرجوع له في بعضها بالثمن أولى ، كما لو قال : أنا أرجع في نصف العين بجميع الثمن ، فإنّه يجاب إليه قطعاً ، كذا هنا.

مسألة ٣٥٢ : إذا تعيّبت العين بجناية جانٍ ، فإمّا أن يكون الجاني أجنبيّاً أو البائعَ أو المشتري.

فإن كان أجنبيّاً ، فعليه الأرش ، وللبائع أن يأخذه معيباً ، ويضاربُ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩١.

(٢) في ص ١١٢ ، المسألة ٣٥٤.

(٣) وهو نقصان ما يتقسّط عليه الثمن.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٢ ، وفي روضة الطالبين ٣ : ٣٩١ ؛ « شاذّ ضعيف ».

(٥) المغني ٤ : ٤٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١١.

(٦) المغني ٤ : ٤٩٨ - ٤٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١١ - ٥١٢.

١١١

الغرماءَ بمثل(١) نسبة ما انتقص من القيمة من الثمن ؛ لأنّ المشتري أخذ بدلاً للنقصان وكان مستحقّاً للبائع ، فلا يجوز تضييعه عليه ، بخلاف التعيّب بالآفة السماويّة حيث لم يكن لها عوض.

وإنّما اعتبرنا في حقّه نقصان القيمة دون التقدير الشرعي ؛ لأنّ التقدير إنّما أثبته الشرع في الجنايات ، والأعواض يتقسّط بعضها على بعضٍ باعتبار القيمة.

ولو اعتبرنا في حقّه المقدّر ، لزمنا أن نقول : إذا قطع الجاني يديه(٢) أن يأخذه البائع وقيمته ، وهذا محال ، بل يُنظر فيما انتقص من قيمته بقطع اليدين ، ونقول : يضارب البائعُ الغرماء بمثل نسبته من الثمن. ولو قطع إحدى يديه وغرم نصف القيمة وكان الناقص في السوق ثُلث القيمة ، ضارَب البائعُ بثلث الثمن وأخذه ، وعلى هذا القياس.

مسألة ٣٥٣ : لو كان الجاني على العين البائعَ ، فهو كجناية الأجنبيّ‌ ؛ لأنّ جنايته على ما ليس بمملوك له ولا هو في ضمانه.

وإن كان الجاني المشتري ، احتُمل أن تكون جنايته كجناية الأجنبيّ أيضاً ؛ لأنّ إتلاف المشتري قبض(٣) واستيفاء منه على ما مرّ(٤) في موضعه ، وكأنّه صرف جزءً من المبيع إلى غرضه. وأن تكون جنايته كجناية البائع على المبيع قبل القبض ؛ لأنّ المفلس والمبيع في يده كالبائع في المبيع قبل القبض من حيث إنّه مأخوذ منه غير مقرَّر في يده.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « مثل ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « قطع يدي الجاني ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « نقص » بدل « قبض ». والمثبت هو الظاهر.

(٤) في ج ١٠ ، ص ١١٤ ، المسألة ٦٤ من كتاب البيع.

١١٢

وللشافعي قولان :

أحدهما : أنّها(١) كجناية الأجنبيّ.

وأصحّهما عنده : أنّها كالآفة السماويّة(٢) .

ولا يقال : إنّ حقَّ تشبيه جناية المشتري هنا بجناية البائع قبل القبض كتشبيه(٣) جناية البائع هناك حتى يقال : كأنّه استرجع بعض المبيع ؛ إذ ليس له الفسخ والاسترجاع إلّا بعد حَجْر الحاكم عليه ، وليس(٤) قبل الحَجْر حقٌّ ولا مِلْكٌ.

تذنيب : لو باع المفلس قبل الحجر بعضَ العين‌ أو وهبه أو وقفه ، فهو بمنزلة تلفه.

القسم الثاني : نقصان العين.

مسألة ٣٥٤ : إذا نقص المبيع نقصاً يتقسّط الثمن عليه ، ويصحّ إفراده بالعقد‌ - كما لو اشترى عبدين صفقةً أو ثوبين كذلك فتلف أحدهما في يد المشتري ثمّ أفلس وحُجر عليه - فللبائع أن يأخذ الباقي بحصّته من الثمن ، ويُضارب مع الغرماء بحصّة التالف ، وله أن يضارب بجميع الثمن - وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٥) - لأنّه عين ماله وجدها البائع ، فله‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أنّه ». والمثبت هو الصحيح.

(٢) الوسيط ٤ : ٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٢.

(٣) في الطبعة الحجريّة : « تشبيه ».

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فليس » بدل « وليس ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٨٨ ، الوسيط ٤ : ٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٢ ، المغني ٤ : ٤٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٢.

١١٣

أخذها ؛ لقولهعليه‌السلام : « مَنْ أدرك متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحقّ به »(١) .

ولأنّه مبيع وجده بعينه ، فكان للبائع الرجوعُ فيه ، كما لو وجد جميع المبيع.

وفي الرواية الأُخرى لأحمد : ليس له الرجوع ؛ لأنّه لم يجد المبيع بعينه ، أشبه ما لو كان عيناً واحدة وقد تعيّبت. ولأنّ بعض المبيع تالف ، فلم يملك الرجوع فيه ، كما لو قُطعت يد العبد(٢) .

والحكم في الأصل ممنوع ، وقد سبق ، وهذا كما لو بقي جميع المبيع وأراد البائع فسخ البيع في بعضه ، مُكّن منه ؛ لأنّه أنفع للغرماء من الفسخ في الكلّ ، فهو كما لو رجع الواهب في نصف ما وهب.

مسألة ٣٥٥ : إذا اختار فسخ البيع في الباقي وأخذه ، ضرب بقسط التالف من الثمن‌ ، ولا يجب عليه فسخ البيع وأخذ الباقي بجميع الثمن ؛ لأنّ الثمن يتقسّط على المبيع ، فكأنّه في الحقيقة بيعان بثمنين ، وهو أصحّ قولي الشافعي.

والثاني : أنّه يأخذ الباقي بجميع الثمن ، ولا يضارب بشي‌ء ، وطرّدوا هذا القول في كلّ مسألة تضاهي هذه المسألة حتى لو باع سيفاً وشقصاً بمائة ، يأخذ الشقص بجميع المائة على قولٍ(٣) . وهو بعيد.

هذا إذا تلف أحد العبدين ولم يقبض من الثمن شيئاً.

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٥٥ - ١٥٦ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٩٣ / ١٥٥٩ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٦٢ ، المغني ٤ : ٤٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٢.

(٢) المغني ٤ : ٤٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٢.

١١٤

ولو باع عبدين متساويي القيمة بمائة وقبض خمسين وتلف أحدهما في يد المشتري ثمّ أفلس ، فإنّه يرجع في الباقي من العبدين ؛ لأنّ الإفلاس سبب يعود به جميع العين ، فجاز أن يعود بعضه(١) ، كالفرقة في النكاح قبل الدخول يردّ(٢) بها جميع الصداق إلى الزوج تارة وبعضه أُخرى.

ولاندراج صورة النزاع فيما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « إذا أفلس الرجل ووجد البائع سلعته بعينها فهو أحقّ بها من الغرماء »(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول أبي الحسنعليه‌السلام وقد سُئل عن رجل يركبه الدَّيْن فيوجد متاع رجل عنده بعينه ، قال : « لا يحاصّه الغرماء »(٤) .

وهو الجديد للشافعي.

وقال في القديم : ليس له الرجوعُ إلى العين ، بل يُضارب بباقي الثمن مع الغرماء ؛ لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أيّما رجل باع متاعاً فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض البائع من ثمنه شيئاً فوجده بعينه فهو أحقّ به ، وإن كان قد اقتضى(٥) من ثمنه شيئاً فهو أُسوة الغرماء »(٦) (٧) .

وهذا الحديث مرسل.

____________________

(١) الظاهر : « بعضها ».

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يريد » بدل « يردّ ». والمثبت هو الصحيح.

(٣) سنن الدارقطني ٣ : ٣٠ / ١١٢ ، و ٤ : ٢٢٩ / ٩٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٤٦ ، المصنّف - لعبد الرزّاق - ٨ : ٢٦٥ / ١٥١٦٢.

(٤) التهذيب ٦ : ١٩٣ / ٤٢٠ ، الاستبصار ٣ : ٨ / ١٩.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « اقبض » بدل « اقتضى ». والصحيح ما أثبتناه كما في « العزيز شرح الوجيز ».

(٦) سنن ابن ماجة ٣ : ٧٩٠ / ٢٣٥٩ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٦ - ٢٨٧ / ٣٥٢٠ ، ٣٥٢١ ، سنن البيهقي ٦ : ٤٧.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٢.

١١٥

وعلى ما اخترناه يرجع في جميع العبد الباقي بجميع ما بقي من الثمن ، وبه قال الشافعي على قول الرجوع(١) .

وله فيما إذا أصدقها أربعين شاةً ، وحالَ عليها الحول فأخرجت شاةً ثمّ طلّقها قبل الدخول قولان :

أحدهما : أنّه يرجع بعشرين(٢) شاة.

والثاني : أنّه يأخذ نصفَ الموجود ، ونصفَ قيمة الشاة الـمُخرَجة(٣) .

واختلف أصحابه هنا على طريقين :

[ أحدهما : تخريج القول الثاني وطرد القولين هاهنا ](٤) :

أظهرهما : أنّه يأخذ جميع العبد الباقي بما بقي من الثمن ، ويجعل ما قبض من الثمن في مقابلة التالف ، كما لو رهن عبدين بمائة وأخذ خمسين وتلف أحد العبدين ، كان الآخَر مرهوناً بما بقي من الدَّيْن بجامع أنّ له التعلّق بكلّ العين ، فيثبت له التعلّق بالباقي من العين للباقي من الحقّ.

والثاني : أنّه يأخذ نصف العبد الباقي بنصف الباقي من الثمن ، ويُضارب الغرماءَ بنصفه ؛ لأنّ الثمن يتوزّع على المبيع ، فالمقبوض والباقي يتوزّع كلّ واحدٍ منهما على العبدين.

ولا بأس به عندي.

والطريق الثاني : القطع بأنّه يرجع في جميع العبد الباقي بما بقي من الثمن ، والفرق بينه وبين الصداق : أنّ الزوج إذا لم يرجع إلى عين الصداق ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٢.

(٢) في المصدر : « بأربعين » بدل « بعشرين ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٤.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر لأجل السياق.

١١٦

أخذ القيمة بتمامها ، والبائع هنا لا يأخذ الثمن ، بل يحتاج إلى المضاربة(١) .

مسألة ٣٥٦ : لو قبض بعض الثمن ولم يتلف من المبيع شي‌ء‌ ، احتُمل الرجوع في البعض بنسبة الباقي من الثمن ، فلو قبض نصف الثمن ، رجع في نصف العبد المبيع ، أو العبدين المبيعين ، وهو الجديد للشافعي.

وقال في القديم : لا يرجع(٢) . وقد سلف.

مسألة ٣٥٧ : لو كان المبيع زيتاً فأغلاه المشتري حتى ذهب بعضه ثمّ أفلس ، فهو بمثابة تلف بعض المبيع‌ ، كما لو انصبّ بعضه ، وهو أحد قولي الشافعي.

والثاني : أنّه كما لو تعيّب المبيع ، وكان الزائلُ صفةَ الثُّفْل(٣) .

فعلى الأوّل لو ذهب نصفه ، أخذه بنصف الثمن ، وضارَب مع الغرماء بالنصف ، فإن ذهب ثلثه ، أخذ بثلثي الثمن ، وضارَب بالثلث.

وعلى الثاني يرجع إليه ، و [ يقنع ](٤) به.

وإذا ذهب نصفه مثلاً ، فالوجه : أن يطّرد ذلك الوجه في إغلاء الغاصب الزيتَ المغصوب.

ولو كان مكان الزيت العصير ، فالوجه : المساواة بينه وبين الزيت هنا وفي الغاصب ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : الفرق بأنّ الذاهب من العصير ما لا ماليّة له ، والذاهب من‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٤ - ٤٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٣.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ينتفع ». والصحيح ما أثبتناه.

١١٧

الزيت متموّل(١) .

ويُمنع عدم الماليّة ؛ لأنّه قبل الغليان مالٌ ، فقد أتلفه بالغليان.

وعلى القول بالتسوية بين العصير والزيت لو كان العصير المبيع أربعة أرطال قيمتها ثلاثة دراهم ، فأغلاها حتى عادت إلى ثلاثة أرطال ، رجع إلى الباقي ، ويُضارب بربع الثمن للذاهب(٢) ، ولا عبرة بنقصان قيمة المغليّ ، كما إذا عادت قيمته إلى درهمين.

وإن زادت قيمته بأن صارت أربعةً ، بني على أنّ الزيادة الحاصلة بالصنعة أثرٌ أو عينٌ؟

إن قلنا : إنّه أثر ، فإنّه للبائع بما زاد.

وإن قلنا : عينٌ ، قال بعض الشافعيّة : إنّه كالأوّل(٣) .

وعن بعضهم : أنّ المفلس يكون شريكاً بالدراهم الزائدة(٤) .

وإن بقيت القيمة ثلاثة كما كانت ، فيكون بقاؤها بحالها مع نقصان بعض العين ؛ لازدياد الباقي بالطبخ ، فإن جعلنا هذه الزيادة أثراً ، فاز البائع بها.

وإن جعلناها عيناً ، فكذلك عند بعض الشافعيّة(٥) .

وقال غيره : يكون المفلس شريكاً بثلاثة أرباع درهم ، فإنّ هذا القدر هو قسط الرطل الذاهب ، وهو الذي زاد بالطبخ في الباقي(٦) .

مسألة ٣٥٨ : لو كان المبيع داراً فانهدمت ولم يهلك شي‌ء من النقْض ، فقد أتلف(٧) صفة ، كعمى العبد ونحوه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٣.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الذاهب ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣ - ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٣.

(٧) هكذا قوله : « فقد أتلف ». والظاهر أنّ بدلها : « فهو تلف » أو « فقد تلف ».

١١٨

ولو هلك بعضه باحتراقٍ وغيره ، فهو تلف عين.

وللشافعيّة خلاف هنا مبنيّ على تلف سقف الدار المبيعة قبل القبض أنّه كالتعيّب أو تلف أحد العبدين؟(١) .

مسألة ٣٥٩ : قد ذكرنا أنّه إذا نقصت ماليّة المبيع بذهاب صفة مع بقاء عينه‌ - كهزال العبد ، أو نسيانه صنعةً ، أو كبره ، أو مرضه ، أو تغيّر عقله ، أو كان ثوباً فخَلِق - لم يمنع الرجوع ؛ لأنّ فقد الصفة لا يُخرجه عن كونه عين ماله ، لكن يأخذ العين بتمام الثمن ، أو يترك ويضرب مع الغرماء بالثمن ؛ لأنّ الثمن لا يتقسّط على صفة السلعة من سمن أو هزال أو علمٍ فيصير كنقصه ؛ لتغيّر السعر.

ولو كان المبيع أمةً ثيّباً فوطئها المشتري ولم تحمل ، فله الرجوع ؛ لأنّها لم تنقص في ذات ولا صفة.

وإن كانت بكراً ، فكذلك عندنا وعند الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٢) ؛ لأنّ الذاهب صفة ، لا عين ولا جزء عين.

وفي الأُخرى : لا يرجع ؛ لأنّه أذهب منها جزءاً ، فأشبه ما لو فقأ عينها(٣) . وعنده أنّ فوات الجزء مبطل للرجوع(٤) .

مسألة ٣٦٠ : لو كان المبيع عبداً فجرح ، كان له الرجوعُ فيه عندنا‌ وعند الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين(٥) ؛ لأنّه فقد صفة ، فأشبه نسيان الصنعة وخلق الثوب.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩٣.

(٢ و ٣) المغني ٤ : ٤٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٨.

(٤) المغني ٤ : ٤٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١١.

(٥) المغني ٤ : ٥٠٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٩.

١١٩

وفي الأُخرى : لا يرجع ؛ لأنّه ذهب جزء ينقص به الثمن ، فأشبه ما لو فُقئت عين العبد. ولأنّه ذهب من العين جزء له بدل ، فمنع الرجوع ، كما لو قُطعت يد العبد. ولأنّه لو كان نقص صفةٍ ، لم يكن للبائع مع الرجوع بها شي‌ء سواه ، كما في هزال العبد ونسيان الصنعة ، وهنا بخلافه. ولأنّ الرجوع في المحلّ المنصوص عليه يقطع النزاع ، ويزيل المعاملة بينهما ، ولا يثبت في محلٍّ لا يحصل منه هذا المقصود(١) .

ونمنع ذهاب الجزء. سلّمنا ، لكن نمنع صلاحيّته للمنع من الرجوع في العين.

إذا عرفت أنّ له الرجوعَ في العين ، فليُنظر إلى الجرح ، فإن لم يكن له أرش - كالحاصل من فعله تعالى أو فعل بهيمة أو فعل المشتري أو جناية عبده أو جناية العبد على نفسه - فليس له مع الرجوع أرش.

وإن أوجب أرشاً - كجناية الأجنبيّ - فللبائع إذا رجع أن يضرب مع الغرماء بحصّة ما نقص من الثمن ، فينظر كم نقص من قيمته؟ فيرجع بقسط ذلك من الثمن ؛ لأنّه مضمون على المشتري للبائع بالثمن.

لا يقال : هلّا جعلتم له الأرش الذي وجب على الأجنبيّ؟

لأنّا نقول : لـمّا أتلفه الأجنبيّ صار مضموناً بإتلافه للمفلس ، وكان الأرش له ، وهو مضمون على المفلس للبائع بالثمن ، فلا يجوز أن يضمنه بالأرش ، وإذا لم يتلفه أجنبيّ ، فلم يكن مضموناً ، فلم يجب بفواته شي‌ء.

لا يقال : هلّا كان هذا الأرش للمشتري ككسبه لا يضمنه للبائع؟

لأنّا نقول : الكسب بدل منافعه ، ومنافعه مملوكة للمشتري بغير‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٥٠٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٥١٩.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466