رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور12%

رحلتي من الظلمات إلى النّور مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 466

رحلتي من الظلمات إلى النّور
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 233526 / تحميل: 8000
الحجم الحجم الحجم
رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ايها السادة المحترمون !

مثل هذهِ الامور كثيرة جداً في التاريخ القضائي لبلادنا. وان ذكرها بأجمعها يحتاج الىٰ سنوات من الوقت.

والحقيقة هي ان القيود التي وضعها العالم المتحضر علىٰ القوانيين القضائية سلبتها السرعة اللازمة وجعلها كما هي الآن مضحكة ، مما ادىٰ الىٰ يأس الفئات المستضعفة من احقاق حقها بواسطة الاجهزة القضائية ، للحدّ الذي يرضىٰ اكثر المظلومين المستضعفين بغض النظر عن حقوقهم المسلّمة والقانونية على أن يرجعوا الىٰ المحاكم.

لكن الاسلام العظيم لا يرضىٰ ان يكون هناك عمل مهما كان صغيراً بعنوان طي مراحل قانونية او عناوين اُخرىٰ في دائرته القضائية ، ومع ان المحكمة الاسلامية ليس فيها الّا عضوان هما القاضي والكاتب ( الذي يحرر الحكم ) ، الّا انه في الغالب يفضّ النزاع في اول جلسة قضائية ، ويأخذ كل واحد حقه.

المحكمة القضائية الاسلامية برأي غوستاف لوبون

يقول الدكتور غوستاف لوبون حول القضاء في الاسلام :

« القضاء الاسلامي وترتيب المحاكمات وجيز وبسيط ، فهناك شخص منصب من قبل الحاكم لأمر القضاء ، يتابع جميع القضايا شخصياً ويحكم فيها ،

١٨١

وحكمه هذا قطعي ، ففي المحكمة الاسلامية ، يدعىٰ طرفي النزاع الىٰ الحضور شخصياً الىٰ المحكمة ويقومان بشرح القضية ويقدم كل طرف منهم دليله ، ثم يصدر القاضي حكمه في ذلك المجلس.

لقد حضرت مرّة في احدىٰ هذهِ المحاكم في المغرب ورأيت كيف يقوم القاضي بعمله ، كان القاضي يجلس علىٰ كرسيه في بناية متصلة بدار الحكومة ، كما ان كلّ واحد من المتداعيين أيضاً يجلس في مكانه ومعه شهوده ، وكانوا يتحدثون بألفاظ مختصرة وكلام بسيط ، فإذا كان احدهم يحكم عليه بعدّة سياط ، كان الحكم ينفذ فيه في ختام الجلسة ، واكبر فوائد هذا النوع من القضاء هو عدم ضياع وقت المتداعيين ، وعدم وجود خسائر مالية للمتداعيين بسبب المراجعات الادارية التي نراها اليوم ، ومع البساطة والايجاز الذي ذكرته فأن الاحكام الصادرة كانت عادلة ومنصفة ».

ليس في الاسلام استئناف ولا تميز

الدكتور : الشروط التي ذكرتها والالتفاتات العلمية الموجودة في القضاء الاسلامي ليس لها مثيل في قوانين القضاء الوضعية في جميع العالم ، حسب معلوماتي الشخصية ، ورغم الضجيج الاعلامي الذي تقوم به اوروبا دعاية لمؤساستها القضائية ، فليست هناك مؤسسة متطورة كما هو الحال في المؤسسات القضائية الاسلامية. لكن هناك امر في قوانين القضاء الوضعية المعاصرة لا نجدها في القوانين القضائية الاسلامية ، وتلك مرحلة الاستئناف والتميز ، اي ان القوانين القضائية المعاصرة تكون علىٰ مرحلتين ، فلو اخطأ

١٨٢

القضاة في المرحلة الاولىٰ او ارتكبوا خيانة ، تذهب القضية مباشرة الىٰ محكمة الاستئناف ومن ثم الىٰ التميز وهناك تدرس وتتابع من جديد ، في حين ان الاسلام فاقد لهذهِ الميزة القضائية ( الاستئناف والتميز ).

الشيخ : ان وجود مرحلتان قضائيتان في عالم اليوم وعدم وجود ذلك في القانون القضائي الاسلامي هو دليل هام علىٰ استحكام مباني القوانين القضائية الاسلامية ، وهشاشتها في القوانين القضائية الوضعية المعاصرة ، ولان الاسلام يأخذ الحدّ الاقصىٰ من الاحتياط والدقة في المرحلة الاولىٰ وضمن الشروط الواجب توفرها في القاضي. لان تلك الشروط التي ذكرناها مسبقاً تجعل من الصعب ان يخطيء القاضي او يخون وبذلك تنتفي الحاجة الىٰ مرحلة الاستئناف والتميز.

أمّا دنيا اليوم ترىٰ ان شرط القضاء الوحيد هو الشهادة الدراسية ، دون الاخذ بالجوانب الاُخرىٰ والتي تجعل من اي شخص قاضياً لمجرد انه خريج فرع القانون ، لابد وان لا تطمئن لقضاءهم وان تجعل احتمال الخطأ والخيانة مساوياً لاحتمال الصحة في الحكم !

سعادة الدكتور ! حتىٰ لو فرضنا ان جميع القضاة عدول واتقياء ، فان الاسلوب القضائي المتبع اليوم لا يبعث علىٰ الاطمئنان ، لان الاضبارة التي يجب ان يدرسها القضاة نظمت في محلّ آخر ، ومن اين للقضاة ان يطمئنوا اليها وانها لم تطلها يد التحريف والتزوير ، وهل تستطيع تلك الاضبارة أن تعكس واقع الناس المساكين والمظلومين ؟! وهل الاحكام التي تصدر من مثل هذه الاضبارات صحيحة ويمكن الاطمئنان إليها ؟

١٨٣

سعادة الدكتور ! يحاول عالمنا المعاصر حلّ مشاكله القضائية مثل احتمال الخيانة او الخطأ ( وهو احتمال قوي جداً وفي محله ) عن طريق محكمة الاستئناف والتميز ، في حين ان هذا الامر خطأ تماماً وتصور مغلوط ، لان القضاة الكبار في محكمة الاستئناف والتميز ليسوا ملائكة ، بل من اولئك المتعلمين الذين يعتبر شرط استخدامهم الوحيد هو شهادتهم الدراسية ، اي ان قضاة الاستيناف والتميز ايضا من نفس شاكلة القضاة العاديين ، فكيف لا يطمئن الىٰ حكم المحاكم العادية ويطمئن الىٰ حكم محكمة الاستئناف والتميز ؟! فهل ان قضاة المحاكم العادية غير عدول وغير متقين ، لكن قضاة محاكم الاستيناف والتميز عدول ومتقون ؟!

أليسوا جميعاً من صنف وهيئة واحدة ، والشرط الوحيد لعملهم هو الورقة التي في ايديهم ( الشهادة الدراسية ) ؟!

أمّا الاسلام وعلىٰ الرغم من عدم وجود محكمة استئناف وتميز في تشكيلاته القضائية ، يمكن الاطمئنان الىٰ قضائه سبب الشروط التي يضعها للقضاء ، وللحد الذي يعترف بصراحة الدكتور غوستاف لوبون :

« علىٰ الرغم من بساطة عملية القضاء الاسلامي والايجاز الذي فيها ، إلّا ان جميع الاحكام الصادرة عادلة ومنصفة. على العكس من القضاء في دول اوروبا وامريكا رغم تشكيلاته العريضة والطويلة والمعقدة ».

سعادة الدكتور ! لقد اراد العالم الاوروبي والامريكي من خلال محاكم الاستئناف والتميز ، الدقّة والحيطة التي اتبعها الاسلام قبل تعيين القاضي من

١٨٤

حيث شروط القضاة والشهُود ، ولقد اثبتنا ان اجراءات الاسلام لها دور مهم وبارز في القضاء لا يمكن لمحاكم الاستئناف والتميز القيام به ، ويجب ان نعترف بأن محكمة الاستئناف والتميز ايضاً تتبع نفس الاجراءات الروتينية التي تتبعها المحاكم العادية ، وليس لها تأثير سوىٰ في المبالغ الطائلة التي تصرف سنوياً من اموال هذا الشعب المسكين !

جواب سؤال

الطالب الجامعي ، حسن : أيّها العمّ العزيز كيف لا يوجد في الاسلام محكمة استئناف وتميز ، مع ان الاسلام يرىٰ احتمال نقض حكم القاضي الأوّل من قبل قاض ثان ، او ان المحكوم يطلب اعادة محاكمته عند قاضٍ آخر ؟

الشيخ : الموارد التي يمكن فيها نقض حكم القاضي ، ان المحكوم يمكنه طلب اعادة المحاكمة عند قاص آخر ، لا تشبه ما عليه في محاكم الاستئناف والتميز في عالم اليوم. لانه هناك ثلاثة مراحل قضائية في مؤسسات القضاء المعاصرة ، هي : المرحلة الاولية والاستئنافية والتميزية ، فمرحلة الاستئناف فوق مستوى المرحلة الاولىٰ والتميز فوق مرحلة الاستئناف ، من شروط عقد محكمة الاستئناف هو ان لا يمضىٰ اكثر من عشرة ايام علىٰ تاريخ صدور الحكم من قبل المحكمة الاولىٰ ، كما ان محكمة التميز تنعقد بشروط خاصة ، كما لا يوجد في انعقاد محكمة التميز ، امتيازاً بين الدعاوىٰ الجزائية او الحقوقية.

١٨٥

وتنعقد محكمة الاستئناف في حال طب المحكوم ضده ، سواءً كان يحتمل الخطأ في الحكم الصادر بحقه او متيقن من خطأه ، فالقانون يقرّ انعقاد محكمة الاستئناف لمجرد طلب الشخص الذي صدر الحكم ضده ، وسواءً قطع قضاة محكمة الاستئناف بخطأ قضاة المحكمة الاوليّة اوقطعوا بعدهم خطأهم ، واحتملوا الخطأ أو الخيانة في حكمهم ، واذا ما انعقدت محكمة الاستئناف وبعد دراستهم لأضبارة طرفي النزاع ، استنبطوا حكماً مخالفاً لأستنباط المحكمة الاولىٰ ، عند ذاك يقومون بنقض حكم المحكمة الاولىٰ ويصدرون هم حكماً محله.

موارد نقض الحكم في قوانين الاسلام القضائية

في الاسلام لا يحق لقاضٍ نقص حكم قاض قبله الّا في ثلاث موارد ، هي :

١ ـ اذا لم يرَ القاضي الثاني صلاحية وجدارة في القاضي الأول لمقام القضاء.

٢ ـ فيما لو كان حكم القاضي الأول مخالفاً للأدلة القاطعة والقواعد المسلّمة في القضاء الاسلامي ، مثل : مخالفة للاجماع المحقق والثابت والخبر المتواتر وامثالها.

أمّا إذا استنبط القاضي الاول حكماً علىٰ اساس القوانين القضائية الاسلامية ، لم يستنبطه القاضي الثاني منها ، بل فهم منها شيئاً آخراً ، ففي هذه الحالة لا يحق للقاضي الثاني نقض حكم القاضي الاول.

١٨٦

٣ ـ عندما يثبت تقصير القاضي الاول في دراسته للقوانين والادلة القضائية ، ولم يدقق فيها بشكل جيد.

حول طلب اعادة المحاكمة في الاسلام

أمّا الموارد التي يمكن فيها للمحكوم ضده طلب اعادة المحاكمة ، هي الادعاء بقطع خطأ القاضي في حكمه ، او انه لم يكن يمتلك صلاحية علمية للقضاء ، او انه كان فاسقاً ، او ان الشهود لم يكونوا عدول وانهم فساق ومثل هذهِ الادعاءات.

كما انه لا تعاد المحاكمة لمجرد تلك الادعاءات ، بل على المحكوم في البداية اثبات دعواه ، فلو ادعىٰ المحكوم ان القاضي قد اخطأ ، عليه اولاً ان يثبت خطأ القاضي ومن ثم طلب اعادة المحاكمة.

أمّا اذا لم يثبت المحكوم خطأ القاضي او عدم صلاحيته او عنوان آخر مما ذكرناه ، فليس له طلب اعادة المحاكمة لمجرد احتماله الخطأ وحتىٰ لو طلب ذلك من قاض آخر ، فلا يحق لذلك القاضي ان يبحث ويدرس حكم القاضي الأول.

خصوصيات المسألتين في القضائين الاسلامي والوضعي

اصدقائي الاعزاء !

أتصوّر انه ومن خلال ما ذكرته اعلاه ، يتضح الفارق بين محكمة

١٨٧

الاستئناف والتميز عن الموارد التي يمكن فيها للقاضي المسلم نقض حكم قاض آخر او التي يحق للمحكوم فيها طلب اعادة محاكمته ، وثبت عدم تشابه ما يطرحه الاسلام عما موجود في الانظمة الوضعية ( محكمة الاستئناف والتميز ) ، وبشكل عام فأن الفوارق القضائية بين الاسلام والوضعية ، هي كالتالي :

١ ـ لا توجد في المؤسسة القضائية الاسلامية ثلاثة مراحل قضائية ، خلافاً للمؤسسة القضائية الوضعية المعاصرة التي لها ثلاث مراحل قضائية ، هي : المرحلة الاولية والاستئناف والتميز.

٢ ـ من منظار القوانين القضائية الاسلامية ، اذا كان استنباط احد القضاة مخالفاً لأستنباط وحكم القاضي الاول ، فليس له اي حق في نقض ذلك الحكم الاولي ، في حين ان القوانين القضائية الوضعية المعاصرة ترىٰ ان استنباط قضاة محكمة الاستئناف إذا كان مخالفاً للحكم الاولي ، ينقضه ويصدر مباشرة حكم آخر في القضية.

٣ ـ لا يقبل من المحكوم طلب اعادة المحاكمة ما دام لم يدعي خطأ القاضي الاول بشكل قطعي او عدم صلاحيته اوفسقه او الخ ، وحتىٰ لو طلب المتهم ذلك من قاض آخر ، فلا يحق لذلك القاضي اعادة المحاكمة او النظر في حكم القاضي الاول ، اما لو اتهم المحكوم القاضي الاول بما ذكرناه مسبقاً ، فلا تنعقد محكمة جديدة مباشرة أيضاً ، لانه عليه ان يثبت ما ادعاه اولاً ، في حين ان قوانين القضاء الوضعية تقرّ بتشكيل محكمة استئناف بمجرد طلب المحكوم لذلك ، كما ان لقضاة محكمة الاستئناف النظر في حكم المحكمة الاولىٰ ونقصه ،

١٨٨

وعلىٰ هذا لا يوجد في الاسلام محكمة استئناف وتميز بالمعنىٰ الوارد في القوانين الوضعية المعاصرة ، وان عدم وجود مرحلتي الاستئناف والتميز في القانون القضائي الاسلامي لهو خير دليل علىٰ استحكام مبنىٰ القضاء في الاسلام ، ونزلزله في القضاء الوضعي.

كانت تلك جوانب من خصوصيات قوانين القضاء الاسلامي مقارنة بالقضاء الوضعي المعاصر ، وهناك الكثير من نماذج تفوق القوانين الاسلامية علىٰ غيرها مما يعمل به في عصرنا الحاضر.

ملاحظة بعض قوانين الاسلام الجزائية

الدكتور : كما اشرتم ، ان قوانين الاسلام تتفوّق علىٰ قوانين العصر الوضعية في العديد من المجالات ، وهو امر لابد من الاعتراف به ، ولكن هناك بعض القوانين الجزائية في الاسلام ، ادت الىٰ الطعن في صميم الدين وتلك هي العقوبات الشديدة التي فرضت علىٰ بعض الذنوب في الاسلام ، مثل قطع يد السارق ، او السوط بالنسبة للزاني او شارب الخمر ، فالعالم الغربي يرىٰ ان هذهِ العقوبات اعمال وحشية ، يجب ان لا تنفذ علىٰ البشر.

الشيخ : ان معرفة حقيقة معينة تحتاج الىٰ معرفة سائر القضايا التي ترتبط بها بنحوٍ ما.

أمّا إذا أردنا دراسة موضوع ما دون الاخذ بالمواضيع الاخرىٰ المتصلة به ، فلن نصل الىٰ معرفة حقيقة وصحيحة فيما يتعلق به. ومن النماذج التامة لذلك هي القوانين الجزائية الاسلامية التي سألتم عنها. والاشكالات التي

١٨٩

يواجهها البعض مع القوانين والاحكام الجزائية في الاسلام ، مصدرها ذلك الخطأ ، وهو انهم ينظرون فقط الىٰ احكام الاسلام فيما يتعلق ببعض العقوبات ، دون الاخذ بنظر الاعتبار للقوانين التي يطرحها الاسلام في مجال تطهير المجتمع من الاثم والذنب ، والتي تعد القوانين الجزائية الشديدة ، آخر علاج لها.

أمّا الخطوات والأحكام التي يطرحها الاسلام في مجال تطهير المجتع وجعله فاضلاً ، فهي كالآتي :

أ ـ العوامل التربوية :

يستند الاسلام غالباً في صيانة المجتمع وابعاده عن العصيان والذنوب الىٰ العوامل التربوية التي يطرحها ، وهذهِ العوامل واسعة وشاملة بحيث لو أنّها طبقت بشكل جيد تضمن سلامة المجتمع ونظافته وتقيه من ٩٠% من المعاصي.

والعوامل التربوية كثيرة في الاسلام ، لكن اهمها :

١ ـ الايمان بالله.

٢ ـ الالتزام والمسؤولية.

٣ ـ الالتفات الىٰ الآخرة والحساب والاجر والعقاب.

٤ ـ دعوة الانسان الىٰ الفضيلة ومحاربة الخصال الذميمة.

٥ ـ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

١٩٠

٦ ـ الصلاة بمعاينها السامية ومفاهيمها التربوية الخاصة.

٧ ـ الصوم.

وعشرات العوامل الاُخرىٰ التي لها أدوار أساسية في تربية الانسان بتمام معنى الكلمة.

ب ـ العلاج من الاساس :

المسألة الاخرىٰ التي التفت اليها الاسلام من اجل تطهير المجتمع من الذنوب والمعاصي ، هي معالجة الظواهر من الاساس ، ومهاجمة العوامل الاساسية التي تؤدي الىٰ الذنب والمعصية ، وهذهِ بحد ذاتها مرحلة مهمة يجب الالتفات اليها قبل دراسة القوانين الجزائية الاسلامية الشديدة.

فالاسلام عندما حرّم الزنا ـ علىٰ سبيل المثال ـ لم يتجاهل الغريزة الجنسية للانسان او يقمعها ، بل وضع لها طرق شرعية متعددة لو طبقت سدت حاجة الانسان الجنسية.

ولو كان الاسلام شديداً في تعامله مع السارق فلأنه طرح نظاماً اقتصادياً ليست فيه فوارق طبقية وتمايزات بين البشر ، وهو يدعو الىٰ توزيع الثروات الطبيعية والدخل علىٰ اساس العدل ، وعلىٰ ضوء النظام الاقتصادي الاسلامي ، لن يكون هناك محتاجاً في المجتمع حتىٰ يقال : لماذا يقطع الاسلام يد السارق الجائع ، الذي ما سرق إلّا ليشبع بطنه ؟! لانه سيقال في جواب ذلك اولاً ، لن يكون هناك جائع على ضوء النظام الاقتصادي الاسلامي ، بل هو سيملك حق

١٩١

الاستفادة من جميع المصادر الطبيعية في العالم بقدر حاجته وعلىٰ اساس اصالة العمل. وثانياً متىٰ قال الاسلام بقطع يد السارق في النظام الذي يبيت فيه الاشخاص جياعاً ؟!

أجل ، ان علاج الحالات المرضية من الأساس هو الأصل الثاني المهم الذي وضعه الاسلام لتطهير المجتمع من الجريمة والمعصية ، وذلك من خلال قلع جذور الاسباب الرئيسية للجريمة.

ج ـ الاحام الجزائية في الاسلام :

وفي نهاية المطاف ، وكآخر حلّ يضع الاسلام مجموعة من العقوبات لردع الانسان العاصي والوقوف دون وقوع الجريمة ، والآن إذا أراد شخص ان ينظر الىٰ احكام العقوبات فقط وتجاهل الموردين الاوليين المهمين في الاسلام ، فأن هذا الشخص مخطئ تماماً ، لانه وكما شرحنا من قبل وضع الاسلام من جهة عوامل تربوية واسعة وشاملة تقوم ببناء شخصية الانسان من خلالها ، ويسيطر بها على الصفات الرذيلة ، لكي يرتدع الانسان من خلال امتناعه عن الذنب والمعصية.

ومن جهة اخرىٰ ، قام بقطع دابر العوامل المؤدية للذنب من الجذور ، ووضع حلولاً علمية مناسبة لجميع المشاكل وفي كل المجالات ، وفيما لو طبقت تضمن جميع متطلبات الانسان وحاجياته الطبيعية والمشروعة.

وصدقوني ان نسبة عالية من الناس لو اجتازوا هاتين المرحلتين سيكونون بكل تأكيد اشخاصاً متقين واصحاب فضائل.

١٩٢

أمّا لو بقي رغم ذلك كله شخصاً مصرّاً في اختيار الطرق الشيطانية والخصال الرديئة ، فهنا وكآخر وسيلة للعلاج ، يتعامل الاسلام معه بشدّة ويقف من خلال قوانينه واحكامه سدّاً مقابل هذه الاعمال التي تريد هدم كيان المجتمع.

وهنا لكم ان تحكموا ، أليس من غير الانصاف ان يأتي شخص ويحكم في قوانين الاسلام الجزائية ويدينها دون الاخذ بنظر الاعتبار للمسائل الاُخرىٰ المرتبطة بها ، اي تلكما المرحلتان التي ذكرتهما من قبل ؟!

الثقافة

من الضروري الالتفات الىٰ ان الاسلام يرىٰ ان العوامل التربوية والمرحلة الثانية التي هي علاج الحالات المرضية من الاساس لها دور مؤثر وقوي جداً في تطهير المجتمع وردع الاشخاص عن الذنب والعصيان ، كما ان القوانين الجزائية لو طبقت بشكل جيد يمكن ان تقف امام المعاصي وتحول دون انتشار الفساد.

أمّا الايديولوجيات الوضعية ـ وللأسف الشديد ـ لا هي تستخدم العوامل التربوية المؤثرة ولا هي تقدم حلولاً اصولية من اجل تأمين حاجات الانسان ومتطلباته المختلفة ، ولا تقدم للأسف ايضاً قوانين جزائية صارمة يمكنها مكافحة الجريمة والفساد بشكل واسع ومؤثر.

١٩٣

الذين قطعت ايديهم !!!

هنا قد يقال : لو ان السارقين تقطع اياديهم ، لفقد الكثير من الناس في المجتمع اياديهم ؟! وفي جواب ذلك ، نقول :

بل العكس فلو طبقت تلك القوانين ( خاصة مع الاخذ بالمرحلتين الاوليتين المذكورتين ) لن يكون في المجتمع مقطوعي ايدي ولا سارقين ، ومثال ذلك في عصرنا دولة السعودية ، فعلىٰ الرغم من عدم وجود عوامل تربوية صحيحة في ذلك المجتمع ونظام اقتصادي اسلامي عادل ، وعلىٰ الرغم من الفوارق العميقة الموجودة وترف ولهو وثروات الامراء والحواشي والمقربين من اموال النفط وعائداتة الطائلة ، فليس هناك سرقة ( طبعاً السرقة العادية وليست السرقات الكبيرة التي يقوم بها المسؤولون والامراء من اموال الشعب ) ولا ايدٍ مقطوعة ، لانه علىٰ الاقل تطبق الحكومة السعودية قانون قطع يد السارق ، وهذا ما يمكن التأكد منه بواسطة آلاف الحجيج الذين يذهبون سنوياً الىٰ هناك للحج ، فكم من يدٍ وجدوها مقطوعة ؟! وكم رؤوا من السرقات ؟! وحتىٰ لو شاهدوا السرقات فيه أقل بكثير مما يحدث في أي دولة اُخرىٰ.

فهذا نموذج عملي واحد عن دور القوانين الجزائية الاسلامية فيما يتعلق بالسرقة في عالمنا المعاصر ، علىٰ الرغم من ان السعودية دولة لا تطبق النظام الاقتصادية الاسلامي وليس هناك توزيع عادل للثروة ، كما انها من البلدان المتخلفة ثقافياً وحضارياً.

١٩٤

قاطعية الاسلام في مكافحة الفساد

لا يُنكر ان الاسلام واجه المذنبين والعصاة المفسدين بعقوبات شديدة ، لكن يجب ان لا ننسىٰ ان ذلك كله من أجل مصلحة المجتمع وبسبب خطورة المعصية اجتماعياً ، ولا يهدف الاسلام في قوانينه الجزائية إلّا المكافحة الحقيقية للمعصية.

والاسلام ليس كالعالم المعاصر وقوانينه ، الذي يسوّي المسألة مع العاصي أو المذنب ، وبهذا الشكل يتلاعب بسعادة المجتمع ومصلحته.

فالاسلام يرجح أن يضرب شارب الخمر ثمانين سوطاً من أجل ان يقطع دابر شرب الخمر من المجتمع ويخلصه من امراضه.

والاسلام يرجح ان يضرب شارب الخمر ثمانين سوطاً ولكن في المقابل يكون له ولجميع يجله رادعاً عن فعل ذلك للأبد.

والغريب ان عالمنا المعاصر وعلىٰ الرغم من اعترافاته بأضرار شرب الخمر ، فهو يقول ان المشروبات الكحولية سموم مهلكة وخطرة وانها تؤثر سلباً علىٰ المخ والدم والقلب والاعصاب والجلد والجهاز الهضمي و الخ ، لكنه لا يتعامل بجدية مع القضية ويتساهل مع شارب الخمر بشكل يعتبر عمله ترغيباً واشاعة للمعصية !

ولو كان العالم المعاصر يريد قلع جذور السرقة والاعتداء علىٰ اموال وممتلكات الناس ، فلماذا يتساهل مع السارق ويبدي معه تسامحاً ؟! ولو كان

١٩٥

العالم المعاصر يعتبر الاعتداء علىٰ اعراض الناس خيانة وجريمة فلماذا كل هذا التساهل مع من يفعلها ؟!

هنا لا بدّ أن نعترف وللأسف الشديد ، ان القوانين الوضعية الحالية لن تستطيع ان تلعب دوراً مهماً في قلع الفساد والمعاصي من الجذور في المجتمع فقط ، بل اجازت تلك الاعمال وأدت إلىٰ انتشارها من خلال التسامح والتساهل الذي تبديه مع مرتكبيها ، والنهج الذي تتبعه تلك القوانين الجزائية الوضعية في مكافحة الفساد والاثم ، يشبه عمل الدكتور الذي يكتفي ببعض الجرعات المسكنة مقابل مرض خطر ومسري ، علىٰ الرغم من امتلاكه جميع الوسائل والامكانيات لمكافحة المرض. وفي مثل هذه الحالة الا يقال ان هدف الدكتور هو ليس علاج الحالة المرضية بل الهاء المريض المسكين وتخديره !

أمّا الاسلام

لكن الاسلام ( وخلافاً لعالمنا المعاصر ) يسعىٰ بجدية لمكافحة جذرية للفساد والمعصية في المجتمع ، وهدف الاسلام من ذلك هو قلع الفساد والمعصية من الجذور ، علىٰ قدر المستطاع ، ولهذا نراه شديداً في وضعه للقوانين الجزائية وقوانين العقوبات وفي تنفيذها.

ولان الاسلام يريد مكافحة السرقة بشكل حقيقي ويضمن امن المجتمع من هذه الناحية ، لذلك يأمر بقطع يد السارق(١) .

________________

(١) طبعاً من الأخذ بالشروط التي وضعها الاسلام.

١٩٦

والاسلام يريد مكافحة الاعتداء علىٰ اعراض ونواميس الآخرين بشكل حقيقي ، لذلك أمر بجلد الزاني مئة سوط أمام أعين الناس ، لكي لا يعود الىٰ ذلك ويكون عبرة للآخرين وسدّاً امام اتساع دائرة المعصية في المجتمع.

والاسلام يرىٰ ان المشروبات الكحولية سموم مهلكة وانها تهدد أساس المجتمع وسلامته ، لذلك يأمر بضرب ذلك الشخص الذي يخاطر بسعادة نفسه وسلامتها وسعادة وسلامة جيلة ، ويشرب من هذا الشراب المهلك ، ثمانين سوطاً ، لكي يقف امام تكرار مثل هذا العمل في المجتمع.

ألا يمكن تطبيق هذه القوانين في عصرنا.

هنا يمكن القول ، علىٰ الرغم من تأثير القوانين الجزائية والعقوبات الشديدة التي وضعها الاسلام لمكافحة المعاصي والفساد من الجذور الا ان هذه القوانين غير قابلة للتطبيق في عصرنا الحاضر ، لانه يعتبرها اساليب وحشية !

فنقول : ليس لنا إلّا أن نتعجب لهذا القول ونأسف له.

أليس عجيباً ان الدنيا تصمت وتصم آذانها وهي تشاهد مئات عمليات القتل والاعتداء وقطع الاعضاء وعشرات الجرائم الاُخرىٰ ، والتي تقع بسبب السرقة او التطاول علىٰ أموال الآخرين ، ولكنها تعتبر قطع أربعة أصابع من يد خائن او معتدي وذلك أيضاً من أجل محو ظاهرة السرقة ، والوقوف أمام مئات الجرائم التي تأتي من هذه الاعتداءات والتجاوزات غير قابلة للتطبيق والاجراء ؟!

وكيف يستصعب عالم اليوم ثمانين سوطاً علىٰ جسد شارب الخمر

١٩٧

في حين انه لا يستصعب القتل والجرائم وسلب راحة المجتمع الذي ينتج عن تأثير الخمر في سلوكيات الاشخاص والمجتمع ، ويرىٰ ذلك صعب النتفيذ !

دنيا التناقضات

اليست دنيا الي نعيش فيها ، دنيا تناقضات وعصرنا عصر غريب ! فدنيانا من جهة رؤوفة وعطوفة للحد الذي لا ترضىٰ بقطع اربعة اصابع لمجرم ( من اجل الامن العام ومحو السرقة من المجتمع ) ، ومن جهة اخرىٰ ، هذه الدنيا الرؤوفة ، تستثمر وعلىٰ مدىٰ سنوات عديدة ملايين البشر الضعفاء وعشرات الشعوب الصغيرة والمحرومة ، وتعطي للاقوياء الحق في نهب ثروات المستضعفين. في حين ان اولئك المساكين يعيشون حفاة وجياعاً ويعانون من اسوء الظروف !

وكيف تبرر هذه الدنيا العطوفة التي لا ترضىٰ ان يضرب شارب الخمر أو الزاني ثمانين أو مائة سوط ، قتل مليون جزائري مسلم ليس لهم ذنب سوىٰ انهم يريدون الاستقلال والخلاص من الهيمنة الاستعمارية ؟!

وكيف قبلت هذه الدنيا بالقنبلتين الذريتين اللآتي دمرتا هيروشيما وناكازاكي في اليابان فقتل اكثر من سبعين الف شخص وتحولت الابنية والمصانع والمرافق العامة الىٰ انقاض خلال لحظات ؟ اليس من حق الانسان صاحب الضمير الحي ان يعجب امام تصرفات هذه الدنيا المتناقضة ؟!!

١٩٨

سرد موجز للجريمة في الدول المتقدمة

عالمنا الذي يرىٰ خطأ ان قوانين الاسلام الجزائية وحشية ، اراد ان يقف امام اعتدالات الانسان عن طريق وضع قوانين اقل صرامة وبعبارة اخرىٰ لينة ، وبذلك يقتلع جذور السرقة او اية جريمة اخرىٰ ، لكنه وللأسف لم يوفق في ذلك فقط ، بل اضطر الىٰ تشديد عقوباته وقوانينه الجزائية ويزيد من عدد سجونه يوماً بعد يوم.

وعلىٰ الرغم من ذلك كله ، ولسوء الحظ ، يزداد عدد السارقين والمجرمين في كل يوم للحد الذي اصبحت احصائيات الجريمة تقلق وتخيف مسؤولي اكبر الدول المتحضرة.

وهذه بعض تلك الاحصائيات المنشورة ، والتي سببها ترك قوانين الاسلام الجزائية وعدم العمل بها :

أ ـ تقرير وزير العدل :

في تقرير قدمه وزير العدل الايراني بتاريخ ٢ / ١ / ١٩٦٠ الىٰ البرلمان ( المجلس الوطني ) يقول :

« نحن نواجه هذه الحقيقة المرّة ، وهي التزايد المستمر لدعاوى الناس الحقوقية والجزائية ، ولابد من التفكير بحلّ لذلك ، وعلىٰ سبيل المثال : طبقاً للاحصائيات الموجودة عندي ، فان مجموع الاضبارات التي دخلت الىٰ جهاز

١٩٩

القضاء في الأشهر الستّة الاُولىٰ من سنة ١٩٥٩ ، هو ٣٦٢٦٦٥ في حين ان المجموع للاشهر الستة الاولىٰ من هذا العام بلغ ٤٤٤٣٩١ ، اي ان ما يقرب ثمانين الف اضبارة زادت عما كان عليه في العام الماضي ، وبالتأكيد فان العملية تصاعدية في السنوات السابقة أيضاً.

ونقلت الصحف آنذاك نصّ التقرير ، وهو نماذج صغير للجرائم الموجودة لبلد في طريقه الىٰ الرقيّ ، يرىٰ ان القوانين الجزائية الاسلامية وحشية ، ويريد ان يقف امام الجريمة بالقوانين التي تضعها عقول رجاله ورجال اوروبا المخمورين !!

ولا بدّ من كلمة لوزير العدل الذي يعجب للنتائج التي تعطيها قوانينهم الوضعية : ما ستراه في المستقبل اعظم بكثير ، فأنّك لا زلت في أول الطريق.

ب ـ سجن واشنطن :

طبقاً لاحد التقارير الذي نشرته صحيفة معروفة ، كانت في واشنطن سابقاً ٣٦٠٠ سجينة فقط ، اما هذه السنين فقد وصل عدد السجينات الىٰ ثمانية آلاف.

وفي مدينة فلادلفيا(١) يطلق سراح النساء اللواتي يصدر الحكم بسجنهن ، لان سجون النساء مكتضة ، وليس هناك مكان للسجينات الجُدد.

________________

(١) هذه الاحصائيات تعود لثمان سنوات قبل ، أمّا الآن فالله العالم.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

وبذلك سيستهزيء بالاسلام واحكامه ، ولن يكون حريصاً في تعليمه للطلاب ، فهل نترك ابناءنا يتعلمون ويفهمون الاسلام من خلال هؤلاء.

هذه يا سيد بيضاوي مادة التربية الدينية التي تدرّس في مدارسنا !!

عباس بيضاوي : فيما يتعلق بالتربية الدينية ، كلامك صحيح ، لكن يجب ان لا نغفل ان التربية والتعليم في بلادنا تقدمت خطوات واسعة وقامت بانجازات كثيرة.

الشيخ : سيد البيضاوي ! ارىٰ انه من الافضل لك ان تترك الدفاع عن مؤسسات التربية والتعليم الىٰ شخص آخر ! فما هي الخطوات الواسعة والانجازات التي تمت في مجال التربية والتعليم ، ولو ترىٰ شبابنا يسيرون في الاتّجاه الصحيح ، فهو سبب نبوغهم الذاتي واصالتهم وجهود بعض الخيّرين من الاساتذة وعلماء الدين ، وليس سببه برامج التربية والتعليم التي تقررها الوزارة ، خاصة في ضوء الظروف الحالية السائدة في البلاد وتكاليف الدراسة التي ستجعل العلم في هذا البلد أيضاً محصوراً بابناء التجار والمستثمرين.

داء بلا دواء

ولو تركنا هذا كله ، فهناك مشكلة كبيرة ومهمة ستواجه البلد في المستقبل ، وهذهِ المشكلة هي من صنع الثقافة السائدة والتربية والتعليم الحالي ، وهي عدم وجود عدد لازم من الفروع والجمعيات الصناعية والمهنية ، لان طلابنا لا يحلمون الّا بمنضدة وكرسي في احدىٰ الدوائر المكيّفة جيداً وان يكون احد موظفي الدولة ، ولا يفكر احد بمجالات اخرىٰ مثل : الزراعة

٣٦١

والميكانيك وغيرها من الفروع المنتجة والمفيدة للمجتمع.

اصدقائي الاعزاء !

من خلال هذا التفكير السائد ، ومع الاخذ بان جميع ابناءنا سيذهبون يوماً ما الىٰ المدارس والثانويات والجامعات ، ارجو أن تحكموا علىٰ مستقبل البلاد ومصيرها ، لان جيلنا القادم جميعه يريد وظائف حكومية ، وسنضطر في السنوات القادنة الىٰ استيراد التجار والمزارعين والخياطين والخبازين و من الخارج ونضيفهم الىٰ جدول وارداتنا التي لا يمكن احصاءها ، وطبيعي فان الذنب في ذلك يعود الىٰ برامج التربية والتعليم. والآن يا أخي بيضاوي ! اذ قلنا هذهِ الثقافة لو لم تكن نتيجتها انحطاط البلاد وتبعية البلاد للأجانب علىٰ الاقل ، فأنها ثقافة ناقصة لا قيمة لها ؟

ـ تأييد الجميع واقرارهم.

٣٦٢

الموسيقىٰ من الناحيتين الصحّيّة والنفسية

في هذهِ اللحظة ارتفع فجأة صوت موسيقىٰ صاخبة من الغرفة المجاورة ، وكانت مرتفعة بحيث لم يكن بالاستطاعة سماع كلام الشيخ. فغضب اصدقاءه جميعاً ، اما الدكتور فنهض الىٰ الغرفة المجاورة ، وعندما فتح بابها ، خاطب الشخص الذي كان بحمل مذياعاً : أيُّها السيد المحترم ! لو كنت تحب سماع الموسيقىٰ. فلماذا تزعج الآخرين ؟ لربما هناك في الغرفة المجاورة مريض او شخصاً يشكو من الصداع او ضعف عصبي. أمّا صاحب المذياع الذي كان في الظاهر شاباً مؤدباً ، لكنه وللأسف في حقيقته بعيد عن كل أدب ونزاهة فما ان سمع كلام الدكتور المنطقي ، قال بخشونة : ما الذي تقوله ؟ نحن أحرار في هذا البلد نستطيع عمل كل ما يحلو لنا.

فقال له الدكتور : عزيزي ، اي قانون اعطاك كل تلك الحرية ، بحيث يمكنك سلب راحة الآخرين وحقوقهم ؟! ألا تعلم ان حرية الفرد للحد الذي لا تضر بحريات الآخرين وحقوقهم ، وأيضاً فالسيارة والقطار من الاماكن العامة التي لا يحق للشخص عمل ما يزعج الآخرين فيها ؟! وبغض النظر عن كل ذلك. ما هذا الذي تقوم به ، انت تتلف اعصابك وقواك بهذهِ الايقاعات البشعة ؟!

فقال الشاب للدكتور : الظاهر انك رجعي ، فما المانع من سماع الموسيقىٰ ، أليست الروح أيضاً بحاجة الىٰ غذاء.

٣٦٣

فأجابه الدكتور : لو كنت تريد معرفة تأثير الموسيقىٰ السلبي علىٰ الروح والعقل تعالى الىٰ غرفتنا واستمع الىٰ بحث يقدمه شيخ عالم في هذا الموضوع.

بعد هذا الاقتراح نهض الشاب مع الدكتور وجاء الىٰ الغرفة التي اجتمع فيها الشيخ واصدقاءه ، فسلما وجلسا ، ثم توجه الدكتور الىٰ الشيخ وقال له : ايها العم العزيز ، هذا الشاب يريد ان يعرف تأثير الموسيقىٰ في الصحة والنفس ، في ضوء آخر نظريات كبار العلماء.

الشيخ : كثيرة هي الاضرار التي تتركها الموسيقىٰ علىٰ الصحة والنفس ، ولكن ، قبل الخوض في تأثيرات الموسيقى السلبية ، لابد من الاشارة الىٰ ان علماء الفسيولوجيا قسمّوا الجهاز العصبي عند الانسان الىٰ قسمين :

1 ـ الاعصاب الارتباطية.

2 ـ الاعصاب النباتية.

والاعصاب النباتية تنقسم بدورها الىٰ قسمين هما : السمباتيك والباراسمباتيك.

والاعصاب السمباتيك في الجسم هي : تضييق الاوردة والشرايين ، بسط العضلات ، منع الترشح ، رفع ضغط الدم.

أمّا وظيفة الباراسمباتيك ، فهي تماماً عكس الاولىٰ ، مثل : توسيع الاوردة والشرايين ، قبض العضلات ، ايجاد الترشح ، تخفيض ضغط الدم.

٣٦٤

وما دامت هاتان المجموعتان العصبيتان بدون محرك خارجي ، فانهما تعملان بشكل منظم معاً وتشتركان في الحفاظ علىٰ تعادل الجسم ، ولكن اذا كان هناك محرك خارجي ، فانهما تخرجان من حالتهما الطبيعية وتكون النتيجة اضطرابات نفسية وجسدية عديدة.

ومن أهم العوامل الخارجية المحركة والتي تخلّ بتعادل السمباتيك مع الباراسمباتيك هي الارتعاشات الموسقية. فالموسيقىٰ وعلىٰ شكليها الحزين والمُسرّ تؤثر احياناً علىٰ تعادل هاتين المجموعتين العصبيتين بحيث تخلّ بالكثير من اعمال الجسم الطبيعة مثل : الدفع والترشح وضغط الدم وضربات القلب و مما يعرض الشخص الىٰ الكثير من الامراض. فالموسيقىٰ الصاخبة ونتيجة لتحريك الاعصاب النباتية ، قد تؤدي احياناً الىٰ اضطرابات نفسية تجعل الشخص يقوم بحركات ونشاطات مفاجئة ولا ارادية كالضحك والثرثرة والفرح المفرط والهيجان وقد ينتهي به الامر الىٰ نوع من الجنون يتميز بالانفعال الشديد(1) .

اصدقائي الاعزاء !

بعد هذهِ المقدّمة سأوضح لكم الآثار السلبية للموسيقىٰ بالتفصيل ، وهي عبارة عن :

1 ـ الموسيقىٰ سبب رئيسي في الانهيار العصبي :

________________

(1) mania

٣٦٥

اهم تأثير للموسيقىٰ هو اضعفاها للأعصاب ودورها في الانهيار العصبي ، واهمية هذا الامر جعلت عالمنا المعاصر يعيش حالة من الرعب ، لان ضعف الاعصاب يعد العامل الرئيسي ومصدراً لكل والوكعات الجسمية والنفسية ، ويعدّ ضعف الاعصاب من الامراض التي يصعب علاجها اليوم وهو اخطر من مرض السلّ كما انه شائع اليوم في جميع انحاء العالم خاصة الدول الغربية ، ولهذا قامت دراسات وابحاث عديدة حوله من قبل المحافل والمؤسسات الطبية وقد بينت النتائج ان الموسيقىٰ الصاخبة هي السبب الرئيسي له.

وهد أكّد هذا الرأي العديد من علماء اوروبا وامريكا ، وقبل به الجميع بالتدريج ، للحد الذي قام فيه عدد من المثقفين والكتاب والعلماء الامريكيين ، بأعداد لائحة وقدموها الىٰ مجلس الشيوخ الامريكي. لمنع اقامة حفلات موسيقية صاخبة في الاماكن العامة ، لأنها السبب في الكثير من الامراض ، وخاصة ضعف الاعصاب.(1)

2 ـ الموسيقىٰ سبب ضعف الارادة والالتفات غير الطبيعي :

ومن التأثيرات السلبية الاُخرىٰ للموسيقى ، هو تضعيف الارادة وايجاد التفاته غير طبيعية عند المستمع ، لان الموسيقىٰ وبسبب التأثيرات الصوتية والارتعاشات توجد حالة من البهتة والالتفات غير الطبيعي عند المستمع ، مما يؤدي بدوره الىٰ تأثيرات مبهمة في المخ علىٰ حدّ قول علماء النفس(2) ، وهو

________________

(1) الاسلام والموسيقىٰ ، نقلاً عن مجلة « ديمانش ايولستر » الباريسية.

(2) psychologie

٣٦٦

عامل رئيسي في ضعف الارادة ، لأن المستع وكأنما يركز كل قواه في اُذنيه وبذلك يفقد السيطرة علىٰ سائر اعضاء جسمه ، ولهذا نشاهد احياناً حركات يقوم بها المستمع للموسيقىٰ ، دون ارادة ، وهو في الحقيقة نوع من الرقص الخفيف.

3 ـ الموسيقىٰ سبب في جمود الذهن :

ومن التأثيرات التي تتركها الموسيقىٰ علىٰ الانسان ، هو الركود والجمود الفكري والذهني ، للحد الذي سميت فيه الموسيقىٰ بحجاب العقل ، لان الانجذاب الروحي الذي يحدث عند الشخص الذي يسمع الموسيقىٰ ، يؤدي به الىٰ نوع من الصمت والتحجر العقلي ، بحيث انه حتىٰ لو كان من كبار المفكرين ، في تلك اللحظة ، يصبح عقله غير منتج ، ولو كان من كبار القضاة فسيعجز في تلك اللحظة عن البتّ في ابسط حادث ، بعبارة اخرىٰ ستتأثر قواه العقلية بالاصوات الموسيقية الىٰ حد يعجز عن استخدام عقله في المجالات العلمية ومن اجل حلّ المعضلات الاجتماعية ، ولذلك فكبار المفكرين وبعض الاحيان الطلبة الجامعيين الذين يسمعون الموسيقىٰ بكثرة ، بطيئون في الامور الفكرية ومتخلفون في مجال الرياضيات.(1)

4 ـ الموسيقىٰ سبب ارتفاع ضغط الدم :

التأثير الرابع للموسيقىٰ ، هو انها احد اسباب ارتفاع ضغط الدم ، فقد قام احد الاطباء الاوروبيين بتجربة لمعرفة العلاقة بين الموسيقىٰ وارتفاع ضغط الدم فوضع جهازاً لقياس الضغط علىٰ يديه وفتح المذياع يستمع

________________

(1) الاسلام والموسيقىٰ.

٣٦٧

لمختلف البرامج الموسيقية ، فتوصل من خلال تلك التجربة الىٰ النتائج التالية :

أ ـ كلما كانت الموسيقىٰ عنيفة اكثر ، ازداد ضغط الدم ، وعندما كان يستمع لموسيقىٰ خاملة تؤدي للكسل والانحلال. كان انخفاض مؤشر الضغط بحدّ ارعب فيه الطبيب.

ب ـ بعض البرامج الموسيقية ، لم تكن مؤثرة في المستمع بأي نحو من الانحاء.

ج ـ كان لبعض الموسيقىٰ تأثير مهدىء ، وباستمرارها لفترة جعلت الضغط ينخفض اقل من الحدّ الطبيعي.

د ـ وكانت هناك نوع من الموسيقىٰ ، لها تأثير علىٰ ضغط دم الدكتور بحيث اعتبرت تهديداً حقيقياً علىٰ صحته.(1)

5 ـ الموسيقىٰ من عوامل الجنون :

في بعض سجون روسيا الخاصة بالسجناء السياسيين هناك تعذيب خاص يسمىٰ « هومة او باتيك ». وعلىٰ غرار ذلك ، قاموا في احد سجون « روسيا » بتعريض سجين سياسي الىٰ موسيقىٰ وطنية منها النشيد الوطني الروسي. وذلك كي يعلموه حب الوطن ! لكن المسكين جُنَّ بعد خمسة اشهر فقط.(2)

________________

(1) الاسلام والموسيقىٰ ، نقلاً عن مجلة « ريدرز ايجست » ، ترجمة الدكتور صائبي.

(2) الاسلام والموسيقىٰ ، ترجمة ، جينور.

٣٦٨

6 ـ الموسيقىٰ سبب في الفجور :

ومن اهم التأثيرات الموسيقىٰ السيئة ، هي انها تسوق المستمع خاصة الفتيان والفتيات نحو الفاحشة ، لانها تحرك قواهم الشهوانية ، لأن الشباب وقبل سماعهم الموسيقىٰ ربما يعيشون حالة حياء وخجل او عوامل اخلاقية اخرىٰ لذلك لا يرضون بارتكاب اعمال حيوانية منافية للعفّة ، لكنهم يكونون مستعدين للقيام بأقبح الاعمال تحت تأثير الموسيقىٰ الصاخبة ، ولذلك يمكن القول ان الموسيقىٰ وخاصة الصاخبة منها لها دور كبير في اشاعة الفحشاء والمنكر اليوم.

7 ـ الموسيقىٰ تميت العواطف :

من تأثيرات الموسيقىٰ الاُخرىٰ ، انها تميت العاطفة والاحاسيس في مستمعها ، ولقد شوهد اشخاص كثيرون كانوا علىٰ درجة عالية من العاطفة والاحساس والشعور وكانوا يتأثرون لمشاهدة ابسط منظر ، لكنهم فقدوا تلك العاطفة وذلك الشعور بعد ان استمعوا للموسيقىٰ بشكل مستمر ، بحيث اصبحت اعنف المواقف لا تأثر فيهم قيد انملة ، وكلما ازداد سماع الموسيقىٰ قلّت العاطفة.

وهنا لابد من الاشارة الىٰ اننا قد نشاهد تأثر اهل الموسيقىٰ الشديد لمشهد بسيط يشاهدونه وقد يبكون أيضاً عليه ، ولكن هذا التأثر والبكاء سببه ضعف الارادة وعدم وجود تعادل لديهم ، لهذا علينا ان نفرّق بين العاطفة وضعف الارادة والاعصاب.

٣٦٩

اصدقائي الاعزاء !

هذهِ بعض اضرار الموسيقىٰ الصحية والنفسية ، والآن لنسمع نظريات بعض اشهر علماء اوروبا حول تأثيرات الموسيقىٰ السلبية :

رأي الدكتور ولف :(1)

ذكرت مجلة « ديمانش ايلوستر » التي تصدر في باريس :

« علىٰ الرغم من ان علماء القرن الاخير ، التفتوا الىٰ التأثيرات السيئة التي تتركها الموسيقىٰ في الانسان ، لكنه لا يزال العديد من الناس يجهلون ذلك ، حتىٰ اثبت الدكتور ولف پروفسور في جامعة كولومبيا(2) قبل سنوات ان افضل واكثر الالحان الموسيقية جذابيّة هي اكثرها تأثيراً علىٰ اعصاب الانسان ، خاصة اذا كان الطقس حاراً فان تأثيراتها المخربة تزداد ، وفي مناطق حاره مثل السعودية وبعض نواحي ايران فان تأثيرها سيء للغاية ».(3)

رأي الدكتور الكسيس كارل(4)

يقول الدكتور كارل ، عالم الفسيولوجيا الفرنسي الكبير :

________________

(1) Wolf

(2) Colombia

(3) الاسلام والموسيقى.

(4) Dr, A. carril

٣٧٠

« لربما ينتج عن ارضاء بعض الشهوات نوع من الاهمية ، ولكن ليس هناك شيء اسفه من الحياة التي لا تعرف سوىٰ الرقص والتجوال بالسيارات ومشاهدة الافلام وسمع الموسيقىٰ » !!

ويضيف : « العديد من العمال الشباب يملأون اوقات فراغهم بالذهاب لدور السينما والديسكوهات والنوادي الليلية ، او قراءة القصص السخيفة والهذيان مع بعضهم ، او سماع اكاذيب المذياع ، وبعض الطلاب لا يستطيعون حفظ دروسهم الّا عن طريق المذياع ، والمذياع ايضاً كالسينما والموسيقىٰ يجعل الذين يولعون به في غاية الكسل. ومع ان التنزه اكثر من الحدّ الطبيعي ، لا ينسجم مع الحياة. لأن الحياة عمل ، الّا ان اغلب الطلاب والموظفين والعمال و يعتبرون النزهة الشرط الوحيد في الحياة ! »

وفي بحث آخر يقول الدكتور كارل :

« ان اتجاه العمال المفرط نحو المشروبات الكحولية دمرّ مجتمعنا ، والبرامج الرياضية الرديئة التي تبث من الاذاعة او التلفزة ، اخذت بمعنويات ابناءنا ، ومع ان الحكومات منعت منذ زمن تناول لحم الحيوانات المصابة بالسلّ وأمراض اخرىٰ ، إلّا اننا بحاجة اليوم الىٰ قوانين تحدّ من انتشار تناول المشروبات الروحية المفرط والسفلس والامراض النفسية التي تسببها الافلام السينمائية والاذاعة والتلفزة والمجلات ، ولان اتلاف الوقت بمشاهدة الافلام السينمائية وسماع المذياع يقللان من الذكاء.(1)

________________

(1) الاسلام والموسيقىٰ.

٣٧١

افضل جائزة لأفضل مغني !

اصدقائي الاعزاء !

وبعد ان سمعتم بالتأثيرات السيئة التي تتركها الموسيقىٰ علىٰ صحة الانسان وسلامته النفسية ، وكذلك الىٰ نظريات كبار علماء اوروبا وامريكا في هذا الصدد ، أليس من المؤسف ان تقدم في بلادنا سنوياً جائزة لافضل ملحّن ومغني وعازف ، تبلغ قيمتها ستون الف تومان(1) في حين ان جائزة افضل كتاب في السنة لا تتعدىٰ خمسة آلاف تومان فقط ؟! ألن يتساءل العالم : ما الذي يحدث في ايران حتىٰ انها تفضل المغنين والملحنيين علىٰ العلماء ، تفضل الشاب او الشابة الذي لا يعرف سوىٰ الغناء او العزف وتلهية الشعب المسكين واغفاله ، علىٰ العالم الذي قضىٰ جلّ حياته في طلب العلم والبحث العلمي ، وفي مثل هذا البلد ما هو مصير العلماء والعلم. فهل سيتقدم ويتطور بلد تكون فيه الراقصات اكثر قيمة من العلماء ؟! واذن ، علام كل هذهِ المهاترات والتبجحات ، بدعم العلم والثقافة ؟! بالاضافة الىٰ ذلك ، أليس في هذا البلد من هو احق بمثل تلك الجوائز ؟! وأما كان من الافضل ان يعطىٰ هذا المبلغ لافضل مزارع ، حتىٰ ينتج محاصيل جيدة ، او الىٰ موظف يخدم بلده وشعبه بصدق ، او الىٰ عامل ومهني مبدع ؟! ألا يحق للانسان الذي يشاهد هذهِ الاعمال التي تجري في البلدان يقول لو اننا متخلفون عن الغرب خمسين سنة صناعياً ، فاننا وبعض حكامنا متخلفون اكثر من ذلك عن الغرب فكرياً. فالكثير من اعمال

________________

(1) صحيفة اطلاعات ، العدد 10133.

٣٧٢

التي قام بها الغرب في الخمسين سنة الماضية تركها اليوم بعد ان وقف علىٰ مضارها الصحية والاجتماعية. في حين ان بلادنا لا زالت تريد الاتجاه نحو تلك الاشياء التي نبذها الغرب ، وتخصص لها جوائز باسم الفن ! والظاهر ان الفن الايراني هذه الايام اقتصر علىٰ الغناء والرقص فقط !!

الاسلام لا يمانع من استخدام المذياع او التلفاز

ولكن.. ارحموا اطفالكم وابناءكم

ايها المسلمون الغيارىٰ ! وايها الطامحون بسعادة انفسهم وأسرهم ! ويا من لا زال ضجيج حضارة الغرب لم يصمّ اسماعهم ويستطيعون سماع الحقائق واتباعها ! تعالوا وارحموا اطفالكم وصغاركم الذين لا ذنب لهم ، واذا لم تستطيعوا السيطرة علىٰ المذياع والتلفاز داخل البيت فالافضل ان لا تدخلوهما اليه.

ايها المسلمون الغيارىٰ ! أتعلمون عظمة الذنب الذي ترتكبونه وانتم تأخذون مثل هذهِ الاجهزة الىٰ منازلكم ( مع الاخذ بالبرامج الاستعمارية التي تبثها القنوات الاستعمارية في بلادنا ) ، فبشراءكم لهذهِ الاجهزة وادخالها للبيت دون السيطرة عليها ، تجعلون افكار وعقول نساءكم وابناءكم بيد حفنة من المغنين والمغنيات والراقصات !.

ايها المسلمون الشرفاء ، كيف ترضون بأن تصبح عقول ابناءكم مراتع لأفكار هؤلاء المنحطين والفاسقين ، الذين سيبعدون ابناءكم واهليكم عن كل فضيلة وخُلُق. وبالنتيجة سيجدون بعد فترة ورغم انكم منعتم اطفالكم

٣٧٣

وابناءكم من الاختلاط بمثل هؤلاء الناس. الّا انهم يعرفون كل انواع الرقص والغناء ، أتدرون من اين تعلموا ذلك ؟ نعم انا اقول لكم ، لقد تعلموا هذا الدرس القبيح والسيء من الراديو والتلفاز الذي ادخلتموه بأيديكم الىٰ البيت.

الاذاعة والتلفزة اللتان يقع عليهما جزء كبير من مسؤولية ارشاد الناس وتوجيههم بالمعنىٰ الحقيقي ، اصبحا اداة بيد الحكومات لكي تلقن الشعب ما ترتضيه هي ، وهذه الادوات في بلادنا اصبحت تعرّف لنا الراقصات والاميين والمستبدين بعناوين مختلفة مثل الفنانات والشخصيات البارزة والرجال العظماء و...!

اصدقائي الاعزاء !

ألا تعلمون ان الجهاز الاعلامي في بلادنا اصبح من اهم اسباب شقاء المجتمع وتعاسته ، ويقوم بتوجيه شبابنا وصغارنا ( جيل المستقبل ) نحو الرذيلة والفساد والشقاء دون ضجّة وبأعصاب باردة جداً ، وللأسف الشديد نشاهد انتشار هذين الجهازين ( المذياع والتلفاز ) في جميع الاماكن ، فالاسر التي لا تجد لقمة عيش تسدّ بها جوع اطفالها ، لابد ان تشتري احد هذين وخاصة التلفاز لانه اصبح من ضروريات الحياة الحديثة كما يقولون !!! وارجو ان لا نتصور ان الاسلام يحرم المذياع او التلفاز بحد ذاتها ، فهذان الجهازان قيمان جداً ، ويمكن الاستفادة منهما كثيراً في تثقيف الناس ورفع المستوىٰ العلمي ، اما عدم جوازه للجميع فهو بسبب البرامج التي تبثها هذهِ الاجهزة

٣٧٤

اليوم ، ولانهما اصبحا منطلقاً لتنفيذ مخططات الاعداء في افساد الشاب وتدمير ثقافة الامة والشعب ، ولان الاذاعة والتلفزة اصبحتا مركزاً للهو والفساد والغناء ، وهما من عوامل تخلف الناس فكرياً وروحياً ، ولهذا السبب يعتبر امتلاك المذياع والتلفاز غير جائز للجميع ، لانهما فارغان من البرامج المفيدة وليس فيها الا اغنية تتلوها اغنية اخرىٰ ورقص يتلوه رقص آخر و... هكذا ، فهل وصل هذا الشعب المسكين الىٰ هذهِ الدرجة من السعادة في العيش ، بحيثُ لابد ان يقضي ساعات طويلة من يومه بالغناء والرقص !!

اجل كل ذلك من اجل خنق صوت الشعب ، واغفاله عن التفكير بثرواته التي تنهب ، ومن اجل ان لا يلتفت الىٰ حياة الذل التي يعيشها ، وحتىٰ لا يفكر : الىٰ متىٰ نكون تبعاً للأجانب الذين يقضون في كل شاردة وواردة عندنا ، في حين ان العديد من شعبنا يموت لانه لا يمتلك ما يأكله او حتىٰ جرعة ماء مصفّىٰ يشربها ، والظاهر ان الاجانب وعملاؤهم لم يجدوا افضل من هذهِ الوسائل لاغفال الناس وألهاءهم ، وليس هناك افضل من تلك الاصوات العذبة ! والراقصات ( الفنانات ) الجميلات ! لهذا الغرض.

أليست هذهِ الالحان الراقصة والملهية ، هي ـ علىٰ الاقل ـ مصداقاً بارزاً لـ « اللهو واللعب » الذي ينهىٰ عنه القرآن الكريم.

٣٧٥

المشروبات الكحولية

آه يا ناس ادركوني قتلني هذا النذل هذا الساقط

بمجرد سماعهم لهذهِ الكلمات نهض الركاب من مكانهم وخرجوا من غرفهم ليعرفوا حقيقة الامر وما الذي حدث ، وهكذا خرج الشيخ واصدقاءه ليروا ما الامر ، لكن ازدحام المسافرين الذين كانوا ينظرون الىٰ حادث وقع ، حال دون مشاهدتهم ، لكن شرطة القطار قامت بتفريق المسافرين وادخالهم الىٰ غرفهم ، وبما ان غرفة الشيخ كانت قريبة من مكان الحادث ، لذلك تمكنوا من ان يشاهدوا جثة شاب ملقات علىٰ الأرض تسبح بدمائها فيما الشرطة تمسك بشاب آخر ثمل واقتادته الىٰ جهة اخرىٰ من القطار. وعندما سأل الشيخ واصدقاءه عن الحادث ، قال بعض المسافرين : ان هذين الشابان كان يلعبان القمار وهما ثملين وبعد ربح وخسارة لكل منهما اخذا يتمازحان ، لكن مزاحهم انتهىٰ الىٰ العراك ، ولم نسمع إلّا واحدهما ينادي : آه يا ناس ادركوني قتلني هذا النذل هذا الساقط ، فخرجنا ورأينا ما شاهدتموه انتم أيضاً ، فتأثر الشيخ واصدقاءه كثيراً لهذا الحادث واقفلوا راجعين الىٰ غرفهم.

الدكتور : لا ادري اي مرض هذا القمار والخمر الذي ينتشر بين هذا الشعب المسكين ، ومسؤولي البلد غافلون ولا يعملون شيئاً لتخليص الناس منه.

٣٧٦

عباس بيضاوي : ماذا تفعل الدولة ، فالمشروب لا يمكن اجتثاثه ، لانه ضروري في بعض الاحيان ! وعلىٰ الناس ان لا يفرطوا في تناوله.

الشيخ : اتدري ماذا تقول يا سيد بيضاوي ، فهل تريد ان يبقىٰ هذا السمّ المهلك في البلد ؟! اتدري ما الذي تفعله المشروبات بأجسام هذا الشعب المسكين والشقيّ ؟

عباس بيضاوي : اعلم بعض مضاره ، ولكن ليست بحد الذي ادعوا لاجتثاثه من البلد ، فإذا تفضلت علينا برأي الصحة والطب فيه ، لربما اشاركك الرأي في منعه تماماً.

الشيخ : ان مضار المشروبات الكحولية اكثر من ان احصيها في هذه العجالة ، لكني سأتحدث عنها باختصار :

1 ـ المعتادون علىٰ المشروبات الكحولية اعمارهم قصيرة :

اثبت الدكتور باركر احد اشهر اطباء نيويورك. ان موت خمسين شاباً ( 21 ـ 22 سنة ) من المدمنين علىٰ شرب المسكر ، يقابله موت اقل من عشرة شباب غير مدمنين عليه.

وكذلك ، طبقاً للابحاث التي قام بها الانجليزي المشهُور بيسون ، فإن الشباب الذين يتصور انهم يعيشون الىٰ سنّ الخمسين سنة. لا تستمر اعمارهم اكثر من خمس وثلاثين سنة بسبب تناول المشروبات الكحولية.

ويقول السيد « توماس هويتغر » ان شركات التأمين علىٰ الحياة ، ثبت لديها ان اعمار الاشخاص المدمنين علىٰ تناول المشروبات الكحولية اقل من

٣٧٧

اعمار الآخرين بنسبة 25 الىٰ 30 بالمئة ؛ أي لو كان متوسط اعمار غير المدمنين اربعين سنة ، فان متوسط اعمار المدمنين سيكون ثلاثون او ثمان وعشرون سنة.(1)

ويقول وزير الصحة الفرنسي ( برناردشنو ) في احصائية مدهشة حول خسائر المشروبات الكحولية :

« ان خسائر الافراط في تناول المشروبات الكحولية بلغ سنة 1956 عشريف الف شخص »(2) .

ويقول الامين العام للجنة الدولية لمكافحة المسكرات :

ان 25% من الاخطار والسوانح التي تظهر في العمل ، و 57% من حوادث السيارات في فرنسا سببها استعمال المشروبات الكحولية.(3)

2 ـ المشروبات يؤدي الىٰ مرض الكحولية :

يقول الطبيب الفرنسي المعروف ، السيد دوبوي ، في كتابه « الطب الحديث » : تسوق المشروبات متناوليها نحو مرض يسمىٰ الكحولية ( Alcoholism ) ، فالسكران يشعر في بداية الامر بنوع من اللذة والنشوة ، لكن تلك اللذة تتحول بسرعة الىٰ ألم وضعف ، ولكن هذهِ اللذة السريعة هي التي تجعل الاشخاص يدمنون علىٰ شرب المسكر ، وهذا الادمان والافراط في شرب المسكر يؤدي بهم الىٰ نوع من التسمم يسري في جميع الاعضاء والدم و

________________

(1) مضار المشروبات الكحولية.

(2) مجلة الصحة ، العدد 12.

(3) المصدر نفسه.

٣٧٨

يصل الامر الىٰ سوء الهضم وتعطل عمل المعدة والكبد ، وتسوء حالة المجاري التنفسية وكذلك المجاري البولية ، ويظهر اختلال في الاعصاب ، وبالنهاية يؤدي الىٰ الجنون والخرف ، وفي بعض الاحيان يموت الشخص قبل تلك الحالة ؟

يقول الدكتور « غاليته بواسيه » الفرنسي :

في جميع المشروبات الكحولية سمّ يدعىٰ الكحول ( Alcohol ) وطبيعي كلما كان الحكول كثيراً في المشروبات ازدادت اضراره أيضاً.

ولهذا فالخمرة التي يوجد في كل عشرين غرام منها 8 ـ 10 غرامات كحول تكون اكثر ضراراً من سائر المشروبات الروحية.

والكحولية : هي التسمم الذي ينشأ عن الافراط في تناول المشروبات الكحولية والتي تؤدي الىٰ تلف احشاء المريض وتوقف العديد من اعضائه ، فيتجه المدمن نحو الموت دون ان يشعر ، والكحولية لا تحدث فجأة ، بل تظهر بالتدريج »(1) .

3 ـ تأثير المشروبات الكحولية علىٰ الدورة الدموية :

ان تناول الكحول يؤدي الىٰ الاخلال في عمل الدم وايصاله الغذاء الىٰ انسجة الجسم. كما تؤدي الىٰ تراكم الدهنيات المحيطة بالقلب مما يضعّف حركة القلب ، لذلك ، فان نبض المدمنين علىٰ الكحول بطيء في الغالب وغير منظم ، وهو السبب في اكثر امراض القلب ، كما ان الكحول يؤدي الىٰ

________________

(1) مضار المشروبات الكحولية.

٣٧٩

تصلب الشرايين وبالنتيجة الىٰ ارتفاع ضغط الدم ، وقد ينتهي الامر بتمزق الشراين.(1)

4 ـ تأثير المشروبات الكحولية علىٰ القلب :

ذكر استاذ كلية الطب ورئيس مستشفىٰ « سينا » في خطاب له :

« مع ان للقلب عصبان : احدهما. « بنومونماستريك » الذي يبطيء الانقباضات او يجعلها معتدلة ، والآخر ، « سمباتيك » الذي يسرّع الانقباضات ، فلو قطع هذين العصبين ، لأستمر القلب في نشاطه ، بشرط أن لا يكون الشخص مدمناً علىٰ الكحول اولاً ، ومصاباً بمرض السفلس ثانياً »(2)

5 ـ تأثير المشروبات الكحولية علىٰ الجهاز التنفسي :

ان المشروبات الكحولية تؤدي الىٰ تورم الحنجرة والقصبة الهوائية فيخشن صوته ويزداد عنده السعال نتيجة للتحريكات التي تحصل في القصبة.

كما ان المشروبات الكحولية تجعل الانسان المستعد يصاب بمرض السلّ ، فالاحصائيات اشارت الىٰ ان اغلب المسلولين هم من المدمنين علىٰ المشروبات الكحولية.

وقد اثبت « البروفسور ماس » ان لمرض السلّ الرئوي ارتباط وثيق

________________

(1) المصدر نفسه.

(2) م. ن.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466