رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور12%

رحلتي من الظلمات إلى النّور مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 466

رحلتي من الظلمات إلى النّور
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 233583 / تحميل: 8001
الحجم الحجم الحجم
رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وهكذا نلاحظ كثيراً من الأدلة القرآنية التي تؤيد هذا الأمر. إذن ما ذهب إليه الإمامية صحيح ، لا يخالف القرآن كما إدعاه البعض.

وبعد هذا البيان والدراسة في بحث (الغيب) ، ندخل في دراسة القصة الغيبية.

ب ـ أقسام القصة الغيبية :

سبق أن قلنا أنّ هذا النوع من القصص تعد أحداثها بتفاصيلها مصدرها الوحي ، فهذه القصص من قبيل الغيب الذي كشفه الله عَزّ وجَلّ لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي غيب سواء أكانت في الماضي أو المستقبل ، فعلى هذا يمكن تقسيم القصة الغيبية إلى ما يلي :

الأول ـ قصص الماضي :

يحتوي القرآن الكريم على كثير من علوم الغيب ، خصوصاً ما جرى على الأمم الماضية ، فعلى سبيل المثال ما جاء في قصة يوسف عليه السلام مع اخوته حيث أوحى الله سبحانه إلى يوسف في قوله تعالى :( لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) [يوسف / ١٥]. ففي الآية غيب موحى إلى يوسف ، وكذلك غيب موحى إلى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بإخبار الوحي له بما حصل ليوسف عليه السلام وأكّد على ذلك في قوله تعالى :( ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ) [يوسف / ١٠٢]. إلى غير ذلك مما ذكره القرآن الكريم من أخبار الأمم الماضية ، فالقرآن ذكر تلك القصص على نحو الإختصار ، ثم جاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوضحها ، فالملاحظ أنّ تلك القصص وما تضمنته من أحداث ليست في متناول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم تحدث أمامه ، كما أنّه لم يُنشئها ولم يأخذها عن طريق غيره

١٠١

من المؤرخين ، بل مصدره الوحي ، وأخذ عنه أهل بيته عليهم السلام. «وذكر العلامة الجليل الورع الثقة النبيل ، السيد هاشم البحراني في كتابه (مدينة المعاجز) أكثر من ستمائة رواية في إخبارات الأئمة الإثني عشر صلوات الله عليهم»(١٠٥) .

الثاني ـ قصص المستقبل :

يتناول هذا اللون من القصص أموراً مختلفة كلها تتحدث عن أمور غيبية خاصة تحدث في الواقع ، ولو تأملنا ما ذكر في القرآن الكريم ، وعلى لسان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأمكن تقسيمه إلى ما يلي :

أولاً ـ أخبار تحققت في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :

رأى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في المنام ـ وكان ذلك في المدينة المنورة قبل أن يخرج إلى الحديبية ـ أنّ المسلمين دخلوا المسجد الحرام ، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا وحسبوا أنّهم داخلوا مكة عامهم هذا ، فلما إنصرفوا ولم يدخلوا مكة ؛ قال المنافقون : ما حلقنا ولا قصرنا ولا دخلنا المسجد الحرام. فأنزل الله هذه الآية :( لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ) [الفتح / ٢٧]. وكان بين نزول الآية والدخول مدة سنة. وكان عام سبع للهجرة وتَمّ الفتح القريب من دونه ـ وهو صلح الحديبية ـ ، الذي كان مقدمة لفتح مكة سنة ثمان للهجرة.

ثانياً ـ أخبار تحققت بعد حياته :

وهذا ال نوع من القصص منه ما هو مشهور كأخبار آخر الزمان ، المسمى بـ(أحاديث الفتن والملاحم) ، ويندرج تحت هذا النوع كثير من الإخبارات ،

__________________

(١٠٥) ـ النمازي ، الشيخ علي الشاهرودي : مستدرك سفينة البحار ، ج ٨ / ٨٠.

١٠٢

كخبر الدابة التي تخرج للناس في آخر الزمان ، وقد جاء في القرآن الكريم خبرها في قوله تعالى :( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ ) [النمل / ٨٢]. ومن أراد تفاصيل ذلك ؛ فليراجع كتب التفسير.

كما ورد على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدة إخبارات غيبية ، من أهمها ما يحل على أهل بيته عليهم السلام كإخباره بمقتل سبطه الحسين عليه السلام في كربلاء ، وقد ذكر منها ابن الأثير في ترجمة أنس بن الحارث حيث قال : «روى حديثه أشعث بن سحيم ، عن أبيه عن أنّه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (إنّ ابني هذا يقتل بأرض من أرض ال عراق ، فمن أدركه فلينصره) ، فقتل مع الحسين عليه السلام»(١٠٦) .

وأيضاً إخباره عن الإمام المهدي عليه السالم ، وقد ذكرها علماء المسلمين ، لا ينكر ذلك إلا مكابر لا قيمة لرأيه.

ثالثاً ـ أخبار البعث والنشور :

لعلّ من أهم القضايا التي واجه بها نبينا الأعظم عليه السلام مشركي قريش قضية البعث والنشور ، فقد أنكر المشركون هذا الأمر باصرار عنيف ، واستغربوا من ذلك أشد الإستغراب ، وقد سجل القرآن الكريم هذا الإنكار في أكثر من آية ، منها ما يلي :

قوله تعالى :( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ ) [سبأ / ٧ ـ ٨].

__________________

(١٠٦) ـ ابن الاثير ، علي بن محمد : أسد الغابة ، ج ١ / ١٢٣.

١٠٣

وقوله تعالى :( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) [الجاثية / ٢٤].

وقوله تعالى :( أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ *أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ *قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ *فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ ) [الصافات / ١٦ ـ ١٩].

وإزاء هذا الإنكار لهذه القضية ، إستخدم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القصة في عرض البعث واليوم الآخر ، وأكّد على ذلك بأن نَزّل المستقبل منزلة الحار ، فهذه القصص في الوقت الذي تحمل الرد على المنكرين ، فإنّها تُؤكِّد الإيمان بالبعث والنشور ، كما أنّ هناك عاملاً جوهرياً يضاف إلى وجود هذا النوع من قصص العالم الآخر ، ووراء كثرته وتكراره أنّ ذلك العالم هو محل العقاب والثواب ، وقضية العقاب والثواب أساسية يتمد عليها منهج التربية في الشريعة الإسلامية ، من أجل قيام الإنسان المسلم على مبادئ دينه والإلتزام بها ، حيث سيظل وازع الإحساس بالمسؤولية ، ـ عما يقول أو يفعل ـ مائلاً أمامه من خلال تصوره لحياة أخرى يؤمن بأنّه سيجازي فيها على سلوكه ، على الخير بالخير في الجنة والنعيم ، وعلى الشر بالشر في النار والعذاب ، كما في قوله تعالى :( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) [الزلزلة / ٧ ـ ٨].

١٠٤

٣ ـ القصة الخيالية

أ ـ الخرافية

ب ـ التمثيلية

ج ـ الخيال العلمي

١٠٥
١٠٦

٢ ـ القصة الخيالية :

هي حكايات يبتدعها خيال المؤلف ، قد تكون نثراً أو نظماً ، والروايات والقصص القصيرة ، هي من أشهر أشكال قصص الخيال رواجاً ، وسمات هذه القصص أنّها تحتوي على عناصر خيالية ، إما كلياً أو جزئياً ، وهذه العناصر تشمل الشخصيات والأوضاع المحيطة ، وفي بعض قصص الخيال تكون العناصر الخيالية واضحة ـ أي بعيدة عن الواقع ـ مثل القصة الإطارية ، وهي قصة تروي في إطارها مجموعة من الحكايات ، ومن أحسن الأمثلة عليها قصة شَهْرَيَار الملك وشَهْرَزَاد في كتاب (ألف ليلة وليلة) ، ومع ذلك ليس من الضروري أن تختلف كثيراً عن الواقع ؛ إذ أنّ كثيراً من نماذج قصص الخيال تمثل شخصيات قريبة من الواقع ، وتصف أوضاعاً واقعية ، وبعض القصص ترتكز على شخصيات وحوادث حقيقية ، وتدمج عادة العناصر الواقعية في قصص الخيال مع الأوضاع والشخصيات والحوادث الخيالية ، والغرض الرئيس لمعظم قصص الخيال هو التسلية ، إلا أنّ هناك بعض الأعمال الجادة من قصص الخيال التي تحفز العقل وتدعو إلى التفكير عن طريق إيجاد الشخصيات ، ووضعها في مواقف محددة ، وتأسيس وجهات النظر ، ويقوم مؤلفو قصص الخيال الجادة بتوضيح الأحكام المميزة بين الأشياء ، وهذه الأحكام تتناول المسائل الأخلاقية والفلسفية والنفسية والإجتماعية ، ولعلّ أهم ما يمكن دراسته من أقسامها هي التالي :

أ ـ الخرافية :

الخُرافَة : «الحديث المستملح من الكذب. وقالوا : حديث خرافة ، ذكر إبن الكلبي في قولهم حديث خرافة أنّ خرافة من بني عُذْرَة أو من جُهَيْنَة ، إختطفته الجن ، ثم رجع إلى قومه فكان يُحدث بأحاديث مما رأى يعجب منها

١٠٧

الناس ، فكذبوه فجرى على ألسن الناس»(١٠٧) . وعُرِّفت الخرافة أيضاً بـ«معتقد لا عقلاني أو ممارسة لا عقلانية. والخرافات قد تكون دينية ، وقد تكون ثقافية أو إجتماعية. فمن الخرافات الدينية إيمان بعض المشلولين أو المقعدين ، بقدرة قديس بعينه أو قديسة بعينها على شفائهم.

ومن الخرافات الثقافية أو الإجتماعية ، إيمان كثير من الناس بأنّ الخرزة الزرقاء تدفع الشر ، وبأنّ نعل الفرس مجلبة للخير»(١٠٨) وبعد هذا التعريف فالحكاية الخرافية : «قصة أو حكاية خيالية قصيرة ذات مغزى في معظم الحكايات الخرافية ، يمثل واحد أو أكثر من الشخصيات حيواناً أو نباتاً أو شيئاً يتكلم ويتصرف كمخلوق بشري ، ويمكن أن نُقص الحكاية الخرافية نثراً أو شعراً ، وفي عديد من الحكايات يمكن تلخيص المراد من القصة ، أو مغزاها في النهاية على شكل مثل شعبي»(١٠٩) .

وهذا النوع من القصة الخيالية لا قيمة له على المستوى الديني ، لا في القرآن الكريم ، ولا في السنة النبوية.

ب ـ التمثيلية :

لست بصدد دراسة القصة التمثيلية من جميع جوانبها ، وإنّما الهدف هو التعريف بها من بعض جوانبها ، في القرآن الكريم والسنة النبوية ، والذي يهمنا بحثه هو التالي :

__________________

(١٠٧) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ٩ / ٦٥ ـ ٦٦.

(١٠٨) ـ البعلبكي ، منير : موسوعة المورد العربية ، ج ١ / ٤٦١.

(١٠٩) ـ الموسوعة العربية العالمية ، ج ٩ / ٤٨١.

١٠٨

١ ـ التعريف بالمثل :

يطلق المثل على معانٍ ثلاثة ، هي كالتالي :

الأول ـ المثل السائر :

هو كلمة موجزة قيلت في مناسبة تناقلتها الأجيال بدون تبديل ، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (إنّ من البيان لسحرا)(١١٠) ، قال الميداني : «يعني أنّ بعض البيان يعمل عمل السحر ، ومعنى السحر : إظهار الباطل في صورة الحق ، والبيان : إجتماع الفصاحة والبلاغة ، وذكاء القلب مع اللسَنِ ، وإنما شُبّه بالسحر ، لحدّة عمله في سامعه وسرعة قبول القلب له. يضرب في إستحسان المنطق ، وإيراد الحجة البالغة»(١١١) . والهدف منه مقصور على التطبيق.

الثاني ـ المثل القياسي :

ويقصد به البيانيون متشكل من أي وصف أو قصة أو تصوير رائع لتوضيح فكرة ، عن طريق تشبيه يسميه البلاغيون (التمثيل المركب) لتقريب أمر معقول من محسوس يجمع بذلك بين عمق الفكرة ، وجمال التصوير ولم يقصر على سماع أو نقل ، والإهتمام بصياغة الفكر فيه أكثر من إقتباس مثل سائر ، وحاصل القياسي : هو ما يخلقه المتمثل لغرض ينشده ، ومن نماذجه في القرآن الكريم ، قوله تعالى :( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) [النحل / ١١٢]. فالآية فيها إستعارة تمثيلية ؛ حيث أخذ اللباس في الجوع والخوف الدال على إستعمالها لمن

__________________

(١١٠) ـ الميداني ، احمد بن محمد النيسابوري : مجمع الأمثال ، ج ١ / ٧.

(١١١) ـ نفس المصدر.

١٠٩

كفر بأنعم الله تعالى ـ الأمن والصحة والكفاية في الرزق وغيرها من النعم التي لا تحصى ـ ، ولو إكتفى بالإذاقة لفات ذلك. وفي الأمثال النبوية قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (أيها الناس إياكم وخضراء من الدِمَن. قيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وما خضراء الدمن؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء)(١١٢) .

قال الشريف الرضي : «... أنّه عليه الصلاة والسلام نهى عن نكاح المرأة على ظاهر الحسن ـ وهي منبت السوء ، أو في البيت السوء ـ ، فوجه المجاز في هذا القول ، أنّه عليه الصلاة والسلام ، شَبّه المرأة الحسناء بالروضة الخضرة لجمال ظاهرها ، وشبّه منبتها السوء بالدِمْنَة لقباحته ، والدِمْنَة هي : الأبعار المتجمعة تركبها السوافي ، ويعلوها الهابي ، فإذا أصابها المطر أنبتت نباتاً خضراء يروق منظره ويسوء مخبره ، فنهى عليه الصلاة والسلام عن نكاح المرأة إذا كانت مغموضة في نفسها ، أو مطعوناً عليها في نسبها ، لأنّ أعراق السوء تنزع إلى ولدها ، وتضرب في نسلها ، قال الشاعر :

وأدركنه خالاته فخذلنه

ألا إنّ عِرق السوء لا بدّ مدرك(١١٣)

وفي السيرة الحسينية ما جاء في خطبته في مكة المكرمة : «خُطّ الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي إشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخِيرَ لي مصرع أنا لاقيه ، فكأنّي بأوصالي تُقطعها عُسْلَان الفَلوات بين النَوَاوِيس وكربلا ، فيملأن مني أكراشاً جُوفَاً ، وأجْرُبَة سُغُبَاً»(١١٤) .

__________________

(١١٢) ـ الغروي ، الشيخ محمد : الأمثال النبوية ، ج ١ / ٢٧٢.

(١١٣) ـ الشريف الرضي ، محمد بن الحسين : المجازات النبوية / ٦٠ ـ ٦١.

(١١٤) ـ السماوي ، الشيخ محمد طاهر : إبصار العين في أنصار الحسين / ٦.

١١٠

إنّ بلاغة هذه الخطبة وعُلو مضمونها ، يوجب لنا الإطمئنان بصدورها عن سيد الشهداء عليه السلام ، كما أنّها على وجازتها تضمنت نهج الحسين عليه السلام وهدفه ، ونهايته ووصف مصرعه ومكانه ، والذي يهمنا بحثه ـ هنا ـ بيان بعض أوجهها البلاغية ، المتمثلة فيما يلي :

أولاً ـ عَبّر الحسين عليه السلام عن الموت الذي هو طبيعي للبشر بأنّه : (خط مخط القِلادة على جِيدْ الفَتاة). وهذا التعبير براعة إستهلال عجيبة المعنى ؛ حيث أنّ مخط القلادة يراد منه شيئين :

أ ـ إسم مكان : وهو موضع خط القلادة ـ وهي الجلد المستدير من الجيد ـ ، فكما أنّ ذلك الجلد لازم على الرقبة ، كذلك الموت على ولد آدم.

ب ـ إسم مصدر : والمراد به نفس الخط ، فيكون معنى ذلك : أنّ الموت دائرة لا يخرج ابن آدم عن وسطها ، كما أنّ القلادة دائرة لا يخرج الجيد منها حال تقليده. فإذا كان الموت لابد منه ؛ فليختر الإنسان أفضل ميتة ، وأعظمها شرفاً ونفعاً ، وإن أدّت إلى تقطيع أوصاله.

ثانياً ـ إختيار الحسين عليه السلام لنفسه الموتة الكريمة ، التي هي مرتبطة بأمر السماء التي تتم فيها شهادة الحسين وسعادته ، وسعادة من سار على نهجه ، لقد قضي الأمر وتمت الخيرة ، وكيفية القتلة ومكانها وعَبّر عن ذلك بقوله : (وخِير لي مصرع أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تُقَطّعها عُسْلَان الفَلوات ، بين النَواوِيس وكربلاء).

فعسلان الفلوات : هي الذئاب ، ولعلّ الحسين عليه السلام يعني بها ـ مجازاً ـ الوحوش البشرية من أعدائه التي وَزّعت جسده الطاهر ، وتركته بالعراء وسلبته ووطأته بالخيول ، ثم تركته بلا مواراة ثلاثة أيام ، وقد عَبّر عن وحشيتهم بقوله

١١١

(فيملأن مني أكراشاً جُوْفَاً ـ أي واسعة ـ ، وأجربة سُغُباً ـ أي البطون الجائعة ـ ، وهذا تعبير عن شدتها وكثرة أكلها من دون محام ولا دافع عن الأعضاء المقطعة ، ويُؤَيّد هذا المعنى ما قاله لأصحابه لما نزل بَطْن العَقَبة : «ما أراني إلا مقتولاً ، فإنّي رأيت في المنام كلاباً تنهشني ، وأشدّها عليّ كلب أبقع»(١١٥) . أراد الحسين عليه السلام أن يُبيّن للمسلمين من خلال خطبته ، تلك الجريمة النكراء التي إقترفها الأمويون في حق البيت النبوي الطاهر ، ومدى اللثم والخسة في نفوس أعدائه ، حيث إمتدت تلك الجريمة ـ بعد تقطيع الحسين عليه السلام بالسيوف ، ووطئ جثته بالخيول ـ لتدخل الرعب والهلع في نفوس النساء والأطفال ، وتُعَرِّضَهم للعطش والحرق والسحق والأسر وضرب السياط ، وبهذا أراد الحسين عليه السلام أن يسجل على صفحات التاريخ ، صوراً من البطش والهمجية التي لا يرتكبها إلا الذئاب المفترسة والوحوش الضارية.

الثالث ـ مطلق ما يسمى بالمثل :

سواء فيه المثل السائر ، والقياسي والفرضي المعروف بالخياليات التي صنعت للإعتبار والموعظة ، كفرضيات كتاب (كليلة ودمنة) ، وكل وصف به نوع غرابة أو إعجاب زائد ، كقوله تعالى :( مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ .) [محمد / ١٥]. المستفاد من كلمات اللغويين أنّ المثل بمعنى التمثيل والتنظير ، وسمي المثل مثلاً لأنّه ماثل بخاطر الإنسان ؛ أي شاخص به. يقول الجوهري : «ومثلت له كذا تمثلاً إذا صَوّرت له مثاله

__________________

(١١٥) ـ المقرّم ، السيد عبد الرزاق الموسوي : مقتل الحسين / ١٨١.

١١٢

بالكتابة وغيرها»(١١٦) . فكأنّ مراد الجوهري الصورة بالكتابة والتمثال بخير الكتابة ؛ لأنّ غير الكتابة إما يكون وصفاً ؛ فهو أمر تخييلي محض ، وإما أن يكون عملاً يدوياً محسوساً فهو التمثال. فيكون الغاية من سوق المثل والتنظير له إقامة الحجة أو إظهار آية دالة على شيء ما. فالأسلوب في الآية عرضها مثول وانتصاب لحقيقتها أمام الناظر. ومن هذا الباب ما جاء عن الحسين عليه السلام في اليوم العاشر من المحرم ، حينما إستدعى ابن سعد ومَثّل له نهايته ، حيث قال له : «أي عمر ، أتزعم أنك تقتلني ويوليك الدّعي بلاد الرّي وجُورجَان ، والله لا تهنأ بذلك ، عهد معهود فاصنع ما أنت صانع ، فإنّك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة ، وكأنّي برأسك على قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة ، ويتخذونه غرضاً بينهم ، فصرف بوجهه عنه مغضباً»(١١٧) .

وعند خروج الأكبر عليه السلام إلى الميدان ؛ صاح بعمر بن سعد : «مالك؟! قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسَلّط عليك من يذبحك على فراشك»(١١٨) .

٢ ـ أهمية المثل :

للمثل أهمية كبرى يمكن تلخيصها فيما يلي :

١ ـ إنّ أهمية الأمثال بيانية ، حيث لم يكن في كلام العرب أوجز منها ، ولا أشد إختصاراً. قال إبراهيم النظام : «إجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في

__________________

(١١٦) ـ الجوهري ، إسماعيل بن حَمّاد : تاج اللغة وصحاح العربية ، ج ٥ / ١٨١٦.

(١١٧) ـ المقرّم ، عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٣٥.

(١١٨) ـ نفس المصدر / ٢٥٧.

١١٣

غيره من الكلام : إيجاز اللفظ ، وإصابة المعنى ، وحسن التشبيه ، وجودة الكناية ، فهو نهاية البلاغة»(١١٩) .

٢ ـ إنّ المقصود من ضرب الأمثال ، أنّها تؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في نفسه ؛ وذلك لأنّ الغرض في المثل أن تنفعل به النفوس ، وتؤمن به القلوب ، فإن كان مدحاً ؛ كان أبهى وأفخم وأنبل في النفوس ، وأعظم وأهز للعطف ، وأسرع للإلف ، وأذكر وأيسر على الألسن ، وأولى بأن تعتلقه القلوب وأجدر. وإن كان ذماً ؛ كان مَسّه أوجع ، ووقعه أشدّ ، وحَدّه أحد. ومن هذا ما ورد في الخطب الحسينية في الطريق وفي كربلاء. وكذلك ما ورد عن أهل بيته عليهم السلام أثناء الخطب في الكوفة ، ويمكن التركيز منها على ما يلي :

المثل في خطب الإمام الحسين (عليه السلام) :

قال عليه السلام لابن عباس : «والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العَلَقَة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك ؛ سَلّط الله عليهم من يذبهم ، حتى يكونوا أذلّ من فِرَام المرأة»(١٢٠) .

وقال أثناء طريقه إلى الكوفة : «إنّ هؤلاء أخافوني ـ وهذه كتب أهل الكوفة ـ وهم قاتليَّ ، فإذا فعلوا ذلك ولم يدعوا الله محرماً إلا انتهكوه ؛ بعث

__________________

(١١٩) ـ الغروي ، الشيخ محمد : الأمثال النبوية ، ج ١ / ١٠.

(١٢٠) ـ المقرّم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٢٣٤.

١١٤

الله إليهم من يقتلهم ، وحتى يكونوا أذلّ من فِرَام الأمّة»(١٢١) . وخاطب الأعداء يوم عاشوراء بقوله : (يا عَبيد الأمّة)(١٢٢) تحقيراً لهم.

إيضاح أهم مفردات المثل الحسيني :

الفِرَام : ورد في كتب اللغة أنّ (الفِرَام) : دواء تُضيِّق به المرأة المسلك ، أو حب الزبيب تحتشى به لذلك ، وكانت في أحراح ثقيف سعة يتضيقن بعجم الزبيب. والفرامة : هي الخرقة تحتشي بها المرأة عند الحيض كالفِرَام ، وفيها يقول الشاعر :

وجَدْتُك فيها كأمِّ الغلام

متى ما تَجِدْ فَارِما تَفْترِم(١٢٣)

وأيضاً قال في (بَطْن العَقَبة) : «إنّهم لن يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جَوفي ، فإذا فعلوا ذلك ؛ سَلّط الله عليهم من يذلهم ، حتى يكونوا أذلّ فرق الأمم»(١٢٤) .

وقال في (الرُهَيَمة) : «وطلبوا دمي فهربت ، وأيم الله ليقتلوني فيلبسهم الله ذِلّاً شاملاً ، وسيفاً قاطعاً ، ويسلط عليهم من يذلهم ، حتى يكونوا أذلّ من قوم سَبأ ؛ إذ ملكتهم إمرأة فحكمت في أموالهم ودمائهم»(١٢٥) . هذه بعض الأمثال الحسينية الواردة في خطبه عليه السلام.

__________________

(١٢١) ـ المصدر السابق / ١٧٥.

(١٢٢) ـ نفس املصدر / ١٦٨.

(١٢٣) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ١٢ / ٤٥١ ـ ٤٥٢.

(١٢٤) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ١٨١.

(١٢٥) ـ نفس المصدر / ١٨٥.

١١٥

وإن كان وعظاً ؛ كان أشفى للصدر ، وأدعى للفكر ، وأبلغ في التنبيه والزجر ، ويبصر الغاية.

المثل في خطبة السيدة زينب (عليها السلام) في الكوفة :

ومما ورد في الخطبة الزينبية التي خطبتها في الكوفة ـ من الأمثال ما يلي : «الحمد لله ، والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار ، أما بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل الخَتَل والغَدْر ، أتبكون؟! فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنّه ، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم»(١٢٦) . تشير أم المصائب زينب عليها السلام إلى قوله تعالى :( وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) [النحل / ٩٢].

وبعد مراجعة كتب المفسرين حول هذه الآية ؛ نخرج بالنتيجة التالية :

أولاً ـ هذا مثل قرآني يشير إلى المرأة التي غزلت ثم نقضت غزلها من بعد إمرار وفَتلٍ للغزل ؛ وهي إمرأة حمقاء من قريش ، واسمها رَيطَة بنت عمرو ، بن كعب ، بن سعد ، بن تميم ، بن مُرّة ، وكانت تسمى خَرْقَاء مكة ، كانت تغزل مع جواريها إلى إنتصاف النهار ، ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن ، ولا يزال ذلك دأبها.

ثانياً ـ هذا نهي من الله للمكلفين أن يتصفوا بالصفات المذكورة في الآية ، المندرجة تحت الألفاظ التالية :

__________________

(١٢٦) ـ المصدر السابق / ٣١١.

١١٦

١ ـ أنْكَاثاً : جمع نِكْث ، وكل شيء نقض بعد الفتل ؛ فهو أنكاث حبلاً كان أو غزلاً.

٢ ـ دَخَلاً : الدَخَل ، ما أدخل في الشيء على فساد ، فالمراد بالدخل وسيلته ، من تسمية السبب باسم المسبب ؛ أي وسيلة للغدر والخدعة والخيانة ؛ تطيبون بها نفوس الناس ثم تخونون وتدعونهم بنقضها. ومعنى ذلك : أنكم كمثلها ، إذا تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم فتؤدونها وتعقدونها ، ثم تخونون وتخدعون بنقضها ونكثلها ، والله ينهاكم عنه.

٣ ـ أرْبَى : أي أكثر عدداً ومنه أربا فلان للزيادة التي يزيدها على غريمة في رأس ماله. ومعنى ذلك لا ينقضوا العهد بسبب أن يكون قوم أكثر من قوم ؛ أي لا تنقضوا عهدكم ، متخذيها دغلاً وغدراً وخديعة ، لمداراتكم قوماً هم أكثر عدداً ممن عاهدتم له ، بل عليكم الوفاء والحفظ لما عاهدتم عليه. فالسيدة زينب عليها السلام تذكرهم وتوبخهم بالعهد والبيعة لسيد الشهداء عليه السلام التي نقضوها ، وشبهتهم بالمرأة التي نقضت غزلها من بعد قوة ، إلى أن قالت : «ألا وهل فيكم إلا الصَلَف النَطَف ، والعجب والكذب والشَنِف ، ومَلِق الإماء ؛ وغَمَز الأعداء؟!» وفي هذا المقطع عَبّرت عنهم بألفاظ تعيبهم وتكشفهم بها توبيخاً لهم (فالصَلَف) : الذي يمتدح بما ليس عنده. وفي حديث المؤمن : (لا عنف ولا صَلَف) ، يقال : سحاب صلف ، إذ كان قليل الماء ، كثير الرعد ، وفي المثل (رُبّ صَلَف تحت الرَاعِدَة) يضرب للرجل يتوعد ثم لا يقوم فيه»(١٢٧) .

__________________

(١٢٧) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ٥ / ٨٢.

١١٧

(والنَطَفَ) : «القذف بالفجور ، أو الفساد ، أو الشر»(١٢٨) .

(والشنف) : المبغض(١٢٩) .

(ومَلِق الإماء) :

«المَلأِق : الضعيف. أو التودد والتذلل ، وإبداء ما باللسان من الإكرام والودّ ما ليس في القلب»(١٣٠) .

(وغَمَز الأعداء) :

«الغَمَز : الضعف والميل والعيب»(١٣١) ؛ أي أنتم ضعاف في عقولكم وعملكم بحيث إستزِهدكم الأعداء ، وسخروا بكم بإطاعتكم لهم. إلى أن قالت : «أو كَمَرْعَى على دِمّنَة ، أو كقَصّةٍ على مَلْحُودَة».

(الدِمنَة) :

«هي ما تُدمّنُه الإبل والغنم بأبوالها وأبعارها ؛ أي تلبّده في مرابضها ؛ فربما نبت الحسن النضير. ومنه الحديث : (فينبتون نبات الدِّمن في السيل) ، هكذا جاء في رواية بكسر الدال وسيكون يرعى البعير ؛ لسرعة ما ينبت فيه»(١٣٢) .

وقيل الدِّمنة : هي المنزل الذي ينزل فيه أخيار العرب وتحصل فيه بسبب نزولهم تغيّر في الأرض بسبب الأحداث الواقعة منهم ومن مواشيهم ، فإذا أمطرت أنبتت نبتاً حسناً شديد الخضرة والطراوة ؛ لكنّه مرعى وَبِيء للإبل

__________________

(١٢٨) ـ لويس ، معلوف : المنجد في اللغة / ٨١٦.

(١٢٩) ـ نفس المصدر / ٤٠٤.

(١٣٠) ـ نفس المصدر / ٧٧٤.

(١٣١) ـ نفس المصدر / ٥٥٩.

(١٣٢) ـ ابن الأثير ، المبارك بن محمد الجزري : نهاية في غريب الحديث ، ج ٢ / ١٣٤.

١١٨

مُضرّبها)(١٣٣) . ومن هذا ، ما ورد في الحديث النبوي (.. إياكم وخَضْرَاء الدِّمن ، وقيل يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وما خضراء الدِّمن؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء)(١٣٤) .

قال الشريف الرضي (ره) : «والقول الآخر : أن يكون عليه الصلاة والسلام ؛ إنّما نهى في الحقيقة عن تغارض النفاق وتعاير الأخلاق ، وأن يتلقى الرجل أخاه بالظاهر الجميل ، وينطوي عن الباطن الدميم ، أو يخدعه بحلاوة اللسان ، ومن خلفها مرارة الجنان ، وإلى هذا المعنى ذهب الشاعر في قوله :

وقد يَنْبُتُ المرْعَى على دِمَنِ الثّرَى

وتَبْقَى حَزَازَاتُ النفوس كما هِيَا

كأنه أراد ، إنا وإن لقيناكم بظاهر الطلاقة والبشر ، فإنّا نضمر لكم على باطن الغش والغمز ، ومثل هذا قول الآخر :

وفِينَا وإن قِيلَ إصْظَلحْنَا تَضَاغُنٌ

كما طرّ أوبارُ الجِرَابِ على النّشْرِ

وقال أهل العربية : النشر أن ينبت وبر البعير وتحته داء العرّ ؛ وهو الجرب فيرى كأن ظاهره سليم وباطنه سقيم»(١٣٥) ، وبعد هذا الإيضاح يظهر لنا مغزى ما يستفاد من كلام السيدة زينب عليها السلام ، حيث أنّ الغرض هو التعريف بأن الدِّمنَة وإن زها ظاهرها بالنبت ، إلا أنّه لا يفيد الحيوان قوة ؛ لأنّها مجمع الأوساخ والكشافات السامة القاتلة ، فنتاج الدِّمنة لا يكون طيباً ، وأهل الكوفة وإن زها

__________________

(١٣٣) ـ الطريحي ، الشيخ فخر الدين : مجمع البحرين ، ج ٦ / ٢٤٨.

(١٣٤) ـ الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن : وسائل الشيعة ، ج ٢٠ / ٣٥ (الباب ٧ من أبواب مقدمات النكاح ـ الحديث ٧).

(١٣٥) ـ الشريف الرضي ، محمد بن ابي احمد الحسين : المجازات النبوية / ٦١.

١١٩

ظاهرهم بالإسلام ؛ إلا أنّ الصدور إنطوت على قلوب مظلمة لا يصدر منها إلا بما يقوم به أهل الجاهلية والإلحاد»(١٣٦) .

(أو كقَصّةٍ على مَلْحُودة) :

«القَصّةُ والقِصّة والقَصُّ ، الجَصّ : لغة حجازية. وقيل : الحجارة من الجَصّ ، وقد قصّصَ داره ، أي جصّصَها. ومدينة مُقصّصَة : مطلية بالقصّ ، وكذلك قبر مُقصّصٌ ، والتقصيص : هو التجصيص ، وذلك أنّ الجَصّ يقال له ، القَصّة. يقال : قصصت البيت وغيره ؛ أي جصّصته. وفي حديث زينب (يا قَصّةٌ عُلى مَلحُودَةٍ) ؛ شبهت أجسادهم بالقبور المتخذة من الجصّ ، وأنفسهم بجيف الموتى التي تشتمل عليها القبور»(١٣٧) .

قال السيد المقرّم (ره) : «والذي أراه ، أنّ النكتة في هذه الإستعارة ، أنّ القصّة بلغة الحجاز الجصّ ، والملحودة ؛ القبر لكونه ذا لحد ، فكان القبر يتزين ظاهره ببياض الجصّ ، ولكن داخله جيفة قذرة ، وأهل الكوفة وإن تزين ظاهرهم بالإسلام ، إلا أنّ قلوبهم كجيف الموتى ؛ بسبب قيامهم بأعمال الجاهلية الوخيمة العاقبة من الغدر وعدم الثبات على المبادئ الصحيحة ؛ وقد إنفردت (متتمة الدعوة الحسينية) بهذه النكات البديعة ، التي لم بسبقها مهرة البلغاء إليها»(١٣٨) .

إلى أن قالت عليها السلام : (ولقد أتيتم بها خَرْقَاء ، شَوْهَاء كِطلَاعِ الأرض ، ومِلء السماء).

__________________

(١٣٦) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٣١١ (بتصرف).

(١٣٧) ـ ابن منظور ، محمد بن مكرم : لسان العرب ، ج ٧ / ٧٦ ـ ٧٧.

(١٣٨) ـ المقرم ، السيد عبد الرزاق : مقتل الحسين / ٣١٢.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

وكانت قرطبة ، عاصمة المسلمين آنذاك ، مركز مهماً للعلم والفن والتجارة في اوروبا وكانت تفوق اكبر العواصم الاوروبية ».

اسبانيا في ظل الحكم الاوروبي

يقول عالم فرنسا المعروف :

« عندما كانت الاندلس ( اسبانيا ) تحت حكم المسلمين ، بلغت ذروة تحضّرها ، إلّا ان تلك الاندلس نفسها اتجهت نحو السقوط والانحدار بعد حكم المسلمين ومجىء الحكم المسيحي الاوروبي ، وعلىٰ حدّ اعتراف كبار علماء اوروبا لم تشاهد دولة بلغت تلك المدارج من الرقي بهذه السرعة في ظل حكم المسلمين ، كما انه لم يشاهد مثلها في سرعة السقوط والتدني خلال حكم النصارىٰ الذين دمروا كل شيء وقوضوا كل الاُمور حتى عدد السكان بسبب كثرة القتل الذي قاموا به.

لقد اضطربت احوال الاندلس بمجىء الاوروبيين في جميع المجالات من الزراعة والتجارة الىٰ العلم والادب ، فالاندلس لم تكن متحضرة قبل حكم المسلمين لها ، لكنها وصلت الىٰ اعلىٰ درجات التحضّر والعمران في فترة الحكم الاسلامي ، ولكنها تراجعت حضارياً بشدة مع انتهاء فترة حكم المسلمين وتسلط الاوروبيين والنصارىٰ عليها.

فعندما سقطت ( غرناطة ) آخر عاصمة للمسلمين هناك بيد النصارىٰ ، ذهب جميع ذلك التساهل الديني الذي كان العرب يعاملونهم به ، وعلىٰ الرغم

٢٦١

من المعاهدات التي كانت بينهم(١) عاملوهم بأشد درجة من القسوة والظلم ، وبعد قرن علىٰ ذلك قرروا اخراج المسلمين من البلاد بشكل تام ، لقد كان المسلمون متفوقون عليهم في جميع العلوم حتىٰ تحت ظل حكمهم ـ النصارىٰ ـ للحد الذي شكىٰ الاسبان ذلك الىٰ حكومتهم من ان المسلمين لم يتركوا لهم مجالاً للقيام بعمل محترم ومرموق ، والحقيقة ان النصارىٰ لم يكونوا جديرين للقيام باي عمل ، حتىٰ لا يحتاجوا المسلمين في انجازه.

خلاصة القول :

انه وبعد حكم المسلمين اغلقت المعامل التي كانوا قد شيدوها بأيديهم ، واختلت امور الزراعة ، فصارت الاراضي التي احياها المسلمون الى موات ، مما اثر ذلك علىٰ العمران المدني ، لذلك نشاهد تدني في امور المدن ايضاً ، ففي اشبيلية التي كان فيها علىٰ حكم المسلمين الف وستمائة مصنع وكان يعمل في تلك المصانع اكثر من مائة وثلاثين الف عامل ، تقلص العدد في طل حكم النصارىٰ الىٰ ثلاثمائة مصنع فقط !

وفي طليلة وحدها كان هناك خمسين مصنع للنسيج والاقمشة في فترة حكم المسلمين ، بقيت منها ثلاثة عشر فقط بعدهم ، اما المصانع التي كانت مخصصة لانتاج الاقمشة الحريرية والتي كان يعمل فيها اكثر من اربعين الف عامل ، فقد اغلقت جميعها ، هذا الامر ادىٰ الى خراب مدن مشهورة كانت

________________

(١) لمزيد الاطلاع حول نص تلك المعاهدات : راجع ، تاريخ العالم الحديث الاسلام ، تاليف الدكتور لوثروب ستودارد ( الاميركي ).

٢٦٢

عامرة في فترة حكم المسلمين مثل ، قرطبة ، وسقوبية وبورغوس.

وقد وصل الامر الىٰ الاوروبيين لرادوا ان ينشئوا في بداية القرن الثامن عشر مصنعاً في سقوبية ، ولأنه لم يكن قد بقي هناك واحداً من الصناعيين المسلمين اضطروا لأن يأتوا بالصناعيين والعمال من هولندا. وبشكل عام لقد سقطت الاندلس في الفقر والحرمان والتخلف علىٰ يد النصارىٰ بعد ان كانت القمة الحضارية في اوروبا والعالم في فترة حكم المسلمين.

نماذج مضحكة من جهل الاوروبيين

سيادة العقيد : من اجل ان تتعرفوا اكثر علىٰ هؤلاء الذين ترونهم افضل منكم ، سأنقل لكم نماذج عن جهلهم ومستوىٰ انحطاطهم الفكري في الماضي ، لكي تعرفوا مدىٰ تخلفهم عندما كان للمسلمين مجد وعظمة علمية في الدنيا :

١ ـ مسكين فلتن الامريكي ، لقد صنع زورقاً بخارياً سرعته ما يقرب من خمسة عشر كيلو متراً في الساعة وقام بتجربته في احد الانهار في امريكا ، المتفرجون الامريكيون الذين كانوا يشاهدون حركة الزورق من علىٰ ساحل النهر ، تصوروا ان هذا الزورق ما هو الّا عفريت والدخان الذي يتصاعد من مدخنة غرفة المحرك انفاس ذلك العفريت !!

٢ ـ وفي السويد كانوا يقومون بشنق الشيوخ والعجائز والمرضىٰ الذين يصعب علاجهم ، ولا زالت هناك بعض اعواد المشانق بأسماء بعض الاسر ...!

٣ ـ وفي بريطانيا والىٰ قرون متأخرة كان هناك قانون يجيز للمرأة ان

٢٦٣

يكون لها اكثر من زوج !

٤ ـ نقل بعض المثقفين الفرنسيين الىٰ ملك فرنسا ، ان المسلمين في الاندلس يرصون ارض شوارعهم وازقتهم بأحجار ظريفة ويبالغون في الحفاظ علىٰ نظافتها ، في حين ان شوارع وازقة بلادنا غير مرصوصة بالحجارة والخنازير سائبة فيها علىٰ الدوام مما يزيد في اوساخها ، وبعد ان استمع ملك فرنسا الىٰ كلام هؤلاء ، امر برسم خرائط عن شوارع وازقة مدن الاندلس ، وبعد ذلك ترص شوارع وازقة مدن فرنسا علىٰ غرارها ، كما امر بمنع خروج الخنازير الىٰ الشوارع والازقة.

وما ان سمع الشعب الفرنسي بقرارات الملك ، حتىٰ قامت هناك انتفاضة عامة سميت بالحركة المسيحية في باريس ، واعتبر الباريسيون ان منع حرية الخنازير أمر يخالف التعاليم النصرانية ، وقد وصل الامر الىٰ حدّ اضطر فيه ملك فرنسا لأن يمنح الخنازير حرية التجوال في الشوارع والازقة ، بل ومن اجل جبران ما امر به في السابق ، امر بأن يتعلق في رقبة كل واحد منها جرس خاص ، دلالة علىٰ قدسيتها(١) ، وبالنهاية كانت هذه الاجراس هي السبب في موت ملك فرنسا.

ففي أحد الايام حيث كان الملك ممتطياً جواده ، فاجئته مجموعة من تلك الخنازير بأجراسها ، فارتهب الجواد من صوت اجراسها وقفز من مكانه ،

________________

(١) يشاهد اليوم في الغرب اهتمام بالغ بالكلاب والقطط حتىٰ انهم يعدونها كأحد افراد الاسرة ...!

وحول مكانة الكلاب عند الغربيين راجع :

صحيفة اطلاعات ( بالفارسية ) العدد ٩٢٧١ بتاريخ ١٣ / ٣ / ١٩٥٧. مقال بقلم الدكتور زهيري.

٢٦٤

فوقع الملك من علىٰ ظهره وكان في ذلك موته.

٥ ـ يقول الدكتور غوستاف لوبون : « كان الجمود والتحجر يسود الاندلس بعد حكم المسلمين لحد ، اقترح مجموعة من المثقفين الاوروبيين علىٰ حكامهم ضرورة تنظيف الشوارع والازقة من القاذورات من اجل نظافة العابرين ، ولمجرد هذا الاقتراح تشكلت هيئة طبية اوروبية وخالفته ، وكان تعليمهم : هو ان آباءنا كانوا عقلاء وكانوا راضون عن مثل هذا الوضع ولابد لنا نحن اتباع نهج اسلافنا في ذلك وان اخراج القاذورات من الشوارع والازقة وتنظيفها بعد عملاً لا تعرف نتائجه ؟! »

فطير وشراب

الدكتور : هل صحيح ان الشعوب الاوروبية كانت علىٰ هذا المستوىٰ من الانحطاط حتىٰ القرن الثامن عشر ؟!

الشيخ : حضرة الدكتور ! لا يقتصر الامر علىٰ الماضي بل في عصر الذرة الذي ينظر فيه شعبنا اليهم بقداسة ، هناك خرافات شائعة بينهم تجعل كل انسان عاقل في حيرة من امره.

ولقد تأصلت هذه الخرافات في عقول كبار سياسييهم وعلماءهم ، بحيث انهم ينفذونها ويلتزمون بها دون اي تحفظ او انتباه ، واليكم بعضها :

أ ـ واحدة من تلك الخرافات التي شارك فيها العديد من الشخصيات في اوروبا وامريكا ، شعائر تسمىٰ « الفطير المقدّس » وهو انهم يحضرون في اليوم الذي يقولون فيه بصلب عيسىٰ ، فطائر يعدونها من دقيق جيد ، ويأخذونها الىٰ

٢٦٥

البابا أو كبير القساوسة ، فياتي البابا أو كبير القساوسة بذلك الفطير ومعه زجاجة شراب الىٰ الكنيسة وقد امتلأت لكبار الشخصيات والناس العاديين وهم مصطفّون ومستعدون ، فيضع كبير القساوسة من ذلك الشراب في كأس من الفضة ، والفطائر في منديل نظيف ، وبعد ان يعبر من امام المصطفين ، يقف ووجهه نحو الشرق مقابل الجميع ويقرأ من الاية ٤٨ الىٰ الآية ٥٨ من الانجيل(١) علىٰ الشراب والفطير الذي بيديه ـ في شعائر خرافية للغاية ـ ثم يسجد علىٰ ذلك الفطير ويخاطبه وهو ساجد : انت يا عيسىٰ رب السماوات والارضين ، انت الذي تجسمت في بطن مريم ، انت ابن الله الذي ولدت قبل جميع العوالم ، وأنت الذي تنجو ببركته من ايدي الشياطين ، وانت الذي تجلس علىٰ يمين الاب في السماوات ! نسألك أن تغفر لنا وأن تغفر لاُمّتك التي دفعت دمك ثمناً لخلاصها !

وبعد ذلك يرفع رأسه من السجود ويمسك بالشراب والفطير أمام الحاضرين فيسجد الجميع امامهما ، لانهم يعتقدون ان ذلك الفطير وبعد ان قرأ عليه القس الاكبر تلك الآيات تحول الىٰ جسم المسيح. وبعد ان يتم الجميع سجودهم ، يمسك القس الاكبر بكأس الخمرة ويخاطب الحاضرين قائلاً : لقد امسك عيسىٰ قبل موته كأس الخمرة واعطاه للحواريين ـ والعياذ بالله ـ وقال لهم اشربوه فهذا دمي ، وبعد ذلك الخطاب يقوم القس ومن بعده الحاضرين بالسجود امام ذلك الكأس الذي يعتقدون بأنه دم عيسىٰ ، ثمّ يقوم القس الاكبر بتقطيع الفطائر بحيث تكون الواحدة بمقدار حبّة الحمص أو أصغر ، ثم يقف هو وبيده قطع الفطير ويمسك قس آخر بكأس الشراب فيأتي المصطفون واحد

________________

(١) الباب السادس من انجيل يوحنا ، ص ١٥٥ ، طبع لندن ١٩٠١ م.

٢٦٦

بعد واحد اليه يضع في فمهم قطعة من الفطير يبلعونها دون ان تنالها اسنانهم ، لأنها من جسم عيسىٰ ! ثم الىٰ القس الآخر فيشربون من كأس الخمرة دون ان يمسونه ، ويعتدون انهم وبعد ان أكلوا الفطير وشربوا الخمرة اصبحوا جميعاً ابناء الله.

هنا يعجب الاصدقاء من ذلك الكلام الذي رواه لهم الشيخ.

الاصفهاني يشتري النار !

ب ـ ومن الخرافات الاُخرىٰ السائدة حتىٰ اليوم في الدول الغربية ، قصة بيع الجنة وتفصيل ذلك هو ان المسيحيين يؤمنون بأن عيسىٰ قتل لكي يخلّص بدمه اتباعه من الذنوب والعذاب عند ابيه !!! ( الله ) ، ولذلك فان عيسىٰ يستطيع ان يغفر للمذنبين شخصياً

وهذه العقيدة الوهمية اصبحت وسيلة بيد القساوسة لأخذ الاموال من الناس ، فالمسيحي المذنب يأتي الىٰ القس ويعترف بذنبه فيغفر له القس ذنوبه بأعتباره ممثلاً للمسيح ثم يدفع للقس مبلغاً من المال ازاء شراء قطعة ارض في الجنة.

يقال ان أحد الاصفهانيين اطلع علىٰ هذا الأمر في روما ، فذهب الىٰ القس الأكبر وبعد ان اعترف بمجموعة من الذنوب طلب من القس ان يبيعه جميع جهنم ، ومهما أراد القس الاكبر بنصيحته من ان جهنم مركز العذاب في الآخرة ، ويستطيع هو ان يشتري قطعة ارض من جنة مقابل المبلغ الذي يدفعه ، إلّا ان الاصفهاني اصرّ علىٰ شراء جميع جهنم ، وفي النهاية باعه القس

٢٦٧

الأكبر جميع جهنم ازاء مبلغ زهيد ، فطلب الاصفهاني من القس سنداً للملكية ، فكتب له القس الاكبر كتاباً بذلك ووقعه ، فأخذ الاصفهاني الوثيقة ودخل الىٰ اكبر كنيسة ، هناك وخاطب المسيحيين قائلاً ، لاتذهبوا بعد اليوم الىٰ البابا لشراء أرض في الجنة ، لأن شراء الجنة كان خوفاً من جهنم والآن ارحتكم من ذلك ، فقد اشتريت جميع جهنم من البابا وهذه وثيقة الملكية موقعة من قبل البابا نفسه ، وسيضطر الله الىٰ ادخالكم الجنة لأنه لم يبق لديه مكان آخر.

وبعد ان رأىٰ النصارىٰ وثيقة الملكية بيد الاصفهاني موقعة من قبل البابا ، ايقنوا من صحة الامر ، فكانوا يذنبون دون خوف ودون مراجعة للقساوسة من اجل الاعتراف أو شراء الجنة ، وبعد فترة من الزمن شاهد القساوسة عدم مراجعة احد للاعتراف أو شراء الجنة ، وفهموا ان سبب ذلك هو حيلة الاصفهاني التي دبرها ضدهم ، فأضطروا لأن يذهبوا اليه ويعيدوا سند ملكية جهنم اليهم مقابل مبلغ طائل من المال ، وبهذا الشكل عادوا من جديد الىٰ بيع الجنة وغفران الذنوب !

وهنا ينفجر الاصدقاء ضاحكين.

ج ـ ومن أعمال الاوروبيين غير المنطقية معاملتهم للكلاب ، فمن الغريب ان يعجب المؤرخون الاوروبيون الىٰ وضع اجراس في اعناق الخنازير في فرنسا ـ كما تحدثنا عن ذلك سابقا ـ ويعتبرونه دليل علىٰ انحطاط وتوحش الشعوب الاوروبية السابقة ، في حين انهم لم يعتبروا وضع علامة دفع الضرائب في رقبة الكلاب واعداد سيارات ومطاعم وغرف نوم خاصة لها دليلاً علىٰ التوحش والانحطاط الفكري.

٢٦٨

اصدقائي الاعزاء !

هذه والعشرات من امثالها من الخرافات والوهم الذي يسود صميم اوروبا واميركا ويشيع بين رجالها وعلمائها وشعوبها التي ترفع راية الحضارة المعاصرة ، وللاسف الشديد فان بعض افراد شعوبنا الاسلامية والشرقية ومن خلال مشاهدتها لتطور الغرب الصناعي تتصور ان كل ما يقومون به اكبر دليل علىٰ الحضارة والمدنية لمجرد انه صادر من قبلهم !!!

٢٦٩

التقدم العلمي عند المسلمين

حسن ، الطالب الجامعي : كلامك قيّم وهو وثيقة فخر لنا نحن المسلمون ، ولكن يجب ان لا ننسىٰ ان العالم الاوروبي اصبح قدوة للبشرية في جميع العلوم والفنون ، وبالتقدم الذي احرزوه في هذا المجال ، لهم حق كثير علىٰ عاتق العالم ، واعترافاً بالجميل ، يجب ان نقدمهم ( نحن وجميع الشعوب الاخرىٰ ) علىٰ انفسنا.

استمع الشيخ الىٰ كلام حسن ثم تنهّد وقال : بني حسن ، كلما سمعت مثل هذا الكلام يصدر عن اخواني المسلمين وهم يرون انفسهم في مرتبة دون تلك الشعوب الاوروبية المغرورة ويرونهم معلموهم في كل شيء ، اتأثر كثيراً ، بني ، كلامك حول اوروبا وتعليمها للمسلمين ، شبيه بأن تأتي مجموعة من السارقين ، فيسرقون كل ما تملك من اموال ، ثم يعطونك جزءاً يسيراً جداً منها ـ لأغراض في انفسهم ـ فتشكرهم وتنظر اليهم كأولياء نعمتك وتكون ممتناً لهم علىٰ الدوام ، في حين انها اموالك التي سرقوها منك وهي اتعابك واتعاب آباءك السابقين !!

اصدقائي الاعزاء !

يجب ان نقول وللأسف الشديد : آه من جهل وعدم ومعرفة بعض المسلمين ، آه لكل هذا الشقاء وهذه التعاسة !

٢٧٠

اصدقائي ، معلموا البشرية هم المسلمون وليسوا الاوروبيون ! وهم مدانون لنا في العلم ، لا ان نكون نحن الممتنين لهم ! ولقب « الاستاذ » جدير بنا ، لا الاوروبيون والشعوب الغربية ! ومنجزاتهم العلمية التي ادت الىٰ جميع هذا الصناعات والاكتشافات ، مصدرها نحن ! علماء الغرب يعترفون : « المسلمون اساتذتنا »

الدكتور : ايها الشيخ لقد ادعيت امراً كبيراً ، لا اتصوّر انك تقوىٰ علىٰ اثباته !

الشيخ : سعادة الدكتور ! هناك العديد من حقائق الوجود لم تكونوا تتصورونها من قبل ، ومن أجل ان لا يكون كلامي اعتباطاً ، سأنقل لكم في البداية أقوال بعض علماء اوروبا في هذا الصدد ، ثم سأثبت لكم ـ بحول الله وقوته ـ ان الاوروبيين كانوا تلامذة المسلمين في كل واحدة من العلوم وانهم اخذوها منا ، حسب اعتراف علماءهم الكبار.

واليكم نصوص من تلك الاعترافات :

١ ـ يقول العالم الفرنسي المعروف ، ليبري(١) :

« لو لم يظهر الاسلام والمسلمين في التاريخ لتأخّرت النهضة العلمية الاوروبية قرون عديدة ».

٢ ـ ويقول الكاتب الانجليزي الكبير ، برناردشو(٢) :

________________

(١) Libre

(٢) Birnazd Shaw

٢٧١

« تقدم وتطور العلم والفلسفة ، في جميع انحاء العالم هو من عمل المسلمين ».

٣ ـ ويقول الفيلسوف المعروف ، ديكارت(١) مؤسس الفلسفة الحديثة :

« جوب الفرنسي ، الذي يهدُ من اشهر علماء اوروبا ، اخذ العلم في الاندلس من المسلمين ».

٤ ـ ويقول الدكتور غوستاف لوبون ، حول « روسن مارتن » الذي لم يبخل منزلة المسلمين وخدماتهم في مجال العلم : « مستبعد أن يتجاهل شخص مثل روسن مارتن خدمات المسلمين وحقهم العلمي علينا نحن الشعوب الاوروبية ».

٥ ـ ويقول ارنست رينان(٢) الفيلسوف الفرنسي المعروف :

« ان كل ما يمتكله البرت الكبير كان قد أخذه عن العالم المسلم ابن سينا ، كما ان القديس ثوماس اخذ فلسفته عن الفيلسوف المسلم ابن رشد الاندلسي أيضاً ».

٦ ـ ويقول المؤرخ الفرنسي المعروف ، السيد سديو(٣) :

« التقدم والتطور الحضاري الاوروبي المعاصر سببه العلوم التي نشرها المسلمون في شتىٰ انحاء العالم من شرقها الىٰ غربها ، ولابد من الاعتراف بهذه الحقيقة وهي ان المسلمين اساتذة شعوب اوروبا الأوّلين ».

________________

(١) Discartes

(٢). E. Renan

(٣) Mr. sidilot

٢٧٢

٧ ـ ويقول العالم الانجليزي المعروف ، بوغولد :

« كانت الجامعات الاسلامية في بغداد والاندلسي تستقبل الطلبة الاجانب من اليهود والنصارى ، وكانت تدفع تكاليف الدراسة من خزانة الحكومة ، كما كانت تحترمهم كثيراً ، ولقد استفاد مئات الشبان الاوروبيين من هذه الحرية والمساعدة الاسلامية وكانوا يدرسون مختلف العلوم والمعارف في تلك المراكز العلمية ».

٨ ـ ويقول بوغيزجيفاي :

« لقد أوجد المسلمون مراكز الثقافة رسمياً في القرون الوسطىٰ ، وأسّسوا الجامعات ، وكان كل اوروبي يدخل الجامعات الاسلامية ، يفتخر بين اقرانه ويكون مرفوع الرأس في عشيرته واسرته ، وكانوا يعتبرونه عظيماً وعالماً ».

٩ ـ ويقول القس الفرنسي المعروف ، راموزار سيلوستر :

« في ذلك العصر الذي سطع فيه شعاع الاسلام من بغداد ( في الشرق ) وغرناطة ( في الغرب ) ، كان الاوروبيون يغطون في سبات عميق ، وبعده فترة طويلة ظهرت مجموعة صغيرة منهم اتجهت نحن المراكز العلمية الاسلامية وبدأوا يحتلون جامعات الاندلس ( دولة المسلمين في اوروبا ) ».

١٠ ـ ويقول المؤرخ الاميركي ، درابر :

« كانت للمسلمين باع طويلة في جميع العلوم القديمة منها والحديثة ، وكانت لهم مهارة خاصة في الميكانيك والديناميك والايذوستاتيك ، وفي مسائل علم الفيزياء ، وعلم الكيمياء في مباحث التقطير والتصعيد والتذويب

٢٧٣

والتصفية ، وكانت الجامعات الاسلامية تدرس جميع العلوم من الفيزياء والكيمياء والهيئة ، حتىٰ الزراعة والاسعافات واخلاق الفلاسفة الكبار ، ولم تشاهد جامعة مثل الجامعات الاسلامية فيها ستة آلاف طالب ».

١١ ـ ويقول المؤرخ الفرنسي الشهير « سديلو » في كتاب « تاريخ العرب » :

«كان المسلمون في القرون الوسطىٰ ، القمّة في الفسلفة ومختلف الفنون ، واين ما وطئت اقدامهم ارضاً نشروا فيها العلم ، حتىٰ وصلت علومهم الىٰ اوروبا وادت الىٰ النهضة العلمية الاوروبية »(١) .

١٢ ـ ويقول « جوزيف ماك كاب » :

« لا يوجد في التاريخ شعب وقدم يهتم بالعلم والمعرفة للحد الذي سيطر حب العلم والفن علىٰ جميع طبقاته ، إلّا المسلمين »(٢) .

١٣ ـ ويقول « رنبورت » :

لا بدّ من الاعتراف ان العلوم الطبيعية والفلكية والفلسفة والرياضيات التي احيت اوروبا في القرن العاشر ، كانت مأخوذة من القرآن ، بل اوروبا مدينة بكامل نهضتها للاسلام »(٣) .

١٤ ـ ويقول جورجي زيدان :

________________

(١) روح الدين الاسلامي.

(٢) عظمة المسلمين في اسبانيا.

(٣) نو دانش ، سنة ١٩٨٥ ( بالفارسية ).

٢٧٤

« اينما حكم الاسلام ، تقدم العلم والادب بسرعة »(١) .

١٥ ـ وفي مكان آخر يقول المؤرخ الاميركي « درابر » ، استاذ جامعة نيويورك :

« اذا اردنا كتابة آثار نهضة المسلمين العلمية ، سنخرج من اطار كتاب ـ نزاع العلم والدين ـ ولكن يكفي ان نعلم ان المسلمين تقدّموا وترقّوا كثيراً في العلوم القديمة التي كانت موجودة قبلهم ، كما انّهم أوجدوا علوماً جديدة لم تكن في السابق ، واكتشفوا وسائل عديدة في الكيمياء وغيرها من العلوم ، ولهذا اعتبروهم مؤسسوا علم الكيمياء.

وفي ذلك العصر كانت الجامعات الاسلامية مفتوحة بوجه عامة المسلمين وعلماء اوروبا ، وكان الامراء والسلاطين يتجهون نحو الدول والبلدان الاسلامية للعلاج »(٢) .

١٦ ـ ويقول « دالامبر » في كتابه « الهيئة » : « لم تكن خدمات المسلمين تقتصر في ابحاثهم واكتشافاتهم وتقدمهم العلمي فقط ، بل انهم نفخوا في العلم روحاً خاصة ، ونشروه في ارجاء العالم من خلال الكتب التي الّفوها والجامعات التي اسسوها ، وبهذا الشكل احسنوا الىٰ العالم واوروبا ، حيث يمكن القول ان المسلمين كانوا اساتذة الاوروبيين في العلوم والفنون علىٰ مدىٰ قرون »(٣) .

________________

(١) تاريخ الحضارة اسلامية.

(٢) روح الدين الاسلامي.

(٣) العالم الاسلامي.

٢٧٥

١٧ ـ ويقول كريستوف كولومبس(١) مكتشف القارة الاميركية :

« لقد استفدت في الوصول الىٰ هدفي السامي وهو كشف طريق الهند من كتاب العالم ابن رشد الاندلسي ، حتىٰ استطعت في النهاية ان اكتشف جزيرة امريكا ».

١٨ ـ ويقول أي. دي. همبلت ، أحد كبار علماء اوروبا :

« يجب ان نعتبر المسلمين هم المؤسسون الحقيقيّون للعلوم الطبيعية »(٢) .

اصدقائي الاعزاء !

هذه نماذج من اعترافات كبار علماء اوروبا في تقدم المسلمين في مختلف العلوم ، وكونهم اساتذة اوروبا وسائر الشعوب في العالم.

وبعد ذلك سأبدأ بحثي حول التطور العلمي للمسلمين في مجالات العلوم الحديثة ، وسأورد لكم في ذلك ادلة قاطعة :

________________

(١) Christopher Columbes

(٢) صورة الاسلام.

٢٧٦

تقدم المسلمين في مجال الطب

يقول المستشرق الفرنسي الكبير الدكتور غوستاف لوبون والذي يحمل شهادة دكتوراه في الطب والطبيعيات والاجتماع : « الطب أيضاً مثل الهيئة والرياضيات والكيمياء من العلوم التي كانت للمسلمين اكتشافات ودراسات فيها ، وقد توصلوا الىٰ نتائج مهمة فيه ، وكتب الطب العربية لم تفقد مثل سائر تصانيفهم لأنها ترجمت الىٰ اللاتينية.

ومن اشهر اطباء المسلمين محمد بن زكرياء الرازي الذي يعد من علماء الكيمياء أيضاً ، كان الرازي يعلم الطب في بغداد لفترة خمسين سنة ، وقد كتب مصنفات عديدة في التاريخ والكيمياء والطب ، وله مؤلفات في الحمىٰ البثورية ، مثل الحصبة وامثالها ، ويعد كتابه « علاج الاطفال » اول كتاب في هذا المجال ، ففيه معالجات حديثة مثل استخدام الماء البارد في تخفيض درجة الحرارة ( الحمىٰ ) والذي لا يزال يستخدم في الطب الاوروبي الحديث ، واستخدم الكحول للجروح والحجامة للسكتة وأمثالها.

واشهر كتاب للرازي في الطب هو « الكبير » ، وهو يحتوي على جميع المسائل الطبية وله كتاب آخر في الطب يسمى « المنصورية » والذي كتبه باسم الخليفة المنصور ، ويتضمن عشرة أبواب :

الأوّل : في التشريح ( الفسيولوجيا ).

الثاني : في الامزجة.

٢٧٧

الثالث : في الاغذية والادوية.

الرابع : في الحفاظ علىٰ الصحة.

الخامس : في الأدوية التي تزيّن الجسم.

السادس : في لوازم حفظ الصحة خلال السفر.

السابع : في الجراحة.

الثامن : في السموم.

التاسع : في امراض الكلية.

العاشر : في انواع الحمّىٰ.

وأغلب كتب الرازي مترجمة الىٰ اللاتينية ومطبوعة أكثر من مرّة ، خاصة انها طبعت في فينيسيا ( البندقية )(١) سنة ١٥٠٩ ميلادية ، وفي باريس سنة ١٥٢٨ ، وكتابه حول الحصبة طبع مرتان باللاتينية سنة ١٧٤٥ ميلادية.

وبقيت كتب الرازي في الطب تدرس لفترة طويلة في الكليات الطبية الاوروبية ، وفي لوفين(٢) كانت كتب الرازي وكتب ابن سينا في الطب تدرس حتىٰ القرن السابع عشر ( اي الىٰ ما قبل ثلاثة قرون ).

ومن علماء المسلمين الآخرين في الطب « علي بن العباس » الذي كتب العديد من المصنفات في هذا المجال وانتقد فيها عبارات هيبوكرات

________________

(١) Vines

٢ ـ Lovin

٢٧٨

وجالينوس واوري باز وبول دوجين ، واثبت خطأهم.

ومن اشهر علماء المسلمين في هذا المجال هو الشيخ الرئيس ابو علي بن سينا ، الذي استمرت آراءه ومصنفاته الطبية علىٰ قوتها لفترة طويلة جداً ، بحيث سميّ « ملك الاطباء » ، وقد ترجمت كتب ابن سينا الىٰ جميع لغات العالم ، وكانت تعد الاساس والمبنىٰ في الطب علىٰ مدىٰ ستة قرون خاصة في جامعات فرنسا وايطاليا التي اعتمدتها كمنهاج دراسية ، وقد اعيد طبعها في القرن الثامن عشر ( قبل قرنين ) مرتان ، ولم يمض علىٰ حذفها من مناهج الجامعات الفرنسية والايطالية اكثر من خمسين سنة فقط.

ومن اطباء المسلمين « ابو مروان عبد الملك بن زهرة » من علماء القرن الثاني عشر في اشبيلية ، ورغم ان شهرته ليست بمستوىٰ سائر اطباء المسلمين ، إلّا ان له كمانة رفيعة في الطب ، وقد قام باصلاحات عديدة في العلاج ، واثبت ان للطبيعة تأثير بالغ في جميع افعال واعمال الجسم ، وبشكل عام كان يرىٰ امكانية دفع الامراض دون الحاجة الىٰ دواء ، واستطاع ابن زهرة خلافاً لما كان سائداً في ذلك العصر ، الجمع بين الجراحة والعلاج وخواص الأدوية وله اُسس وأحكام صائبة لا يمكن الشك فيها حول الكسر والخلع الذي يحدث في العظام.

أمّا الطبيب المسلم الآخر ، فهو « ابن رشد » الذي ولد سنة ١١٢٦ في قرطبة ، وتوفي في سنة ١١٨٨ م ، ورغم مؤلفاته في الطب الّا ان شهرته كانت في الفلسفة ، ولابن رشد شرح علىٰ الكتاب ابن سينا في الطب ، وله مؤلفات في الترياق والسمّيّات وأقسام الحمّىٰ والامراض الاُخرىٰ ، وقد طبعت كتبه

٢٧٩

الطبية في اوروبا عدة مرّات بعد ان ترجمت الىٰ اللاتينية(١) .

يقول الدكتور غوستاف لوبون :

« لقد ترجمت كتب ابن سينا في الطب الىٰ جميع لغات العالم ، وبقيت الاساس والمبنىٰ في الطب علىٰ مدىٰ ستمائة سنة »(٢) .

ويقول جورجي زيدان :

« الطب الاسلامي ، هو خلاصة ذلك العلم عند الشعوب المتحضرة آنذاك حتىٰ زمن ظهور الاسلام ، وقد قام المسلمون بجمع الطب الايراني واليوناني والكلداني والهندي واضافوا عليه اشياء كثيرة وانتقدوه في الكثير من الاشياء »(٣) .

تغيير المناخ في الطب الاسلامي

يقول الدكتور غوستاف لوبون :

« كان الاطباء المسلمون مطلعين علىٰ فوائد المناخ بشكل تام ، للحد الذي يوصي ابن رشد في شرحه لكتاب ابن سينا في الطب ، بتغيير الجو ( المناخ ) لعلاج المصاب بالسلّ ، فيقول : في فصل الشتاء تعد ارض الحجاز والحبشة مفيدة لعلاج هذا المرض ، كما ان اطباء اوروبا يرسلون المصابين بهذا

________________

(١) حضارة الاسلام والعرب.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) تاريخ الحضارة الاسلامية.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466