رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور12%

رحلتي من الظلمات إلى النّور مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 466

رحلتي من الظلمات إلى النّور
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 233471 / تحميل: 8000
الحجم الحجم الحجم
رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

١٥ ـ السيد جون فنيزات :

الكاتب الانجليزي السيد جون فينزات ، يقول : « محمد اعظم اولئك الذين يطلبون الخير للانسان ، وظهور محمد دلالة علىٰ احد اكمل العقول في جميع العالم ».

الىٰ هنا استمعتم الىٰ اعترافات بعض اكبر فلاسفة الشرق والغرب ، حول نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله ودينه المقدّس وقرآنه المجيد.

وان جميع كل ما قاله العلماء والمثقفون في حقّه يحتاج الىٰ مجال اوسع من الوقت.

مثل ما اعترف به السيد باير(١) ، والدكتور ماركسي فلومانس الامريكي واستاذ جامعة واشنطن(٢) المستشرق الالماني المعروف نولد(٣) ، والسيد جول لابوم ، العالم الفرنسي الذي كتب فهرساً لمواضيع القرآن بالفرنسية ، وسائر العلماء الذين تحدثوا عن نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله والقرآن الكريم.

ومن خلال نقل هذا الموجز من الاعترافات التي ذكرناها عن علماء ومستشرقي الشرق والغرب ، يتضح جلياً بانّه ليست قلوب المسلمين في الشرق هي الوحيدة المفعمة بحب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل هناك اُناس في قلب اوروبا المادية وامريكا الغارقة في زخارف الدنيا ، وصلهم شعاع من عظمة هذا الرسول الكريم

________________

(١) Bair

(٢) Washington

(٣) Nuldt

١٤١

فاتجهوا نحوه بقلوبهم ، علىٰ الرغم من سلطة البابوات والقساوسة وحراب الدول الاستعمارية ، وبالرغم من البيئة التي يعيشون فيها والمتطورة من الناحية المادية ، بحيث انهم لو كانوا غير مطلعين علىٰ تلك القوة الخلاقة وكيفية توالدهم وتناسلهم وتكوينهم ، لإدعوا الربوبية.

في تلك المجتمعات ، لو زرت المحافل العلمية لكبار العلماء ، لعرفت ان رجالاً كثيرون من اهل العلم والمعرفة ممن يحضون بأحترام الناس في جميع العالم ، يعشقون نبي الاسلام ، ذلك الرجل الاُمّي الذي كان يعيش ، قبل الف واربعمائة سنة في عالم مظلم وبين جاهلية لا توصف علىٰ رمال الحجاز.

لو وددتّم أيّها السادة المحترمون مزيد من الاطلاع علىٰ ما قاله كبار علماء اوروبا فيما يتعلق بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليكم بالرجوع الىٰ كتاب « محمد من منظار الآخرين ».

١٤٢

البحث في بعض قوانين الاسلام

الدكتور : ايها الشيخ ، الاعترافات التي نقلتها لنا عن كبار علماء الشرق والغرب حول نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله والقرآن وقوانينه ، قيمة ومهمة جداً ، ومع ذلك يبقىٰ هناك سؤال ، هو : مع ان هؤلاء العلماء والمستشرقين لم يكونوا مسلمين ومن اتباع نبي الاسلام ، فما هو سبب اعترافاتهم تلك ؟!

الشيخ : اهم موضوع ، جعل دنيا العلم تركع امام نبي الاسلام ، هو القوانين المحيرة التي جاء بها ذلك الرجل العظيم من قبل الله للمظلومين في العالم.

وكيف لا يركع كبار علماء الشرق والغرب أمام نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو الذي جاء بقوانين من قبل الله لضمان سعادة البشر في مختلف المجالات ، فيما عجز الآخرون عن الاتيان بمثلها ، علىٰ الرغم من انه كان يعيش في عصر مظلم قبل أربعمة عشر قرناً في صحراء الحجاز وهو الاُمي الذي لم يدرس كلمة واحدة.

ولو اردنا البحث في هذا الامر بشكل علمي وعميق ، ودراسة قوانين الاسلام ومن ثم مقارنتها بقوانين سائر العالم ، فسوف يطول بنا الحديث فيما وقت سفرنا قصير لا يسع ذلك ، ولكن من اجل ان نعرف قيمة الدين الذي نتشرف ونفتخر باتباعه ، سنبحث في عموميات وكليات بعض قوانين الدين ، ولكي يتضح ايضاً ، ان اعتراف الشخصيات العلمية الكبيرة في العالم بما يتعلق

١٤٣

بالرسول والرسالة هو نتيجة لمشاهدة هذه الالتفاتات العلمية الظريفة الموجودة في تلك القوانين التي جاء بها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

المساواة في القانون

من خصوصيات الاسلام ، المساواة بين جميع الناس في القانون ، فالاسلام يرىٰ الجميع متساوين امام القانون ، ولا يرىٰ لأحد ميزة علىٰ آخر.

والقانون في الجهاز الديني يحكم الجميع بنحو واحد وبمنتهىٰ القوة ، وفي هذا الصدد يقول القرآن الكريم :

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) (١) .

اصدقائي الاعزاء !

في ذلك العصر الذي كانت فيه الحروب العرقية والطبقية منتشرة بشدة في جميع انحاء العالم ، في ذلك العصر الذي كان فيه السود والفقراء فاقدين لجميع الحقوق الاجتماعية والفردية ، اعلن نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله المساواة التامة بين جميع البشر قانونياً من خلال ندائه السماوي الذي جاء به ، والغىٰ جميع الفوارق الوهمية التي أوجدت فوارق عميقة ورهيبة بين الناس ، واعلن امام غرور اهل الجزيرة العربية بصراحة :

________________

(١) سورة الحجرات : ١٣.

١٤٤

« لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض علىٰ أسود إلّا بالتقوىٰ ».

لقد بعث رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله في الضعفاء والفقراء والسود الحياة من جديد وجعلهم يتحركون في الحياة جنباً الىٰ جنب مع البيض والاقوياء والاغنياء.

وقد خطىٰ نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله خطوات واسعة ومهمة في مجال المساواة بين جميع الناس امام القانون ، ليس في ما مضى فقط ، بل لا زالت تلك القوانين على درجة كبيرة من الاهمية والقيمة والاحترام إلى اليوم.

أو ليس غريباً ؟! ان الفئات المحرومة في المجتمع ، والاشخاص الذين كانوا لا يملكون شيئاً من انفسهم امام رئيس القبيلة ، وكان عليهم ان يفتدوه بأرواحهم فضلاً عن اموالهم ، اصبحت بعد ان أنار الاسلام عقولها وبعث الحياة في جسدها ، ترد على صفعة رئيس القبيلة بصفعة مماثلة لها ، وتقتص لنفسها منه ، لقد استطاعت تلك الانامل الضعيفة بالمساواة التي طرحها الاسلام ان تلامس خدّ رئيس القبيلة الذي كان مالك الرقاب السابق ؟!

ان المساواة التي يطرحها الاسلام بين الناس امام القانون ، قوية وثابتة بشكل لا يستثنىٰ منها اي مقام ومسؤول او اية قوة.

ملك آل جفنة في قبضة القانون

كان جبلة بن الايهم ( الغساني ) من ملوك آل جفنة ، وقد اختار الاسلام ، وأراد ان يزور الخليفة آنذاك ، فتحرك نحو المدينة مع كوكبة من حاشيته ومعهم

١٤٥

خمسمائة حارس مدجج بالسلاح لحمايته والسير بين يديه.

وعندما قاربوا المدينة ارسلوا رسولاً يخبر الخليفة بقدومهم ، فخرج الخليفة في استقبالهم واكرمهم ، ودخلت قافلة جبلة المجلّلة المدينة وأهلها لا يعيرونهم أهمية ، بينما رجال القافلة مدججون بالسلاح ويرتدون افضل الملابس والمجوهرات.

وبعد ايام من دخولهم المدينة حان وقت الحج فخرجوا مع الخليفة الى مكة ، وكانت قافلتهم تحضىٰ بأحترام المسلمين اين ما حلّوا في الطريق حتىٰ وصلوا مكة.

لا بدّ ان يصفع ملك آل جفنة

وفي مكة وقع حادث جعل جبلة ملك آل جفنة يبتعد عن الاسلام ويرتد الىٰ النصرانية بعد ان كان مسلماً ، والحادث بشكل مختصر :

داس رجل عربي من قبيلة بني فزار برجله وهو لا يعلم ذيل حُلة جبلة التي كانت تخط وراءه الأرض وهو يطوف الكعبة(١) ، فغضب جبلة لذلك ، فأمسك بأنف الرجل وضغط عليه ، فتألم الرجل كثيراً ، فيما يذكر بعض المؤرخين انه صفعه علىٰ وجهه ، فسكت الرجل مضطراً وهو يرىٰ تلك المجموعة الكبيرة من الحرس مع جبلة اين ما يتحرك حتىٰ في طواف الكعبة.

________________

(١) كان طول الحلّة وجرّ الذيل في ذلك العصر وبين العرب ، من علامات الاشراف والترف ، وقد حكم عليها الاسلام بالكراهية.

١٤٦

لكن عدم امتلاك قوة لا يعني الضعف في حكومة العدل والقانون ، لأن المظلوم يعلم جيداً ان هناك يد القانون القوية هي التي تدافع عنه وتحميه.

وعندما وجد ذلك الرجل نفسه مظلوماً ومعتدىٰ عليه من قبل جبلة ، اشتكىٰ عند الخليفة استناداً الىٰ عدل الاسلام ، واخبر الخليفة بما جرىٰ.

وبعد ان سمع الحاكم ( الخليفة ) شكوىٰ الرجل ، احضر جبلة علىٰ الفور ، وسأله عمّا حدث.

ومقابل سؤال الحاكم ، أجاب جبلة بصراحة بأنه فعل ذلك ، وقال : لولا حرمة الكعبة لعاقبته بالسيف ! لأنه اعتدى عليّ.

وبعد ان اسمتع الحاكم الىٰ جواب جبلة ، قال : لقد تعديت يا جبلة علىٰ الرجل وهو مظلوم وانت تعترف بذلك ، واستناداً للقانون يجب ان ترضى الرجل منك ، او تستعد للقصاص.

لكن جبلة الذي لم يفهم علىٰ الظاهر معنىٰ القصاص ، تساءل : وكيف يقتص هذا الرجل مني ؟

فقال الخليفة : كما صفعته او ظغطت علىٰ انفه وآلمته ، يجب ان يصفعك او يضغط علىٰ انفك.

كاد جبلة ان يطير عقله بعد سماعه ذلك الكلام ، وتساءل متعجباً : كيف يمكن لهذا الرجل ان يصفعني وانا ملك آل جفنة القوي ، فيما هو رجل عادي من المسلمين.

١٤٧

فقال له الخليفة : ان الاسلام جمعك وايّاه وليس لك فضل عليه الّا بالتقوىٰ.

والاسلام لا يفرق بينك مع قوتك وهذا الرجل البسيط ، فالجميع متساوون امام قانون الاسلام.

فقال جبلة : كنت اتصوّر ان تزداد عزّتي ويزيد جلالي بالاسلام ، وتزيد كذلك سلطتي علىٰ اتباعي ورعاياي.

فقال له الخليفة : جبلة! لا تتحدث عبثاً ، فالجميع متساوون امام القانون.

وبعد ان شاهد جبلة هذه الصراحة ، طلب من الخليفة ان يمهلهه الليلة كي يتأمّل في الامر اكثر ، ويرضي الرجل من نفسه ، او ان يقول الرجل بالقصاص منه.

فوافق الخليفة علىٰ طلب جبلة ( طبعاً بعد ان اخذ موافقة الرجل ) ، لكن جبلة لم يشاهد بعد تلك الليلة ، لانّه فرّ ومن معه ليلاً من يد القانون ، واتّجه مباشرة الىٰ القسطنطنية عند هرقل ملك الروم ، وارتد الىٰ النصرانية(١) .

وهذه القصة التاريخية نموذج علىٰ المساواة التي طرحها الاسلام ، وهو ما حدث قبل اربعة عشر قرناً في ذلك العصر المظلم.

________________

(١) شرح نهج البلاغة للخوئي.

١٤٨

نماذج علىٰ التمايز العرقي في الغرب

اصدقائي الاعزاء !

هل يوجد في جميع العالم الغربي الذي اصمّ البشرية نداءهم بالمساواة. وهل يمكن ان نشاهد مثل ذلك النموذج العملي للمساواة في قلب تلك الدول ؟ وهل يمكن لفرّاش بسيط ان يقتص من رئيس جمهورية الولايات المتحدة الظالم ، اذا ما حصل عليه اعتداء من قبل ذلك المتجبرّ ؟ أ يستطيع ان يقتص منه ويصفعه ، مثل ما حدث في تلك القصة التاريخية ؟!

أيّها السادة المحترمون !

بين القول والعمل مسافة شاسعة ، لقد مضت سنوات طويلة ونحن نسمع بتساوي الاسود والابيض في جميع انحاء الغرب ، وقاموا بنشاطات عديدة لرفع التمايزات العرقية ، كما حدثت حروب دموية لألغاء التمايز بين السود والبيض في الغرب ، ومثال ذلك حرب الشمال والجنوب في الولايات الامريكية حيث كان الشمال يدعو لتحرير الرق ، فيما كان الجنوب يصرّ علىٰ بقاءه ، وقد استمرت تلك الحرب اربعة سنوات وقتل فيها من الشماليين ما يقرب مليون شخص ، فيما قدم الجنوبيون ٢٥٨ الف قتيل ، ما عدىٰ ٣٦٠ ألف جريح والدمار

١٤٩

الواسع الذي حدث نتيجة لتلك الحرب(١) .

ومع كل النشاطات التي في هذا المجال ، لا زال التمايز العنصري موجوداً في الولايات المتحدة الامريكية ! ولا زال السود المساكين لا يستطيعون دخول الفنادق المخصصة للبيض بطمائنينة ، او الدخول الى القطار المخصص للبيض ، ولا زال زواج الأبيض بالسوداء او العكس يعتبر عملاً دنيئاً ، ومن العار للأسر البيضاء ان يتزوج احد من افرادها او اقرباءها من السود المساكين ، ولا زالت فنادق البيض مفصولة عن فنادق السود هناك !

تحدثت بعض الصحف مؤخراً ان احدىٰ الشخصيات الافريقية المعروفة كان ينوي السفر الىٰ الولايات المتحدة ، فحجز بالهاتف قبل ايام من سفره غرفاً له ولرفاقه في احد الفنادق الامريكية المعروفة ، لكنه بعد ان وصل من المطار الىٰ الفندق المذكور وعرّف نفسه لمدير الفندق وطلب منه مفاتيح الغرف التي حجزها من قبل ، اجابه المدير بصراحة : هذا الفندق خاص بالبيض ، ولا يسمح لكم بدخوله لأنكم من السود !

ولا زالت هناك قطارات في امريكا ( تلك التي تتحرك بين مسافات طويلة ) فيها شرطة مسؤوليتهم المحافظة على النظام والحيلولة دون وقوع مشاجرات بين البيض والسود ، الذين يحدد لكل منهم اماكن خاصة ، لكن وعلىٰ الرغم من وجود الشرطة ، فأنه غالباً ما تقع مشاجرات دموية بين السود والبيض. وقبل مدة شاهدت في احدىٰ صحف طهران المسائية صورة لطفلين

________________

(١) تاريخ الولايات المتحدة الامريكية ، تأليف : الان نوينز وهنري ستيل كاماجر ، ترجمة : الدكتور محسن راهنما.

١٥٠

ابيض واسود ، وقرأت التعليق العجيب والمهم جداً تحت الصورة وهو : « الاطفال البيض والسود يدرسون في مدرسة واحدة جنباً الىٰ جنب » !

أليس عجباً ، ان تعتبر الدول الغربية دراسة الاطفال البيض والسود في مدرسة واحدة ، احدىٰ مفاخرها الاجتماعية ! وهذا غيث من فيض للحالة المأساوية التي يعيشها السود في امريكا والدول الاوروبية ، وأليس عجيباً ان لا يدرك البيض الامريكان والاوروبيون تلك الحقيقة وهي ان الاختلاف في اللون والعرف ليس دليلاً علىٰ الفضيلة والتفوق !

لكن مجرد اللون لا يعد سبباً للاستضعاف والحرمان في الاسلام ، فالمسلم الابيض يعمل جنباً الىٰ جنب مع اخيه الاسود في جميع المجامع الدينية سواءاً في القديم او اليوم ، ولا يشعر بأي انزعاج او ضجر ، وهم متساوون في الحقوق الاجتماعية وجميع شؤون الحياة ، يتزوجون منهم ويزوجونهم و كما ان الحكومة الاسلامية تستطيع ان تعطي اكبر المناصب السياسية او الدينية الىٰ السود علىٰ اساس الكفاءة ، وهو ما نملك عنه نماذج عديدة في تاريخ الاسلام ، وهذهِ من الامثلة علىٰ المساواة في الاسلام الذي جاء به النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل الف واربعمائة سنة ، في حين ان عصر الذرّة اليوم لا زال يحلم بذلك.

١٥١

المساواة الاسلامية من منظار علماء اوروبا

يقول الدكتور غوستاف لوبون ، العالم الفرنسي الشهير في كتابه « حضارة الاسلام والعرب » :

« المساواة بين المسلمين علىٰ اكمل وجهها ، تلك المساواة التي يتحدّث عنها الاوروبيون جميعاً بشوق وحرارة ولا نجدها إلّا في طيات الكتب ، نجدها عملياً بين المسلمين ، وقد أصبحت من الأعراف الشرقية ، فالتمايزات الشديدة التي حدثت بين الفئات والطبقات في اوروبا اثر الثورة الصناعية والتي ستشهدها ثورات اكثر دموية اخرىٰ. غير موجودة بين المسلمين ، فالخادم والمرافق يستطيع ان يتزوج ابنة سيده دون ممانعة ومشكلة(١) ».

ويقول السيد لوبلاي(٢) حوال المساواة في الاسلام :

«الانظمة المطبقة فيما يتعلق بالكادحين والعمال ونتائجها السيئة التي ظهرت في اوروبا ، لا يزال المسلمون مصانون منها ، فلا زالت تسودهم انظمة اساسية تصلح بين الغني والفقير والسيد والعبد ، وتجعلهم قريبون من بعضهم ، مثل صلاة الجماعة والمسجد والحج ، ويكفي القول ان بعض الدول الاوروبية المتسلّطة التي ترىٰ ان تتعلّم منها تلك الدول ( الاسلامية ) الكثير ، عليها هي

________________

(١) يفهم من هذا الكلام ان التمايز الطبقي في اوروبا وصل الىٰ حدّ يتعجب فيه الدكتور غوستاف لوبون من زواج المرافق والخادم من ابنة سيده ، ويعتبر ذلك حدثاً غير عادياً.

٢ ـ Mu. le.play

١٥٢

ان تتعلّم منهم دروساً كثيرة ( مثل المساواة ).

والحقيقة ان نموذج الحكومة الديمقراطية « حكم الشعب » يعمل به في الاسلام بأحسن وجه ، لانه ومع وجود خليفة مقتدر فأن الجميع متساوون امام القانون وليس هناك وضيع أو شريف أو غني أو فقير ، والحقوق تراعىٰ بالكامل ، لقد الغىٰ الاسلام التمايزات العائلية والطبقية والقبلية والقومية ، وقال بأن جميع المسلمين متساوون واُخوة امام الاسلام ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

أجل ، لم يساوي الدين الاسلامي المقدس بين المسلمين من قبل فقط من الناحية القانونية ، بل لو اسلم قوم في اقصىٰ نقاط الدنيا وكانوا من اكثر الناس تخلفاً ، فأنهم ومنذ لحظة اسلامهم يصبحون اخوة لسائر المسلمين ومتساوون معهم في الحقوق والواجبات ولا يحق للحكومة الاسلامية ان تعتدي عليهم او تهاجمهم ».

يقول الدكتور غوستاف لوبون في هذا الصدد :

«لم يكن العرب يستطيعون الضغط علىٰ مختلف الاقوم في البلاد التي فتحوها ، لإن اولئك الناس دخلوا الاسلام وقبلوا احكامه وقوانينه برضىًٰ وارادة ، وجميع المسلمين ( من اي قوم كانوا ) متساوون واخوة برأي الحكومة الاسلامية وهذه الاخوة والمساواة مبينة على اساس احكام القرآن ، الذي لا يستطيع الفاتحون العرب تغيره ، وبذلك اتحد الغالب والمغلوب وشكلوا امة قوية كبيرة ، وقد استمرت هذهِ الوحدة وهذا الاتحاد علىٰ مدىٰ حكم العرب وخلافتهم ».

١٥٣

مسألة الرّق وحلولها

تطرّقنا الىٰ مسألة التمايز العرقي ونفي هذا النوع من التفوق والافضلية بين البشر من الناحية القانونية ، وقد يتساءل البعض ، اذن ما هي قصة « العبد والجارية » التي يعترف بها الاسلام رسمياً ؟

وفي جواب ذلك السؤال ، نقول ان الحقيقة خلاف ذلك ، فالاسلام لم يقرّ مسألة الرّق ، بل وضع لها حلّاً تدريجياً وسريعاً ومن عدّة طرق.

وبسبب سعة الموضوع وعدم امكانية شرحه بشكل كافي من جهة ، ولأهميته من جهة اخرىٰ ، فأننا سنتعرض له بشكل سريع ومختصر.

١ ـ لم يأت الاسلام بالرّق ، بل وجده حقيقة واقعة في المجتمع الذي نزل فيه ، اذن ، لا علاقة لأصل المسألة بالاسلام.

٢ ـ لم يكن باستطاعة الاسلام ، كما لم يكن عملياً اساساً ، نفي الرّق بشكل كامل ابتداءً ، بسبب ترسخه في ذلك المجتمع ، ولانه ليست هناك ثورة استطاعت تطبيق جميع اهدافها بمجرد الاعلان عن نفسها مباشرةً ، ويجب ان لا ننسىٰ الحقيقة العلمية التي تقول ان التغير النوعي لا يحدث الّا بعد طي مراحل كميّة.

فإذا لم تكن هناك مراحل كمية ، يكون الأمر تطرفاً ولربما يواجه ردود فعل حادة أيضاً ، مما يعرّض « أصل الدين » الىٰ خطر حقيقي ، ولأثبات هذه

١٥٤

الحقيقة يكفي ان نشير الىٰ قرار ألغاء الرّق في أمريكا الذي أعلنه ابراهام لينكولن ، رئيس الجمهورية سنة ١٨١٦ ، والذي ادىٰ الىٰ وقوع الحرب الاهلية بين الشمال والجنوب والمآسي التي تعرضت لها ولايات الشمال والجنوب علىٰ السواء ، ( كان الجنوب يعارض الغاء الرّق بسبب دورهم في الانتاج الزراعي هناك(١) فلم تكن ولايات الجنوب متطورة مثل ولايات الشمالي كي تستبدل العبيد بالآلات الصناعية في الانتاج ).

أو الاصلاح الذي حدث في جنوب فيتنام الشمالية علىٰ يد حكومة « هانوي » و « فيت مين » ولأنها كانت مستعجلة وبدون طي مراحل كميّة ، ادت الىٰ مقتل عشرة آلاف شخص(٢) الىٰ ان تدخل « هوشه مينه » شخصياً وانهىٰ المسألة.

والآن ، مع الأخذ بالعديد من الحقائق التاريخية والعلمية ، ومع الأخذ أيضاً بدور الرّق ، المهم والاساسي في المجالات الانتاجية والخدماتية في مجتمع الجزيرة العربية قبل اربعة عشر قرناً ، أليس من البساطة ان يقول شخص : « لماذا لم يلغي الاسلام منذ الوهلة الاولىٰ الرّق ، ولم يمنعه تماماً ؟! » فهل كان هذا الامر عملياً وممكناً اساساً ؟! وهل توجد في تاريخ العالم ايديولوجية ثورية استطاعة تطبيق جميع اهدافها بعد انتصارها مباشرةً ، حتىٰ يكون الاسلام ثانيها ؟!

٣ ـ لقد تحدث القرآن في ستة اماكن عن « حرية العبد » وقد اوصىٰ او امر

________________

(١) من اجل معلومات اُخرى في الموضوع ، راجع :

تاريخ الولايات المتحدة الامريكية ، تأليف : الان نوينز وهنري ستيل كاماجر.

(٢) يمكن الرجوع في ذلك الىٰ كتاب « حياة هوشي مينه ».

١٥٥

به(١) في حين انّه لا نجد فيه ما يقول بأخذ الرق او « الاستبعاد » بتاتاً.

٤ ـ وضع الاسلام طرقاً « تدريجية » او مرحلية ولكن مؤثرة وحاسمة لحل مسألة الرّق ونفيها بشكل كامل ، وهي كثيرة جداً ، منها :

أ ـ العقود الثنائية بين المالك والمملوك ، مثل « المكاتبة » او « التدبير » والذي ينتهي الىٰ عتق العبيد ، وقد اقرّها الاسلام ( خاصة الدور الذي تلعبه الحكومة الاسلامية في هذا الصدد ، من خلال مساعدتها للرّق مالياً من اجل تحريرهم ).

ب ـ هناك بعض الذنوب ، اشترط الاسلام تحرير العبيد للتكفير عنها. ( الكفارات ).

ج ـ يصرف قسم من ميزانية الدولة ( الزكاة ) لشراء العبيد من قبل الحكومة وعتقهم ، وقد امر القرآن بذلك.

د ـ وفي النهاية ، جاء في بعض الروايات الاسلامية ، انه لو كان احد المسلمين يمتلك عبداً ( غلاماً او جارية ) ولم تشمله الطرق التي ذكرناها اعلاه لكي يعتق ، فأنه يعتق بعد ثلاثة سنوات ( قبل المالك او لم يقبل ). هذا بالاضافة الىٰ التوصيات والتأكيدات الكثيرة التي وصىٰ بها الاسلام وأمر بها لتحرير العبيد من الغلمان والجواري ، خاصة وصاياه في الزواج من الجواري لان الزواج منهن كان مساوياً الىٰ حدّ ما بتحريرهن ، لانه كان عليهم ان يعتقوهن اولاً ومن ثم الزواج منهنّ.

________________

(١) راجع القرآن الكريم : سورة النساء الآية ٩٢ ، وسورة المائدة الآية ٨٩ ، وسورة المجادلة ، الآية ٣ ومن ثم الآية ١٣ من نفس السورة.

١٥٦

٥ ـ في الفترة التاريخية ما بين ظهور الاسلام وحتىٰ تهيئة الارضية لألغاءه ، اوصىٰ الاسلام واكد كثيراً علىٰ حسن معاملتهم ومراعاة الانصاف والعدل والمساواة معهم ، للحد الذي قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « واطعموهم مما تطعمون وألبسوهم مما تلبسون » لكي يشعروا أنهم جزءاً من الاسرة التي يعيشون معها ولهم حقوقهم وامتيازاتهم فيها.

٦ ـ ذمّ الاسلام كثيراً ، عمل « بيع العبيد » ، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « شرّ الناس من باع الناس » كما ان هناك روايات كثيرة بهذا المعنىٰ.

٧ ـ أمّا فلسفة وجود بعض الغلمان والجواري في بيوت الائمة المعصومين ، فهو امران :

الاول : كان الائمة يريدون من ذلك تقديم نموذج عملي لحسن معاملة الغلمان والجواري والاحسان اليهم والانصاف معهم والمساواة ، بل كانوا بعض الاحيان يقدمونهم علىٰ انفسهم ، لكي يتعلم المسلمون عملياً كيفية التعامل مع العبيد ما داموا في بيوت اسيادهم غير معتقين. والشاهد على ذلك تاريخ حياة « فضّة » بعنوان جارية في بيت فاطمةعليها‌السلام .

كانت بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تقسم عمل البيت يومياً من الطحن بالرحىٰ وعمل العجين والخبز والعناية بالاطفال مع فضّة ، ولم يكن للزهراءعليها‌السلام اي ميّزة في البيت.

الثاني : كانوا يعلّمون الآخرين كيف يشترون العبيد ( ويخرجوهم من حالة مجرد « بضاعة » تدار في السوق ) ويعتقونهم مباشرة أو بعد فترة قصيرة في المناسبات المختلفة ، مثل عيدي الفطر والاضحىٰ وامثالها ، بشكل جماعي او

١٥٧

فرادىٰ ، ويخلصوهم بذلك من حياة العبودية ، وهذا ما كان يفعله الائمة لكي يعلموا الناس ذلك.

٨ ـ تجدر الاشارة الىٰ ان الفصل الذي تبحث فيه المسائل المتعلقة بالرّق في الفقه الاسلامي ، يسمى كتاب « العتق » وهو دليل علىٰ سياسة الاسلام العامة فيما يتعلق بالرّق.

ومع الأخذ بالمسائل التي طرحناها بصورة سريعة هنا ، فيما يتعلق بالرّق ، يتضح جلياً ، انه لم يكن ممكناً للاسلام فقط الاطاحة بنظام ظالم مثل الرّق الذي كان متأصلاً في مجتمع ذلك اليوم دفعة واحدة ، بل هو غير ممكن من الناحيتين العلمية والثورية أيضاً ، ومع ذلك فقد وظف هذا الدين السماوي جميع امكانياته واستخذم جميع الطرق والاساليب لمحو هذا العار من جبين البشرية ولكي يقتلعه من الاساس في المجتمع ، وهو العمل الذي نجح فيه الاسلام بأتم وجه.

وفي ختام هذا البحث ، لابد من الاشارة الىٰ هذه الاشكالية وهي : لماذا يجيز الاسلام استخدام اسرىٰ الحرب بعنوان عبيد في بعض الاحيان ؟ ومن اجل فهم هذا السؤال جيداً ، يجب الالتفات الىٰ ان الاسلام لم يكن يملك الا سبيلاً واحداً من بين عدة سبل ، فيما يتعلق بأسرىٰ الحرب :

١ ـ السبيل الاول هو اطلاق سراح جميع اسرىٰ الحرب ، وفي هذه الحالة تواجه الامة الاسلامية مشكلتين :

الاُولى : ان هؤلاء الاسرىٰ الذين اطلق سراحهم هم من اعداء الاسلام وسيعودون مباشرة الىٰ صفوف الكافر بعد اطلاق سراحهم ، وسيقفون ثانية في

١٥٨

الجبهة المواجهة للأسلام.

أمّا المشكلة الثانية : هي ان اطلاق سراح الاسرىٰ يكون من جانب المسلمين فقط وبما ان الكفار لا يطلقون سراح اسرىٰ المسلمين ففي حال تبادل الاسرىٰ. لا يكون بأيدي المسلمين ما يبادلونه بأسراهم.

٢ ـ ابادة جميع اسرىٰ الكفار ، وهذا العمل ، اولاً ، غير صحيح في الحالة العادية وليس انسانياً ابداً وثانياً ، سيؤدي الىٰ ان يقوم الكفار بالمثل ويقتلون جميع اسرىٰ المسلمين.

٣ ـ سجن اسرىٰ الحرب ، وهذا الفرض يستلزم اولاً ، اهدار قوة بشرية كبيرة في السجون ، وثانياً ، تحميل الدولة الاسلامية مصاريف باهضة اقتصادياً وانسانياً وامنياً.

٤ ـ استبعاد هؤلاء والاستفادة منهم في العمل ، وهو الحلّ المنطقي والصحيح الوحيد الذي كان للاسلام ، لانه وبهذا العمل ، اولاً ، يستخدم بشكل جيد قوىٰ الاسرىٰ ويوظفها في مجالات الانتاج والخدمات وفي المجالات الثقافية احياناً.

وثانياً ، تعتبر البيئة الاسلامية ( وكما حدث بالفعل ) مركز تأهيل وتربية بالنسبة لهؤلاء الاسرىٰ ، لكي يتعرفوا علىٰ نظام العدل الاسلامي واحكامه وقوانينه الانسانية ، وثالثاً ، كانوا يعتبرون رهائن بيد المسلمين لمبادلتهم في اللحظة المناسبة بأسرىٰ المسلمين الذي وقعوا بيد الكفار.

١٥٩

النظام الاقتصادي الاسلامي

وهنا أجد من الضروري الحديث عن المذهب الاقتصادي في الاسلام وطريقته في توزيع الدخل والموارد والثروات الطبيعية ، ولأن هذا البحث يحتاج الىٰ دراسة موسعة ودقيقة ، فسأكتفي بالاشارة الىٰ بعض النقاط فيما يتعلق به :

١ ـ النظام الاقتصادي الاسلامي غير طبقي وهو لا يعرف التمايز بين الاشخاص اساساً.

٢ _ يرىٰ الاسلام ان الاصالة « للعمل » فقط ، ويصرّح :

( وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ) (١)

ومع ذلك فإذا كانت نتيجة العمل هي جمع المال وكنزه ، فالاسلام لم يجز ذلك أيضاً ، وقد أمر بانفاقه في سبيل الله ، قال تعالى :

( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) (٢) .

٣ ـ الهدف من الانفاق في الاسلام هو ملء الفراغ الطبقي ، او حسب تعبير الروايات « لكي يستغني الفقير » وتصبح مستوياتهم المعيشية متقاربة ، وهو ما

________________

(١) سورة النجم : ٣٩.

(٢) سورة التوبة : ٣٤.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

مسائل حسن الطالع والحظ وعدمهما ، وما شابه ذلك ، فيرجعون كل الحوادث الحسنة أو المرّة إلى هذه الأمور. وكل ذلك بسبب الخوف من الأسباب الحقيقة لتلك الأمور.

والقرآن الكريم في الآيات المتقدمة يضع أصبع التحقيق على الأصل والمنبع ، ويبيّن أنواع العلاج وأسباب النصر والهزيمة فيقول : لأجل معرفة الأسباب الأصيلة لا يلزم البحث عنها في السماوات ولا في الأرضين ، ولا وراء الأوهام والخيال ، بل ينبغي البحث عنها في وجودكم وفكركم وأرواحكم وأخلاقكم ، وفي نظمكم والاجتماعية ، فإنّ كل ذلك كامن فيها.

فالشعوب التي فكّرت مليّا وحركت عقولها ووحدّت جموعها وتآخت فيما بينها ، وكانت قوية العزم والإرادة ، وقامت بالتضحية والفداء عند لزوم ذلك ، هذه الشعوب منتصرة حتما.

أمّا إذا حلّ الضعف والتخاذل والركود مكان العمل والسعي الحثيث ، وحلّ التراجع مكان الجرأة والنفاق والتفرقة مكان الاتحاد ، وحبّ النفس مكان الفداء ، وحل التظاهر والرياء محل الإخلاص والإيمان ، فيبدأ عند ذلك السقوط والبلاء.

وفي الحقيقة أنّ جملة :( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ) تبيّن أسمى قانون في حياة الإنسانية ، وتوضح أنّ مدرسة القرآن الكريم هي أكرم مدرسة فكرية لحياة المجتمعات الإنسانية ، وأوضحها حتى لأولئك الذين نسوا في عصر الفضاء والذرّة قيمة الإنسان ، وجعلوا حركة التأريخ مرتبطة بالمصانع والمعامل وقضايا الإقتصاد.

فهي تقول لهؤلاء : إنّكم في خطأ كبير إذا أخذتم بالمعلول وتركتم العلة الأصلية أو نسيتموها ، وتمسكتم بغصن واحد من شجرة كبيرة وتركتم أصولها.

ولئلا نمضي بعيدا ، فإنّ تأريخ الإسلام ، أو تأريخ حياة المسلمين ـ بتعبير أصح ـ قد شهد انتصارات باهرة في بداياته ، وانكسارات وهزائم مرّة صعبة

٤٦١

بعدها.

ففي القرون الأولى كان الإسلام يتقدم في العالم بسرعة ، ويبث في كل مكان منه أنوار العلم والحريّة ، ويبسط ظلاله على أقوام جدد بالثقافة والعلوم ، فكان ذا قدرة متحركة ومحركة وبنّاءة معا ، وجاء بمدينة زاهرة لم يشهد التاريخ مثلها ، ولم تمر بضعة قرون حتى أخذ الخمول يعطل تلك الحركة ، وأخذت الفرقة والتشتت والضعف والخور والتخلف مكان ذلك الرقي ، حتى بدأ المسلمون يمدون أيديهم إلى الآخرين طلبا لوسائل الحياة الابتدائية ، ويبعثون بأبنائهم إلى ديار الأجانب لأخذ الثقافة والعلم ، بينما كانت جامعات المسلمين يومئذ من أرقى جامعات العالم العلمية والمراكز التي تهوي إليها أفئدة الأصدقاء والأعداء ابتغاء المعرفة.

لكن الأمور بلغت حدا بحيث أنّهم لم يصدروا علما وصناعة ، بل استوردوا ما يحتاجونه من خارج بلدانهم.

وأرض فلسطين التي كانت يوما مركز مجد المسلمين وعظمتهم ولم يتمكن الصليبيون ـ لمدّة مائتي عام ـ برغم تقديمهم ملايين القتلى والجرحى من ابترازها من أيدي المقاتلين المسلمين. إلّا أنّهم أسلموها «اليوم» خلال ستة أيّام ببساطة ، في وقت كان عليهم أن يعقدوا المؤتمرات أشهرا وسنين لإرجاع شبر منها. ولا يعرف بعد هذا إلى أية نتيجة سيصلو؟

ألم يعد الله عباده بالقول :( وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) (1) أو قوله :( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) (2) .

أو قوله :( وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ ) (3) .

__________________

(1) الروم ، 47.

(2) المنافقون ، 8.

(3) الأنبياء ، 105.

٤٦٢

فهل الله عاجز ـ والعياذ بالله ـ من تحقيق وعوده؟! أو قد نسيها! أو غيّرها؟

وإذا لم يكن كذلك ، فلم ذهب كل ذلك المجد والعظمة والعزّة؟

إنّ القرآن الكريم يجيب ـ في آية قصيرة ـ على كل تلك التساؤلات ، ويدعو إلى العودة إلى أعماق الوجدان ، والنظر في ثنايا المجتمع ، فسترون أن التغيير يبدأ من أنفسكم ، وأنّ الألطاف والرحمة الإلهية تعم الجميع ، فأنتم الذين أذهبتم قدراتكم وطاقاتكم هدرا فصرتم إلى هذا الحال.

ولا تتكلم الآية عن الماضي فحسب ليقال : إنّ ما مضى قد مضى بما فيه من مرارة وحلاوة ، وانتهى ولن يعود ، والكلام عنه غير مجد وغير نافع. بل تتكلم الآية عن الحاضر والمستقبل أيضا ، فإنّكم إذا عدتم إلى الله وأحكمتم أسس إيمانكم ، ووعت عقولكم ، وذكرتم عهودكم ومسئولياتكم ، وتصافحت الأيدي بعضها مع بعض وتعالت الصرخات المدوّية للنهضة ، وبدأتم بالجهاد والفداء والسعي والعمل على كل صعيد ، فسوف تعود المياه إلى مجاريها ، وستنقضي الأيّام السود وترون أفقا مشرقا وضاء ، وستعود أمجادكم العظيمة ، في صورة أجلى وأكبر!

تعالوا لتبديل أحوالكم ، وليكتب علماؤكم ، ويجاهد مقاتلوكم ، ويسعى التجار والعمال ، ويقرأ شبابكم أكثر فأكثر ويطهروا أنفسهم وتزداد معارفهم ، ليتحرك دم جديد في عروق مجتمعكم فتتجلّى قدراتكم بشكل يعيد له أعداؤكم الأرض المحتلة التي لم يعد منه شبر واحد بالرغم من كل أنواع التذلل والرجاء والاستعطاف!! ومن الضروري أن نذكر هذه اللطيفة ، وهي أنّ القيادة ذات تأثير مهم في مصير الشعوب ، ولا ننسى أن الشعوب الواعية تختار لنفسها القيادة الحكيمة اللائقة ، أمّا القادة الضعاف أو المتكبرون أو الظالمون فيسحقهم غضب الشعوب وإرادتهم القوية ، ولا ينبغي أن ننسى أنّ ما وراء الأسباب والعوامل الظاهرية

٤٦٣

سلسلة من الإمدادات الغيبية تنتظر المؤمنين والمخلصين ، لكنّها لا ينالها كل أحد جزافا ، بل لا بدّ من الاستعداد والجدارة!

ونختتم هذا الموضوع بذكر روايتين.

الأولى : ما ورد عن الإمام الصّادق في هذا الشأن إذ قالعليه‌السلام «ما أنعم الله على عبد بنعمة فسلبها إياه حتى يذنب ذنبا يستحقق بذلك السلب»(1) .

والثّانية : ما نقرؤه في حديث آخر لهعليه‌السلام : «إنّ الله عزوجل بعث نبيا من أنبيائه إلى قومه وأوحى إليه أن قل لقومك : إنّه ليس من أهل قرية ولا ناس كانوا على طاعتي فأصابهم فيها سراء ، فتحولوا عمّا أحبّ إلى ما أكره إلّا تحولت لهم عمّا يحبّون إلى ما يكرهون. وليس من أهل قرية ولا أهل بيت كانوا على معصيتي فأصابهم فيها ضراء فتحولوا عمّا أكره إلى ما أحبّ إلّا تحولت لهم عمّا يكرهون إلى ما يحبّون».

والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

2 ـ لا جبر في العاقبة ولا جبر في التأريخ ، ولا في سائر الأمور

والموضوع المهم الآخر الذي يستفاد من هذه الآيات بوضوح ، هو أنّه ليس للإنسان مصير خاص قد تعين من قبل ، ولا يقع تحت تأثير ما يسمى بـ «جبر التأريخ» و «جبر الزمان» بل إنّ الذي يصنع التأريخ وحياة الإنسانية ، ويجعل التحوّلات في الأسلوب والأخلاق والأفكار وغيرها ، وهو إرادة الإنسان نفسه! فبناء على ذلك فالذين يعتقدون بالقضاء والقدر الجبري ، ويقولون : إنّ الأمور والحوادث جميعها تجري بمشيئة الله الإجبارية ، تردّهم هذه الآية.

وكذلك الجبر المادي الذي يجعل من الإنسان ألعوبة بيد الغرائز التي لا تتغير

__________________

(1) تفسير نور الثقلين ، ج 2 ، ص 193.

٤٦٤

وأصول الوارثة.

أو جبر المحيط بحيث يرون أنّه تتحكم فيه الأوضاع الاقتصادية والمعامل والمصانع.

فكل ما تقدم من «الجبر» ترفضه المدرسة الإسلامية ، ويرفضه القرآن ، فالإنسان حرّ وهو الذي يقرر مصيره بنفسه.

إنّ الإنسان ـ بملاحظة ما قرأناه في الآيات من قانون ـ يمسك بزمام مصيره وتأريخه بنفسه ، فيصنع لها الفخر والنصر ، وهو الذي يسوق نفسه إلى الابتلاء والمذلة ، فداؤه منه ودواؤه بيده ، فإذا لم يغير نفسه ولم يسع في بناء شخصيته لن يكون له دور في صياغة مصيره وشأنه.

* * *

٤٦٥

الآيات

( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (58) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59) )

التّفسير

مواجهة من ينقض العهد بشدّة!

في هذه الآيات المباركة إشارة إلى طائفة أخرى من أعداء الإسلام الذين وجهوا ضربات مؤلمة للمسلمين في حياة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المليئة بالأحداث ، إلّا أنّهم ذاقوا جزاء ما اقترفوه مرّا وكانت عاقبة أمرهم خسرا. وهؤلاء هم يهود المدينة الذين عاهدوا النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدّة مرات.

وهذه الآيات تبيّن الأسلوب الشديد الذي ينبغي أن يتخذه النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحقّهم ، الأسلوب الذي فيه عبرة للآخرين ، كما فيه درء لخطر هذه الطائفة.

٤٦٦