رحلتي من الظلمات إلى النّور

بالكحول.

ويقول الدكتور الفرنسي « لاندوزيه » :

مرض الكحولية يهيء الجسم للاصابة بالسلّ.

كما يقول الدكتور « جاكوه تربلون » :

المشروبات الكحولية تضف جهاز المناعة في الجسم ، كما انها السبب الرئيسي في السلّ الرئوي(1) .

6 ـ تأثير المشروبات الكحولية علىٰ الجهاز الهضمي :

المشروبات الكحولية تؤدي الىٰ ضخم في اللسان وتشققات فيه ، كما انها تؤدي الىٰ ورم في الحلق والبلعوم ، وتأثيرها علىٰ المعدة اكبر لأنها تتوقف هناك طويلاً ، فتتورم غدد المعدة وتقوم بترشيح مادة لزجة تخرج من الفم نتيجة للقيء ، وفي بعض الاحيان يتقيء المدمنون علىٰ الكحول خليطاً من الدمّ ، وهذا الدم يأتي من القروح التي تحدث في المعدة.

كما انها تقلل من الشهية وتؤدي الىٰ سوء الهضم واتّساع المعدة للحد الذي يمكن ان تستوعب المعدة احياناً تسعة ليترات من الماء.

والمشروبات الكحولية تؤثر أيضاً علىٰ الامعاء ، وهي السبب غالباً في حالات الاسهال الدموي ، ولها تأثير كبير علىٰ الكبد. فهي تؤدي الىٰ تورمه والتهابه. وامراض الكبد متلازمة عادة مع التهاب المعدة ، فتؤدي الىٰ التقيّء وعدم الشهية وعلىٰ اثر تغير بالثولوجي ( مرضي = pathologic ) قد يحصل

________________

(1) المصدر نفسه.

احتقان في اوردة المعدة ، فيتقيء المريض دماً ، ثم ينتج عن ذلك البواسير ، وفي النهاية يأتي دور مرض الاستسقاء ، فتمتلأ البطن بمائع اصفر ، وتتحرك الاعضاء الداخلية عن مكانها ، فيصعد القلب الىٰ الاعلىٰ والرئتين تتحركان عن مكانهما ويصبح الطحال معلقاً وقد ازداد حجمه.(1)

7 ـ تأثير المشروبات الكحولية علىٰ الكلىٰ :

يقول احد الاطباء البريطانين :

أن نسبة عالية من امراض الكلىٰ ( 5/87% ) سببها المشروبات الكحولية ، كما ان المشروبات الكحولية تزيد من كمية البول ، وهي السبب في ورم بعض الاعضاء كالبطن والارجل والعيون.(2)

8 ـ تأثير المشروبات الكحولية علىٰ المخ :

ان تأثير الكحول شديد علىٰ الجهاز العصبي بشكل عام والمخ بالخصوص ، فغالباً ما يؤدي الادمان علىٰ الكحول الىٰ تمزق في الشريان الموصل للدم وبالنتيجة تحدث الجلطة الدماغية ، التي تنتهي الىٰ الموت ، وقد تؤدي احياناً الىٰ شلل في بعض الاعضاء او حالة صرع وتشنجات(3) .

9 ـ تأثير الكحول على الجلد والرقبة :

أن بشرة المدمنين على الكحول تكون حمراء ، ولربما يكونون مصابين

________________

(1) المصدر نفسه.

(2) المصدر نفسه.

(3) المصدر نفسه.

ببعض الأمراض الجلدية ، مثل : الاكزيما والبثور التي تظهر في الوجه و... غيرها. ونتيجة لتناول الكحول وخاصة ماء الشعير ( البيرة ) ، تزداد احياناً الشحوم في الرقبة ، فتحتاج ازالتها إلى عملية جراحية(1) .

10 ـ المشروبات الكحولية تهيء الجسم للمرض :

بالاضافة الىٰ ان المشروبات الكحولية تسبب الامراض التي ذكرناها ، فانها تجعل الجسم مهيئاً للكثير من الامراض.

ويقول « اندرسون » طبيب جلارجو المعروف :

المشروبات الكحولية تحول الاجسام القوية الىٰ اجسام مهيئة للأمراض.

وعندما انتشر الوباء سنة 1832 في وارسوا(2) كان تسعين بالمائة من الذين ماتوا بالوباء هم من المدمنين على شرب الكحول ، وعندما انتشر المرض في تفليس(3) كانت خسائر المدمنين عشرون ألف ، وقد ذكر السيد هوبران ثمانين بالمائة من الذين اخذهم الطاعون سنة 1833 كانوا مدمنين علىٰ شرب الخمرة.

ويقول العالم « استانليه » :

من الصعب جداً بقاء المدمنين في افريقيا علىٰ قيد الحياة.

________________

(1) المصدر نفسه.

(2) عاصمة بولندا من دول اوروبا الشرقية.

(3) عاصمة جورجيا.

ويقول احد الاطباء الجراحين :

حسب احصائيات دقيقة فان حظ المدمنين علىٰ الكحول اقل بكثير عن غيرهم في العمليات الجراحية.(1)

11 ـ المشروبات الكحولية تؤدي الىٰ الجنون :

يعد المسكر اهم سبب في الجنون ، وتشير احصائيات المستشفيات العقلية ، ان اغلب المجانين هم من الذين قضوا جلّ حياتهم بتعاطي الخمرة.

وجاء في تقرير حول عائله امريكية : أن سبعة من افرادها بلهاء وحمقىٰ ، لان ابوهم وامهم مدمنين علىٰ الكحول.

ويقول الدكتور باركر :

أن نصف حوادث الجنون والسفاهة سببها المشروبات الكحولية.

وفي تقرير لجمعية يرأسها السيد « بوانكاره » رئيس فرنسي سابق ، يقول فيه : «كؤوس الوسكي الصغيرة التي يقدمها الآباء والامهات إلى اطفالهم وابناءهم ، تسبب ضعف الابناء وجيلهم ، وبالنتيجة هناك اليوم مئتي الف مجنون في فرنسا ، ما عدىٰ المصابين بأمراض البلعوم والحلق ، والانحطاط الاخلاقي ».

وحسب الاحصائية التي جرت في بريطانية سنة 1902 ، فأن عدد الاشخاص الذين اصيبوا بالجنون نتيجة لتناول المشروبات الكحولية ، بلغ

________________

(1) مضار المشروبات الكحولية.

2249 رجلاً و 976 امرأة.

لما الامين العام للجنة مكافحة المشروبات الكحولية ، فقد صرّح في المؤتمر الدولي الرابع والعشرين لمكافحة المشروبات الكحولية : بأن : 20% من المراجعات و 60% من المراجعين الىٰ المستشفيات هم من المدمنين المشروبات الكحولية ، و 80% من المجانين و 40% من المرضى الآخرين هم من المدمنين علىٰ الكحول(1) .

واثبتت الاحصائيات في بريطانيا ان 95% من حالات الجنون سببها الادمان علىٰ الكحول(2) ، وأيضاً حسب احدىٰ الاحصائيات التي جرت في اوروبا ، فان عدد مجانين كل مدينة يتناسب وعدد البارات ( اماكن شرب الخمر ) فيها ، والجنون الخمري يكون أحياناً بسيطاً ولا يؤثر الّا علىٰ قوة العقل والذكاء ، فيصبح المصاب ابله او احمق.

وجاء في تقرير اعده مستشفىٰ الامراض العقلية بطهران حول اسباب الجنون والامراض الدماغية ونشر في صحيفة اطلاعات بتاريخ 30 نيسان 1942 :

الكحول والسفلس يهددان مجتمعنا ، فلا يقام مجلس او محفل الّا وتشرب فيه الخمرة ! ولا يوجد مكان الّا وفيه شخص مصاب بالسلفس ، فالمشروب والسلفس يتشران في المجتمع بكثرة ، والحقيقة ان الذي يشرب الخمرة او يتجه الىٰ اماكن الاصابة بالسفلس ، انما يحجز بيديه لنفسه سريرا في

________________

(1) مجلة الصحة.

(2) م. ن.

مستشفىٰ الامراض العقلية.

فيا مدمني الكحول ويا مصابي السفلس ، تعالوا وشاهدوا مستشفىٰ الامراض العقلية ، لتروا عاقبة اعمالكم ولتدركوا مدىٰ شقاءكم وتعاسة ابناءكم.(1)

12 ـ تأثير المشروبات الكحولية علىٰ الأخلاق :

لا ينحصر تأثير الكحول علىٰ الجسم فقط ، بل ان تأثيره علىٰ الاخلاق يكون اكبر ، لأن المدمن علىٰ الكحول يصبح سيء الخلق ولا ابالي وسيء الظن وشتام وبذيء اللسان.

والمشروبات الكحولية تؤدي بالانسان الىٰ درجة من الانحطاط الاخلاقي يكون فيه مستعداً لارتكاب اي جريمة وذنب.

وقد جاء في احدىٰ الاحصائيات الدقيقة في بريطانيا سنة 1878 ، ان المحكمة اصدرت 54348 حكماً علىٰ نسات مدمنات علىٰ الكحول ، لارتكابهن جرائم وهن في حالة سكر.(2)

13 ـ اضرار المشروبات الكحولية علىٰ الاسرة :

يترك الكحول آثاراً سيئة جداً في نسل المدمنين عليه ، فأطفاله غالباً ما يصابون بحالات من التشنج ، وفي الكبر يعانون من الحمق وقلة الذكاء وضعف الارادة ، كما ان الاطفال الذين يصابون بالصرع اغلبهم من ابناء المدمنين علىٰ

________________

(1) مضار المشروبات الكحولية.

(2) م. ن.

الكحول ، كما ان نسبة كبيرة من اطفال المدمنين علىٰ المشروبات يعانون في الكبر من مرض السلّ.

ويقول الدكتور « كارل غريفور » الاخصائي بالامراض العصبية :

« نسبة الاصابة بالامراض الدماغية تكون بين ابناء المدمنين على الكحول ما بين 15 ـ 17 بالمئة ، في حين انها لا تتعدىٰ 5% من ابناء غير المدمنين ».

وطبقاً للأبحاث التي اجراها الالماني ، الدكتور لاهمان ، حول تأثير المشروبات علىٰ النسل ، يقول :

« هذِه حالة نسل امرأة مدمنة علىٰ المشروبات الكحولية ولدت سنة 1740 وتوفيت في بداية القرن التاسع عشر ، فقد كان بين احفادها : 142 فقير ومستجدي ، 61 بنت تمتهن الرقص ، و 76 مجرم من القتلة والسارقين انتهىٰ بهم الامر الىٰ السجن ».

وأيضاً يذكر الدكتور الامريكي لفلين :

« يستطيع الرجل السليم ان يكون له حتى احدىٰ عشر طفلاً في حين ان المدمن علىٰ الكحول لا يستطيع اكثر من ثلاثة »(1) .

14 ـ الاضرار الاقتصادية للمشروبات الكحولية :

المشروبات الكحولية دمرت العديد من الاسر واحالة حياتهم الىٰ شقاء وتعاسة ومآسي ، ففي سنة 1902 استهلك 263 مليون لتر من ماء الشعير

________________

(1) م. ن.

( البيرة ) في الدول المتحضرة ، اما المبالغ التي صرفت علىٰ شراء سائر انواع المشروبات مثل النبيذ والويسكي والكونياك والشمبانيا وغيرها ، فهي طائلة جداً ، ففي امريكا وحدها صرف سنة 1931 مبلغ 400 مليون جنيه ( عملة امريكا هي الدولار ) ، وفي يوغسلافيا يصرف سنوياً مبلغ 20 مليون جنيه استرليني علىٰ المشروبات الكحولية. وفي بلادنا ( ايران ) وحسب الاحصائيات الدقيقة التي نشرت سنة 1933 ففي شيراز وحدها صرف مبلغ مليون ومئتي الف ريال علىٰ النبيذ لوحده. ونفس السنة صرف علىٰ النبيذ في طهران مبلغ سبعة ملايين وخمسائة وخمس وتسعون الف وستمائة وسبعة وثلاثين ريالاً ( 595637 ) وفي مدينة رشت صرف في سنة واحده مبلغ مليون وثمانمائة الف ريال لشراء المشروبات ووصل المبلغ في تبريز الىٰ مليون ومائة وثلاث وعشرين الف ريال.

وفي دولة اتازونيا تم صرف مبلغ 400 مليون جنيه علىٰ المسكرات سنة 1931 ، وفي ايران سنة 1952 صرف ما مجموعة اربعة ملايين ريال على المشروبات الكحولية بما في ذلك اسعار المواد الاولية وضرائب الدولة وعوارض البلديات ، وهذا جانب يسير من الاضرار الاقتصادية للمشروبات الكحولية في سنة واحدة ، ولبعض مناطق العالم.(1)

وحسب احصائيات سنة 1958 فقد تم استهلاك عشرة ملايين قنينة مشروبات كحولية ، حيث تجاوزت كلفتها ثمانمائة مليون ريال.(2)

________________

(1) م. ن.

(2) صحيفة اطلاعات ، العدد 10295.

15 ـ الاضرار الاجتماعية للمشروبات الكحولية :

ان الاضرار الاجتماعية التي يتركها الادمان علىٰ تناول المشروبات الكحولية ، تفوق بكثير الاضرار التي تلحق بالفرد ، لان السكران ، عندما يصل الىٰ مرحلة الجنون الخمري يتحول الىٰ سارق والىٰ قاتل ومجرم ، والمآسي التي يأتي بها مثل هؤلاء الاشخاص لا تنحصر بأنفسهم واسرهم ، بل تشمل المجتمع الذي يعيشون فيه ايضاً.

وفي خطاب لأحد وزراء اتازونيا ، يقول : « لقد صرفت امريكا في فترة عشر سنوات ما يعادل ثمانية عشر مليار دولار علىٰ المشروبات وكانت النتيجة كالتالي :

اضيف الىٰ دار المساكين مئة الف شاب ، ودخل السجون مئة وخمسين الف مجرم ، وقتل الف وخمسمائة شخص وانتحر الفين آخرين ، وترمّلت عشرون الف امرأة ، وولد مليون طفل بدون اب ».

وكان رئيس وزراء بريطانيا ( لويد جورج ) قد قال في الحرب العالمية :

لبريطانيا عدوان : المانيا والكحول !

وفي بيان لـ « بوانكاره » رئيس جمهورية فرنسا ورئيس لجنة مكافحة الكحول اصدره في الحرب العالمية الثانية يقول :

يا ابناء فرنسا ، ان اكبر عدو تواجهونه هو المشروبات الكحولية ، وقبل ان تكافحوا الخطر الالماني كافحوا خطر الكحول.

فالخسائر التي قدمتها فرنسا منذ 1870 نتيجة الادمان علىٰ الكحول

زادت بكثير علىٰ خسائر الحرب العالمية الثانية ، فالمشروب الذي يظهر لذيذ في افواههم ما هو إلّا سمّ يشيخكم ويقصر اعماركم ويجعل اجسامكم مريضة عاجزة.

ويقول احد الاطباء الالمان المعروفين : ان سبب اكثر الجرائم التي ارتكبها الالمان في الحرب هو المشروبات الكحولية التي كانوا يتناولونها ، فالكحول يمت العواطف ويذهب بالعقول ، ويسوقهم نحو الوحشية والبربرية(1) .

16 ـ المضار السياسية للمشروبات الكحولية :

قد ينتهي تناول المشروبات الكحولية بالنسبة للسياسين والمسؤولين الحكومين الىٰ مصائب تحلّ بهم وببلدانهم ، فلربما يفرط احدهم بالشرب وهو في مجلس رسمي او مؤتمر عام ويبدأ بافشاء اسرار بلاده العسكرية والسياسية او انه يهاجم احدىٰ الدول القوية بشدة ـ بسبب فقدانه السيطرة علىٰ قواه العقلية بشكل كامل ـ ينتهي الامر الىٰ حرب مع تلك الدولة وقد تشمل تلك الحرب العالم كله ، حسب مكانة الدولتين علىٰ ساحة الدولية.

________________

(1) مضار المشروبات الكحولية.

انذار

احصائية مدهشة !

وصفت احدىٰ الصحف الواسعة الانتشار ، وضع طهران ( احدىٰ عواصم بلاد المسلمين ! ) من حيث المشروبات الكحولية ، فقالت :

« يوجد في طهران ، مقابل كل مكتبة اربعة محلات لبيع المشروبات ! وفيما يلاحظ انخفاض مستمر في عدد نسخ الكتب المطبوعة ، فان انتاج المشروبات الكحولية يتزايد يومياً ».

وحسب احصائية عامة نشرتها وزارة الداخلية سنة 1961 ، يوجد في طهران 681 كل اغذية مطعم و 134 محل لبيع المشروبات الكحولية ، في حين ان مجموع مكتبات طهران ومحلات بيع القرطاسيات لا يتعدىٰ 260 ( طبيعي ان ثلثا هذا الرقم محلات بيع القرطاسية ) ، ويوجد حالياً اكثر من 40 معمل لصناعة المشروبات في ايران وينتج سنوياً وبشكل رسمي في طهران وحدها خمسة ملايين قنينة خمر وفودكا ، و 250 الف قنينة كونياك ، اما انتاج معامل المدن الباقية فهو رقم قريب مما ذكرناه ، وينتج في ايران سنوياً حدود ثلاثين مليون قنينة ماء شعير ( البيرة ).

وبالاضافة الىٰ ذلك فقد نشرت مؤسسة ابحاث الاحصائيات الاقتصادية في وزارة التجارة ، انه تم استيراد ما يبلغ قيمته مليون وثلاثمائة

وثمانين الف ريال من مخلتف المشروبات الروحية الاجنبية وذلك في سنة 1961 فقط.(1)

ومع الاخذ بمخارج المشروبات الكحولية والاضرار التي تتركها علىٰ الصحة والنفس والاخلاق والمجتمع والاسرة والاقتصاد و يمكن معرفة القيمة الحقيقية لحكم الاسلام في المسكرات وعظمة العمل الذي قام به من خلال تحريمها منذ اربعة عشر قرن سبقت وفي ذلك العالم المظلم ، وكان تحريم الاسلام لهذا السمّ المهلك بدرجة من الشدة بحيث لم يجز تماماً استعماله حتىٰ للعلاج.

يقول الامام الصادقعليه‌السلام : لم يجعل الله هذا السمّ المهلك شفاء(2) .

الدكتور : لا اتصور ان يوافق العلماء الكبار والطب المعاصر في ذلك الاسلام ، لانهم يستخدمون المشروبات الكحولية احياناً كعلاج ودواء مقوّي.

الشيخ : ابداً وعلىٰ عكس ما تتصورون ، عالم الطب سعىٰ يوماً بعد يوم الىٰ معرفة هذهِ الحقيقة ، وهي ان المشروبات الكحولية مضرّة للجميع حتىٰ للأمراض التي يعتبر المشروب دواءها ، وبالنتيجة فإن استخدام المشروبات الكحولية كعلاج في عالم اليوم أخذ ينحسر شيئاً فشيئاً ، ودليل ذلك الخطاب المسهب الذي ألقاه أحد الاطباء المشهورين في عصرنا وفي مجمع عام اقيم لبحث مسألة المشروبات الكحولية ، فقال في آخر خطابه : « ولا اؤمن بتجويز

________________

(1) صحيفة كيهان ، العدد 9229.

(2) فروع الكافي : رواية أبي بصير في سؤال ام معبد الخالدية من الامام الصادقعليه‌السلام .

المشروبات الكحولية كدواء مقوّي ايضاً ، واوصي بالاحتزاز منها خاصة بالنسبة للنساء والاطفال ، لأن ضررها اكثر من نفعها »(1) .

الدكتور : بعض المدمنين علىٰ المشروبات يتصورون ان لها فوائد أيضاً.

الشيخ : هذا الظن مصدره تلك العقول المخمورة ، وهو خطأ تماماً ولا اساس له من الصحّة ، لان الفوائد التي تذكر للمشروبات الروحية هي كالتالي :

أ ـ ترفع من حرارة الجسم في المناطق الباردة.

ب ـ مفيدة بالنسبة للهضم.

ج ـ تقوي الجسم.

ولكن الفوائد الثلاثة التي ذكروها ، ليست حقيقية ، ففيما يتعلق برفع درجة الحرارة في المناطق الباردة ، فان التجربة الطبية اثبتت ان المشروبات الكحولية لا تنتج حرارة في الجسن بقدر ما ينتجه السُكر ، الذي يستخدمه الطيارون والصيادون في المناطق الباردة لحفظ حرارة الجسم وتقويته في مواجهة الصعوبات والتعب ، في حين ان المشروبات الكحولية تقلل من مقاومة الجسم.

وفيما يخص فائدته في هضم الاكل ، فهو خطأ تماماً ، بل ان كثرة استخدامه يؤدي الىٰ اضرار جسمية ، لانه في البداية يقوم بتحريك وتهيج لكنه يؤدي الىٰ تعب الاعصاب المحركة للأوعية ، وبالنتيجة يسبب توقف عملية

________________

(1) مضار المشروبات الكحولية.

الهضم ، وبالاضافة الىٰ ذلك يؤدي الكحول الىٰ تصلب الاكل فيجعل الانزيمات المعدية عاجزة عن هضمه.

اما الفائدة الثالثة التي ذكروها ، فهي ايضاً كسابقاتها ، لانه وحسب التجارب التي جرت في الجيش البريطاني ، فقد ثبت ازدياد حجم تحمل الجنود الذين لا يشربون الكحول امام الصعوبات التي تواجههم بالنسبة للأشخاص والجنود المدمنين علىٰ شربها. وايضاً حسب الاحصائيات التي اجرتها شركات التأمين علىٰ الحياة في العالم ، فان طول عمر غير المدمنين اكثر بكثير من الاشخاص المدمنين(1) .

أجل ، ان خطورة المشروبات الكحولية بلغت حداً جعلت عالم اليوم المتحلل أيضاً يخاف من ذلك ، وبالنتيجة بدأت في اوروبا نشاطات واسعة لأجتثاث هذا السائل المدمّر من المجتمع.

وفي امريكا اقرّ قانون يحضر شراءه وبيعه وانتاجه وتصديره واستيراده وقد قام العلماء الامريكيون بنشاطات واسعة لتوعية الناس علىٰ مضاره ، من خلال الخطب وعرض الافلام لكنه وبعد اثنتي عشرة سنة من المكافحة ، اجبرت الاكثرية من الامريكيين الماضين المشرعين علىٰ سنّ قانون يلغي ذلك الحضر علىٰ استعمال وانتاج واستيراد المشروبات الكحولية ، ومرّة ثانية بدأوا بنشر هذا السمّ المهلك في مجتمعهم.

وفي بريطانيا ، كثر في وقت ما شرب الكحول بحيث اصبح يهدد اساس المجتمع ، فخاف الحكام البريطانيون من ذلك ووضعوا ضرائب كبيرة علىٰ بيعه

________________

(1) م. ن.

واقروا ذلك في مجلس العموم البريطاني أيضاً ، لكن اقرار ذلك القانون احدث ضجة في الشعب البريطاني ، فأغلقوا الاسواق حداداً ، ونتيجة للاضطرابات التي حدثت والمواجهات جعل الحكومة تسحب قرارها ورجع الناس ثانية الىٰ شرب وبيع انواع المشروبات الكحولية بحرية تامة.

اصدقائي الاعزاء !

مع الأخذ بما ذكرناه ، أليس من المخجل اننا في بلد اسلامي ، بل جعفري ودستوره يقرر علىٰ المسؤولين تطبيق الاحكام الاسلامية ، في مثل هذا البلد لا ترىٰ اي نشاط او قانون يحدّ من استعمال ويمنع شرب هذا السائل الخطر. والادهىٰ من ذلك وهو وجود مؤسسة رسمية باسم « الرساميل » تجني من خلالها الدولة يومياً ( في سنة 1944 ) ستين الف تومان ( كل تومان واحد يساوي عشرة ريالات ) كضريبة شرعية ! وقد بلغت تلك الضرائب سنة 1960 اكثر من ستين مليون تومان(1) .

قوانين الدولة فيما يتعلق بالمشروبات الكحولية :

الدكتور : يبدو ان في بلدنا قوانين تمنع استعمال المشروبات الكحولية أيضاً.

الشيخ : من بين جميع قوانين الدولة هناك مادتين قانونيتين فقط حول

________________

(1) اطلاعات السنوية (1991) القسم الرابع.

المشروبات الكحولية ، هما :

الاُولىٰ : قانون مصوب بتاريخ شباط 1954 ، وهو قانون منع انتاج وشراء وبيع واستعمال جميع انواع المشروبات الكحولية ، وهذا نصّه :

« علىٰ الحكومة من تاريخ اصدار هذا القانون وحتىٰ ستة اشهر منع استيراد وانتاج وبيع وشراء واستعمال جميع انواع المشروبات الكحولية »(1) .

حسن الطالب الجامعي : ايها العمّ ! لقد مضىٰ علىٰ هذا القانون بدل الستة اشهر ست سنوات ، فلماذا لا تطبقه الحكومة ؟

الشيخ : بني العزيز ، ألا تعلم ان الساعات والايام تمر في هذا البلد بيطء ؟! بالاضافة الىٰ ان عقلي وعقلك عاجزان عن الفهم ! ومصالح الدولة العليا ! تقضي عدم تطبيق هذا القانون ، فالحكومة الايرانية المسلمة ! تجني عن هذا الطريق سنوياً ملايين التومانات كضرائب ، فكيف يمكن ان تغض الطرف عن هذا المبلغ الطائل ؟!(2) .

الثانية : المادة 257 التي تم تعديلها بتاريخ 29 / 6 / 1949 ، وهذا نصّها :

« يحكم بالحبس التأديبي من ثلاثة اشهر حتىٰ ستة اشهر كل من يتجاهر

________________

(1) كتاب قوانين العقوبات.

(2) الغريب ان الحكومة تعتبر الضرائب التي تأخذها من موارد المشروبات الكحولية منافع الاقتصادية ، لكنها لا تنظر الىٰ ملايين التومانات التي تصرف سنوياً علىٰ المستشفيات والعلاج والاطباء ، وكذلك ما ينتج عن القتل والجرائم والاعتداءات من اضرار الاقتصادية فضلاً عن الاضرار الاجتماعية النفسية الخ !

بأستعمال الترياق او عصارته او المورفين او الهيروئين او الكوكائين او الحشيش ، او يتجاهر باستعمال المشروبات الكحولية »(1) .

حسن الطالب الجامعي : ايها العمّ ، فهل مضار المشروبات الكحولية محصورة في التجاهر باستعمالها ، ولو شربت بعيداً عن الانظار ليس فيها اي ضرر ، وبالاضافة الىٰ ذلك كيف يحكم علىٰ التجاهر بالشرب بالسجن ، في حين ليست هناك عقوبات علىٰ بيعه علناً ووجود مئات المحلات التي تبيعه في شوارع واسواق المسلمين ؟ فالذين يشترون هذه المشروبات بشكل علني من تلك المحلات ، لماذا يدفعون اموالاً لها ، اليس للشرب ؟

والحقيقة ان الذي ينظر بتمعن في مثل هذه النماذج من قانون بلادنا سيقول ان هذهِ البلاد غريبة او انها عارض المخلوقات العجيبة !

الشيخ : بني العزيز ! ألم اقل لك ان عقولنا لا تستطيع فهم ذلك وان هناك من يفهم افضل منا ! ولابد ان حكومة ايران تريد المحافظة علىٰ الشؤون الاسلامية ، وتمنع فقط التظاهر بالذنب.

حسن الطالب الجامعي : اذا كان هذا هو هدفهم ، فلماذا لا تغلق ابواب محلات بيع المشروبات ، ألا تعتبر كل هذهِ المحلات المخصصة لبيع المشروبات في الشوارع والاسواق تظاهراً بالذنب ؟!

الشيخ : ألم تسمع يا بني القول : احسن الظن بما يفعله المسلم ! ألم تسمع انهم يقولون طهرّ قلبك ؟! تيقن ان نيات مسؤولي بلدنا وحكامنا سليمة ! لا تنظر

________________

(1) كتاب قوانين العقوبات ، الفصل الخامس عشر.

الىٰ اعمالهم ، صحيح ان محلات بيع الخمور تعمل بكامل حريتها ، والخمرة ايضاً كثيرة في البلد ، وبالنتيجة تقع يومياً مئات الجرائم والاعمال والقتل بسبب السكر والعربدة و ولكن المهم هو القلب والنية ، ونية حكامنا سليمة انشاء الله تعالىٰ !!!

نص حديث مع اية الله العظمىٰ البروجردي

واختم حديثي ، بأقوال مهمة وتاريخية لسماحة اية الله العظمىٰ السيد البروجردي ـ مد ظله العالي ـ قالها للدكتور « ارشه تونك » الامين العام للمنظمة الدولية لمكافحة الكحول ، جواباً علىٰ اسئلته ، في مجلس « ارشه تونك » مع الدكتور چهرازي استاذ جامعة طهران وامين لجنة مكافحة الافيون والكحول في ايران ، وذلك عندما ذهب الاثنان الىٰ زيارة السيد البروجردي في بيته في مدينة قم ، وهنا ننقل لكم ما نشرته الصحف في اربعة صفحات حول الزيارة :

يقول الدكتور چهرازي :

« حسب الموعد الذي ضرب لنا مسبقاً ذهبت ومعي الدكتور ارشه تونك الامين العام للمنظمة الدولية لمكافحة الكحول للقاء اية الله العظمىٰ ( البروجردي ) ، وقبل الدخول الىٰ الغرفة خلعنا احذيتنا ، وبعد دخولنا تقدمنا لتقبيل يديه ، وقد اثر في نفوسنا وضع البيت وبساطته كثيراً ، وقد استقبلنا السيد بوجه ضحوك ووجه بشر وكان مسروراً لهذا اللقاء ، فأخذ بمجاملتنا.

وبعد ان شكرته علىٰ ذلك وعلىٰ اعطائه فرصة للقائه ، قلت له : السيد

ارشه تونك من سويسرا وهو الامين العام للمنظمة الدولية لمكافحة الكحول ، ومن اجل هدفه المقدس ( مكافحة الكحول ) كان مسافراً الىٰ اندونوسيا وطهران ، فأحب ان يلتقي سماحتكم ويطلب منكم الآن الاجابة علىٰ بعض اسئلته.

فرحب السيد البروجردي بذلك وسأله ارشه تونك : سماحة اية الله ! لماذا حرّم الاسلام الخمرة والمسكرات ؟

فأجابه السيد : ان الانسان اصبح اشرف المخلوقات لامتلاكه العقل ، والهدف من خلقه هو السير في طريق الكمال ومعرفة الله عز وجل ، وهذهِ الامانة العظيمة التي اودعها الله فينا وهي العقل ، فقد وضع لنا احكاماً في خلقها وصيانتها ، ومن تلك الاحكام ما قاله الرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله في حرمة استعمال وشرب الكحول مادام يؤدي الىٰ السكر واختلال العقل ، وضرورة هذا التحريم واضحة لكل عقل سليم.

ثم سأل ارشه تونك : ذلك اذا ما كان شرب المشروبات الكحولية لحد يذهب العقل ويخلّ بالشعور ، اما اذا استخدم مقدار قليل منه ، بحيث لا ينتهي الىٰ السكر ، فماذا تقولون عنها ؟

فأجابه السيد : اذا علمنا ان افضلية الانسان علىٰ الحيوان هي بسبب عقله ، وعندما ثبتت لدينا مسؤولية الانسان في حفظ تلك الوديعة السماوية والسعي لصيانتها ، اظن فسيكون كل ما يضعّف تلك القوى او يبطئها غير جائز ، ومن البديهي ان شرب الخمرة بأي مقدار كان يؤثر علىٰ العقل والشعور.

وبالاضافة الىٰ ذلك ، هناك موضوع في غاية الاهمية ، وهي ان الله اعلم بخصائص الطبيعة الانسانية ، ويعلم طبيعة البشر في الزيادة وعدم الوقوف عند حدّ معين ، لذلك لو كان قد اجاز مقداراً قليلاً منه ، لصعب تحديد ذلك القليل فيما بعد ، لذلك ومن اجل ان يخلص البشرية من مهالك ذلك السمّ القاتل حرّم شرب قليله وكثيره.

ثمّ ينقل الدكتور چهرازي بعض آيات القرآن في تحريم الخمر قرأها السيد البروجردي ثم يقول : بعد ان سمع ارشه تونك الجواب الثاني من السيد البروجردي ، قال لسماحته : « منذ عشرة سنوات وانا مسؤول هذهِ المنظمة الدولية لمكافحة الكحول ، وخلال هذهِ الفترة التقيت وتحدثت مع العديد من الشخصيات البارزة في العالم ، سياسية واجتماعية ودينية ، لكنني اقول بصراحة ، انني لم استمع الىٰ شخص تكلم بمثل ما قلتموه من كلام واضح ومبرهن وشامل حول موضوع الكحول ، وما تفضلتم به سيكون السند الاكبر في كفاحنا ضد الكحول في العالم.

والحقيقة ان افضل سبيل لبلوغ اهدافنا هو اتباع اوامركم وما تفضلتم به علينا ، وباسمي وباسم جميع المنظمات الدولية لمكافحة الكحول. اشكركم يا سماحة اية الله وآمل ان نوفق في هذا الكفاح بقيادتكم ».

ثم يقول الدكتور چهرازي : « وفي ختام اللقاء قبلنا يديه مرّة ثانية ، وطلبنا الانصراف من سماحته بعد أن أثرت كلماته كثيراً في الدكتور ارشه تونك. بجلالها الطبيعي وبساطتها. وبعد ان عاد الدكتور ارشه تونك الىٰ سويسرا ، كتب لي ان اوصل احتراماته وشكره من جديد لسماحة ايه الله