رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور16%

رحلتي من الظلمات إلى النّور مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 466

رحلتي من الظلمات إلى النّور
  • البداية
  • السابق
  • 466 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 233465 / تحميل: 8000
الحجم الحجم الحجم
رحلتي من الظلمات إلى النّور

رحلتي من الظلمات إلى النّور

مؤلف:
الناشر: مؤسسة المعارف الاسلامية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ايها السادة المحترمون !

مثل هذهِ الامور كثيرة جداً في التاريخ القضائي لبلادنا. وان ذكرها بأجمعها يحتاج الىٰ سنوات من الوقت.

والحقيقة هي ان القيود التي وضعها العالم المتحضر علىٰ القوانيين القضائية سلبتها السرعة اللازمة وجعلها كما هي الآن مضحكة ، مما ادىٰ الىٰ يأس الفئات المستضعفة من احقاق حقها بواسطة الاجهزة القضائية ، للحدّ الذي يرضىٰ اكثر المظلومين المستضعفين بغض النظر عن حقوقهم المسلّمة والقانونية على أن يرجعوا الىٰ المحاكم.

لكن الاسلام العظيم لا يرضىٰ ان يكون هناك عمل مهما كان صغيراً بعنوان طي مراحل قانونية او عناوين اُخرىٰ في دائرته القضائية ، ومع ان المحكمة الاسلامية ليس فيها الّا عضوان هما القاضي والكاتب ( الذي يحرر الحكم ) ، الّا انه في الغالب يفضّ النزاع في اول جلسة قضائية ، ويأخذ كل واحد حقه.

المحكمة القضائية الاسلامية برأي غوستاف لوبون

يقول الدكتور غوستاف لوبون حول القضاء في الاسلام :

« القضاء الاسلامي وترتيب المحاكمات وجيز وبسيط ، فهناك شخص منصب من قبل الحاكم لأمر القضاء ، يتابع جميع القضايا شخصياً ويحكم فيها ،

١٨١

وحكمه هذا قطعي ، ففي المحكمة الاسلامية ، يدعىٰ طرفي النزاع الىٰ الحضور شخصياً الىٰ المحكمة ويقومان بشرح القضية ويقدم كل طرف منهم دليله ، ثم يصدر القاضي حكمه في ذلك المجلس.

لقد حضرت مرّة في احدىٰ هذهِ المحاكم في المغرب ورأيت كيف يقوم القاضي بعمله ، كان القاضي يجلس علىٰ كرسيه في بناية متصلة بدار الحكومة ، كما ان كلّ واحد من المتداعيين أيضاً يجلس في مكانه ومعه شهوده ، وكانوا يتحدثون بألفاظ مختصرة وكلام بسيط ، فإذا كان احدهم يحكم عليه بعدّة سياط ، كان الحكم ينفذ فيه في ختام الجلسة ، واكبر فوائد هذا النوع من القضاء هو عدم ضياع وقت المتداعيين ، وعدم وجود خسائر مالية للمتداعيين بسبب المراجعات الادارية التي نراها اليوم ، ومع البساطة والايجاز الذي ذكرته فأن الاحكام الصادرة كانت عادلة ومنصفة ».

ليس في الاسلام استئناف ولا تميز

الدكتور : الشروط التي ذكرتها والالتفاتات العلمية الموجودة في القضاء الاسلامي ليس لها مثيل في قوانين القضاء الوضعية في جميع العالم ، حسب معلوماتي الشخصية ، ورغم الضجيج الاعلامي الذي تقوم به اوروبا دعاية لمؤساستها القضائية ، فليست هناك مؤسسة متطورة كما هو الحال في المؤسسات القضائية الاسلامية. لكن هناك امر في قوانين القضاء الوضعية المعاصرة لا نجدها في القوانين القضائية الاسلامية ، وتلك مرحلة الاستئناف والتميز ، اي ان القوانين القضائية المعاصرة تكون علىٰ مرحلتين ، فلو اخطأ

١٨٢

القضاة في المرحلة الاولىٰ او ارتكبوا خيانة ، تذهب القضية مباشرة الىٰ محكمة الاستئناف ومن ثم الىٰ التميز وهناك تدرس وتتابع من جديد ، في حين ان الاسلام فاقد لهذهِ الميزة القضائية ( الاستئناف والتميز ).

الشيخ : ان وجود مرحلتان قضائيتان في عالم اليوم وعدم وجود ذلك في القانون القضائي الاسلامي هو دليل هام علىٰ استحكام مباني القوانين القضائية الاسلامية ، وهشاشتها في القوانين القضائية الوضعية المعاصرة ، ولان الاسلام يأخذ الحدّ الاقصىٰ من الاحتياط والدقة في المرحلة الاولىٰ وضمن الشروط الواجب توفرها في القاضي. لان تلك الشروط التي ذكرناها مسبقاً تجعل من الصعب ان يخطيء القاضي او يخون وبذلك تنتفي الحاجة الىٰ مرحلة الاستئناف والتميز.

أمّا دنيا اليوم ترىٰ ان شرط القضاء الوحيد هو الشهادة الدراسية ، دون الاخذ بالجوانب الاُخرىٰ والتي تجعل من اي شخص قاضياً لمجرد انه خريج فرع القانون ، لابد وان لا تطمئن لقضاءهم وان تجعل احتمال الخطأ والخيانة مساوياً لاحتمال الصحة في الحكم !

سعادة الدكتور ! حتىٰ لو فرضنا ان جميع القضاة عدول واتقياء ، فان الاسلوب القضائي المتبع اليوم لا يبعث علىٰ الاطمئنان ، لان الاضبارة التي يجب ان يدرسها القضاة نظمت في محلّ آخر ، ومن اين للقضاة ان يطمئنوا اليها وانها لم تطلها يد التحريف والتزوير ، وهل تستطيع تلك الاضبارة أن تعكس واقع الناس المساكين والمظلومين ؟! وهل الاحكام التي تصدر من مثل هذه الاضبارات صحيحة ويمكن الاطمئنان إليها ؟

١٨٣

سعادة الدكتور ! يحاول عالمنا المعاصر حلّ مشاكله القضائية مثل احتمال الخيانة او الخطأ ( وهو احتمال قوي جداً وفي محله ) عن طريق محكمة الاستئناف والتميز ، في حين ان هذا الامر خطأ تماماً وتصور مغلوط ، لان القضاة الكبار في محكمة الاستئناف والتميز ليسوا ملائكة ، بل من اولئك المتعلمين الذين يعتبر شرط استخدامهم الوحيد هو شهادتهم الدراسية ، اي ان قضاة الاستيناف والتميز ايضا من نفس شاكلة القضاة العاديين ، فكيف لا يطمئن الىٰ حكم المحاكم العادية ويطمئن الىٰ حكم محكمة الاستئناف والتميز ؟! فهل ان قضاة المحاكم العادية غير عدول وغير متقين ، لكن قضاة محاكم الاستيناف والتميز عدول ومتقون ؟!

أليسوا جميعاً من صنف وهيئة واحدة ، والشرط الوحيد لعملهم هو الورقة التي في ايديهم ( الشهادة الدراسية ) ؟!

أمّا الاسلام وعلىٰ الرغم من عدم وجود محكمة استئناف وتميز في تشكيلاته القضائية ، يمكن الاطمئنان الىٰ قضائه سبب الشروط التي يضعها للقضاء ، وللحد الذي يعترف بصراحة الدكتور غوستاف لوبون :

« علىٰ الرغم من بساطة عملية القضاء الاسلامي والايجاز الذي فيها ، إلّا ان جميع الاحكام الصادرة عادلة ومنصفة. على العكس من القضاء في دول اوروبا وامريكا رغم تشكيلاته العريضة والطويلة والمعقدة ».

سعادة الدكتور ! لقد اراد العالم الاوروبي والامريكي من خلال محاكم الاستئناف والتميز ، الدقّة والحيطة التي اتبعها الاسلام قبل تعيين القاضي من

١٨٤

حيث شروط القضاة والشهُود ، ولقد اثبتنا ان اجراءات الاسلام لها دور مهم وبارز في القضاء لا يمكن لمحاكم الاستئناف والتميز القيام به ، ويجب ان نعترف بأن محكمة الاستئناف والتميز ايضاً تتبع نفس الاجراءات الروتينية التي تتبعها المحاكم العادية ، وليس لها تأثير سوىٰ في المبالغ الطائلة التي تصرف سنوياً من اموال هذا الشعب المسكين !

جواب سؤال

الطالب الجامعي ، حسن : أيّها العمّ العزيز كيف لا يوجد في الاسلام محكمة استئناف وتميز ، مع ان الاسلام يرىٰ احتمال نقض حكم القاضي الأوّل من قبل قاض ثان ، او ان المحكوم يطلب اعادة محاكمته عند قاضٍ آخر ؟

الشيخ : الموارد التي يمكن فيها نقض حكم القاضي ، ان المحكوم يمكنه طلب اعادة المحاكمة عند قاص آخر ، لا تشبه ما عليه في محاكم الاستئناف والتميز في عالم اليوم. لانه هناك ثلاثة مراحل قضائية في مؤسسات القضاء المعاصرة ، هي : المرحلة الاولية والاستئنافية والتميزية ، فمرحلة الاستئناف فوق مستوى المرحلة الاولىٰ والتميز فوق مرحلة الاستئناف ، من شروط عقد محكمة الاستئناف هو ان لا يمضىٰ اكثر من عشرة ايام علىٰ تاريخ صدور الحكم من قبل المحكمة الاولىٰ ، كما ان محكمة التميز تنعقد بشروط خاصة ، كما لا يوجد في انعقاد محكمة التميز ، امتيازاً بين الدعاوىٰ الجزائية او الحقوقية.

١٨٥

وتنعقد محكمة الاستئناف في حال طب المحكوم ضده ، سواءً كان يحتمل الخطأ في الحكم الصادر بحقه او متيقن من خطأه ، فالقانون يقرّ انعقاد محكمة الاستئناف لمجرد طلب الشخص الذي صدر الحكم ضده ، وسواءً قطع قضاة محكمة الاستئناف بخطأ قضاة المحكمة الاوليّة اوقطعوا بعدهم خطأهم ، واحتملوا الخطأ أو الخيانة في حكمهم ، واذا ما انعقدت محكمة الاستئناف وبعد دراستهم لأضبارة طرفي النزاع ، استنبطوا حكماً مخالفاً لأستنباط المحكمة الاولىٰ ، عند ذاك يقومون بنقض حكم المحكمة الاولىٰ ويصدرون هم حكماً محله.

موارد نقض الحكم في قوانين الاسلام القضائية

في الاسلام لا يحق لقاضٍ نقص حكم قاض قبله الّا في ثلاث موارد ، هي :

1 ـ اذا لم يرَ القاضي الثاني صلاحية وجدارة في القاضي الأول لمقام القضاء.

2 ـ فيما لو كان حكم القاضي الأول مخالفاً للأدلة القاطعة والقواعد المسلّمة في القضاء الاسلامي ، مثل : مخالفة للاجماع المحقق والثابت والخبر المتواتر وامثالها.

أمّا إذا استنبط القاضي الاول حكماً علىٰ اساس القوانين القضائية الاسلامية ، لم يستنبطه القاضي الثاني منها ، بل فهم منها شيئاً آخراً ، ففي هذه الحالة لا يحق للقاضي الثاني نقض حكم القاضي الاول.

١٨٦

3 ـ عندما يثبت تقصير القاضي الاول في دراسته للقوانين والادلة القضائية ، ولم يدقق فيها بشكل جيد.

حول طلب اعادة المحاكمة في الاسلام

أمّا الموارد التي يمكن فيها للمحكوم ضده طلب اعادة المحاكمة ، هي الادعاء بقطع خطأ القاضي في حكمه ، او انه لم يكن يمتلك صلاحية علمية للقضاء ، او انه كان فاسقاً ، او ان الشهود لم يكونوا عدول وانهم فساق ومثل هذهِ الادعاءات.

كما انه لا تعاد المحاكمة لمجرد تلك الادعاءات ، بل على المحكوم في البداية اثبات دعواه ، فلو ادعىٰ المحكوم ان القاضي قد اخطأ ، عليه اولاً ان يثبت خطأ القاضي ومن ثم طلب اعادة المحاكمة.

أمّا اذا لم يثبت المحكوم خطأ القاضي او عدم صلاحيته او عنوان آخر مما ذكرناه ، فليس له طلب اعادة المحاكمة لمجرد احتماله الخطأ وحتىٰ لو طلب ذلك من قاض آخر ، فلا يحق لذلك القاضي ان يبحث ويدرس حكم القاضي الأول.

خصوصيات المسألتين في القضائين الاسلامي والوضعي

اصدقائي الاعزاء !

أتصوّر انه ومن خلال ما ذكرته اعلاه ، يتضح الفارق بين محكمة

١٨٧

الاستئناف والتميز عن الموارد التي يمكن فيها للقاضي المسلم نقض حكم قاض آخر او التي يحق للمحكوم فيها طلب اعادة محاكمته ، وثبت عدم تشابه ما يطرحه الاسلام عما موجود في الانظمة الوضعية ( محكمة الاستئناف والتميز ) ، وبشكل عام فأن الفوارق القضائية بين الاسلام والوضعية ، هي كالتالي :

1 ـ لا توجد في المؤسسة القضائية الاسلامية ثلاثة مراحل قضائية ، خلافاً للمؤسسة القضائية الوضعية المعاصرة التي لها ثلاث مراحل قضائية ، هي : المرحلة الاولية والاستئناف والتميز.

2 ـ من منظار القوانين القضائية الاسلامية ، اذا كان استنباط احد القضاة مخالفاً لأستنباط وحكم القاضي الاول ، فليس له اي حق في نقض ذلك الحكم الاولي ، في حين ان القوانين القضائية الوضعية المعاصرة ترىٰ ان استنباط قضاة محكمة الاستئناف إذا كان مخالفاً للحكم الاولي ، ينقضه ويصدر مباشرة حكم آخر في القضية.

3 ـ لا يقبل من المحكوم طلب اعادة المحاكمة ما دام لم يدعي خطأ القاضي الاول بشكل قطعي او عدم صلاحيته اوفسقه او الخ ، وحتىٰ لو طلب المتهم ذلك من قاض آخر ، فلا يحق لذلك القاضي اعادة المحاكمة او النظر في حكم القاضي الاول ، اما لو اتهم المحكوم القاضي الاول بما ذكرناه مسبقاً ، فلا تنعقد محكمة جديدة مباشرة أيضاً ، لانه عليه ان يثبت ما ادعاه اولاً ، في حين ان قوانين القضاء الوضعية تقرّ بتشكيل محكمة استئناف بمجرد طلب المحكوم لذلك ، كما ان لقضاة محكمة الاستئناف النظر في حكم المحكمة الاولىٰ ونقصه ،

١٨٨

وعلىٰ هذا لا يوجد في الاسلام محكمة استئناف وتميز بالمعنىٰ الوارد في القوانين الوضعية المعاصرة ، وان عدم وجود مرحلتي الاستئناف والتميز في القانون القضائي الاسلامي لهو خير دليل علىٰ استحكام مبنىٰ القضاء في الاسلام ، ونزلزله في القضاء الوضعي.

كانت تلك جوانب من خصوصيات قوانين القضاء الاسلامي مقارنة بالقضاء الوضعي المعاصر ، وهناك الكثير من نماذج تفوق القوانين الاسلامية علىٰ غيرها مما يعمل به في عصرنا الحاضر.

ملاحظة بعض قوانين الاسلام الجزائية

الدكتور : كما اشرتم ، ان قوانين الاسلام تتفوّق علىٰ قوانين العصر الوضعية في العديد من المجالات ، وهو امر لابد من الاعتراف به ، ولكن هناك بعض القوانين الجزائية في الاسلام ، ادت الىٰ الطعن في صميم الدين وتلك هي العقوبات الشديدة التي فرضت علىٰ بعض الذنوب في الاسلام ، مثل قطع يد السارق ، او السوط بالنسبة للزاني او شارب الخمر ، فالعالم الغربي يرىٰ ان هذهِ العقوبات اعمال وحشية ، يجب ان لا تنفذ علىٰ البشر.

الشيخ : ان معرفة حقيقة معينة تحتاج الىٰ معرفة سائر القضايا التي ترتبط بها بنحوٍ ما.

أمّا إذا أردنا دراسة موضوع ما دون الاخذ بالمواضيع الاخرىٰ المتصلة به ، فلن نصل الىٰ معرفة حقيقة وصحيحة فيما يتعلق به. ومن النماذج التامة لذلك هي القوانين الجزائية الاسلامية التي سألتم عنها. والاشكالات التي

١٨٩

يواجهها البعض مع القوانين والاحكام الجزائية في الاسلام ، مصدرها ذلك الخطأ ، وهو انهم ينظرون فقط الىٰ احكام الاسلام فيما يتعلق ببعض العقوبات ، دون الاخذ بنظر الاعتبار للقوانين التي يطرحها الاسلام في مجال تطهير المجتمع من الاثم والذنب ، والتي تعد القوانين الجزائية الشديدة ، آخر علاج لها.

أمّا الخطوات والأحكام التي يطرحها الاسلام في مجال تطهير المجتع وجعله فاضلاً ، فهي كالآتي :

أ ـ العوامل التربوية :

يستند الاسلام غالباً في صيانة المجتمع وابعاده عن العصيان والذنوب الىٰ العوامل التربوية التي يطرحها ، وهذهِ العوامل واسعة وشاملة بحيث لو أنّها طبقت بشكل جيد تضمن سلامة المجتمع ونظافته وتقيه من 90% من المعاصي.

والعوامل التربوية كثيرة في الاسلام ، لكن اهمها :

1 ـ الايمان بالله.

2 ـ الالتزام والمسؤولية.

3 ـ الالتفات الىٰ الآخرة والحساب والاجر والعقاب.

4 ـ دعوة الانسان الىٰ الفضيلة ومحاربة الخصال الذميمة.

5 ـ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

١٩٠

6 ـ الصلاة بمعاينها السامية ومفاهيمها التربوية الخاصة.

7 ـ الصوم.

وعشرات العوامل الاُخرىٰ التي لها أدوار أساسية في تربية الانسان بتمام معنى الكلمة.

ب ـ العلاج من الاساس :

المسألة الاخرىٰ التي التفت اليها الاسلام من اجل تطهير المجتمع من الذنوب والمعاصي ، هي معالجة الظواهر من الاساس ، ومهاجمة العوامل الاساسية التي تؤدي الىٰ الذنب والمعصية ، وهذهِ بحد ذاتها مرحلة مهمة يجب الالتفات اليها قبل دراسة القوانين الجزائية الاسلامية الشديدة.

فالاسلام عندما حرّم الزنا ـ علىٰ سبيل المثال ـ لم يتجاهل الغريزة الجنسية للانسان او يقمعها ، بل وضع لها طرق شرعية متعددة لو طبقت سدت حاجة الانسان الجنسية.

ولو كان الاسلام شديداً في تعامله مع السارق فلأنه طرح نظاماً اقتصادياً ليست فيه فوارق طبقية وتمايزات بين البشر ، وهو يدعو الىٰ توزيع الثروات الطبيعية والدخل علىٰ اساس العدل ، وعلىٰ ضوء النظام الاقتصادي الاسلامي ، لن يكون هناك محتاجاً في المجتمع حتىٰ يقال : لماذا يقطع الاسلام يد السارق الجائع ، الذي ما سرق إلّا ليشبع بطنه ؟! لانه سيقال في جواب ذلك اولاً ، لن يكون هناك جائع على ضوء النظام الاقتصادي الاسلامي ، بل هو سيملك حق

١٩١

الاستفادة من جميع المصادر الطبيعية في العالم بقدر حاجته وعلىٰ اساس اصالة العمل. وثانياً متىٰ قال الاسلام بقطع يد السارق في النظام الذي يبيت فيه الاشخاص جياعاً ؟!

أجل ، ان علاج الحالات المرضية من الأساس هو الأصل الثاني المهم الذي وضعه الاسلام لتطهير المجتمع من الجريمة والمعصية ، وذلك من خلال قلع جذور الاسباب الرئيسية للجريمة.

ج ـ الاحام الجزائية في الاسلام :

وفي نهاية المطاف ، وكآخر حلّ يضع الاسلام مجموعة من العقوبات لردع الانسان العاصي والوقوف دون وقوع الجريمة ، والآن إذا أراد شخص ان ينظر الىٰ احكام العقوبات فقط وتجاهل الموردين الاوليين المهمين في الاسلام ، فأن هذا الشخص مخطئ تماماً ، لانه وكما شرحنا من قبل وضع الاسلام من جهة عوامل تربوية واسعة وشاملة تقوم ببناء شخصية الانسان من خلالها ، ويسيطر بها على الصفات الرذيلة ، لكي يرتدع الانسان من خلال امتناعه عن الذنب والمعصية.

ومن جهة اخرىٰ ، قام بقطع دابر العوامل المؤدية للذنب من الجذور ، ووضع حلولاً علمية مناسبة لجميع المشاكل وفي كل المجالات ، وفيما لو طبقت تضمن جميع متطلبات الانسان وحاجياته الطبيعية والمشروعة.

وصدقوني ان نسبة عالية من الناس لو اجتازوا هاتين المرحلتين سيكونون بكل تأكيد اشخاصاً متقين واصحاب فضائل.

١٩٢

أمّا لو بقي رغم ذلك كله شخصاً مصرّاً في اختيار الطرق الشيطانية والخصال الرديئة ، فهنا وكآخر وسيلة للعلاج ، يتعامل الاسلام معه بشدّة ويقف من خلال قوانينه واحكامه سدّاً مقابل هذه الاعمال التي تريد هدم كيان المجتمع.

وهنا لكم ان تحكموا ، أليس من غير الانصاف ان يأتي شخص ويحكم في قوانين الاسلام الجزائية ويدينها دون الاخذ بنظر الاعتبار للمسائل الاُخرىٰ المرتبطة بها ، اي تلكما المرحلتان التي ذكرتهما من قبل ؟!

الثقافة

من الضروري الالتفات الىٰ ان الاسلام يرىٰ ان العوامل التربوية والمرحلة الثانية التي هي علاج الحالات المرضية من الاساس لها دور مؤثر وقوي جداً في تطهير المجتمع وردع الاشخاص عن الذنب والعصيان ، كما ان القوانين الجزائية لو طبقت بشكل جيد يمكن ان تقف امام المعاصي وتحول دون انتشار الفساد.

أمّا الايديولوجيات الوضعية ـ وللأسف الشديد ـ لا هي تستخدم العوامل التربوية المؤثرة ولا هي تقدم حلولاً اصولية من اجل تأمين حاجات الانسان ومتطلباته المختلفة ، ولا تقدم للأسف ايضاً قوانين جزائية صارمة يمكنها مكافحة الجريمة والفساد بشكل واسع ومؤثر.

١٩٣

الذين قطعت ايديهم !!!

هنا قد يقال : لو ان السارقين تقطع اياديهم ، لفقد الكثير من الناس في المجتمع اياديهم ؟! وفي جواب ذلك ، نقول :

بل العكس فلو طبقت تلك القوانين ( خاصة مع الاخذ بالمرحلتين الاوليتين المذكورتين ) لن يكون في المجتمع مقطوعي ايدي ولا سارقين ، ومثال ذلك في عصرنا دولة السعودية ، فعلىٰ الرغم من عدم وجود عوامل تربوية صحيحة في ذلك المجتمع ونظام اقتصادي اسلامي عادل ، وعلىٰ الرغم من الفوارق العميقة الموجودة وترف ولهو وثروات الامراء والحواشي والمقربين من اموال النفط وعائداتة الطائلة ، فليس هناك سرقة ( طبعاً السرقة العادية وليست السرقات الكبيرة التي يقوم بها المسؤولون والامراء من اموال الشعب ) ولا ايدٍ مقطوعة ، لانه علىٰ الاقل تطبق الحكومة السعودية قانون قطع يد السارق ، وهذا ما يمكن التأكد منه بواسطة آلاف الحجيج الذين يذهبون سنوياً الىٰ هناك للحج ، فكم من يدٍ وجدوها مقطوعة ؟! وكم رؤوا من السرقات ؟! وحتىٰ لو شاهدوا السرقات فيه أقل بكثير مما يحدث في أي دولة اُخرىٰ.

فهذا نموذج عملي واحد عن دور القوانين الجزائية الاسلامية فيما يتعلق بالسرقة في عالمنا المعاصر ، علىٰ الرغم من ان السعودية دولة لا تطبق النظام الاقتصادية الاسلامي وليس هناك توزيع عادل للثروة ، كما انها من البلدان المتخلفة ثقافياً وحضارياً.

١٩٤

قاطعية الاسلام في مكافحة الفساد

لا يُنكر ان الاسلام واجه المذنبين والعصاة المفسدين بعقوبات شديدة ، لكن يجب ان لا ننسىٰ ان ذلك كله من أجل مصلحة المجتمع وبسبب خطورة المعصية اجتماعياً ، ولا يهدف الاسلام في قوانينه الجزائية إلّا المكافحة الحقيقية للمعصية.

والاسلام ليس كالعالم المعاصر وقوانينه ، الذي يسوّي المسألة مع العاصي أو المذنب ، وبهذا الشكل يتلاعب بسعادة المجتمع ومصلحته.

فالاسلام يرجح أن يضرب شارب الخمر ثمانين سوطاً من أجل ان يقطع دابر شرب الخمر من المجتمع ويخلصه من امراضه.

والاسلام يرجح ان يضرب شارب الخمر ثمانين سوطاً ولكن في المقابل يكون له ولجميع يجله رادعاً عن فعل ذلك للأبد.

والغريب ان عالمنا المعاصر وعلىٰ الرغم من اعترافاته بأضرار شرب الخمر ، فهو يقول ان المشروبات الكحولية سموم مهلكة وخطرة وانها تؤثر سلباً علىٰ المخ والدم والقلب والاعصاب والجلد والجهاز الهضمي و الخ ، لكنه لا يتعامل بجدية مع القضية ويتساهل مع شارب الخمر بشكل يعتبر عمله ترغيباً واشاعة للمعصية !

ولو كان العالم المعاصر يريد قلع جذور السرقة والاعتداء علىٰ اموال وممتلكات الناس ، فلماذا يتساهل مع السارق ويبدي معه تسامحاً ؟! ولو كان

١٩٥

العالم المعاصر يعتبر الاعتداء علىٰ اعراض الناس خيانة وجريمة فلماذا كل هذا التساهل مع من يفعلها ؟!

هنا لا بدّ أن نعترف وللأسف الشديد ، ان القوانين الوضعية الحالية لن تستطيع ان تلعب دوراً مهماً في قلع الفساد والمعاصي من الجذور في المجتمع فقط ، بل اجازت تلك الاعمال وأدت إلىٰ انتشارها من خلال التسامح والتساهل الذي تبديه مع مرتكبيها ، والنهج الذي تتبعه تلك القوانين الجزائية الوضعية في مكافحة الفساد والاثم ، يشبه عمل الدكتور الذي يكتفي ببعض الجرعات المسكنة مقابل مرض خطر ومسري ، علىٰ الرغم من امتلاكه جميع الوسائل والامكانيات لمكافحة المرض. وفي مثل هذه الحالة الا يقال ان هدف الدكتور هو ليس علاج الحالة المرضية بل الهاء المريض المسكين وتخديره !

أمّا الاسلام

لكن الاسلام ( وخلافاً لعالمنا المعاصر ) يسعىٰ بجدية لمكافحة جذرية للفساد والمعصية في المجتمع ، وهدف الاسلام من ذلك هو قلع الفساد والمعصية من الجذور ، علىٰ قدر المستطاع ، ولهذا نراه شديداً في وضعه للقوانين الجزائية وقوانين العقوبات وفي تنفيذها.

ولان الاسلام يريد مكافحة السرقة بشكل حقيقي ويضمن امن المجتمع من هذه الناحية ، لذلك يأمر بقطع يد السارق(1) .

________________

(1) طبعاً من الأخذ بالشروط التي وضعها الاسلام.

١٩٦

والاسلام يريد مكافحة الاعتداء علىٰ اعراض ونواميس الآخرين بشكل حقيقي ، لذلك أمر بجلد الزاني مئة سوط أمام أعين الناس ، لكي لا يعود الىٰ ذلك ويكون عبرة للآخرين وسدّاً امام اتساع دائرة المعصية في المجتمع.

والاسلام يرىٰ ان المشروبات الكحولية سموم مهلكة وانها تهدد أساس المجتمع وسلامته ، لذلك يأمر بضرب ذلك الشخص الذي يخاطر بسعادة نفسه وسلامتها وسعادة وسلامة جيلة ، ويشرب من هذا الشراب المهلك ، ثمانين سوطاً ، لكي يقف امام تكرار مثل هذا العمل في المجتمع.

ألا يمكن تطبيق هذه القوانين في عصرنا.

هنا يمكن القول ، علىٰ الرغم من تأثير القوانين الجزائية والعقوبات الشديدة التي وضعها الاسلام لمكافحة المعاصي والفساد من الجذور الا ان هذه القوانين غير قابلة للتطبيق في عصرنا الحاضر ، لانه يعتبرها اساليب وحشية !

فنقول : ليس لنا إلّا أن نتعجب لهذا القول ونأسف له.

أليس عجيباً ان الدنيا تصمت وتصم آذانها وهي تشاهد مئات عمليات القتل والاعتداء وقطع الاعضاء وعشرات الجرائم الاُخرىٰ ، والتي تقع بسبب السرقة او التطاول علىٰ أموال الآخرين ، ولكنها تعتبر قطع أربعة أصابع من يد خائن او معتدي وذلك أيضاً من أجل محو ظاهرة السرقة ، والوقوف أمام مئات الجرائم التي تأتي من هذه الاعتداءات والتجاوزات غير قابلة للتطبيق والاجراء ؟!

وكيف يستصعب عالم اليوم ثمانين سوطاً علىٰ جسد شارب الخمر

١٩٧

في حين انه لا يستصعب القتل والجرائم وسلب راحة المجتمع الذي ينتج عن تأثير الخمر في سلوكيات الاشخاص والمجتمع ، ويرىٰ ذلك صعب النتفيذ !

دنيا التناقضات

اليست دنيا الي نعيش فيها ، دنيا تناقضات وعصرنا عصر غريب ! فدنيانا من جهة رؤوفة وعطوفة للحد الذي لا ترضىٰ بقطع اربعة اصابع لمجرم ( من اجل الامن العام ومحو السرقة من المجتمع ) ، ومن جهة اخرىٰ ، هذه الدنيا الرؤوفة ، تستثمر وعلىٰ مدىٰ سنوات عديدة ملايين البشر الضعفاء وعشرات الشعوب الصغيرة والمحرومة ، وتعطي للاقوياء الحق في نهب ثروات المستضعفين. في حين ان اولئك المساكين يعيشون حفاة وجياعاً ويعانون من اسوء الظروف !

وكيف تبرر هذه الدنيا العطوفة التي لا ترضىٰ ان يضرب شارب الخمر أو الزاني ثمانين أو مائة سوط ، قتل مليون جزائري مسلم ليس لهم ذنب سوىٰ انهم يريدون الاستقلال والخلاص من الهيمنة الاستعمارية ؟!

وكيف قبلت هذه الدنيا بالقنبلتين الذريتين اللآتي دمرتا هيروشيما وناكازاكي في اليابان فقتل اكثر من سبعين الف شخص وتحولت الابنية والمصانع والمرافق العامة الىٰ انقاض خلال لحظات ؟ اليس من حق الانسان صاحب الضمير الحي ان يعجب امام تصرفات هذه الدنيا المتناقضة ؟!!

١٩٨

سرد موجز للجريمة في الدول المتقدمة

عالمنا الذي يرىٰ خطأ ان قوانين الاسلام الجزائية وحشية ، اراد ان يقف امام اعتدالات الانسان عن طريق وضع قوانين اقل صرامة وبعبارة اخرىٰ لينة ، وبذلك يقتلع جذور السرقة او اية جريمة اخرىٰ ، لكنه وللأسف لم يوفق في ذلك فقط ، بل اضطر الىٰ تشديد عقوباته وقوانينه الجزائية ويزيد من عدد سجونه يوماً بعد يوم.

وعلىٰ الرغم من ذلك كله ، ولسوء الحظ ، يزداد عدد السارقين والمجرمين في كل يوم للحد الذي اصبحت احصائيات الجريمة تقلق وتخيف مسؤولي اكبر الدول المتحضرة.

وهذه بعض تلك الاحصائيات المنشورة ، والتي سببها ترك قوانين الاسلام الجزائية وعدم العمل بها :

أ ـ تقرير وزير العدل :

في تقرير قدمه وزير العدل الايراني بتاريخ 2 / 1 / 1960 الىٰ البرلمان ( المجلس الوطني ) يقول :

« نحن نواجه هذه الحقيقة المرّة ، وهي التزايد المستمر لدعاوى الناس الحقوقية والجزائية ، ولابد من التفكير بحلّ لذلك ، وعلىٰ سبيل المثال : طبقاً للاحصائيات الموجودة عندي ، فان مجموع الاضبارات التي دخلت الىٰ جهاز

١٩٩

القضاء في الأشهر الستّة الاُولىٰ من سنة 1959 ، هو 362665 في حين ان المجموع للاشهر الستة الاولىٰ من هذا العام بلغ 444391 ، اي ان ما يقرب ثمانين الف اضبارة زادت عما كان عليه في العام الماضي ، وبالتأكيد فان العملية تصاعدية في السنوات السابقة أيضاً.

ونقلت الصحف آنذاك نصّ التقرير ، وهو نماذج صغير للجرائم الموجودة لبلد في طريقه الىٰ الرقيّ ، يرىٰ ان القوانين الجزائية الاسلامية وحشية ، ويريد ان يقف امام الجريمة بالقوانين التي تضعها عقول رجاله ورجال اوروبا المخمورين !!

ولا بدّ من كلمة لوزير العدل الذي يعجب للنتائج التي تعطيها قوانينهم الوضعية : ما ستراه في المستقبل اعظم بكثير ، فأنّك لا زلت في أول الطريق.

ب ـ سجن واشنطن :

طبقاً لاحد التقارير الذي نشرته صحيفة معروفة ، كانت في واشنطن سابقاً 3600 سجينة فقط ، اما هذه السنين فقد وصل عدد السجينات الىٰ ثمانية آلاف.

وفي مدينة فلادلفيا(1) يطلق سراح النساء اللواتي يصدر الحكم بسجنهن ، لان سجون النساء مكتضة ، وليس هناك مكان للسجينات الجُدد.

________________

(1) هذه الاحصائيات تعود لثمان سنوات قبل ، أمّا الآن فالله العالم.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

واكبر خدمة قدمها المسلمون في الرياضيات ، هو اكتشاف ( Sin = جيب ) وادلتها ، وان اول من اثبت قضاياها وادلتها هو الفيلسوف المسلم ابو نصر الفارابي.

ويعد نصير الدين الطوسي وهو من كبار فقهاء الشيعة ومن اشهر الفلاسفة والرياضيين ، اول من طرح المثلثات كعلم مستقل ، والمسلمون هم اول من اكتشف ال‍ ( Sin = جيب ) وابو ريحان البيروني هو العالم المسلم الذي تحدث عنه وشرح قضاياه.

أمّا « رغيومونتانوس » و « يوهاس مولر » فقد استطاعا تأليف كتبا في هذا المجال بعد دراسة مؤلفات نصير الدين الطوسي ، فكان ذلك اساس التكامل ومبنىٰ التقدم في الغرب »(١) .

________________

(١) نشرة « نور دانس » السنوية ، لسنة ١٩٢٦ ، ( بالفارسية ).

٣٠١

تقدم المسلمين في الهيئة والفلك

يقول الدكتور غوستاف لوبون :

« الهيئة من العلوم التي نشرها المسلمون منذ البداية في بغداد ، وقد بقيت مراكز التعليم العالي المهمة في علم الهيئة ببغداد من سنة ٧٥٠ م الىٰ ١٤٥٠ اي علىٰ مدىٰ ٧٠٠ سنة ، ومن هنا يمكن القول : المسلمون هم الذين نشروا الهيئة في جميع بلدان العالم »(١) .

ويقول جوزيف ماك كاب :

« كان المسلمون يستخدمون انابيب طويلة لرؤية النجوم ، وكانوا يعتقدون تماماً بكروية الارض ، كما انهم اكتشفوا زاويتي الخسوف والكسوف وقاسوهما ، وبعبارة اخرىٰ ، لقد اكتشف المسلمون كل ما يمكن اكتشافه قبل اختراع تلسكوب ، واستطاعوا صنع افضل واجمل ادوات ووسائل الرصد ، كما صنعوا كرات يبلغ قطر الواحدة منها ثمانية اذرع وان اسطرلاباتهم مشهورة في جميع انحاء اوروبا وكتبوا في هذا المجال من الكتب بحيث كان في مكتبة القاهرة لوحدها ستة آلاف كتاب في الهيئة والرياضيات فقط ، اضافة الىٰ كرتين فلكيتين كبيرتين »(٢) .

________________

(١) حضارة الاسلام والعرب.

(٢) المصدر نفسه.

٣٠٢

يقول السيد لالاند :

يعتر محمد بن جابر التباني ، العالم المسلم ومؤلف كتاب « علم النجوم » الذي ترجم الىٰ اللاتينية أيضاً ، والمعروف في الوسط الاوروبي ، واحداً من عشرين عالم هيئة مشهور في العالم كله »(١) .

ويذكر المؤرخ الفرنسي « سديلون » :

« أن بيضوية مدارات الكواكب ، وحركة الارض حول الشمس من المسائل التي اكتشفها علماء المسلمين قبل زمن « كبلر » و « كوبرنيك »(٢) ».

يقول البارون :

« لقد بلغ المسلمون في علم الفلك اعلىٰ مدارج العلم في القرنين التاسع والعاشر الميلاديين ، ومن علماء المسلمين الذين اشتهروا في اوروبا ، الفلكي « الفرغاني » ويعدّ كتابه في الفلك من المؤلفات الاسلامية الثمنية التي بقيت متداولة في الغرب »(٣) .

ويذكر جورجي زيدان :

« اكتشف المسلمون اسلوباً جديداً في المراصد واخترعوا ادوات ووسائل عديدة فيها »(٤) .

________________

(١) عظمة المسلمين في اسبانيا.

(٢) العالم الاسلامي.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) تاريخ الحضارة الاسلامية.

٣٠٣

تقدم المسلمين في الجغرافيا

يذكر الدكتور غوستاف لوبون :

« لقد كان المسلمون شجعان علىٰ الدوام في قيادة السفن والابحار ، ولم يكونوا يخافون طول المسافات وبعدها ، فكانت لهم في اوائل الحكومة الاسلامية علاقات تجارية واسعة مع دول بعيدة مثل الصين وبعض انحاء روسيا ، ومناطق من افريقيا لم تكن معروفة من قبل بالنسبة للاوروبيين ».

بعد ذلك يذكر الدكتور لوبون قصص عديدة عن الاسفار التي قام بها المسلمون عن طريق البحر ، منها ما ينقله عن احد التجار العرب والذي يدعىٰ « سليمان » ، فيقول :

« لقد نشر سليمان مذكرات سفره ، وان هذا الكتاب هو اول كتاب يصدر في اوروبا ويتحدث عن الصين ، وترجم هذا الكتاب الىٰ الفرنسية أيضاً في بدايات هذا القرن ».

وبعد ، يضيف الدكتور لوبون :

ابن حوقل ، أحد كبار علماء المسلمين الجغرافيين ، يقول في كتابه : « لقد شرحت في هذا الكتاب كل شيء ، وبينت فيه جميع الدول وحدود البلاد الاسلامية ، والحقت به خارطة لكل بلد تبيّن مختلف مناطقه ، من مدن وقصبات وشطوط وانهار وبحار ومحاصيل زراعية ، والطرق ومسافة ذلك البلد

٣٠٤

عن البلدان التي تجاوره واهم بضائعه التي يستوردها او يصدرها ، وكل ما يحبّذه السلاطين والامراء أو سائر الاشخاص من اُمور في علم الجغرافيا ، فجميع ذلك اوردته في هذا الكتاب ».

ثم يذكر الدكتور لوبون اسماء مجموعة من علماء المسلمين الذين عملوا في مجال الجغرافيا ، منهم ابو ريحان البيروني ، وابن بطوطة وابو الحسن ، ويضيف :

« وقد تقدّم المسلمون كثيراً في الجغرافيا وسبب ذلك يعود الىٰ امرين ، الاول ، الاسفار التي قاموا بها وجولاتهم السياحية ، والثاني المعلومات التي كانو يملكونها عن علم الهيئة »(١) .

ويقول السويسري ، جورج ريفار :

« اقدم كتاب جغرافي للمسلمين ، هو كتاب « انهار البصرة » الذي صدر سنة ٧٤٠ م وهو موجود حالياً في مكتبة باريس الحكومية ، وبعد ذلك كتاب « الاستخري وسليمان » وكاتبه احد التجار المسلمين الذين سافروا الى الهند والصين ويعود تاريخ تأليفه الىٰ قرن التاسع الميلادي ، وقد ترجم سنة ١٨٥٤ م الىٰ الفرنسية في مجلّدين على يد السيد رينو ونشر في اوروبا »(٢) .

ويضيف ريفار قائلاً :

« للأعمال التي قام بها العلماء المسلمون تأثير في اكتشاف امريكا ،

________________

(١) حضارة الاسلام والعرب.

(٢) صورة الاسلام.

٣٠٥

وهناك رسالة من كريستوف كولومبس ، يعود تاريخها الىٰ تشرين الاول ( اكتوبر ) ١٤٩٨ م يذكر فيها اسم « أبو الفوارس » احد الجغرافيين المسلمين ، من جملة الكتّاب الذين توقعوا وجود عالم جديد ( اي ؛ الامريكيتان واستراليا ) »(١) .

ويقول الدكتور ب فودوارد :

« لقد تحدّث أبو علي سينا عن طبقات الارض وتكوّنها كدليل علىٰ انجماد الارض في عصور متمادية »(٢) .

________________

(١) المصدر نفسه.

(٢) عظمة المسلمين في اسبانيا.

٣٠٦

تقدم المسلمين في الصناعات الجميلة

يقول الدكتور غوستاف لوبون :

« من خلال مشاهدة عامة للمساجد والمراكز العلمية ودور استراحة المسافرين يتضح ان التدين والتحضر قد امتزجا في الاسلام بحيث لا يمكن فصل احدهما عن الآخر.

ويمكن معرفة قريحة أي شعب ما وأية اُمّة من خلال الاقتباسات التي تقوم بها ، والتغيرات السريعة ، التي تقوم بها في تلك المقتبسات حسب متطلباتها ، فتجعلها علىٰ صبغتها وتضفي عليها طابعها ، فتكون قد ابتكرت شيئاً جديداً ، وعلىٰ ضوء الادلة التي نمتلكها فليس هناك اُمّة استطاعت ان تفوق المسلمين في هذا الأمر وتتقدّم عليهم ، فمن خلال مشاهدة ابنيتهم وعماراتهم يمكن معرفة قوة ابداعهم واختراعهم وافضل مثال علىٰ ذلك ، مسجد قرطبة في الاندلس ، الذي استفيد في بنائه من معماريين محليين ، لكنهم في نفس الوقت امروهم بادخال طراز جديد وبديع ، منها ما شاهده المسلمون من قصر اعمدة المعابد القديمة في قرطبة بحيث ان البناء الذي يأتي عليها ، يكون غير مناسب لها من حيث الحجم ، لذلك أمروا المعماريين أن يصنعوا عمودين ( لزيادة الارتفاع ) ومن ثم تغطية مفاصل هذه الاعمدة بنقوش ومواد زينة ، لكي يراها

٣٠٧

المشاهد واحدة »(١) .

ثمّ يذكر الدكتور لوبون امثلة عديدة علىٰ جمال اعمال المسلمين في العمارات والابنية التي شيدوها في اوروبا.

________________

(١) حضارة الاسلام والعرب.

٣٠٨

تقدم المسلمين في مجال الفنون(١)

يقول الدكتور غوستاف لوبون :

« كان عمل المسلمين في ميدان الفنون مصحوباً بأبحاث علمية ، ومن خلال تلك المعلومات العلمية نشاهد تلك الابداعات في نتاجاتهم الفنية ، ورغم عدم وصول شيء من كتب العرب ومصنفاتهم في الفنون والمهن الينا ، لكن نتاجات تلك العلوم التي دونوها موجودة ، لقد شاهدنا مهاراتهم في استخراج معادن ، مثل : الذهب والحديد والنحاس والكبريت والزئبق ، وكذلك في صناعة الاصباغ ، ومن سيوف طليطلة يتّضح المستوىٰ الذي بلغه المسلمون في هذا المجال.

أمّا منسوجاتهم واسلحتهم وجلودهم وورقهم فهي من المنتوجات المشهورة في العالم ، وفي العديد من الامور لم يستطع الاوروبيون التفوق عليهم ».

كما ان أوّل مدفعية استخدمت في العالم ، كانت علىٰ يد المسلمين.

وخدمات المسلمين لا تنحصر بتطويرهم للعلوم من خلال البحث والاكتشاف ، وضخ روح خاصة فيه ، بل تشمل ايضاً امراً هاماً جداً ، وهو

________________

(١) المقصود بالفنانين ، هم اصحاب المشاغل والحرف الدقيقة والظريفة ، وليس ما يسمونه بالفنانين وهم الراقصون والراقصات و ...!!

٣٠٩

تدوين وتأليف الكثير من الكتب وتأسيس مدارس عالية لنشره في جميع ارجاء العالم ، وبهذا الشكل احسنوا الىٰ العلوم الاوروبية الىٰ حدّ لا يمكن تصوره »(١) .

________________

(١) حضارة الاسلام والعرب.

٣١٠

تقدم المسلمين في صناعات الاخشاب والعاج

يقول الدكتور غوستاف لوبون :

« ومن الصناعات التي طورها المسلمون هي ترصيع الخشب او العاج والصدف ، وقد تركوا لنا آثار عديدة من ابواب جميلة في المساجد القديمة ، والمنابر المرصعة بالاحجار الكريمة ، والسقوف المزينة بالمرايا والكاشي والشبابيك المصنوعة علىٰ شكل زخارف واشكال هندسية متنوعة ، حيث لا يمكن صنع مثيلات لها اليوم الّا بصرف مبالغ طائلة ».

وكان المسلمون ماهرين في الحك علىٰ العاج ايضاً ، والشاهد علىٰ ذلك منضدة كنيسة القديس ايزديلون(١) والصندوق الصغير الذي صنعوه في القرن الحادي عشر لملك اشبيلية ، وكذلك محفظة عاجية تعود لكنيسة بايفا(٢) صنعت في القرن الثاني عشر والظاهر ان الاوروبيين جاؤا بها من مصر في زمن الحروب الصليبية ، والمحفظة المذكورة مطلية ومنقوش عليها بالفضة والذهب وعليها صور لانواع الطيور خاصة الطاووس ، ويلاحظ في صناعات المسلمين في الاخشاب والعاج والاحجار الكريمة امراً غريباً ، وهو انهم يستخدمون ادوات خشنة وقاسية في اعمال ظريفة ودقيقة ، وهذا دليل على فطنتهم وذوقهم الفني ، ومع ان ادوات الزينة والمرصعات الموجودة حالياً في القاهرة

________________

(١) Saint Isedeleon

(٢) Baeva

٣١١

أو دمشق لا يمكن مقارنتها بما كان في عصر الخلفاء المسلمين ، لكنه يمكننا القول انه لا يوجد في اوروبا اليوم مَن يستطيع عمل شيء من أباريق أو أساور أو تخوت مرصعة ومنقوشة ومزينة ، بأدوات قديمة لا تزال تستخدم في بلدان الشرق »(١) .

________________

(١) حضارة الاسلام والعرب.

٣١٢

تقدم المسلمين في صناعة الكاشي

يقول الدكتور غوستاف لوبون :

« لقد تقدم المسلمون في صناعة الكاشي ـ مثل العمران ـ خطوات كبيرة ، والصناعة التي تعلمونها من اقوام اخرىٰ طوروها بشكل لم يستطع احد مجاراتهم فيها ، وفي بدايات القرن العاشر الميلادي شرع المسلمون باستعمال الكاشي مزّين والمرصّع بمادة المينا وقد احدثوا لهذا الامر مصانعاً كانت تصدر منتوجاتها الىٰ جميع انحاء العالم ، فالكاشي المزين بالمينا والمصنوع في القرن الثالث عشر استخدم بشكل ليس له مثيل في قصر الحمراء ، وكان ذلك الكاشي برّاقاً مثل الكاشي الذي صنع فيما بعد في ايطاليا وعرف باسم « مجالكا » ولفظة مجالكا مشتقة من ميورقة(١) وهي اسم واحدة من اكبر مصانع الكاشي التي شيّدها المسلمون ، وهذا دليل علىٰ ان الايطاليين اخذوا هذا الفن من المسلمين.

ومن أعظم آثار المسلمين في فن الكاشي أو السيراميك ، سندانة الورد المعروفة في قصر الحمراء ، ويبلغ ارتفاع هذه السندانة متر ونصف المتر ، ولونها أبيض يميل الىٰ الصفار نقشت عليها شجيرات ورد زرقاء ، بالاضافة الىٰ نقوش اُخرىٰ وصوراً لحيوانات غريبة ، منها واحدة تشبه الغزال ، وهي قمة في الابداع مثل سائر ابداعات المسلمين »(٢) .

________________

(١) جزيرة في الجانب الشرقي.

(٢) حضارة الاسلام والعرب.

٣١٣

اختراع المسلمين للورق القطني

يقول الدكتور غوستاف لوبون :

«كانت كتابات الاوروبيين الىٰ فترة من القرون الوسطىٰ تتم علىٰ الجلود ، وكانت قيمته الباهضة تحول دون انتشار الكتب واشاعتها ، بالاضافة الىٰ انها وبعد فترة اصبحت نادرة ويصعب الحصول عليها ، فقام جماعة من الرهبان الروم واليونان بجمع التصانيف القديمة والضخمة جداً ، فكانوا يحكون احرفها وكلماتها ويكتبون عليها من جديد مسائلهم الدينية ، ولو لم يخترع المسلمون الورق لأتىٰ الرهبان علىٰ جميع تلك الكتب القديمة التي كانت في حوزتهم ، واختراع المسلمين هذا قدم خدمة جليلة لعالم العلم ».

لقد وجد كاسيري(١) كتاباً من الورق في مكتبة ايسكيريال(٢) كتب في سنة ١٠٠٩ ويُعد من أقدم النسخ الخطية في مكتبات اوروبا ، ويتّضح من ذلك ان المسلمين استخدموا الورق بدل الجلود قبل الآخرين.

وفي مقابل القائلين بأن الصينيين هم الذين اخترعوا الورق الحريري ، وبعد اعترافه بذلك ، يقول :

« لم يكن الورق المصنوع من الحرير ذا فائدة لاوروبا آنذاك ، لأنه لم

________________

(١) Casierie

(٢) Eskerial

٣١٤

يكن هناك حرير في اوروبا ، بل كان هناك قطن ، والمسلمون هم الذين اخترعوا الورق المصنوع من القطن ، وبهذا تكون اوروبا مدينة لهم في علمها ، كما يتّضح من كتب المسلمين القديمة ، انهم طوّروا هذا الفن حتىٰ اعلىٰ درجاته ، فلم يصنع احد افضل من الورق الذي صنعوه ، ويشهد لهم التاريخ بأنهم صنعوا الورق حتىٰ من الملابس البالية علىٰ الرغم من صعوبة ذلك ، والاعمال العديدة التي يتطلبها والتي لم يكن يقوىٰ علىٰ مثلها إلّا المسلمون »(١) .

________________

(١) حضارة الاسلام والعرب.

٣١٥

تقدم المسلمين في علم الميكانيك

يذكر الدكتور غوستاف لوبون :

«كانت معلومات المسلمين في مجال رفع الاثقال متطورة جداً ، ومن خلال بعض الادوات التي وصلتنا والكتب القديمة التي دوّنوها تتّضح قوّة اُسس التطوّر الصناعي الذي كان للمسلمين ».

ويقول الدكتور برنارد(١) استاذ جامعة اكسفور(٢) : « ان استخدم الرقّاص في الساعة هو من اختراعات المسلمين »(٣) .

يقول درابر استاذ جامعة نيويورك : «كان المسلمون مطّلعين في علوم الميكانيك ، وقد وضعوا قوانيناً لحركة الاجسام ، وكانوا ملمّين بجميع خصوصيات الميكانيك ( علم الحركات ) »(٤) .

________________

(١) Bernard

(٢) Oxford

(٣) حضارة الاسلام والعرب.

(٤) موسوعة فريد وجدي ، حرف العين.

٣١٦

تقدم المسلمين في صناعة الزجاج

يقول الدكتور غوستاف لوبون :

« تنسب صناعة الزجاج الىٰ الفينيقين ، وبعد ذلك تعلمتها جميع الشعوب الآسيوية ، وقامت كل واحدة منهم بتطويرها ، خاصة المسلمون الايرانيون ، والمصريون ، حيث بلغوا مدارج رفيعة في هذا الفن ، وقد تم الكشف عن أواني زجاجية في نينوى ( شمال غرب العراق حالياً ) يعود تاريخها الىٰ القرن السابع أو الثامن الميلادي.

وفي عصر الرومان قَدِمَ الكثير من صنّاع الزجاج في الاسكندرية الىٰ روما ، فكانوا يصنعون كؤوساً مزينة بـ ( المينا ) جميلة جداً ، ولكن لا بد ان نعلم ، ان هذه الصناعة القديمة بلغت ذروتها علىٰ يد المسلمين الذين اشتهروا بهذا الفن ، والنماذج التي بقيت من اعمال المسلمين دليل علىٰ مستوىٰ المهارة التي بلغوها في صناعة الزجاج ، وقد ترك المسلمون في هذا الميدان آثاراً خالدة ، منها ابريق من الكريستال موجود حالياً في متحف باريس.

ويرىٰ أكثر المؤرّخون ان اهالي البندقية الذين كانت لهم علاقات جيدة بالمسلمين تعلموا هذه الصناعة منهم ، ولهذا السبب حصلت أدوات مورانو(١) الكريستالية علىٰ شهرة واسعة(٢) .

________________

(١) Murano

(٢) حضارة الاسلام والعرب.

٣١٧

استعمال المسلمين للبوصلة في البحر

يذكر الدكتور غوستاف لوبون :

« يتّفق الجميع علىٰ ان الصينيين هم الذين اخترعوا البوصلة ، لكنه ليس من الواضح انهم استخدموها أيضاً في رحلاتهم البحرية ، لانهم لم يكونوا ماهرين في المواصلات البحرية وماكانوا يبتعدون عن سواحلهم كثيراً.

في حين ان للمسلمين باع طويل في المواصلات البحرية ، وكانت لهم علاقات تجارية مع الصين منذ ذلك الوقت ، في حين ان اوروبا كانت آنذاك لا تعلم بوجود بلاد الصين اساساً. ومما لا شك فيه ان الاوروبيين اطلعوا علىٰ البوصلة من خلال المسلمين ، فلم يكن الاوروبيون يعرفون استخدامها لفترة طويلة ، وبالتحديد حتى بدايات القرن الثالث عشر الميلادي ، في حين أن المؤرخ الاسلامي « الادريسي » يذكر في اواسط القرن الثاني عشر ان استخدام البوصلة شائع بين المسلمين(١) ».

________________

(١) المصدر نفسه.

٣١٨

تقدم المسلمين في مجال التعليم

يقول بنيامين تودل :

« في الاسكندرية وحدها شاهدت عشرون مركزاً تعليماً ، بالاضافة الىٰ مراكز التعليم العامة في بغداد والقاهرة وطليطلة وقرطبة وغيرها من المدن الاسلامية.

أمّا الجامعات التي أسسها المسلمون فكانت فيها مختبرات(١) ومراصد ومكتبات كبيرة وسائر ادوات ووسائل البحث ».

ويذكر الدكتور غوستاف لوبون :

«كان في مكتبة الحاكم الثاني في قرطبة ( عاصمة المسلمين في اوروبا ) ، ستمائة الف كتاب ، منها اربع واربعين مجلداً خاصاً بفهرس المكتبة ».

ثمّ يضيف الدكتور لوبون نقلاً عن أحد كبار علماء اوروبا ، انه قال :

« بعد اربعمائة عام ، وعندما اسس شارل الحكيم(٢) مكتبة باريس الحكومية ، لم يتسطع جمع اكثر من تسعمائة كتاب ، ثلثها من الكتب الدينية ، وذلك رغم الجهود الكبيرة التي بذلها.

________________

ـ Bineamin de Tudele

(١) Laborotoire

(٢) Charles Lesage

٣١٩

ملخّص القول ، أنّ تقدّم المسلمين في مجال التعلم بلغ مستوىٰ جعل العالم يمد اليهم يد السؤال علىٰ مدىٰ تسعة قرون.

ويقول البحار المعروف ومكتشف القارة الامريكية ، كريستوف كولومبس :

« لقد نجحت في اكتشاف جزيرة امريكا عن طريق الهند ، في حين انني وجدت الطريق الىٰ الهند من خلال ماكتبه العالم المسلم ابن رشد الاندلسي ».

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466