رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور12%

رحلتي من الظلمات إلى النّور مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 466

رحلتي من الظلمات إلى النّور
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 233518 / تحميل: 8000
الحجم الحجم الحجم
رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الفصل الثاني

ضوابط الحوار وآدابه

١ ـ شروط الحوار

٢ ـ آداب الحوار

١٦١
١٦٢

لما كان الحوار في الواقع الإنساني من الوسائل التي تستخدم لنشر الأفكار والإقتناع بها ؛ كان الهدف منه تعاون أطراف الحوار على معرفة الحقيقة والتوصل إليها ، تبصير كل منهما صاحبه بالأمور التي خفيت عنه حينما أخذ بنظر باحثاً عن الحقيقة ، وذلك باستخدام الحوار البريء من التعصب ؛ الخالي من العنف والإنفصال ، المتمشي وفق الأصول العامة للحوار الهادف البنّاء.

ولا يتحقق هذا الحوار إلا بعد تطبيق ما ذكره العلماء من الضوابط والآداب كما يلي :

١ ـ شروط الحوار :

ذكر العلماء والباحثون أنّ للحوار المّذون به شروطاً ينبغي إتباعها ، خشية أن يتحول إلى مماراة بعيدة عن الوصول إلى الحقيقة ، أو إلى مشاحنات أنانية ، ونحو ذلك مما يفسد القلوب ، ويهيج النفوس ، ويورث التعصب ولا يوصل إلى الحق ، نذكر منها التالي :

١ ـ أن يكون أطراف الحوار على معرفة بقوانين وقواعد الحوار ، متبعين المعايير العقلية والمنطقية ، باسلوب علمي رصين.

٢ ـ أن يكونوا على معرفة بالموضوع الذي يراد التحاور فيه ، بحيث يمكن التكلم بما يتناسب مع طبية المضوع المتحاور فيه ، بحيث لو تكلم أحد الأطراف لم يخبط خبط عشواء ، ولم يناقش في البديهيات بغير علم ، وإذا لُزم بالحق إلتزم به دون مكابرة.

٣ ـ أن يكون الموضوع مهماً ، أو مما يجوز أن تجري فيه المحاورة ضمن قواعد هذا الفن وضوابطه ، فالمفردات والبديهيات الجلية مثلاً ، لا تجري فيها المحاورة أصلا.

١٦٣

٤ ـ أن يكون المحاور متمكناً من الحوار ، بحيث يتمتع بوجهة علمية ومقدرة بيانية ، ومطلعاً على أفكار وآراء خصمه ، مستخدماً الألفاظ المناسبة الجزلة الفخمة ، متجنباً العبارات والألفاظ الركيكة.

وإلى هذا يشير إمامنا الصادق عليه السلام في الحديث التالي :

عن أبي خالد الكابلي ، قال : (رأيت أبا جعفر ـ صاحب الطاق ـ وهو قاعد في الروضة قد قطع أهل المدينة أزراره ، وهو دائب يجيبهم ويسألونه ، فدنوت منه فقلت : إنّ أبا عبد الله نهانا عن الكلام فقال : أمرك أن تقول لي؟ فقلت : لا ، ولكنه أمرني ألا أكَلِّم أحداً.

قال : فاذهب فأطعه فيما أمرك. فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فأخبرته بقصة صاحب الطاق ، وما قلت له ، وقوله لي : إذهب وأطعه فيما أمرك ، فتبسم أبو عبد الله عليه السلام وقال : يا أبا خالد ، إّ صاحب الطاق يكلّم الناس فيطير وينقض ، وأنت إو قصوك لن تطير)(٢١٢) .

٢ ـ آداب الحوار :

وضع العلماء لفَن آداب البحث والمحاورة جملة من الآداب ، وألزموا المتحاورين بها ، محافظة على سلامة المحاورة ، وتحقيقاً للغرض منها ، نذكر فيما يلي أهمها :

١ ـ أن يجتنب المحاور محاورة ذي هيبة يخشاه ، لئلا يؤثر ذلك عليه ، فيضعفه عن القيام بحجته كما ينبغي.

٢ ـ ألا يظن خصمه أقوى منه بكثير ، حتى لا يتخاذل ويضعف عن تقديم حجته على الوجه المطلوب.

__________________

(٢١٢) ـ الطوسي ، الشيخ محمد بن الحسن : رجال الكشي ، ج ٢ / ٤٢٤.

١٦٤

٣ ـ ألا يظن خصمه حقيراً ضعيفاً قليل الشأن ، فذلك يقلل من إهتمامه ، فيمكن خصمه الضعيف منه.

٤ ـ ألا يكون في حالة قلق نفسي وإضطراب ؛ أو في حالة نفسد عليه مزاجه الفكري والنفسي ، كأن يكون جائعاً ، أو ظامئاً ، أو نحو ذلك.

٥ ـ أن يتقابل المتحاوران في المجلس ، ويبصر أحدهما الآخر إن أمكن ، ويكونا متماثلين أو متقاربين علماً ومقداراً.

٦ ـ أن يجتنب كلا المتحاورين الهزء والسخرية ، وكل ما يشعر بإحتقار وإزدراء لصاحبه ، أو وسمه بالجهل أو قلة الفهم ، كالتبسم والضحك والغمز واللمز ونحو ذلك ، مما يثير عواطف الغير ، ويؤدي إلى إفساد المحاورة التي ينبغي أن تكون بالتي أحسن.

٧ ـ ألا يرفع صوته فوق المتعارف المألوف ، فإنّ هذا يدل على الشعور بالضعف والشعور بالمغلوبية ، بل ينبغي إلقاء الكلام قوي الأداء ، وإن كان بصوت منخفض هادئ ، فإنّ تأثيره أقوى بكثير من اسلوب الصياح والصراخ.

٨ ـ أن يتجنب ـ حد الإمكان ـ مجادلة طلب الرياء والسمعة ومُؤثر الغلبة والعناد ، فإنّ هذا من جهة يُعديه بمرضه فينساق بالأخير مقهوراً إلى أن يكون شبيهاً به في هذا المرض ، ومن جهة أخرى لا يستطيع الوصول مع مثل هذا الشخص إلى نتيجة مرْضِيّة.

٩ ـ ألا يكون المحاور متسرعاً يقصد إسكات خصمه في زمن يسير ؛ لأنّ ذلك يفسد عليه رويته الفكرية ، ويبعده عن منهج المنطق السديد ، والتفكير في الوصول إلى الحق.

١٦٥

١٠ ـ أن يحترز المحاور عن الإختصار المخل في الكلام ، وعن إطالة الكلام بلا فائدة ترجى من ذلك.

١١ ـ أن يأتي كل من المتحاورين بالكلام الملائم للموضوع ؛ فلا يخرج عما هما بصدده.

١٢ ـ ألا يتعرض أحدهما لكلام خصمه قبل أن يفهم مراده تماماً.

١٣ ـ أن ينتظر كل واحد منهما صاحبه حتى يفرغ من كلامه ، ولا يقطع عليه كلامه قبل أن يتمه.

١٤ ـ الإستعانة بالله عَزّ وجَلّ ، للتوفيق والوصول إلى الحقيقة ، فقد ورد عن إمامنا زين العابدين عليه السلام في الصحيفة السجادية ، من دعائه في مكارم الأخلاق : (اللهُمّ صل على محمد وآله ، واجعل لي يداً على من ظلمني ، ولساناً على من خاصمني ، وظفراً بمن عاندني)(٢١٣) .

وعنه عليه السلام ـ كما في المناجاة (المعروفة بالإنجيلية الطويلة) ـ : وأعوذ بك من دعاءٍ محجوبٍ ، ورجاء مكذوب ، وحياء مسلوب ، وإخاء مَعْبُوب ، وإحتجاج مغلوب ، ورأي غير مصيب)(٢١٤) .

__________________

(٢١٣) ـ زين العابدين ، الإمام علي بن الحسين : الصحيفة السجادية / ١١١ (جمع السيد محمد باقر الأبطحي).

(٢١٤) ـ نفس المصدر / ٤٣٩ ـ ٤٤٠.

١٦٦

الفصل الثالث

الحوار المتعلق بتربة الحسين (عليه السلام)

بحوث تمهيدية :

١ ـ الوحدة الإسلامية.

٢ ـ التقريب بين المذاهب الإسلامية.

٣ ـ دعوة إلى الحوار.

١٦٧
١٦٨

تلعب الشائعات وحجب الحقائق دوراً كبيراً في محاربة الأفكار والمعتقدات ، ولعل مرجع هذه الشائعات ، هي عوامل سياسية ومصلحة نفعية ، ومن بين تلك المعتقدات التي حوربت بهذه الطريقة عقيدة الشيعة الإمامية ، الذين يمثلون فئة كبيرة من المسلمين ، فقد بالغ المغرضون والوضاعون النفعيون ، في تصوير معتقداتهم ، وتحريفها عن واقعها ومدلولها الصحيح. وقد أشار إلى هذه الحقيقة الناصعة ، الدكتور حامد حنفي داود(٢١٥) بقوله : «يخطئ كثيراً من يدّعي أنّه يستطيع أن يقف على عقائد الشيعة الإمامية وعلومهم وآدابهم مما كتبه عنهم الخصوم من العلم والإحاطة ، ومهما أحرزوا من الأمانة العلمية في نقل النصوص والتعليق عليها بأسلوب نزيه بعيد عن التعصب الأعمى. أقول ذلك جازماً بصحة ما أدعي بعد أن قضيت ردحاً طويلاً من الزمن ، أدرس فيه عقائد الأئمة الإثني عشرة بخاصة وعقائد الشيعة بعامة. فما خرجت من هذه الدراسة الطويلة التي قضيتها متصفحاً في كتب المؤرخين والنقاد من علماء أهل السنة بشيء ذي بال. وما زادني إشتياقي إلى هذه الدراسة وميلي الشديد في الوقوف على دقائقها إلا بعداً عنها وخروجاً عما أردت من الوصول إلى حقائقها ذلك لأنّها كانت دراسة بتراء أحلت نفسي فيها على كتب الخصوم لهذا المذهب وهو المذهب الذي يمثل شطر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، ومن ثم اضطررت بحكم ميلي الشديد إلى طلب الحقيقة حيث كانت ، والحكمة حيث وجدت ، والحكمة ضالة المؤمن ، أن أدير دفة دراستي العلمية لمذهب الأئمة الإثني عشر إلى الناحية الأخرى ، تلك هي دراسة المذهب

__________________

(٢١٥) ـ أستاذ الأدب العربي بكلية الألسن العليا ، ورئيس قسم الأدب العربي بجامعة عين شمس ، من رواد الإصلاح ، ودعاة التقريب بين المذاهب الإسلامية.

١٦٩

في كتب أربابه ، وأن أتعرف عقائد القوم مما كتبه شيوخهم والباحثون المحققون من علمائهم وجهابذتهم. ومن البديهي أنّ رجال ال مذهب أشدّ معرفة لمذهبهم من معرفة الخصوم به ، مهما بلغ أولئك الخصوم من الفصاحة والبلاغة ، أو أوتوا حظاً من اللسن والإبانة عما في الشمس»(٢١٦) .

وقال الدكتور مصطفى الرافعي(٢١٧) : «... أجل ، عن مثل هؤلاء المستشرقين أو أولئك الجهلة والمغرضين أخذ خصوم الشيعة معلوماتهم عن الشيعة ، وأثاروا الكثير من الشبهات حول بعض المعتقدات التي يدينون بها ؛ أو الأحكام الفرعية التي يمارسونها ، فشوهوها وألبسوها لباس العداوة للإسلام حتى ظن معها قصار النظر ومن ليس لديه معلومات واسعة عن فقه الشيعة أنّ أتباع هذا المذهب بسبب إيمانهم بتلك المعتقدات أو ممارستهم لهذه الأحكام ، قد نؤوا عن الحق وجانبوا الصواب وربما بالغوا في التشنيع عليهم فقالوا : أنهم فرقة مرقت من الدين وخرججت من ربقة الإسلام»(٢١٨) .

هذه بعض كلمات الكتاب والباحثين من السنة ، الذين أنصفوا الشيعة الإمامية ، فيما حصل لهم من مظلومية وتشويه لسمعتهم أمام المسلم وغيره؟! والسؤال الذي ينبغي طرحه : ما هو الحل لعلاج هذه المشكلة الخطيرة؟

__________________

(٢١٦) ـ المظفر ، الشيخ محمد رضا : عقائد الإمامية / ٤١ ـ ٤٢ (تقديم).

(٢١٧) ـ كاتب وباحث لبناني ، ولد في طرابلس عام ١٩٢٣ م ، جمع بين الدراسة في الأزهر ـ حيث نال إجازة تخصص في القضاء عام ١٩٤٧ م ـ ، والدراسة في جامعة السوربون بفرنسا ، حيث نال شهادة الدكتوراه في الحقوق عام ١٩٤٨ م ، مثّل لبنان في كثير من المؤتمرات الإسلامية والثقافية ، وله مجموعة من المؤلفات.

(٢١٨) ـ الرافعي ، الدكتور مصطفى : إسلامنا / ١٣١.

١٧٠

لعلّ أهم الحلول التي طرحت لحلّ هذه المشكلة ، هي كالتالي :

١ ـ الوحدة الإسلامية :

والمراد بها إدماج مذهب في مذهب ، أو تغليب مذهب على مذهب ، وممن يرى هذه الفكرة الأستاذ أمين خولي(٢١٩) ، حيث قال : «أنا في العام الماضي تكلمت مع الشيخ محمد تقي الحكيم(٢٢٠) ، وقلت : فلنتنازل نحن السنة وأنتم الشيعة عن بعض الأشياء ، ونتفق على أشياء ونكون يداً واحدة»(٢٢١) .

وهذه الفكرة يصعب تطبيقها ، وقد أجاب عنها السيد مرتضى الرضوي بقوله ـ مخاطباً الأستاذ أمين الخولي ـ : «يا أستاذ ؛ لا يمكن التفاهم والإتفاق على شيء قبل أن نضع رجال الصدر الأول في ميزان الحساب ؛ لأنّهم خَلّفُوا أموراً خلافية كثيرة لا يمكن التغاضي عنها ، وتركها من دون علاج ، وبعد ذلك ، فمن السهل أن نتحد ونتفق على كل شيء. فسكت الأستاذ الخولي»(٢٢٢) .

٢ ـ التقريب بين المذاهب الإسلامية :

قامت مجموعة من أعلام المسلمين ـ ويأتي في طليعتهم الشيخ عبد المجيد سليم ، والشيخ محمود شلتوت ، والشيخ محمد تقي القمي ، والشيخ محمد محمد المدني ـ ، بتأسيس (دار التقريب بين المذاهب الإسلامية) وذلك سنة (١٣٦٦ هـ

__________________

(٢١٩) ـ من كبار الأساتذة وعمالقة الفكر في مصر ، ولد عام ١٩٠٤ م ، من أوائل أساتذة كلية الآداب بجامعة القاهرة ، وصل إلى منصب كرسي الأدب العربي بكلية الآداب بجامعة القاهرة ، كان من أبرز أعضاء المجلس الأعلى لدار الكتب المصرية ، الذي يضم جهابذة رجال الفكر والقلم في مصر.

(٢٢٠) ـ المراد به ، هو سماحة السيد محمد تقي الحكيم ، أحد علماء النجف ، عميد كلية الفقه في النجف الأشرف ، وأستاذ الفقه المقارن في جامعة بغداد ، وعضو المجمع العلمي في العراق ، وعضو مراسل المجمع اللغوي بمصر ، له بعض المؤلفات القيمة. ولد عام ١٣٤١ هـ ، وتوفي عام ١٤٢٣ هـ.

(٢٢١) ـ الرضوي ، السيد مرتضى : مع رجال الفكر في القاهرة / ٥١.

(٢٢٢) ـ نفس المصدر.

١٧١

ـ ١٩٤٧ م) ، في القاهرة ، وكان هدف هذه المجموعة ، عدم إستغلال الفوارق المذهبية ، وما يترتب على ذلك من شق صف المسلمين ، وإضعاف وحدتهم. كما كانت دعوتهم إلى تقريب وجهات النظر ، من خلال إلقاء الضوء على المشتركات بينهم ، وعدم السعي إلى إلغاء بعضها على حساب بعض ، وبعبارة أخرى ، تسعى إلى بقاء المسلمين كل على مذهبه ، وعدم دمجهم في مذهب واحد. وكان من ثمارها ، إصدار مجلة (رسالة الإسلام) صدر العدد الأول منها سنة ١٣٦٨ هـ ، وتوقفت في شهر رمضان سنة ١٣٩٢ هـ ، بعد ما صدر منها ستون عدداً ، إهتمت بأدب التقريب بين المذاهب. وإدخال الفقه الشيعي إلى مواد التدريس في الأزهر الشريف ، كما أصدر شيخ الأزهر محمود شلتوت فتواه بجواز التعبد بالمذهب الجعفري ، ونشرتها مجلة (رسالة الإسلام ـ في العدد الثالث ، من السنة الحادية عشر ، ص ٢٢٨ ـ عام ١٩٥٩).

يقول الشيخ الشعراوي ـ بعد هذه الفتوى : «الشيعة الإمامية الإثني عشرية ، وإمامهم جعفر الصادق ؛ بن محمد ، بن علي زين العابدين ، بن الحسين ، بن علي بن أبي طالب ، وهو أحد أساتذة الإمام ابي حنيفة ، رضي الله عنهم جميعاً ، وهؤلاء الإمامية الجعفرية ؛ الذين نوضح أنهم من أرباب ال مذاهب النقيّة ؛ هم الذين أصدر شيخنا المرحوم شيخ الأزهر محمود شلتوت ، فتواه المشهورة في صحة التعبد على مذهبهم ؛ معلّلاً ذلك بأنّه من المذاهب الإسلامية ، الثابتة الأصول المعروفة المصادر ، المتبعة لسبيل المؤمنين. نعم : لقد أخذنا في مصر طائفة من الأحكام في قوانين الأحوال الشخصية عن الشيعة الإمامية الإثني عشريّة ، ومنها بعض أحكام الطلاق ، والقول بالوصيّة الواجبة

١٧٢

في الميراث»(٢٢٣) . وخلاصة هذه الفكرة ـ على حد تعبير الشيخ كاشف الغطاء (قده)(٢٢٤) . «وليس معنى الوحدة في الأمة أن يهضم أحد الفريقين حقوق الآخر فيصمت ، ويتغلب عليه فيسكت ، ولا من العدل أن يقال للمهضوم إذا طالب بحق ، أو دعا إلى عدل إنك مفرق أو مشاغب ، بل ينظر الآخرون إلى طلبه ، فإن كان حقاً نصروه ، وإذا كان حيفاً أرشدوه وأقنعوه ، وإلا جادلوه بالتي هي أحسن مجادلة الحميم لحميه ، والشقيق لشقيقه ، لا بالشتائم والسباب ، والمنابزة بالألقاب ، فتحتدم نار البغضاء بينهما حتى يكونا لها معغاً حطباً ، ويصبحا معاً للأجنبي لقمة سائغة ، وغنيمة باردة»(٢٢٥) .

وبعد هذا البيان المستفاد من كلمات العلماء والباحثين ، نقول : أنّ الهدف من التقريب بين المذاهب الإسلامية هو الحد من تضييق شقة الخلاف ، وبعض الظروف في عهود غابرة ، ولو قدر لها أن تبحث بحثاً موضوعياً ؛ لوصل الفريقان إلى الوحدة والتعاون المشترك ، في المنافع والفوائد في النهاية.

٣ ـ الدعوة إلى الحوار :

إذا أراد المسلمون تشكيل قوة متحدة متماسكة ، تستطيع أن تفرض إرادتها وإحترامها ، وترفع راية الإسلام فوق ربوع الأرض ؛ فعليهم أن ينبذوا الخلاف بالحوار الهادف المخلص ، وهذه المهمة يتحمل عِبْأَها العلماء ورواد الفكر السلامي ، فقد قام جماعة منهم بالدعوة إلى الحوار ونبذ الخلاف ،

__________________

(٢٢٣) ـ الأهرام ـ السنة ١٠٣ ـ العدد ٣٢٩٣٢.

(٢٢٤) ـ الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء (١٢٩٤ هـ ـ ١٣٧٣ هـ) ، من أعلام الشيعة الإمامية ، ومنابع العلم والأدب ودعاة الاصلاح والتقريب بين المذاهب الاسلامية ، من فقهاء العراق.

(٢٢٥) ـ كاشف الغطاء ، الشيخ محمد حسين : أصل الشيعة وأصولها / ٦٦.

١٧٣

وعلى رأسهم العلمان البارزان : السيد عبد الحسين شرف الدين(٢٢٦) ، والشيخ سليم البشري(٢٢٧) .

وقد طَبّق هذا الحوار العلمان المذكوران بروح إتصفت بالنزاهة والطهر ، عَبّر عنها السيد شرف الدين (قده) بقوله : «وما أحسن ما يتعارف به العلماء من الورح النقي ، والقول الرضي ، والخلق النبوي ، ومتى كان العالم بهذا اللباس الأنيق المترف ، كان على خير ونعمة ، وكان ال ناس منه في أمان ورحمة ، لا يأبى أحد أن يفضي إليه بدخيلة رأيه ، أو يبثه ذات نفسه ، ذلك كان علم مصر وإمامها ، وهكذا كانت مجالسنا التي شكرناها شكراً لا إنقضاء له ولا حد»(٢٢٨) .

وقد إستغرق هذا الحوار مائة وإثنتي عشر حلقة ، وكان ذلك في الفترة ما بين ذي القعدة عام ١٣٢٩ هـ ، وجمادي الأولى عام ١٣٣٣ هـ ، وكانت حصيلة هذا الحوار كتب (المراجعات) ، الذي دَوّنه العالم الشيعي السيد عبد الحسين شرف الدين (قده) ، مما جعل لهذا الحوار أثره في العصر الذي جرى فيه والعصور المتأخرة ، بل يعتبر نموذجاً لكل من أراد الحوار الهادف ، وصرخة مدوية في أذن كل سني وشيعي ، أراد الوصول إلى الحقيقة ، أو على الأقل يعرف المذهب الجعفري بحقيقته الناصعة ، ولا يأخذها من كتب وأفواه خصومهم ، الذين لَفّقَوا فيهم التهم والأكاذيب. ومن بين تلك الأكاذيب ، عبادة التربة الحسينية الشريفة ، التي هي موضوع بحثنا.

__________________

(٢٢٦) ـ الشيخ عبد الحسين شرف الدين (١٢٩٠ هـ ـ ١٣٧٧ هـ) من أعلام الشيعة الإمامية ، ومنابع العلم والأدب ودعاة الإصلاح ، والتقريب بين المذاهب الإسلامية ، من فقهاء جبل عامل في لبنان.

(٢٢٧) ـ الشيخ سليم البشري (المالكي) ، ولد في محلة بشر ، بمحافظة البحيرة عام (١٢٤٨ هـ وتوفي عام ١٣٣٥ هـ) تولى مشيخة الأزهر مرتين : الأولى ـ من عام ١٣١٧ هـ إلى عام ١٣٢٠ هـ ، والثانية ـ من عام ١٣٢٧ هـ إلى عام ١٣٣٥ هـ. وفي عهده طبق نظام إمتحان الراغبين في التدريس بالأزهر.

(٢٢٨) ـ شرف الدين ، السيد عبد السحين : المراجعات / ٣٢.

١٧٤

نماذج للحوار في التربة الحسينية

١ ـ السيد الشيرازي مع رجل دين مصري.

٢ ـ السيد سلطان الواعظين مع الشيخ عبد السلام الأفغاني.

٣ ـ الشيخ الأنطاكي مع بعض أعلام السنة.

٤ ـ الدكتور التيجاني مع الشهيد الصدر.

٥ ـ المستر رايلي مع سكرتير وزارة المعارف العراقية.

٦ ـ الأستاذ محمد خير مع خصوم الشيعة.

١٧٥
١٧٦

١ ـ السيد الشيرازي(٢٢٩) مع رجل علم مصري :

قال السيد عبد الله الشيرازي (قده) : «كنت يوماً جالساً في الروضة النبوية المطهرة بعد الفراغ من فريضة الصبح ، قرب المنبر مشغولاً بقراءة القرآن وكان المصحف بيدي ، فجاء رجل شيعي ووقف على يساري وكَبّر للصلاة ، وكان على يميني رجلان من أهل العلم مصريان ـ على الظاهر ـ متكئان على الإسطوانة ، فأدخل المصلي يده في جيبه بعد تكبير الإحرام لإخراج التربة أو الحجر للسجود عليه ، فقال أحدهما للآخر : إنظر إلى هذا العجمي يريد أن يسجد على الحجر. فلما هوى المصلي للسجود بعد ركوعه ، حمل عليه أحدها ليختطف ما في يده ، لكني أمسكت على يده قبل وصولها إلى المصلي ، وقلت : لماذا تبطل صلاة الرجل المسلم ، وهو يصلي مقابل قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟

قال : يريد أن يسجد على الحجر. قلت : وأيّ بأس في ذلك؟ وأنا أيضاً أسجد على الحجر.

قال : كيف؟ قلت : هو جعفري ، وهذا هو الصحيح على مذهبنا ، ثم قلت : هل تعرف جعفر بن محمد عليهما السلام؟

قال : نعم. قلت : هو من أهل البيت؟ قال : نعم. قلت : هو رئيس مذهبنا ، ويقول لا يجوز السجود على الفراش أو السجاد ، ويقول : لابد أن يكون السجود على أجزاء الأرض. فسكت قليلاً ، ثم قال : الدين واحد ، والصلاة واحدة. قلت : إذا كان واحداً ، والصلاة واحدة ، فكيف تُصلون

__________________

(٢٢٩) ـ أحد الفقهاء الكبار ، والمراجع العظام ، ولد في شيراز عام ١٣٠٩ هـ ، وهاجر الى النجف الأشرف عام ١٣٣٣ هـ ، حتى أصبح أحد أعلامها ، وفي عام ١٣٩٥ هـ إستقر في مشهد المقدسة ، قائماً بأعباء المرجعية وإدارة حوزتها العلمية ، وتوفي بها عام ١٤٥ هـ ، ودفن بجوار الإمام الرضا (ع).

١٧٧

أنتم السنة في حال القيام على أربعة أشكال من جهة التكتف : فالمالكية يصلون مرسلين الأيدي ، والحنفية يتكتفون ، والشافعية نحو ثالثاً ، والحنبلية نحواً رابعاً ، مع أنّ الدين واحد ، والصلاة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت نحواً واحداً؟!

ولقنته الجواب ، وقلت : غير أنكم تقولون إنّ أبا حنفية هكذا قال : والشافعي هكذا ، والمالكي هكذا ، والحنبلي هكذا ، وصوّرت له بيدي صور الحالات الأربع. قال : نعم.

قلت : جعفر بن محمد الصادق عليه السلام رئيس مذهبنا الذي إعترفت بأنّه من أهل البيت أدرى بما في البيت ، لم يكن أقل من أبي حنفية ، ومن هؤلاء علمنا أنّه لابدّ أن يكون السجود على أجزاء الأرض ، ولا يجوز السجود على الصوف والقطن ، وهذا الإختلاف بيننا وبينكم لا يكون إلا مثل الإختلاف بين أنفسكم في كيفية الصلاة من جهة التكتف وغيرها من سائر الإختلاف بينكم في الفروع ولا يرتبط بالأصول ، ولا يكون مربوطاً بالشرك أصلاً. فصدقني الجالسون من أهل السنة ، حتى صاحب هذا الشخص الذي كان جالساً إلى جانبه ، ولما وجدت الجو مناسباً بعد تصديقه كلامي حملت عليه بالكلام الحاد ، وقلت : أما تستحي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تبطل صلاة رجل مسلم يصلي عند قبره ـ صلوات الله عليه وآله ـ بمقتضى مذهبه ، وهو مذهب أهل البيت صاحب هذا القبر ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تهيراً ، ولا يكون قولهم ومذهبهم إلا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومذهبه.

فحمل الجالسون عليه أيضاً بالكلام الخشن ، واعتذروا مني من إعتقادهم بأنّ السجود على التربة أو الحجر شرك من الشيعة. أقول : لا يكاد ينقضي تعجبي من أنّ علماءهم كيف أشربوا في قلوب عوامهم أنّ الجسود على التربة

١٧٨

الحسنية ، أو الحجر ، أو الخشب من سائر أجزاء الأرض شرك بالله ، مع أنّه في حال السجود يذكرون الله تعالى بالتحميد والعلو ، وكثيراً في حال السجود عليها ، يقولون : لا إله إلا الله ، أليس السجود على الحجر الذي هو جزء ـ من ـ الأرض مثل السجدة على نفس الأرض ، أو السجدة على الفراش ، أو الحصير أو السجاد؟ فإذا سجد على الأرض أو الحصير أو السجاد ، هل يكون ذلك بمعنى أنّه عبدها؟ فليكن السجود على الحجر مثل السجود عليها!

وأعجب من أصل الموضوع أنّ لسان أكثرهم عربي ، وهم أعرف بمعاني اللغة وخصوصيات معاني الألفاظ ، فكيف غفلوا أو تجاهلوا عن الفرق بين السجود عليه ، والسجود له؟ والسجدة على شيء سواء كان أرضاً أو حجراً أو فراشاً يحتاج تحقق العبادة معه إلى شيء آخر يكون هو المعبود ، ولا يكون نفس السجود عليه معبوداً وهل رأى أحد وثنياً أو صنمياً في مقام العبادة يضع الصنم على الأرض ويسجد عليه؟

لا والله ، بل يجعلون الأصنام في مقابلهم ويسجدون على الأرض ويخرّون عليها تخضعاً وتخشعاً لها ، فحينئذ المعبود هل الصنم أو ما سجد عليه من الأرض أو الحجر أو الشيء الذي سجد عليه ووقع تحت جبهته بلا إختيار ولا إلتفات أو معهما؟

فيا ليت كان في البين ثالث عارف باللغة يحكم بين الفريقين ، هل السجود لله على أجزاء الأرض عبادة لها وشرك بالله ، أو يكون مثل السجدة على نفس الأرض والمعبود في كليهما هو الله الواحد؟

وإن كان بحمد الله الحاكم موجوداً وهو اللغة. فنرجو ـ من الله ـ أن يتنبّه العلماء والفضلاء منهم إلى هذه النقطة ، وإن لم يكن تجااهلاً ، وينبّهوا عوامهم

١٧٩

إلى عدم نسبة الشرك إلى الشيعة ، لسجودهم على أجزاء الأرض من التربة الحسينية أو الحجر أو الخشب»(٢٣٠) .

٢ ـ السيد سلطان الواعظين(٢١٣) ، مع الشيخ عبد السلام الأفغاني :

قال السيد سلطان الواعظين (طاب ثراه) : «ولكنا إذا خالفنا العامة في صلاتنا ، بأن سجدنا على طينة يابسة فبدل أن يسألونا عن الدليل والسبب ، يتهمونا بعبادة الأصنام ويسمون تلك الطينة التي نسجد عليها بالصنم ، فلماذا هذا الجهل والجفاء؟! ولماذا هذا التفريق بين المسلمين؟!

قال الشيخ عبد السلام : كما قلتم بأنّ مجلسنا هذا إنما إنعقد للتعارف والتفاهم ، وأنا أشهد الله سبحانه بأنّي لم أقصد الإساءة إليكم والتجاسر عليكم ، فإذا صدر مني ما يسوء فسببه عدم إطلاعنا على مذهبكم وعدم مطالعتنا لكتبكم ، فما كنا نعرفكم حق المعرفة ، لأنّا ما عاشرناكم ولا جالسناكم ، وانما سمعنا وصفكم من لسان غيركم وتلقيناها بالقبول من دون تحقيق ، فإلتبست علينا كثير من الحقائق ، ومع تكرار الإعتذار أرجوكم أن تُبينوا لنا سبب سجودكم على الطينة اليابسة؟

قلت : أشكر شعوركم الطيب ، وبيانكم الحلو العذب ، وأشكركم على هذا الإستفهام ؛ لأنّ السؤال والإستفهام أجمل طريقة وأعقل وسيلة لإزاحة أي شبهة وابهام.

__________________

(٢٣٠) ـ الشيرازي ، السيد عبد الله : الإحتجاجات العشرة / ٥٥ ـ ٥٩.

(٢٣١) ـ السيد محمد الموسوي الشيرازي ، المعروف بسلطان الواعظين ، كان من العلماء العاملين ، والخطباء البارعين ، ولد في طهران عام ١٣١٤ هـ. وأخذ المقدمات والأوليات على أساتذتها ، وفي عام ١٣٢٦ هـ. هاجر إلى كربلاء مع والده وحضر على أعلام حوزتها ، حتى برع وكمل في كربلاء ، ثم إتصل بالزعيم الشيخ عبد الكريم الحائري في قم وحضر دروسه ، وتوفي يوم الإثنين ٢٠ شعبان عام ١٣٩١ هـ.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

ج ـ النساء المجرمات في امريكا

نقلت إحدىٰ المجلات الصادرة في عددها ٤٥٩ عن مجلة متروبوليس ، خبراً مفاده : حسب احصائيات صحيحة قام بها الاحصائيون الامريكان ، فان عدد المجرمات قد بلغ في غضون عشرة سنوات من عشرة بالمئة الىٰ ثمانين بالمئة !

احصائية عجيبة !!

تحت عنواني « الفتيات والفتيان الامريكان يحطمون الرقم القياسي في الجريمة » و « المدارس والجامعات اماكن العشاق » نشرت احدىٰ المجلات هذه الاحصائيات الرهيبة :

٢٠,٠٠٠ شاب فرنسي مابين سن ١٥ ـ ١٧ عام ارتكبوا جرائم حوكموا عليها ، ١٢٣٧٥ شاب امريكي ارتكبوا جرائم بالسيارات والدرجات والاسلحة النارية ، وهذه الاحصاءات تشمل الموارد التي تدخل فيها البوليس او اكتشفها ، اما تلك التي بقيت خافية عن انظار البوليس فهي كثيرة أيضاً وكما ان عدد الذين ارتكبوا جرائم في امريكا : ٤٦٧٨٥٠ من الشباب و ٩٨٧١٧ من الشابات(١) .

وهذه مجرّد نماذج لاحصائيات الجريمة التي يقوم بها انسان القرن

________________

(١) مجلة أمل ايران ، العدد ٣٤٣. ( بالفارسية )

٢٠١

العشرين في عصره الذهبي وفي البلدان المتحضرة !

ه‍ ـ احصائية عن الجريمة في امريكا :

حسب الاحصائيات المنشورة ، ان كل ٢٥ ثانية يقع في امريكا حادث جريمة ، وفي كل ٢٤ ساعة عملية قتل وخمسين عمل لا اخلاقي وتجاوز بالعنف و ٧٣٠ سرقة كبيرة وما يقرب ثلاثة آلاف سرقة صغيرة ، وبشكل عام تقع سنوياً ما يقرب مليون وخمسين الف جريمة(١) .

وفي تقرير نشره « هاور » رئيس دائرة المباحث الامريكية ، يقول :

ان عدد الجرائم في سنة ١٩٦٠ بلغ ١٨٦١٠٠٠ جريمة ، بزيادة قدرها ٤% عن العام الماضي.

ويضيف « هاور » في تقريره :

انّنا لو قارنّا بين الجرائم التي حدثت سنة ١٩٥٠ و ١٩٦٠ سنجد ان معدلاتها ارتفعت ٩٨ بالمئة ، في حين ان سكان امريكا لم يزدادوا في الفترة نفسها الّا ١٨ بالمئة(٢) .

و ـ احصائية عن السرقة والاختلاس في مهد الحضارة

الجميع يعلمون تطور عمليات السرقة حالياً في اوروبا وامريكا وحداثتها ، وفي امريكا هناك سارقون محترفون يطلق عليهم اسم Gangsters (

________________

(١) كتاب روح البشر : ٤٢. ( بالفارسية )

(٢) صحيفة اطلاعات الايرانية بتاريخ ٣٠ / ٧ / ١٩٦١.

٢٠٢

اعضاء العصابة ) ، وإليكم بعض الاحصائيات فيما يتعلق بهم :

ـ في نيويورك وحدها هناك ١٥٠٠ عصابة يتجاوز عدد افراد كل واحدة منها المئات.

ـ يدفع اهالي شيكاغو سنوياً ١٦٥ مليون دولار رشوة الىٰ السارقين المحترفين ، وفي جميع الولايات المتحدة الاميريكية تبلغ عائدات عصابات السرقة من هذه الرشاوي ١٢ مليار دولار ، ففي نيويورك وحده يحصل « راكتي » الذي يعمل في تزوير الوثائق علىٰ ٤٠٠ مليون دولار سنوياً.

وكان راكت روبرت يسرق اكثر من ثلاثة آلاف سيارة في السنة ويبيعها ، واللأسف الشديد هناك العديد من رجال الدولة شركاءه في ذلك(١) .

ز ـ احصائية عن السرقة في ايران :

طبقاً للأحصائيات الرسمية التي نشرت مؤخراً ، ثم الكشف في دائرة شرطة طهران لوحدها علىٰ ١٩٤ عملية سرقة خلال كانون الثاني ١٩٦١ فقط ، والقي القبض في نفس الفترة علىٰ ٣٤٢ سارق ، وهؤلاء السارقين غير الذين القت القبض عليهم شرطة المباحث ، في كانون الثاني نفسه والذين يقدرون ب‍ ٥٠٠ من اكبر وأهم السارقين(٢) .

________________

(١) مفكرة نور العلم السنوية ، سنة ١٩٥٦.

(٢) صحيفة اطلاعات الايرانية : ٨ / ٥ / ١٩٦١.

٢٠٣

اعدموا السارقين

لقد بلغ وضع الجريمة في عالمنا مستوىٰ ارعب مسؤولي الامن والبوليس والقضاء ، وكانت احدىٰ الصحف قد كتبت ان رئيس دائرة الامن الداخلي والبوليس في احدىٰ الدول الغربية طالب اعضاء البرلمان بتشريع قانون يجيز اعدام السارق.

اعدام المرتشي

وجاء في صحفية نداء الحق العدد ٤٤٣ نقلاً عن وكالة الاسيوشايتدبرس ، خبر مفاده :

« صوّت اعضاء البرلمان في تايلند بشكل أولي علىٰ قانون يوجب الاعدام لموظف الدولة الذي يأخذ رشوة ».

عجباً ، كيف يقبل العالم بأعدام السارق والمرتشي ، وهو الذي كان يعتبر قطع يد السارق وعقابه من اجل اجتثاث هذه الظاهرة من المجتمع عملاً وحشياً يستحق الاستنكار ؟!

أليس غريباً ان يعتبر مجرد قطع يد السارق عملاً وحشياً ، فيما لا يعتبر اعدامه كذلك !!

وكيف تحولت تلك المربيات اللاتي يرين انفسهن اكثر عطفاً من الاُم ولا يرضين بقطع اصابع يد انسان خائن ( طبعاً حسب الشروط التي ذكرها

٢٠٤

الاسلام ) ، الىٰ موجودات قاسيات يحكمن بالاعدام ( القتل ) علىٰ السارق والمرتشي ؟!

وقد عجزت تلك العقول التي لعبت بها الخمرة عن فهم حقيقة مفادها : الاعدام ليس حلاً للسرقة ولا يمكنه اجتثاثها من المجتمع وتأثيره أقل من تأثير قطع اليد. لأن اعدام السارق علىٰ الرغم من شدته ينسىٰ بعد فترة من الوقت ، لكن قطع يده يبقىٰ علامة في المجتمع علىٰ العقاب الذي يطال من يفعل ذلك ، مما يشكل رادعاً للآخرين عن القيام بالسرقة.

اصدقائي الاعزاء !

هل وجدتم في التاريخ شعوباً متملقة ومتحايلة مثل الشعوب الاوروبية والاميركية.

أليس عجيباً ان تثير الدول الاوروبية والاميركية كل هذا الضجيج الاعلامي لقطع اصابع سارق يخلّ بالامن والمصلحة العامة ، لكنها تقوم هي في نفس الوقت وعلىٰ مدىٰ سنين بالسيطرة علىٰ الدول الصغيرة والضعيفة وتمتص دماءها وخيراتها ، دون ان يتحرك ساكن او تدان علىٰ ذلك ؟

أليس هناك أحد يقول لرجال اوروبا وامريكا العطوفين والرؤوفين ! أيّها الذئاب المتوحشة وأيّها المخادعون ، انتم الذين تدّعون الشفقة والرحمة ليد تقطع بحق ، لماذا كل هذا التسابق في صنع تلك الاسلحة المدمرة والفتاكة ، واين عواطفكم واحاسيسكم الرقيقة تلك من استخدام ذلك السلاح ضد الابرياء والعزّل من شعوب العالم التي تريدون ابادتها ؟!

٢٠٥

ويا زعماء الشرق والغرب المتوحشين ، يا زعماء موسكو وواشنطن ولندن هل تتصورون ان العالم نسي المشاهد الدموية التي جرت علىٰ ايديكم في الحربين العالميتين الاُولىٰ والثانية ؟ وهل تُنسىٰ الدماء التي اُريقت والأشلاء التي تناثرت بواسطة قنابلكم وصواريخكم ؟

ان صيحات وآهات المفجوعين من النساء والرجال والشيوخ والاطفال لازالت تدوي في سماء عالمنا المعاصر ، رغم ضجيج اعلامكم ومنجزاتكم المزعومة.

ويا أيّها المخادعون ، كيف تجيزون كل ذلك القتل في حروبكم من اجل السيطرة علىٰ العالم والشعوب وتفجعون الآباء والاُمهات بأبنائهم والنساء بأزواجهن ، دون أن تتأثر لذلك قلوبكم السوداء ، بل تعدونه من مفاخركم وانجازاتكم ، في حين تعتبرون قطع يد سارقة عملاً وحشياً وعقوبة شديدة ، لا يمكن اجرائها ضد البشر(١) .

ضرورة وعي السياسة الغربية والشرقية

من اجل ان يعي بعض ابناء شعبنا واُمّتنا ، المتأثرين بشعارات الشرق والغرب ، حقيقة اولئك المستعمرين الناهبين لثروات الشعوب والمهيمنين علىٰ

________________

(١) بلغت خسائر الحرب العالمية الاُولى : مقتل ١٠ ملايين عسكري ، وجرح ما بين ٢٥ إلى ٣٠ مليون آخرين ، وفي الحرب العالمية الثانية ، حيث الاحصائيات ادق ، فقد بلغ عدد القتلى ٣٥ مليون و ٢٠ مليون معوّق و ١٢ مليون حالة اسقاط جنين ، وتدمير ١٣٠ الف مدرسة ، و ٦ آلاف جامعة و ٨ آلاف مختبر ، وقد اُلقيت أكثر من ٣٩٠ الف مليار قذيفة. راجع : تاريخ الحرب العالمية الثانية ، تأليف الفريق أول نخجوان. ( بالفارسية )

٢٠٦

المستضعفين والمحرومين في العالم ولكي يعلموا ان اولئك المخمورين في اوروبا وامريكا والذي يعتبرون انفسهم قادة العالم وموجهوه ما هم إلّا حفنة من المخادعين القتلة ، ولا بدّ من ذكر نماذج لأعمالهم الدنيئة والبشعة التي يرتكبونها ضد الشعوب الفقيرة.

اقرأوا بدقة اكثر الهند في مخالب بريطانيا !

هنا ، اليكم نموذجاً لتصرفات احدىٰ الدول العطوفة التي لا تقبل بقطع يد السارق وتعد ذلك عملاً وحشياً ، وتلك هي بريطانيا التي فعلت أحط الاعمال مع الشعب الهندي.

لنسمع من أحد المؤرخين الاوروبيين :

يقول الدكتور غوستاف لوبون في كتابه « حضارة الاسلام والعرب » وفي الصفحة ٧٤٣ حول معاملة الانجليز للشعب الهندي :

« صحيح ان بريطانيا تطورت واصبحت غنية ، لكن الناس الذين اخذت منهم هذه الثروات ( الشعب الهندي ) اصبحوا في ادنىٰ مستويات الفقر والفاقة ».

٢٠٧

تقرير السيد غرانديدير(١) عن وضع الشعب الهندي

في تقرير للسيد غرانديدير عن وضع الشعب الهندي خلال استعماره من قبل انجلترا ، يقول :

« كانت طبقة المزارعين الهنود والتي تشكل اغلبية الشعب تدفع في السابق سدس ( ١ / ٦ ) محاصيلها الىٰ امرائها المحليين ، اما في فترة السيطرة الانجليزية فقد كان عليهم أن يدفعوا نصف ( ١ / ٢ ) محاصيلهم اما اذا امتنعوا عن دفع تلك الضرائب ، فان املاكهم واراضيهم تصادر بشكل مأساوي ، وقد أدىٰ هذا الامر الىٰ مآسي وفجائع بالنسبة للمزارعين تفوق مستوىٰ التصور ».

حالة الشعب الهندي نقلاً عن السيد هيندمان(٢)

يقول السيد هيندمان الذي زار الهند في فترة الاستعمار البريطاني :

« لقد قام الانجليز من جهة بالضغط علىٰ الشعب الهندي من خلال الضرائب الباهضة بشكل جعلهم يتضورون جوعاً ومن جهة اخرىٰ قاموا بتدمير مصانعهم وصناعتهم مما ادىٰ الىٰ غلقها وذلك من اجل السيطرة علىٰ السوق الهندية وزيادة صادراتهم ، وبهذه التصرفات فاننا ( الشعب الانجليزي ) نسير

________________

(١) Grandidier

(٢) Hind man

٢٠٨

نحو كارثة ليس لها مثيل في التاريخ ».

وفي مكان آخر من كتاب حضارة الاسلام والعرب ، يتحدث الدكتور غوستاف لوبون عن حالة الشعب الهندي ، فيقول :

« يوجد في ولاية مدرس(١) وحدها وحسب الاحصائيات الرسمية ستة عشر مليون متسول. ولماذا لا يكون كذلك ؟ فالشعب الهندي المسكين كان عليه أن يدفع مصروفات الحرب والتي بلغت اربعمائة مليون باوند وكذلك مصروفات الدوائر الحكومية البريطانية ومبلغها خمسين مليون باوند ، وما عدا تلك المبالغ الضخمة ، كان عليهم أن يدفعوا سنوياً خمسمائة مليون باوند ـ خالصة ـ إلى خزانة الحكومة البريطانية ، وعلى هذا الاساس يكون مجموع ما حصلت عليه بريطانيا خلال فترة عشرين سنة(٢) من سيطرتها على الهند ، يفوق عشرة ملياردات باوند ، طبعاً هذا غير المبالغ العظيمة التي صرفت على المأمورين الانجليز في الهند ، لأن اولئك المأمورين كانوا يتقاضون خلال فترة اقامتهم في الهند مرتبات مساوية لما يتقاضاه الوزير في بريطانيا ».

ثم ينقل الدكتور لوبون عن تقرير السيد هيندمان ، فيقول :

« ومن الاُمور العجيبة والمرعبة هي أن الولايات الشمالية الغربية كانت مجبورة على ارسال محاصيلها من الحبوب إلى الخارج ، في حين أن ثلاثمائة

________________

(١) من ولايات جنوب شرق الهند ، يبلغ عدد سكانها ٤٤ مليون نسمة ، وأهم منتوجاتها الرز والتبغ والشاي والقطن.

(٢) الفترة المذكورة ، حتى تاريخ كتابة « حضارة الاسلام والعرب ».

٢٠٩

شخص ماتوا جوعاً هناك خلال بضعة أشهر.

وفي سنة ١٨٨٧ م مات في ولاية مدرس وحدها ٩٣٥ الف شخص ( حسب الاحصائيات الرسمية ) جوعاً ، وكانت الحالة تزداد سوءً يوماً بعد يوم ، لأن المزارعين كانوا مضطرين إلى زراعة اراضيهم أكثر من الحد الطبيعي لكي يتمكنوا من دفع الضرائب الباهظة التي تأخذها منهم الحكومة الاستعمارية بالقوة ، وبذلك فقدت الاراضي طاقاتها وخربت بشكل تام ».

وبعد أن ينقل الدكتور لوبون ذلك التقرير عن السيد هيندمان ، يعلق ويقول :

« الارقام التي نشرها السيد هنيدمان ، لم تعترض أو تعلق عليها الحكومة البريطانية ، كما انها لم تكذبها أيضاً. والجواب الوحيد الذي أعطته في مجلة « كل خمسة عشر يوماً » حول الخمسمائة مليون باوند التي على الحكومة الهندية أن ترسلها الى خزانة بريطانيا ، هو : « أن هذا المبلغ هو ثمن حكومة منظمة وآمنة اعطيت للشعوب الهندية ».

ويقول لوبون بعد نقله لهذا الجواب القاطع في المجلة المذكورة :

« ولا يخفى أن اطلاق لفظة آمنة على حكومة مسالمة ! بلغت خسائرها من الجوع أكثر من خسائر حرب ضروس ، لم يكن يفسره الشعب الهندي بغير الكذب ».

وهذا التصرّف المشين هو نموذج لسياسة دولة عظمى ومتحضّرة مع الشعب الهندي ، تلك الدولة التي تتحدّث عن حقوق الانسان وعواطفه وتعدّ قطع يد السارق عملاً وحشياً.

٢١٠

اصدقائي الاعزاء

ما ذكرناه من التصرفات والسياسات الوحشية لحكومة بريطانيا الاستعمارية في الهند ، هو جزء يسير من همجيتهم وبربريتهم ، لم يقتصر الأمر على الهند فقط ، بل شمل جميع المناطق التي استعمرتها ( الحقيقة استثمرتها ) تلك الحكومة التي تدّعي الدفاع عن حقوق الانسان ! وبالامكان الحديث عن نماذج اُخرى لوحشيتهم وجرائمهم في العديد من الدول الآسيوية والافريقية التي احتلوها واستعمروها.

٢١١

امريكا وريثة الاستعمار

الىٰ اولئك الجهلة والمسلمين غير الواعين الذين يرجون الدعم الأمريكي من اجل استيفاء حقوقهم الانسانية.

الىٰ الذين لا يزالون يعتبرون امريكا كعبة آمالهم ، فيلهجون بذكرها ويسبحون بحمدها ، ومن أجل ان تعرفوا ان أمريكا لا تقل عن بريطانيا وحشية وبربرية ، وكما يقول المثل « الكلب اخو الذئب » ، اقرأوا الخبر بدقّة ، لكي تعرفوا حقيقة امريكا وريثة الاستعمار البشعة ، من خلف قناع الانسانية الذي تتظاهر به.

سنة ١٩٤٥ م قامت امريكا التي تدفع عن حقوق الانسان والتي تقيم الدنيا وتقعدها من أجل قطع يد سارق بألقاء قنبلتين ذريتين ( صغيرتين !! ) علىٰ مدينتي هيروشيما وناكازاكي في اليابان ، لان اليابان قاومت الهجوم الامريكي ولم تستطع امريكا ان تنتصر عليها رغم استسلام قوات المحور في اوروبا وذلك لبسالة الجنود اليابانيين وشجاعتهم ، وكانت نتيجة ذلك التدمير المدينتين بالكامل ومقتل سبعين ألف شخص.

وقبل فترة قصيرة ، قرأت في احدىٰ المجلات خبراً تحت عنوان « حادث غريب هزّ اوروبا وامريكا » ، كانت هناك صورة لذلك الضابط الشريف !! والشهم !! الذي القىٰ قنبلته الذرية علىٰ الشعب الياباني بأمر من حكومته وهذا التعليق اسفلها :

٢١٢

الطيار الذي ألقىٰ أول قنبلة ذرية علىٰ هيروشيما يعيش حالة من الندم والجنون ، ويشاهد دائماً يتكلم مع البوليس والقضاة : « ألقوا القبض عليّ ، اسجنوني ».

ثمّ تضيف المجلة : « الرائد اترلي يرىٰ كل ليلة في منامه دخاناً برتقالي اللون يتّجه نحوه ويسمع اصوات استغاثات ، واناس كثيرون يصرخون في اذنيه » ، ثمّ تقول المجلة نقلاً عن مجلة « بارس ماج » التي تصدر في باريس : « ان جنون الرائد اترلي من اغرب ألاعيب الطبيعة التي حيّرت الجميع في القرن العشرين ».

اصدقائي الاعزاء :

هذه المجازر الجماعية وتدمير هاتين المدينتين الصناعيتين الكبيرتين ، بجميع معاملهما وشركاتهما ومؤسساتهما وابنيتهما ، نموذج من سلوكيات وتصرفات القادة المصلحين ! المحبين للانسانية في امريكا ، الذين لا يفكرون بشيء سوىٰ تقديم خدمات للدول النامية والشعوب الضعيفة ، وهو ما قدموه لتلك الدولة الشرقية ، اي اليابان ! ولو سنحت فرص اخرىٰ لامريكا المحبّة للبشرية ! امريكا التي تحتل موقع الصدارة في الحضارة المعاصرة ! لكررت ذلك النموذج مع شعوب ضعيفة اُخرىٰ.

وما تكلّمنا عنه للتعريف بحقيقة امريكا ونواياها الشريرة ، هو جزء يسير من جرائهما الكبيرة التي اقترفتها ولا زالت تقترفها بحق البشرية ، والحقيقة ان جرائم هذا الذئب الغدّار الذي ورث الامبراطوريات الاستعمارية بعد الحرب

٢١٣

العالمية الثانية واسعة بشكل بيّضت وجوه جميع من سبقوها في تاريخ الاستعمار والتسلّط ، فبالاضافة الىٰ القتل والدمار والنهب الذي قامت به امريكا علىٰ مدىٰ عشرة سنين في فيتنام والذي قتل فيه عشرات الآلاف من البشر الأبرياء بأبشع الصور.

كما تقوم امريكا بجرائم اقتصادية وسياسية وثقافية وحضارية في العديد من المجتمعات والبلدان اما بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق الحكومات العميلة والمرتبطة بها ، بشكل لم يسبق له مثيل ولم يشاهد ان قام به جزار وسفاك ومجرم قبلها في التاريخ.

وأمريكا التي لم يمض علىٰ ظهورها علىٰ الساحة الدولية إلّا بضع سنين ، تتصرف ببشاعة وجنون في نهب خيرات الشعوب واستضعافها ، ولا يمكن الوقوف امامها إلّا بتوعية الشعوب وتحركها.

تعرّفوا علىٰ فرنسا المخادعة

يا شبابنا المسلم ! الفرنسيون الذين كانوا يعتبرون انفسهم ما قبل قرنين حملة راية الحرية ! والواضعون للبيان العالمي لحقوق الانسان ، هؤلاء العطوفون الذين يرون قطع يد السارق عملاً وحشياً ، تعاملوا مع الشعب الجزائري المسلم بقسوة جعلت كل انسان شريف وصاحب ضمير في حيرة من امره ، ولا يزال الشعب الجزائري بنسائه ورجاله وشيوخه وشبابه يجاهدون ويقفون امام هذا الغول والذئب المتوحش ويقدمون الضحايا تلو الضحايا من اجل ان يحصلوا علىٰ استقلالهم ويحكموا بلادهم بأنفسهم ، لكن الفرنسيين

٢١٤

الوضيعين وكأنما يريدون ان يفقدوا ارض آباءهم واجدادهم ، ليسوا مستعدين للتخلي عن الجزائر ووقف مجازرهم هناك.

لقد قدم الشعب الجزائري المسلم والشجاع مليون شهيداً في سبيل حريته واستقلاله ، ولقد كان تعامل الحكومة الفرنسية بشع حتىٰ مع الاسرىٰ المسلمين المحتجزين في معسكرات الجيش الفرنسي بحيث نقلت وكالات الانباء العالمية اخباراً عن وضع الأسرى المؤسف ، واعترضت على الحكومة الفرنسية بشدّة للكف عن المعاملة اللانسانية مع اولئك الاسرىٰ.

طبعاً لفرنسا مثل الغولين الاستعماريين امريكا وبريطانيا سجل دموي آثم في جميع مستعمراتها في آسيا وافريقيا ، وهو ما يتفق فيه جميع المستعمرين ، فالتاريخ الاستعماري اساساً هو ليس إلّا القتل والنهب والخيانة ، وسحق جميع القيم الثقافية والدينية للشعوب الصغيرة.

وعلىٰ هذا الاساس ، لا يمكن حصر جرائم فرنسا ( وكغيرها من اقرانها المستعمرين ) بنوع ومجال معين ، لأنها واسعة ومتنوعة.

اصدقائي الاعزاء !

هذه النماذج مختصرة وصغيرة من آلاف التصرفات الوحشية التي تقوم بها الدول الكبرىٰ ، مع الشعوب الضعيفة ، تلك الدول العظمىٰ التي تعتبر انفسها مدافعة عن الانسانية وتريد ان تخلّص البشر من وحل الشقاء بعقولها المخمورة ، تلك الدول العظمىٰ الرؤوفة بالانسان والانسانية ، والتي تعتبر قطع يد السارق كعقوبة وفق الشروط التي وضعها الاسلام ، عملاً وحشياً غير جائزاً !

٢١٥

أليس عجيباً ان يحاول هؤلاء المتوحشون الدوليون الحيلولة دون الاعمال الوحشية التي يقوم بها بعض البشر ، وأليس غريباً ان يحاول هؤلاء السارقون المسلحون بالاسلحة الذرية الوقوف امام السرقات والاعتداءات التي يقوم بها البشر ومن المحيّر جداً ان يحاول هؤلاء الجزّارون الذين تلطخت اياديهم بدماء ملايين البشر ، والوقوف امام القتل والجريمة.

هنا وبمشاهدتنا لجميع تلك الجرائم والمجازر الرهيبة التي قامت بها الدول الاوروبية والامريكية المتقدمة علمياً ، لابدّ ان نعترف بان عالمنا المعاصر ارتكب خطأً كبيراً عندما ضحّىٰ بالمعنويات من اجل الماديات ، لأنه وعلىٰ الرغم من التطورات التي شهدها عالمنا في المجالات العلمية والصناعية ، لكن وجود هذه المجازر والانحرافات العلمية والاخلاقية دليل حيّ علىٰ موت الفضيلة والانسانية ، بشكل تام ، وان العاطفة والصفات الانسانية قد اضمحلت ، فالبشرية تخلفت عن قافلة اخلاق والفضيلة بنفس المقدار الذي تقدمت فيه في ميدان العلوم المادية.

التضحية بالمعنويات امام الماديات

يقول الدكتور الكسيس كارل ، الذي مرّ ذكره ، حول انحطاط البشر الاخلاقي في عالم اليوم :

« الحضارة الجديدة ارتكبت خطأً فادحاً بتضحيتها بالمعنويات امام الماديات ، وهذا الخطأ كبير لأنه يحيي عند الناس الشعور بالعصيان ».

ويضيف الدكتور كارل في بحث آخر حول عدم جدوىٰ العلوم المادية

٢١٦

لوحدها ، فيقول :

« لا جدوىٰ من زيادة عدد الاختراعات الميكانيكية ولربما لا تكون الاكتشافات الفيزيائية والكيميائية والنجومية كبيرة جداً ، طبيعي ثابت لدينا ان العلم بحد ذاته غير مضر بالنسبة لنا ، لكنها تحصر بجمالها الباهر جميع نشاطاتنا الفكرية في الموارد غير الحيوية.

وعلىٰ البشرية اليوم ان تركز انتباهها علىٰ نقاط الضعف الاخلاقية والفكرية التي تعاني منها ، فما الفائدة من كثرة وسائل الراحة والزينة والجمال والعظمة وهذه الحضارة إذا لم تكن لنا القدرة في ادارتها بأحسن وجه ، وما هي حصيلة استمرار حالة معيشية تؤدي الىٰ ضعف الاسس الاخلاقية وتدمير عوامل الاعراق الاصيلة ، أليس من الافضل ان نتهم بأنفسنا بدل الغرق في صناعة التلسكوبات العظيمة لدراسة الكواكب والنجوم أو صناعة السفن المتطورة والسيارات الحديثة و الخ.

فلو استطعنا السفر من اوروبا الىٰ الصين خلال بعض ساعات بالطائرة ، فما هو التقدّم الذي حصل في داخلنا ، هل التقدم الفيزيائي والكيميائي و يوجد لدينا اخلاقاً فاضلةً وذكاءً أو صحةً وتعادلاً نفسياً أو أمناً وسلاماً ، علينا ان نركز علىٰ قضايا كثر جدّية من الفيزياء أو الأحياء ، وهي النفس الانسانية والمعنويات ».

اصدقائي الاعزاء !

هذه العبارات هي نص اعتراف احد كبار شخصيات اوروبا حول

٢١٧

انحطاط تلك البلدان ، ومع الأخذ بكل ما ذكرناه من جرائم مرعبة وانحرافات اخلاقية وعلمية في الغرب ، أليس عجباً ان يغتر بعض المسلمين والشرقيين بزخارف الصناعات الاوروبية والامريكية وينسوا انفسهم ويفقدوا هويتهم ، لكي يفتخروا بتقليد اعمىٰ لكل ما موجود في الغرب !!

اصبت بزكام اجنبي

مسكين احد المتغرّبين الايرانيين ، كان قد سمع ان الاوروبيين يسمون الزكام « غريب »(١) ، فأجهد نفسه لكي يتعلم تلك الكلمة حتىٰ يفتخر بأستخدامها عند محادثة الآخرين ! ولربما انتظر فصل الشتاء كثيراً وتمنىٰ لو يصاب بالزكام حتىٰ يلفظ تلك الكلمة عندما يسأله الآخرون عن حالته ، وبعد فترة طويلة حصل له ما كان يتمناه ، فسأله احد اصدقائه عن صحته ، لكن هذا المسكين نسيَ لفظة Grippe وكلما حاول ان يتذكرها خانته ذاكرته ، وفي نفس الوقت لم يكن حاضراً لأن يجيب صديقه بأنه مصاب بالزكام ، فقال لصديقه : اصبت بزكام اجنبي !!

وهنا انفجر الحاضرون بالضحك.

ايها السادة ! لا تعجبوا من ذلك ، فهناك نماذج كثيرة من هذا القبيل في بلادنا ، من الذين ينظرون الىٰ أكثر الاعمال وحشية وانحطاطاً في الغرب علىٰ انها مقدّسة لمجرد صدورها عن الغرب.

________________

(١) Grippe مرض مسري وهو علىٰ نوعين ، الأول الزكام العادي والثاني اخطر منه وهو الذي يسمىٰ انفلونزا Anfluenza

٢١٨

اقول لنفسي بعض الاحيان ، لا يُلام قادة الشعوب الغربية لو منحوا بعض متغربينا اعظم اوسمة الجهل والحماقة ، لانهم لايزالون يتوقعون ان يقوم الغرب بأصلاحات في بلداننا مع ان الغرب ومنذ عشرات السنين يقوم بنهب ثرواتنا والتسلط علىٰ بلداننا ثقافياً وسياسياً ، بشكل جعلنا متخلفين في جميع شؤون الحياة.

اين أجرة الحمار في النهاية !!

هذه السذاجة في التفكير وهذا التوقع من هؤلاء الذئاب ، شبيه بالقصه التي ينقلها المرحوم الشيخ البهائي ، وهي :

كان هناك رجلاً في بغداد قد استقرض كثيراً من الناس ، بحيث كان الجميع يطلبونه ، والحقيقة هو ان الرجل كان متحايلاً غريباً ، حتىٰ اشتكىٰ عليه غرماءه عند القاضي ، فقام القاضي بالكشف عن وضعه المالي مباشرة ، فوجد انه لا يملك شيئاً يمكن استرداده منه ، لذلك فقد شخّصه بانه مفلس وخلّصه من أيدي الطالبين ، ولكن ومن أجل ان لا يتحايل الرجل علىٰ شخص آخر ويستدين منه مالاً ، أمر القاضي بايجار حمار يطاف عليه الرجل في الاسواق ليعرف الناس انه مفلس ولا يقرضه أحد مالاً.

وبعد ان أدىٰ صاحب الحمار عمله المنهمك من الصباح الىٰ وقت المغرب ، طالب الرجل بأجرته ، فأجابه المفلس ضاحكاً : لم اشاهد من هو احمق وأسفه منك ، فأنت تدور بي منذ الصباح في المدينة وتعلن للناس انني مفلس ومدان وان لا يقرضني أحد مالاً ، ومع ذلك تطالبني الآن

٢١٩

بأجرة الحمار؟

يضحك الحاضرون ملياً.

والحقيقة ان توقعنا الحصول علىٰ خدمات ومساعدة من تلك الدول الاوروبية والاميريكية ، يشابه توقع صاحب الحمار من ذلك الرجل المفلس ، لان هؤلاء وبالاضافة الىٰ المآسي التي قاموا بها في بلداننا الاسلامية ، فان مساعداتهم المالية والقروض التي قدموها لنا لم يصلنا من اغلبها الّا الضرر ، فيما ذهبت تلك الاموال في جيوب السماسرة والمسؤولين الحكوميين.

اعتراف غريب للدكتور غوستاف لوبون

في بحث له بهذا الصدد ، يعترف الدكتور غوستاف لوبون بصراحة :

« لم تأت حضارتنا بشيء لشعوب الشرق سوىٰ الشقاء والمآسي ، ومن مصلحتهم ان يقطعوا ارتباطهم بأوروبا وشعوبها ».

ويقول في كتابه حضارة الاسلام والعرب ، بعد بحث معقد ومحيّر :

« ان كتمان هذه الحقيقة لن يؤثر شيئاً ، ولابد ان اقول بصراحة قد لايستسيغها رجال اوروبا ، ان تعاملنا نحن الاوروبيون مع شعوب الشرق ، منحط وقاسي ، بل ووحشي ».

ثم يضيف :

« ومما يؤسف له اكثر من كل شيء ، هو ان تعامل الدول الاوروبية مع الشعوب الشرقية المتحضرة مثل الصينيين والهنود وغيرهم ، ليس بأفضل

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466