رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور16%

رحلتي من الظلمات إلى النّور مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 466

رحلتي من الظلمات إلى النّور
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 233437 / تحميل: 7998
الحجم الحجم الحجم
رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

تنتهي الرغبات في الأمور ، ومنه تتولد الصلات والمحبات والعلائق والروابط ، فبهذا الإعتبار المطرد العام المتسالم عليه لدا العقلاء والشرع الأقدس ، إتخاذ مكة المكرمة حرماً آمناً وتوجيه الخلق إليه ، وحجهم إياه من كل فج عميق ، وإيجاب تلكم الأحكام حتى بالنسبة إلى بنيته ، إن هي إلا آثار الإضافة وإختيار الله إياها من بين الأراضي

وكذلك المدينة المنورة حرماً إلهياً محترماً ، وجعل المحرمات الواردة في السنة الشريفة لها وفي أهلها وتربتها ومن حَلّ فيها ، إنما هي لإعتبار ما فيها من الإضافة والنسبة إلى الله تعالى ، وكونها عاصمة عرش نبيه العظيمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاحب الرسالة الخاتمة

وبهذا الإعتبار وقانون الإضافة ، جعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكي على ولده الحسينعليه‌السلام ويقيم تلك المآتم قبل شهادته ، ويأخذ تربة كربلاء ويشمها(٧٧) ، ويقبلها(٧٨) ، ويقلبها(٧٩) ، كما ورد في الأخبار وهو الذي جعل الشيعة الإمامية تهتم بتربة الحسينعليه‌السلام ، تلك التربة الطاهرة التي شرّفها الله وقدّسها ؛ لما تحويه من أجساد طاهرة من أبناء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، سُفكت دماؤها لأجل الدين وفي سبيل إحيائه تلك التربة التي اعتنى بها الكُتاب وتفننوا في وصفها وقداستها

وعَبّر عنها الأديب الكبير عباس العقاد بقوله : « ولكنها لو أُعطيت حقها من التنويه والتخليد ؛ لحق لها أن تصبح مزاراً لكل آدمي يعرف لبني نوعه نصيباً من القداسة وحظاً من الفضيلة ، لأننا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الأرض

______________________

(٧٧) ـ الهيثمي ، الحافظ نور الدين ، علي بن أبي بكر : مجمع الزوائد ، ج ٩ / ١٨٩

(٧٨) ـ ابن حجر ، الحافظ شهاب الدين ، أحمد : تهذيب التهذيب ، ج ٢ / ٢٤٦

(٧٩) ـ النيسابوري ، الحافظ محمد بن أحمد : سيرة أعلام النبلاء ، ج ٣ / ١٩٤

٦١

يقترن اسمها بجملة من الفضائل ، أسمى وألزم لنوع الإنسان من تلك التي اقترنت باسم كربلاء ، بعد مصرع الحسين فيها

فكل صفة من تلك الصفات العلوية التي بها الإنسان إنسان وبغيرها لا يحسب غير ضرب من الحيوان السائم فهي مقرونة في الذاكرة بأيام الحسين رضي الله عنه في تلك البقعة الجرداء وليس في نوع الإنسان صفات علويات أنبل ولا ألزم من الإيمان والفداء والإيثار ويقظة الضمير ، وتعظيم الحق ورعاية الواجب والجلد في المحنة والأنفة من الضيم والشجاعة في وجه الموت المحتوم وحسبك من تقويم الأخلاق في تلك النفوس ، أنه ما من أحد قتل في كربلاء إلا كان في وسعه أن يتجنب القتل بكلمة أو بخطوة ، ولكنهم جميعاً آثروا الموت عطاشا جياعا مناضلين على أن يقولوا تلك الكلمة أو يخطوا تلك الخطوة ؛ لأنهم آثروا جمال الأخلاق على متاع الدنيا أو حسبك من تقويم الأخلاق في نفس قائدها وقدوتها ، أنهم رأوه بينهم فاقتدوه بأنفسهم ، ولن يبتعث المرء روح الاستشهاد فيمن يلازمه إلا أن يكون هو أهلاً للإستشهاد في سبيله وسبيل دعوته ، وان يكون في سليقة الشهيد الذي يأتم به الشهداء »(٨٠)

وبعد هذا البيان إتضح لنا سِرُّ فضيلة تربة كربلاء ، ومبلغ إنتسابها إلى الله سبحانه وتعالى ، ومدى حرمة صاحبها دُنُوّاً وإقتراباً من العلي الأعلى نعم أفعاله وأقواله ـ كما نقلها التاريخ لنا ـ تثبت مدى تعلقه وتفانيه بخالقه العظيم حتى بذلك نفسه وأهله وكل غالٍ ونفيس لأجل إعلاء كلمة الله وإحياء دينه ، وقد نسب إليه الآتي :

______________________

(٨٠) ـ العقاد ، عباس محمود : أبو الشهداء ، الحسين بن علي / ٨٦ ـ ٨٧

٦٢

تركتُ الخلقَ طُرّاً في هواكا

وأيتمت العيال لكي أراكا

فلو قطعتني في الحُب إرباً

لما مال الفؤاد إلى سواكا(٨١)

أليس من الأفضل التقرب إلى الله بالخضوع والخشوع والعبودية بالسجود على تربة تفجرت في صفيحها عيون دماءٍ اصطبغت بحب الله وولائه المحض الخالص ؟!. أليس من الأليق بأسرار السجود على الأرض ، السجود على تربة ظهر فيها سِرُّ المتعة والعظمة والكبرياء والجلال لله عَزّ وجَلّ ، ورمز العبودية والتصاغر أمام عظمة الجبار سبحانه تعالى بأجلى مظاهرها وسماتها ؟!.

وبناءً على هذين الأصلين ، تتخذ الشيعة الإمامية من تربة كربلاء قطعاً وأقراصاً تسجد عليها في الصلوات(٨٢) لأنهم يشترطون في المسجد أن يكون أرضاً أو ما أنبتت ، ويشترطون في المسجد طهارته وإباحته ، وأن لا يكون من المأكول والملبوس ، فالشيعة يصحبون معهم ألواح الطين والتراب ، ويتخذونها مساجد للسجود عليها لله ، اهتماماً بشأن الصلاة ومخالفة على آدابها ، فشأن هذه الألواح شأن الخُمُر والحَصْبَاء في بداية المسلمين كما أنها أفضل أفراد الواجب ، واختياراً لما هو الأفضل والأولى بالسجود لدا العقل والمنطق والإعتبار

______________________

(٨١) ـ أمين النجفي ، الدكتور أحمد : التكامل في الإسلام ، ج ٤ / ١٧٠

(٨٢) ـ ذكر هذا الدليل المحقق الأميني ( قده ) في ( سيرتنا وسنتنا / ١٧٠ ـ ١٨٠ ) بعنوان الإستحسان العقلي ، وجئت بصياغة أخرى لهذا الدليل بعنوان ( الإحتياط طريق النجاة ) فهو أقرب إلى الإحتياط العقلي ؛ لأن الإستحسان العقلي لا تؤمن به الإمامية

٦٣

وعلى هذا النهج القويم ؛ كان التابعي علي بن عبد الله بن عباس(٨٣) كما عن ابن عينة قال : « سمعت رُزَين مولى ابن عباس رضي الله عنه يقول : كتب إليّ علي بن عبد الله بن عباس أن إبعث إلي بلوح من حجارة المروة أسجد عليه »(٨٤) فأي مانع من أن يحتاط المسلم في أمور دينه بما فيها صلاته ؟!. وأي مانع من أن يختار الأفضل في عمله ؟ فالشيعة الإمامية إختارت التربة الحسينية ؛ لأنها الأفضل ، عملاً بالأحاديث الكثيرة الواردة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته

______________________

(٨٣) ـ هو علي بن عبدالله بن عباس بن عبد المطلب ، ولد سنة ٤٠ هـ ليلة قتل علي بن أبي طالب (ع) ، وتوفي سنة ( ١١٧ أو ١١٨ ) راجع ( الطبقات لابن سعد ، ج ٥ / ٢٢٩ ) وقال ابن حجر : ثقة قليل الرواية وذكره ابن حيان في الثقات ، راجع تقريب التقريب / ٣٤٢ ، وتهذيب التهذيب ج ٣ / ١٨٠ دار الرسالة ، ط ١٤١٦ ، وحكى المبرد وغيره : لما ولد علي بن عبد الله جاء أبوه إلى أمير المؤمنين (ع) فقال : ما سميته ؟ فقال : أو يجوز لي أن أسميه قبلك ؟ فقال (ع) : قد سميته باسمي وكنيته بكنيتي وهو أبو الأملاك راجع العقد الفريد ج ٥ / ١٠٣ ـ ١٠٥ ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ، ج ٧ / ١٤٨

(٨٤) ـ الأزرقي ، أبو الوليد محمد بن عبد الله : أخبار مكة ، ج ٢ / ١٥١

ـ السمهودي ، السيد نور الدين ، علي بن عبد الله : وفاء الوفاء ، ج ١ / ١١٥

ـ ابن أبي شيبه ، الحافظ عبد الله بن محمد : الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار ، ج ١ / ٢٧٥

٦٤

٦٥
٦٦

تمهيد :

عرفت أرض كربلاء بالقداسة والسمو والشرف منذ القدم ، وإلى هذا أشار سيد الشهداءعليه‌السلام بقوله :( وخير لي مصرع أنا لاقيه ، فكأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ) (٨٥) والمراد بالنواويس : جمع ناوس في الأصل ، وهو قبر النصراني ، والمراد به هنا القرية التي كانت عند كربلاء(٨٦) أي أن كربلاء قد اتخذت معابد ومدافن للأمم السابقة ، وخير شاهد على ذلك ما يلي : « ونقل بعض الفضلاء قول أحد الباحثين في تاريخ كربلاء القديم وهو : كل ما يمكن أن يقال عن تاريخها القديم ، أنها كانت أمهات مدن طسوج النهرين ، الواقعة على ضفاف نهر بالاكوباس( الفرات القديم ) وعلى أرضها معبد للعبادة والصلاة ، كما يستدل من الأسماء التي عرفت بها قديماً كعمورا ، ماريا ، صفورا ، وقد كثرت حولها المقابر ، كما عثر على جثث موتى داخل أوانٍ خزفية يعود تاريخها إلى قبل العهد المسيحي »(٨٧) وقال الأب اللغوي أنستاس الكرملي : « والذي نتذكره فيما قرأناه في بعض كتب الباحثين ؛ أن كربلاء منحوتة من كلمتين من( كرب وإل ) أي حرم الله أو مقدس الله »(٨٨)

وذكر السيد عبد الحسين آل طعمة ، نقلاً عن الذريعة للشيخ آغا بزرك : « ومعنى( كاربالا ) بالفهلوية هو( الفعل العلوي ) ويجوز تفسيرها (بالعمل السماوي ) المفروض من الأعلى ، ثم عُرِّبت وصيغت صياغة عربية وسموها ______________________

(٨٥) ـ السماوي ، الشيخ محمد بن الشيخ طاهر : إبصار العين في أنصار الحسين / ٦ ، ١٧

(٨٦) ـ نفس المصدر

(٨٧) ـ الخليلي ، جعفر بن الشيخ أسد الله : موسوعة العتبات المقدسة ، ج ١٣ / ١٦

(٨٨) ـ نفس المصدر / ١٠

٦٧

( كربلاء ) ، وهذا يقارب المعنى الذي ذهب إليه الأب انستاس لكلمة( كرب ) و( إل ) بأنهم( حرم الله ) أو( مقدس الله ) »(٨٩)

نعم أعطيت كربلاء هذه القداسة ـ في الإسلام والأمم السابقة ـ بالحسينعليه‌السلام ؛ إذ الأمم الغابرة لديها معرفة بشهادته عن طريق أنبيائها وكتبها المقدسة ، كما أشارت إلى ذلك بعض المصادر التالية :

« جاء في كتاب ارميا في باسوق من السيمان السادس والأربعون ( كي ذبح لدوناي الوهيم صواووت بأرض صافون إلى نهريرات ) ؛ يعني يذبح ويضحي لرب العالمين شخص جليل في أرض الشمال بشاطئ الفرات »(٩٠)

وفي مصحف شيث إشارة إلى واقعة كربلاء : « ذكر أبو عمرو الزاهد ، في كتاب الياقوت : قال : قال عبدالله بن صفار ، صاحب أبي حمزة الصوفي : غزونا غزاة ، وسبينا سبياً ، وكان فيهم شيخ من عقلاء النصارى ؛ فأكرمناه وأحسنا إليه ، فقال لنا : أخبرني أبي عن آبائه انهم حفروا في بلاد الروم حفراً قبل أن يبعث النبي العربي بثلاث مائة سنة ، فأصابوا حجراً عليه مكتوب بالمسند( كلام أولاد شيث ) هذا البيت من الشعر :

أترجو عصبة قتلت حسينا

شفاعة جده يوم الحساب »(٩١)

أولاً ـ عرض الروايات :

ليس أحاديث فضل تربة الحسينعليه‌السلام وقداستها منحصرة بأحاديث الأئمةعليهم‌السلام ، بل إن أمثال هذه الروايات لها شهرة في كتب علماء الإسلام ، واليك قسماً منها كالتالي :

______________________

(٨٩) ـ المصدر السابق / ١٧ ـ ١٨ ( الحاشية )

(٩٠) ـ التستري ، الشيخ جعفر : الخصائص الحسينية / ٣٧

(٩١) ـ ابن نما ، محمد بن جعفر الحلي : مثير الأحزان ، ج ١ / ٩٧

٦٨

مرويات الإمامية :

يمكن تلخيص مرويات الإمامية في فضل تربة كربلاء من خلال الطرق التالية :

الأول ـ الرسول الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) :

روى أبو بصير عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : (بينما الحسين بن علي عليهما السلام عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ إذ أتاه جبرئيل فقال : يا محمد أتحبه ؟ فقال نعم فقال : أما إن أمتك ستقتله قال : فحزن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حزناً شديداً ، فقال له جبرئيل : يا رسول الله أتريد التربة التي يقتل فيها ؟ فقال : نعم ، فخسف ما بين مجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى كربلاء حتى إلتقت القطعتان هكذا ، ثم جمع بين السبابتين ، ثم تناول بجناحه من تربتها وناولها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم رجعت أسرع من طرفة عين ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : طوبى لك من تربة ، وطوبى لمن يقتل فيك ) (٩٢)

الثاني ـ أمير المؤمنين علي (عليه‌السلام ) :

وروي عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال :( مَرّ أمير المؤمنين عليه‌السلام بكربلاء في أناس من أصحابه ؛ فاغرورقت عيناه بالبكاء ، ثم قال : هذا مناخ ركابهم ، وهذا ملتقى رحالهم ، وهنا تهرق دماؤهم ، طوبى لك من تربة ، عليك تهرق دماء الأحبة ) (٩٣)

الثالث ـ الأئمة من بعده (عليهم‌السلام ) :

١ ـ قال علي بن الحسينعليه‌السلام :( إتخذ الله ارض كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ويتخذها حرماً بأربعة وعشرين ألف عام ، وأنه

______________________

(٩٢) ـ ابن قولويه ، الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٦٠ ، ( باب ١٧ )

(٩٣) ـ نفس المصدر / ٢٧١ ـ ٢٧٢ ، ( باب ٨٨ )

٦٩

إذا زلزل الله تبارك وتعالى الأرض وسترها ، رفعت كما هي بتربتها نورانية صافية ؛ فجعلت في أفضل روض من رياض الجنة ، وأفضل مسكن في الجنة لا يسكنه إلا النبيون والمرسلون أو قال : أولوا العزم من الرسل ، فإنها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهر الكوكب الذري بين الكواكب لأهل الأرض ، يغشى نورها أبصار أهل الجنة جميعا ، وهي تنادي : أنا أرض الله المقدسة الطيبة المباركة ، التي تضمنت سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة ) (٩٤)

٢ ـ قال أبو جعفر ( الباقر )عليه‌السلام :( الغاضرية هي البقعة التي كَلّم الله فيها موسى بن عمران ، وناجى نوحاً فيها ، وهي اكرم أراضي الله عليه ، ولولا ذلك ما استودع الله فيها أوليائه وأبناء نبيه ، فزوروا قبورنا بالغاضرية ) (٩٥)

٣ ـ صفوان الجمال قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :( إن الله تبارك وتعالى فَضّل الأراضين والمياه بعضها على بعض ، فمنها ما تفاخرت ، ومنها ما بغت ، فما من ماء ولا أرض إلا عوقبت لتركها التواضع لله ، حتى سلّط الله المشركين على الكعبة ، وأرسل إلى زمزم ماء مالحاً حتى أفسد طعمه ، وإن كربلاء وماء الفرات أول أرض وأول ماء قدس الله تبارك وتعالى ؛ وبارك عليهما ، فقال لها : تكلمي بما فضلك الله تعالى ؛ فقد تفاخرت الأرضون والمياه بعضها على بعض ، قالت : أنا أرض الله المقدسة المباركة ، الشفاء في تربتي ومائي ولا فخر ، بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي

______________________

(٩٤) ـ ابن قولويه ، الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد : كامل الزيارات / ٢٦٨ ( باب ٨٨ )

(٩٥) ـ نفس المصدر / ٢٧٠

٧٠

ذلك ولا فخر على من دوني ، بل شكراً لله فأكرمها وزادها بتواضعها وشكرها الله بالحسين عليه‌السلام وأصحابه ثم قال أبوعبدالله عليه‌السلام : من تواضع لله رفعه ، ومن تكبر وضعه الله تعالى ) (٩٦) ، وبهذا القدر من المرويات نكتفي

مرويات السنة :

وردت روايات كثيرة في فضل تربة الحسينعليه‌السلام ، ذكرتها الصحاح والمسانيد المعتمدة لدى جمهور السنة والجماعة ويمكن تصنيفها كالتالي :

أولاً ـ الإمام علي (عليه‌السلام ) :

وأخرج ابن سعد عن الشعبي قال : (مَرّ علي ( رضي الله عنه ) بكربلاء عند مسيره إلى صفين وحاذى نينوى ـ قرية على الفرات ـ ؛ فوقف وسأل عن إسم هذه الأرض ؟ فقيل : كربلاء فبكى حتى بَلّ الأرض من دموعه ، ثم قال : دخلت على رسول الله وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟ قال : كان عندي جبرئيل آنفاً وأخبرني أن ولدي الحسين يقتل بشاطئ الفرات بموضع يقال له كربلاء ، ثم قبض جبرئيل قبضة من تراب شمني إياه ؛ فلم أملك عيني أن فاضتا ) (٩٧)

ثانياً ـ نساء النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) :

أ ـ أم سلمة :

عن أبي وايل ـ شقيق بن سلمة ـ عن أم سلمة قالت :( كان الحسن والحسين ـ رضي الله عنهما ـ يلعبان بين يدي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيتي فنزل

______________________

(٩٦) ـ المصدر السابق / ٢٧٠

(٩٧) ـ ابن حجر ، أحمد بن علي : الصواعق المحرقة / ٩٣

٧١

جبرئيل عليه‌السلام ؛ فقال : يا محمد إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك ؛ فأومأ بيده إلى الحسين فبكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضمّه إلى صدره ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وضعت عندك هذه التربة ، فشمّها رسول الله وقال : ريح كرب وبلاء ، قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دماً فاعلمي أن ابني قد قتل ، قالت : فجعلتها في قارورة ، ثم جعلت تنظر إليها وتقول : إن يوماً تحولين دماً ليوم عظيم ) (٩٨)

ب ـ عائشة :

أخرج ابن سعد ، والطبراني عن عائشة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( أخبرني جبرئيل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف ، وجاءني بهذه التربة فأخبرني أن فيها مضجعه ) (٩٩)

ج ـ أم الفضل بنت الحرث :

أخرج أبو داود ، والحاكم ، عن أم الفضل بنت الحرث أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا ؛ يعني الحسين ، وأتاني بتربة من تربة حمراء ) (١٠٠)

د ـ زينب بنت جحش :

عن زينب قالت :( بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيتي وحسين عندي ، حين درج ؛ فغفلت عنه ، فدخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : دعيه ـ إلى قولها ـ ثم قام فصلى ، فلما قام احتضنه إليه فإذا ركع أو جلس وضعه ثم جلس فبكى ،

______________________

(٩٨) ـ ابن حجر ، أحممد بن علي : تهذيب التهذيب / ج ٢ / ٣٤٦

(٩٩) ـ ابن حجر ، أحمد بن علي : الصواعق المحرقة / ١٩٢

(١٠٠) ـ الهندي ، علاء الدين ، علي المتقي : كنز العمال ، ج ١٣ / ١٠٨

٧٢

ثم مد يده فقلت حين قضى الصلاة : يا رسول الله ، إني رأيتك اليوم صنعت شيئاً ما رأيتك تصنعه ؟ قال : إن جبريل أتاني فأخبرني أن هذا تقتله أمتي ، فقلت : أرني تربته ؛ فأتاني بتربة حمراء ) (١٠١)

ثالثاً ـ أصحاب النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) :

١ ـ عبدالله بن عباس :

عن ابن عباس قال :( كان الحسين في حجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال جبرئيل : أتحبه ؟ فقال كيف لا أحبه وهو ثمرة فؤادي ؟ فقال : إن أمتك ستقتله ، ألا أريك من موضع قبره ؟ فقبض قبضة ؛ فإذا هي تربة حمراء ) (١٠٢)

٢ ـ معاذ بن جبل :

عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن معاذ بن جبل أخبره وقال : خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متغير اللون ، فقال : أنا محمد أوتيت فواتح الكلام وخواتمه فأطيعوني مادمت بين أظهركم ، فإذا ذهب بي ؛ فعليكم بكتاب الله عَزّ وجَلّ أحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، أتتكم المؤتية بالروح والراحة ، كتاب الله من الله سبق ، أتتكم فتن كقطع الليل المظلم ، كلما ذهب رسل جاء رسل ، تناسخت النبوة فصارت ملكاً ، رحم الله من أخذها بحقها ، وخرج منها كما دخلها

إمسك يا معاذ وأخصّ ، قال : قلما بلغت خمسة قال : يزيد لا يبارك الله في يزيد ، ثم ذرفت عيناه ثم قال : نعي إلي الحسين ، وأوتيت بتربته واخبرت بقاتله ، والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعوه إلا خالف

______________________

(١٠١) ـ ابن حجر ، أحمد بن علي : المطالب العالية بزوائد المساند الثمانية / ٩٠

(١٠٢) ـ ابن كثير ، عماد الدين ، إسماعيل بن عمر : البداية والنهاية ، ج ٦ / ٢٣٠

٧٣

الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلّط عليهم شرارهم وألبسهم شِيَعاً ثم قال : واهاً لفراخ آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خليفة مستخلف مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف )(١٠٣)

٣ ـ أنس بن مالك :

اخرج البغوي في معجمه من حديث أنس بن مالك ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( استأذن ملك القطر ربه أن يزورني ؛ فأذن له وكان في يوم أم سلمه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أم سلمه احفظي علينا الباب لا يدخل أحد ؛ فبينما هي على الباب ؛ إذ دخل الحسين فاقتحم فوثب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجعل رسول الله يلثمه ويقبله ، فقال له الملك : أتحبه ؟ قال : نعم قال : إن أمتك ستقتله ، وإن شئت أريك المكان الذي يقتل به ، فأراه فجاء بسهلة أو تراب أحمر ، فأخذته أم سلمه فجعلته في ثوبها ) (١٠٤)

هذه بعض روايات الأصحاب ونساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي روتها صحاح ومسانيد السنة والجماعة ، وهناك روايات لم نذكرها ، ومن أراد التوسع ؛ فعليه بمراجعتها في الكتب الخاصة بها(١٠٥)

ثانياً ـ نظرة حول الروايات :

بعد التأمل في الروايات المتقدمة بما فيها تعدد طرقها ؛ نخرج بالتالي :

١ ـ إهتمام السماء بهذه التربة الزكية ، من خلال إخبار جبرئيل وغيره من الملائكة بقتل الحسينعليه‌السلام وإتيانهم بتربته ، ولم يكن الإهتمام لأي تربة اخرى

______________________

(١٠٣) ـ الهيثمي ، الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر : مجمع الزوايد ، ج ٩ / ١٨٩

(١٠٤) ـ ابن حجر ، أحمد بن علي : الصواعق المحرقة / ١٩٢

(١٠٥) ـ المرعشي ، السيد شهاب الدين : إحقاق الحق وملحقاته ، ج ١١ / ٣٣٩ ـ ٤١٢

٧٤

٢ ـ إهتمام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه التربة ؛ من شمها وإعطائها أم سلمة وديعة

٣ ـ إهتمام الأصحاب ورجال الحديث ـ من خلال تعدد طرقها وكثرة مصادرها ـ بتربة الحسينعليه‌السلام

ـ وبعد كل ذلك ، بماذا نحلل إتيان جبريل وغيره من الملائكة ؟!

ـ وبماذا نحلل إهتمام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه التربة الطاهرة الزكية ؟!

ـ هل على نحو العبث ، أم لفضيلة هذه التربة الطاهرة ؟!

التفاضل بين مكة والمدينة وكربلاء :

س / يفهم من تعلق الشيعة الإمامية بـ ( تربة الحسين عليه‌السلام ) ، أنها أفضل من تربة مكة التي لم تزل منذ نزول آدم عليه‌السلام إلى الآن أرض مقدسة وأفضل من أرض المدينة المنورة التي تختص بجسد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تكونان في المنزلة دون كربلاء ، هذا أمر غريب ؟! وهل الحسين عليه‌السلام أفضل من جده الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

ج / يتضح الجواب بعد بيان التالي :

أولاً ـ إختلف العلماء في تفاضل مكة والمدينة وكربلاء حسب الوجوه التالية :

رأي السنة والجماعة :

١ ـ ذهب الشافعي ، وأهل مكة ، وأهل العلم أجمع ، إلى أن مكة أفضل(١٠٦)

٢ ـ ذهب مالك وأهل المدينة إلى أن المدينة أفضل(١٠٧)

٣ ـ قال القاضي عياض : إن موضع قبرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل بقاع الأرض ، وإن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض(١٠٨) وحكاية الإجماع على تفضيل ما ضم

______________________

(١٠٦) ـ النووي ، محي الدين بن شرف : المجموع في شرح المهذب ، ج ٧ / ٤٦٩ ـ ٤٧٠

(١٠٧) ـ ابن حزم ، علي بن أحمد : المحلى ، ج ٧ / ٢٧٩

(١٠٨) ـ الشوكاني ، محمد بن علي : نيل الاوطار ، ج ٥ / ٣٥

٧٥

الأعضاء الشريفة نقله القاضي عياض ، وكذا القاضي أبو الوليد الباجي ( الناجي ) قبله كما قال الخطيب ابن جمله ، وكذا نقله أبو اليمن ابن عساكر وغيرهم ، مع التصريح بالتفضيل على الكعبة الشريفة(١٠٩)

رأي الشيعة الإمامية :

١ ـ ذهب الشيخ الطوسي ، بل ادعى الإجماع على أفضلية مكة على غيرها(١١٠)

٢ ـ وأجمعوا على أن الموضع الذي ضم أعضاءه الشريفة أفضل بقاع الأرض(١١١)

٣ ـ وقال السيد علي خان : والأقرب أن موضع قبور الأئمة عليهم السلام كذلك ، أما البلدان التي فيها ؛ فمكة أفضل منها حتى المدينة(١١٢)

٤ ـ وقال الشهيد الثاني ( قده ) في الدروس : مكة أفضل بقاع الأرض ما عدا قبر الرسول الله صلى الله عليه وآله ، وروي في كربلاء على ساكنها السلام ، مرجحات(١١٣)

٥ ـ ذهب السيد بحر العلوم ( قده ) : إلى تفضيل كربلاء على مكة ، كما هو المستفاد من منظومته الدرة النجفية :

والأفضل الأرض ومنها فُضِّلا

تُرْبَةُ قُدْسٍ قُدِّسَت في كربلا(١١٤)

ومن حديث كربلا والكعبة

لكربلا بان علو الرتبة(١١٥)

______________________

(١٠٩) ـ السمهودي ، نور الدين علي : وفاء الوفاء : ج ١ / ٢٨

(١١٠) ـ الطوسي ، شيخ الطائفة ، محمد بن الحسن : الخلاف ، ج ٢ / ٤٥١

(١١١) ـ الشيرازي ، السيد علي خان : رياض السالكين ، ج ١ / ٤٧٦

(١١٢) ـ نفس المصدر / ٤٧٧

(١١٣) ـ نفس المصدر / ٤٧٦

(١١٤) ـ بحر العلوم ، السيد محمد مهدي الطباطبائي : الدرة النجفية / ٩٧

(١١٥) ـ نفس المصدر / ١٠٣

٧٦

وذهب الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ( قده ) : إلى تفضيل كربلاء على غيرها ، حيث قال : « إذن ، أفليس من صميم الحق والحق الصميم ، أن تكون أطيب بقعة على وجه الأرض مرقداً وضريحاً لأكرم شخصية في الدهر »(١١٦)

خلاصة واستنتاج :

أولاً ـ بعد عرض الأقوال نخرج بما يلي :

١ ـ الإتفاق بين المسلمين على أن الموضع الذي ضم أعضاءه الشريفة أفضل بقاع الأرض وزاد الإمامية أن المواضع التي تضم أعضاء المعصومينعليهم‌السلام من أهل بيته أيضاً ؛ لأنهم أفضل الخلق من بعده

٢ ـ الإتفاق بين المسلمين على أن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض ، والإختلاف في التفاضل بينهما

٣ ـ بعض الإمامية يقول : بأن كربلاء أفضل من مكة والمدينة ، ماعدا قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقبور أهل بيتهعليهم‌السلام

ثانياً ـ إن عظمة الحسينعليه‌السلام من عظمة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشرف الحسينعليه‌السلام من شرفه ، وهو القائل في حقه :( حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسيناً ، حسين سبط من الأسباط ) (١١٧) وقد روى هذا الحديث كثير من محدثي الطوائف الإسلامية

توجيه الأعلام لحديث (حسين مني) :

ولأرباب العلم في معناه وجوه :

______________________

(١١٦) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : الأرض والتربة الحسينية / ٢٥

(١١٧) ـ الترمذي ، محمد بن عيسى : سنن الترمذي ، ج ٢ / ٣٠٧ ( مناقب الحسن والحسين )

٧٧

أولاً ـ « أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قصد إكمال الحب وتمام الإلفة بسبطه وريحانته الحسين ؛ فإن البلغاء من العرب إذا أرادوا أن يظهروا الإتحاد والإلفة وشدة الإتصال والمحبة بأحد منهم ، يقولون : فلان منا ونحن من فلان ، كما أنهم إذا أرادوا أن يظهروا النفرة وشدة القطيعة من رجل قالوا فيه :( إننا لسنا منه وليس هو منا ) ، قال شاعرهم :

أيها السائل عنهم وعني

لست من قيس ولا قيس مني

وجاء في الحديث القدسي في الحاسد الحاقد :( إنه ليس مني ولست أنا منه ) ؛ أي إن المحبة الشديدة ، والصلة الأكيدة ، والعلاقة التامة بيني وبين الحسين ، جعلته كجزء مني وجعلتني كجزء منه من شدة الإتصال وعدم الإنفكاك »(١١٨)

ثانياً ـ « قد يكون إشارة إلى ما روي ؛ أن الحسينعليه‌السلام لما ولد كان يؤتى به إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيرضعه من ريقه أو إبهامه ، حتى نبت لحمه من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعظمه من عظمه ، ودمه من دمه ، فكأنهما نفس واحدة ، فبملاحظة ذلك صح أن يقولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وأنا من حسين ) »(١١٩)

ثالثاً ـ « لما كان الحسين متولداً من فاطمةعليها‌السلام ، وفاطمة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ صح أن يقول :( وأنا من حسين ) ؛ ولذا يفسر قوله :( حسين مني ) بالجهة المادية ، وقوله :( أنا من حسين ) بالجهة المعنوية »(١٢٠)

______________________

(١١٨) ـ الفيروزآبادي ، السيد مرتضى الحسيني : فضائل الخمسة ، ج ٣ / ٣٢٢ ـ ٣٢٣

(١١٩) ـ العمران ، العلامة الشيخ فرج : الأزهار الأرجية ، ج ٢ / ٩٦

(١٢٠) ـ نفس المصدر

٧٨

نعم نفهم من تعبير الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وأنا من حسين ) تلك المكانة العالية للحسينعليه‌السلام عند جده وعند ربه أيضاً ، وتتجلى تلك المكانة عبر الأحاديث التالية :

أ ـ أخرج الحاكم في( المستدرك ) وصححه ، وقال الذمني في التخلص على شرط مسلم عن ابن عباس قال :( أوحي إلى محمد أني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً ، وإنني قاتل بابن بنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفا ) (١٢١)

ب ـ واخرج الثعلبي : «( أن السماء بكت وبكائها حمرتها ) وأخرج غيره :( إحمرّت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله ، ثم لا زالت الحمرة تُرى بعد ذلك ) وأن ابن سيرين قال : أخبرنا أنّ الحمرة التي تأتي مع الشفق لم تكن قبل الحسين وذكر ابن سعد أنّ هذه الحمرة لم ترَ في السماء قبل قتله .

قال ابن الجوزي : وحكمته أن غضبنا يؤثر حمرة الوجه ، والحق تنزه عن الجسمية فاظهر تأثير غضبه على من قتل الحسين بحمرة الأفق إظهاراً لعظم الجناية »(١٢٢)

كما تظهر لنا عناية الباري عَزّ وجَلّ بالحسينعليه‌السلام ، حيث عَوّضه بإستشهاده في الدنيا بثلاثة أشياء ، كما هو المستفاد من حديث ابن عباس ( ثم قال : يا ابن عباس ، من زاره عارفاً بحقه ؛ كتب له ثواب ألف حجة وألف عمره ، ألا من زاره فكأنما زارني ، ومن زارني فكأنما زار الله ، وحق

______________________

(١٢١) ـ الصبان ، الشيخ محمد : إسعاف الراغبين / ١٩٢ ، ( مطبوع بهامش ـ نور الأبصار : للشبلنجي )

(١٢٢) ـ ابن حجر ، أحمد بن علي : الصواعق المحرقة / ١٩٤

٧٩

الزائر على الله أن لا يعذبه بالنار ، وأن الإجابة تحت قبته ، والشفاء في تربته ، والأئمة من ولده )(١٢٣)

وحديث محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر ، وجعفر بن محمدعليهما‌السلام يقولان :( إن الله عوّض الحسين عليه‌السلام من قتله ؛ أن جعل الإمامة في ذريته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تعد أيام زائريه جائياً وراجعاً من عمره ) (١٢٤)

وبعد هذا البيان ، إتضح لنا ميزة تربة الطف على غيرها ؛ إذ قدّسها الباري عَزّ وجَلّ بسبب من قتل فيها في سبيله ، وإلى هذا يشير إمامنا السجادعليه‌السلام بقوله :( طوبى لأرض تضمنت جسدك الطاهر ، فإنّ الدنيا بعدك مظلمة ، والآخرة بنورك مشرقة ، أما الليل ؛ فمسهد والحزن سرمد ، أو يختار الله لأهل بيتك دارك التي أنت بها مقيم ، وعليك مني السلام يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته ) (١٢٥) وفي زيارة الإمام الصادقعليه‌السلام للشهداء :( بِاَبي اَنْتُمْ وَاُمّي طِبْتُمْ وَطابَتِ الاَرْضُ الَّتي فيها دُفِنْتُمْ ، وَفُزْتُمْ فَوْزاً عَظيماً ) (١٢٦) فهل في ذلك مانع ؟!

أم هل في تفضيل تربة الحسينعليه‌السلام على بقاع الأرض ، تفضيل الحسين على جده الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! كلا ، إنّ تفضيلنا لهذه التربة ناشئ من اهتمام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بها كما ذكرنا سابقاً

______________________

(١٢٣) ـ المجلسي ، الشيخ محمد باقر : بحار الأنوار ج ٣٦ / ٢٨٦ ( باب : ٤١ ـ حديث ١٠٧ )

(١٢٤) ـ نفس المصدر ، ج ٤٤ / ٢٢١ ، ( باب ٢٩ ـ حديث ١ )

(١٢٥) ـ المقرم ، السيد عبدالرزاق : مقتل الحسين / ٣٢٠

(١٢٦) ـ القمي ، الشيخ عباس : مفاتيح الجنان / ٥٢٦

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

١٥ ـ السيد جون فنيزات :

الكاتب الانجليزي السيد جون فينزات ، يقول : « محمد اعظم اولئك الذين يطلبون الخير للانسان ، وظهور محمد دلالة علىٰ احد اكمل العقول في جميع العالم ».

الىٰ هنا استمعتم الىٰ اعترافات بعض اكبر فلاسفة الشرق والغرب ، حول نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله ودينه المقدّس وقرآنه المجيد.

وان جميع كل ما قاله العلماء والمثقفون في حقّه يحتاج الىٰ مجال اوسع من الوقت.

مثل ما اعترف به السيد باير(١) ، والدكتور ماركسي فلومانس الامريكي واستاذ جامعة واشنطن(٢) المستشرق الالماني المعروف نولد(٣) ، والسيد جول لابوم ، العالم الفرنسي الذي كتب فهرساً لمواضيع القرآن بالفرنسية ، وسائر العلماء الذين تحدثوا عن نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله والقرآن الكريم.

ومن خلال نقل هذا الموجز من الاعترافات التي ذكرناها عن علماء ومستشرقي الشرق والغرب ، يتضح جلياً بانّه ليست قلوب المسلمين في الشرق هي الوحيدة المفعمة بحب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل هناك اُناس في قلب اوروبا المادية وامريكا الغارقة في زخارف الدنيا ، وصلهم شعاع من عظمة هذا الرسول الكريم

________________

(١) Bair

(٢) Washington

(٣) Nuldt

١٤١

فاتجهوا نحوه بقلوبهم ، علىٰ الرغم من سلطة البابوات والقساوسة وحراب الدول الاستعمارية ، وبالرغم من البيئة التي يعيشون فيها والمتطورة من الناحية المادية ، بحيث انهم لو كانوا غير مطلعين علىٰ تلك القوة الخلاقة وكيفية توالدهم وتناسلهم وتكوينهم ، لإدعوا الربوبية.

في تلك المجتمعات ، لو زرت المحافل العلمية لكبار العلماء ، لعرفت ان رجالاً كثيرون من اهل العلم والمعرفة ممن يحضون بأحترام الناس في جميع العالم ، يعشقون نبي الاسلام ، ذلك الرجل الاُمّي الذي كان يعيش ، قبل الف واربعمائة سنة في عالم مظلم وبين جاهلية لا توصف علىٰ رمال الحجاز.

لو وددتّم أيّها السادة المحترمون مزيد من الاطلاع علىٰ ما قاله كبار علماء اوروبا فيما يتعلق بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عليكم بالرجوع الىٰ كتاب « محمد من منظار الآخرين ».

١٤٢

البحث في بعض قوانين الاسلام

الدكتور : ايها الشيخ ، الاعترافات التي نقلتها لنا عن كبار علماء الشرق والغرب حول نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله والقرآن وقوانينه ، قيمة ومهمة جداً ، ومع ذلك يبقىٰ هناك سؤال ، هو : مع ان هؤلاء العلماء والمستشرقين لم يكونوا مسلمين ومن اتباع نبي الاسلام ، فما هو سبب اعترافاتهم تلك ؟!

الشيخ : اهم موضوع ، جعل دنيا العلم تركع امام نبي الاسلام ، هو القوانين المحيرة التي جاء بها ذلك الرجل العظيم من قبل الله للمظلومين في العالم.

وكيف لا يركع كبار علماء الشرق والغرب أمام نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو الذي جاء بقوانين من قبل الله لضمان سعادة البشر في مختلف المجالات ، فيما عجز الآخرون عن الاتيان بمثلها ، علىٰ الرغم من انه كان يعيش في عصر مظلم قبل أربعمة عشر قرناً في صحراء الحجاز وهو الاُمي الذي لم يدرس كلمة واحدة.

ولو اردنا البحث في هذا الامر بشكل علمي وعميق ، ودراسة قوانين الاسلام ومن ثم مقارنتها بقوانين سائر العالم ، فسوف يطول بنا الحديث فيما وقت سفرنا قصير لا يسع ذلك ، ولكن من اجل ان نعرف قيمة الدين الذي نتشرف ونفتخر باتباعه ، سنبحث في عموميات وكليات بعض قوانين الدين ، ولكي يتضح ايضاً ، ان اعتراف الشخصيات العلمية الكبيرة في العالم بما يتعلق

١٤٣

بالرسول والرسالة هو نتيجة لمشاهدة هذه الالتفاتات العلمية الظريفة الموجودة في تلك القوانين التي جاء بها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

المساواة في القانون

من خصوصيات الاسلام ، المساواة بين جميع الناس في القانون ، فالاسلام يرىٰ الجميع متساوين امام القانون ، ولا يرىٰ لأحد ميزة علىٰ آخر.

والقانون في الجهاز الديني يحكم الجميع بنحو واحد وبمنتهىٰ القوة ، وفي هذا الصدد يقول القرآن الكريم :

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) (١) .

اصدقائي الاعزاء !

في ذلك العصر الذي كانت فيه الحروب العرقية والطبقية منتشرة بشدة في جميع انحاء العالم ، في ذلك العصر الذي كان فيه السود والفقراء فاقدين لجميع الحقوق الاجتماعية والفردية ، اعلن نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله المساواة التامة بين جميع البشر قانونياً من خلال ندائه السماوي الذي جاء به ، والغىٰ جميع الفوارق الوهمية التي أوجدت فوارق عميقة ورهيبة بين الناس ، واعلن امام غرور اهل الجزيرة العربية بصراحة :

________________

(١) سورة الحجرات : ١٣.

١٤٤

« لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض علىٰ أسود إلّا بالتقوىٰ ».

لقد بعث رسول الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله في الضعفاء والفقراء والسود الحياة من جديد وجعلهم يتحركون في الحياة جنباً الىٰ جنب مع البيض والاقوياء والاغنياء.

وقد خطىٰ نبي الاسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله خطوات واسعة ومهمة في مجال المساواة بين جميع الناس امام القانون ، ليس في ما مضى فقط ، بل لا زالت تلك القوانين على درجة كبيرة من الاهمية والقيمة والاحترام إلى اليوم.

أو ليس غريباً ؟! ان الفئات المحرومة في المجتمع ، والاشخاص الذين كانوا لا يملكون شيئاً من انفسهم امام رئيس القبيلة ، وكان عليهم ان يفتدوه بأرواحهم فضلاً عن اموالهم ، اصبحت بعد ان أنار الاسلام عقولها وبعث الحياة في جسدها ، ترد على صفعة رئيس القبيلة بصفعة مماثلة لها ، وتقتص لنفسها منه ، لقد استطاعت تلك الانامل الضعيفة بالمساواة التي طرحها الاسلام ان تلامس خدّ رئيس القبيلة الذي كان مالك الرقاب السابق ؟!

ان المساواة التي يطرحها الاسلام بين الناس امام القانون ، قوية وثابتة بشكل لا يستثنىٰ منها اي مقام ومسؤول او اية قوة.

ملك آل جفنة في قبضة القانون

كان جبلة بن الايهم ( الغساني ) من ملوك آل جفنة ، وقد اختار الاسلام ، وأراد ان يزور الخليفة آنذاك ، فتحرك نحو المدينة مع كوكبة من حاشيته ومعهم

١٤٥

خمسمائة حارس مدجج بالسلاح لحمايته والسير بين يديه.

وعندما قاربوا المدينة ارسلوا رسولاً يخبر الخليفة بقدومهم ، فخرج الخليفة في استقبالهم واكرمهم ، ودخلت قافلة جبلة المجلّلة المدينة وأهلها لا يعيرونهم أهمية ، بينما رجال القافلة مدججون بالسلاح ويرتدون افضل الملابس والمجوهرات.

وبعد ايام من دخولهم المدينة حان وقت الحج فخرجوا مع الخليفة الى مكة ، وكانت قافلتهم تحضىٰ بأحترام المسلمين اين ما حلّوا في الطريق حتىٰ وصلوا مكة.

لا بدّ ان يصفع ملك آل جفنة

وفي مكة وقع حادث جعل جبلة ملك آل جفنة يبتعد عن الاسلام ويرتد الىٰ النصرانية بعد ان كان مسلماً ، والحادث بشكل مختصر :

داس رجل عربي من قبيلة بني فزار برجله وهو لا يعلم ذيل حُلة جبلة التي كانت تخط وراءه الأرض وهو يطوف الكعبة(١) ، فغضب جبلة لذلك ، فأمسك بأنف الرجل وضغط عليه ، فتألم الرجل كثيراً ، فيما يذكر بعض المؤرخين انه صفعه علىٰ وجهه ، فسكت الرجل مضطراً وهو يرىٰ تلك المجموعة الكبيرة من الحرس مع جبلة اين ما يتحرك حتىٰ في طواف الكعبة.

________________

(١) كان طول الحلّة وجرّ الذيل في ذلك العصر وبين العرب ، من علامات الاشراف والترف ، وقد حكم عليها الاسلام بالكراهية.

١٤٦

لكن عدم امتلاك قوة لا يعني الضعف في حكومة العدل والقانون ، لأن المظلوم يعلم جيداً ان هناك يد القانون القوية هي التي تدافع عنه وتحميه.

وعندما وجد ذلك الرجل نفسه مظلوماً ومعتدىٰ عليه من قبل جبلة ، اشتكىٰ عند الخليفة استناداً الىٰ عدل الاسلام ، واخبر الخليفة بما جرىٰ.

وبعد ان سمع الحاكم ( الخليفة ) شكوىٰ الرجل ، احضر جبلة علىٰ الفور ، وسأله عمّا حدث.

ومقابل سؤال الحاكم ، أجاب جبلة بصراحة بأنه فعل ذلك ، وقال : لولا حرمة الكعبة لعاقبته بالسيف ! لأنه اعتدى عليّ.

وبعد ان اسمتع الحاكم الىٰ جواب جبلة ، قال : لقد تعديت يا جبلة علىٰ الرجل وهو مظلوم وانت تعترف بذلك ، واستناداً للقانون يجب ان ترضى الرجل منك ، او تستعد للقصاص.

لكن جبلة الذي لم يفهم علىٰ الظاهر معنىٰ القصاص ، تساءل : وكيف يقتص هذا الرجل مني ؟

فقال الخليفة : كما صفعته او ظغطت علىٰ انفه وآلمته ، يجب ان يصفعك او يضغط علىٰ انفك.

كاد جبلة ان يطير عقله بعد سماعه ذلك الكلام ، وتساءل متعجباً : كيف يمكن لهذا الرجل ان يصفعني وانا ملك آل جفنة القوي ، فيما هو رجل عادي من المسلمين.

١٤٧

فقال له الخليفة : ان الاسلام جمعك وايّاه وليس لك فضل عليه الّا بالتقوىٰ.

والاسلام لا يفرق بينك مع قوتك وهذا الرجل البسيط ، فالجميع متساوون امام قانون الاسلام.

فقال جبلة : كنت اتصوّر ان تزداد عزّتي ويزيد جلالي بالاسلام ، وتزيد كذلك سلطتي علىٰ اتباعي ورعاياي.

فقال له الخليفة : جبلة! لا تتحدث عبثاً ، فالجميع متساوون امام القانون.

وبعد ان شاهد جبلة هذه الصراحة ، طلب من الخليفة ان يمهلهه الليلة كي يتأمّل في الامر اكثر ، ويرضي الرجل من نفسه ، او ان يقول الرجل بالقصاص منه.

فوافق الخليفة علىٰ طلب جبلة ( طبعاً بعد ان اخذ موافقة الرجل ) ، لكن جبلة لم يشاهد بعد تلك الليلة ، لانّه فرّ ومن معه ليلاً من يد القانون ، واتّجه مباشرة الىٰ القسطنطنية عند هرقل ملك الروم ، وارتد الىٰ النصرانية(١) .

وهذه القصة التاريخية نموذج علىٰ المساواة التي طرحها الاسلام ، وهو ما حدث قبل اربعة عشر قرناً في ذلك العصر المظلم.

________________

(١) شرح نهج البلاغة للخوئي.

١٤٨

نماذج علىٰ التمايز العرقي في الغرب

اصدقائي الاعزاء !

هل يوجد في جميع العالم الغربي الذي اصمّ البشرية نداءهم بالمساواة. وهل يمكن ان نشاهد مثل ذلك النموذج العملي للمساواة في قلب تلك الدول ؟ وهل يمكن لفرّاش بسيط ان يقتص من رئيس جمهورية الولايات المتحدة الظالم ، اذا ما حصل عليه اعتداء من قبل ذلك المتجبرّ ؟ أ يستطيع ان يقتص منه ويصفعه ، مثل ما حدث في تلك القصة التاريخية ؟!

أيّها السادة المحترمون !

بين القول والعمل مسافة شاسعة ، لقد مضت سنوات طويلة ونحن نسمع بتساوي الاسود والابيض في جميع انحاء الغرب ، وقاموا بنشاطات عديدة لرفع التمايزات العرقية ، كما حدثت حروب دموية لألغاء التمايز بين السود والبيض في الغرب ، ومثال ذلك حرب الشمال والجنوب في الولايات الامريكية حيث كان الشمال يدعو لتحرير الرق ، فيما كان الجنوب يصرّ علىٰ بقاءه ، وقد استمرت تلك الحرب اربعة سنوات وقتل فيها من الشماليين ما يقرب مليون شخص ، فيما قدم الجنوبيون ٢٥٨ الف قتيل ، ما عدىٰ ٣٦٠ ألف جريح والدمار

١٤٩

الواسع الذي حدث نتيجة لتلك الحرب(١) .

ومع كل النشاطات التي في هذا المجال ، لا زال التمايز العنصري موجوداً في الولايات المتحدة الامريكية ! ولا زال السود المساكين لا يستطيعون دخول الفنادق المخصصة للبيض بطمائنينة ، او الدخول الى القطار المخصص للبيض ، ولا زال زواج الأبيض بالسوداء او العكس يعتبر عملاً دنيئاً ، ومن العار للأسر البيضاء ان يتزوج احد من افرادها او اقرباءها من السود المساكين ، ولا زالت فنادق البيض مفصولة عن فنادق السود هناك !

تحدثت بعض الصحف مؤخراً ان احدىٰ الشخصيات الافريقية المعروفة كان ينوي السفر الىٰ الولايات المتحدة ، فحجز بالهاتف قبل ايام من سفره غرفاً له ولرفاقه في احد الفنادق الامريكية المعروفة ، لكنه بعد ان وصل من المطار الىٰ الفندق المذكور وعرّف نفسه لمدير الفندق وطلب منه مفاتيح الغرف التي حجزها من قبل ، اجابه المدير بصراحة : هذا الفندق خاص بالبيض ، ولا يسمح لكم بدخوله لأنكم من السود !

ولا زالت هناك قطارات في امريكا ( تلك التي تتحرك بين مسافات طويلة ) فيها شرطة مسؤوليتهم المحافظة على النظام والحيلولة دون وقوع مشاجرات بين البيض والسود ، الذين يحدد لكل منهم اماكن خاصة ، لكن وعلىٰ الرغم من وجود الشرطة ، فأنه غالباً ما تقع مشاجرات دموية بين السود والبيض. وقبل مدة شاهدت في احدىٰ صحف طهران المسائية صورة لطفلين

________________

(١) تاريخ الولايات المتحدة الامريكية ، تأليف : الان نوينز وهنري ستيل كاماجر ، ترجمة : الدكتور محسن راهنما.

١٥٠

ابيض واسود ، وقرأت التعليق العجيب والمهم جداً تحت الصورة وهو : « الاطفال البيض والسود يدرسون في مدرسة واحدة جنباً الىٰ جنب » !

أليس عجباً ، ان تعتبر الدول الغربية دراسة الاطفال البيض والسود في مدرسة واحدة ، احدىٰ مفاخرها الاجتماعية ! وهذا غيث من فيض للحالة المأساوية التي يعيشها السود في امريكا والدول الاوروبية ، وأليس عجيباً ان لا يدرك البيض الامريكان والاوروبيون تلك الحقيقة وهي ان الاختلاف في اللون والعرف ليس دليلاً علىٰ الفضيلة والتفوق !

لكن مجرد اللون لا يعد سبباً للاستضعاف والحرمان في الاسلام ، فالمسلم الابيض يعمل جنباً الىٰ جنب مع اخيه الاسود في جميع المجامع الدينية سواءاً في القديم او اليوم ، ولا يشعر بأي انزعاج او ضجر ، وهم متساوون في الحقوق الاجتماعية وجميع شؤون الحياة ، يتزوجون منهم ويزوجونهم و كما ان الحكومة الاسلامية تستطيع ان تعطي اكبر المناصب السياسية او الدينية الىٰ السود علىٰ اساس الكفاءة ، وهو ما نملك عنه نماذج عديدة في تاريخ الاسلام ، وهذهِ من الامثلة علىٰ المساواة في الاسلام الذي جاء به النبي الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله قبل الف واربعمائة سنة ، في حين ان عصر الذرّة اليوم لا زال يحلم بذلك.

١٥١

المساواة الاسلامية من منظار علماء اوروبا

يقول الدكتور غوستاف لوبون ، العالم الفرنسي الشهير في كتابه « حضارة الاسلام والعرب » :

« المساواة بين المسلمين علىٰ اكمل وجهها ، تلك المساواة التي يتحدّث عنها الاوروبيون جميعاً بشوق وحرارة ولا نجدها إلّا في طيات الكتب ، نجدها عملياً بين المسلمين ، وقد أصبحت من الأعراف الشرقية ، فالتمايزات الشديدة التي حدثت بين الفئات والطبقات في اوروبا اثر الثورة الصناعية والتي ستشهدها ثورات اكثر دموية اخرىٰ. غير موجودة بين المسلمين ، فالخادم والمرافق يستطيع ان يتزوج ابنة سيده دون ممانعة ومشكلة(١) ».

ويقول السيد لوبلاي(٢) حوال المساواة في الاسلام :

«الانظمة المطبقة فيما يتعلق بالكادحين والعمال ونتائجها السيئة التي ظهرت في اوروبا ، لا يزال المسلمون مصانون منها ، فلا زالت تسودهم انظمة اساسية تصلح بين الغني والفقير والسيد والعبد ، وتجعلهم قريبون من بعضهم ، مثل صلاة الجماعة والمسجد والحج ، ويكفي القول ان بعض الدول الاوروبية المتسلّطة التي ترىٰ ان تتعلّم منها تلك الدول ( الاسلامية ) الكثير ، عليها هي

________________

(١) يفهم من هذا الكلام ان التمايز الطبقي في اوروبا وصل الىٰ حدّ يتعجب فيه الدكتور غوستاف لوبون من زواج المرافق والخادم من ابنة سيده ، ويعتبر ذلك حدثاً غير عادياً.

٢ ـ Mu. le.play

١٥٢

ان تتعلّم منهم دروساً كثيرة ( مثل المساواة ).

والحقيقة ان نموذج الحكومة الديمقراطية « حكم الشعب » يعمل به في الاسلام بأحسن وجه ، لانه ومع وجود خليفة مقتدر فأن الجميع متساوون امام القانون وليس هناك وضيع أو شريف أو غني أو فقير ، والحقوق تراعىٰ بالكامل ، لقد الغىٰ الاسلام التمايزات العائلية والطبقية والقبلية والقومية ، وقال بأن جميع المسلمين متساوون واُخوة امام الاسلام ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

أجل ، لم يساوي الدين الاسلامي المقدس بين المسلمين من قبل فقط من الناحية القانونية ، بل لو اسلم قوم في اقصىٰ نقاط الدنيا وكانوا من اكثر الناس تخلفاً ، فأنهم ومنذ لحظة اسلامهم يصبحون اخوة لسائر المسلمين ومتساوون معهم في الحقوق والواجبات ولا يحق للحكومة الاسلامية ان تعتدي عليهم او تهاجمهم ».

يقول الدكتور غوستاف لوبون في هذا الصدد :

«لم يكن العرب يستطيعون الضغط علىٰ مختلف الاقوم في البلاد التي فتحوها ، لإن اولئك الناس دخلوا الاسلام وقبلوا احكامه وقوانينه برضىًٰ وارادة ، وجميع المسلمين ( من اي قوم كانوا ) متساوون واخوة برأي الحكومة الاسلامية وهذه الاخوة والمساواة مبينة على اساس احكام القرآن ، الذي لا يستطيع الفاتحون العرب تغيره ، وبذلك اتحد الغالب والمغلوب وشكلوا امة قوية كبيرة ، وقد استمرت هذهِ الوحدة وهذا الاتحاد علىٰ مدىٰ حكم العرب وخلافتهم ».

١٥٣

مسألة الرّق وحلولها

تطرّقنا الىٰ مسألة التمايز العرقي ونفي هذا النوع من التفوق والافضلية بين البشر من الناحية القانونية ، وقد يتساءل البعض ، اذن ما هي قصة « العبد والجارية » التي يعترف بها الاسلام رسمياً ؟

وفي جواب ذلك السؤال ، نقول ان الحقيقة خلاف ذلك ، فالاسلام لم يقرّ مسألة الرّق ، بل وضع لها حلّاً تدريجياً وسريعاً ومن عدّة طرق.

وبسبب سعة الموضوع وعدم امكانية شرحه بشكل كافي من جهة ، ولأهميته من جهة اخرىٰ ، فأننا سنتعرض له بشكل سريع ومختصر.

١ ـ لم يأت الاسلام بالرّق ، بل وجده حقيقة واقعة في المجتمع الذي نزل فيه ، اذن ، لا علاقة لأصل المسألة بالاسلام.

٢ ـ لم يكن باستطاعة الاسلام ، كما لم يكن عملياً اساساً ، نفي الرّق بشكل كامل ابتداءً ، بسبب ترسخه في ذلك المجتمع ، ولانه ليست هناك ثورة استطاعت تطبيق جميع اهدافها بمجرد الاعلان عن نفسها مباشرةً ، ويجب ان لا ننسىٰ الحقيقة العلمية التي تقول ان التغير النوعي لا يحدث الّا بعد طي مراحل كميّة.

فإذا لم تكن هناك مراحل كمية ، يكون الأمر تطرفاً ولربما يواجه ردود فعل حادة أيضاً ، مما يعرّض « أصل الدين » الىٰ خطر حقيقي ، ولأثبات هذه

١٥٤

الحقيقة يكفي ان نشير الىٰ قرار ألغاء الرّق في أمريكا الذي أعلنه ابراهام لينكولن ، رئيس الجمهورية سنة ١٨١٦ ، والذي ادىٰ الىٰ وقوع الحرب الاهلية بين الشمال والجنوب والمآسي التي تعرضت لها ولايات الشمال والجنوب علىٰ السواء ، ( كان الجنوب يعارض الغاء الرّق بسبب دورهم في الانتاج الزراعي هناك(١) فلم تكن ولايات الجنوب متطورة مثل ولايات الشمالي كي تستبدل العبيد بالآلات الصناعية في الانتاج ).

أو الاصلاح الذي حدث في جنوب فيتنام الشمالية علىٰ يد حكومة « هانوي » و « فيت مين » ولأنها كانت مستعجلة وبدون طي مراحل كميّة ، ادت الىٰ مقتل عشرة آلاف شخص(٢) الىٰ ان تدخل « هوشه مينه » شخصياً وانهىٰ المسألة.

والآن ، مع الأخذ بالعديد من الحقائق التاريخية والعلمية ، ومع الأخذ أيضاً بدور الرّق ، المهم والاساسي في المجالات الانتاجية والخدماتية في مجتمع الجزيرة العربية قبل اربعة عشر قرناً ، أليس من البساطة ان يقول شخص : « لماذا لم يلغي الاسلام منذ الوهلة الاولىٰ الرّق ، ولم يمنعه تماماً ؟! » فهل كان هذا الامر عملياً وممكناً اساساً ؟! وهل توجد في تاريخ العالم ايديولوجية ثورية استطاعة تطبيق جميع اهدافها بعد انتصارها مباشرةً ، حتىٰ يكون الاسلام ثانيها ؟!

٣ ـ لقد تحدث القرآن في ستة اماكن عن « حرية العبد » وقد اوصىٰ او امر

________________

(١) من اجل معلومات اُخرى في الموضوع ، راجع :

تاريخ الولايات المتحدة الامريكية ، تأليف : الان نوينز وهنري ستيل كاماجر.

(٢) يمكن الرجوع في ذلك الىٰ كتاب « حياة هوشي مينه ».

١٥٥

به(١) في حين انّه لا نجد فيه ما يقول بأخذ الرق او « الاستبعاد » بتاتاً.

٤ ـ وضع الاسلام طرقاً « تدريجية » او مرحلية ولكن مؤثرة وحاسمة لحل مسألة الرّق ونفيها بشكل كامل ، وهي كثيرة جداً ، منها :

أ ـ العقود الثنائية بين المالك والمملوك ، مثل « المكاتبة » او « التدبير » والذي ينتهي الىٰ عتق العبيد ، وقد اقرّها الاسلام ( خاصة الدور الذي تلعبه الحكومة الاسلامية في هذا الصدد ، من خلال مساعدتها للرّق مالياً من اجل تحريرهم ).

ب ـ هناك بعض الذنوب ، اشترط الاسلام تحرير العبيد للتكفير عنها. ( الكفارات ).

ج ـ يصرف قسم من ميزانية الدولة ( الزكاة ) لشراء العبيد من قبل الحكومة وعتقهم ، وقد امر القرآن بذلك.

د ـ وفي النهاية ، جاء في بعض الروايات الاسلامية ، انه لو كان احد المسلمين يمتلك عبداً ( غلاماً او جارية ) ولم تشمله الطرق التي ذكرناها اعلاه لكي يعتق ، فأنه يعتق بعد ثلاثة سنوات ( قبل المالك او لم يقبل ). هذا بالاضافة الىٰ التوصيات والتأكيدات الكثيرة التي وصىٰ بها الاسلام وأمر بها لتحرير العبيد من الغلمان والجواري ، خاصة وصاياه في الزواج من الجواري لان الزواج منهن كان مساوياً الىٰ حدّ ما بتحريرهن ، لانه كان عليهم ان يعتقوهن اولاً ومن ثم الزواج منهنّ.

________________

(١) راجع القرآن الكريم : سورة النساء الآية ٩٢ ، وسورة المائدة الآية ٨٩ ، وسورة المجادلة ، الآية ٣ ومن ثم الآية ١٣ من نفس السورة.

١٥٦

٥ ـ في الفترة التاريخية ما بين ظهور الاسلام وحتىٰ تهيئة الارضية لألغاءه ، اوصىٰ الاسلام واكد كثيراً علىٰ حسن معاملتهم ومراعاة الانصاف والعدل والمساواة معهم ، للحد الذي قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « واطعموهم مما تطعمون وألبسوهم مما تلبسون » لكي يشعروا أنهم جزءاً من الاسرة التي يعيشون معها ولهم حقوقهم وامتيازاتهم فيها.

٦ ـ ذمّ الاسلام كثيراً ، عمل « بيع العبيد » ، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « شرّ الناس من باع الناس » كما ان هناك روايات كثيرة بهذا المعنىٰ.

٧ ـ أمّا فلسفة وجود بعض الغلمان والجواري في بيوت الائمة المعصومين ، فهو امران :

الاول : كان الائمة يريدون من ذلك تقديم نموذج عملي لحسن معاملة الغلمان والجواري والاحسان اليهم والانصاف معهم والمساواة ، بل كانوا بعض الاحيان يقدمونهم علىٰ انفسهم ، لكي يتعلم المسلمون عملياً كيفية التعامل مع العبيد ما داموا في بيوت اسيادهم غير معتقين. والشاهد على ذلك تاريخ حياة « فضّة » بعنوان جارية في بيت فاطمةعليها‌السلام .

كانت بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تقسم عمل البيت يومياً من الطحن بالرحىٰ وعمل العجين والخبز والعناية بالاطفال مع فضّة ، ولم يكن للزهراءعليها‌السلام اي ميّزة في البيت.

الثاني : كانوا يعلّمون الآخرين كيف يشترون العبيد ( ويخرجوهم من حالة مجرد « بضاعة » تدار في السوق ) ويعتقونهم مباشرة أو بعد فترة قصيرة في المناسبات المختلفة ، مثل عيدي الفطر والاضحىٰ وامثالها ، بشكل جماعي او

١٥٧

فرادىٰ ، ويخلصوهم بذلك من حياة العبودية ، وهذا ما كان يفعله الائمة لكي يعلموا الناس ذلك.

٨ ـ تجدر الاشارة الىٰ ان الفصل الذي تبحث فيه المسائل المتعلقة بالرّق في الفقه الاسلامي ، يسمى كتاب « العتق » وهو دليل علىٰ سياسة الاسلام العامة فيما يتعلق بالرّق.

ومع الأخذ بالمسائل التي طرحناها بصورة سريعة هنا ، فيما يتعلق بالرّق ، يتضح جلياً ، انه لم يكن ممكناً للاسلام فقط الاطاحة بنظام ظالم مثل الرّق الذي كان متأصلاً في مجتمع ذلك اليوم دفعة واحدة ، بل هو غير ممكن من الناحيتين العلمية والثورية أيضاً ، ومع ذلك فقد وظف هذا الدين السماوي جميع امكانياته واستخذم جميع الطرق والاساليب لمحو هذا العار من جبين البشرية ولكي يقتلعه من الاساس في المجتمع ، وهو العمل الذي نجح فيه الاسلام بأتم وجه.

وفي ختام هذا البحث ، لابد من الاشارة الىٰ هذه الاشكالية وهي : لماذا يجيز الاسلام استخدام اسرىٰ الحرب بعنوان عبيد في بعض الاحيان ؟ ومن اجل فهم هذا السؤال جيداً ، يجب الالتفات الىٰ ان الاسلام لم يكن يملك الا سبيلاً واحداً من بين عدة سبل ، فيما يتعلق بأسرىٰ الحرب :

١ ـ السبيل الاول هو اطلاق سراح جميع اسرىٰ الحرب ، وفي هذه الحالة تواجه الامة الاسلامية مشكلتين :

الاُولى : ان هؤلاء الاسرىٰ الذين اطلق سراحهم هم من اعداء الاسلام وسيعودون مباشرة الىٰ صفوف الكافر بعد اطلاق سراحهم ، وسيقفون ثانية في

١٥٨

الجبهة المواجهة للأسلام.

أمّا المشكلة الثانية : هي ان اطلاق سراح الاسرىٰ يكون من جانب المسلمين فقط وبما ان الكفار لا يطلقون سراح اسرىٰ المسلمين ففي حال تبادل الاسرىٰ. لا يكون بأيدي المسلمين ما يبادلونه بأسراهم.

٢ ـ ابادة جميع اسرىٰ الكفار ، وهذا العمل ، اولاً ، غير صحيح في الحالة العادية وليس انسانياً ابداً وثانياً ، سيؤدي الىٰ ان يقوم الكفار بالمثل ويقتلون جميع اسرىٰ المسلمين.

٣ ـ سجن اسرىٰ الحرب ، وهذا الفرض يستلزم اولاً ، اهدار قوة بشرية كبيرة في السجون ، وثانياً ، تحميل الدولة الاسلامية مصاريف باهضة اقتصادياً وانسانياً وامنياً.

٤ ـ استبعاد هؤلاء والاستفادة منهم في العمل ، وهو الحلّ المنطقي والصحيح الوحيد الذي كان للاسلام ، لانه وبهذا العمل ، اولاً ، يستخدم بشكل جيد قوىٰ الاسرىٰ ويوظفها في مجالات الانتاج والخدمات وفي المجالات الثقافية احياناً.

وثانياً ، تعتبر البيئة الاسلامية ( وكما حدث بالفعل ) مركز تأهيل وتربية بالنسبة لهؤلاء الاسرىٰ ، لكي يتعرفوا علىٰ نظام العدل الاسلامي واحكامه وقوانينه الانسانية ، وثالثاً ، كانوا يعتبرون رهائن بيد المسلمين لمبادلتهم في اللحظة المناسبة بأسرىٰ المسلمين الذي وقعوا بيد الكفار.

١٥٩

النظام الاقتصادي الاسلامي

وهنا أجد من الضروري الحديث عن المذهب الاقتصادي في الاسلام وطريقته في توزيع الدخل والموارد والثروات الطبيعية ، ولأن هذا البحث يحتاج الىٰ دراسة موسعة ودقيقة ، فسأكتفي بالاشارة الىٰ بعض النقاط فيما يتعلق به :

١ ـ النظام الاقتصادي الاسلامي غير طبقي وهو لا يعرف التمايز بين الاشخاص اساساً.

٢ _ يرىٰ الاسلام ان الاصالة « للعمل » فقط ، ويصرّح :

( وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ) (١)

ومع ذلك فإذا كانت نتيجة العمل هي جمع المال وكنزه ، فالاسلام لم يجز ذلك أيضاً ، وقد أمر بانفاقه في سبيل الله ، قال تعالى :

( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) (٢) .

٣ ـ الهدف من الانفاق في الاسلام هو ملء الفراغ الطبقي ، او حسب تعبير الروايات « لكي يستغني الفقير » وتصبح مستوياتهم المعيشية متقاربة ، وهو ما

________________

(١) سورة النجم : ٣٩.

(٢) سورة التوبة : ٣٤.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466